بعد شهور قليلة من انطلاقة الانتفاضة / الثورة، وفي أوج المحاولات الأميركية لإجهاضها عبر ما سمي "مبادرة شولتس"، كان رئيس الحكومة الإسرائيلية يتسحاق شمير يتنبأ بفشل هذه المبادرة، ويرى ضرورة التقدم لاحقاً بمبادرة إسرائيلية.
وخلال عام كامل، حدثت مجموعة من التطورات أوجدت التربة التي نمت فيها بذور "المبادرة" الإسرائيلية العتيدة: قَطْع الأردن صلاته الإدارية والقانونية بالضفة الغربية اعتباراً من أواخر شهر تموز/ يوليو 1988؛ تعاظم انزياح "المجتمع" الإسرائيلي نحو اليمين، كما أظهرت نتائج انتخابات الكنيست الثاني عشر؛ الخط السياسي الجديد لقيادة م. ت. ف.، كما تجسد خصوصاً في مقررات المجلس الوطني في الجزائر في تشرين الثاني/ نوفمبر؛ بداية الحوار الأميركي – الفلسطيني في كانون الأول/ ديسمبر؛ عَرْض وزير الدفاع الإسرائيلي يتسحاق رابين، في كانون الثاني/ يناير 1989، مبادرة "شخصية" لإجراء انتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين؛ إعطاء شخصيات من المناطق المحتلة دوراً سياسياً متزايداً، من قبل كل من م. ت. ف. وسلطات الاحتلال الإسرائيلية والإدارية الأميركية. وفي المقابل، تواصلت / الثورة خلال هذا العام، مبرهنة أنه عصية على الكسر أو على احتواء.
خطوط "المبادرة"
تتألف "المبادرة السياسية للحكومة الإسرائيلية" من 20 بنداً، تتناول هدف "المبادرة"، وافتراضاتها الأساسية، والموضوعات المتعلقة بمسار السلام، ومبادئها، وجدولها الزمني، والأطراف المشاركة في المفاوضات في مرحلتي الاتفاق الموقت والحل الدائم، وفحوى هاتين المرحلتين، وأخيراً، ما يمكن تسميته آلية تطبيق "المبادرة".(1)
تعالج "المبادرة" الإسرائيلية، كما ورد في البند رقم 1، استمرار مسار السلام، وإنهاء حالة الحرب مع دول عربية، والحل لعرب "يهودا والسامرة" وقطاع غزة، والسلام مع الأردن، وحل مشكلة اللاجئين في الضفة والقطاع. وهكذا، فهي لا تتناول المشكلة الفلسطينية، ولا حتى في جانبها المتعلق بوجود لاجئين خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتقوم الافتراضات الأساسية لـ"المبادرة" على أرضية الإجماع القومي الصهيوني، وعلى قاعدة الخطوط الأساسية لحكومة الوحدة الوطنية الإسرائيلية، وخصوصاً:
- اعتبار المفاوضات المباشرة، وفقاً لمبادىء كامب ديفيد، هي الطريق إلى السلام في المنطقة.
- لا لإقامة دولة فلسطينية "إضافية" في الضفة والقطاع.
- لا للتفاوض مع م. ت. ف.
- لا لتغيير الوضع القائم في الضفة والقطاع، إلاّ بما ينسجم والخطوط الأساسية للحكومة الإسرائيلية.
وبالعودة إلى هذه الخطوط،(2) نجد أن لاءات "المبادرة" الثلاث هي اللاءات الإسرائيلية التقليدية نفسها التي تضمنها برنامج الحكومة الإسرائيلية. بل أن الإحالة على تلك الخطوط الأساسية تقطع الشك والغموض بيقين النصوص الواضحة: ففي البند 6 من خطوط الحكومة، جاء أن "القدس المتكاملة، عاصمة إسرائيل الأبدية، هي مدينة واحدة تحت سيادة إسرائيل، ولا تقبل التجزئة..."؛ وفي البند 14، ورد أنه "لن يحدث تغيير في السيادة في يهودا والسامرة وقطاع غزة إلا بموافقة المعراخ والليكود" معاً؛ ونص البند 15 – أ على أنه "سيصار إلى ضمان وجود المستعمرات التي أقامتها الحكومات الإسرائيلية وتطويرها...".
أما بالنسبة إلى الموضوعات المتعلقة بالسلام، فقد حددتها "المبادرة"، بالانسجام مع ما جاء في البند رقم 1 والافتراضات الأساسية السابقة الذكر. فالسلام بين مصر وإسرائيل، القائم على أساس اتفاق كامب ديفيد، هو – في نظر إسرائيل – "حجر الزاوية في توسيع دائرة السلام في المنطقة." وتدعو "المبادرة" إلى تعزيز هذا السلام وتوسيعه، أي إلى ما نسميه تعريب كامب ديفيد. كما تدعو إسرائيل إلى إقامة علائق سلمية بينها وبين الدول العربية. ويقتصر نصيب الفلسطينيين من موضوعات السلام على جانبين: الأول، حل مشكلة اللاجئين في الضفة والقطاع حصراً، من خلال جهود دولية تشارك إسرائيل فيها؛ والجانب الثاني يتعلق بإجراء انتخابات "ديمقراطية حرة" في الأراضي المحتلة، "في جو خال من العنف والتهديد والإرهاب." وتجري الهيئة التمثيلية المنتخبة مفاوضات في شأن فترة انتقالية من الحكم الذاتي، تكون "اختباراً للتعايش والتعاون". ويلي ذلك "مفاوضات في شأن الحل الدائم، تُدرس فيها جميع الخيارات المقترحة في شأن حل متفق عليه، ويتحقق السلام بين إسرائيل والأردن."
يمكن اعتبار الفقرة الأخيرة مفتاحاً لفهم نص "المبادرة" بكامهل، على الرغم من غموضه المتعمد، بل بسبب هذا الغموض. فهي تلخص ما يلي من الوثيقة، وخصوصاً لجهة "العلاقة" بين الحلين المرحلي والدائم، وجوهر الرؤية الصهيونية للحل / الحلول الدائمة. ويمكن إعادة صوغ الخطة الإسرائيلية على النحو التالي:
بعد وضع حد للانتفاضة، بطريقة أو بأخرى (البند 15 – ب) مما يؤدي إلى خلق "جو خال من العنف والتهديد والإرهاب"، تجرى انتخابات في الضفة والقطاع، وفقاً "للوثيقة التفصيلية التي يتم تحديدها" (البند 17)، بموافقة إسرائيل، في شأن الترشيح والانتخاب مما يضمن أن "تكون الانتخابات حرة وديمقراطية" (البند 18). وتقوم إدارة ذاتية، على رأسها الهيئة التمثيلية المنتخبة، وفقاً للأصول (الإسرائيلية). وبعد فترة لا تزيد على ثلاثة أعوام، تبدأ مفاوضات بين إسرائيل والطرف العربي، المكون أساساً من الأردن والهيئة المنتخبة، في شأن الحل الدائم (البند 15). وفي هذه المفاوضات، يطرح الطرفان خياراتهما. وتتعمد الخطة عد الإفصاح عن الخيار الإسرائيلي، أو بالأحرى الخيارين الإسرائيليين، بهدف تفادي الخلافات الداخلية بين الليكود وحزب العمل في شأن مسألة لا تزال في عالم الغيب، وتجنب تنفير الشعب الفلسطيني من أحد خيارين معروفين (الضم، "الخيار الأردني")، مرفوضين فلسطينياً حتى مع أقصى التنازلات. لكن الحل الدائم، بحسب الخطة، يجب أن يحظى بموافقة الأطراف كافة، مما يعني منح الحكومة الإسرائيلية مجتمعة، وكل من الطرفين المؤتلفين داخلها، حق النقض بالنسبة إلى أي حل يعارض الخيارات الإسرائيلية. وهكذا يمكن أن تسفر مفاوضات الحل الدائم، إذا جرت أصلاً، عن تحقيق "السلام بين إسرائيل والأردن"، عبر إخضاع هذا الأخير للشروط الإسرائيلية التي ستتبلور في هذه الأثناء، وإلا فإن البند الأخير رقم 20 من الخطة يتكفل بـ"الحل": "خلال فترة المفاوضات بأكملها"، وهي فترة غير محددة زمنياً. "وحتى توقيع اتفاق الحل الدائم"، إذا قبلت إسرائيل توقيعه، "يستمر الحكم الذاتي". وفي هذه الأثناء، يتواصل تهويد الأراضي المحتلة، من خلال تكريس ضم منطقة القدس، وتكثيف الاستيطان (وليس توسيعه بالضرورة)؛ كما يستمر الجو الخالي من "العنف والتهديد والإرهاب"، وتنتقل الخلافات من الصفوف الإسرائيلية إلى الصفوف الفلسطينية والعربية. فتكون إسرائيل، بذلك، قد عملت على تأييد الاحتلال.
إقرار المبادرة
عشية انعقاد جلسة الحكومة الإسرائيلية، اجتمع وزراء الليكود للبحث في مشروع "مبادرة السلام" المزمع إقراره رسمياً. وتلخص وقائع الاجتماع (3) الحيثيات المختلفة التي يعرضها كل من مؤيدي المبادرة ومعارضيها من أجل شرح مواقفهم ودعمها.
افتتح يتسحاق شمير االاجتماع بقوله إنه يرغب في الحصول على موافقة الحكومة على وثيقة المبادرة في اليوم التالي، لأن الوزيرين موشيه آرنس ويتسحاق رابين سيزوران الولايات المتحدة هذا الأسبوع، ومن المرغوب فيه أن تدور محادثاتهما هناك حول وثيقة حظيت بموافقة الحكومة. وقال "إن الوثيقة جزء عضوي من النضال السياسي الذي تديره إسرائيل في مواجهة الهجوم السياسي الواسع ضد الدولة وأسس وجودها." وأضاف شمير أن كل مبادرة كهذه تنطوي على مخاطر. لكن إسرائيل قوية تستطيع الدفاع عن مصالحها، ولا يلحق بها ضرر بسبب هذه الخطة؛ إنها تسهل الأمور علينا، وتؤدي إلى صد الهجوم على إسرائيل.
