أثر الانتفاضة / الثورة في فك الارتباط عن سلطات الاحتلال
Keywords: 
الانتفاضة 1987
الاقتصاد الفلسطيني
الاحتلال الاسرائيلي
الضفة الغربية
قطاع غزة
فك الارتباط
Full text: 

 بينما الانتفاضة الفلسطينية تكمل عامها الثاني، أصبح في الإمكان تقصي الأثر البالغ الأهمية الذي أحدثته هذه الحركة الثورية، والذي يتمثل في إطلاق مسار من الانفصال التدريجي، معاكس لمسار الدمج الذي رعته السلطات الإسرائيلية منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة سنة 1967. وتعود أهمية المسار الجديد إلى أنه، بتعاظمه، يمحو شيئاً فشيئاً "الوقائع" التي فرضها الاحتلال على "الأرض" طوال عشرين عاماً، ويفرض وقائع جديدة تمثل الركائز الفعلية لـ "الحرية والاستقلال".

وتسهيلاً للبحث، سنتناول مسار الانفصال كما يتجلى في صعيدين رئيسيين متميزين: الاقتصاد، والصراع بشأن السلطة. ومن نافل القول إن تمييز الصعيدين المذكورين لا يعني انقطاع أحدهما عن الآخر إطلاقاً؛ إذ بقدر ما يتحقق الاستقلال الاقتصادي يتوفر الأساس المادي للاستقلال السياسي. وبقدر ما يُنتزع هذا الأخير تتهيأ الشروط لإخراج الاقتصاد الفلسطيني من إسار التبعية للاقتصاد الإسرائيلي.

في التقويم الموجز لحجم الإنجاز الذي حققته الانتفاضة / الثورة في مجال الانفصال، سنشير إلى جملة من المحدِّدات المعوقة، وإلى أمثل للمقترحات التي قد تساعد في إثارة نقاش معمّق في شأن "اقتصاد الانتفاضة" و"سلطة الانتفاضة".

 أولاً: من الاقتصاد الأسير

إلى اقتصاد الانتفاضة

لعل أثر الانتفاضة / الثورة في الانفصال عن الكيان الصهيوني هو أكثر ما يكون بروزاً للعيان على الصعيد الاقتصادي. فالاقتصاد، بطبيعته، أكثر قابلية للقياس من جوانب أخرى في الحياة المجتمعية، ويمكن التعبير عنه بمؤشرات محددة نوعاً ما. ومن جهة أخرى ينطوي هذا الصعيد على أهمية خاصة، نظراً إلى شموله مجالات حيوية عدة من الحياة اليومية، كالعمالة والتبادل التجاري والإنتاج والمال.

ومن أجل استكشاف الأثر الذي أحدثته الانتفاضة/ الثورة في الاقتصاد الفلسطيني المحتل، لا بدّ من عرض – ولو موجز – للأوضاع الاقتصادية التي سادت الأراضي المحتلة حتى نشوب الانتفاضة. ولا بدّ، تحديداً، من لحظ مسار غلحاق الاقتصاد الفلسطيني المُخلَّف بالاقتصاد الإسرائيلي المتطور. فمن الثالبت أن الاحتلال تبنى سياسة متعمدة في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة تهدف إلى تسخير اقتصادهما لخدمة أغراض الاقتصاد الإسرائيلي، وبالتالي تجميد هذا الاقتصاد بما يؤدي إل قطع الطريق على أي إمكان واقعي لنشوء اقتصاد فلسطيني مستقل. فعمدت سلطات الاحتلال إلى فرض قيود على الإنتاج الزراعي بحيث لا يحتاج إلى موارده مياه وأراض جديدة، وامتنعت من تقديم مساعدات للقطاع الصناعي، بل عرقلت وصول مثل هذه المساعدات من الخارج، وجبت "ضريبة احتلال" صافية بقيمة 800 مليون دولار تقريباً، هي مجموع قيمة الضرائب المباشرة وغير المباشرة التي انتقلت إلى الخزينة الإسرائيلية.*     وقد جاء في تقرير لمصرف إسرائيل أن الوضع الاقتصادي في المناطق المحتلة هو "من دون استثمارات، ولا مبادرات محلية، ولا تطوير للسوق المالية، ولا بناء لبنية تحتية."(1)   

لقد نشأ، طوال أعوام الاحتلال، وضع يمكن إيجازه بالمؤشرات التالية:

العمالة: يعمل أكثر من 100 ألف فلسطيني، أي نحو 40% من مجموع قوة العمل في الضفة والقطاع، في مجالات البناء والزراعة والصناعات الخفيفة والخدمات الإسرائيلية، بأجور منخفضة نسبياً، وفي أوضاع عمل سيئة.

التبادل التجاري: تستحوذ إسرائيل على نحو 90% من إجمالي مستوردات الضفة، وعلى نحو 70% من صادراتها.(2)   والجدير بالذكر، أن هذا التبادل يتم على أساس نمط التبادل الإمبريالي المعرفو: مواد مصنّعة (إسرائيلية)، في مقابل مواد خام (فلسطينية).

الأراضي والمياه: السيطرة على أكثر من نصف الأراضي في الضفة، وعلى نحو خمس الأراضي في القطاع، إضافة إلى الاستيلاء على أكثر من 40% من الموارد المائية في الضفة.

