Politicians and Intellectuals From the Occupied Territories Monitor the Repercussions of the Gulf Crisis on the Palestinian Issue
Special Feature: 
Keywords: 
أزمة الخليج
القضية الفلسطينية
Full text: 

الموقف الفلسطيني من ازمة الخليج

بعد الأسبوع الأول من اجتياح العراق للكويت، صدرت بيانات تحاول توضيح الموقف الفلسطيني من ازمة الخليج، واتهم فلسطينيون الصحافة الغربية والاسرائيلية بتشويهه في وقت أثار الموقف الشعبي الفلسطيني استهجانا في أوساط عربية ودولية. ما هي حقيقة هذا الموقف، وما هي الأسس التي تحكمه، وكيف يمكن تفسير حماسة الشارع الفلسطيني في تأييده العراق؟

فيصل الحسيني: ان ما يتحكم في تصرفاتنا ومواقفنا السياسية ويوجهها ضمن اللعبة الدولية القائمة حاليا، ليس الحقوق التاريخية ولا التطلعات القومية ولا حتى العدالة المطلقة، اذ ان ما يحكم تصرفات العالم حاليا هو شيء آخر الى جانب الشيء الأساسي، اي القوة، وهو الشرعية الدولية ضمن منظور الأمم المتحدة. من هذا المنطلق، فان موقفنا من المسألة العراقية ـ الكويتية لا يتعلق بالحق التاريخي للعراق في الكويت ولا بالتطلعات القومية للأمة العربية، ولا بالعدالة المطلقة في تلك المنطقة فقط، وإنما يتعلق أيضا بصراعنا ومحاولة حله ضمن المجتمع الدولي والشرعية الدولية. وجاء الموقف الرسمي الفلسطيني يتحدث عن الشرعية الدولية ويسير على خط دقيق يحاول ان يربط باستمرار بين مطاليبه وبين ما يحدث في أماكن اخرى، معلنا انه ضد الاحتلال بكل أشكاله، وأطلق المبادرة الفلسطينية الأولى التي طالب بندها الأول بالانسحاب العراقي من الكويت، وطالب بحق الشعب الكويتي في تقرير مصيره واختيار مستقبله بنفسه من دون تدخل عربي او اجنبي. وهذا الموقف دُعم فيما بعد بموقف ينسجم مع الموقف الفلسطيني عندما طالبنا بعد التدخل الأميركي في المنطقة بحل سلمي لهذه القضية. فنحن من الناحية العملية لا نستطيع إلا ان نقف بكل قوانا في مواجهة التدخل الأميركي الذي نخشى ان يكون تدخلا من أجل الاستمرار في استغلال ثرواتنا استغلالا لا يرى سوى المصالح الأميركية من دون اي اعتبار حقيقي للمصالح العربية؛ وهو ثانيا تدخل منافق، اذ انهم يتحدثون عن الشرعية الدولية التي يتجاهلونها في منطقة اخرى من هذا العالم؛ وثالثا لأننا نرى فيه عائقا في مواجهة التطور العربي. إضافة الى ذلك، اثبت لنا الأميركيون خلال الأعوام الماضية انهم يضعون تحالفاتهم الاسرائيلية فوق اي اعتبار آخر.

أما التعبير الشعبي الذي شهدناه في الأراضي المحتلة فيمكن تفسيره بوجود قوى بين الفلسطينيين كانت تنظر الى صدام حسين بعين الاعجاب وتؤيده إما لأسباب ايديولوجية او حزبية وإما بسبب الانجازات التي حققها العراق. وهناك قوى اخرى كانت تنظر الى العراق نظرة متعاطفة بسبب علاقته بمنظمة التحرير ودعمه لها في وقت تخلت عنها دول اخرى. وهناك مجموعة اخرى كانت عطشة الى ان ترى، بعد كل هذه الهزائم العربية المتتالية، انتصارا عربيا ضد إيران، ووجدت في العراق احد مظاهر القوة التي عطشت الجماهير العربية اليها. الى جانب ذلك، هناك مجموعات اقتنعت من خلال التصرفات الأميركية والاسرائيلية بأن منطقة الشرق الأوسط عبارة عن غابة، السيادة فيها للأقوى. اذ كانوا يعانون جراء وجود نمر اسرائيلي ينطلق حرا في المنطقة ليلتهمنا وينهش لحمنا يوميا. وهذه الجماهير وجدت في الغابة نمرا آخر يستطيع ان يحد من حركة النمر الاسرائيلي، بغض النظر عما إذا كانوا يحبونه ام لا.

غسان الخطيب*: يجب قسم الموقف الفلسطيني الى مرحلتين. ففي الأيام الأولى للاجتياح العراقي للكويت، كان الموقف الرسمي والشعبي عبارة عن مزيج من الشعور بالقلق من الآثار السلبية التي سيتركها في الفلسطينيين، مثل جذب الاهتمام الى قضية اخرى غير الانتفاضة او تأثيرات معينة في الدعم المالي للفلسطينيين، وتفتيت وحدة الصف العربي وما ينجم عنه من أذى للقضية الفلسطينية، وكذلك مشاعر فيها نوع من العتب على اعتبار ان لدى الفلسطينيين شعورا بأن الدول العربية والغنية قصّرت في دعم القضية الفلسطينية سياسيا في الدرجة الأولى، اذ كان الفلسطينيون يفترضون ان دول النفط ستساهم في مرحلة معينة في استثمار قوتها الاقتصادية من أجل التأثير سياسيا في بعض الدول الغربية. غير ان تمادي هذه الدول، ولا سيما الولايات المتحدة، في مساندة اسرائيل خلق شعورا بالمرارة لدى الفلسطينيين تجاه الدول النفطية الغنية.

