أجرت أسرة تحرير"مجلة الدراسات الفلسطينية"، بالفرنسية المقابلة التالية مع ستين أندرسون، وزير خارجية السويد. وتُنشر هذه المقابلة، في الوقت نفسه، في: Revue d’Études Palestiniennes, No. 34.
- لا تزال السويد تقوم بدور مهم، كوسيط، في مسيرة السلام، فهل يمكنكم تحديد أشكال هذا الدور، وصيغه؟
س. أندرسون: لا. لا يسعني ذلك! فشرط فائدتنا لهذه المسيرة هو تجنب الظهور، والبقاء وراء الستار. لكننا نشيطون، ونواصل الاتصالات. وقد قمت شخصياً باتصالات وثيقة طوال السنة الماضية وهذه السنة، وأيضاً خلال الأيام الأخيرة، بالأطراف كافة. واعتقادي هو أننا دخلنا مرحلة حاسمة الآن، وآمل أن تتخذ خطوة أو يتخذ قرار في صدد خطوة جديدة قبل نهاية هذه السنة.
- أفتكون هذه الطريقة في العمل هي ما سمّاه خالد الحسن أمس "الدبلوماسية الهادئة"؟
س. أندرسون: بلى. لكني سمّيتها الدبلوماسية الصامتة. وقوام الدبلوماسية الصامتة هو كثير من المحادثات والضغوطات، لكن بهدوء كبير.
- كان دوركم في بدء الحوار بين منظمة التحرير الفلسطينية والولايات المتحدة الأميركية، في استوكهولم وجنيف، حاسماً. فهل لكم أن تسترجعوا تاريخ هذا الدور؟
س. أندرسون: في آذار/مارس من السنة الماضية، زرت الضفة الغربية وقطاع غزة والتقيت أهليهما هناك، ورأيت أعين الأطفال في مستشفى المقاصد في القدس. بعضهم كان مشلولاً من رأسه حتى أخمص قدميه. فبدا لي ذلك جحيماً. بعدها ذهبت إلى الولايات المتحدة والتقيت السيد شولتس وأجريت معه محادثات غير رسمية، أو ما يسميه الأميركيونBalcony talk. وقلت اني أعتقد أن فكرة لقاء شخصيات يهودية في الولايات المتحدة مع السيد عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية قد تكون فكرة حسنة؛ فلم يجبني بنعم، لكنه لم يقل لا. فهو لا يستطيع، بصفته وزيراً لخارجية الولايات المتحدة، أن يقول نعم لأن ذلك كان نقيض سياستهم الرسمية... لكنه لم يجب فكان ذلك رداً كافياً بالنسبة إليّ. عندما واصلت مساعيّ وقمت بزيارة قصيرة للاتحاد السوفياتي والتقيت السيد شيفارنادزه الذي أظهر الاهتمام ذاته. وهكذا بدأت تشجيع منظمة التحرير الفلسطينية على لعب الورقة التي تقول إنها الورقة الوحيدة التي تمتلكها: الاعتراف. أرسلنا مساعد وزير الخارجية، أندرز بيونر، إلى تونس وبغداد وإلى دول عديدة أخرى، فيما أعتقد، ليتحدث إلى منظمة التحرير في شأن أهمية مثل هذه الخطوة.