القطاعات الإنتاجية: تراجع قطاعي الزراعة والصناعة الفلسطينيين، وسيطرة خمسة مصانع إسرائيلية على أسواق المواد الغذائية والملابس في الأراضي المحتلة، وإنشاء قطاع فلسطيني من المقاولين من الباطن يورد البضائع نصف المصنّعة لحساب الصناعات الإسرائيلية.(3) 

القطاع المصرفي: السيطرة الإسرائيلية شبه المطلقة على هذا القطاع، من خلال فروع المصارف العربية، حتى مؤخراً. ثم أن خلال القيود المفروضة على الفروع العربية القليلة جداً التي سُمح لها بفتح أبوابها منذ بضعة أعوام (بنك فلسطين في غزة، وبنك القاهرة – عمان الذي لم يسمح له بإعادة فتح فرعين له في نابلس ورام الله إلا سنة 1987).

وبإيجاز، فإن مسار الدمج تمخض عن اقتصاد فلسطيني "أسير" تابع للاقتصاد الإسرائيلي، وهدد بتفاقم هذه التبعية إلى درجة الإلحاق الكامل، مما كان يعني – ببساطة – توفير الشروط المادية الضرورية لضم الأراضي المحتلة إلى الكيان الصهيوني.

لكن الانتفاضة / الثورة عملت، في العامين الأولين من عمرها، على تغيير حركة هذا المسار في اتجاه معاكس، مطلقة بذلك مساراً جديداً من فك عرى التبعية الاقتصادية، وبالتالي توفير أحد شروط الاستقلال الاقتصادي. ويمكن تمييز ملامح هذا المسار الجديد في ما يلي:

1-  على صعيد العمالة:

في ظل الانتفاضة /الثورة (استجابة لدعوات قياداتها إلى الإضرابات الشاملة والامتناع من العمل في المؤسسات الإسرائيلية من جهة، ونتيجة قيام سلطات الاحتلال بإغلاق المناطق الفلسطينية وحظر التجول فيها من جهة أخرى)، انخفض بصورة ملموسة ومتواصلة عدد العمال الفلسطينيين الذين يشتغلون داخل الكيان الصهيوني، أو في المستعمرات والمنشآت الإسرائيلية في الضفة والقطاع.

يمر حجم الامتناع من العمل في المنشآت الإسرائيلية بمد وجزر، وهو يتراوح بين الامتناع شبه الكامل في أيام الإضرابات الشاملة، وبين التراجع النسبي بفعل ضغط الحاجات المعيشية الملحة. ويمكننا بصورة تقريبية للغاية، وبناء على المعطيات المتعلقة بارتفاع نسبة البطالة وبانخفاض المداخيل، أن نقدر نسبة انخفاض العاملين لدى إسرائيليين في حدود 40%.(4)

ومهما تكن نسبة الانخفاض هذه، فإنها بلغت حداً حمل المسؤولين وأصحاب المشاريع الإسرائيليين على التسليم بوجود مسار انفصال اقتصادي تدريجي، وبدأ سلوكهم الاقتصادي يتحدد على هذا الأساس. وتجسد هذا السلوك، في مجال العمالة، في محاولات استيراد اليد العاملة الأجنبية واجتذاب اليهود من بين العاطلين عن العمل إلى الأماكن التي شغرت بغياب العمال الفلسطينيين، وكذلك في توجه المستثمرين إلى الانتقال من الصناعات كثيفة العمل (وخصوصاً النسيج) إلى الصناعات كثيفة رأس المال (وخصوصاً الإلكترونيات والتكنولوجيا الممغنطة).

وتشير "حرب البطاقات الممغنطة"، في جزء منها، إلى تسليم سلطات الاحتلال بمسار الانفصال الجديد. فإحدى النتائج الحتمية لهذه الحرب، التي بادرت تلك السلطات إليها صيف سنة 1989، هي حظر انتقال 90% من سكان قطاع غزة عبر "الخط الأخضر"، وحصر هذا "الامتياز" بنحو 60 ألف شخص فقط يحملون تلك البطاقات، بحسب الأوامر التي أصدرها رئيس الإدارة المدنية في قطاع غزة، آرييه رامون.(5)  

وما له أهمية في هذا المجال أن الفلسطينيين الذين يتوقفون عن العمل  في المؤسسات الإسرائيلية يتحولون إلى عاطلين عن العمل، الأمر الذي قد يساعد في إذكاء نيران الانتفاضة/ الثورة، أو ينتقلون إلى القطاعات الاقتصادية الفلسطينية، الأمر الذي يوفر جزءاً من مقومات نشوء اقتصاد وطني مستقل.

2- على صعيد مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية:

تسببت الانتفاضة / الثورة – بما  تضمنته من مقاطعة للبضائع الإسرائيلية وبما رافقها من انخفاض في المداخيل الفلسطينية – بالحد من تدفق البضائع عبر "الخط الأخضر" في الاتجاهين، إلى درجة ملحوظة. فبحسب المصادر الإسرائيلية، وخصوصاً التقرير السنوي للمصرف المركزي لعام 1988 (الذي هو عام الانتفاضة الأول)، انخفضت الصادرات إلى الأراضي المحتلة بما قيمته 600 مليون دولار، أو ما نسبته 40% قياساً بالعام السابق للانتفاضة. وكانت حصة الصادرات الصناعية من هذا الانخفاض 280 مليون دولار، تشكل 3% من مجموع الإنتاج الصناعي الإسرائيلي.(6)    وفي كفة التبادل الأخرى، انخفضت المستوردات الإسرائيلية من الضفة والقطاع الفلسطينيين 48%. وفي النتيجة، انخفض فائض الميزان التجاري الإسرائيلي مع الأراضي المحتلة 76%، وبلغ 43 مليون دولار فقط.

