تقرير مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في المناطق المحتلة "بتسيلم" بشأن تعذيب الأطفال الفلسطينيين ، القدس، 25 حزيران/يونيو 1990
Full text: 

مقدمة

 تعنى ورقة المعلومات هذه بأبناء القدس الشرقية الأحداث، المحتجزين في معتقلات الشرطة في القدس ـ في المسكوبية [القدس الغربية]، ومخفر القشلة الذي يقع في البلدة القديمة. وقد تراكمت لدى »بتسيلم» معلومات كثيرة عن معاملة المعتقلين الأحداث في معتقل المسكوبية، وعن العنف والإذلال اللذين يمارسهما رجال الشرطة ومحققو جهاز الأمن العام (»الشاباك») في حق الأطفال والفتيان، وعن ظروف الاعتقال التي لا تخضع لأدنى مقاييس احتجاز البشر.

ان الجيش الإسرائيلي هو الجهة المسؤولة عن فرض النظام في الضفة الغربية وقطاع غزة. أما في القدس الشرقية، فالشرطة هي الجهة المسؤولة لأن القانون الإسرائيلي ينطبق عليها، ولأن سكانها يحملون بطاقات هوية إسرائيلية. وفي القدس، تقوم الشرطة بالنشاطات التي يقوم الجيش الإسرائيلي بها في الضفة والقطاع، كاعتقال المشتبه في ارتكابهم مخالفات «أمنية». وتودع أكثرية معتقلي الانتفاضة من سكان القدس والقرى المجاورة لها، في بداية الاعتقال على الأقل، معتقل المسكوبية التابع للشرطة. كما يُحتجز في المسكوبية معتقلون يهود ومعتقلون من المناطق. وتجدر الإشارة إلى أن القانون يقضي بمنح المعتقلين من المناطق، الذين يحتجزون داخل مجال إسرائيل، الشروط نفسها التي تمنح للمعتقلين من إسرائيل.

.......

إن الطلب الذي توجه «بتسيلم» به إلى مفتش الشرطة العام، دافيد كراوس، للقيام بجولة في معتقل المسكوبية قد قوبل بالرفض. وعليه، فسنستعين هنا بتقرير الفرع الإسرائيلي للرابطة الدولية لحقوق الطفل، الذي نُشر مؤخراً في إثر زيارة للمعتقل قام بها مندوبون عن الرابطة: د. مناحم هوروفيتس، والبروفسور لسلي سافا، والسيد فيليب فيرمان. كما سنستعين بشهادات كثيرة جمعتها «الرابطة من أجل مساعدة المعتقل الحدث» خلال السنة المنصرمة، وبشهادات تتعلق بأوضاع الاعتقال في المسكوبية وبالعنف الذي يستخدم ضد معتقلين فلسطينيين، ولا سيما معتقلين أحداث، خلال فترة اعتقالهم والتحقيق معهم.

هناك صعوبة كبيرة في التعامل مع الموضوع المطروح أمامنا. ذلك بأن من شأن نشر شهادات الأحداث الذين كانوا في المعتقل (وبعضهم لا يزال)، وعانوا جراء العنف والإذلال، أن يجلب الضرر لهم. ولم ير معظم الفتيان الذين تحدثنا معهم معنى لتقديم شكوى ضد سلوك رجال الشرطة وجهاز الأمن العام تجاههم. انهم ينظرون بعدم الثقة إلى فرص إجراء تحقيق جذري في شكاواهم، ويخشون أن تسبب الشكوى، في حد ذاتها، الضرر لهم. ويميل آباء هؤلاء الأحداث، في معظم الحالات، إلى حمايتهم ويفضلون التنازل عن الشكوى مخافة أن يلحق بأبنائهم مزيد من الضرر. وقد بلّغنا مفتش الشرطة العام أنه لن يحقق في دعاوٍ عامة أطلعناه عليها ما لم تقدم له شكوى رسمية....

 ظروف الاعتقال

 في غرفة السجن التي تحتوي 12 فراشا يحتجز 39 ولداً، بعضهم ينام على الأرض، أو يشترك شخصان في فراش واحد. وتتجاهل الشرطة الحكم الذي صدر عن محكمة العدل العليا في تشرين الثاني/نوفمبر والذي يمنع استمرار هذا الوضع. في زاوية الغرفة دورة مياه وحمام للاغتسال من دون حاجز. هناك أيام لا يخرج فيها المعتقلون خارج زنزاناتهم المكتظة لأكثر من نصف ساعة فقط.