بعد مرحلة التدخل الأميركي والأوروبي الغربي العسكري المباشر، اختلف المزاج الشعبي الفلسطيني وكذلك الموقف الرسمي في المناطق المحتلة وخارجها، واصبح الفلسطينيون يعتقدون ان الخطر الأساسي في هذه المرحلة اتى من التدخل الغربي، وخصوصا ان التدخل السريع تحت ذريعة فرض الشرعية الدولية قد استفز الفلسطينيين لأنه اتى بعد 23 عاما من الإِحجام عن التحرك العملي من أجل فرض الشرعية الدولية فيما يتعلق بالاحتلال الاسرائيلي.

والجدير بالذكر ان ما ساعد في احتداد الطابع العاطفي في الموقف الشعبي الفلسطيني هو غياب موقف سريع وواضح من قبل منظمة التحرير الفلسطينية. فتأخر طرح موقف والتعبير عنه بوضوح وفاعلية اعلامية أديا الى ظهور موقف شعبي، وانْ كان بعض جوانبه صحيحا ومبررا، إلا انه مفرط في العاطفية. إضافة الى ان موقفا كهذا كان يمكن ان يحد من الضرر الاعلامي الذي وقع علينا نتيجة تشويه الموقف الفلسطيني في وسائل الاعلام الاسرائيلية والأميركية وبعض الوسائل الأوروبية، التي لا تستطيع ان تتفهم الازدواجية الناتجة من حساسية الموقف الفلسطيني في تحفظه ورفضه ضم العراق للكويت، وفي الوقت عينه دعمه للعراق في مواجهته وتحديه للتدخل الأجنبي.

الشيخ عبد العزيز الرنتيسي**: ان ما يتحكم في الموقف الفلسطيني، ولا سيما في الشارع الفلسطيني، عدة عوامل، منها تلك الناتجة من الشعور بالأسى بين أبناء الشعب الفلسطيني من دول الخليج على الرغم من أموالها وقدراتها. ثم هناك شعور بالتفاؤل لوجود قوة ضاربة في العراق تتحدى الغرب، ولا سيما اميركا. وهناك أيضا تفهم لحجم الغزو الأميركي وأبعاده وتأثيره في المنطقة ككل، بما في ذلك تأثيره في القضية الفلسطينية. كل ذلك دفع بالعشب الفلسطيني الى الوقوف جنبا الى جنب مع الشعب العراق في مواجهة هذا الغزو.

أما الموقف الذي أعلنته منظمة التحرير، فنحن نعتبره صحيحا ومعتدلا، وإنْ كنا نتمنى ان يكون أكثر اتزانا كي يراعي مصالح أبنائنا في الداخل والخارج ومشاعر الشعب الكويتي.

علي الجرباوي***: في رأيي، ان موقف المنظمة لم يكن في الإِمكان إلا ان يكون هكذا، ولا سيما بعد التدخل العسكري الأجنبي في الخليج، والذي حسم الموقف الفلسطيني الذي كان حتى تلك اللحظة متذبذبا. والكل ينطلق من كيفية رؤية منظمة التحرير لنفسها وكيفية اعتبارنا لها، اي هل هي حركة تحرر وطني ام هي عبارة عن مؤسسات وهيكلية دولة في الخارج. فاذا اعتبرنا انها جزء من النظام العربي القائم لكان من الأسهل اتخاذ موقف متزن او هامشي كي تحافظ على علاقاتها بكل الأطراف. أما إذا نظرنا اليها كحركة تحرر وطني لها اسس ايديولوجية وطنية وقومية، فان الموقف يختلف. من هنا، وحتى لحظة التدخل العسكري في الخليج، كانت منظمة التحرير تتصرف على أساس أنها دولة، والذي أملى عليها ان تغير موقفها من دولة الى حركة تحرر هو هذا التدخل، فجاء موقفها واضحا وصريحا، وينسجم مع الأسس التي يفترض أنها بنت نفسها عليها، ولو اتخذت موقفا مخالفا لكان ذلك من نوع "الهرطقة".

الى جانب ذلك، ليس في إمكان المنظمة ان تعمل على جميع الجبهات في آن واحد، اذ لا تستطيع ان ترضي الرأي العالم العالمي وتقبض أموالا من الكويت والسعودية، وتحتفظ بمواقف مبدئية تجاه القومية العربية والوحدة العربية وطموحات الشعب العربي، وترضي اليسار الاسرائيلي. كل ذلك في آن واحد وبالدرجة نفسها من النجاح.