- وهل جاء شعوركم بأن منظمة التحرير ستفعل ذلك، بعد مؤتمر الجزائر؟
س. أندرسون: كانوا قد قالوا ذلك في الجزائر. لكن الأميركيين والإسرائيليين اعتبروا أنه ليس واضحاً بما فيه الكفاية. هكذا كانت حال الأوضاع حين وجهنا الدعوة إلى وفد من منظمة التحرير وإلى فريق من الشخصيات اليهودية الأميركية إلى استوكهولم، لعقد اجتماع سري في 21 تشرين الثاني/نوفمبر. كان هدف ذلك الاجتماع الاتفاق على بعض توضيحات قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر. وقد أفضى ذلك إلى ما سميّ وثيقة استوكهولم. ومن أجل الحصول على تأييد علني من القيادة العليا لمنظمة التحرير لهذه الوثيقة، ولما نعتبره توضيحات مهمة لقرارات المجلس الوطني الفلسطيني، فإننا دعونا السيد عرفات إلى استوكهولم كما دعونا فريقاً أكبر من الشخصيات اليهودية الأميركية. وخلال ذلك ظللنا على اتصال بوزير الخارجية الأميركية جورج شولتس الذي شجعته توضيحات منظمة التحرير، وأوضح لنا ما هي بالتمام الشروط التي تضعها الولايات المتحدة لفتح حوار مع منظمة التحرير. وعلى هذه الأسس، فاتحت السيد عرفات حين جاء إلى استوكهولم في 6 كانون الأول/ديسمبر في الاجتماع إلى فريق اليهود الأميركيين. وقد أيد السيد عرفات وثيقة استوكهولم علناً بعد تعديلات طفيفة في النص بصفتها تأويلاً صحيحاً لقرارات الجزائر. وخلال ذلك كنت أقوم بمفاوضات سرية موازية مع السيد عرفات ومع الأميركيين في شأن شروط قيام حوار بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير. لكن السيد عرفات لم يكن يستطيع في إبان زيارته لاستوكهولم الاتصال بأعضاء لجنته التنفيذية كافة، ويتخذ قراراً في صدد الرد على الموقف الأميركي، وقال: اني أحتاج إلى 48 ساعة.
- وعلى هذا، فماذا كانت توقعاتكم في استوكهولم في ذلك الاجتماع الأول، فيما عنى الحوار الأميركي – الفلسطيني؟
س. أندرسون: كانت اعتقادي أنه إذا قامت الشخصيات اليهودية الأميركية باتفاق كهذا أو أدلت بتصريح كهذا، شراكة مع منظمة التحرير الفلسطينية، فإن ذلك سيكون مهماً بالنسبة إلى الرأي العام وبالنسبة إلى الولايات المتحدة في آن، وسيسهل على الإدارة الأميركية إمكان العمل، وشعرت بأن الولايات المتحدة كانت مستعدة للمضي قدماً.
- كان المؤمل، لدى بدء الحوار، أن يتم تحقيق اختراق سريع بنّاء على طريق إيجاد حل عادل في الشرق الأوسط أما اليوم، فإن أقل ما يمكن قوله هو أن الحركة تباطأت تباطؤاً مفرطاً من جهة، وأن المسائل موضوع الرهان، أي الانتخابات وجدول الأعمال والحوار، باتت أدنى كثيراً من الحد الأدنى للهدف الذي يمكن أن يقبل به الطرف الفلسطيني. وكل ذلك يعطي الانطباع بأننا كما لو كنا حققنا خطوة كبيرة إلى الأمام وبتنا الآن نتراجع إلى الوراء. كيف ولماذا وصلنا – في رأيكم – إلى هذه الحال؟
س. أندرسون: اعتقادي أن منظمة التحرير الفلسطينية تصرفت بكثير من الحكمة، وتحلت بكثير من الصبر طوال هذه السنة. واعتقادي أنه لا يمكن أن يُطلب من المنظمة أكثر مما فعلت. لكني أعتقد كذلك أنه كان من الأهمية بمكان، إنْ بالنسبة إلى المنظمة أو بالنسبة إلى مسيرة السلام، أن يبدأ الحوار. كانت لدينا بعض الفِكَر، وأجرينا العديد من المحادثات والمناقشات مع المنظمة ومع الإسرائيليين والأميركيين والمصريين. وهذه ليست دبلوماسية هادئة كثيراً كما تعلمون! كنا نقول دائماً إن من المهم جداً أن يجري نقاش في شأن الانتخابات، لكن الانتخابات الحرة تجري بإشراف دولي. غير أن الأهم من ذلك أنه يجب أن يكون ثمة رابط واضح بين الانتخابات ومفاوضات المرحلة الأخيرة. وكل ذلك موجود في مشروع مبارك. ولهذا فإني ما زلت متفائلاً. أنا لست متيقناً من شيء. لكن، بعد المناقشات التي أجريتها مع بعض الإسرائيليين، الأصدقاء الإسرائيليين، ومع بعض أفراد منظمة التحرير الفلسطينية الذين وفدوا إلى استوكهولهم، وبعد الإشارات التي صدرت عن الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، فإني بت أعتقد أن الخطوة الثالثة في مسيرة السلام (باعتبار أن الخطوة الأولى والأهم كانت القرار الذي اتخذ في الجزائر، والخطوة الثانية فتح الحوار بين منظمة التحرير الفلسطينية والولايات المتحة)، ستكون فتح حوار مباشر بين الشعب الفلسطيني والإسرائيليين.