ومع ذلك، لا تزال ثمة عقبات جدية تعترض طريق نجاح المقاطعة الكامل. وتتعلق هذه العقبات، أساساً، بعدم توفر بديل فلسطيني من منتوجات إسرائيلية معينة، تتراوح بين الكهرباء ومواد غذائية أساسية، كالطحين. كما تتعلق بالصعوبة الفائقة لتوفيير البدائل مستقبلاً، إنْ بسبب الضعف البنيوي للاقتصاد الفلسطيني، وضمنه الصناعة، أو بسبب الجدار القانوني الحديدي الذي تنصبه التشريعات الاحتلالية في وجه إمكانات الاستثمار في مجالات المنتوجات البديلة.

 3- على صعيد القطاعات الإنتاجية:

في ظل الانتفاضة / الثورة، طرأت زيادة معينة على إنتاج القطاعات الاقتصادية الرئيسية، كما حدث بعض التغيير في بنية هذه القطاعات. ويمكن تكوين صورة أولية لهذا التغيير وتلك الزيارة من خلال التقرير الذي نشرته صحيفة "الهيرالد تربيون"،(7)   استناداً إلى أحد أعضاء مجموعة التطوير الاقتصادي الفلسطينية. وفيما يلي موجز للتقرير:

شهدت الأراضي المحتلة زيادة هائلة في الإنتاج الزراعي الصغير النطاق، الموجه إلى أغراض الاستهلاك المحلي. فمنذ سنة 1987، تضاعف عدد الدجاج البياض ثلاث مرات، ووصل إلى 350 ألفاً. وارتفع عدد الأبقار الحلوب من 10,500 إلى 14,000. وحدثت زيادة مماثلة في الإنتاج المحلي من الحبوب.

وفيما يتعلق بالقطاع الصناعي، طرأت تعديلات على أكثر من 1100 صناعة صغيرة ومتوسطة في الضفة الفلسطينية. فقد عمدت مصانع النسيج الصغيرة، التي كان إنتاجها كله لحساب المصانع الإسرائيلية بموجب عقود معها، إلى تقليص أعمالها مع هذه المصانع، أو إلغاء عقودها معها بصورة نهائية. ويسوق التقرير مثل أحد المصانع الفلسطينية في بيت ساحور، الذي كان يعمل لمصلحة المصانع الإسرائيلية بنسبة 100%، في حين خفض هذه النسبة الآن إلى 60%، مكرساً الـ 40% الباقية للسوق المحلية. ومن جهة أخرى، قامت إحدى الشركات في رام الله بإنتاج نوع من الكولا بديلاً من الكوكا كولا المعبأة في إسرائيل. وكانت شركة أخرى تزمع تسويق الحليب المبستر من إنتاج المزارع المحلية. وينطبق أمر التحول من الإنتاج المرتبط بالاقتصاد الإسرائيلي إلى الإنتاج الموجه محلياً، على معمل للمعدات الكهربائية في الخليل، هو من كبريات شركات الضفة. غير أن تجربة هذا المعمل تثبت، في الوقت نفسه، الصعوبة الواقعية أمام مثل هذا التحول. فعلى الرغم من الجهود المبذولة في هذا السبيل، فإن المعمل لا يزال يستورد من إسرائيل 92% من حاجاته التي لا يمكن توفيرها محلياً، كالزجاج والجلد التجاري والفيبر غلاس والمواد البلاستيكية.

وإضافة إلى ما أشار تقرير "الهيرالد تربيون" إليه من تغييرات في القطاعات الإنتاجية برزت، في سياق الانتفاضة / الثورة، ظاهرة مهمة وإنْ كانت لا تزال محدودة – تتمثل في قيام عدد من المشاريع الإنتاجية على أسس جماعية أو تعاونية. ففي منطقة رام الله، تطوع شبان إحدى المحلات لإنشاء مزرعة جماعية على مساحة عشرين دونماً، توزع غلتها من الخضراوات المختلفة "على الجميع، مجاناً، بحسب الحاجة." وأشرف على نظام "التسيير الذاتي" هذا لجنة من أبناء المحلة. وفي المنطقة نفسها، أقيم مشروع لتربية الواجن في قبو أحد المنازل. وشارك شاب مهندس في تحويل هياكل الثلاجات القديمة إلى حاضنات لتفريخ البيض، بعد أن سجلوا أسماءهم عليه، ثم حصلوا – مجاناً – على كتاكيت يربّونها في بيوتهم.(8)     وتعود أهمية مثل هذا النوع من المشاريع إلى أنه وحده، في حال تعميمه، يمكّن من الإفلات من نير التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، نظراً إلى قدرته على تحقيق الاستقلالية الكاملة، إنْ من حيث مدخلات الإنتاج، أو من حيث منافذ التوزيع.

ومن الشواهد على "العودة إلى الأرض" والتوجه مجدداً إلى الزراعة، ما ذكره مصدر فلسطيني(9) من أن فلاحي الضفة زرعوا نحو ربع مليون غرسة زيتون في موسم واحد فقط.