يقع معتقل المسكوبية وسط القدس، بالقرب من المحكمة العليا. وقد شُيّد هذا البناء أواخر القرن التاسع عشر، وكان يستخدم مضافة للحجاج الروس. في العشرينات، وبعد أن صادرت حكومة الانتداب أملاك الكنيسة الروسية، حُوّل البناء إلى معتقل. وهو يضم نحو 300 معتقل ومحكوم عليه، في وضع من الاكتظاظ الشديد. فهناك إحدى عشرة زنزانة تحتوي على 170 فراشا فقط. وفي هذه الأيام، تجري في المعتقل أعمال توسيع سيضاف عند الانتهاء منها تسع غرف تتسع لـ 50 فراشا تقريبا.

 

 اعتقال أحداث في القدس الشرقية في المسكوبية ومخفر القشلة

 معطيات الشرطة الإسرائيلية

الجدول أ: 1989 

الشهر

مجموع المعتقلين الأحداث

مجموع المتهمين

كانون الثاني/يناير

130

83

شباط/فبراير

99

36

آذار/مارس

105

64

نيسان/إبريل

128

37

أيار/مايو

129

62

حزيران/يونيو

108

43

تموز/يوليو

50

24

آب/أغسطس

75

38

أيلول/سبتمبر

68

25

تشرين الأول/أكتوبر

156

35

تشرين الثاني/نوفمبر

154

67

كانون الأول/ديسمبر

125

85

المجموع

1307

599

 

 

الجدول ب: 1990

الشهر

مجموع المعتقلين الأحداث

مجموع المتهمين

توزع المعتقلين بحسب سنة الولادة

1972

1973

1974

1975

1976

1977

كانون الثاني/يناير

53

50

9

16

5

22

10

1

شباط/فبراير

77

39

7

12

20

27

4

2

آذار/مارس

104

50

13

26

28

23

14

--

نيسان/إبريل

65

52

16

13

13

16

7

--

أيار/مايو

138

43

28

33

29

24

18

6

المجموع

437

234

73

105

95

102

53

9

 

 الاكتظاظ

 يحتوي جناح الأحداث في المسكوبية على غرفتين كبيرتين وأخريين صغيرتين، وتضم هذه الغرف الأربع 34 فراشا. وفي أثناء زيارة قام بها ممثلون عن الرابطة الدولية لحقوق الطفل في 21 آذار/مارس 1990، كان في قيد الاعتقال في جناح الأحداث 83 معتقلا ومحكوما عليه، بينهم يهوديان معتقلان في احدى الغرفتين الصغيرتين، بينما ضمت الغرف الثلاث الأخرى المعتقلين الواحد والثمانين الباقين. في احدى الغرفتين الكبيرتين – غرفة بـ 12 فراشا – يوجد 39 ولدا، مما يفرض على المعتقلين النوم إما على الأرض وإما كل اثنين في فراش واحد. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1989، اصدرت محكمة العدل العليا حكمها في صدد طلب الالتماس الذي قدمه المحامي أندريه روزنتال نيابة عن طفل كان معتقلا حينذاك في المسكوبية، جرى التطرق فيه إلى موضوع الاكتظاظ في الغرف التي يعتقل فيها الأحداث الصغار في السن. وقررت محكمة العدل العليا ما يلي: «ان الغرفة المخصصة لاثني عشر معتقلا ليست مهيأة لأن تضم داخلها 35 معتقلا. ومن حق كل معتقل الحصول على حد أدنى من المساحة. ومن غير المعقول أن يتقاطع فراش مع فراش آخر. هذه هي الشروط الدنيا التي يجب تأمينها وتحقيقها سريعا من دون أية صلة بالحل الشامل لمشكلة الاكتظاظ في منشآت الاعتقال كلها. لا نستطيع القبول بالوضع القائم.»(8)

 حفرة وقذارة واختناق وبطالة

 بالاستناد إلى تقرير الرابطة الدولية لحقوق الطفل: «لكل معتقل ثلاث بطانيات.(9) الجو مضغوط للغاية، ومن الصعب التنفس، على الرغم من ترتيبات التهوية. وهناك في إحدى زوايا الغرفة حجيرة صغيرة للاستحمام ولدورة المياه. وعليه، فمن الصعب المحافظة على النظافة في أوضاع كهذه (على الرغم من الجهود المبذولة). لا يستطيع الولد الصغير قضاء حاجته في الخفاء على الرغم من أنهم علّقوا بطانية. هناك مياه ساخنة طوال 24 ساعة. وهناك ساحة للتنزه مخصصة للقاصرين الذين يفترض بهم أن يخرجوا إلى الساحة ويمارسوا ألعابا يديرها متطوعون أو ضباط مراقبة السلوك، وذلك لمدة ساعة ونصف الساعة، وحتى لمدة ساعتين يوميا. وعمليا، قليلون هم الذين يوجدون خارج الغرفة لأن المتطوعين الذين يأتون يوميا لمدة ساعة ونصف الساعة لا يستطيعون الاهتمام بأكثر من 20 معتقلا في وقت واحد. وهناك أيام، على ما يبدو، يخرج المعتقلون فيها خارج زنزاناتهم إلى حجرة الطعام أو الساحة لوقت قصير جداً ـ نصف ساعة فقط.»(10) وقد اشتكى المعتقلون في أشهر الشتاء من معاناتهم الشديدة جراء البرد.

