«سنقضي على الانتفاضة، سنواصل الاستيطان، القدس ذات سيادة، ولن تقوم دولة فلسطينية»
في الخامس من تموز/يوليو 1989، ألقى يتسحاق شمير رئيس الحكومة خطاباً أمام جلسة للجنة المركزية لليكود خصصت لمناقشة «مبادرة السلام» الإسرائيلية، نقتطع منه المقاطع الرئيسية التالية:
أعضاء اللجنة المركزية، في خطابي في الكنيست يوم 14 أيار/مايو 1989، بشأن مبادرة حكومة إسرائيل السلمية قلت: لم تبدأ بعد المفاوضات مع أية جهة خارجية فيما عنى تطبيق المبادرة. فهي لا تزال كلها مادة للتفكير والنقاش في الساحة الدولية، ولا يزال من المبكر الجزم ما إذا كانت هذه المبادرة ستتحول إلى واقع. ولهذا السبب، فمن السابق لأوانه، ولا مبرر لتحويل هذا الموضوع إلى حرب داخلية شديدة بيننا. فمثل هذه الحرب التي لا لزوم لها يفرّح أعداءنا ويشجعهم.
عندما قلت هذا الكلام لم أحلم – وأنا اعترف بذلك – بأن المبادرة ستتحول إلى بؤرة خلاف داخل المعسكر القومي نفسه [الليكود]. ولم يخطر في بالي أن خطوة كهذه، التي قد تدفع السلام الذي نريده إلى الأمام وتعزز نفوذنا ومكانتنا بين الشعب، ستؤدي إلى نزاع بين الإخوة. ومتى؟ في فترة حظينا، ولا نزال نحظى فيها بازدياد قوتنا بين الجمهور، وحققنا المزيد من الانتصارات في النزاعات السياسية مع خصومنا.
لقد برزت خلال السنتين الأخيرتين دينامية لتبديد التوتر وحل النزاعات سلمياً. وقد شهدنا خلال تلك الفترة تحسناً في العلائق بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي، وانسحاباً سوفياتياً من أفغانستان، وتوقف الحرب بين العراق وإيران، وحل النزاعات بين الدول المتاخمة لجنوب إفريقيا. كل هذا أعاد تحويل الاهتمام العالمي نحو الشرق الأوسط، وزاد في الضغط من أجل حلول سياسية في هذا الجزء من العالم أيضاً.
...مع ذلك، لم يعد في وسع بيانات إسرائيل السلمية تقديم أي جديد. وقد فشلت هذه البيانات في كسب أي اهتمام عالمي. ومن ناحية أخرى، فإن البيانات المعتدلة الصادرة عن هيئات عربية – وخصوصاً المنظمات الإرهابية – قد شكلت بدعة. فركبت منظمات الإرهاب موجة العطف الدولي بفضل تصريحات ووعود مضللة، تشوه الواقع فحسب. وهكذا أضاف العرب أسلوباً جديداً لمحاربة إسرائيل – أسلوب العنف اليومي الذي تنخرط فيه جماهير من النساء والأولاد. ووجدت إسرائيل نفسها مضطرة إلى إظهار ردة فعلها السياسية، إضافة إلى الإجراءات التي لجأت إليها لوضع حد للعنف وإعادة إرساء النظام. لقد أصبح من الضروري أن تأخذ إسرائيل زمام المبادرة السياسية وأن تطرح الحقيقة على الجميع، وتبين لهم أن دربها هو درب السلام الذي سلكته منذ إنشاء الدولة.
لقد جاءت المبادرة في وقتها. إذ وضعت ضرورة التصدي للعنف في سياقها الصحيح، مع يد تمسك بسيف الدفاع عن النفس، والأخرى ممدودة للسلام.
إن الاختلاف الوحيد بين المبادرة واتفاق كامب ديفيد هو اقتراح إجراء الانتخابات قبل الاتفاق المفصل للتسوية المرحلية، وذلك لمقتضى إيجاد محاورين ملائمين من عرب يهودا والسامرة وقطاع غزة الذين يترتب علينا العيش معهم.
