مقدمة
ارتبط تاريخ الشرق الأوسط الحديث بظواهر عديدة مهمة، من أبرزها وجود احتياطيات ضخمة جداً من البترول في أعماق أراضيه، مما دفع الدول الكبرى وشركات البترول العالمية إلى محاولة السيطرة على المنطقة لاحتكار هذه الثروة الهائلة، والتحكم في مواردها. وشملت عمليات المسح والاستكشاف مناطق واسعة، وخلال فترة زمنية طويلة تكاد تقارب القرن. غير أن البترول لم يكتشف إلا في أماكن محددة، وذلك نتيجة وجود الطبقات الجيولوجية المطلوبة وتوفر الوسائل العلمية في حينه. ومن الممكن جداً وجود مكامن بترولية في طبقة ما، غير أن المسح السيزمي والتحليل العلمي وطرائق الحفر والاستكشاف المتوفرة ربما لم تكن بتلك الدرجة من التقدم بحيث تسمح باكتشاف البترول في فترة معينة. ومن الممكن جداً – بل فعلاً – أن يتم، بعد فترة أخرى ونتيجة التطور التقني في الصناعة البترولية وعلومها، العثور على البترول في الأماكن المهجورة.
كما أن عملية التنقيب عن البترول عبارة عن سلسلة واسعة ومتكاملة من الحلقات تعتمد، في نجاحها، على عوامل سياسية واقتصادية واستثمارية متعددة، بالإضافة طبعاً إلى توفر العوامل الطبيعية والإمكانات العلمية. فالاستكشاف والحفر عمليتان باهظتا التكلفة، تتحمل فيهما الشركة المعنية عشرات الملايين من الدولارات من دون وجود أية ضمانة أنها ستكتشف برميلاً واحداً من النفط الخام على الرغم من كل الدلائل المشجعة على ذلك. وحتى لو تم اكتشفا النفط، فهناك عمليات التطوير، والنقل، والتكرير، وإيجاد الأسواق، وتوفر الأسعار الملائمة. كذلك يجب الحصول على كميات وافية من الاحتياطي كي يعتبر الاكتشاف تجارياً. وإلى جانب كل هذا وذاك، يجب توفر المناخ السياسي والاقتصادي الملائم لتشجيع الشركات البترولية على الاستثمار. وفي فترة الاستعمار، قامت الشركات البترولية بدور مباشر في توفير الأجواء اللازمة للتعامل مع الحكام المحليين وإعداد القوانين الاستثمارية لمصلحتها. بل إنها ضمنت بنفسها، ومن خلال دولها، الأوضاع السياسية الملائمة لاحتكار هذه الثروة لمصلحتها على حساب الأقطار المنتجة. أما في الوقت الحاضر، فإن العامل الأساسي لوجودها وتعاملها مع الدول المنتجة هو إمكان وجود النفط وتوفر المناخ الاستثماري الملائم الذي يحقق لها أرباحاً جيدة، وليس نوع النظام أو الحكم.
وقد توفر معظم هذه العوامل، وإنْ بنسب متفاوتة، في فلسطين خلال فترة الانتداب ثم بعد الاحتلال الصهيوني. فكما سنبين أدناه، قامت شركات البترول بالمسح والاستكشاف في فلسطين كما في البلاد الأخرى في المنطقة. غير أن صعوبة التضاريس الجيولوجية، والصراع السياسي والعسكري بين السكان العرب الأصليين من جهة وبين الحركة الصهيونية وقوى الانتداب من جهة أخرى، حدّا من أية أعمال بترولية تذكر في فلسطين. ولم تستطع الشركات الإسرائيلية، بعد سنة 1948 وحتى يومنا هذا، العثور على حقول جديدة مهمة خارج نطاق العمليات المحدودة التي قامت شركة نفط العراق بها بعيد الحرب العالمية الثانية، وذلك على الرغم من القيام بحفر العشرات من الآبار في العقود الأربعة الماضية، وإنفاق مئات الملايين من الدولارات، ونشر العديد من الدراسات المفرطة في التفاؤل. والعامل المتغير الوحيد في هذا المجال هو الاتفاقيات الأخيرة مع مؤسسات نفطية ومالية أميركية مهمة، التي قد تتمكن من تحقيق قفزة نوعية في عمليات الاستكشاف والحفر، بعد الاعتماد الطويل على شركات صغيرة غير مهمة ولا باع لها يذكر في مجال البترول.
تقع فلسطين، جيولوجياً، في العصر ما قبل الكمبري للدرع العربي في الجنوب الشرقي والطية المقعرة الإقليمية لشرقي البحر الأبيض المتوسط في الغرب. ويمتد فيها الحزام الالتوائي للشرق الأدنى، المتمثل في سلسلتي جبال لبنان الغربية والشرقية، على شكل سلاسل من الطيات المحدبة والمقعرة غير المتناظرة، والتي أخذت شكلها النهائي أواخر العصر الأوليجوسيني بعد ارتفاعها وتقطع جوانبها بفوالق متقاطعة في عصرين رئيسيين هنا: أوائل العصر المايوسيني، وأوائل العصر البلايستوسيني. وقد تكونت من هذين العصرين مجموعتان من الانخفاضات الانهزامية ممتدتان من الشمال إلى الجنوب: الأولى في الغرب ومغطاة بالبحر الأبيض المتوسط، والثانية في الشرق وتكون منها منخفض وادي الأردن – البحر الميت – وادي عربة. وبناء على التراكيب الجيولوجي المتباينة في البلد، فقد تم تقسيمه إلى عدة مناطق جيولوجية متطابقة إلى حد كبير، في مواقعها، مع حدود التضاريس الطبيعية. وهي كما يلي: منخفض البحر الميت – وادي عربة؛ صحراء النقب؛ منطقة سفوح التلال؛ السهل الساحلي؛ جبل الكرمل؛ مرج ابن عامر؛ وادي الأردن الأعلى – الغور؛ مرتفعات الجليل.(1)
وذكر الجيولوجيان الأميركيان ماكس بول ودوغلاس بول، اللذان عهدت السلطات الإسرائيلية إليهما في أول دراسة جيولوجية شاملة عن البلد، والتي في ضوئها تم إصدار قانون البترول لسنة 1952 – ذكر هذان الباحثان أن المكامن البترولية موجودة في مختلف المقاطعات الجيولوجية، لكن بنسب متفاوتة في النوع والكم. وأشارا إلى إمكان وجود مصائد تركيبية وطبقية في وادي الأردن الأعلى ومرج ابن عامر، لكن يصعب اكتشافها. وهناك إمكانات جيدة لتجمع البترول في الطيات المحدبة والكتل المنغلقة في مرتفعات الجليل والكرمل. كما أن هناك فرصاً جيدة لوجود النفط في منطقة سفوح التلال والسهل الساحلي وصحراء النقب، لكثرة الالتواءات فيها. وخلص الكاتبان الأميركيان في بحثهما إلى القول: "هناك إمكانات ضئيلة جداً لوجود النفط في مقاطعتين جيولوجيتين، ومن متوسطة إلى جيدة في مقاطعتين أُخريين، وإمكان جيد في أربع مقاطعات أخرى تمثل ثلاثة أرباع البلد."(2) لكن، على الرغم من العديد من الدراسات الأخرى، التي سيأتي ذكر بعضها لاحقاً، فإن أعمال الحفر لم تكشف حتى الآن عن وجود مثل هذه الإمكانات الجيدة.