 العناية الطبية

 قال طبيب المعتقل د. أندريه فايسمان، في لقائه أعضاء لجنة الداخلية في الكنيست الذين زاروا معتقل المسكوبية، ان عدد المعتقلين الضخم يمنعه أحياناً من تقديم العناية اللازمة لهم، وانه ليس في استطاعته إرسال معتقلين إلى المستشفى بسبب النقص في اليد العاملة.(11)

 زيارات الأهل

لا يُسمح بالزيارات العائلية إلا للمعتقلين المحكوم عليهم (أي الذين انتهت محاكمتهم، وحددت مدة اعتقالهم، ومن المفترض نقلهم إلى المنشآت التابعة لمصلحة السجون)، أو للمعتقلين الذين مر 30 يوماً على اعتقالهم. وهذا يعني أن الولد الذي يبلغ من العمر 14 عاماً أو أقل، لا يرى والديه طوال شهر من اعتقاله.

أما بالنسبة إلى المعتقلين الذين يسمح بزيارتهم، فالزيارة تكون مرة واحدة في الأسبوع، في اليوم الذي يختاره المعتقل. وأما مدتها، فبحسب الشهادات.... عشر دقائق. ويُفترض، استناداً إلى الإجراءات المتبعة لدى الشرطة، أن تستمر الزيارة نصف ساعة. ولا يحق أن يشارك في الزيارة إلا أبناء العائلة الذين تربطهم صلات قرابة مباشرة بالمعتقل. وإذا تجاوز عدد هؤلاء الخمسة أشخاص، وصدف أن كان هناك ضغط شديد في ذلك اليوم، فإنه لا يسمح بدخول أكثر من خمسة أشخاص من أبناء العائلة. وبحسب بلاغ الشرطة، يحق لعائلة المعتقل أن تشتري له مأكولات من مقصف المعتقل. كما يحق للعائلة تزويد المعتقل بالألبسة من دون قيود.

 تبليغ الأهل اعتقال أبنائهم

 قالت لنا الناطقة باسم الشرطة ان هناك إجراءات تقضي بتبليغ الأهل اعتقال أبنائهم. وبناء على ذلك، يتم إعلام الأهل بالهاتف فوراً بعد اعتقال الابن / البنت. وفي حال عدم وجود هاتف لدى الأهل، ترسل دورية من الشرطة لإعلامهم بذلك. وعلى الرغم من ادعاء الشرطة أن هذا الإجراء يطبق دائماً، فقد سمعنا شكاوى عن عدم إعلام الأهل بمكان وجود أبنائهم.

غير أنه ليس هناك إجراء يقضي بإعلام الأهل بمثول ابنهم الصغير أمام القاضي من أجل تمديد فترة اعتقاله أو لمحاكمته، أو إعلامهم بنقل الطفل من معتقل إلى آخر.

 التحقيق

 بناء على الشهادات والإفادات الخطية الموجودة في حيازتنا، فإن ضرب المعتقلين أمر شائع للغاية. إن جميع الأحداث الذين قابلناهم، والذين حققت الشرطة أو جهاز الأمن العام (الشاباك) معهم، قد شهدوا بأنهم تعرضوا للضرب، وللضرب المبرح عامة. وهناك أيضاً شهادات لا يستهان بها تتعلق بتهديدات بإلحاق الأذى بالأقارب. كما استمعنا إلى شهادات عن أساليب أخرى: إلباس الشخص الذي يجري التحقيق معه كيساً يغطي الرأس ويُربط حول الركبتين، وضربه وهو في هذا الوضع؛ ربط اليدين خلف الظهر بماسورة؛ شهادات عن الزنزانة: حجيرة مظلمة مساحتها متر ونصف المتر طولا ومتر ونصف المتر عرضا، وتحتوي أيضاً على معقد مرحاض؛ «التابوت»: حجيرة ضيقة بارتفاع الشخص ليس في الإمكان سوى الوقوف فيها من دون قدرة على الحركة؛ والـ «قبر»: صندوق طوله متر تقريباً، وعرضه 60 سم، وارتفاعه نحو 80 سم، ومُغلق بباب من الأعلى. ويجري الكثير من عمليات التحقيق خلال الليل، وتستمر إلى حمل الشخص الذي يتعرض للتحقيق على اعتراف مكتوب بالعبرية.