من هنا، فان احد تأثيرات ازمة الخليج في المنظمة انها وضعتها على المحك في اختيار أولوياتها وتحديد اولى هذه الأولويات.

طاهر النمري****: ما يمكن ملاحظته ان الموقف الذي أعلنه المؤطرون سياسيا في الأراضي المحتلة، والذي يشدد على حل عربي للأزمة مع انسحاب القوات العراقية من الكويت والقوات الأجنبية من السعودية ليصار الى ترتيبات تنهي الصراع بين الكويت والعراق، يعكس المفهوم الحقيقي لمنظمة التحرير الفلسطينية. وهناك الموقف المهادن الذي يلتزمه عدد قليل من السياسيين على أساس ان ميزان الخسارة الاقتصادية للفلسطينيين شبه قاتل إذا لم تتخذ المنظمة موقفا صريحا ومعلنا باستنكارها اجتياح العراق للكويت. لكن هناك أيضا موقف التحييد والحياد،والذي يمثل رأي السياسيين الأكاديميين والمنهجيين غير المؤطّرين. وموقفهم يتمثل في تحييد الموضوع الفلسطيني، والسمو والارتقاء به عن الصراعات العربية ـ العربية لينأى بالجانب الفلسطيني عن انعكاس هذه الصراعات على ثوابته الفلسطينية سلبا. ولا يعني الحياد في رأي هذا الفريق ذي الوزن في الفهم السياسي ان يقف متفرجا إزاء الأزمة، اذ يرون ان يكون موقفهم توفيقيا من الصراع الدائر، ولأن حياد الفلسطينيين يجعلهم عنصرا موجبا في حل مشكلة الصراع. وحبذا ان يكون ذلك جزءا من استراتيجية فلسطينية وتسجيله في مواثيق المؤسسات الفلسطينية الشرعية للاهتداء به والتزام مضمونه.

ازمة الخليج والانتفاضة

تركت ازمة الخليج آثارا سلبية في الانتفاضة من الناحيتين الاعلامية والداخلية بسبب تأثر الموارد المالية الخارجية، والتي كان مصدرها منظمة التحرير الفلسطينية او الدول العربية. وقد لوحظ فتور في دينامية الانتفاضة تبع فترة الحماسة التي شهدتها الأراضي المحتلة في المرحلة الأولى من الأزمة. كيف يمكن تصور مستقبل الانتفاضة في ضوء هذه العوامل؟

غسان الخطيب: تعرضت الانتفاضة على الأرض لضربة محدودة نتيجة أحداث الخليج وانتقال التركيز الاعلامي الى قضية اخرى. كما ان التعاطف مع الانتفاضة ومع الشعب الفلسطيني في أوساط الرأي العام الغربي قلّ نتيجة هذه الأزمة. إلا ان هذا كله لن يؤدي الى إنهاء الانتفاضة، ذلك بأن لها اسبابا ذاتية تتعلق بالأوضاع المحددة التي يعيشها فلسطينيو الأراضي المحتلة، واستمرارها منوط، ضمن عوامل اخرى، بالأوضاع الداخلية هذه التي ستستمر في الوجود على الرغم مما يجري في الخارج.

الخطر الحقيقي هو ذلك الآتي من الجانب الاسرائيلي، اذ منذ ان تسلّم موشيه آرنس مهمات محاولات إنهاء الانتفاضة، تجاوز سياسات سابقة وبدأ تكتيكا جديدا كانت فرصه في النجاح، وما زالت، قليلة. إلا انه بعد اندلاع ازمة الخليج، توفرت أوضاع أكثر ملاءمة لنجاح مثل هذه الخطط التي تعتمد في الدرجة الأولى على تقليل أشكال القمع المباشر التي قد تسبب لاسرائيل اذى إعلاميا وتعزز الموقف الاعلامي للانتفاضة (كالقتل) في مقابل تكثيف وتنظيم الاجراءات الاسرائيلية القمعية التي لا تثير الرأي العام، مثل زيادة إحكام سيطرة الادارة العسكرية على اجهزة معينة وعلى مرافق الحياة المختلفة كالتعليم. وفي الوقت الذي استحوذت ازمة الخليج على اهتمام الإِعلام، لاحظنا نشاطا سريعا وغير عادي من قبل السلطات لتطبيق هذه الاجراءات التي، وإنْ كانت تزيد في الصعوبات في وجه الانتفاضة، فانها لا تملك إمكان سحقها بسبب وجود عوامل داخلية تحكم استمرارها، ولأن لا خيار آخر أمام فلسطينيي الأراضي المحتلة غير خيار الانتفاضة.