يهدف هذا المقال إلى إعطاء صورة عامة لمحاولات الاستكشاف والتنقيب عن البترول في فلسطين منذ سنة 1914، وعرض السياسات التي تم تبنيها خلال العقود الماضية في هذا المضمار، وما تم تحقيقه فعلاً في هذا المجال – وهو أمر محدود جداً. وأخيراً، ما هي التجربة الجديدة التي تم تبنيها منذ منتصف الثمانينات، لتشجيع شركات البترول الدولية على الاستثمار في إسرائيل.
مرحلة الانتداب
تم حيازة أول امتياز للتنقيب عن النفط في فلسطين في آذار/مارس 1914، عندما حصل كل من اسماعيل حقي الحسيني وسليمان ناصيف وشارل أيوب على رخص للتنقيب من الحكومة العثمانية. وتم بيع هذه الامتيازات بعد شهرين من الحصول عليها إلى شركة ستاندرد أويل أوف نيويورك، التي قامت بدورها بشراء 11 رخصة تنقيب بصورة مباشرة من الحكومة العثمانية في المناطق المجاورة لبئر السبع. غير أن نشوب الحرب العالمية الأولى، خلال تلك السنة، أدى إلى تعطيل عمليات المسح والاستكشاف.
وبعد احتلال بريطانيا لفلسطين سنة 1918، ومع بداية الصراع الدولي الكبير بين الشركات الأميركية والبريطانية في شأن بترول الشرق الأوسط، رفضت سلطات الانتداب الموافقة على عودة شركة ستاندرد أويل أوف نيويورك إلى العمل. ولم ينته هذا الصراع بين المصالح الأميركية والبريطانية إلا في تموز/يوليو 1928، عندما حصلت الشركات الأميركية من خلال اتفاقية الخط الأحمر على حصة في شركة البترول التركية التي أصبحت تسمى بعدئذ شركة نفط العراق، والتي تكونت من: شركة البترول الأنغلو – إيرانية، ومجموعة رويال دتش – شل، وشركة البترول الفرنسية، ومجموعة الشركات الأميركية الممثلة في شركتي ستاندرد أويل أوف نيوجرسي وسوكوني موبيل (وحصلت كل مجموعة على نسبة 23,75% من حصص الأسهم)، بينما حصل غولنبنكيان على 5% وبموجب هذه الاتفاقية، تم تقسيم الشرق الأوسط بحيث تقوم الشركات هذه مجتمعة، ومن خلال شركة نفط العراق فقط، بالحصول على امتيازات تنقيب في المناطق خارج الكويت ومصر. أو بمعنى آخر، لم يكن يحق لأية من الشركات أعلاه العمل بصورة منفردة في باقي المناطق العربية. ويصف الخبير النفطي العربي الدكتور عاطف سليمان هذه التجربة بأنها "كانت أول محاولة لاحتكار البترول العربي ومنع المنافسة الحرة بين الشركات عند الحصول على الامتيازات من أن تأخذ مجراها، ومواجهة الحكومة صفاً واحداً."(3)
قامت شركة نفط العراق بفتح مكتب جيولوجي لها في القدس سنة 1932، من خلال تأسيس شركة فرعية لها تدعى شركة التنمية النفطية لفلسطين. ونتيجة أعمال التنقيب والدراسات الجيولوجية سنة 1933، طلبت هذه الشركة مناطق امتياز جديدة بالإضافة إلى المناطق القديمة التابعة لستاندرد أويل. ثم حصلت على 29 رخصة تنقيب جديدة سنة 1939: 11 منها في شباط/فبراير لمساحة 5000 كلم2، و 18 منها في تموز/يوليو لمساحة 13,645 كلم2. وبدأت فعلاً المسوحات لتحديد مواقع العمليات، إلا أن نشوب الحرب العالمية الثانية أوقف عمليات الحفر كافة. وفي سنة 1946، واعتماداً على المسوحات السابقة، بدأت هذه الشركة الحفر في منطقة حليقات على بعد 8 أميال إلى الشمال من غزة. وبلغ عمق أول بئر حفرت هناك في شباط/فبراير 1948. كما حفرت الشركة أيضاً بالقرب من قرية كرنب على بعد 50 ميلاً إلى الجنوب الشرقي من غزة، غير أن العمل توقف هنا أيضاً بسبب الأعمال الحربية.
في سنة 1924، خلال عهد الانتداب، تأسست أيضاً مؤسسة التعدين الفلسطينية المحدودة، وكذلك شركة تابعة لرجل الأعمال البترولي د. أ. سترلاند. وحصلت كل من الشركتين، سنة 1933، على رخصة للتنقيب عن النفط في جوار البحر الميت. وقامت الشركتان بتحويل رخصتيهما إلى شركة الاستكشاف الأردنية المسجلة في فلسطين، والمالكة لمشروع البوتاس الفلسطيني. واقتصرت الأعمال البترولية لهذه الشركة على حفر بسيط بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها توقفت عن هذا العمل نتيجة حرب 1948.
تعثرت أعمال الاستكشاف والتنقيب في فلسطين، خلال فترة الانتداب، نتيجة الصراع السياسي والعسكري الذي كان قائماً بين العرب والحركة الصهيونية، والذي لم يشجع الشركات على العمل هناك، وخصوصاً أن مناطق أخرى في الشرق الأوسط كانت، بصورة نسبية، أكثر هدوءاًـ، وبدأت تعطي نتائج إيجابية على صعيد البترول؛ كما تعثرت هذه الأعمال نتيجة نشوب كل من الحرب العالمية الثانية وحرب 1948. وبقي النشاط البترولي في فلسطين مقصوراً على شركات محدودة، على الرغم من القانون البترولي الذي أصدرته سلطات الانتداب في 7 تموز/ يوليو 1938، والذي منح الشركات التي تكتشف النفط بكميات تجارية حق امتياز يشمل نصف مساحة رخصة التنقيب ولمدة ثلاثين عاماً، على أن تدفع الشركة إيجاراً عن أراضي الامتياز بالإضافة إلى ريع يتراوح بين 2,5 شلن و 6 شلنات عن الطن الواحد من البترول المنتج، وذلك بحسب الكمية المنتجة.(4)
المحاولات الأولى: تفاؤلات مفرطة
بذلت إسرائيل جهوداً مكثفة في الاستكشاف والتنقيب عن البترول، شأنها في ذلك شأن العديد من الدول الأخرى. وحفرت خلال العقود الأربعة الماضي نحو 383 بئراً (باستثناء سيناء)، كما أنفقت نصف مليار دولار تقريباً من أجل العثور على النفط والغاز. لكن محاولاتها هذه باءت بالفشل الذريع حتى يومنا هذا، وكانت نتائج جهودها في هذا المضمار محدودة جداً أو بالأحرى معدومة؛ إذ أنها لم تؤد الغرض المنشود منها، وهو تأمين الاكتفاء الذاتي من النفط الخام للاقتصاد المحلي.