إن الذين يقومون بالتحقيق مع الأحداث هم، في معظم الأحوال، رجال شرطة قسم الأقليات. وفي حالات قليلة فقط ـ عندما توجد شبهة بارتكاب مخالفات أمنية خطرة ـ يقوم رجال الشاباك بالتحقيق معهم. ويتبين من الشهادات أن التحقيق يتألف من مرحلتين أساسيتين:

أ ـ مرحلة كسر المقاومة: عندما لا يعترف المعتقل على الفور بالأعمال المنسوبة إليه. في هذه المرحلة، وبناء على الشهادات، يصار إلى ضرب المعتقلين وتهديدهم حتى «يلينوا»، وفي نهايتها يتم التوصل إلى تفاصيل الاعتراف معهم؛

ب ـ مرحلة الاعتراف: يواجه فيها بين الحدث وشرطي آخر لم يشارك، في معظم الحالات، في الضرب والتهديد، ويسجل الاعتراف من فم الحدث. وفي معظم الحالات، يتوقف العنف في اللحظة التي يوقع الحدث فيها الاعتراف.

 ساعات التحقيق

 إن كثيراً من عمليات التحقيق يُجرى ليلاً، ويستمر ساعات طويلة. ولا يتضمن القانون قيوداً بالنسبة إلى عدد الساعات التي يُسمح فيها بالتحقيق مع شخص ما على التوالي، وليس هناك قيد بالنسبة إلى التحقيق مع الأحداث. كما أن التوجيهات الداخلية للشرطة لا تتطرق إلى هذه المسألة. والمقاربة هي، على حد قول رجال شرطة كبار، انه إذا لم تكن هناك ظروف خاصة ـ مثل خشية وقوع عملية والتحقيق الفوري سيمكّن من إحباطها ـ فإن التحقيق يتم خلال النهار. ويبدو أن هذه المقاربة غير رائجة بين المحققين أنفسهم. ولدينا أمثلة لحالات غير قليلة تم التحقيق فيها مع أحداث خلال الليل، حتى عندما لم تكن هناك ظروف خاصة.

 اعترافات باللغة العبرية

 يجري التحقيق، بصورة عامة، مع الخاضعين للتحقيق بلغتهم الأم ـ العربية. غير أن الاعتراف الذي يطلب منهم توقيعه مكتوب بالعبرية. وفي معظم الحالات، لا يعرف الخاضعون للتحقيق قراءة العبرية، وبالتالي لا يعلمون ماذا يوقعون.

 الضرب

 يتبين من شهادات موجودة لدينا أن الضرب هو الظاهرة الأكثر رواجاً. وقد شهد كل حدث قابلناه تقريباً، فتى أو فتاة، أنه تعرض للضرب، وللضرب المبرح عامة: صفعات، لكمات، ركلات، شدّ الشعر، ضرب بالهراوات وبقضبان حديدية، دفع إلى الحائط أو إلى الأرض. وفي عدة حالات، يبدأ الضرب منذ مرحلة نقل المعتقل في سيارة الشرطة إلى السجن.

 ج. س.، عمره 16 عاماً، اعتقل في آب/ أغسطس 1989 في البلدة القديمة. وفي إفادة مشفوعة بالقسم أمام المحامي شلدون كليميست، شهد أنه جرى التحقيق معه بعد اعتقاله مباشرة في مخفر القشلة. "كان في الغرفة حوالي خمسة محققين. أجلسوني على الكرسي. سألوني من أين حصلت على المنشور و [قالوا لي] انني عضو في الحركة الشيوعية. نفيت التهم، وكلما نفيتها انهالوا علي بالضرب. أحد المحققين كان جالساً [قبالتي] ويوجه الأسئلة، وباقي المحققين كانوا واقفين خلفي ويضربونني. ثم جلس أحد المحققين على الطاولة أمامي، وأمسك بشعري، وأمسك محققان آخران بكتفَيّ، وأخذ محقق يوجه إلي اللكمات في كل أنحاء جسمي."

في اليوم السابع من الاعتقال، اقتيد إلى التحقيق مجدداً: "المحقق سامر بدأ يضربني من دون [أن يسألني] أية أسئلة، تناول مسطرة من البلاستيك وأخذ يضربني بحد المسطرة على ذراعي وعلى ظهري وكل [جسمي]. وترك ذلك علامات كالجروح. ثم تناول قضيباً حديدياً وضربني به على رأسي. كانت يداي، طوال الوقت، مكبلتين بالسلاسل من الأمام، وعندما حاولت حماية رأسي بيدي، كبل المحقق يديّ بالسلاسل من الخلف. أُصبت بالغثيان والدوار. سكب المحقق الماء على وجهي وأصابني ضيق النفس. ومن ثم أخذني إلى المرحاض حيث استلقيت على الأرضية، وقال لزميلي الذي كان ينتظر هناك أنه إذا لم يعترف فسيحدث له نفسي الشيء."