من الواضح، إذاً، أن المبادرة لا تختلف في جوهرها عن اتفاق كامب ديفيد. وبودي أن أؤكد، مرة أخرى، أن القصد هو مشكلة العرب سكان يهودا والسامرة وغزة، وبالتالي لن نوافق على ولن نسمح بالتحاق أية جهة لا تنتمي إلى السكان العرب الدائمين في يهودا والسامرة وغزة بهذه العملية، لا بصورة مباشرة ولا بصورة غير مباشرة.
...ومن المفيد لنا أن نتوقف ونلخص ما حققناه حتى الآن، بعد مضي سنة أسابيع على قرارنا بطرح المبادرة. ما هي الميزة التي أحرزناها خلال هذه الفترة القصيرة من الزمن؟
أولاً، لقد سلطت المبادرة الضوء، وشددت أمام العالم أجمع على أنها ثمرة الوحدة الوطنية الإسرائيلية... ولهذا الأمر وزنه الكبير في المجتمع الدولي. ثانياً، لقد وضع إعلان المبادرة حداً للتنازع والشقاق اللذين سادا المجتمعات اليهودية في الخارج، ويهود الولايات المتحدة بالدرجة الأولى... وهذا إنجاز هائل ومهم إلى درجة لا تقاس. ثالثاً، سجلت المبادرة إنجازاً إضافياً ضخماً على الصعيدين التكتي والدبلوماسي، وفي مجال الإعلام العالمي... فقد أجبرنا الدول العربية، ومؤيديها، ومنظمات الإرهاب، والاتحاد السوفياتي، على التصدي لمبادرتنا أولاً وقبل كل شيء. لقد دفعنا بهم إلى موقع دفاعي. رابعاً، منذ وقت قصير فقط كان الإعلام الدولي يعج بآراء في مقترحات ومبادرات لتفعيل مجلس الأمن الدولي، أو بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي وما شابه. ولقد حجبت مبادرتنا هذه المقترحات كلها. وإذا ما طرح أحد أية مقترحات سلام للشرق الأوسط، فإننا قادرون على حذفها من جدول الأعمال العالمي لمصلحة مبادرتنا.
لنتذكر، أيها الأعضاء، أين اختفى المؤتمر الدولي الذي قاومناه بشدة؟ لقد اختفى، إننا لا نراه، إننا لا نسمع عنه المزيد!
إن المبادرة حسّنت بما لا يقاس وضعنا في الولايات المتحدة، لدى الإدارة والكونغرس والرأي العام. ورسالتا 95 عضواً من أعضاء مجلس الشيوخ، و 235 من أعضاء مجلس النواب، قلبتا الصورة السياسية في الولايات المتحدة رأساً على عقب. فقد تغير موقفها من إسرائيل تغيراً كلياً، من دون أن نتخلى عن شيء من الخطوط الأساسية للحكومة. لم نتزحزح، ولن نتزحزح عن المبادئ الأساسية التي يوافق الجميع في إسرائيل عليها. تسوية مع عرب يهودا والسامرة – نعم، لكن لن تجري أية مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية!
منح عرب يهودا والسامرة وغزة إمكان إدارة شؤونهم في إطار إدارة ذاتية – نعم؛ لكن لا على الإطلاق لدولة عربية فلسطينية.
وثالثاً، إن كل يهودي يريد الاستيطان في أي مكان في أرض – إسرائيل يستطيع أن يفعل ذلك، وسيتمتع بدعم حكومة إسرائيل وحمايتها.