أما تأثر إمكانات المنظمة المالية الذي حدث، او من المتوقع حدوثه نتيجة موقفها السياسي من أحداث الخليج، فقد ترك وسيترك أثرا في علاقاتها التمويلية بالأراضي المحتلة، الأمر الذي يعيد الى أذهاننا ملاحظات ذكرت خلال العامين الماضيين بضرورة العودة في التعامل مع الانتفاضة الى منابعها الشعبية التي بدأت تتلاشى بسبب أسلوب الصرف المالي الذي لم يتلاءم في كثير من الأحيان مع حاجات الانتفاضة. فتحول بعض جوانب العمل فيها الى أساليب وبنى تعتمد الى حد او آخر على مسألة الصرف المالي الذي لم يكن موجودا خلال الجزء الأكبر من العام الأول للانتفاضة، والذي تميز بعطاء وإبداع شعبيين، بعيدا عن اية بنى بيروقراطية او مؤسساتية تعتمد في عملها على التمويل. والتجربة الجديدة تدعو الى إعادة النظر في أسلوب التعامل المالي الذي اوجد اجهزة تعتمد الى حد كبير على الأموال بدل اعتمادها على الجمهور والثقافة الشعبية التي كان من الممكن ان تستفيد من الدعم من دون ان يتم ذلك بأسلوب يخلق بنى وأجهزة وفئات ترتبط مساهمتها في الانتفاضة بالتمويل أكثر من ارتباطها بالمصالح الشعبية.

علي الجرباوي: الانتفاضة اندلعت عندما شعر فلسطينيو الداخل بأنهم هم رأس الحربة وليس العالم العربي، ولا فلسطينيو الخارج. ليس هذا شعورا بالاحباط بقدر ما هو شعور بأن المسؤولية تقع عليهم، ولا سيما منذ سنة 1982. وعندها استوعب الخارج ذلك أيضا، وقام بتعزيز إمكانات الداخل. وما شهدناه من فورة في الأراضي المحتلة في الفترة الأولى من ازمة الخليج ادى الى بروز البعد الخارجي، والى نوع من الركود في الداخل يسوده الترقب لما يمكن ان تؤول هذه الأزمة اليه. إلا انه في المدى البعيد، وبغض النظر عن نتائج هذه الأزمة، سيعود الفلسطينيون في الداخل ليتحققوا من ان ما يدور في الخارج لا يعفيهم من مسؤولية ما يدور داخل الأراضي المحتلة، وعندها ستتصاعد وتيرة الانتفاضة مرة اخرى.

أما على الصعيد الداخلي، فان الآثار المالية المترتبة عن الأزمة قد تحمل بعض الايجابيات، اذ انها تعيد طرح السؤال عما إذا كانت منظمة التحرير هي عبارة عن دولة ام هي رأس الحربة الكفاحية للشعب الفلسطيني، ومن هنا تتحدد التزاماتها. فخلال حقبة النفط، تصرفت المنظمة كدولة، وبالتالي كان لا بد من مظاهر رفاهية وإسراف. إلا ان شح الموارد يجبرنا على إعادة التقويم ووضع سلم أولويات، ويضع المنظمة والداخل أمام مراجعة الذات.

فيما يتعلق بالداخل، هناك فارق بين دعم بقاء الانسان ودعم رفاهيته. ووجدت فترة كان دعم صمود الشعب الفلسطيني فيها هو دعم رفاهيته في الداخل، كما ان احد أسباب ركود الانتفاضة في عاميها الثاني والثالث كان إسراف شخصيات في الداخل في طلب الأموال من الخارج كما لو ان الانتفاضة لا يمكن ان تستمر إلا إذا توفرت الأموال. وهذا لا ينفي عن المنظمة التزاماتها، اذ ان هناك ضرورة لدعم استمرار حركة الشعب الفلسطيني في الداخل. وهذا لا يعني بدوره ترفيه طبقة منه. من هنا، فان شح الموارد يلزم تحديد المؤسسات التي يجب الحفاظ عليها وضمان استمراريتها. وليس المطلوب الآن دعم الصمود، اذ ان هذه فترة ولت، وإنما المطلوب دعم التحرير. وهذا لا يعني تجويع الفلسطيني، لكن قد يكون الوضع الاقتصادي المتردي عاملا في زيادة مقاومة الاحتلال، وهذا يتطلب التوصل الى تفاهم بين منظمة التحرير والأردن من أجل ضبط هجرة الفلسطينيين، والعمل على عودة الفلسطينيين الذين يملكون حق العودة، وذلك من أجل إغراق النظام الاسرائيلي القائم حتى وإنْ لم تتوفر الأوضاع الاقتصادية الملائمة. وهذا سيدفع العالم الى التسليم بأن عليه تجاه الشعب الفلسطيني مسؤوليات تماما كمسؤولياته تجاه الكويت وتجاه اية قضية اخرى تحتاج الى الاهتمام ذاته.

فيصل الحسيني: ارى لانعكاسات ازمة الخليج على الانتفاضة ثلاثة تصورات:الأول، ان تجمّد قضية الخليج من دون ايجاد حل لها الى فترة طويلة. وهنا، لا تكون هذه الأزمة قد افادتنا، او انها تكون قد اثرت سلبا، اذ حولت أنظار العالم الى خارج الأراضي المحتلة، وأعادت الى الأجواء داخل الانتفاضة الرغبة في الاعتماد على القوى الآتية من الخارج أكثر من الاعتماد على القوى الفلسطينية الداخلية. من هنا ظهور جمود في الوضع في الأراضي المحتلة وشعور بالاحباط بسبب ابتعاد اهتمام العالم الى قضايا اخرى، وعدم استطاعة القوى الخارجية ان تحقق لنا ما أردنا منها تحقيقه. وهناك جوانب اخرى اثرت وستؤثر فينا في المستقبل، لأننا وقفنا في الصف المواجه للرأي العام العالمي. كل هذه عوامل سلبية ستؤثر فينا، وسيمضي وقت قبل ان نستطيع ان نعالجها ونخرج من هذه المتاهة مرة اخرى.