ويقول ج.، في إفادته، انه بقي مستلقياً في المرحاض إلى أن دخل أحد الأشخاص ورأى حالته. ونُقل في سيارة إسعاف إلى مستشفى هداسا عين كارم، حيث تمت معالجته. وفي اليوم نفسه، أعيد الى المعتقل، وفي اليوم التالي أفرج عنه بكفالة شخصية.

أ. أ. س.، عمره 16 عاماً، اعتقل في كانون الأول/ ديسمبر 1989 في البلدة القديمة. وفي إفادة مشفوعة بالقسم قدمها أمام المحامي أساف شاحام، قال انه تم التحقيق معه في مخفر القشلة في شأن حادثة أُلقيت فيها زجاجة حارقة على رجال شرطة. "قلت انني لم أفعل شيئاً، وعندما نفيت التهم، بدأ المحقق يصفعني على وجهي. وأخرج محققان آخران هراوات من الخزانة التي كانت في الغرفة وضربوني بها على أطراف أصابعي، وكانت يداي، طوال الوقت، مكبلتين بالسلاسل خلف ظهري.

"بعد ذلك توقفوا عن توجيه أسئلة إليّ، وواصلوا ضربي. أحد المحققين دفعني والآخر ضربني. ضُربت على ذراعي ورجلي، وركلني المحققون في ساقي، ودفعوني حتى سقطت عن الكرسي الذي كنت أجلس عليه. بعد ذلك أمروني بالنهوض لكنني لم أستطع. وأمسكني أحد المحققين بالقوة وأوقفني جانباً. وقفت نحو ربع ساعة، ومن ثم دخل الغرفة جندي من حرس الحدود، ووراءه شخص بدين باللباس المدني، وبدأ هذا الأخير يضربني، ومن ثم ضربني جندي حرس الحدود أيضاً. ودفعاني سوية بقوة كبيرة نحو غلاية ماء كانت موضوعة على عارضة الشباك. ومن قوة الدفعة، ارتطم جسمي بالغلاية، وانسكب الماء الغالي على رجلي اليمنى. صرخت من الألم. سحبني الشخص البدين وأجلسني على كرسي وبدأ يجفف الأرضية....".

 التهديد

 يتبدى من شهادات موجودة في حيازتنا أن التهديد والتخويف ليسا أيضاً نادرين. والأمر الشائع، بصورة أساسية، هو التهديد بإلحاق الأذى بالأقارب، وكذلك التهديد بهدم منزل عائلة الشخص الخاضع للتحقيق أو بإبعاد عائلته.

م. ج.، عمره 13 عاماً، اعتقل في تشرين الأول/ أكتوبر 1989 في بيت صفافا، وتم التحقيق معه في المسكوبية. ادعت الشرطة أنها وجدت لديه ثلاث زجاجات حارقة جاهزة للإلقاء، وأعلاماً فلسطينية وأقنعة. وبحسب ادعاء الشرطة، كان ج. يقود مجموعة من الفتيان الذين اشتركوا في أعمال شغب وإعداد زجاجات حارقة وإلقائها. وبناء على إفادة مشفوعة بالقسم أدلى بها للمحامية فيليتسيا لانغر، فقد تعرض للضرب المبرح خلال التحقيق معه: "بعد ذلك أحضروا طفلاً، عمره نحو 13 سنة، وقالوا انه أدانني في اعتراف أدلى به في شأني. وقال المحققون لي انه يجب علي أن أعترف، لأن الجميع يفعل. قالوا لي ان هناك طريقاً قصيراً، هو طريق الاعتراف، والطريق الطويل هو العصا. وقال المحقق انه سيهدمون بيت العائلة وسيعتقلون والدي إنْ لم أعترف.

"أحضروا ابنة عمي التي أحبها لأراها وقالوا انها معتقلة.... وضعوها في غرفة وكذبوا علي، وهذا ما أعرفه الآن. [قالوا] انها اعتقلت في الجليل، كما زعموا، وأنني أتسبب في اعتقال المرأة التي ربتني سبع سنوات، لأنه لا ضمير لدي ولأنني لا أعترف. كان ذلك في أول يوم من الاعتقال، وقد جرى ذلك كله بعد أن سألوني من أحب أكثر، والدي أو ابنة عمي.