إننا نقول لأصدقائنا في الولايات المتحدة ان الاتصالات التي يجرونها بمنظمة التحرير الفلسطينية إنما هي خطأ جسيم قد سبب، وسوف يسبب في المستقبل، ضرراً فادحاً لمصالحهم ومصالحنا ولإمكانات التسوية. وكل اتصال بمنظمات الإرهاب – منظمة التحرير الفلسطينية – الذي يمنح هذه المنظمات المزيد من الشرعية، يشجع عناصر العنف على الأرض، ويديم العنف، ويصلّب الموقف السياسي للدول العربية، ويسيء إلى مصداقية الولايات المتحدة تجاه قضيتنا، ويسلّم السكان العرب في يهودا والسامرة وغزة إلى عصابات القتلة والمجرمين. إنني أناشد الولايات المتحدة وقف الاتصالات بمنظمات الإرهاب، التي لم تحد قط عن نهجها الأثيم.
أعضاء اللجنة المركزية، إنني أتفهم مقصد الأعضاء الذين يتساءلون اليوم – قبل بدء المفاوضات مع جهات عربية – ماذا ستكون سياستنا في المستقبل القريب والأبعد؟ وهم يحاولون تلخيص هذه التساؤلات بأربعة بنود. وسأتناول هذه التساؤلات وأرد على كل واحد منها.
القضاء على الانتفاضة: أن رفاقنا ينادون، بحق، بالقضاء على العنف والإرهاب. إن مبادرة الحكومة كما أقرت تقضي بإجراء الانتخابات المقترحة في مناخ خال من العنف والإرهاب.
لقد أشرت في سياق كلامي في الكنيست، عندما عرضت المبادرة، إلى أننا جميعاً نعي مشاعر الجمهور الواسع في إسرائيل المهتم قبل أي شيء آخر بحرب لا هوادة فيها ضد الإرهاب والعنف. وهذه الحرب يشنها الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن وشرطة إسرائيل، في نزاع يفرض علينا كجزء من صراعنا من أجل الوجود في هذا البلد – وسوف تستمر هذه الحرب بمزيد من الحدة وسوف ننجح فيها.
ودعوني أشير أيضاً إلى أن مبادرتنا السلمية تقوم على أساس إمساكنا بزمام المسائل الأمنية في يهودا والسامرة وغزة. إننا لا نستطيع أن نلهو عندما يتعلق الأمر بهذه المسألة. فما يمكن أن يكون موضوعاً للسياسة الخارجية بالنسبة إلى دول أخرى، بما فيها الصديقة، يعني بالنسبة إلينا وجودنا بحد ذاته.
ودعوني ألخص فأقول: إن وضع حد للعنف ليس أمراً خاضعاً للمفاوضات. وهذه المهمة تنفذها قواتنا الأمنية، وهي ستواصل تنفيذ مهمتها. وسنقضي على العنف... ودعوني أؤكد: إن تطبيق المبادرة وإجراء مفاوضات مع العرب لن يتحققا ما دام العنف مستمراً!
القدس: طرح بعض الأعضاء نقاطاً مختلفة تتعلق بمبادرة السلام. فقد طرحوا، مثلاً، موضوع القدس. إن القدس ليست جزءاً من المبادرة. والقدس عاصمة شعبنا الأبدية، وعاصمة دولتنا الأبدية.
إن موقف حكومة إسرائيل من موضوع اشتراك عرب القدس الشرقية في انتخابات الإدارة الذاتية قد تحدد في قرار الحكومة برئاسة زعيمنا مناحم بيغن، منذ يوم 5 أيلول/سبتمبر 1982، ونص على أن «لا ذكر في اتفاق كامب ديفيد لحق تصويت كهذا.» ويقصد بتصويت كهذا تصويت عرب القدس الشرقية.
ولا حاجة بي إلى أن أضيف أن هذا هو موقفنا اليوم. وهذا هو موقف حكومة إسرائيل الملزم، وكل تغيير فيه يخضع لقرار الحكومة. وسنواصل صون القدس وفق الخطوط الأساسية للحكومة، والتي تنص على أن القدس المتكاملة، عاصمة إسرائيل الأبدية، هي مدينة واحدة تحت سيادة إسرائيل، ولا تقبل التجزئة، وسيكون دائماً لجميع أبناء الديانات وصول حر ومضمون إلى أماكنهم المقدسة.