والتصور الثاني ان تقع الحرب التي أيا تكن نتائجها ستكون عامل استفزاز للجماهير العربية في المنطقة وستؤدي الى سقوط حكومات ودول ونظريات، وسنواجه عالما جديدا. وفي المدى البعيد ستعود الأمور لتصب في مصلحتنا وتدفع نحو تحقيق أهدافنا، ولو ان ثمن ذلك سيكون غاليا جدا.

التصور الثالث ان يتم التوصل الى حل سياسي. وهنا، الأمر مرتبط بطبيعة هذا الحل وبقدرتنا على دفعه في اتجاه معين بحيث نضغط مجديا نحو زج قضية الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية، وطرحها بقوة ضمن أية محاولة سياسية لإِيجاد حل لمشكلة الكويت.

وبانتظار ذلك، ستجد الانتفاضة الوسيلة لتغيير أساليبها وأولوياتها ومسلكياتها تغييرا يتلاءم مع الوضع العربي والفلسطيني الجديد. وسنشهد إعادة طرح نداءات خرجت الانتفاضة بها في وقت سابق ولم تنفذ كليا، منها التركيز على الاقتصاد المنزلي، لأن العنصرين الذاتي والموضوعي اصبحا يتطلبان منا ذلك.

لقد كان هناك عيب أساسي تخطينا جزءا منه، وهو الاعتماد على العمل من الخارج. وبقي جزء آخر، وهو العمل من الداخل مع الاعتماد على الدعم من الخارج. والآن، علينا ان ندخل مرحلة جديدة بحيث ننظر الى الدعم الخارجي على انه شيء جانبي. اذ ان مجرد التفكير في ان الدعم آت من الخارج ادى الى اهتزاز ثقة الفلسطينيين بأنفسهم وببعضهم البعض. لكن على الرغم من كل سلبيات الدعم المالي من الخارج، فاننا من دونه لم نكن قادرين على ان نفعل ما فعلناه. وأما الآن، فقد اصبحنا قادرين على الاستمرار من دونه بفضل ما كان منه في السابق.

أما عودة عشرات الآلاف من الفلسطينيين من دول الخليج الى الأراضي المحتلة نتيجة هذه الأزمة ونتيجة فقدانهم أعمالهم، فانها قد تسبب انخفاضا في مستوى المعيشة في بداية الأمر، لكن العائدين سيشكلون في الوقت نفسه عاملا في إدارة عجلة الانتاج. ونستطيع ان نقوم بعملية دعائية واسعة من أجل حث هؤلاء، ولا سيما انهم يملكون إما الخبرة وإما المال وإما كليهما معا، على العودة من أجل دعم الاقتصاد المحلي ومواجهة الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفياتي.

الشيخ عبد العزيز الرنتيسي: لا يمكن ان تكون آمال الشعب الفلسطيني مرتبطة بمجريات أحداث في اسبوع او شهر. ولا أظن ان هناك شعورا بالاحباط في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولئن كانت ازمة الخليج قد خطفت الأنظار عن الانتفاضة إعلاميا فانها ستكون لها زادا ووقودا في المستقبل، ولا سيما انها ستزيد في الشعور بالعداء تجاه الغرب، وخصوصا اميركا، لهجمته المعلنة على مقدرات الأمة العربية في الخليج. أما عن تأثر التمويل الخارجي، فأنا اقول ان الانتفاضة عندما بدأت لم تشتعل نتيجة وجود المال او غير المال، وإنما انبعثت من داخل الشعب الفلسطيني، وبقدرته الذاتية، وبالتالي، ستبقى الانتفاضة مشتعلة سواء توفر المال او لم يتوفر.

العلاقات العربية ـ الفلسطينية

تشكل ازمة الخليج نقطة تحول بالنسبة الى منظمة التحرير وعلاقاتها العربية. وتطرح أوساط فلسطينية ضرورة إعادة النظر في استراتيجية المنظمة او ايجاد استراتيجية إنْ لم تكن موجودة حتى الآن. كما يطالبها البعض بالتوقف عن تداول سياسة المحاور التي حددت علاقاتها بالدول العربية حتى الآن. ما هو التصور الجديد للعلاقات الفلسطينية ـ العربية في ضوء ازمة الخليج وما ترتب عليها؟