- بعد زيارة شمير للولايات المتحدة، أصبح لدى المرء انطباع بأن آخر قضية تشكل عائقاً أمام الحوار، هي مسألة الوفد المفاوض؛ أي هل يكون مؤلفاً من أعضاء رسميين صريحين في منظمة التحرير، أم من أعضاء غير رسميين. فهل تعتقدون أن قضية "هوية الوفد" قضية حقيقية، أم أن هناك قضايا أخرى لا تزال تشكل عائقاً أمام الحوار المباشر؟
س. أندرسون: الجميع، من دون استثناء، يعلمون أنه ينبغي للوفد الفلسطيني أن يكون مقبولاً من منظمة التحرير الفلسطينية، ومن غير ذلك فإنه لن يكون ثمة وفد فلسطيني البتة. لكن هذه هي وسيلة لإنقاذ الوجه.
- كيف نستطيع، في رأيكم، أن نتيح لشمير قبول فكرة الوفد الفلسطيني، حتى لو لم يعلن ذلك؟
س. أندرسون: إنما يعود إلى الشعب الفلسطيني أن يقرر من ذا الذي يشاء أن يمثله. نحن السويديين، شأن الأميركيين، لا نسمح لأحد خارج الولايات المتحدة أو السويد بأن يتخذ القرارات بشأن وفدنا، عنّا. لهذا، فإن هذه المسألة تعود إلى الشعب الفلسطيني. وأعتقد أن الموقف الفلسطيني كان أقوى، وأقوى كثيراً من الموقف الإسرائيلي في نظر الرأي العام العالمي. الموقف القوي هو موقفكم، وأنتم تستطيعون التحرك انطلاقاً من موقف قوي. وأنا أعرف قومكم معرفة حسنة، وأثق بهم وأستطيع أن أؤكد لكم أنهم أظهروا من الصبر أعظ مما كان يسعني بذله فيما لو كنت في موقفهم.
- وماذا عن الموقف الإسرائيلي؟ كيف يمكن نقل شمير من موقف "لا" إلى موقف "نعم"؟ هل تعتقدون أن الحكومة الأميركية تمتلك وسائل إقناعه، إذ ظاهر الأمر أن الأشياء لم تتحسن بعد زيارته لأميركا؟
س. أندرسون: أملي بالوزير بيكر كبير، ولي به ثقة كاملة، مع أني لم أجر معه العديد من المحادثات بل القدر الذي يكفي لأقتنع اقتناعاً كاملاً بأنه سيفعل كل ما في وسعه كي يبدأ هذا الحوار. إنه ديمقراطي. وحين يكون هناك جانبان كانا عدوين سابقين أو لا يزالان عدوين، ثم جلسا إلى طاولة مفاوضات واحدة، فإنه يكون لكل منهما الحق ذاته في أن يبلّغ الجانب الآخر قراراته، هذا واضح. وهذا هو سبب تفاؤلي. وأنا متأكد من أن رئيس الولايات المتحدة ووزير خارجيتها قد اتخذا قراريهما وحزما أمريهما.
- لماذا ظلت الولايات المتحدة – في رأيكم – تأنف من قبول المبدأ الفلسطيني القاضي بتأليف وفد يضم ممثلين عن فلسطينيي الأراضي المحتلة وعن فلسطينيي المنفى؟
س. أندرسون: السبب الوحيد الذي أستطيع رؤيته هو أن عليهم إقناع الإسرائيليين بقبول الحوار، وهم يحاولون إيجاد الطريق لإقناعهم بذلك.
- وهل تعتقدون أنهم أقنعوهم بالحوار؟
س. أندرسون: باتوا على قاب قوسين من ذلك.
- تعرفون أن الشعب الفلسطيني يثق ثقة كبيرة بدبلوماسيتكم الصامتة. لكن تجربته مع الأميركيين في بيروت سنة 1982 كانت سيئة. ولو كان الوسيط حكومة أخرى غير الحكومة السويدية لما أبدى الشعب الفلسطيني مثل هذه الثقة. ونعتقد أننا وصلنا إلى مرحلة أصبحت الثقة بالدبلوماسية الصامتة في الشرق الأوسط عاملاً مهماً للتقدم إلى أمام. هل ترون أنتم هذا الرأي.