ومما قاله شمير في الاجتماع أن الوثيقة تمثل الحد الأقصى الذي أمكن التوصل إلى اتفاق في شأنه مع المعراخ، وأن إحدى اليدين تمسك هراوة والأخرى تمسك مبادرة سلام. ولأن الوثيقة مبادرة فلا ضرورة للدخول في التفاصيل، بل مناقشة المبادىء. ورداً على المخاوف التي أثيرت في الجلسة من أن تضطر إسرائيل إلى التراجع عن الموقف الاستهلالي الذي تمثله الوثيقة، قال شمير إن إسرائيل تستطيع منع أي انحراف أو خروج على الخطة، من قبل أية جهة. وأكد أن مفاوضات السلام في شأن الحل الدائم ستجرى مع الأردن. كما أنه قرأ وثيقة المبادرة في الاجتماع. وأضاف أن المفاوضات لن تشمل ثلاثة موضوعات: الأمن، والعلائق الخارجية، والاستيطان في "يهودا والسامرة" وقطاع غزة.
في النقاش الذي دار بعد حديث شمير، قال أريئيل شارون إنه يجب عدم مناقشة أية مبادرة سياسية، قبل ضمان وقف العنف والإرهاب وقتل الجنود والمدنيين اليهود، وهذا يجب تنفيذه بقوة إسرائيل. وقال: "إن أي نقاش في شأن الانتخابات لن يؤدي إلا إلى تأجيج نيران العنف والإرهاب"، وأن أي نشاط آخر – غير تصفية الانتفاضة – هو هروب من المشكلة الحقيقية. وأضاف شارون: "إن الخطة، التي لم تنص بوضوح على أن القدس الموحدة لن تخضع لأية مفاوضات، وأن عرب القدس الشرقية لن يشتركوا في الانتخابات – أن هذه الخطة ستؤدي بنا إلى تقسيم القدس مجدداً بأيدينا." وقال إن الخطة المقترحة لا تشتمل إلا على بند إلزامي واحد هو الانتخابات.
أما موشيه آرنس، وزير الخارجية ، فقال إننا نتعرض لهجوم يهدف إلى إعادتنا إلى حدود 1967، وأن الأخطار التي ينطوي عليها عدم تبني المبادرة أعظم من الأخطار التي تنجم عن تبنيها.
وقال وزير الاقتصاد والتخطيط، يتسحاق موداعي، إنه لو كانت هذه الوثيقة أميركية لكان من الممكن أن يقبلها. لكن نظراً إلى أنها إسرائيلية، فهو لا يوافق عليها لأنها ستمثل موقفنا الاستهلالي، الذي سنضطر إلى التنازل والتراجع عنه في كل الأحوال. كما أثار موداعي مسألتي اشتراك عرب القدس الشرقية في الانتخابات، واستمرار الانتفاضة، طالباً من رئيس الحكومة توضيح موقفه منهما.
من ناحيته، قال وزير العدل دان مريدور إن العرب حققوا إنجازات على صعيد الرأي العام العالمي نتيجة الانتفاضة، وأن هذه الخطة تضر بهم على هذا الصعيد بالذات. وقال إن عرفات يصاب بالهستيريا لدى سماعه عن خطة الانتخابات. ومن المهم أن نبقي على المسار تحت سيطرتنا.
ويذكر أن رؤساء المستعمرات في الأراضي المحتلة تظاهروا أمام ديوان رئيس الحكومة في أثناء انعقاد الاجتماع. وقال رون نحمان، رئيس مجلس مستعمرة أريئيل، إن الليكود يشق الطريق إلى دولة فلسطينية، ويتخلى عن السكان اليهود في "يهودا والسامرة" وغزة. وأضاف أنه طلب من وزراء الليكود العمل من أجل عقد اجتماع لمركز حيروت، كي يقدم شمير خطته فيه.(4)
في الرابع عشر من أيار / مايو 1989، أقرت الحكومة الإسرائيلية "مبادرة السلام" بأغلبية 20 صوتاً ومعارضة 6 من الوزراء. وقد استمر النقاش في جلسة الحكومة نحو 7 ساعات، لم يسمح خلالها للوزراء بمغادرة غرفة الاجتماع، لمنع تسريب المعلومات، واشترك في التصويت على "المبادرة" جميع الوزراء، بمن فيهم دافيد ليفي وموشيه نسيم اللذان كانا خارج إسرائيل، واللذان كلفا جدعون بات التصويت نيابة عنهما. وكان الوفد الأميركي، برئاسة دينس روس مدير إدارة التخطيط المركزي في وزارة الخارجية، في غرفة مجاورة ينتظر نتائج الجلسة.
استهل الحديث رئيس الحكومة، يتسحاق شمير، الذي قال إن الخطة المقترحة منصفة وواقعية، وأنه يأمل ويعتقد أن في الإمكان التوصل من خلالها إلى نتائج إيجابية. وأكد شمير أن الحكومة ستجري مفاوضات على أساس الخطة، ولن تسمح بالانحراف عنها. وقال إن المبادرة ليست انتخابات فقط، بل تهدف أيضاً إلى التوصل إلى اتفاقات سلام مع العرب وحل مشكلة اللاجئين. وإذا استمرت الانتفاضة فلن تقوم انتخابات ومفاوضات. وأضاف شمير أنه خلافاً للشائعات التي تُنشر ضدنا في العالم، فإن إسرائيل تريد التوصل إلى تسوية دائمة أيضاً، وليس إلى تسويات مرحلية فقط، وأنها والولايات المتحدة ملتزمتان اتفاق كامب ديفيد الذي يتحدث هو الآخر عن تسوية دائمة.(5)
وطلب رئيس الحكومة الإسرائيية من وزرائه في الجلسة عدم الدخول في خلافات، إذ لم يقبل أي طرف عربي الخطة حتى اليوم، ولا ضرورة بالتالي للخلاف الداخلي. وربما تبرز خلافات في الرأي لدى نقاش وضع المناطق (المحتلة) الدائم، لكن لا ضرورة لكشف هذه الخلافات في هذه المرحلة. وأضاف شمير أن الخطة لن تصبح موضوعاً للتفاوض إلا إذا قُبلت خطواتها الأساسية كافة. وسيكون على من يتم انتخابه أن يجري المفاوضات، وأن يصبح تالياً رئيس الإدارة الذاتية، وسيشترك ف المستقبل – إذا تم الاتفاق على ذلك – في مفاوضات التسوية الدائمة. واختتم شمير النقاش بقوله: "يجب اليوم أن نعمل معاً. قد تنشب خلافات في الرأي في شأن الحل الدائم، لكن أعواماً عديدة تكون قد مرت عند ذلك الحي، نسير في أثنائها معاً."(6)
ثم تحدث القائم بأعمال رئيس الحكومة، وزير المال شمعون بيرس، قائلاً إنه يجب مقابلة المبادرة السياسية الحالية، كأية خطة أخرى، بالبدائل المطروحة على الصعيدين الدولي والداخلي. فقد كان ثمة مبادرة م. ت. ف.، وكان العالم كله – بما فيه الشعب اليهودي – في انتظار ردنا عليها. وأضاف بيرس أنه من أجل تغيير الوضع الراهن، الذي لا يرغب أحد فيه اليوم، لا بد من شريك. وبما أن الأردن أخرج نفسه من الصورة، وأن لا أحد يقبل م. ت. ف.، فإنه لا بد من انتخابات. ومن الصعب اليوم، حتى للاتحاد السوفياتي، معارضة الانتخابات. وقال بيرس إن الخطة الإسرائيلية تعكس الحد الأقصى المشترك بين المعراخ والليكود.(7)
وقال وزير الخارجية، موشيه آرنس: "منذ أصبحتُ وزيراً للخارجية وأنا مدرك، بصورة خاصة، للمشكلات التي يعانيها وضعنها الدولي، وللتآكل الجاري في الدعم الذي نتلقاه. وهذا يغذي الانتفاضة، ويوجد آمالاً بإعادتنا إلى حدود 1967. وحتى في مصر يريدون أن يسمعوا عن المبادرة. ثمة آمال وثمة مخاطر في المبادرة. والنتائج الأولية لها، منذ عرضها رئيس الحكومة في واشنطن، إيجابية أكثر مما كان يمكن توقعه. وحتى إذا لم يرد العالم العربي على المبادرة بصورة إيجابية، يصبح واضحاً على من تُلقى التبعة."(8)
أما وزير الدفاع، يتسحاق رابين، فقد أعرب عن رغبته في السلام، "لكن ليس بأي ثمن". وجزم أن م. ت. ف. لم تتغير، ولم تتخل عن دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، ولا عن حق العودة. "إنها ضد المبادرة، لأنها تحيّدها." أما نحن – أضاف رابين – فيجب علينا العيش مع الفلسطينيين في المناطق (المحتلة)، وليس مع اللاجئين الذين يريدون العودة.(9) وكرر رابين ما قاله شمير: "بقينا مختلفين في شأن التسوية الدائمة، لكن قبل أن نصل إليها ستمر أعوام."(10)
كانت هذه أبرز آراء بعض الوزراء الذين أيدوا "المبادرة السلمية". وفي المقابل عارض "المبادرة" – كما ذكرنا – ستة وزراء: ثلاثة منهم من الليكود هم أريئيل شارون (وزير الصناعة والتجارة)، ودافيد ليفي (نائب رئيس الحكومة، وزير البناء والإسكان)، ويتسحاق موداعي (وزير الاقتصاد والتخطيط)؛ وإثنان من حزب العمل هما: رافي ادري (وزير بلا حقيبة)، وعيزر وايزمن (وزير العلوم والتنمية)؛ والسادس من الحزب الديني القومي (المفدال) هو الوزير بلا حقيبة، آفنر شاكي.