غسان الخطيب: تدعو الأزمة الحالية منظمة التحرير الفلسطينية والشعب الفلسطيني الى إجراء مراجعات تتعلق في احد جوانبها بالعلاقات بالدول العربية. فالأزمة علمتنا دروسا جديدة، ووضعتنا أمام أوضاع وتجربة من نوع جديد، وبالتالي هناك مبرر لاعادة النظر في كثير من السياسات وأساليب العمل وادارة العلاقات العامة. هناك ضرورة لتجاوز مرحلة التعامل مع المحاور العربية من منطلق الحاجة الى ان نكون مع احد المحاور ضد المحور الآخر. انا لا اتجاهل صعوبة الوضع الفلسطيني ولا اقلل من قيمتها على اعتبار ان جزءا من الشعب الفلسطيني وقياداته واجهزته موجود في الدول العربية، وهذا يتطلب من المنظمة ان تتعامل مع الواقع العربي كما هو، ويفرض عليها في بعض الأحيان تقديم التنازلات في التعامل معه. إلا ان التجربة الجديدة اثبتت ان من الصعب جدا اللعب على المحاور بين الأنظمة العربية المختلفة، وقد ادت محاولتنا عمل ذلك الى خسارتنا على معظم المستويات. وبالتالي يجب ان تنطلق سياستنا في التعامل مع الدول العربية من مسألتين أساسيتين: الأولى مراعاة الجانب المبدئي، اي الاخلاص لمبادئنا في علاقاتنا بالدول العربية؛ والثانية الأخذ بعين الاعتبار المصلحة الفلسطينية قبل اي امر آخر.

ان تطبيق هذه السياسة في ظل النمط الحالي لعمل منظمة التحرير امر صعب للغاية. وعليه، إذا اردنا تجاوز هذه الصعوبات في التعاون مع الدول العربية، يجب ان نتجاوز أساليب العمل الفلسطينية مثل البيروقراطية والاعتماد على الوجود المكتبي والوجود العسكري والوجود المالي، والتي تفرض أعباء تحد من حرية الحركة السياسية. من هنا، آن الأوان لاعادة النظر في بعض الجوانب البنيوية في منظمة التحرير، وجوانب اخرى تتعلق بالتعامل المالي من قِبل منظمة التحرير مع الأنظمة العربية.

فيصل الحسيني: في العادة تُلام منظمة التحرير أيا يكن موقفها. وأنا ارى أن هذه ليست مسؤوليتنا كفلسطينيين وإنما هي مسؤولية حركة التحرر الوطني العربي. وفي غياب حركة كهذه، ليس أمام منظمة التحرير إلا ان تتصرف بالشكل الذي تصرفت به. وليس من حق احد ان يطلب من المنظمة تحمل جميع المسؤوليات في العالم العربي. والى ان تعود حركات التحرر الوطني العربي لتكون لاعبا وممثلا رئيسيا على مسرح الأحداث في العالم العربي، عندها فقط، يمكن ان نتعامل مع الأنظمة بصورة مختلفة.

الشيخ عبد العزيز الرنتيسي: إنْ كان هناك دافع الى نقد منظمة التحرير، فالسبب هو ان الحكام العرب لا يثبتون على حال. ففي كل يوم مبدأ جديد، والمتغيرات قائمة في كل وقت. لكن في إمكان المنظمة ان تتفادى ان تكون ضحية هذه المتغيرات بأن يكون لها مبدأ ثابت تسير عليه. عندها سيقدر الجميع هذا الموقف.

اما بالنسبة الى خوف البعض من ان يتم استغلال التيار الاسلامي للالتفاف على منظمة التحرير، فان هذا التيار ينطلق من مبدأ الاسلام، وهو مبدأ ثابت ولا يتعامل أبدا مع أنظمة حكمَ عليها قبل الأزمة وقبل ان يحكم عليها الآخرون. ونظرة التيار الاسلامي الى الأنظمة المختلفة لم تتغير قبل الأزمة وبعدها. وللتيار الاسلامي في الأراضي المحتلة علاقات وثيقة بالتيارات الاسلامية داخل الشعوب العربية، وليس له علاقات بأي نظام او حكومة على الاطلاق.

طاهر النمري: اننا كفلسطينيين ندرك على الدوام اننا نُتخذ كبش فداء للصراعات والزلات والانتكاسات العربية ـ العربية، لكننا نقوِّم الأمور بحسب المصالح القومية العربية العليا. ففي المسائل المصيرية التي تتهدد وجودنا في ان نكون او لا نكون، نضع موازين الربح والخسارة في ضوء النتائج التي ينتظرها المصير الفلسطيني ومستقبله. واختيار موقف الحياد والتحييد نمطا للعلاقة العربية ـ الفلسطينية يضع الأنظمة العربية نفسها في دائرة الحساب القومي، اذ يمكن الفلسطينيين من تحديد تعاملهم مع الدول العربية وفقا لالتزامها الجدي والحقيقي دعم القضية الفلسطينية. فالفلسطينيون بحاجة الى القوة العراقية لدعم مطاليبهم وحقوقهم السياسية، وهم بحاجة أيضا الى دعم النفط المادي، ولا يكفل الدمج بين هذين المسارين سوى الحياد والتحييد حيال الصراعات العربية. فالربح هو في انتهاء ازمة الخليج والخسارة هو في استمرارها.