س. أندرسون: بلى. رأيي هو هذا الرأي، وأنا سعيد وفخور بهذه الثقة بشخصي، وقبل ذلك وفوق ذلك بالسياسة الخارجية السويدية. نحن ليست لنا أية مصلحة في نزاع الشرق الأوسط، اللهم إلا المساعدة في إحلال السلام بين الشعبين. لديّ الكثير من الأصدقاء في إسرائيل، والعديد من الأصدقاء الفلسطينيين. وأنا أعلن أن شعبين اقتتلا زمناً طويلاً يمكن أن يصبحا صديقين، ولا يعيشان جنباً إلى جنب فحسب بل يتعاونان معاً وينميان منطقتهما ويطورانها. لهذا أعتقد أنه يجب أن يحل السلام. وثمة إسرائيليون عديدون يؤمنون بأنه ستقوم دولة فلسطينية، وهم يخشون ذلك قليلاً. فلديهم رؤية سلبية للمستقبل. لكن ينبغي لهم اصطناع رؤية إيجابية، والفلسطينيون يستطيعون مساعدتهم في ذلك.
- ثمة في المجلس الوطني الفلسطيني معارضة لا تثق كثيراً بالموقف الأميركي من الشعب الفلسطيني، وتعتقد أن الأميركيين يتقدمون خطوة إلى الأمام ليتراجعوا بعد ذلك خطوتين إلى الوراء. ما الذي يمكن أن تقولوه لهذا المعارضة؟
س. أندرسون: اني مقتنع، كما قلت قبل قليل، بأنهم [الأميركيين] حزموا أمرهم وأنهم يودون مواصلة مسيرة السلام. لكن لديهم، شأن الحكومات كافة، صعوباتهم؛ فهناك ناخبوهم ورأيهم العام وسوى ذلك. لكن ثمة سيرا في الاتجاه الصحيح داخل الولايات المتحدة بسبب واقعة سلوك الفلسطينيين مسلكاً ديمقراطياً وصبوراً.
- ثمة تغيرات مهمة تحدث في أوروبا الشرقية، وهناك حملات صحافية مكثفة تعلن بين حين وآخر رحيل الآلاف من اليهود السوفيات إلى إسرائيل. وثمة تحليلات تميل إلى توقع تغير في توجهات الدبلوماسية السوفياتية. فما هي، في رأيكم، الآثار الحالية والمقبلة التي ستكون لهذا كله في مسيرة السلام الجارية؟
س. أندرسون: في رأيي أن المسيرة الديمقراطية الجارية في أوروبا الشرقية إيجابية للغاية. لكن ثمة بعض الصعوبات الاقتصادية المنيخة هناك. ولعل كثيرين من الأهالي، وضمنهم الأهالي اليهود، سيرحلون إلى دول أخرى. وبالتالي فإنه يمكن أن تكون هناك هجرة إلى إسرائيل، لكن من الصعوبة بمكان تحديد التأثير الذي سيكون لذلك في مسيرة السلام.
- هل حدث لديكم – في إبان زيارتكم الأخيرة لموسكو – الانطباع بأن الاتحاد السوفياتي لا يزال يملك الوقت الكافي أو التفرغ الكافي للاضطلاع بدور في الشرق الأوسط؟
س. أندرسون: أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال إجابة واضحة، هي نعم. إنهم مستعدون للقياد بدور، وهم يؤدون أصلاً دوراً نشيطاً جداً.
- يخشى البعض أن يتحول الانتباه عن الشرق الأوسط، بسبب ما يحدث في أوروبا الشرقية.