وقال شارون، الذي كان من أبرز معارضي "المبادرة" في جلسة الحكومة، إن هذه الخطة – كما هي – تشكل وصفة مضمونة للمزيد من "العنف والإرهاب"، وربما لخطر نشوب حرب، وأن تقصيراً أمنياً خطراً هو الذي أوصلنا إلى هذا الوضع. واقترح وضع شرط بوقف الحوار بين الولايات المتحدة وم. ت. ف. وحلّ منظمات "الإرهاب" كلها، وإعلان أن القدس لن تكون إلى الأبد موضع مفاوضات، وأن عرب القدس الشرقية لن يشتركوا في الانتخابات. وبما أن الخطة بالغة الخطورة، فقد اقترح تنفيذ "انتشار استيطاني – أمني" لمنع التواصل السكاني الفلسطيني. وإذا تعذر الأمر بسبب الاتفاق الائتلافي بين الليكود والعمل، فيجب إقامة شبكة طرق وقواعد عسكرية (في المناطق المحتلة). كما اقترح شارون فرض القانون الإسرائيلي على جميع المناطق في "يهودا والسامرة" وغزة التي يعيش يهود فيها. وحذر من أن الحكومة على وشك أن تتسبب بكارثة كبيرة لإسرائيل، ولذلك ثمة حاجة إلة مبادرة سياسية ترد على الأخطار، ولا تسببها.(11)
أما الوزير موداعي، فقد اعتبر الاقتراح المعروض مقدمة للخضوع للإرهاب، للمرة الأولى في إسرائيل. وقال إن شمير ورابين بالذات هما اللذان أعلنا، من على كل منبر، أنهما لن يجريا مفاوضات تحت ضغط الإرهاب، وها هما يخضعان. وقال موداعي إن من الوهم الاعتقاد أن الانتخابات ستكون ديمقراطية. وأعرب عن استعداده للموافقة على "المبادرة" في حال أضيف إليها البند التالي: أيُّ اقتراح بإضافة أي تفصيل إلى هذا القرار، أو بحذفه منه، يُطرح في أي منبر، يستلزم موافقة مسبقة من الحكومة بكامل هيئتها.(12)
وقال معارض الخطة الليكودي الثالث، دافيد ليفي، من لوس أنجلوس، في حديث إلى صحيفة "يديعوت أحرونوت"(13) إن الخطة تمنح الشرعية لزعماء الانتفاضة، الذين توجههم م. ت. ف. من بعيد. وكرر جملة كان قالها في نقاش سابق في شأن الخطة: إن إسرائيل تحظى بمهلة زمنية، وتدفع لقاءها قنبلة موقوتة – في إشارة واضحة إلى ما تردد من أن الولايات المتحدة أعطت شمير، في أثناء زيارته لواشنطن، مهلة زمنية لإعلان الخطة السياسية الإسرائيلية.
أما الوزيران العماليان أدري ووايزمن فقد صوّتا ضد "مبادرة السلام"، لكن من منطلقات مختلفة. قال ادري: "نحن نقدم الخطة إلى الأميركيين، وهم يطلبون موافقة م. ت. ف. أليس هذا إضفاء للشرعية على م. ت. ف.؟ إذاً، لماذا نخدع أنفسنا وندفع ثمناً أكبر مما يتوجب علينا؟" وأضاف أن القصد من وراء هذه الخطة كلها هو تمكين شمير من كسب الوقت. وقال ادري: في كل الأحوال، سيتحادثون في نهاية الأمر مع م. ت. ف.؛ فقد نص البند 15 من الخطة بوضوح على أن المجموعة التي سيُنتخَب ستشكل عنصراً رئيسياً في الوفد الفلسطيني إلى المفاوضات في شأن التسوية الدائمة. ومن الواضح أنه سيكون ثمة فلسطينيون آخرون، والمقصود بذلك م. ت. ف.، لكن الثمن حينئذ سيكون أكبر. ما الحاجة، إذاً، إلى وسطاء إذا كان ممكناً منذ الآن إجراء مفاوضات مع م. ت. ف.؟(14)
وأعرب وايزمن، من جهته، عن عدم قناعته بأن هذه المبادرة مبادرة حقيقية.وقال إنه تجري مفاوضات غير مباشرة مع م. ت. ف. باسم الحكومة الإسرائيلية من خلال الأميركيين، وأن انتخابات من النوع المقترح ستأتي بـ م. ت. ف.، وأيضاً بالمنظمات الأخرى: "جبريل وحواتمه وغيرهما" من الباب الخلفي.(15)
أما آفنر شاكي، أحد وزير المفدال في الحكومة، فقد عارض "مبادرة السلام" بعد أن رفض شمير إدخال الشروط الثلاثة التي اقترحها. وشروط شاكي هي: وضع حد للانتفاضة أولاً، والعمل – بعد ذلك فقط – وفق الخطة؛ إخراج القدس الشرقية من "اللعبة" منذ البداية؛ تحديد الانتخابات بأنها بلدية لا سياسية.(16) بالنسبة إلى الوزير المفدالي الثاني، زفولون هامر، فقد صوّت إلى جانب المبادرة لأن لها، في رأيه، ثلاث مزايا: فهي مبادرة تقدمها إسرائيل؛ وخطوة مشتركة تقوم الكتل الكبرى بها؛ وتمكن من اختبار نيات الفلسطينيين في "يهودا والسامرة" وغزة اختباراً حقيقياً. وأكد هامر أن من الضروري أن توضح الحكومة "مرة أخرى" أن م. ت. ف. ليست شريكاً في محادثات التسوية الدائمة أيضاً، وأن دولة فلسطينية لن تقوم بأي وجه من الوجوه. وقال إن ثمة شرطاً لازماً هو وقف العنف والانتفاضة بواسطة القمع أو الاتفاق، فور بدء المباحثات والموافقة المبدئية على الخطة.(17)
ويذكر أن جلسة الحكومة كانت هادئة إجمالاً، باستثناء صراخ شارون مخاطباً رابين: "أنت مذنب في شأن ما يجري، أنت لم تلجم الانتفاضة. وسيؤدي هذا كله إلى إقامة دولة فلسطينية." وردّ رابين عليه: "انظروا، انظروا من الذي يتكلم. إنه المسؤول عن موت المئات من الجنود في لبنان."(18)
بعد موافقة الحكومة الائتلافية على "مبادرة السلام"، حدد عدد من القوى الإسرائيلية غير المشاركة في الائتلاف مواقفه على النحو التالي:(19)
مابام: إن أية مبادرة إسرائيلية من جانب واحد، وخصوصاً هذه المبادرة التي تسعى للفصل بين سكان المناطق (المحتلة) وقيادتهم الوطنية، ليس لها أي أمل بالتحول إلى واقع، ومن شأنها أن تؤدي إلى إضاعة الفرصة المتاحة وتصعيد الانتفاضة. ويمكن للمبادرة المتعلقة بإجراء انتخابات في المناطق أن تكون بمثابة مقدمة للبدء بمفاوضات سلمية، إذا وافقت القيادة الوطنية الفلسطينية على الأسس المتضمنة فيها.
كتلة حقوق المواطن (راتس): إنها خطة جيدة، شريطة ضمان الإشراف الدولي على الانتخابات، واشتراك سكان القدس الشرقية فيها، وحصانة المنتخَبين، وتعهد الولايات المتحدة بإشراك م. ت. ف. في المرحلة الثانية من المفاوضات.
وقال يوسي سريد، الذي كان موجوداً في ميلانو للاشتراك في مؤتمر الحزب الاشتراكي الإيطالي، الذي يشارك فيه أيضاً وفد من م. ت. ف.، إن لديه انطباعات بأن رد م. ت. ف. على قرار الحكومة إيجابي مشروط.
حركة السلام الآن: في الاجتماع السنوي المغلق للحركة، دعا المتحدثون إلى تأييد خطة الانتخابات في المناطق. لكنهم شرطوا تأييدهم للخطة بأن تكون جزءاً من اتفاق سياسي شامل، يقول على أساس مناطق في مقابل سلام.
حركة شينوي: أيدت الخطة ورأت فيها خطوة إلى الأمام في اتجاه السلام. ودعت الحركة الحكومة إلى إعطاء الخطة فاعلية مضاعفة، وذلك بمنح سكان القدس الشرقية – من غير مواطني إسرائيل – حق الترشيح والانتخاب.
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش): أعربت عن تقديرها أن خطة الحكومة ليست خطة سلام، وإنما هي مجرد تكتيك لنسف جهود السلام الدولية. "حتى المتحدثون باسم الحكومة، يحذرون الفلسطينيين من ازدياد القمع في المناطق، إذا لم يقبلوا الخطة. لذلك ترفض حداش الخطة، التي هي ليست بخطة، ولا طريقاً إلى السلام."
هتحيا: قالت غيئولا كوهين، رئيسة الكتلة، "إن بيغن اعترف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين، وشمير يحققها." وفي رأيها أن شمير يضع فعلاً الأساس لدولة فلسطينية، و"هذا يلحق الضرر بأرض – إسرائيل."