علي الجرباوي: ليس ما يحدث اليوم في العالم العربي سياسة محاور وإنما سياسة استقطاب. فسياسة المحاور وجدت بعد انهيار المشروع القومي العربي في أواسط الستينات وهزيمة 1967، واستمرت حتى سنة 1990. ومع الاجتياح الأجنبي للعالم العربي بدأت مرحلة جديدة، اذ ان الفرز في المواقف تم على أساس من يؤيد هذا الاجتياح ومن يعارضه. وضمن سياسة الاستقطاب الجديدة لا مكان لوجود عدة محاور. نحن مع بداية مرحلة جديدة في العالم العربي إما ان تكرس التبعية العربية المطلقة للشمال (الولايات المتحدة وأوروبا الغربية والاتحاد السوفياتي)، وإما ان يجد العالم العربي مكانا لنفسه في النظام الدولي الجديد. اذ من الآن، لا مكان للعب على جميع الأطراف والتحالفات التي تنهار بعد اشهر او اعوام من تشكيلها.

اتوقع ان تختلف التسعينات عن السبعينات والثمانينات، وان تكون اشبه بالخمسينات والستينات لناحية وجود استقطاب في اتجاهين. وستعود عبارات غابت عن الساحة العربية ونسيناها، مثل تعبير الرجعية، وسيكون فصل بين الدول التقدمية معنى ومضمونا وبين الدول الرجعية معنى ومضمونا أيضا.

علاقة الفلسطينيين باليسار الاسرائيلي

انعكس الموقف الذي اتخذه الفلسطينيون من ازمة الخليج سلبا على العلاقة بينهم وبين اليسار الاسرائيلي، والتي اسفرت قبل الأزمة بأيام عن توقيع وثيقة مشتركة لأسس الحوار الاسرائيلي ـ الفلسطيني. وسجلت شخصيات من "معسكر السلامالاسرائيلي تراجعا في مواقفها، وأدانت الموقف الفلسطيني. كيف يمكن تصور هذا الحوار مستقبلا؟

فيصل الحسيني: لم يكن موقف اليسار الاسرائيلي والهجوم الذي شنه علينا غريبين بل كانا متوقعين. ونحن نرفض ان يحاول اليسار الاسرائيلي جعل نفسه وصيا علينا او الوقوف في مكان المعلم بالنسبة الينا. نحن أعداء، وفي إمكانه ان ينتقدنا او يهاجمنا، لكنه لا يستطيع ان يفرض شروطا للحوار معنا. فنحن من جهتنا نوافق على الجلوس مع اية جهة اسرائيلية مهما تكن مواقفها معادية لنا. الحوار يجب ان يستمر بيننا، لكن على اليسار الاسرائيلي ان يفهم اننا لسنا اسرى لديه، كما انه ليس اسيرا لدينا. فالحوار يتم بين أعداء يحاولون ايجاد طريقة للعيش معا، وليس ليتخلص الواحد من الآخر إما جسديا اي عن طريق الحرب، وإما فكريا وثقافيا عن طريق فرض تغيير معين عليه. اعتقد ان اليسار الاسرائيلي في مجمله قد فهم هذا الموقف، وحدثت تراجعات في المواقف الأولية داخل حركة راتس التي عقدت مؤتمرا في تل أبيب، أو حركة السلام الآن التي نشرت بيانات في الصحف المحلية تؤكد استمرار الحوار على الرغم من اختلاف المواقف، او حزب مبام الذي التقى أعضاء منه شخصيات فلسطينية في القدس، وأكدوا انهم لن يكرروا محاولة ان يملوا على الفلسطينيين مواقفهم.

علي الجرباوي: هناك تعويل مبالغ فيه من قبل الأوساط الفلسطينية، ولا سيما في الخارج، على إمكان حدوث تغيير في المجتمع الاسرائيلي من داخله، وتعويل أكبر على اليسار الاسرائيلي من أجل إحداث هذا التغيير. وهذا الموقف الفلسطيني من اليسار الاسرائيلي كان غير متزن لأنه لم يستطع تقدير قوة هذا اليسار او تقدير أولوياته او أهدافه من الحوار مع الفلسطينيين. وتم في مرحلة معينة تناسي ان اليسار الاسرائيلي صهيوني واصبح الحديث عنه يجري كما لو انه الخيط الذي سيوصلنا الى حل جميع القضايا.

لقد كان احد أهداف اليسار الاسرائيلي من الحوار مع الفلسطينيين نقل مركز الثقل، مع مرور الوقت، من الخارج الى الداخل، والأهم من ذلك خفض سقف الموقف السياسي الفلسطيني ودفعه الى تجاوز الخطوط الحُمر. وعلاوة على ذلك قام اليسار الصهيوني بعملية ابتزاز للفلسطينيين، فأصبح بمثابة الجسر لتحقيق ما عجز اليمين الاسرائيلي عن تحقيقه فلسطينيا من أجل الحصول على ثقته، مثل المطالبة بالتنازل عن حق العودة او المطالبة بتأييد الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفياتي.