س. أندرسون: بلى. سمعت عن تدني الاهتمام بالدول النامية وشعوبها. لكن العالم الآن لا يني عن الصغر في حين أن الشعوب تزدتد اقتراباً بعضها من بعض. وعلى هذا، فإن ما يحدث ف الشرق الأوسط وأميركا الجنوبية وأميركا الوسطى وأفغانستان وكمبوديا وسواها، هو من الأهمية بمكان. أنكم لا تستطيعون القول إن من مصلحتنا الآن أن نقصر التركيز على المشكلات القائمة في الجانب الذي يعود إلينا من العالم. فالعالم هو عالم مشترك بحيث أن لا مناص لنا من الاهتمام بكل المشكلات الواقعة فيه، وإلاّ سبّبنا مشكلات جديدة لأنفسنا. وعلى هذا، فإنني أعتقد أن لا بد من حل المشكلات الرئيسية التي يواجهها الجنس البشري بالتضامن؛ ولا بد من أن نقلص الهوة القائمة بين مستويات المعيشة في الدول الفقيرة والغنية، وإلا واجهت الدول الغنية نزاعات وربما حروباً. إن مصلحتنا ذاتها تقضي عليها بالمساعدة على تلافي تدمير البيئة وإيجاد طرائق جديدة للإنتاج، وهكذا دواليك.. وإلا قتلنا البشر، وضمنهم الأغنياء. العالم مشترك، ومسؤوليتنا مشتركة.
- اجتماع لجنة الشرق الأوسط التابعة للأممية الاشتراكية، بالأمس، كان مثيراً للاهتمام على نحو خاص بسبب حضور وفدين: واحد إسرائيلي، وآخر من منظمة التحرير الفلسطينية معاً للمرة الأولى، وبسبب حضور وزراء اشتراكيين، وكذلك السيد ويلي براندت، إلى جانب ممثلين أميركيين وسوفيات. هل تعتقدون أن تكوين هذا الاجتماع يظهر اهتمام الأحزاب الاشتراكية في أوروبا بأن تكون فريقاً في نزاع الشرق الأوسط ومسيرة السلام الجارية؟
س. أندرسون: لقد انخرطت الأحزاب الاشتراكية، إلى هذا الحد أو ذاك، في أمور الشرق الأوسط: صحيح أنه كانت لنا وجهات نظر مختلفة، لكنا كنا أبداً مهتمين بها وأعتقد أن أولاف بالمه وحزبنا، قاما بدور حاسم في بلدنا. واليوم هناك قرار جديد: فجميع الأحزاب في الأممية الاشتراكية تقف في الجانب نفسه وتكافح من أجل السلام في الشرق الأوسط. وهذا أمر جديد.
- أعرب بعض الدول الأوروبية عن تخوفه من أن الدول الأوروبية لن تكون طرفاً في المسيرة الجارية في الشرق الأوسط، لأن الحوار المباشر يتم برعاية القوتين العظميين لا برعاية مجلس الأمن.
س. أندرسون: أنا واثق بأنه سيكون للجماعة الدولية دور تؤديه في بعض المراحل، وأن الأمم المتحدة مستعدة للقيام بذلك الدور. إنّا لم نصل بعد إلى هذه المرحلة لكننا واصلون، في يقيني، إليها. واعتقادي أن لا بد من تقديم المساعدة للشعبين من الخارج، كتوفير الضمانات وما إلى ذلك. فالوضع صعب للغاية. ذلك بأنه ليس في المستطاع إيجاد كل الثقة اللازمة وتصفية جميع الشكوك والريب والظنون مرة واحدة. لا بد من تناول الموضوع خطوة خطوة. وسيكون لكل خطوة مخاطرها وإمكاناتها، لكنها ستولّد خلال ذلك مزيداً من الثقة وتحضّر أرضية الخطوة التالية. وعندها يجب أن يتوفر انخراط من الخارج، من هيئة الأمم طبعاً، ولجميع الأمم ذات المصلحة التي نشعر نحن بها.
- أتعتقدون أن في وسع أوروبا أن تؤدي دوراً فيما هو جارٍ الآن؟
س. أندرسون: بلى، بالتأكيد. إنها تستطيع ذلك.
- كيف ترون آفاق المستقبل؟
س. أندرسون: سمعت بالتفاؤل مثلما سمعت بالتشاؤم، لكني أعلم بأن الشعب الإسرائيلي يريد السلام وأن ليس ثمة طريق أخرى للسلام غير طريق واحدة، إنْ في هذا النزاع أو في أي نزاع آخر يقع بين الشعوب: البدء بالحوار والشروع في التحادث والتفاوض. وهذا ما نؤمل حدوثه قبل نهاية هذه السنة. ومن أجل أن نكون أكثر واقعية نقول إن ثمة قراراً سيتخذ لبدء الحوار.
