.......
المخاطر
سأبدأ الكلام عن المخاطر الكامنة.
أولاً، إن العدوان العراقي غير المبرر يشكل امتحاناً سياسياً في شأن كيفية التعامل بين الدول في فترة ما بعد الحرب الباردة. وبينما تعصف الثورات بالعالم وتتغير العلاقات بين الشرق والغرب، نقف نحن في مرحلة حرجة من التاريخ. إن الاجتياح العراقي للكويت هو إحدى اللحظات التي تميز هذه الفترة الجديدة، وهي فترة مملوءة بالآمال، لكنها أيضاً مملوءة بالتحديات الجديدة. وعلى الرغم من أن قوانين التعامل التي أفرزتها الحرب الباردة نجحت في نهاية المطاف في الحفاظ على السلام بين الشرق والغرب في أوروبا، فإن الهدف الآن هو بناء سلام دائم عالمي الأبعاد لا يتعلق بأوروبا فقط ولا يستند إلى المواجهة والتأزم.
وإذا كان لنا أن نشيّد سلاماً راسخاً وعلى نطاق أوسع، علينا أن نرد على هذه اللحظات التي تميز هذه الفترة الجديدة وأن ندرك الأخطار المتربصة بنا. فنحن ندخل الآن عصراً تستطيع الهويات القومية والطائفية فيه أن تخلق بسهولة المزيد من العنف والصراع. إنه عصر يمكن أن تنشب فيه عداوات جديدة وتهديدات حين يتراءى لقادة ضالين أن في وسعهم فرض هيمنة إقليمية، وذلك قبل أن يتم تداول القوانين الجديدة للنظام العالمي المقبل. لذا، فنحن نواجه خياراً بسيطاً. هلا نريد أن نعيش في عالم يصبح العدوان فيه أقل إمكاناً لأنه يُواجه برد حازم من الأسرة الدولية، وفي عالم تُطبق فيه قواعد السلوك الحضارية؟ أم هل نرضى بالعيش في عالم حيث العدوان لا يلقى رادعاً وحيث العدوان ينجح لأننا لا نستطيع أن نحشد الإرادة المشتركة لمجابهته؟
وللأسف، فإن هجوم صدام حسين على الكويت لن يكون العمل العدواني الأخير الذي سيواجهه المجتمع الدولي. فما دام هناك معتدون شرسون، فإن واقع الحياة الدولية هو أن مثل هذه الخطط المفترسة سوف يظهر من حين إلى آخر. لكن الأزمة الراهنة هي الفرصة الأولى للحد من مثل هذه الأخطار، ولتعزيز معايير التصرف المتحضّر الوارد في ميثاق الأمم المتحدة، وللمساهمة في خلق نظام دولي أكثر سلاماً ويستند إلى الآمال التي خلقتها التطورات الأخيرة في أوروبا وأماكن أخرى. علينا أن نغتنم هذه الفرصة لتعزيز القوانين الأساسية لهذا النظام الجديد.
ثانياً: من وجهة نظر استراتيجية، علينا أن نبرهن أن التهويل والعنف ليسا سبيلين ناجعين للتصرف في الشرق الأوسط القابل للالتهاب ـ ولا في أي مكان آخر. والأمر الذي يجعل من الشرق الأوسط مكاناً قابلاً للالتهاب بصورة خاصة هو تضافر عوامل، منها النزاعات الإقليمية التي لم تتم تسويتها، والتغيرات الاجتماعية والسياسية المضطربة، ووجود أسلحة الدمار الشامل، وكونه مركزاً لجزء كبير من إمدادات الطاقة في العالم. ولا يمكن لأحد أن يطمئن عندما يصل خطر تصاعد الحرب في الشرق الأوسط إلى مثل هذا المستوى المرتفع. وإذا أردنا أن نشجع التغير السلمي وأن نحافظ على أمن جميع أصدقائنا في المنطقة، علينا أن نبقى الشريك المؤتمن للسلام. علينا أن نبرهن أن الأسلوب العنيف الذي اعتمده صدام حسين هو من مخلفات الماضي لا من موجة المستقبل.
ثالثاً، ولعل هذا العامل هو الأكثر بديهيّة، فإن الأمر مرهون اقتصادياً باعتماد العالم على الوصول إلى إمدادات الطاقة في الخليج الفارسي. وقد بدأت التأثيرات في اقتصادنا وشعبنا بالظهور فعلاً، لكن الأمر لا يتصل بمجرد الزيادة في سعر غالون البنزين في المحطة القريبة من منازلنا. ولا يتصل بمجرد المسألة المحددة، أي مسألة تدفق النفط من الكويت والعراق. إن الأمر يتصل بطاغية يتصرف بمفرده، وبلا رادع، ويستطيع أن يخنق النظام الاقتصادي العالمي، فتقرر له أهواؤه ما إذا كنا جميعاً سوف ندخل فترة فتور اقتصادي أو حتى ظلمة كساد.
إن تصاعد أسعار النفط تصاعداً لولبياً مستمراً ـ مثلما حدث في سنة 1973 ومن ثم في سنة 1979 ـ قد يؤدي بسهولة إلى تفاقم التضخم ومعدلات الفائدة في العالم بأسره، ويدفع بنا جميعاً إلى الانزلاق نحو الركود المستمر. وقد يصبح العبء ثقيلاً، وخصوصاً في الديمقراطيات الجديدة في أوروبا الشرقية، الأمر الذي يهدد بنقض إنجازات ثورات سنة 1989. وسيكون لذلك أصداء مؤلمة في الدول الأكثر فقراً في أميركا الوسطى وجنوب آسيا وإفريقيا، ويهدد الذين يلتزمون الآن الإصلاحات المؤدية إلى السوق الحرة والذين يحاولون تحسين مستوى المعيشة لملايينهم الفقيرة.