موافقة الكنيست على الخطة
شهد اليوم السابق لجلسة الكنيست، التي خصصت لإقرار "مبادرة السلام"، عدداً من اللقاءات ومزيداً من المواقف في شأن المبادرة، سنتناولها بشيء من التفصيل لأهميتها.(20)
في اجتماع عقد بين شمير وزعماء المفدال، قال وزير الأديان زفولون هامر، الذي كان صوّت إلى جانب المبادرة، كما أسلفنا: كما أجرت الحكومة نقاشاً جديراً بهذا الاسم في شأن "خطة السلام"، فإن عليها أن تناقش بجدية مسألة قمع الانتفاضة أيضاً. ورد شمير بقوله إنه لن تدور مفاوضات في ظل أعمال العنف في المناطق – وهو أمر تفهمه الأطراف كافة، بمن فيها الأميركيون – لكن يجب ألا يقدم ذلك كشرط للمسار السياسي. وأضاف: "في أعقاب مبادرتنا السياسية، سيكون من السهل اتخاذ إجراءات أشد ضد الانتفاضة." أما حانان بورات، فقال إن يتسحاق رابين أجرة مفاوضات مع وجهاء عرب، ولم يُقْضَ على الانتفاضة. فرد شمير بأن ذلك لم يكن مفاوضات. وقال: "إن الجيش لم يتعب، لكن وسائل الإعلام والجمهور لا يفعلون ما يكفي لمساندته." وأضاف أن "من المهم الحفاظ علة دعم كل يهود الولايات المتحدة لإسرائيل، والحذر من اجتياز حدود معينة، مما يؤدي إلى نشوب نزاع مع الإدارة الأميركية." واتهم شمير شارون بإثارة مثل هذا النزاع، الذي يعتبر "كارثة".
واجتمعت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست على خلفية ازدياد النقاش في شأن القضاء على الانتفاضة، والانتقادات التي توجه إلى شومرون، ومنها مقال صحافي طالبه بالاستقالة لفشله في هذا الشأن. وقد أبدى أعضاء الكنيست إلياهو بن إليسار وشيفح فايس وحاييم كورفو وعوزي لانداو تحفظاتهم من من تلك الانتقادات، في حين حذرت ساره دورون (الليكود) من "النقد الهدام" الذي يتعرض الجيش الإسرائيلي له. أما رئيس الأركان، دان شومرون، فقال أن الجيش على استعداد للنظر في أي اقتراح في شأن القضاء على الانتفاضة، لكن يجب عدم القيام بعملية غير مدروسة بدافع من الكراهية. وقد عارض شومرون إغلاق المناطق إغلاقاً كاملاً لأنه "يجب عدم دفع السكان إلى وضع ليس لهم فيه ما يخسرونه."
أما "جبهة أرض – إسرائيل الكاملة"، التي تعارض "مبادرة السلام"، فتركت الحرية لأعضائها (29 عضواً) كي يقرر كل منهم بنفسه أن يغيب عن جلسة الكنيست، أو يصوت ضد المبادرة. وذلن لأن "ليس في الخطة التزام صريح تجاه القضاء على الانتفاضة، وليس فيها التزام صريح ألا يشارك عرب القدس الشرقية في الانتخابات المقترحة، ولا ضمانات فعلية تمنع إقامة دولة فلسطينية في يهودا والسامرة وغزة." ويذكر أن بنيامين نتنياهو انسحب من "الجبهة" مؤخراً، بسبب تعيينه نائباً لوزير الخارجية، في حين انضم إليها شلومو دايان (من شاس).
قبيل التئام الكنيست لمناقشة المبادرة الإسرائيلية، التقى رئيس الحكومة يتسحاق شمير أعضاء الكنيست من الليكود، في محاولة منه لـ "تهدئة الصقور في حزبه الذين يخشون التنازلات المتضمنة في خطته للانتخابات."(21) وقد وعدهم شمير بعدم إعطاء العرب "شبراً واحداً". وقال إن الأميركيين يعرفون أنه لن يُمارَس علينا أن ضغط، وأنه لن يخطر في بالنا إجراء مفاوضات من دون أن توقف الانتفاضة. وأضاف أن مبادرته غيرت تغييراً تاماً المناخ السيء والخطر الذي ساد الولايات المتحدة. وقال شمير إن اتفاق كامب ديفيد أيضاً تضمن استعداداً لإجراء انتخابات في المناطق، إلا أن الانتخابات – بحسب مبادرته الجديدة – ستسبق إبرام الاتفاق المرحلي. وفي هذه الأثناء، يرفض العرب الاقتراح رفضاً باتاً. وأضاف شمير أن اتفاق كامب ديفيد كان ينطوي على خطر هو الآخر. أما الآن فإن الخطر أقل كثيراً، لأنه يسكن في "يهودا والسامرة وغزة" الآن 80 ألف مستوطن. كما أن المبادرة ستمكن إسرئايل من جعل وسائلها لقمع الانتفاضة أكثر صرامة، وعلى نحو يتلقاه العالم بالتفهم.(22)
في السابع عشر من أيار/مايو 1989، اجتمع الكنيست للتصويت على "مبادرة السلام" الحكومية، في جلسة هادئة إجمالاً، استمرت نحو ثماني ساعات ونصف الساعة.(23)
بدأ شمير خطابه، المتسامح إجمالاً والذي تخللته كلمة "الوحدة" مرات عديدة، بالقول: "إن أهمية المبادرة تكمن في أن إسرائيل قدمت اقتراحاً خاصاً بها"، هدفها التوصل إلى تسوية سلمية، ولا يقل أهمية عن ذلك حقيقة أن إسرائيل تقدمت بموقف موحد للحكومة الإسرائيلية. وعرض شمير الأجزاء الثلاثة الأولى في المبادرة، وهي "إحياء كامب ديفيد؛ إنهاء حالة الحرب ضد إسرائيل من جانب الدول العربية؛ حل مشكلة اللاجئين." وفيما يتعلق بالانتخابات، قال إنه في مبادرة الحكومة تجاه اتفاق كامب ديفيد، اتُرحت انتخابات قبل الاتفاق التفصيلي على الاتفاق المرحلي، وذلك بهدف إيجاد مفاوضين ملائمين من عرب "يهودا والسامرة". وقال إن المبادرة وحدة واحدة، ترتبك مكوناتها المختلفة بعضها ببعض، وأن الشرط الأول لإجراء الانتخابات هو الهدوء في المناطق. وأكد شمير أن رفض م. ت. ف. للمبادرة لا يعني إسرائيل. وقال إن من السابق لأوانه الجزم ما إذا كانت المبادرة ستتحول إلى واقع، ولذلك يجب عدم تحويل الموضوع إلى حرب داخلية ضروس. "أن مثل هذه الحرب التي لا لزوم لها لن يؤدي سوى إلى إبهاج أعدائنا وتشجيعهم." وأضاف أن إسرائيل لا تعتبر الأصوات العربية الرافضة للخطة الكلمة الأخيرة.
"إذهب إلى بيتك"، قال غيئولا كوهين لشمير في الاقتراح الذي تقدمت به باسم هتحيا، بعدم الثقة بالحكومة بسبب "المبادرة". واقترحت عليه الانضمام إلى الذين يبحثون عن الجندي إيلان سعدون الذي اختفى "على بعد أقل من دقيقتين من "كفار سابا". وقالت كوهين: "هذه خطة لإقامة دولة فلسطينية، ووصفة لحرب أهلية داخل إسرائيل. لن تخرج نظيفاً من قاطرة التاريخ، بل مذنباً بخداع الحكومة والكنيست وجمهور ناخبيك بدم بارد. مَنْ مثلم يعلم كم أ، ورقك المكشوف مليء بالثغرات التي ستندفع الدولة الفلسطينية منها." واتهمت كوهين شمير بأنه لا يقضي على الانتفاضة، كي لا يقضي على رابين وحكمة الوحدة. وهاجمت شمير بسبب إدانته شارون، الوحيد الذي يريد – في رأيها – تغيير اتفاق كامب ديفيد. وقالت أنها لن تسامح شمير لعدم تأليفه حكومة من اليمين، وهذا هو السبب في المشكلات التي نشأن الآن.
وفي تعليله لاقتراح عدم الثقة الذي تقدمت به حركة موليدت، قال يئير شفرنتسك (موليدت) إن في إمكان دولة إسرائيل أن تجيز لنفسها رفض إملاءات الإدارة الأميركية. وأضاف مخاطباً شمير: "إذا كنت تعتقد أن ليس في قدرتك التخلي عن خطتك الحبلى بالكارثة، فمن الأفضل أن تستقيل وتنقل الحسم إلى الشعب."
وقالت عضو الكنيست أورا نمير (المعراخ) إنه لمن المؤسف أن يكون التغير في موقف الحكومة جاء نتيجة الضغط الأميركي وفشل إسرائيل الكبير في تقويم الانتفاضة ومواجهتها. وقالت إنها تبارك المبادرة على الرغم من أنها جاءت متأخرة جداً، وأن نتائج الانتخابات ستحدد إدارة فلسطينية ذاتية – وهذا هو مغزى اقتراح الحكومة.
وأيدت شوشانا أربيلي – الموزيلينو (المعراخ) قرار الحكومة، معتبرة أن الحكومة فعلت خيراً إذ لم تتطرق في قراراتها، بتحديد دقيق، إلى عدد من البنود التي يدور في شأنها خلال بين المعراخ والليكود، مثل/ منح سكان القدس الشرقية حق الانتخاب، وأراض في مقابل سلام.
وقال دافيد ليباي (المعراخ) إن الخطة كما هي ليست حقيقية ولا جدية، وليست الأداة الملائمة لاختراق الطريق نحو وقف الانتفاضة، ولا نحو السلام. وتكمن أهميتها في أن الليكود يخطو بها خطوة إلى الأمام في الاتجاه الصحيح: لقد اعترف شمير وآرنس أخيراً بصيغة جديدة لاتفاق كامب ديفيد، تتضمن تراجعاً عن هذا الاتفاق. وأضافت أن الخطة هي أقل كثيراً، وجاءت متأخرة كثيراً.