وتشير الأرقام الأخيرة التي نشرتها اللجنة القومية للطاقة في إسرائيل، في أثناء عقد مؤتمر الطاقة العالمي في مونتريال/كندا في أيلول/سبتمبر 1989، إلى أن إنتاج النفط المحلي انخفض من 76,70 ألف طن سنة 1970 إلى 14,50 ألف طن سنة 1987. كما انخفض إنتاج الغاز الطبيعي من 123,6 ألف طن سنة 1970 إلى 33,3 ألف طن سنة 1987. أما معدل استهلاك الطاقة فكان بحدود 9,6 ملايين طن من النفط المكافىء سنة 1987. بمعنى آخر، أن الإنتاج البترولي المحلي لا يضيف شيئاً يذكر إلى الاستهلاك العام. وتستورد إسرائيل 97% من حاجتها من الطاقة. أما الـ 3% الباقية فتحصل عليها من الاستعمال الواسع للطاقة الشمسية في تدفئة مياه المنازل.(5)
إلى جانب العامل الاقتصادي المعروف لأهمية العثور على البترول، سواء أكان للاكتفاء الذاتي من أجل تخفيف العجز في ميزان المدفوعات، أم كان بكميات تجارية كافية للتصدير وتحقيق ريع مهم للبلد، فإن لإسرائيل هاجساً آخر يجب أن تحسب له حساباً، وهو العامل الأمني. فهي ممتوعة من الاستيراد من مصادر تشكل ثلثي احتياطات البترول العالمية ومتوفرة في الأقطار العربية المجاورة لها. كما أن شركات البترول العالمية تتفادى التعامل المباشر معها خوفاً من ردات الفعل العربية السلبية، وإمكان تنفيذ قوانين المقاطعة. وإضافة إلى العاملين الاقتصادي والأمني، هناك عامل معنوي مرتبط بتوفر النفط في الأقطار العربية المجاورة وعدم وجوده في مناطقها، على الرغم من اعتزازها بالتفوق العلمي على العرب، وعلى الرغم من العديد من الدراسات الجيولوجية الواعدة التي قامت بها، مثل البحث الذي نشره الخبير ف. ج. فوهس سنة 1927 – بتكليف من الوكالة اليهودية – ومفاده أن في فلسطين 23 منطقة يمكن أن تحتوي على النفط.(6)
وكما ذكرنا سابقاً، تعتمد ميزانية الطاقة الإسرائيلية، إلى حد بعيد، على استيراد الموارد الهيدروكربونية. وقد استوردت إسرائيل نفطاً بقيمة 100 مليون دولار سنة 1972، ليرتفع هذا المبلغ إلى 2,2 مليار دولار سنة 1980، و 1,7 مليار دولار سنة 1982. وكما هو واضح، فقد كان هذا المبلغ منخفضاً أوائل السبعينات لبخس أسعار النفط في حينه، ثم ارتفع بعد سنة 1973 وحتى سنة 1980 تيجة ارتفاع أسعار النفط، ليبدأ مرحلة الانخفاض مرة أخرة في النصف الأول من الثمانينات، فترة ركود الصناعة النفطية. وتشير آخر الإحصاءات إلى أ، تكليفة البترول المستورد (نفط خام ومنتوجات بترولية) بلغت 786،5 مليون دولار سنة 1986، ثم ارتفعت إلى 1,033 مليار دولار سنة 1987. ويعود هذا التباين إلى انهيار أسعار النفط سنة 1986، وتحسنها بالتدريج في السنة التالية.(7) وتمثل قيمة النفط في مجمل الواردات الإسرائيلية، بأسعار الدولار سنة 1986، 5% من واردات سنة 1970، و7% سنة 1973، و 17% سنة 1976، و 27% سنة 1980. وانخفضت هذه النسبة إلى 19% سنة 1983 نتيجة انخفاض أسعار النفط وازدياد الاعتماد على الفحم في توليد الطاقة الكهربائية.(8)
لقد اعتمدت اتفاقيات استيراد البترول، في معظمها، على عوامل سياسية متقلبة ومعرضة للتغيرات بحسب الأوضاع السائدة في حينه. ففي أوائل الخمسينات، تمت مقايضة البترول السوفياتي بصادرات محلية (400 ألف طن سنوياً من النفط الخام في مقابل 15 ألف طن من الفواكه والحمضيات)، ثم توقفت هذه المبادلة مع بدء حرب السويس سنة 1956. وتم بعدها عقد اتفاق مع إيران للتزود بالنفط في السبعينات، بالإضافة إلى استخدام حقول سيناء المحتلة. أما في الفترة الحالية، فإن 70% - 80% تقريباً من واردات النفط تأتي من مصر والنروج والمكسيك، والبقية عن طريق السوق الفورية. وهناك اتفاق مع الولايات المتحدة، وهو إحدى نتائج اتفاق كامب ديفيد، للحصول على الإمدادات البترولية من الولايات المتحدة في حال حدوث عجز طارىء في الإمدادات الخارجية (بالذات من مصر) لأسباب أمنية.
