ان القضية الفلسطينية (بعد أزمة الخليج) تراجعت ولم تعد أولى اهتمامات العرب، بل أغلب الظن انها لم تعد في سلم اهتمامات بعض العرب. ومما لا شك فيه ان من العوامل المهمة التي ساعدت في تراجع هذه القضية هو اقحام بعض القيادات القضية الفلسطينية طرفاً في الصراع القائم بين العراق والكويت. وبالتالي بين مؤيد للغزو والضم ومعارض لهما.
كل هذا حدث ويحدث بسبب غزو بلد عربي بلداً عربياً آخر من دون ضرورة مفهومة. كل هذه الأخطار حدثت لان بلداً عربياً غزا وضم بلداً عربياً آخر من دون مبرر مقبول أو مفهوم. هذه الآثار الخطيرة تشكل كارثة عربية وتقدم لأعداء الأمة العربية كسباً تاريخياً كبيراً. حجم هذا الكسب وأبعاده هي بحجم هذه الآثار الخطيرة وأبعادها الروحية والمادية وهو ما لم يكن يتوقعه عدو بمثل هذه البساطة في مثل هذه الفترة وبمثل هذا الحجم من الضحايا.
هل يمكن ان نقول بعد ذلك ان احتلال الكويت هو عمل قومي عربي يستهدف خدمة المصلحة القومية العربية؟ هل يمكن ان نقول ان غزو الكويت وضمها جعلا الأمة العربية في وضع أقوى؟ هل يمكن ان نقول ان غزو الكويت زاد من إمكانات العرب أم قلل من إمكاناتهم؟ هل وحد الصفوف أم فرق الصفوف؟ هل عزّز مكانتنا على الساحة العالمية أم هز هذه المكانة وأضعفها على الساحة العالمية، هل زاد من إمكانات العرب أم استنزف إمكانات العرب؟ هل أفاد شعب الكويت أم شرد الجزء الأكبر من شعب الكويت بينما الجزء الآخر في أسوأ حال؟ هل أفاد العراق أم أخذ يهدر مرة أخرى إمكانات العراق ويضعه في موقع ينذر بشر مستطير؟
غزو الكويت هذا وضمه وإلغاء الدولة كارثة كبرى وخطيئة لا تغتفر...
في حدث عربي خطير كهذا هل يمكن ان تقف سوريا متفرجة لا رأي لها؟ سوريا التي لا رأي لها هي سوريا غير موجودة وهذا لا نرضاه لانفسنا ولا يتوقعه أحد منا. خاصة وان القضية تعنينا وتعنينا في الصميم لانها تهدد أمتنا، بمبادئها وقيمها ومصالحها، ومن هذه المبادىء والقيم والمصالح وعلى أساسها يكون الرأي السوري والموقف السوري.
نحن لا ننحاز إلى هذا أو ذاك. لا ننحاز إلى القوي أو الضعيف ولكننا ننحاز إلى الحق وإلى الحق القومي....
.......
لقد قيل الكثير في أسباب ما حدث، في أسباب غزو الكويت وضمها إلى العراق.... ولكن القول الذي استقر عليه الرأي أخيراً ويجري ترديده بشكل مستمر من قبل إخواننا في العراق ان عملية الكويت واجتياح الكويت هو عملية تصحيح تاريخي انه تصحيح للتاريخ لان الكويت كما قالوا كانت جزءاً من العراق. ويجب ان يعاد الجزء إلى الكل وان يعاد الفرع إلى الأصل وقد أعيد الآن وانتهى الأمر.
ان سوريا ترى ان تصحيح ما اعوج من التاريخ العربي أمر مطلوب ومرغوب فيه ولكنه ليس بالفرض، ليس بالقسر، ليس بالقهر، بل بمشاركة الأطراف في الرؤية والفعل وإلا يكون الأمر اعوجاجاً آخر أضيف إلى اعوجاج سابق أو أضيف إلى اعوجاجات سابقة.
فهل حدث نقاش ووفاق بين الطرفين العربيين أو مع أطراف عربية حول رؤية الوضع القائم بين العراق والكويت وهل توصلوا إلى حدود دنيا من الرؤية. ان هذا الواقع هو اعوجاج تاريخي عربي أو اعوجاج تاريخي في التاريخ العراقي ـ الكويتي إذا لم يكن قد حصل هذا وهو ما لم يحصل كما أكدت الوقائع، فهل يجوز استخدام أسلوب العنف لفرض وجهة نظر طرف عربي على طرف عربي آخر؟ ثم هل يجوز اعتماد هذا الأسلوب وهذه الطريقة في تصحيح التاريخ العربي أينما رأينا فيه عوجاً؟
جميعنا يعرف ان الواقع العربي الراهن مليء بالأخطار من وجهة نظر التاريخ القومي. فإذا كنا نريد ان نصلح هذه الأخطاء ونحن نراها كيفما أدرنا الوجه. إذا أردنا ان نصحح بهذا الأسلوب فالذي سيكون هو سلسلة طويلة من الحروب العربية ـ العربية المديدة ومن الحروب العربية ـ الأجنبية وستكون النتيجة تحطيماً للتاريخ العربي وليس تصحيحاً للتاريخ العربي. وكلنا يعرف ان تحطيم التاريخ يعني تحطيم الجغرافية، وعندما تتحطم الجغرافية سيكون ذلك في مصلحة الأجانب من أعداء الأمة ومن مصلحة الصهيونية التي تتربص بنا الدوائر، ولا ننسى انه سيساعد في هذا الأمر وبشدة المعطيات التي تقدمها هذه المرحلة التاريخية على الساحة الدولية.