وقال بيني بيغن (الليكود) إنه جاء إلى الكنيست يوجهه مبدآن: حق الشعب اليهودي في أرض – إسرائيل، وحق دولة إسرائيل في الأمن القومي. وأضاف أنه لا يمكن أن يكون ثمة أمن أو سيطرة كاملة على كل المناطق غربي نهر الأردن، ومن الواضح أنه إذا كانت إسرائي على الأرض فإن م. ت. ف. لا يمكن أن تكون على الأرض، ولا يمكن أن يقوم حل وسط إقليمي. وأضاف: "ينبغي لنا أن نسأل من يطلب السلام الآن: ماذا سيحدث بعد ذلك؟"
وقال عوزي برعام (المعراخ) أن افتراضات اليمين الأساسية كلها تتقوض. وأضاف أنه لن يكون ممكناً سحق الانتفاضة، إذ لم يوجد شعب حتى الآن نجح في سحق ثورة مدنية.
ما الذي تريده غيئولا، هل تريد دبابات في المناطق؟ وبعد أن أعرب تأييده للخطة ولكل ما من شأنه تغيير الوضع القائم، طالب بممارسة ضغط على العرب لدفعهم إلى قبول الخطة. وأعرب برعام عن تأييده للإشراف الدولي على الانتخابات، ولاشتراك عرب القدس الشرقية فيها.
ووجه عمير بيرتس (المعراخ) كلامه إلى اليمين قائلاً إن توجيه إصبع الاتهام إلى الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن بوصفها المتهمة الرئيسية في هذا الوضع، هو محاولة لإخفاء فشل أيديولوجية أرض – إسرائيل الكاملة.
وقال أبراهام بورغ (المعراخ) إن شمير قبل مبادىء المعراخ: مناطق في مقابل سلام وإنهاء الاحتلال، وأن أي تراجع عن هذه المبادىء سينسف الخطة ويقضي على فرص السلام.
وأعرب حاييم أوروت (مابام) عن رأيه في أن الخطة الإسرائيلية لإجراء الانتخابات لن تكون إيجابية إلا إذا كانت قدمة لمفاوضات سلمية مع الفلسطينيين.
أما مئير فيلنر، من "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" (حداش)، فقال إن ليس للخطة المقترحة أية قيمة، وهي تمثل في الواقع تراجعاً حتى عن اتفاق كامب ديفيد من حيث تجاهل الحقوق الوطنية للفلسطينيين وإنكارها. وأضاف أنه من دون الاعتراف المتبادل بحقوق الأطرف كافة لن يكون ثمة سلام.
هذا، ولدى التصويت على مبادرة الحكومة الإسرائيلية في جلسة الكنيست التي حضرها 69 عضواً، نالت 43 صوتاً وعارضها 15 عضو كنيست وامتنع 11 من التصويت. وقد صوت إلى جانب المبادرة أعضاء الائتلاف الحاضرين وكتلة لواء التوراة، إضافة إلى يغآل بيبي من المفدال ويئير ليفي ويتسحاق عزران من حركة شاس.
أما الكتل المعارضة للمبادرة فكانت هتحيا وتسومت وموليدت وأغودات يسرائيل من جهة اليمين، وحداش والقائمة التقدمية للسلام والحزب الديمقراطي العربي من جهة اليسار، إضافة إلى حانان بورات من المفدال. وكان عدد من أعضاء الكنيست من الليكود قد "صوتوا بأرجلهم" تعبيراً عن معارضتهم الشديدة للمبادرة، وهم: تسحي هنغبي، وعوزي لانداو، ويهودا بيرح، وأوريئيل لين، وأريئيل فاينشتاين، وبنحاس غولدشتاين، وشاؤول عمور، وبيسح غروبر، ويهوشواع ساغي، وميخائيل كلاينر.
وامتنع من التصويت كل من كتلة راتس ومابام وشينوي، بالإضافة إلى شلومو دايان ورفائيل بنحاسي من شاس، وشموئيل هلبرت من أغودات يسرائيل، ويغئيل هوروفيتس من الليكود. وقال مردخاي فيرشوفسكي، باسم كتل راتس ومبام وشينوي، إنه يجب ربط الانتخابات بشرط إجرائها بإشراف دولي متفق عليه، وباشتراك سكان القدس الشرقية فيها.
وفي تحليل تصويت الكتل في الكنيست على "المبادرة" الحكومية، نجد أن هذه المبادرة لا تحظى إلا بدعم محدود من الليكود، على الرغم من اشتراكه في الحكومة الائتلافية برئاسة زعيمه شمير. إذ يتبين أن 17 فقط من أعضاء الليكود الأربعين قد صوتوا إلى جانب المبادرة، في حين عارضها صراحة 10 من أعضاء الليكود، وتغيب الثلاثة عشر الآخرون عن الجلسة. كما أن نحو 21 عضواً فقط في حزب العمل، أي نصف أصوات الحزب في الكنيست تقريباً، دعموا المبادرة بصورة جلية، في حين تغيب الآخرون عن الجلسة. وعارض "المبادرة" أيضاً عدد من الكتل الصغيرة، الصهيونية المتطرفة أو "العربية"، لأسباب مختلفة. أما الكتل الدينية فقد توزعت أصواتها، بل توزعت الأصوات داخل بعضها، بين التأييد (لواءالتوراة، وعضو من المفدال، واثنان من شاس)، والمعارضة (عضوان من أغودات يسرائيل، وآخر من المفدال)، والامتناع (عضوان من شاس، وآخر من أغودات يسرائيل)، والغياب عن الجلسة (3 أعضاء من المفدال، و2 من شاس، و2 من أغودات يسرائيل).
الخطة والخلافات داخل الليكود
أثارت "خطة السلام" الحكومية جدلاً داخل الكيان الصهيوني، يمكن اعتباره امتداداً للجدل الذي دار داخل الحكومة والكنيست، سواء من حيث القوى السياسية المختلفة المشاركة فيه، أو من حيث الحجج التي ساقتها هذه الأطراف من أجل تأييد الخطة أو معارضتها. وقد أدى هذا الوضع إلى نوع من التجميد الجزئي والموقت للخطة، بلغ ذروته في إثر انعقاد مركز الليكود، وانتهى بموافقة الحكومة على الخطة مجدداً، بعد نحو شهرين وأسبوع من إقرارها لها أول مرة.
شهدت فترة التجميد هذه استمرار المساعي الإسرائيلية (والأميركية) لتسويق الخطة الجديدة، من جهة، وتواصل محاولات قوات الاحتلال لقمع الانتفاضة م الثورة بالعصا الغليظة (عمليات "المبادأة" الواسعة النطاق)، من جهة أخرى. كما شهدت تبلور المعارضة للخطة، وخصوصاً داخل مركز الليكود بزعامة الثلاثي شارون (رئيس المركز) – ليفي – موداعي. وكانت أول خطوة في هذا التبلور، في إثر الاتصالات المكثفة التي أجراها الثلاثي – وخصوصاً شارون – الاجتماع الذي عُقد في 21 حزيران/ يونيو وحضره نحو 500 من أعضاء المركز المعارضين لخطة الحكومة.
لكن التطور الأهم في هذا السياق كان في الخامس من تموز/ يوليو، حين التأم مركز الليكود الذي يضم نحو 2600 عضو. وقبيل ذلك، عقد اجتماع مغلق بين شمير والثلاثي المعارض، في إثر وساطة قام بها عضوا الكنيسن الليكوديان ميخائيل إيتان وعوزي ىنداو. ودام الاجتماع نحو ساعة، واتفق خلاله على صيغة البيان الذي سيقدمه شمير أمام المركز، متضمناً مبادىء أربعة يطالب بها شارون وليفي وموداعي. وفي جلسة المركز القصيرة عرض شمير، في البيان الذي ألقاه، خطة الحكومة، مكرراً ما سبق أن قاله مراراً من أن الفارق الوحيد بين هذه الخطة واتفاق كامب ديفيد هو أن الانتخابات ستجرى، بحسب الخطة، قبل التسوية المرحلية، وأن هذه الخطة لم تتحول إلى واقع بعد، مما يستدعي "عدم نشوب حرب داخلية حامية الوطيس بيننا." كما عرض المبادىء الأربعة التي يلتزمها في إطار التوصل إلى التسوية السياسية:
1- عدم الدخول في المفاوضات قبل إنهاء الانتفاضة.
2- استثناء القدس من خطة التسوية.
3- معارضة إقامة دولة فلسطينية في "أرض – إســرائيل"، وعدم التفاوض مع م. ت. ف.
4- مواصلة الاستيطان اليهودي في الضفة والقطاع.
وأضاف شمير، بعد انتهائه من إلقاء البيان، فقرة كان "نسيها" فذكّره شارون بها، تنص على اعتبار البيان ملزماً لأعضاء الليكود في الحكومة والكنيست. ثم جرى التصويت برفع الأيدي على بيان شمير، فحظي بالموافقة الإجماعية، في جو احتفالي.(24)
وهكذا، بدا أن الليكود تجاوز أزمته، وإنْ موقتاً، واستعاد وحدته ولو كانت شكلية. وبدا أن حرب المعسكرات العميقة الجذور داخله انتهت إلى تسوية، بعد أن كانت أساساً في الأزمة الناجمة عن إقرار الحكومة لمبادرة شمير. فشمير نفسه لم يسقط في امتحان مركز حزبه، وظل يمسك بزعامة الحزب، وحظي بموافقة أعلى سلطة فيه على "مبادرته السلمية". وفي المقابل، انتزع فرسان المعارضة الثلاثة اعترافاً بمكانتهم، بوصفهم وشمير يؤلفون قيادة جماعية مصغرة لليكود، وحظوا في الوقت نفسه بالموافقة على المبادىء الأربعة التي طالما عرضوها "شروطاً" لتمرير خطة الحكومة (وإنْ كانت الخطة تتضمن هذه "الشروط" تصريحاً أو تلميحاً).