 4- على صعيد قطاع المال:

في ظل الانتفاضة / الثورة، أغلقت المصارف الإسرائيلية كلها تقريباً (ربما، باستثناء فرع بنك هبوعاليم، في غزة) الفروع التي كانت فتحتها بالتدريج منذ احتلال الضفة والقطاع.(10)    لكن سلطات الاحتلال ظلب على دأبها في منع قيام قطاع مصرفي فلسطيني فاعل؛ فهي لم تسمح بإعادة فتح مصارف جديدة أو فروع جديدة للمصرفين القائمين (بنك فلسطين وبنك القاهرة – عمان). وظلب تحظر على هذين الأخيرني القيام بمعظم العمليات المصرفية العادية، كالتجارة بالعملة الأجنبية وإصدار الأسهم وفتح الاعتمادات للزبائن.(11)    وفي مثل هذه الأوضاع، ازدهرت أعمال الصيرفة والمضاربة بالعملات، وخصواً في ضوء انخفاض قيمة الدينار الأردني مؤخراً.

تشير "معركة الضرائب" أيضاً إلى جبهة أخرى تحارب الانتفاضة / الثورة عليها من أجل فك ارتباط الأراضي الفلسطينية بالكيان الصهيوني. وإذا كانت بيت ساحور نموذج هذه المعركة ورمزها المشرق في خريف سنة 1989، بل منذ تموز/ يوليو 1988 حين تحدث المراقبون عن "دولة بيت ساحور المستقلة"،(12)   فإن هذه البلدة لم تكن وحيدة في المواجهة؛ ففي أحياء نابلس والخليل القديمة، مثلاً، بلغ العصيان الضريبي حداً نظمت معه "اللجان الضاربة" جباية بديلة لدعم النضال الوطني؛(13)    وفي رام الله، جرى في أواسط آب/أغسطس 1989، هجوم بالقنابل الحارقة على دورية لموظفي الضريبة الإسرائيليين، أسفر عن مقتل أحدهم وجرح ثلاثة آخرين.

وفي الإجمال، أسفرت الحملة الرامية إلى تفكيك جهاز الضريبة التابع لـ"الإدارة المدنية"، عن استقالة ما لا يقل عن ثلث موظفي الجهاز العرب (استبدلتهم الإدارة بإسرائيليين). وعلى الرغم من الجهود الضخمة التي بذلتها السلطات الإسرائيلية من أجل تكثيف جباية الضرائب، فقد انخفض الدخل المتأتي من هذه الجباية منذ بداية الانتفاضة بمقدار الربع تقريباً.(14)  

 ثانياً: من قضم نظام الاحتلال

إلى بناء سلطة الانتفاضة

 1-  في مجال تفكيك أجهزة الاحتلال

في وقت مبكر من الانتفاضة / الثورة، وتحديداً بعد نحو شهر ونصف الشهر من اندلاعها، بدأ التوجه نحو تفكيك الأجهزة والمؤسسات، المحلية والإسرائيلية، التي تؤلف بمجموعها نظام الاحتلال: أجهزة "الإدارة المدنية"، وخصوصاً جهازي الشرطة والضرائب؛ المجالس البلدية والقروية والمخاتير المعينين من قبل سلطات الاحتلال؛ شبكة العملاء والمتعاونين مع العدو. وظل هذا التوجه قائماً منذ ذلك الحين، بدرجات متفاوتة من النجاح.

منذ أوائل شباط /فبراير 1988، كانت استقالات أعضاء المجالس المحلية والمخاتير قد أخذت تتوالى، على نحو بدأ ينذر بـ "انهيار" هذه المجالس.(15)    غير أن أقلية من هؤلاء ظلت ترفض الدعوات المتكررة إلى الاستقال، وأصبحت جزءاً عضوياً من نظام الاحتلال الذي أمدها بالدعم والحماية والسلاح. وهذا ما دفع نشيطي الانتفاضة إلى تصعيد المواجهة، واللجوء إلى وسائل عنيفة لحمل هذه الأقلية على الانصياع للإرادة الشعبية (مثلاً: محاولة اغتيال رئيس بلدية البيرة المعيّن حسن الطويل طعناً بالسكين؛ اغتيال مختار قرية بديا بالرصاص في تشرين الأول/ أكتوبر 1988، بعد ثلاث محاولات لقتله منذ بدء الانتفاضة؛ قتل مختار كفر لاقف رمياً بالرصاص في آب/أغسطس 1989؛ الهجمات المتكررة على مختار مخيم الفارعة، محمود الرّجا، وعلى منزله وممتلكاته).

ترافقت هذه التطورات مع دعوة موظفي "الإدارة المدنية" العرب إلى الاستقالة، واللجوء إلى العنف في هذا السبيل أيضاً. فقد تعرضت مراكز للشرطة المحلية لهجمات أدت إلى إحراقها بكاملها أحياناً (كما حدث في بيت ساحور). وتم، في أوائل آذار/ مارس 1988، قتل شرطي فلسطيني في مخيم عقبة جبر. وبدأ أفراد الشرطة العرب، اعتباراً من الحادي عشر من الشهر نفسه، يقدمون استقالاتهم "بالمئات"، في خطوة وصفها ضابط شرطة إسرائيلي كبير بأنها "كارثة".(16)     ويشير تقرير إسرائيلي رسمي إلى أنه من مجموع أفراد الشرطة المحليين في قطاع غزة البالغ 430 شرطياً عشية الانتفاضة، لم يبق في الخدمة في أيار/مايو 1989، سوى 20 شرطياً.(17)   

أما فيما يتعلق بموظفي الضريبة الفلسطينيين، فقد استقال منهم ما لا يقل عن الثلث حتى صيف سنة 1989، كما أسلفنا.