برز الاهتمام الإسرائيلي الواضح في التنقيب عن النفط منذ أوائل الخمسينات؛ إذ تم سن قانون البترول لسنة 1952 لتشجيع الشركات المحلية والمؤسسات الأجنبية على الاستثمار في القطاع النفطي. ولخدمة هذه الأغراض نفسها، تم تأسيس شركة نفط وطنية سنة 1958، وشركات متفرعة منها في مجالات الاستكشاف والحفر والاستثمار والأبحاث والخدمات والتوزيع والتخزين. كما تم تخصيص موارد سنوية ضخمة للتنقيب عن النفط، مقتطعة من ميزانية الدولة. هذا، بافضافة إلى التعاون مع شركات نفطية ومالية خاصة (يهودية في معظمها) من الولايات المتحدة وكندا، للاستثمار في عمليات الاستكشاف والإنتاج. لكن هذه المحاولات باءت جميعاً بالفضل الذريع. ونسبت التقارير الحكومية السنوية هذا الإخفاق إلى ضحالة المعلومات الجيولوجية والجيوفيزيائية، وإلى صعوبة الحصول على الانعكاسات الرجفية الجيدة، بالإضافة إلى عدم وجود الأدوات السيزمية المتقدمة حتى أوائل الثمانينات. وتضيف المعلومات الرسمية أن أغلبية أعمال الحفر تمت في أعماق ضحلة ومحدودة، بينما بقيت أغلبية المناطق غير مستكشفة.(9)
وفي تلخيص لوقائع وأعمال ندوة موسعة في شأن مشكلات استكشاف النفط في إسرائيل، أدارها المركز الإسرائيلي لسياسات الطاقة بعد ثلاثة عقود من سن قانون البترول، يشير شارل هوفمان، مراسل صحيفة "جيروزالم بوسب"، إلى الحالة العامة لهذه السياسة بالقول: "لا بد من إرساء استراتيجية دقيقة وواعية للاستكشاف. فإلى فترة ليست ببعيدة، كان من الصعب جداً التحدث عن استراتيجية متكاملة، لأن الاعتماد كان منصباً على الفرضية القائلة أنه إذا تم حفر العديد من الآبار في مناطق مختلفة، فلا بد من العثور بعد فترة على النفط."(10)
سنت الحكومة الإسرائيلية قانون سنة 1952 بعد إلغاء الامتيازات الممنوحة في عهد الانتداب، وبناء على الدراسات التي قدمها الخبيران الجيولوجيان الأميركيان ماكس بول ودوغلاس بول. وينص القانون، الذي يشمل المناطق اليابسة والمغمورة، على أن الثروات في باطن الأرض ملك للدولة فقط، ولا حق لصاحب الأرض في ما يكتشف فيها من معادن. وتم تحديد مساحة الرخصة الواحد بحد أقصى مقداره 400,000 دونم. ويتم، أولاً، منح رخصة استكشاف وتنقيب لمدة ثلاثة أعوام، قابلة للتمديد أربعة أعوام أخرى. ولا يحق للشركة الواحدة الحصول على أكثر من 12 رخصة للاستكشاف في منطقة واحدة. وبعد تنفيذ الأعمال اللازمة، وفي حال العثور على البترول بكميات تجارية، تمنح الحكومة الشركة المعنية عقد تطوير مدته ثلاثون عاماً، قابلة للتمديد فترة عشرين عاماً أخرى بشرط تنفيذ استثمارات جديدة في تنشيط الحقل وتطويره. وتبلغ المساحة القصوى لهذا النوع من العقود 250,000 دونم. ويحق للشركة، بموجب هذا الامتياز، إنتاج وتسويق حصتها من النفط (التي قد تبلغ حداً أقصى مقداره 78% من الإنتاج) بعد دفع علاوة نضوب بنسبة 27,50%، وضريبة ريع بنسبة 12,50% من قيمة النفط المنتج. ويتم احتساب أسعار النفط بموجب الأسعار العالمية السائدة. وتمنح الحكومة الإسرائيلية الشركات المحلية الممولة من الخارج، أو الشركات الأجنبية، 44,34 سنتاً في مقابل كل دولار تنفقه هذه الشركات إلى حين العثور على البترول؛ وعندئذ تتحول المنحة إلى قرض ينبغي للشركة إعادته إلى صندوق القروض التابع للدولة.
وصدرت تعديلات على هذا القانون في سنتي 1963 و 1967، هدفها تشجيع الشركات على الاستثمار بمبالغ أكبر في هذا القطاع. ومن ضمن البنود الجديدة: توسيع مساحة عمليات الاستكشاف، وإعطاء احتكار للتنقيب في منطقة معينة بعد عمليات التحري الأولى، والتخفيف من التزام العمليات الحقلية أو الحفرية المعتمدة إذا تبين، بعد بدء الحفر، أن المواقع المختارة غير مجدية بتاتاً وأن الدراسات التمهيدية كانت غير دقيقة. كما أعفت الحكومة مقاولي الحفر، بالإضافة إلى الشركات البترولية الحائزة على رخص التنقيب، من جميع الرسوم الجمركية المفروضة على المعدات المستوردة. واعتمدت السلطات الإسرائيلية جميع هذه القوانين في عمليات الاستكشاف والتنقيب في الأراضي المحتلة منذ سنة 1967، وكذلك في سيناء.(11)
ومن الملاحظ أنه على الرغم من الحوافز المشجعة التي وفرها قانون سنة 1952، والتعديلات اللاحقة التي أضيفت إليه، فإن الأغلبية الساحقة من الشركات الأجنبية التي قدمت إلى إسرائيل كانت إما مؤسسات بترولية ذات خبرة محدودة في المجال النفطي، وإما هيئات مالية استثمارية صغيرة ذات ملكية يهودية. وكان معظم أصحاب الشركات المشاركة من الممولين اليهود الأميركيين الذين استفادوا من القوانين المرعية في الولايات المتحدة بعدم احتساب الأموال المستثمرة في الاستكشاف النفطي عند تخمين ضريبة الدخل. لكن، على الرغم من هذه الامتيازات كافة فقد تنازلت الشركات الأجنبية، في معظمها، عن العقود الممنوحة لها وانسحبت بعد فترة وجيزة لإخفاقها في العثور على النفط.
الحقول البترولية: الاحتياطي والإنتاج
يقدر الاحتياطي النفطي في إسرائيل، سنة 1988، بنحو 1,6 مليون برميل، مع معدل إنتاج يومي في حدود 280 – 300 برميل في اليوم. بينما يبلغ الاحتياطي الغازي نحو 10,2 مليارات قدم مكعب، مع معدل إنتاج مقداره 4,3 – 4,7 ملايين قدم مكعب/اليوم. وتؤلف هذه المصادر البترولية نسبة ضئيلة جداً من الاحتياطي العالمي تقل عن 0,01%. هذا، وقد بلغ مجموع الإنتاج النفطي في إسرائيل حتى نهاية سنة 1987 (باستثناء الكميات التي تم استخراجها من سيناء) نحو 16,6 مليون برميل، وذلك من خمسة حقول رئيسية في النقب الغربي ومنطقة البحر الميت، كما هو موضح أدناه:(12)
- حيلتس: اكتشفت الشركة الحكومية الإسرائيلية لابيدوت هذا الحقل في أيلول/سبتبمر 1955، عن طريق تعميق البئر التي حفرتها شركة نفط العراق سنة 1946، وذلك من مستوى 3465 قدماً إلى مستوى 4900 قدم. ويقع الحقل في منطقة حليقات، شمال شرقي غزة، في رمال طبقة الكريتاسي الأسفل. وتم حفر 18 بئراً في هذا الحقل حتى الآن، ثلاث منها فقط منتجة. ومعدل عمق الآبار في الحقل نحو 5200 قدم، ونوعية النفط 31 درجة. ولقد بلغ مجمل إنتاج هذا الحقل نحو ثلاثة أرباع الإنتاج النفطي الإسرائيلي، لكنه بدأ بالانخفاض السريع منذ أوائل الثمانينات. وبلغ الإنتاج من حقل حيلتس نحو 12,3 مليون برميل، حتى نهاية سنة 1987. أما معدل الإنتاج اليومي فكان نحو 71 برميلاً، سنة 1987.