لكن الأزمة سرعان ما انتقلت من داخل الليكود إلى الحكومة الائتلافية. وبدا، خلال الأيام اللاحقة، أن وحدة الحكومة إنما كانت كبش فداء لوحدة الليكود المستعادة، وأن حرب المعسكرات الليكودية إنما تحولت إلى حرب بين جناحي الائتلاف.
سارع الزعيم العمالي شمعون بيرس، فور إعلان مقررات مركز الليكود، إلى اعتبارها "ضربة شديدة جداً" وأنها تمثل "قيوداً على مسيرة السلام." وقال بيرس إنها ليست انحرافاً عن خطة الحكومة فحسب، بل هي أيضاً "إغلاق للباب أمام مبادرة السلام." وأضاف أنه يمكن لشمير أن يقبل إملاءات شارون، لكن حزب العمل لا يستطيع ذلك. وأعلن بيرس أن ثمة اجتماعاً وشيكاً للمكتب السياسي لحزبه. أما شمير فقد أكد، من ناحيته، أن "شيئاً لم يتغير"، وأن لا جديد إلا فيما يتعلق بتصويت عرب القدس في الانتخابات.
تصاعدت الأزمة الحكومية يوم 10 تموز/يوليو، لدى اجتماع المكتب السياسي لحزب العمل للبحث في مقررات الليكود الجديدة، وسط الحديث عن وجود اتجاهين داخل الحزب: الأول يدعو إلى حل الائتلاف الحكومي فوراً، بينما يدعو الثاني إلى التريب في هذا الشأن. وتوصل المكتب السياسي إلى توصية بفرط عقد الائتلاف رفعها إلى مركز الحزب. وفي اليوم نفسه، قدمت ست كتل "يسارية" في الكنيست اقتراحات بحجب الثقة عن الحكومة على خلفية مقررات مركز الليكود (إضافة إلى اقتراحي هتحيا وموليدت بحجب الثقة نتيجة عملية القسطل). وعلى الرغم من رفض الكنيست لهذه الاقتراحات فإنه تجدر الإشارة إلى امتناع أعضاء حزب العمل من المشاركة في التصويت عليها.
استمرت الأزمة حتى اجتماع الحكومة الإسرائيلية في 23 تموز/يوليو، واتخاذها قراراً يعتبر خطة السلام لا تزال سارية المفعول من دون قيد أو شرط، وأنها تلزم جميع الوزراء من دون استثناء. وعارض القرار أربعة وزراء هم: شارون وليفي وموداعي ووايزمن. وعلق ليفي على القرار قائلاً إنه غامض، "وأنا ملتزم قرار مركز حزبي." أما وايزمن فقد طالب بإدخال تعديلات على الخطة، وخصوصاً فيما يتعلق بدور مصر فيها. وكرر رأيه في أن الانتخابات ستؤدي إلى انتخاب متطرفين أكثر من م. ت. ف. وأكد بيرس، من ناحيته، أن لا إلزام آخر غير الخطة لأعضاء الحكومة. ورداً على سؤال هل "تغلبنا على الأزمة"، قال: "في هذه المرحلة، نعم". وكذلك أعرب مقرّبوا شمير عن ارتياحهم إلى قرار الحكومة الجديد، وعن اعتقادهم "أن الخلاف سُوِّي في الفترة الراهنة على الأقل."
الولايات المتحدة: الشريك الكامل في "المبادرة"
كعهدها في العمل على "احتواء الأزمات في العالم، كانت الولايات المتحدة السباقة إلى محاولة احتواء الانتفاضة / الثورة في مهدها، من خلال مبادراتها الدبلوماسية. فقبل مرور ثلاثة أشهر على نشوب الانتفاضة، بدأت مهمة والت كلباريوس، السفير الأميركي المتجول في الشرق الأوسط، والتي شملت الاتصال بشخصيات فلسطينية في الأراضي المحتلة. ثم – وهذا هو الأهم – أطلقت الإدارة الأميركية جملة من التحركات في شأن ما أصبح يعرف باسم "مشروع شولتس" للتسوية السياسية، نسبة إلى جورج شولتس وزير الخارجية الأميركي. وقد تواصلت هذه التحركات نحو أربعة أشهر، وتمثلت في زيارات رسمية قام بها كبار المسؤولين الإسرائيليين لواشنطنط/ كان أبرزها زيارة شمير أواسط آذار/ مارس 1988. كما تمثلت في جولات مكوكية في الشرق الأوسط لكبار المبعوثين الأميركيين، وعلى رأسهم رئيس الدبلوماسية الأميركية نفسه. وتخلل هذه التحركات القمة السوفياتية – الأميركية التي عُقدت في موسكو أواخر أيار/ مايو من جهة، واللقاءات التي عقدها مسؤولون إسرائيليون، وخصوصاً وزير الدفاع يتسحاق رابين، مع العديد من "الشخصيات" في الأراضي المحتلة، من جهة أخرى.
جوبه مشروع شولتس بانتفاضة متصاعدة، تضمنت قتل أول جندي إسرائيلي بالرصاص وموجة من الحرائق غطت جانبي "الخط الأخضر" من فلسطين، وبرفض فلسطيني صريح من جهة، كما جوبهت بمعارضة واسعة في صفوف الحكومة الإسرائيلية الائتلافية من جهة أخرى. وأمكن القول، حتى منذ أواسط آذار/ مارس، أن "المشروع مات، لكنه لم يُدفن بعد."(25) لكن يبدو أن بذور "المبادرة" الإسرائيلية الجديدة بدأت، في هذه الفترة بالذات، تنمو في أحشاء مشروع شولتس القديم المحتضر. ونكتفي هنا بالتذكير بشيء من المناخ آنذاك. فقد جرى الحديث عن "صفقة" تم التوصل إليها بين شمير وشولتس، ملخصها: "نحن الأميركيين، نمنحكم مهلة غضافية كي تفرضوا النظام في المناطق [المحتلة]، ثم تأتون إلى العملية السياسية بموقف استهلالي مريح أكثر. لكن ساعدونا، في هذه الأثناء، في تأهيل التيار البراغماتي لأنصار منظمة التحرير الفلسطينية في المناطق."(26) بل أن شمير نفسه ذهب، حتى في ذلك الوقت المبكر، وفي إثر محادثاته في واشنطن، إلى حد القول الذي يشبه النبوءة: "إن هذا المشروع [أي مشروع شولتس] سيذوي بالتدريج. ونحن سنضطر إلى تقديم مشروع سلام حقيقي. لكن علينا، في المقام الأول، تهدئة المناطق."(27)
استمرت "المهلة" الأميركية نحو عام كانت خلاله تصفية الانتفاضة، تحت اسم "فرض النظام" و"تهدئة المناطق"، هي الهاجس المسيطر، إلى جانب إيجاد شريك من شخصيات الضفة والقطاع البراغماتية المؤيدة لـ م. ت. ف. وخلال المهلة هذه، كانت جهود الحليفين الاستراتيجيين، إسرائيل والولايات المتحدة، تتكامل لتشق الطريق أمام "المبادرة"، الإسرائيلية اسماً والمشترك فعلاً. فقد ظلت الدبلوماسية الأميركية تشاغل الفلسطينيين في انتفاضتهم وفي دبلوماسيتهم حتى أواسط صيف سنة 1988. ثم انتظرت الولايات المتحدة استكمال التحولات الجارية في خط م. ت. ف. السياسي (والتي تسارعت منذ قرار الأردن فك الارتباط بالضفة الغربية حتى قرارات مجلس الجزائر)، لتبدأ الحوار مع المنظمة بعد استكمالها شروط ذلك. وواصلت السفارة الأميركية في إسرائيل اتصالاتها بالشخصيات الفلسطينية، جنباً إلى جنب مع الاتصالات التي تجريها السلطات الإسرائيلية بهذه الشخصيات، وخصوصاً تلك التي أجراها رابين منذ كانون الثاني/ يناير 1989 في شأن مبادرته "الشخصية" الخاصة بإجراء انتخابات في الأراضي المحتلة.
ظهرت الشراكة الأميركية في "المبادرة" الإسرائيلية واضحة في التحضيرات التي سبقت إعلان ولادة "المبادرة" رسمياً في جلسة الحكومة الإسرائيلية. وقد اشتمل ذلك على الاتصالات المتعددة القنوات والمحادثات التي أجريت بين الحكومتين، وخصوصاً زيارات كبار المسؤولين الإسرائيليين لواشنطن، بما في ذلك زيارة الوزراء موشيه آرنس وعيزر وايزمن وموشيع شاحل ورئيس الحكومة شمير نفسه، وكذلك الدور الذي قام به الموفد الأميركي دينس روس لدى إسرائيل.