.......
سوريا ليست مع وجود قوات أجنبية، في أي مكان من الوطن العربي، هكذا كانت في الماضي وهكذا سوريا الآن.
ولكن مشكلتنا الملحة ليست القوات الأجنبية، فقد بدأت المشكلة قبل ان تأتينا القوات الأجنبية والمشكلة هي التي جلبت لنا القوات الأجنبية. إذن لنحل مشكلتنا وهي مشكلة عربية ـ عربية. وعندما نحل المشكلة العربية ـ العربية ستخرج القوات الأجنبية لأن المشكلة العربية والتي هي احتلال الكويت وضم الكويت بعد إلغاء الدولة هي السبب الذي أعلنه الجميع من عرب وأجانب الذي بسببه ومن أجله وبناء عليه جاءت القوى الأجنبية إلى منطقتنا....
هم يقولون بشكل متكرر انهم لن يبقوا في المنطقة بعد حل مشكلة الكويت، يكرر مسؤولوهم هذا بشكل شبه يومي، السياسيون والعسكريون، فنقل لهم بعد ان نحل المشكلة ان المشكلة قد انتهت ولم تعد قائمة ولا شك انهم سينسحبون وإذا لم ينسحبوا فسنكون عند ذاك صفاً عربياً واحداً لا خلاف بيننا على الإطلاق، نبحث السبل والأساليب والوسائل التي نراها مفيدة في خروج أو إخراج هؤلاء الأجانب من الأرض العربية.
.......
يجب ألا ينصرف ذهن أحد أبداً اننا في سوريا ننطلق من موقف العداء للعراق، صحيح نحن مختلفون، ومنذ زمن طويل، ولكن موقفنا في مثل هذه الأمور، في أمور كالأمر الذي نحن بصدده، لا يمكن ان ينطلق من موقف خلافي ثنائي، انما ينطلق من رؤية تاريخية، تبدأ في الماضي وتمتد إلى أعماق المستقبل، تشمل المصالح العميقة والجذرية للأمة، ونحن والعراق جزآن في هذه الأمة ومن هذه الأمة.
.......
انني أقول ان الطريق أمام الغزو طريق مسدود ولا يمكن ان ينجح أبداً. وطريق الغزو شيء وطريق الوحدة العربية شيء آخر. وفي رأيي ان طريق الوحدة العربية مفتوح ولو جزئياً ومع ذلك فهو أيضاً طريق طويل، طريق معبد بالتعب والجهد ولكنه معبد أيضاً بالإخلاص والنوايا الحسنة، وإرادة الجماهير. فلنسر على طريق الوحدة العربية لا على طريق الضم العربي، الأول سالك ولو بصعوبة ولكن الآخر مغلق بأية وسيلة، بأي سبيل استخدمناه وبغض النظر عن نوايانا وعن الأسلحة التي نستخدمها في تحقيق هذه النوايا.
.......
وفي إطار التضليل أو في إطار الخطأ عند بعضهم يطرحون كيف يمكن لقوات عربية ان تكون على أرض العربية السعودية والقوات الأجنبية موجودة في المملكة العربية السعودية، تصوروا هذه المغالطة كيف نكون العرب على أرض العرب إذا كان على هذه الأرض أجانب، لأن الأجانب موجودون على الأرض السعودية، يجب ان يتركها العرب لهؤلاء الأجانب. أليس غريباً ان يدعي البعض ان هذا المنطق هو المنطق القومي، ان الأمر كمن يمشي مقلوباً على رأسه يريدون منا ان نترك الخليج بأكمله للأجانب الذين هم الآن على أرض الخليج.
ان وجود الأجانب هو حافز إضافي للعرب لكي يرسلوا قواتهم ومواطنيهم إلى هذه الأراضي العربية، ولكن في كل الحالات العرب يجب ان يشاركوا في حماية أي شقيق عربي يشعر بالقلق والتهديد من قبل شقيق عربي آخر، ليست الغاية هنا ان نحارب الشقيق الآخر المهدِّد وإنما ان نمنعه من العدوان، وبهذا نساعده.
نحن في هذا ونحن فصيل أو مجموعة من المجموعات العربية العسكرية الموجودة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى جانب قوات عربية أخرى مصرية ومغربية ومن دول إسلامية، نحن بهذا نقوم بعمل قومي، وليس بعمل قطري إلا بقدر ارتباط العمل القطري بالعمل القومي أو ارتباط المصلحة القطرية بالمصلحة القومية.
.......
المصدر: "السفير"، 13/9/1990.