- كيف كانت مسيرتكم الشخصية فيما عنى المسألة الفلسطينية؟ وهل هناك، في رأيكم، تواصل بين مجهودات الكونت برنادوت سنة 1948 وبين تلك التي بذلها أولاف بالمه طوال سنوات قبل اغتياله؟
س. أندرسون: زرتُ إسرائيل مع رسميي الحزب كافة أول مرة سنة 1963، واجتمعت إلى بن – غوريون وشمعون بيرس الذي كان حينها نائب وزير الدفاع. بعدها أرسلت إبني البكر (وكان عمره 13 عاماً) للعمل في كيبوتس مع صديق له (سنة 1964). وقد عاد صديقه وهو معجب إلى حد التوله بموشيه دايان. أما إبني، الذي عمل مع العرب وشاهد الفارق والاختلاف في سلوك السلطات، فإنه بدأ يفتح لي عينيّ، الأمر الذي أدى بي إلى الاهتمام بقدر الشعب الفلسطيني ومصيره. التقيت بعدها غولدا مئير في تل أبيب، في نهاية الستينات، وكانت حينذاك أمينة حزبها العامة وكنت أنا نائب أمين حزبي العام. كان شمعون بيرس حاضراً حين صاحت فيّ: "الفلسطينيون... إن لا وجود لهم."
- تعلمون، ولا ريب، أنها كلمة مشهورة جداً!
س. أندرسون: إنهم يعلمون الآن أن الفلسطينيين موجودون. وبما أن شمعون بيرس قاطعها فإنها أضافت قائلة إنه أحدث سنا من أن يتفوه بكلمة. حينذاك سألتها كم ينبغي أن يكون عمر المرء في حزب العمل ليفتح فاه؟ الآن هناك حركة في الاتجاه الصحيح داخل الحكومة الإسرائيلية. ولعل حزب العمل الإسرائيلي قد حزم أمره، وهذا ما يجعلني متفائلاً بعض التفاؤل.
- لكن يبدو أنه لا يزال ثمة توتر داخل حزب العمل لأن العمال يخشون الذهاب إلى الانتخابات؟
س. أندرسون: بلى. لقد سبق أن قلتُ لهم مرات عديدة، ومنذ سنوات، إنه ينبغي لهم أن يقودوا النضال من أجل السلام. وأعتقد أنهم سيفعلون.
- نعود إلى السويد. هل يمكننا أن نستخلص من التزام السويد أن الدول الاسكندنافية كافة راغبة في الانخراط في عملية السعي لتسوية سلمية؟ أفيكون مرد ذلك هو خشية المخاطر التي تنيخ بها الأسلحة النووية والكيماوية في الشرق الأوسط على العالم بوجه العموم؟
س. أندرسون: للدول الاسكندنافية كافة المصلحة ذاتها. لكن الحال لم تكن على هذا النحو دائماً. أما الآن، فإننا بتنا نقف المواقف ذاتها. ولا بد من أن يكون للجميع المصلحة ذاتها لأن الوضع يمكن أن يكون خطراً، لا بالنسبة إلى شعوب الشرق الأوسط وحدها وإنما أيضاً بالنسبة إلى العالم أجمع. أشرتم إلى الأسلحة وإلى مخاطر نزاع عنيف. بلى. وهذا هو سبب انخراطنا. فالأمر هو أمر مصلحتنا ذاتها. وانخراطنا ليس من أجلكم فحسب بل أيضاً لأسباب إنسانية أيضاً، ومن أجل إنهاض سلام لشعوب باتت تستحق السلام بعد سنوات من الصراعات والآلام.
- أتعتقدون أننا سنشهد تسارعاً تاريخياً فيما عنى النزاع العربي – الإسرائيلي، كذلك الذي أحاط بانهيار جدار برلين؟
س. أندرسون: ليس بالسرعة ذاتها، لكن ستكون المسيرة نفسها. وفيما يخصني، فإني أحب كثيراً أن أرى مجدداً أولئك الأطفال الذين لقيتهم في مستشفى القدس، معافين مفعمين بالصحة، مواطنين لدولة فلسطينية. آنها، أذهب إلى هناك.