في سياق نشاط شرق أوسطي مكثف في مطلع نيسا/ أبريل 1989، تضمن محادثات منفصلة بين الرئيس جورج بوش وكل من الرئيس المصري حسني مبارك والملك الأردني حسين، وبدعوة من الإدارة الأميركية، قام يتسحاق شمير بزيارة للولايات المتحدة في الفترة ما بين 3 و 14 من الشهر نفسه، حدد هدفها بنفسه على أنه "تبادل الآراء والأفكار" مع المسؤولين الأميركيين. كان سكرتير الحكومة أليكيم روبنشتاين وصل قبله ببضعة أيام بناء على طلب الأميركيين، كي يعطيهم فكرة مسبقة عن المقترحات التي يحملها شمير معه إلى هناك. وقد سافر شمير مزوداً بتقديرات السفارة الإسرائيلية في واشنطن أن الإدارة الأميركية تعتزم أن تطلب منه التزاماُ واضحاً تجاه قرار مجلس الأمن رقم 242 وانعكاساته على التسوية الدائمة في المناطق (المحتلة)، لكن شمير كان مصمماً على عدم التزام مبدأ أراض في مقابل السلام. وجاءت الزيارة في ظل تقارير من واشنطم عن عزم بوش إعطاء مهلة تتراوح بين ستة أشهر وعام واحد لمحاولة بلورة الهيئة التمثيلية الفلسطينية التي ينوي شمير اقتراح انتخابات لاختيارها من سكان الضفة والقطاع، والطلب من إسرائيل عدم رفض إشراك م. ت. ف. في العملية السلمية إذا لم تتكلل تلك المحاولة بالنجاح في نهاية الفترة الزمنية المذكورة. وجاء في تلك التقارير أن بوش يود معرفة رد شمير على الفكرة القائلة ببدء المفاوضات مع ممثلي المناطق في شأن حل مرحلي، مع الموافقة على دعوة م. ت. ف. إلى الاشتراك في المفاوضات في شأن الحل الدائم، شريطة ألا ترفض إسرائيل منذ البداية مبدأ أراض في مقابل سلام. ومع ذلك، أكد مستشار شمير في شؤون الإعلام آفي بازند أن شمير لم يأت إلى شبكة ضغط، وأنهم سيتحاجثون معه كما يكون التحادث مع حليف.(28)
أجرى شمير، في الأيام الأولى من زيارته، عدداً من اللقاءات مع الرئسي بوش، ووزير الخارجية جيمس بيكر، وكل من وزراء الدفاع والتجارة والإسكان. وقد عرض نتائج هذه اللقاءات في حديثه أمام "الأميركان انترْبْبرايز إنستتْيوت" في نيويورك في اليوم الرابع من الزيارة، بقوله: "لقد اتفقنا على أنه ينبغي للولايات المتحدة وإسرائيل، كي تتوصلا إلى نتائج إيجابية، العمل بتعاون وثيق. وأوضحنا بجلاء أننا نعارض أي شكل من أشكال المحادثات مع م. ت. ف." وعدّد شمير النقاط التي تم الاتفاق عليها بين الطرفين، وهي:(29)
1- لا مصلحة في استمرار الوضع القائم.
2- إن السلام هو الهدف المشترك، ومن أجل التوصل إلى مفاوضات ومعاهدات سلام، يجب أولاً وقف العنف لإيجاد المناخ الملائم.
3- يجب البدء بمفاوضات مبكرة قدر الإمكان، ويمكن أن يكون الشركاء مصر والأردن وعربا فلسطينيين وإسرائيل.
4- يمكن أن يُعيَّن الممثلون الفلسطينيون من خلال اتفاق أو أن يتم اختيارهم في انتخابات. وإسرائيل منفتحة في هذا الشأن.
5- يمكن للتقدم في اتجاه الحل أن يتحقق على مرحلتين. وموقف إسرائيل هو أن المرحلة الموقتة ضرورية كاختبار قبل المفاوضات في شأن "يهودا والسامرة" وغزة.
وكشف شمير في حديثه أن الولايات المتحدة تمر بمرحلة مشاورات مع جميع الحكومات المعنية، ولذا تقرر الحفاظ على صلات وثيقة من أجل التوصل إلى نتائج عملية مشتركة لدة انتهاء مراحل التحضير. وفي لقائه الصحافيين الإسرائيليين، عقب الحديث، قال شمير إنه خرج من لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين "بشعور عام بالاتفاق"، وأضاف: كالمعتاد، ثمة هنا وهناك خلافات في الرأي أيضاً"، وأن موضوعاً رئيسياً لهذه الخلافات هو موضوع المستعمرات (في المناطق المحتلة). لكنه طمأن إلى أن هذه الخلافات ليست "نهاية العالم". وقال شمير، رداً على سؤال، إن المحادثات لم تتطرق إلى مبدأ مناطق في مقابل سلام، وأن الإدارة الأميركية مستعدة حالياً للاكتفاء بما قاله هو في هذا الصدد. كما أنها لم تتطرق إلى موضوع الإشراف على الانتخابات المقترحة.(30)
وعلى الرغم من أن شمير لم يحمل معه إلى واشنطن إلى القليل، فقد بدت الإدارة الأميركية راضية عما حمل. إذ اعتبر بيكر أن هذه خطوة صغيرة، "لكن يجب ألا نكون غير راضين بالخطوات الصغيرة." وأعرف عن اعتقاده أن مقترحات شمير تختلف حقيقة عن اتفاق كامب ديفيد. وعرض بيكر صيغة "الأمن لإسرائيل والحقوق السياسية للفلسطينيين." وهو أوضح في إحدى المناسبات: "إننا لا نؤيد [إقامة] دولة فلسطينية مستقلة، كما أننا لا نؤيد توسيع السيادة الإسرائيلية إلى المناطق المسيطر عليها، ولا احتلالها." وأضاف أنه "يجب أن تظل القدس من دون تقسيم، لكن وضعها يجب أن يكون خاضعا للتفاوض." أما سبب المعارضة الأميركية للدول المستقلة، فهو أنها ستكون "مصدراً لعدم الاستقرار في المنطقة" – على حد تعبير أحد المسؤولين الأميركيين.(31)
أما الجانب الآخر، التالي للزيارة، من الدور الأميركي في هذا الصدد فهو العناية الفائقة التي أولتها الإدارة الأميركية، وخصوصاً من خلال مبعوثها روس، لعملية تحويل "المبادرة" الإسرائيلية من مشروع إلى خطة. بل أن روس كان، والوفد الذي يرئسه، في الغرفة المجاورة للغرفة التي أقرت الحكومة الإسرائيلية فيها مشروع "المبادرة"، كما أسلفنا. وما كادت جلسة الحكومة تنفض، حتى دخل الأميركيون – بحسب ما روى الوزير يتسحاق موداعي، مضيفاً: "أهكذا تتصرف دولة مستقلة؟"(32) وأعرب روس، في حديثه مع شمير وآرنس في إثر الجلسة، عن ارتياحه إلى أن مبادرة شمير أصبحت منذ الآن قرار الحكومة كلها. وقال إن لدى الشخصيات الفلسطينية التي التقاها اهتماماً معيناً بفكرة الانتخابات، "لكن ثمة فارقاً في المقاربة." كما اتضح في محادثات بيكر ووزير الخارجية السوفياتي إدوارد شيفاردنادزه أن السوفيات مهتمون أيضاً بموضوع الانتخابات، وأنه بلّغهم أن الولايات المتحدة ترى في الخطة الإسرائيلية خطوة إيجابية جديرة بالتشجيع.(33)
واصلت الولايات المتحدة محاولاتها تسويق الخطة "السلمية" الجديدة لدى الأفرقاء العرب المعنيين، الذين أعلنوا جميعاً قبولاً بها متحفظاً أو مشروطاً. كما قامت الولايات المتحدة بدور أساسي في إنقاذ الخطة بعد أن أدخلتها مقررات مركز الليكود في فترة من الجمود والتعثر. فقد سارعت الإدارة الأميركية إلى إعلان أن المبادرة السلمية لا تزال قائمة. وجرت "اتصالات يومية" بين الأميركيين والإسرائيليين، كما كشف شمير في خضم الأزمة. وكان المبعوث الأميركي، روس، طرفاً في وضع صيغة قرار الحكومة الذي وضع حداً للأزمة في 23 تموز/ يوليو 1989. كما تابعت الدبلوماسية الأميركية مساعيها للترويج للخطة، ولإنعاشها هذه المرة، من خلال اللقاءات مع شخصيات الأراضي المحتلة.
مصير الخطة
إذا كانت "خطة السلام" الإسرائيلية قد أفلحت في تحقيق بعض أهدافها المضمرة، باعتبارها حملة إعلامية لإخراج إسرائيل من طوق عزلتها الدولية، فإنها لم تحقق هدفها المعلن المتمثل في دفع عملية السلام في الشرق الأوسط. وهي، إنْ في نجاحها أو في "فشلها، أثارت جملة من التحركات الدبلوماسية، السرية في معظمها، تمحورت حول خطط / مخططات / نقاط، تقدم بها الطرفان الآخران في اتفاق كامب ديفيد، وهما: الولايات المتحدة الأميركية من خلال وزير خارجيتها جيمس بيكر، ومصر من خلال رئيسها حسني مبارك. وما أهّل هذين الطرفين للقيام بهذا الدور هو – عدا الثقل الأميركي دولياً والثقل المصري عربياً – علاقتهما بإسرائيل من جهة، وصلات "الحوار" أو "التنسيق" التي تربطهما بـ م. ت. ف. من جهة أخرى. وقد لفّ الغموض، ولا يزال يلف مبادرتي الدولتين، اللتين اشتهرتا باسم: "النقاط العشر" لمبارك، و"النقاط الخمس" لبيكر.