إلى جانب هذا كله، تظل المعركة ضد العملاء المتعاونين مع السلطات الإسرائيلية هي الجبهة الأبرز والأعنف في الحرب من أجل تقويض الركائز  المحلية لنظام الاحتلال. ذلك بأن سيطرة إسرائيل على المناطق الفلسطينية المحتلة، كما يشير أحد الاستراتيجيين الصهيونيين،(18)   لم (ولا) تستند إلى نخبة ألوية الجيش، بل إلى "نظام رقابة"، تقوم فيه شبكة العملاء المكثفة بدور رئيسي، بالترابط مع وسائل المراقبة والعقاب الاستخبارية، ووجود قيادة تقليدية تلجم السكان، والتدابير الإدارية بأسلوب العصا والجزرة. وإدراكاً من المنتفضين لهذه الحقيقة، وجّهوا قسطاً من نضالهم نحو تفكيك هذه الشبكة، التي تضم – بحسب أحد التقديرات-(19)    نحو 5000 من العملاء، فأعدموا أكثر من 100 منهم حتى الآن. وتصاعدت موجة الإعدامات هذه في صيف سنة 1989، بحيث أن العدد بلغ في يوم واحد فقط، يوم 12 آب/ أغسطس، 4 عملاء. وقد اثار تصاعد هذه الموجة مخاوف لدى "القيادة الموحدة" وفي الخارج، لا نرى مبرراً موضوعياً لها، في ضوء إقرار هذه الإعدامات شعبياً، والاهتمام البالغ بسلامة آلية اتخاذ القرار بتنفيذها.(20)  

2- في مجال بناء أطر بديلة:

في سياق التوجه إلى الانقطاع عن السلطات الإسرائيلية، نشأت – منذ وقت مبكر من الانتفاضة / الثورة – أطر شعبية فلسطينية، أخذت تحل بالتدريج محل أجهزة الاحتلال على غير  صعيد في الحياة اليومية. فقد بدأت "اللجان الشعبية" (وغيرها من الأطر القاعدية مثل "اللجان الشعبية والوطنية") تمثل نوعاً من السلطة السياسية المحلية، وخصوصاً في أوضاع الحصار ومنع التجول ونشوء "المناطق المحررة". وأخذت اللجان القطاعية المتخصصة تتولى قسطاً متزايداً من وظائف "الإدارة المدنية": لجان التعليم الشعبي تأخذ التعليم بيدها، في ظل  إغلاق المدارس حتى صيف سنة 1989؛ اللجان الطبية تقتحم مجال الصحة مكوّنة نوعاً من "سلاح الانتفاضة الطبي"؛ اللجان الضاربة تؤلف نواة جيش التحرير الشعبي، ولجان الحراسة نواة جهاز الشرطة... إلخ. وبلغ الأمر مؤخراً، بحسب ما ذكرت صحيفة "حداشوت"،(21)    حد تأليف وحدات شرطة في نابلس، تتضمن شرطة اتصالات وشرطة سير وشرطة عسكرية. وحتى على صعيد القضاء، تعاظم عزوف الناس عن اللجوء إلى المحاكمن وتحكيمهم القادة المحليين – بلاداً منها – في أمور نزاعات العمل والخلافات المالية وغير ذلك من القضايا.(22) 

3- نشوء "المناطق المحررة":

منذ شهور الانتفاضة / الثورة الأولى، أعلنت "عشرات القرى" الفلسطينية، وخصوصاً في الضفة الغربية، نفسها مناطق محررة: أغلق السكان الطرق المؤدية إليها بمتاريس الحجارة، ورفعوا الأعلام الفلسطينية ف أماكن مرتفعة، وغطوا الجدران بالصور والشعارات الوطنية، وامتنعوا من مغادرة مناطقهم للعمل أو للدراسة. ومع أن المنطقة "المحررة" النموذجية تظل – إجمالاً – قرية نائية، بعيدة عن المستعمرات ومحاور الاتصالات الرئيسية، فإن هذه الظاهرة شملت أيضاً العديد من المخيمات وبعض الأحياء الشعبية القديمة (في مدينتي نابلس والخليل، مثلاً). وتمثل "المناطق المحررة"، في رأي أحد المراقبين الإسرائيليين،(23)   "التعبير الملموس بوضوح" عن محاولات الفلسطينيين "الانفصال عن جهاز الإدارة المدنية وتقليص الاعتماد على الجهاز الاقتصادي والجهاز الإداري الإسرائيليين إلى الحد الأدنى."

ظل الجيش الإسرائيلي يشن عمليات مبادأة ضد مناطق "محررة" مختارة، فيعيد احتلالها، ويقوم بحملات اعتقال واسعة وإزالة المتاريس والشعارات والأعلام. لكن هذه المناطق ظلت تعود إلى سابق عهدها غداة انسحاب الجنود "المحررة"، مع تواصل الانتفاضة / الثورة، إلى درجة أن احد الصحافيين الأميركيين(24)    تحدث عن وجود "دولة فلسطينية مستقلة قائمة في أجزاء من الضفة الغربية." وجاء في حديثه هذا في سياق تقريره عن نموذج لـ "جمهورية مصغرة" أنشأها سكان قرية كفر عين، فألفوا "حكومة محلية غير رسمية تتكون من لجان المواطنين"، التي تقوم بتوزيع المواد الغذائية، وتنظيم التعليم والقضاء (حل النزاعات المحلية)، والصحة، بالإضافة إلى لجنة "حراسة" ترقل مجيء جيش الاحتلال.