"بعد الضرب والتهديد ومواجهتي بالطفل الآخر، اعترفت بأنني شاركت في ثلاث مظاهرات. كنت تعباً جداً من الضرب وخفت أن ينتقموا من أقاربي، كما هددوني."

بعد تعرضه للضرب الشديد، شهد م. أنه طلب معالجة طبية: "قالوا لي انه لن يمكنني أن أتلقى علاجاً طبياً قبل أن أعترف. عندما تذمرت قائلاً لماذا تضربونني، و [قلت] ان هذا ممنوع، قالوا لي انني مخرب أنتمي إلى الجبهة الديمقراطية أو مسؤول في فتح أو الجبهة الشعبية، وضربوني."

 الكيس

 تطرقت شهادات أخرى إلى أسلوب إدخال الشخص الذي يجري التحقيق معه في كيس يُلبس من الرأس ويربط حول الركبتين، وفي بعض الأحيان يعلق بصورة غير واضحة. يضرب الشخص وهو في داخل الكيس، وأحياناً من قِبَل عدة أشخاص وفي وقت واحد.

م. و. ر.، عمره 12 عاماً ونصف العام، حُقق معه في معتقل المسكوبية. وبحسب كلامه، استمر التحقيق بصورة متواصلة من الساعة الثالثة صباحاً حتى العاشرة ليلاً. خلال التحقيق ضرب م.، كما يقول، طوال ثلاث ساعات تقريباً، ثم أُدخل الزنزانة لمدة نصف ساعة ضرب بعدها من جديد: "خرج [المحقق] ونادى محققاً آخر وطلب منه أن يأتي لشنقي [قالها بالعربية لكي يخيفني]. جلبوا كيساً صلباً كاكي اللون. أدخلوني فيه وأغلقوه من فوق. أطفأوا الكهرباء، وفجأة شعرت أنه مربوط فوق رأسي.... بدأوا يضربونني بعصا. إحدى الضربات رآها القاضي بعينه. وهي تسببت بورم في عيني. بعد ذلك أنزلوا الكيس وأضاؤوا الكهرباء رأيت نحو عشرة أشخاص حولي. لا أعرف الزمن الذي قضيته معلقاً بالكيس."

 زنزانة، ماسورة، "تابوت"، "قبر"

 هذه الأساليب أقل استخداماً، ولا نعرف حالات جرى استخدامها ضد أطفال، أولاد دون سن السادسة عشرة (يجب التذكير هنا بأنه في القدس التي يطبق فيها القانون الإسرائيلي، يُعتبر الذين أعمارهم 18 عاماً وما دون أحداثاً، في حين ينص القانون في المناطق على أن الأحداث هم أبناء 16 عاماً وما دون). في حديث مع بتسيلم نفت الناطقة باسم الشرطة وجود مثل هذه المنشآت. والظاهر أن هذه المنشآت موجودة في نطاق شعبة التحقيق التابعة للشاباك.

واستناداً إلى معلومات حصلنا عليها من مكتب القائد العام للشرطة، فإن الأحداث المتهمين بمخالفات أمنية فوق سن 16، يخضعون للتحقيق من قبل الشاباك.

وبحسب الوصف الذي لدينا فالزنزانة هي عبارة عن حجيرة مساحتها متر ونصف المتر في الطول والعرض، في داخلها كرسي مرحاض. المكان مظلم كريه الرائحة وخانق. في بعض الأحيان يقضي المعتقلون فيه أياماً عديدة.

الماسورة تمر بالساحة الداخلية في الهواء الطلق، يربط إليها الأحداث وأيديهم مكبّلة وراء ظهورهم. ويتركون هناك عدة ساعات، حتى تحت المطر وخلال الليل وفي ساعات القيظ.

"التابوت" هو زنزانة ضيقة للغاية، يبلغ ارتفاعها قامة الإنسان وطولها متراً واحداً فقط. في الإمكان الوقوف فيها لكن من المستحيل التحرك، وبحسب الشهادات، يسجن المعتقلون هناك ساعات عديدة أحياناً (في الإفادة الخطية المقدمة هنا ـ ثماني ساعات).

"القبر" عبارة عن صندوق تحت أرضية الغرفة أو تحت الأرض بحجم 110 × 80 × 60 سم مع باب حديد فيه ثقوب يغطيه من فوق. شهدَ المعتقلون أنهم أُدخلوا القبر وأيديهم مقيّدة واحتجزوا هناك ساعات طويلة بحيث كان الإمكان الوحيد للراحة الجلوس بشكل منحنٍ، من دون السماح لهم بالخروج إلى المرحاض.