انتهت رخصة شركة لابيوت في حقل حيلتس، وكذلك في حقل كوخاف المجاور له، بعد مرور ثلاثين عاماً. وتعمل الشركة الآن على تطوير هذين الحقلين من أجل الحصول على موافقة وزارة الطاقة على تمديد الرخصة فترة عشرين عاماً أخرى.
- كوخاف: اكتشفت شركة لابيدوت هذا الحقل أواخر سنة 1962. وهو قريب جداً من حقل حيلتس ومن مكمن شبيه له. وتم حفر 13 بئراً فيه، خمس منها منتجة. ومعدل عمق الآبار نحو 5500 قدم، ونوعية النفط 27,9 درجة. ووصل مجموع الإنتاج في هذا الحقل إلى نحو 4,2 ملايين برميل، حتى نهاية سنة 1987، وكان معدل الإنتاج اليوم نحو 179 برميلاً، سنة 1987.
- اشدود: اكتشفت شركة أويل إكسبلوريشن غروب هذا الحقل النفطي / الغازي سنة 1976. وهو يقع في السهل الساحلي جنوبي تل أبيب. وتم حفر بئرين فقط، كلتاهما تنتج نفطاً بنوعية 32,5 درجة، وبمعدل مقداره 37 برميلاً في اليوم. وبلغ مجموع الإنتاج النفطي هو نحو 142 ألف برميل حتى نهاية سنة 1987. أما الإنتاج الغازي فقد بلغ 185 مليون قدم مكعب حتى نهاية السنة ذاتها.
- زوك تمرور: تم اكتشاف هذا الحقل النفطي، الذي يقع على مسافة 35 ميلاً تقريباً إلى الجنوب الشرقي من بئر السبع، سنة 1980. وبلغ مجموع الإنتاج نحو 8197 برميلاً فقط، حتى نهاية سنة 1987. وكان الإنتاج من عمق 6000 قدم، ونوعية النفط 34 درجة.
- غوريم: تم اكتشاف النفط الثقيل (17 درجة) من هذا الحقل الصغير جداً في شمال النقب سنة 1984 من قبل شركة إيست ميدتيرانيان أويل غروب. وتم الحفر فيه إلى عمق 3280 قدماً. وبلغ مجموع الإنتاج نحو 6950 برميلاً فقط، حتى نهاية سنة 1987. وكان قد قدر الاحتياطي الأولي عند الاكتشاف بحدود مليون برميل، لكن تبين بعد ذلك أن هذا الرقم مبالغ فيه جداً.
أما الحقول الغازية، فهي:
- زوهار / كيدود / حكانايم: تم اكتشاف هذه الحقول الثلاثة في شمال غربي البحر الميت من قبل شركة إسرائيلية – أجنبية مشتركة هي نافطا إسرائيل بتروليوم كوربوريشن، وذلك في الفترة 1958 – 1961.ويقدر الاحتياطي بحدود 6,5 مليارات قدم مكعب، بينما بلغ معدل الإنتاج اليومي نحو 4,5 ملايين قدم مكعب، أوائل الثمانينات. وتوفر هذه الحقول، وبالذات حقل زوهار، الوقود لمصانع البوتاس والفوسفات في شمالي البحر الميت، عن طريق خط أنابيب طوله 29 كلم وبحجم 6 بوصات، والمنطقة الصناعية في شمالي النقب عن طريق خط أنابيب طوله 49 كلم وبحجم 4 – 6 بوصات.
- غونين: وهو حقل غازي ضحل يقع في منطقة الحولة في شمال البلد. ويقدر الاحتياطي في هذا الحقل بحدود 2 مليار قدم مكعب، ومجموع الإنتاج بنحو 2 مليون قدم مكعب حتى نهاية سنة 1987.
- شيكما: هناك بئر واحدة فقط في هذا الحقل، الذي يقع في الناحية الشمالية من قطاع غزة قرب حقل حيلتس. وقد بلغ مجموع الإنتاج نحو 587 مليون قدم مكعب، حتى نهاية سنة 1987.
وبالإضافة إلى هذه الحقول، هناك إنتاج بسيط جداً وغير منتظم من مناطق أخرى. فقد اكتشف حقل نغفا سنة 1960 في السهل الساحلي بالقرب من حيلتس، وبلغ معدل الإنتاج فيه 60 برميلاً في اليوم، لكنه توقف بعد فترة قصيرة. كما تم اكتشاف حقلين غازيين: أماتسياهو (في وادي عربة جنوبي البحر الميت)، وبيري (في السهل الساحلي). ويبلغ معدل الإنتاج من الحقل الأخير نحو 200 ألف قدم مكعب في اليوم من الغاز الطبيعي.
هذا ولم يتم حتى اليوم العثور على البترول في المناطق المغمورة. وقد منحت أول رخصة للاستكشاف سنة 1962، للشركة الكندية بتروكانا المتفرعة من شركة ساناكانا. كما تم منح رخصة أخرى إلى الشركة الأميركية اشر أويل كومباني، التي حفرت في البحر الأبيض المتوسط في المنطقة المواجهة لمدينة حيفا. وجاءت النتائج كلها سلبية. وفي سنة 1966، اشتركت شركة ليفنغستون الأميركية مع بتروكانا في حفر بئر في المناطق المغمورة، لكنها كانت جافة أيضاً. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 1969، حفرت شركة بلكو الأميركية ثلاث آبار جافة قبالة عسقلان ونتانيا وحيفا. وقد انسحبت هذه الشركات بعد النتائج السلبية التي حصلت عليها.
أما فيما يتعلق بالأراضي المصرية خلال السنوات المحتلة 1967 – 1979، فقد بلغ معدل الإنتاج خلال مجمل تلك الفترة نحو 30,000 برميل في اليوم، من حقول أبو رديس وحقل شعب علي (علما) الذي اكتشفته شركة نيبتون. كما تم إنتاج الغاز من حقل سادوت بالقرب من العريش في شمال سيناء سنة 1979، بمقدار 30 – 40 مليون قدم مكعب في اليوم. وقدر الاحتياطي بحدود 35 مليار قدم مكعب. وتم مد خط أنابيب طوله 100 كلم إلى منطقة بئر السبع، لاستخدام الغاز في المصانع هناك. وقد استنزف الإسرائيليون هذا الحقل بأقصى سرعة ممكنة، تحسباً لإعادة تسليم المنطقة إلى مصر، إذ انخفض الإنتاج إلى 2 مليون قدم مكعب في اليوم بعيد انسحابهم أوائل الثمانينات.