4- انكماش السيطرة الإسرائيلية:

في مقابل هذه التطورات على الجبهة الفلسطينية، وبالتفاعل المتبادل معها، حدث تراجع ملموس في نطاق السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، عمل بدوره على تعميق هوة مسار الانفاصل وتوسيعها.

أدت الهجمات الناجحة على المستوطنين ووسائط النقل الإسرائيلية إلى رفع الكلفة البشرية والمادية للانتقال على طرقات الضفة والقطاع، وبالتالي إلى زيادة عزلة المستعمرات القائمة فيهما. فبحسب مصادر أكثر من 3 آلاف حافلة في المناطق المحتلة نتيجة الهجمات التي تعرضت لها خلال 21 شهراً من الانتفاضة.(25)    وقد تجسد الارتباك الذي ألحقته الانتفاضة / الثورة بحركة المواصلات الإسرائيلية في حادث الطرق الذي وقع في آب/ أغسطس الماضي وأسفر عن مقتل أربعة إسرائيليين، حين كان سائق إحدى الحافلات يسير عكس السير ليتجنب الرجم بالحجارة، فاصطدم بسيارة عسكرية. كما أدت هجمات المنتفضين على المنشآت والمزارع الاستيطانية إلى زعزعة استقرار المستعمرات وتشديد طوق عزلتها، بل إلى هجرها ربما.(26)  

والأهم من ذلك ما جرى على صعيد السيطرة العسكرية المباشرة. فقد حاولت القوات الإسرائيلية عبثاً "إعادة الهدوء والنظام" إلى المناطق المحتلة، مستعملة كل ما في جعبتها من أدوات ووسائل قمعية (باستثناء الدبابات والمدفعية!). بل أن الإجراءات التي  اتخذتها سلطات الاحتلال لم تؤد إلاّ إلى تأجيج الانتفاضة / الثورة، وكان ثمة بينها (مثل إصدار البطاقات الممغنطة، أو إعلان مناطق عسكرية مغلقة) ما يشير إلى نوع من الإقرار بمسار انفصال الأراضي الفلسطينية، أو ما يمثل تكريساً لهذا المسار وتعزيزاً لمظاهر الاستقلال الفلسطيني.

حظي انكماش السيطرة الإسرائيلية هذا، وازدواج السلطة الذي خلّفه، باهتمام المراقبين الإسرائيليين، وأثارا قلق سلطات الاحتلال. فبعد نحو خمسة أشهر فقط من الانتفاضة / الثورة، كان أحد المراقبين(27)    يحدد الوضع القائم بأنه وضع "تعادل في الصراع بشأن السيطرة" بين الجماهير الفلسطينية المنتفضة وقوات الاحتلال الإسرائيلي. وذهب مراقب آخر(28)    إلى أن الصراع يدور الآن بشأن "من يدير الحياة اليومية: الحكم [العسكريٍ مع قوات الجيش الكبيرة، أم الشبان بما لديهم من تأييد شعبي واسع؟" وحتى قائد المنطقة الوسطى السابق، عميران متسناع، أقر بمرور الانتفاضة بمرحلة "خفنا فيها من أن نفقد السيطرة على الأحداث، بسبب انضمام المزيد فالمزيد من العناصر والقطاعات إلى الانتفاضة... كان ثمة الكثير من الحوادث والكثير من المصابين. وكان ثمة بالتأكيد إحساس بتهديد فقدان السيطرة."(29)    وفي تقويم ميداني للانتفاضة، بعد مرور 19 شهراً على نشوبها، اعتبر أحد أبرز المحليين الاستراتيجيين الإسرائيليين "أن قدرة الردع لدى الجيش الإسرائيلي إزاء السكان الفلسطينيين قد تزعزعت"، وساق عملية القسطل** برهاناً على ذلك. وأضاف أن ضباطاً كثيرين يعرفون ذلك، لكن صوت المنتقدين لا يجد آذاناً صاغية، مشيراً إلى أن هيئة الأركان العامة منعت نشر مقالين نقديين في شأن الانتفاضة، داخل الجيش الإسرائيلي.(30) 

*    *    *

إزاء هذه التطورات على صعيد الصراع بشأن السيطرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي سعي وراء تعطيل مسار الانفصال الجاري فيها، انتهجت السلطات الإسرائيلية سياسة أطلق عليها وزير الدفاع يتسحاق رابين اسم "التطبيع".(31)   وعلى الرغم من  عدم صوغ هذه السياسة بصورة محددة، فإنه يمكن الاستدلال على أنها تقوم بإعادة وصل ما انقطع بين السكان والسلطات، وذلك من خلال وسائل عدة أهمها:

أ – إعادة بعض المؤسسات العامة إلى العمل، باستعمالها أداة للثواب والعقاب معاً، انسجاماً مع سياسة الجزرة والعصا المعروفة. وكان الإجراء الأبرز في هذا المجال إعادة فتح المدارس، بالتدريج، اعتباراً من 22 تموز/ يوليو الماضي، مع التهديد بإغلاق أية مدرسة يخرق طلابها "النظام العام"، والطلب من المعلمين وأولياء الطلاب تحمل مسؤولياتهم في هذا الصدد. ومع أن هذا الإجراء يوحي بإغراء مئات الآلاف من الطلبة وعائلاتهم من ورائهم، بالخلود إلى الهدوء خوفاً من ضياع العام الدراسي، إلا أنه في الواقع لم يفلح في تحقيق أغراضه تماماً. فقد عادت المدارس إلى سابق عهدها، كبؤر للانتفاضة / الثورة (وإنْ على نطاق أصغر نسبياً) بدليل الأوامر اليومية المتكررة بإغلاق المدارس مجدداً. ثم القرار بإغلاقها كلها مدة شهرين بدءاً من 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989.

ب – فتح قنوات اتصال جديدة بين الحكم العسكري و "الإدارة المدنية" من جهة، وبين الفلسطينيين من جهة أخرى، بعد تعطل القنوات السابقة بسبب ضعف نفوذ الوجهاء والزعامات التقليدية، ونتيجة الاستقالات في المجالس البلدية والقروية. وقد كانت "الشخصيات" حلقة الوصل الجديدة، في اللقاءات المتكررة التي تدعو سلطات الاحتلال إليها. وتكثفت هذه اللقاءات مؤخراً، وخصوصاً في النصف الأول من سنة 1989، واختلط الحديث فيها عن مشروع الانتخابات الإسرائيلي بالحديث عن حاجات السكان المعيشية. وقد بدأت تنذر بعواقب سيئة على الانتفاضة/ الثورة ووحدة صفوفها الوطنية، قبل أن تحظرها "القيادة الموحدة" في بيانها الصادر أواخر آب/ أغسطس 1989.

 الخلاصة

خلال عامين من الانتفاضة / الثورة، تحققت درجة معينة من انفصال الأراضي الفلسطينية المحتلة. وشمل هذا الانفصال النسبي مختلف مجالات الحياة اليومية، بدءاً بالمجال الاقتصادي (الذي يمكن المخاطرة بوضع نسبة انفصاله التقديرية في حدود 40%)، وصولاً إلى مجال الانفصال السياسي (الذي يصعب قياسه).

إن تحقيق الانفصال الكامل يستحيل، طبعاً، إلاّ بدحر الاحتلال وإنجاز هف الانتفاضة/ الثورة في "الحرية والاستقلال". لكننا نلفت النظر  هنا إلى وجود جملة من الشروط الموضوعية والذاتية، حالت ولا تزال تحول دون تحقيق درجة أعلة من الانفصال، يمكن تحقيقها حتى في ظل الوضع القائم (الاحتلال من جهة، والانتفاضة / الثورة من جهة أخرى).

فعلى الصعيد الاقتصادي، يقف الاحتلال الإسرائيلي بـ "تشريعاته" (كما يجب أن نتوقع حارساً على استمرار التبعية التي رعاها طوال عشرين عاماً. فنراه يلجأ، ببساطة، إلى منع الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، وإلى تحجيم التحويلات النقدية من الخارج، التي تؤلف العنصر الأساس في "الناتج القومي الإجمالي" الفلسطيني.

لكن الأمر لا يتوقف عند التحديدات الإسرائيلية، بل يتجاوزها إلى مثيلاتها الفلسطينية (والعربية، إجمالاً). وهنا، نستحضر الضعف البنيوي المتأصل في الاقتصاد بعامة، وفي البورجوازية الفلسطينية بخاصة الذي يجعلهما عاجزين عن اقتحام المجالات الصعبة الغامضة، الضرورية للإجهاز على علائق التبعية، ولشق الطريق نحو اقتصاد وطني مستقبل حقاً. وأكثر من ذلك، فإن الطروحات "الرسمية" الفلسطينية تقف عند حد الدعوة إلى حلول مثالية، أو رومانسية، عفا عليها الزمن، من طراز "الاكتفاء الذاتي"، أو "الاقتصاد المنزلي"، أو العودة إلى الحياة البسيطة التي عاشها الآباء والأجداد.

في هذا السياق، لم تتبلور (ولم يكن ممكناً أن تتبلوز ) استراتيجية اقتصادية فلسطينية، تنطلق من واقع "اقتصاد الانتفاضة" الراهن، وتهدف إلى تحقيق الحد الأقصى الممكن من الانفصال عن الاقتصاد الإسرائيلي من جهة، ومن تنمية القطاعات الإنتاجية من جهة أخرى. ويتطلب مثل هذه الاستراتيجية تضافر جهود الاقتصاديين والحقوقيين والمهندسين الزراعيين والباحثين، وإجراء دراسات قانونية للتشريعات الإسرائيلية، ودراسات جدوى اقتصادية لمشاريع إنتاجية في إطار من تكاملها، وما إلى ذلك، وتتضمن "خطة تنمية" متعددة السنوات، ومقترحات محددة للتغلب على المعوقات القائمة، مثلاً: توجيه المساعدات الدولية و"أموال الصمود" للأراضي المحتلة نحو توفير بدائل من المنتوجات الإسرائيلية التي لا بديل منها محلياً، وتطوير مشاريع زراعية وحرفية؛ توسيع القطاع التعاوني، وخصوصاً في المجالات الإنتاجية؛ تأمين منافذ للصادرات، وخصوصاً الصادرات الزراعية (وتحديداً الزيتون والحمضيات)، مع اقتراح آلية محددة لمنع تسرب المنتوجات الإسرائيلية معها إلى الأسواق العربية... إلخ.