تروي المصادر الإسرائيلية(34) قصة "النقاط العشر" على النحو الآتي: في 21 حزيران/ يونيو وصل من القاهرة وفد أميركي برئاسة عضو الكونغرس وليم غراي. والتقى الوفد كلاً من شمير وآرنس، حيث تم الكشف أول مرة عن "مبادرة"مبارك. وفي 3 تموز/يوليو، قدم السفير الأميركي في إسرائيل وليم براون إلى وزير الخارجية موشيه آرنس النص الرسمي للمبادرة. كما تباحث، في شأن الموضوع نفسه، السفير المصري محمد بسيوني مع الوزير، الذي رفض البنود المتعلقة باشتراك فلسطينيي القدس الشرقية في الانتخابات، ومبدأ مقايضة أراض بالسلام. وفي 17 آب/ أغسطس، بعث وزير الخارجية الأميركية بيكر برسالة إلى نظيره المصري عصمت عبد المجيد، أُرسلت نسختان عنها إلى كل من وزيري الخارجية الأردني والسعودي. وفي هذه الرسالة، دعا بيكر الدول العربية إلى إقناع قادة م. ت. ف. بتفويض وفد من سكان المناطق المحتلة التفاوض مع وفد إسرائيلي على قاعدة النقاط العسر. وفي لقاء بين بيكر ورابين في أثناء زيارة هذا الأخير لواشنطن أواسط أيلول/ سبتمبر، عرض بيكر "أربعة مبادىء" لمبارك تشكل نوعاً من الملحق لنقاطه العشر. ووفقاً لهذه المبادىء، تدعو مصر وفداً إسرائيلياً وآخر فلسطينياً إلى التباحث في موضوع الانتخابات. ويضم الوفد الفلسطيني، الذي سيتألف بالتنسيق مع إسرائيل، أستاذين أميركيين من أصل فرنسي، أو مبعديْن، أو أستاذاً ومبعداً. ويستند الوفد الفلسطيني، في عرض موقفه الاستهلالي في "المؤتمر التحضيري"، إلى النقاط العشر، في حين يستند الوفد الإسرائيلي إلى خطة السلام الحكومية. وعشية زيارة رابين القاهرة، في 20 أيلول/ سبتمبر، تسلّم من بسيوني صيغة جديدة لـ "النقاط العشر"، مكتوبة باللغة العربية، في حين أن الصيغة الأصلية كانت بالإنكليزية.
ومهما يكن مقدار الصحة في هذه الرواية الإسرائيلية فإن "النقاط العشر" لا تؤلف، في أية حال، خطة مصرية مستقلة للتسوية السلمية. وقد أعلن مبارك نفسه أن بلده إنما "يحاول تضييق شقة الخلاف بين إسرائيل وم. ت. ف.". ومع ذلك، ردت الحكومة الإسرائيلية نقاط مبارك، في اجتماع المجلس الوزاري المصغر في 6 تشرين الأول/ أكتوبر، حين صوّت وزراء المعراخ الستة معها، ووقف وزراء الليكود الستة ضدها.
تراجعت نقاط مبارك العشر إلى الظل، في الوقت الذي بدأ يخرج إلى النور ما سوف يسمى نقاط بيكر الخمس. ففي اجتماع المجلس الآنف الذكر، قدم آرنس تقريراً عن الاتصالات التي أجراها في الولايات المتحدة، بما في ذلك المقترحات التي قدمها بيكر في اجتماعهما يوم 27 أيلول/سبتمبر، وفي الاجتماع الثلاثي الذي ضمهما، بعد يومين، ووزير الخارجية المصري. وتتمحور تلك المقترحات حول ضرورة قيام إسرائيل ومصر والولايات المتحدة بتأليف الوفد الفلسطيني إلى محادثات القاهرة المقترحة، من أسماء تقبلها الأطراف الثلاثة، باعتبار أن خطوة التأليف "لغم إجرائي" يجب معالجته.(35)
كما في النقاط العشر، كذلك في النقاط الخمس، أحيط النص بستار من السرية والغموض، ولم يعلن رسمياً في أي حين. وتعرضت المقترحات الأميركية، كسالفاتها المصرية، للتعديل في سياق الاتصالات التي جرت في شأنها، وخصوصاً بناء على طلب الحكومة الإسرائيلية. لا غرابة، إذاً في أن نجد صيغاً مختلفة لخطة بيكر في الصحف المختلفة التي نشرتها.(36) وفي الأحوال كافة، يتضح أن مقترحات بيكر، شأنها في ذلك شأن مقترحات مبارك، لا تشكل خطة منفصلة بقدر ما تشكل آلية إجرائية لتمهيد الطريق أمام تنفيذ بند الانتخابات الوارد في الخطة الإسرائيلية. وهذا ما أكده مجلس الوزراء المصغر الإسرائيلي في قراره بالموافقة على نقاط بيكر المعدلة في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 1989.
الخلاصة
ظهر لنا أن الخطة الإسرائيلية للسلام إنما هي، في حقيقتها، خطة تهدف إلى إنهاء الانتفاضة/ الثورة، إنْ طوعاً من خلال المفاوضات الدائرة، أو بالقوة الغاشمة التي تمارسها إسرائيل بيد، بينما تحمل ورقة "خطة السلام" باليد الأخرى. والخطة، في السياق نفسه، حملة إعلامية تهدف إلى إعادة كسب الرأي العام العالمي عامة، واليهود الأميركيين خاصة. كما تهدف إلى إزالة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي تمثل عصب الانتفاضة، وذلك جرياً مع خطة سابقة وضعها الليكود للقضاء على الانتفاضة.(37) وترمي الخطة الإسرائيلية أيضاً إلى تعريب اتفاق كامب ديفيد، الذي واجهه الفلسطينيون والعرب في حينه بالرفض القاطع، وإلى إدارة ذاتية في المناطق المحتلة، كانت هي الأخرى مؤامرة أسقطها النضال الفلسطيني لدى طرحها.
إن معارضة بعض الأوساط الصهيونية الحاكمة للخطة يجب ألا تكون سبباً في ذر الرماد في العيون الفلسطينية والعربية. إذ أن هذه المعارضة محدودة في حجمها، وفي دوافعها وأهدافها. فهي تقتصر على نسبة من الإسرائيليين. وهي تعود، في جزء منها على الأقل، إلى صراعات حزبية داخلية، استخدمت معارضة الخطة فيها ذريعة لتعزيز المواقف وإضعاف الخصوم. وتنبع في جزء آخر من التخوفات في شأن إمكان فوز "متطرفين" فلسطينيين في الانتخابات المقترحة (كما هو حال معارضة الوزير "المعتدل" عيزر وايزمن). كما أن معارضة الخطة من قبل الثلاثي الليكودي إنما ترمي إلى تحصين الخطة إزاء إمكانات المستقبل، بتأكيد ما ورد فيها أصلاً. ولعل الدليل القاطع على ذلك هو "الشرط الوحيد" الذي قدمه موداعي خلال جلسة الحكومة لموافقته على الخطة، والداعي إلى إبقائها كما هي من دون إضافة أو نقصان، إلاّ بموافقة الحكومة بكامل أعضائها. وهذا الشرط، بالمناسبة، متضمن في الخطة ذاتها (البند 4 – هـ)، ويؤكده شمير نفسه في اعتباره الخطة وحدة واحدة لا تتجزأ.
وقد ظهر لنا أيضاً مدى ضلوع الولايات المتحدة في الخطة الإسرائيلية التي تهدف، أول ما تهدف، إلى القضاء على الانتفاضة. فقد كانت الولايات المتحدة أول من بكر في عرض خطة مشابهة، هي خطة شولتس. ثم رعت الخطة الإسرائيلية في مختلف مراحلها، منذ التحضير لها حتى إقرارها رسمياً، وصولاً إلى إعادة إنعاشها بقرار الحكومة الإسرائيلية في الثالث والعشرين من تموز/يوليو. وهي التي تولت الترويج لها، ولا تزال، لدى الأطراف العربية والفلسطينية المعنية.
المصادر:
(1) أنظر النص الرسمي الكامل للمبادرة في باب الوثائقز
(2) أنظر ، مثلاً: "هآرتس"، 21/12/1988.
(3) أنظر: "يديعوت أحرونوت"، 14/5/1989.
(4) المصدر نفسه.
(5) "دافار"، 15/5/1989.
(6) "معاريف"، 15/5/1989. أنظر أيضاً: "يديعوت أحرونوت"، 15/5/1989.
(7) "دافار"، 15/5/1989. أنظر أيضاً: "معاريف"، 15/5/1989؛ "يديعوت أحرونوت"، 15/5/1989.
(8) "معاريف"، 15/5/1989.
(9) "يديعوت أحرونوت"، 15/5/1989.
(10) "دافار"، 15/5/1989.
(11) المصدر نفسه.
(12) المصدر نفسه؛ "يديعوت أحرونوت"، 15/5/1989.
(13) "يديعوت أحرونوت"، 15/5/1989.
(14) المصدر نفسه.
(15) "دافار"، 15/5/1989.
(16) "يديعوت أحرونوت"، 15/5/1989.
(17) "دافار"، 15/5/1989.
(18) "يديعوت أحرونوت"، 15/5/1989.
(19) أنظر: المصدر نفسه.
(20) أنظر: "هآرتس"، 17/5/1989.
(21) "هآرتس"، 18/5/1989.
(22) المصدر نفسه.
(23) للاطلاع على تفاصيل الجلسة، أنظر: "دافار"، 18/5/1989؛ "هآرتس"، 18/5/1989.
(24) أنظر نص بيان شمير في باب الوثائق.
(25) بحسب تعبير يوئيل ماركوس، "هآرتس"، 20/3/1989.
(26) بنحاس عنباري، "عال همشمار"، 21/3/1988.
(27) أنظر: يوسف حاريف، "معاريف"، 25/3/1988.
(28) أنظر: "هآرتس"، 4/4/1989.
(29) "دافار"، 7/4/1989.
(30) المصدر نفسه.
(31) أنظر: "عال همشمار"، 14/4/1989.
(32) أنظر: "يديعوت أحرونوت"، 15/5/1989.
(33) "هآرتس"، 15/5/1989.
(34) جدعون ألون، "هآرتس"، 17 و 25/9/1989.
(35) أنظر، مثلاً: "هآرتس"، 8/10/1989.
(36) أنظر، مثلاً: "يديعوت أحرونوت"، 11/10/1989؛
"دافار"، 13/10/1989؛
Jerusalem Post, October 13, 1989;
"الأهرام" (القاهرة"، 10/11/1989).
(37) في شأن خطة الليكود هذه، أنظر: روني شيكد، "يديعوت أحرونوت"، 6/11/1989.