الإنتاج البترولي في إسرائيل، 1987
|
1987 |
مجموع الإنتاج حتى 31/12/1987 |
حقول النفط |
(براميل) |
(براميل) |
حيلتس |
26,029 |
12,275,749 |
كوخاف |
65,296 |
4,170,34 |
اشدود |
13,439 |
142,245 |
زوك تمرور |
- |
8197 |
غوريم |
- |
6785 |
المجموع |
104,764 |
16,602,910 |
حقول الغاز |
(مليون قدم مكعب) |
(مليون قدم مكعب) |
زوهار |
1376 |
60,757 |
اشدود |
44 |
185 |
غونين |
- |
2 |
شيكما |
174 |
587 |
المجموع |
1594 |
61,531 |
المصدر:
The American Association of Petroleum Geologists Bulletin, Vol. 72, No. 10B (October 1988), p. 292.
تجربة نفطية فاشلة
شكلت الحكومة الإسرائيلية النواة الرئيسية للتنقيب عن البترول في العقود الأربعة الماضية، وذلك عن طريق دعمها المادي للشركات العاملة في مجالات الاستكشاف والحفر والتنقيب. غير أن النتائج التي تم التوصل إليها كانت سلبية جداً كما أوضحنا سابقاً، ومردود ذلك في المقام الأول يعود إلى طبيعة التضاريس الجيولوجية من جهة، لكن وأيضاً إلى التخبط في سياسات الحكومة والشركات من جهة أخرى. وكانت الكميات التجارية الوحيدة التي تم استغلالها، هي في حقول النفط في سيناء التي استولت إسرائيل عليها خلال حرب 1967.
من أبرز سمات التجربة البترولية الإسرائيلية تفاقم الصراع الإداري، وتضارب المصالح بين المؤسسات الحكومية المختصة، الأمر الذي أدى إلى تراكم المشكلات والإخفاق في حلها، وكذلك استغلال الشركات البترولية لسوق الأسهم المحلية ومحاولة الإثراء السريع من خلالها بدلاً من العمل الجدي والباهظ التكاليف في الحفر والتنقيب.
ومن اللافت للنظر أنه بعد عشرة أعوام من سن قانون البترول، وبعد انسحاب معظم الشركات الأجنبية التي قدمت في الخمسينات، فوض وزير المال (المسؤول في حينه عن البترول)، سنة 1962، إلى الخبير الأميركي لويس فيكس (مسؤول جيولوجي سابق في شركة ستاندرد أويل) تقويم وضع صناعة البترول المحلية. وقد انتقد فيكس في تقريره التنافس العقيم بين الشركات الحكومية المختلفة، والتأخر في تنفيذ المسوحات السيزمية. كما أشار إلى مشكلة المسؤولين التنفيذيين في الجهاز النفطي المعين بحسب ولاءاتهم الحزبية من دون أية معرفة أو خبرة مهنية تذكر في المجال البترولي. وقال فيكس: "يجد معظم المديرين صعوبة في اتخاذ القرارات التقنية بشأن موضوعات ليست لديهم فيها المعرفة المطلوبة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى هدر كبير في الأموال، وبالذات عندما يجري حفر الآبار من دون تحضير دقيق."(13)
وفي سنة 1972، أي بعد عقد آخر من الزمن، حاول وزير المال مرة أخرى معالجة المشكلات المزمنة في صناعة البترول الإسرائيلية؛ فقد أصدر بنحاس سابير، وزير المال الأسبق، قراراً في صيف سنة 1972 يقضي بتغيير شامل لهياكل ونظم المؤسسات الحكومية العاملة في مجالات الاستكشاف والتنقيب والحفر، داعياً إلى تأسيس شركات متخصصة بهذه المجالات. وانتقد سابير بشدة البطالة المقنعة المتفشية في الشركات البترولية الحكومية، وسوء إدارة الحقول – وبالذات حقل حيلتس. كما شدد على وقف هدر الأموال الضخفة التي تصرف لهذه المؤسسات لقاء النتائج السلبية التي تم تحقيقها حتى تلك الفترة (إذ كان قد تم صرف مبلغ 220 مليون ليرة إسرائيلية خلال السنوات 1948 – 1972). وألّف سابير لجنة متخصصة لدراسة الموضوع وتقديم توصيات خلال ستة أشهر، على أن يمنع حفر آبار جديدة إلى حين الموافقة على تقرير اللجنة.(14)
وعلى الرغم من التغييرات الهيكلية التي نفذتها الحكومة، والعمليات البترولية المكثفة التي قامت الشركات بها في الفترة اللاحقة، فقد بقيت الحقائق نفسها لاصقة بالسياسة البترولية الإسرائيلية بعد عقد آخر من الزمن. فقد أشار مراقب حسابات الدولة في تقريره السنوي لسنة 1985 إلى الحقائق التالية عن سياسات التنقيب والحفر خلال الأعوام المالية 1975 – 1983، إذ قال: "تم في ذلك الفترة حفر 131 بئراً، بينها 5 آبار لم يتم فيها التوصل إلى العمق المنشود، و25 بئراً في منطقة شمال سيناء وفي الشريط الصحراوي اللذين لا يعتبران داخل حدود دولة إسرائيل. وبين 111 بئراً الباقية، حفرت 14 بئراً إلى أعمق ضحلة بحيث لم يفسح المجال للاستنتاجات اللازمة في خصوص إمكان وجود البترول. وهناك 70 بئراً حفرت في القطاع الساحلي الأوسط والجنوبي وشمال النقب. وتم حفر عدد قليل جداً من الآبار في طبقات جيولوجية قديمة. وهناك مناطق جيولوجية في الجليل وهضبة الجولان وخليج حيفا ويهودا والسامرة والبحر المتوسط، التي لم تحفر فيها أية بئر..."(15) وينحو مراقب حسابات الدولة الملامة، مرة أخرى، إلى غياب سياسة موحدة للتنقيب عن النفط، وانعدام التنسيق بين هيئات المسح الزلزالي والفرق الجيولوجية، وكذلك إلى الفساد الذي عم شركات الحفر وبالذات في تفرة الركود الاقتصادي خلال أوائل الثمانينات، كانت طواقم الحفر تعمل من دون إنجاز مهماتها، وتمضي الوقت فقط للحصول على العلااوات والساعات الإضافية وتعويضات العمل الليلي.