م. أ. ر.، عمره 17 عاماً، اعتقل في تشرين الأول/ أكتوبر1989 في أبو طور، والظاهر أن محققي الشاباك هم الذين حققوا معه. من الإفادة الخطية المشفوعة بالقسم التي قدمها إلى المحامي غلعاد سار، يظهر أن التحقيق قد تضمن كل أساليب التحقيق المعروفة لدينا. كان الشقيق الأصغر لـ م. قد اعتقل، فأخافوه بأنهم سيعذبون هذا الأخ إذا لم يعترف هو؛ وضُرب حتى فقد وعيه؛ ثم احتجز في الزنزانة وفي "القبر". وربط خلال الليل إلى الماسورة خارج المبنى وضرب وهو داخل كيس مغلق. وبحسب كلامه لم يأكل شيئاً طوال يوم كامل.

"اعتقلوني في منزلي الساعة الثانية والنصف ليلاً. ضربوني طوال الطريق. ولقد طلب الشاباك من رجال الشرطة والجنود ضربي ـ "أضربوه" قالوا ذلك بالعبرية ولقد فهمت ذلك. وصلنا إلى الغرفة رقم 4 في معتقل المسكوبية. أدخلوني إلى الغرفة ودخل أحد رجال الشاباك. ربط كوفية على رأسي وقيّد يديّ بسلاسل وراء ظهري. ودون أي سؤال أو كلام بدأوا بضربي. خيّل إليّ انهم ينقمون علي لأنني لم أتفوه بكلمة أو باعتراف في كل المرات السابقة التي اعتقلوني فيها.

"بعد ذلك أدخلوني إلى غرفة معتمة ضيقة وطويلة نحو 7 ساعات لوحدي. لم يكن معي أحد ولم يدخل أحد. بعدها التقيت بأخي [الشقيق الأصغر لـ م. الذي اعتقل معه، لكنه لم يعرف ذلك حتى اللقاء بينهما] وهددوني انهم سيدخلوني إلى زنزانة أشد قسوة. أدخلوني إلى زنزانة بعرض متر ونصف وطول متر ونصف مظلمة فيها دورة مياه تنبعث منها روائح كريحة. أُدخلت لمقابلة الضابط "كابتن رشيد" في منطقة الزنارين وبدأ يهددني. قال لي انه لن يسمح لي برؤية عائلتي، "حطمنا من كانوا أكثر صلابة منك"، و "سنجوّعك"؛ وكان هذا صحيحاً لم يعطوني طعاماً من الساعة 2,30 صباحاً حتى اليوم التالي الساعة التاسعة مساء.

"بعدها ناداني ضابط في الشرطة وأخذني إلى زنزانة أخرى تابعة للشاباك. ألبسني كيساً وبدأ بركلي وأنا داخل الزنزانة. بعدها حوالي الساعة التاسعة مساء، أعطوني بيضة تفوح منها رائحة كريهة ونصف رغيف من الخبز، رموهما إليّ من النافذة. لم آكلهما. طوال الوقت الذي كانوا يضربونني فيه لم يسألوني شيئاً، ولم يكن هناك أي تحقيق. فقط ضربات. أخذوني بعد 24 ساعة إلى المحكمة والقاضي مدد فترة توقيفي إلى سبعة أيام. حينها فقط بدأوا يحققون معي. أخذني آفي إيطح وشخص آخر إلى غرفة بعيدة لكي لا يسمع أحد صراخي. أَخرج آفي من وراء الباب عصا طويلة وغليظة (وكانت هناك عصا أخرى معهما) وبدأ الاثنان بضربي واحد من الأمام والثاني من الخلف. معظم الضربات كانت على الرأس وعلى عظام الرجلين. بعدها [قال لي] أنْ أخلع حذائي في الوقت الذي كانت يداي مكبلتين وراء ظهري والكيس على رأسي وحتى نصف جسدي. وضعوا قدماي على الطاولة وجلس المحقق الثاني عليها وبدأ (آفي) بضربي بالعصا على قفا قدميّ بكل قوته... ثم دفعني بقدمه وأوقعني أرضاً. تعب المحقق آفي فجلس على كرسي وأثناء جلوسه استمر في ضربي مع المحقق الثاني. طوال ساعتين ونصف كانت الضربات قاسية جداً.