أما على الصعيد السياسي، فإن مستوى الانفصال الحادث كان دون الممكن في ظل الانتفاضة / الثورة. ومرة أخرى، قامت السياسة الفلسطينية الرسمية بدور في ذلك. وقد تجلة هذا الدور في المواقف المعرقلة لوصول مسار الانتفصال إلى نهايته المنطقية، كالموقف المشجع للاتصالات بين سلطات الاحتلال و"الشخصيات"، أو ذلك المعرقل، من دون مبرر موضوعي، للحملة على العملاء. وتجلى، خصوصاً،  في غياب استراتيجية سياسية واضحة من أجل تعميق مسار الانفصال المذكور، وبناء المؤسسات الإنتفاضية البديلة. ونلفت النظر هنا إلى أنه بالإضافة إلى الجهود المركزة على وضع استراتيجية "سلمية"، يجب صرف الانتباه إلى تطوير الاستراتيجية الانتفاضية الغائبة حتى الآن، والتي تتضمن: استكمال بناء الأطر الانتفاضية وتعميق محتواها الديمقراطي (مثلاً: إقامة مجالس شعبية منتخبة، إن أمكن، على مستوى المحلة، فالموقع السكاني، فالمنطقة، وصولاً إلى مجلس شعبي على مستوى الأراضي المحتلة)؛ استمرار التعليم الشعبي – حتى في ضوء إعادة فتح المدارس – بإعطاء حصص خاصة بالانتفاضة / الثورة، والتاريخ الفلسطيني والعربي وغير ذلك؛ تحديد التكتيكات المسلحة الناجعة، الهادفة إلى تعزيز المناطق "المحررة" وتصفيح السلطة الشعبية الوليدة.

 

* تعتبر "ضريبة احتلال" هو لميرون بنفنستي – أنظر مثلاً: يتسحاق رفيحيا، "يديعوت أحرونوت"، 13/9/1987.

**  حيث قام شاب فلسطيني بدهورة حافلة إسرائيلية قرب القسطل، على الطريق بين تل أبيب والقدس.

 

المصادر:

(1)أنظر: سيفر بلوتسكر، ملحق "يديعوت أحرونوت"، 18/12/1987، ص 5.

(2) بحسب عمانوئيل سيفان، كما في: أوري نير، "هآرتس"، 4/1/1987.

(3) المصدر نفسه.

(4) أنظر أيضاً التقرير عن ندوة منظمة التنمية الصناعية – "الحياة" (لندن)، 17/10/1989.

(5) التلفزة الإسرائيلية، 18/8/1989.

(6) بحسب رئيس فرع الصناعات الغذائية الإسرائيلية، تضرر هذا الفرع بما يزيد على 100 مليون دولار، خلال عام ونصف العام من الانتفاضة. وحذر من أنه نشأ في الضفة الغربية صناعة محلية نشيطة، بدأت تغرق حتى الأسواق الإسرائيلية بمنتوجات أرخص من مثلاتها الإسرائيلية بما يتراوح بين 30% و 50% - أنظر: "دافار"، 15/10/1989.

(7) Jackson Diehl, International Herald Tribune, September 7, 1979.

(8) تقرير وكالة الصحافة الفرنسية – أنظر: "النداء" (بيروت)، 1/7/1988.

(9) "الطليعة" (القدس)، 2م3/1989، ص 8.

(10) أنظر: داني تسدقوني، "دافار"، 24/3/1989.

(11) تسدقوني، "دافار"، 8/8/1989.

(12) ميخل سيلع، "كوتيرت راشيت"، العدد 297، 19/8/1988، ص 24.

(13) أفينوعام بار – يوسف، "معاريف"، 18/8/1989.

(14) المصدر نفسه.

(15) "دافار"، 8/2/1988.

(16) "هآرتس"، 13/3/1988.

(17) "الرأي" (عمان)، 28/6/1989 – نقلاً عن "هآرتس".

(18) يورام بيري، "دافار"، 13/3/1988.

(19) بحسب تقدير "خبير" فلسطيني بشؤون المناطق المحتلة – أنظر: زئيف شيف، "هآرتس"، 21/8/1989.

(20) أنظر، مثلاً: المصدر نفسه؛ إيتان رابين، "هآرتس"، 8/9/1989.

(21) كما جاء في صحيفة "الرأي" (عمان)، 29/6/1989.

(22) داني روبنشتاين، "دافار"، 11/8/1989.

(23) أوري نير، "هآرتس"، 4/3/1988.

(24) Theodore Stanger, Newsweek, June 26, 1989.

(25) "دافار"، 17/8/1989.

(26) أنظر، مثلاً: ران كسليف، "هآرتس"، 29/6/1988.

(27) فولص، "هآرتس"، 13/5/1988.

(28) روبنشتاين، "دافار"، 29/4/1988.

(29) في حديثه، خلال لقاء مغلق، مع ضباط احتياط من الكيبوتس القطري – أنظر: "عال همشمار"، 14/7/1989.

(30) شيف، "هآرتس"، 14/7/1989.

(31) في برنامج "موكيد"، التلفزة الإسرائيلية، 2/8/1989.