كان هناك اهتمام ملحوظ باستكشاف النفط في النصف الثاني من السبعينات، وذلك مع ارتفاع أسعار النفط الخام عالمياً، ومع ازدياد الشعور بإمكان عودة حقول سيناء إلى مصر. ثم ارتفعت المخصصات المالية للتنقيب من 100 مليون ليرة إسرائيلية سنة 1975 إلى 800 مليون ليرة سنة 1979؛ هذا على الرغم من التقليص الواسع النطاق في بقية ميزانيات الدولة خلال تلك الفترة. وما زاد في مخاوف السلطات الإسرائيلية، في حينه، توقف إمدادات النفط الإيراني بعد عزل الشاه. وقد عزا مسؤول في وزارة الطاقة هذا الاهتمام الواضح بالقطاع النفطي إلى "أن أعمال التنقيب عن النفط تنطوي على أهمية قومية إزاء خلفية التوقعات القائمة على صعيد توفر النفط خلال السنوات المقبلة."(16)
وتشير أرقام الميزانيات إلى أنه أُنفق 250 مليون دولار على التنقيب عن النفط خلال الفترة 1975 – 1984، كانت 95 مليون دولار منها مخصصة من ميزانية الدولة السنوية، بينما استثمرت شركة النفط الوطنية 55 مليون دولار – اقتطع معظمها من الأرباح التي حققتها من إنتاج نفط سيناء. وتم استثمار 100 مليون دولار من قبل الشركات الخاصة المحلية والأجنبية. وفي مجال النفقات، تم في الفترة نفسها إنفاق 62 مليون دولار على المسوحات والدراسات الجيوفيزيائية، و 88 مليون دولار على عمليات الحفر.
لكن، بعد أن استطاعت إسرائيل تأمين حاجاتها مجدداً من النفط الخام والمنتوجات البترولية، أوائل الثمانينات، وبعد تغير أوضاع الصناعة النفطية بحيث أصبحت سوق مشترين بدلاً من سوق بائعين، انخفض الاهتمام مرة أخرى بالاستكشاف والتنقيب. ففي سنة 1982، تقلصت ميزانية التنقيب إلى النصف تقريباً: من 56 مليون دولار سنة 1981 إلى 32 مليون دولار، لتنخفض إلى نحو 12 مليون دولار سنة 1984.(17)
ولم تكن مساهمة الشركات العاملة أوفر حظاً من المؤسسات الحكومية. فقد حاولت هذه الشركات، العامة منها والخاصة، استقطاب أموال أجنبية وبالذات أميركية، إما من خلال طرح أسهمها في بورصة نيويورك وإما عن طريق مساهمات مباشرة وحصص معينة في امتيازات وحقول محددة. وتم لهذا الغرض تأسيس "صندوق تنقيب" تقوم هيئات مالية مختصة في الولايات المتحدة بإصدار سندات أميركية للمساهمة فيه. وعند شراء الأسهم في هذا الصندوق، يصبح المستثمر الأميركي مساهماً في أحد الامتيازات أو الحقول. وإذا ما تم اكتشاف النفط فإن المساهم الأميركي، مع الشريك الإسرائيلي، يحقق ربحاً مساوياً لنسبة المساهمة. ومما شجع بعض المساهمين الأجانب على المشاركة أن الحكومة تقدم منحة أو قرضاً مجمداً مقداره 44,34 سنتاً على كل دولار يتم إنفاقه. ولا تتم إعادة هذا القرض إلى خزانة الدولة إلا في حالة اكتشاف النفط. لكن، على الرغم من هذه الإغراءات فإن الشركات الإسرائيلية لم تستطع استقطاب اهتمام المؤسسات المالية الأميركية الكبرى، أو جمع الأموال الضخمة. كما لم تستطع المحافظة على المساهمين الذين وافقوا على المشاركة، إذ أن معظمهم ينسحب بعد فترة قصيرة. والسبب في ذلك يعود، أساساً، إلى التجربة الفاشلة طوال العقود الماضية في العثور على النفط، بالإضافة إلى سوء إدارة الشركات المحلية نفسها وتجاربها المرة.(18)
ومن الجدير بالذكر أن العديد من الشركات البترولية الإسرائيلية حقق أرباحاً ضخمة في السبعينات والثمانينات، لكن في سوق الأسهم المحلية لا في الصناعة النفطية. وقامت شركات ارتفعت أسهمها بصورة خيالية، مع بقية أسهم الشركات البترولية المحلية، على الرغم من أنها لم تملك حتى حق الترخيص للتنقيب عن البترول – مثل شركة ستير أويل. وقامت الصحف المحلية والشائعات في السوق بدور كبير في نشر الأخبار المغلوط في عن "اكتشاف دلائل على وجود النفط بكميات تجارية"، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسهم الشركات البترولية ليكتشف جمهور المساهمين، بعد فترة وجيزة، أن هذه الأخبار عارية عن الصحة أو أنها مبالغ فيها إلى درجة أن لا معنى لها اقتصادياً. وقد أوردت الإذاعة الإسرائيلية سنة 1986، في سياق برنامج مخصص لهذا الموضوع، أمثلة لبعض هذه الحوادث، فذكرت الأخبار التالية على سبيل المثال لا الحصر:(19)
- 9/6/1970: تم العثور على نفط في بئر حفرتها شكة نفطا في غوريم 3.
- 30/5/1974: تم العثور على دلائل وجود نفط بالقرب من الشواطىء الإسرائيلية.
- 1/12/1975: تم العثور على الدلائل الأولى على وجود نفط في يورام 1.
- 2/12/1975: تبين أن النفط في يورام 1 نفط ثقيل، وغير قابل للإنتاج التجاري.
- 22/7/1978: عثر على دلائل مشجعة في إحدى الأبار في منطقة غان يفنيه.
- 5/6/1979: تفجر نفط صاف من البئر اشدود 5.
- 20/6/1979: لم يعثر في اشدود 5 سوى على مياه مالحة.
- 18/5/1980: قال الخبراء إنه يوجد احتياطي نفطي في منطقة سدوم.
- 15/2/1981: عثر على دلائل نفط في بئر غاعاش.
- 19/4/1983: عثر على دلائل نفط في زوك تمرور 2.
- 25/12/1983: عثر على نفط بنوعية جيدة في بئر كرمون 3.
- 26/12/1983: لم يتضح بعد ما إذا كان يوجد فعلاً نفط بكميات تجارية في كرمون.