مواصلة الاستيطان في يهودا والسامرة وغزة: إننا ندعو إلى مواصلة الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة وقطاع غزة. ولا يستطيع أحد الاعتراض على حق اليهود في الاستيطان في هذه المناطق، إلا من يعتقد أن هذه الأقاليم يجب أن تكون... نقية من اليهود، لا قدر الله. وهذا أمر لن يحدث على الإطلاق. إن الخطوط الأساسية للحكومة تقضي بضمان وجود وتطوير المستعمرات التي أنشأتها الحكومات الإسرائيلية المختلفة. كما تعين عددها، وطرائق إنشاء مستعمرات إضافية.
إنني مدرك لحقيقة وجود خلافات سياسية معينة في الداخل ومع أصدقاء في الخارج على السواء... ومن الواضح بالنسبة إلي أن هناك خلافات في الرأي بشأن هذه المسألة، بيننا وبين أصدقائنا في الولايات المتحدة. لكن الاستيطان سيستمر.
...إن هذا مبدأ مقدس بالنسبة إلينا: أرض – إسرائيل الغربية لن تقسم ثانية بعد الآن، ولن تكون هناك موافقة على سيادة أجنبية على أجزاء منها.
لن نوافق على إقامة دولة عربية فلسطينية على تراب أرض – إسرائيل. وفيما يتعلق بصلب قضية أرض – إسرائيل وجوهرها، أكرر ما قلته لقادة الولايات المتحدة: إن ممثلي إسرائيل سوف يصرون خلال المفاوضات بشأن الحل الدائم، على سيادة إسرائيل في المناطق التي ستجري المفاوضات في شأنها. وإنني لا أرى أي عنصر إقليمي للحل الدائم، الذي سيحظى في نهاية المسار بموافقتنا وبموافقة جيراننا.
إن حكومة الوحدة قامت ولا تزال قائمة، على الرغم من مشكلاتها ومواطن ضعفها. وأنا أعتبرها ميزة كبرى في هذه الأيام. لكن، ربما كان علينا أن نواجه في المستقبل تيارات بغيضة تنمو من داخلنا، وتحاول أن تقوّض الوحدة الوطنية لتفسح المجال أمام إسرائيل كي تذعن لإملاءات أجنبية تجلب الكارثة. وسيكون علينا في حينه، أن نصمد جميعاً – المعسكر الوطني كله – وبكل قوانا في مواجهة الهجمة.
أيها الأصدقاء الأعزاء، توصلنا جميعاً إلى مشروع قرار مشترك ومتفق عليه. وهذا نصه:
نص قرار اللجنة المركزية لليكود
الصادر في 5/7/1989
تقر اللجنة المركزية البيان السياسي لرئيس الحكومة والمبادئ الواردة فيه، مثل:
- استمرار عملية السلام بموجب اتفاق كامب ديفيد، ومبادرة الحكومة السلمية.
- عدم اشتراك عرب القدس الشرقية في الانتخابات.
- القضاء على الإرهاب والعنف قبل بدء المفاوضات مع العرب.
- استمرار الاستيطان في يهودا والسامرة وغزة.
- لن تكون هناك سيادة أجنبية على أي جزء من أرض – إسرائيل.
- لن تقوم دولة فلسطينية في أرض – إسرائيل.
- لن تجري مفاوضات مع منظمات الإرهاب – منظمة التحرير الفلسطينية.
بعد أن أنهى شمير كلامه وبدأ شارون الكلام، هب شمير إلى «المايكروفون» وطلب إضافة جملة نسي أن يذكرها، وهي واردة في مشاريع القرار: «يلتزم ممثلو الليكود السعي في الحكومة والكنيست وفق المبادئ الواردة في بيان رئيس الحكومة، وبموجب برنامج الليكود.»
المصادر:
«يديعوت أحرونوت»، 6/7/1989؛
Journal of Palestine Studies, No. 73, Autumn 1989, p. 35.