"بعد ساعتين وصل يغآل، وبدأ بضربي وشتمي. أخرجني من الكيس ورأى أن هناك ضربات كثيرة على وجهي، وعلى أنفي وفمي. بدأ في الضحك علي وقال اني بحاجة إلى منديل لأنظف وجهي. "أنا الآن مسؤول عن التحقيق معك، وسأريك كيف سأسوي أموري معك" [قال لي] أنْ أقف، لم أقدر بسبب الضربات الماضية. ألبسني الكيس من جديد وأنا ممدّد على الأرض وبقيت حوالي 4 ساعات على هذه الحالة بعد خروجه. شعرت بأن الباب قد انفتح. ودخل آفي إيطح ويغآل وإيلي وغفي وشخص آخر بدين. أخرجني يغآل من الكيس (قال لي) أنْ أقف، حاولت ولم أقدر. قام اثنان بحملي ووضعاني على الكرسي. أخرج آفي إيطح أوراقاً مع قلم وقال "الطبخة جاهزة". قلت اني لم أفعل شيئاً. عندها بدأوا يضربونني من جديد وبقسوة أكبر. لكني لم أردّ فأعادوني من جديد إلى الزنزانة، وعلمت أن المسؤول عني هو الكابتين أبو نهاد. استدعوني إلى مكتبه. قبلها كنت قد طلبت طبيباً. خلع عني ثيابي وقال لي لا أشكو شيئاً وأعطاني "أكامول".

"بدأ أبو نهاد" بمعاملتي بطريقة حسنة. وعندما [علم] أن المحققين في الغرفة 4 قد أعادوني إليه بدأ يشتمهم. قال لي: "هنا نحن لا نضرب وإنما نعمل بتعقل. تكلم من فضلك، وإذا كنت لا تريد ذلك فلدينا أساليب ستجعلك تتحدث من تلقاء ذاتك. باختصار أنت متهم بإحراق سيارات." قلت اني لم أفعل شيئاً. عندها استدعى شرطياً اسمه فاكسمان، وضع كيساً على رأسي وقيّد يديّ بالسلاسل وأخذني وربطني بالماسورة. وكان على ما يبدو هناك آخرون مربوطون أيضاً، لأنهم كانوا ينادون بعضهم بعضاً. أحياناً كانوا يطلبون مني أن أجلس وأحياناً أن أقف. لم يكن هناك مرحاض، كنا نقضي حاجتنا في ثيابنا، ومن دون أكل. طوال يوم ونصف ظللت مقيداً على هذا الشكل. الشرطي فاكسمان كان يمرّ ويضربني بمفاتيح حديدية كبيرة....

"أتى الشرطي وأعادني من جديد إلى "الكابتن رشيد". لم يكن باستطاعتي السير لذلك كان يدفعني دفعاً. أدخلني إلى غرفة، وحضر "الكابتن رشيد" وأخرجني من الكيس وفك السلاسل، وقال لي: "الآن يجب أن تعترف." قلت له اني لم أفعل شيئاً. نادى فاكسمان من جديد وألبسوني الكيس من جديد ووضعوا السلاسل. أخذني إلى "التابوت" حيث فك الكيس والسلاسل وأغلق عليّ الباب. كان المكان بمساحة متر واحد أو أقل، كريه الرائحة. بقيت هناك نحو ثماني ساعات. ولو بقيت أكثر من 10 ساعات أعتقد أني كنت قد متّ. بعدها أخذوني مرة أخرى إلى "كابتن أبو نهاد" الذي حقق معي. وعندما سئم مني نادى فاكسمان وأدخلني إلى "القبر" بارتفاع 60 سم وعرض 80 سم. الباب يغلق من فوق. هناك خروم صغيرة في الباب. بقيت هناك ساعتين. طوال هذا الوقت كنت من دون طعام، أكثر من 29 ساعة. بعدها قضيت 4 أيام ونصف في الزنزانة.

"بعدها أتى أحد رجال الشاباك وأخذ بصمات أصابعي ثم أعادوني إلى غرفة مع بقية المساجين. هناك كان بالنسبة لي بمثابة بيت للنقاهة. مكثت هناك يوم ونصف. بعدها أخذوني إلى المحكمة، وأطلق القاضي سراحي من دون أي تدخل. أخذوني مباشرة إلى مستشفى المقاصد. أجروا لي صوراً ورأوا أن هناك ضربات قوية في الرأس، أعطوني دواء وعدت إلى البيت."

 المصدر: القدس، 25 حزيران/يونيو 1990.

 

(8) محكمة العدل العليا 930/89، حكم صادر في 27/11/1989.

(9) بالاستناد إلى شهادات أدلى بها أولاد إلى رابطة مساعدة الطفل المعتقل. البطانيات وسخة جداً، وفي بعض الحالات يحصل الأولاد على بطانية واحدة أو اثنتين، من المفترض أن توفرا الدفء الكافي في ليالي الشتاء في القدس. وفي حالات أخرى، سمعنا بعمليات مصادرة لبطانيات المعتقلين كوسيلة للعقاب الجماعي.

(10) الرابطة الدولية لحقوق الطفل – إسرائيل، تقرير زيارة معتقل المسكوبية، القدس، 21/3/1990.

(11) «حداشوت»، 27/2/1990.