طاهر النمري: لقد تمثل الموقف الذي أبداه اليسار الاسرائيلي في قطع، او التهديد بقطع، حوار السلام مع رموز الواجهة الوطنية من الشخصيات العامة، على اعتبار ان الفلسطينيين ناكرو جميل، وأن موقفهم يتلاءم مع موقف المنظمة. وحاول اليسار الاسرائيلي استثمار الوضع الجديد بعد تشويه مواقف الفلسطينيين لخدمة اسرائيل أولا والمساومة بشأنه في مصلحته ثانيا، ومناورته في ابتزاز الفلسطينيي كي يعلنوا موقفهم من الاجتياح صراحة إذا ما اريد للرموز التقليدية استئناف الحوار معه، بل دعا الرموز الفلسطينية المتحاورة الى استنكاره علانية وصراحة. وقد ابدى اليسار المتهم من قوى اليمين الاسرائيلي بالنفاق وازدواجية المقاييس موقفه الابتزازي هذا ليعزز له موقعا في المجتمع الاسرائيلي، وأعلن أن  "القضية الفلسطينية"  اختفت من الساحتين العربية والاسرائيلية، وآن الأوان للتمييز بين الشعب الفلسطيني وقيادته.

وأرى ان من الأفضل قطع هذا الحوار الى غير رجعة، لأنه لن يجلب للقضية منفعة، او على الأقل التشدد في مخاطبته وفق استراتيجية جديدة مدروسة بعناية ومستندة الى الثوابت الفلسطينية. وفي هذا السياق، فان المطلوب الآن أكثر من اي وقت مضى، وكضمان رئيسي، ان نقوم باعادة ترتيب البيت الفلسطيني بأفراده ومؤسساته، والقضاء على السلبيات التي باتت تشكل عبئا مخيفا على المسيرة. ولا شك في ان أصحاب هذه السلبيات شكلوا طبقة بيروقراطية متميزة لا تحظى بقاعدة جماهيرية واسعة. وكثير من الاساءات الموجهة الى منظمة التحرير الفلسطينية سببه عبث بعض الرموز التي جعلت من نفسها مراكز قوى اخذت تناحر بعضها بعضا في الخفاء والعلن.

غسان الخطيب: بالنسبة الينا، ليست المسألة حوارا بقدر ما هي محاولة استغلال الموقف الفلسطيني الرسمي السلمي للتأثير في الرأي العام الاسرائيلي للحصول على مزيد من التفهم لهذا الموقف، وليس للتوصل الى حل او اتفاق. فنحن دائما نؤكد اننا لسنا قيادة سياسية للشعب الفلسطيني. فالتفاوض هو مهمة م.ت.ف. لكن انطلاقا من كوننا نعيش في الأراضي المحتلة، فان مهمتنا التأثير في الرأي العام الاسرائيلي وبعض السياسيين الاسرائيليين عن طريق استغلال اية فرصة للتحدث أمام اي نوع من الجمهور الاسرائيلي، كالقاء محاضرات او التحاور مع عناصر معينة من السياسيين الاسرائيليين.

واليسار الاسرائيلي الصهيوني، الذي كان العنصر الرئيسي المساعد في هذه المحاولات، حدث لديه ارتباك نتيجة الموقف الفلسطيني من ازمة الخليج. فقد اتخذ بعض عناصره مواقف متشنجة وعدائية في ربطه للحوار الاسرائيلي ـ الفلسطيني بالموقف الفلسطيني من الأزمة. ودعا بعض آخر الى وقف الحوار مع الفلسطينيين عقابا لهم. لكن عناصر اخرى انتقدت هذا الموقف وحاربته. وانتقلت الأزمة داخل اليسار الصهيوني ومعسكر السلام عامة من أزمة اسرائيلية ـ فلسطينية الى ازمة اسرائيلية ـ اسرائيلية. ومثل الاتجاه الأول يوسي سريد والثاني شولاميت ألوني، مع ان كليهما ينتمي الى حزب راتس. وحُسمت هذه الاشكالات في النهاية في مصلحة الرأي الذي يؤيد الحوار مع الفلسطينيين بعد ان بدأ اليسار، الذي تمثِّل علاقته بالفلسطينيين ودعمه لحل سلمي جزءا أساسيا من رصيده، يخسر داخل الساحة الاسرائيلية. وبدت مهاجمته للفلسطينيين كأنه يهاجم نفسه وسياسته التي بنى نفسه على أساسها، الأمر الذي جعله لقمة سائغة لليمين الاسرائيلي.

وبعد التراجعات التي تمت والبيانات التي نشرت في الصحافة العربية في القدس، والتي تطالبنا باستمرار الحوار معها، نرى ان الأمور عادت الى وضع يمكننا من اعادة تنشيط العمل على الساحة الاسرائيلية. والمشكلة الأساسية التي تواجهنا اليوم هي ان الآلية الاعلامية الحكومية الرسمية نجحت في تحريض الرأي العام الاسرائيلي وبعض قطاعاته التي كانت قد بدأت تتفهم الموقف الفلسطيني. وقد وصل التراجع في تأييد هذه القطاعات الى درجة مقلقة جدا.

 

*  محاضر في العلوم السياسية في جامعة بير زيت، ومن القيادات السياسية في الأراضي المحتلة.

**  من الشخصيات القيادية في حركة المقومة الاسلامية (حماس) في قطاع غزة.

***  محاضر في العلوم السياسية في جامعة بير زيت.

**** محاضر في الجغرافيا في جامعة بيت لحم.