منذ بداية الأزمة في منطقة الخليج، بين العراق والكويت، سعت القيادة الفلسطينية إلى تطويقها في مهدها، خاصة وأن الظروف المحيطة بالأزمة كانت تشير إلى احتمال تصاعدها وانفجارها.
.......
لقد سارعت القيادة الفلسطينية، فور انفجار الأزمة، إلى التحرك مع الأشقاء العرب، من أجل التوصل إلى حل عاجل، ضمن الإطار العربي، يصون المصلحة القومية العليا، ويضمن الحقوق الوطنية، والسيادة، والأمن، للجميع.
.......
إن موقف فلسطين كان ينطلق، قبل القمة وخلالها، من ضرورة أن يكون الحل عربياً، وهو الأمر الذي أكده البند السادس من قرارات اجتماع وزراء الخارجيات العرب، الذي عقد في القاهرة، في 3/8/1990، برفض التدخّل الخارجي.
وبعد انفضاض القمة بهذه الطريقة المفاجئة، تابعت القيادة الفلسطينية مساعيها، عربياً، منطلقة من القناعة بأن استمرار الأزمة، وما صاحبه من تدخل عسكري كثيف، صار يهدد المنطقة العربية بأسرها باندلاع نيران حرب مدمّرة سوف تطاول عناصر القوة العربية، الاقتصادية والبشرية والعسكرية، وبتفتيت الكيانات العربية، وبفتح الباب أمام التوسّعية الإسرائيلية المتجدّدة، وأمام القوى الاستعمارية الطامعة في الهيمنة على ثروات المنطقة، والتحكّم في مصائر شعوبها، وبتصفية القضية الفلسطينية، ودفع المنطقة إلى البلقنة، بكل أخطارها.
وكان أهمّ ما أعلن، بعد القمة، هو المبادرة العراقية التي تضمّنت عناصر إيجابية رحّبت بها القيادة الفلسطينية، باعتبارها تحتوي على استعداد العراق للبحث في ظروف الانسحابات والترتيبات من الكويت، وما بين العراق وإيران الذي بدأت عملية تنفيذه في هذه الأيام، والانسحاب الإسرائيلي من على الأراضي العربية، والفلسطينية، المحتلة، بما فيها القدس، ومن الجولان ولبنان، تنفيذاً لمبادئ الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة.
ومن الغريب أن الولايات المتحدة الأميركية التي تحشد أساطيلها وآلة حربها الضخمة، بدعوى حماية الشرعية الدولية، هي التي وقفت، دائماً، وعلى مدى ربع قرن، ضد تمكين مجلس الأمن الدولي من اتخاذ أي قرار، أو إجراء، لمواجهة الإرهاب الإسرائيلي واحتلال الأرض الفلسطينية، والعربية، وانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني، وحماية الجرائم الإسرائيلية.
.......
وتواصل القيادة الفلسطينية مساعيها، انطلاقاً ممّا أكدته، أكثر من مرة، من أهمية الحفاظ على التضامن العربي، وحماية الأمن القومي العربي من تهديد القوى المعادية، التي لا تستهدف حماية مصالح العرب وأوطانهم بقدر ما تسعى إلى تأمين السيطرة عليها، ونهب ثرواتها، وإخضاعها لمتطلباتها الاستراتيجية.
.......
ولكن منظمة التحرير الفلسطينية فوجئت، ويا للأسف، بحملة إعلامية وسياسية، مبرمجة، وشرسة، على رئيسها، وعلى قيادتها؛ وتطوّرت الحملة إلى حملة تشهير مدسوسة وشرسة بالشعب الفلسطيني، وتاريخه النضالي، وبالتالي ضرب انتفاضته وقضيته المقدسة، بجانب التحريض على الجاليات الفلسطينية في الخليج، حيث تمّ إبعاد، وطرد، عدد منهم دون ذنب، وللأسف يساهم بعض وسائل الإعلام العربية، والأجنبية، في تأجيج نيران هذه الحملة الظالمة، والمبرمجة، على الشعب الفلسطيني، وقيادته، دون أن يعلم أصحاب هذه الأقلام أنهم يلعبون بالنار، ويصفقون لما يهدّد أمتنا العربية من خراب ودمار وتفتيت، ويساهمون مع أعدائنا، لضرب وحدة أمتنا، ومستقبلها، ووجودها.
.......
تونس، 18/8/1990
المصدر: "فلسطين الثورة"، العدد 810، 2/9/1990، ص 158 ـ 160.