هذه، وبكلام مبسط، هي المخاطر التي يطرحها الاجتياح العراقي للكويت. فكيف تعاملنا نحن والأسرة الدولية مع هذه المخاطر؟
أهدافنا
بالنسبة إلى الولايات المتحدة، حدد الرئيس أهدافاً فورية أربعة:
أولاً، الانسحاب الفوري والشامل وغير المشروط لكل القوات العراقية من الكويت، كما ينص على ذلك قرار مجلس الأمن رقم 660.
ثانياً، إعادة الحكومة الشرعية إلى الكويت.
ثالثاً، الحفاظ على حياة المواطنين الأميركيين المحتجزين كرهائن من قبل العراق في العراق والكويت.
رابعاً، التزام أمن الخليج الفارسي واستقراره.
إن استراتيجيتنا هي أن نقود تحالفاً سياسياً عالمياً يهدف إلى عزل العراق سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وبهذه الوسيلة، نسعى لحمل العراق على دفع ثمن مرتفع لعدوانه بحيث يضطر إلى الانسحاب من الكويت وإلى الإفراج عن الأميركيين والرهائن الآخرين. ومن شأن هذا الأمر أن يعيد إلى الكويت حكومته الشرعية، كما من شأنه أن يحسن الفرصة لإقامة أمن واستقرار طويلي الأمد في الخليج الفلرسي على نحو يستند إلى الاجماع الدولي الذي لا مثيل له والذي قد تم إنجازه الآن.
.......
وفي المدى الطويل، نحن نصبو إلى خليج مستقر تتمكن أمم هذه المنطقة وشعوبها من العيش فيه بسلام، متحررة من خطر القوة، نحن نصبو إلى منطقة يمكن أن يحدث فيها تغيير وأن يُحافظ فيها وبسلام على المصالح الأمنية المشروعة. ونحن نصبو أيضاً إلى منطقة تتدفق منها إمدادات الطاقة بحرّية.
نحن نحتاج إلى العمل معاً مع حكومات ضمن الخليج وخارجه لبناء نظام أكثر رسوخاً. ونريد أن نتأكد من أن أصدقاءنا في المنطقة يملكون الوسائل الكافية لردع المعتدين وللدفاع عن أنفسهم، جاعلين إرسال الجنود الأميركيين، رجالاً ونساء، لمساعدتهم أمراً أقل إلحاحاً. ولسوف نعمل مع سائر المجتمعات الإقليمية والدولية لمنع حدوث توسع عراقي إضافي ولمنع الجهود العراقية الرامية إلى الحصول على أسلحة الدمار الشامل وإنتاجها. ويجب أن تصبح تسوية أمر التهديد الراهن أيضاً منصة لانطلاق جهد دولي دؤوب للحد من انتشار الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية والصواريخ البالستية في المنطقة وفي أماكن أخرى. وقد يصبح مثل هذه التسوية نقطة انطلاق لإعادة الحياة إلى الجهود الرامية إلى تسوية النزاعات التي هي في صلب مثل هذا الانتشار للأسلحة، بما في ذلك النزاع المتقيّح بين إسرائيل وجيرانها الفلسطينيين والعرب.
لا يكفي البرهان على أن العدوان والتهويل لا يجديان نفعاً. بل علينا أيضاً أن نبرهن أن السبيل إلى التوافق والسلام موجود فعلاً، وأن في الإمكان الوصول إليه إذا خلصت النيات لدى الأطراف كافة.
المضامين بالنسبة إلى دور أميركا في العالم
وفي الخلاصة سوف أضع اجتياح صدام حسين للكويت في المنظور التاريخي.
على امتداد العقود الأربعة الماضية، كانت الحقيقة الرئيسية في العلاقات الدولية هي النزاع بين الشرق والغرب وترددت أصداء الحرب الباردة في أصقاع الأرض كافة فكان لها تأثيرها في الجميع وفي كل مكان. وكانت سياسة أميركا الخارجية في جزء كبير منها تنطلق من جهودنا لاحتواء العدوان الستاليني أو تندرج تحت هذا الإطار.
والآن، فإن النزاع الرئيسي في فترة ما بعد الحرب، أي نزاع الشرق والغرب بشأن مستقبل أوروبا، قد تغير. والثورات التي قادتها الشعوب في العام الفائت في أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية قد أطاحت ديكتاتوريات الماضي. وبدلاً منها، أصبح الناس ينشدون الحرية. إن أوروبا الآن في طريق العافية والحرية، ولسوف تتحد ألمانيا بسلام وحرية.
إن القيادة السوفياتية المستنيرة تشجع التغير السلمي الديمقراطي لكونه الطريق الشرعي الوحيد نحو التقدم. وللإدارة [الأميركية] الحالية اتصالات حثيثة بالمفكرين والمصلحين الجدد في الاتحاد السوفياتي. وبالعمل معاً، نرى أن لنا مصالح مشتركة من شأنها أن توحد الشرق والغرب. والمشاركة حلت محل النزاع.
وكما قلت في عدة مناسبات سابقة، فإن دور أميركا في هذا التغيير العميق في السياسة الدولية دور واضح المعالم. علينا أن نتخلى لا عن الحرب الباردة فقط، بل أيضاً عن الصراعات التي سبقتها.
.......
المصدر: وزارة الخارجية الأميركية.