وخير مثال لهذا النمط من الأعمال التي قامت الشركات البترولية الإسرائيلية بها هو تجربة شركة سيسميكا، أوائل الثمانينات، التي قيل في حينه أن مشروعها هو "الأكثر طموحاً في تاريخ التنقيب عن النفط في إسرائيل."(20)
أسس الشركة، أوائل سنة 1982، كل من الصناعي أبراهام شافيك والمستثمر اليهودي من البيرو أدام بولك. والهدف من التأسيس جمع 50 مليون دولار للتنقيب عن النفط في منطقة البحر الميت. وأعلن المدير العام للشركة، يوسي لنغوتسكي، في تصريح أدلى به إلى صحيفة "دافار" في شباط/ فبراير 1984، أن الشركة قد حصلت على التزامات محلية وخارجية بحدود 20 مليون دولار، وأنها في صدد جمع المبالغ المتبقية لحفر 8 – 10 آبار على عمق 2500 – 5000 متر في امتياز مساحته 400,000 دونم في منطقة البحر الميت.(21) وادعى لنغوتسكي، في المقابلة نفسها، "أن الأبحاث التي أُجريت تشير إلى أن مصدر الزفت والنفط اللذين اكتشفا في المنطقة هو الزيت الصخري الذي يشكل الصخر الرئيسي لتراكم النفط في المنطقة. وتؤكد هذه الأعمال أن الزيت الصخري الموجود على عمق 2000 متر هو المصدر الملائم لاستخراج النفط. ويعتقد الخبراء أن كل الزيت الصخري الموجود على عمق 5000 متر، منذ مليون سنة وحتى ثلاثة ملايين سنة، يعطي النفط الخفيف." وطبعاً لم يوضح لنغوتسكي، في هذا التصريح الغريب، من هم الخبراء الذين استشهد بهم، وما هي مصادر الأبحاث التي استند إليها في كلامه، وأين هو النفط الذي اكتشف في هذه المنطقة!
غير أنه من الواضح أن التصريحات المتفائلة هذه أدت إلى تحسين أوضاع الشركة تحسيناً ملحوظاً، خلال سنتي 1984 و1985. فقد ارتفعت قيمة أسهمها خلال هذه الفترة نحو 290% عن القيمة الاسمية عند التأسيس، وذلك قبل الحفر أو حتى بعد حفر بئر جافة. كما استفادت أسهم الشركات البترولية الأخرى من جو التفاؤل المفرط. وقد أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في شباط/ فبراير 1985، إلى هذه الظاهرة بقولها: "إن المتتبع للارتفاع الكبير الذي حدث في الأسابيع الأخيرة في أسهم النفط في البورصة، يعتقد أنه تم مؤخراً اكتشاف حقول مليئة وغنية بالنفط في إسرائيل، أو على الأقل أن هناك دلائل مشجعة على ذلك."(22) وما ساعد أيضاً، في تلك الفترة بالذات، على إضفاء صبغة من المصداقية على جو التفاؤل هذا هو إعلان أرماند هامر نيته الاستثمار في التنقيب عن البترول في إسرائيل.
أصيب المساهمون الإسرائيليون الذين اشتروا أسهم الشركة في البورصة بصدمة حادة، عندما سحبت وزارة الطاقة رخصة سيسميكا للتنقيب عن النفط في مطلع كانون الأول/ ديسمبر 1985، نتيجة عدم التزامها الجدول الزمني لتنفيذ برنامج الحفر المتفق عليه، على الرغم من تمديد المهلة لها عدة مرات. ولم تحفر الشركة سوى بئر هار – سدوم، وكانت جافة. أما المبالغ الفعلية التي استطاعت تجميعها فهي 4,7 ملايين دولار من بورصة تل أبيب، و 2 مليون دولار من أدام بولك، ومليون دولار من مستثمرين أميركيين. وفي 25 كانون الأول/ ديسمبر 1985، قرر مجلس إدارة الشركة رفع توصية إلى الجمعية العمومية بحل الشركة.(23)
قام الدين بدوره أيضاً في محاولة العثور على النفط في إسرائيل. فقد ظهرت بدعة جديدة، أوائل الثمانينات، من قبل الأصوليين المسيحيين الأميركيين الذين استشهدوا ببعض الجمل والفقرات في العهد القديم، للتدليل على وجود النفط في الأراضي المقدسة. وكبقية التجارب المماثلة، استفاد بعض الرجال الذين يتاجرون بالدين من هذه العمليات. فعلى سبيل المثال، استطاع بات روبرتس، وهو المضيف للبرنامج المتلفز "نادي 700" في شبكة الإذاعة التلفزيونية الدينية في الولايات المتحدة، أن يجمع ملايين الدولارات من المساهمين الأميركيين الصغار في سنة 1938، بحجة "الدلائل الثبوتية" في الكتب المقدسة. وفعلاً، فقد تم حفر بئر اشر – عتليت رقم 1 على عمق 21,428 قدماً قرب جبل الكرمل، لكنها كانت جافة. وبلغت تكلفة العملية 13 مليون دولار. وتم اختيار المنطقة الجغرافية هذه بالذات لأنها المكان الذي أنزل فيه النبي إلياهو ناراً من السماء على الأنبياء الكذبة في أثناء صراعه معهم.(24) وهناك أيضاً شركة فورد أويل، المسجلة في ولاية يوتا، التي أعلنت أنها ستساهم مع شركة إسرائيلية في البحث عن النفط في مكان آخر أُشير إليه في العهد القديم. واستطاعت هذه الشركة، التي لم تملك أصولاً رأسمالية تذكر أو خبرة بترولية، أن ترفع قيمة أسهمها 20 مرة خلال فترة قصيرة. وتم جمع مبالغ هائلة، لكن لم تنجز أية أعمال بترولية.(25)
انتقلت مسؤولية السياسة النفطية في إسرائيل من وزارة التخطيط في الخمسينات، إلى وزارة المال في الستينات وأوائل السبعينات، وإلى وزارة الطاقة منذ منتصف السبعينات. واستلمت مسؤولية تنفيذ السياسة البترولية شركة النفط الإسرائيلية (حانال) التي أنشئت سنة 1958، وأُنيط بها مهمات الأبحاث السيزمية والجيولوجية في المناطق اليابسة والمغمورة، والتنقيب، واستكمال إجراء تقويم الاحتياطي للبلد، واستقطاب الاستثمارات المحلية والدولية، وتنسيق النشاط مع الشركات الحكومية الأخرى. وتفرعت من حانال شركة الاستثمار للتنقيب النفطي المحدودة – وهي الشركة المسؤولة مسؤولية مباشرة عن عمليات المسح السيزمي والجيولوجي والحفر والتنقيب. وهناك أيضاً الشركة الإسرائيلية للتنقيب عن النفط (لابيدوت) التي تأسست سنة 1952 – وهي الشركة المقاولة الرئيسية لتنفيذ حفر آبار النفط والغاز، وتعمل مقاولاً للشركة الوطنية والشركات الخاصة، كما توفر المعدات اللازمة في مجال الخدمات البترولية. وهناك شركة نفطا، التابعة لشركة لابيدوت، وهي متخصصة بالحفر والتنقيب عن الغاز، وكذلك معهد الجيوفيزياء وأبحاث البترول المسؤول عن الأبحاث الجيوفيزيائية وتحليل المسوحات.
كانت جميع هذه المؤسسات، وحتى سنة 1979، مؤسسات متفرعة من حانال لكنها مستقلة في إدارتها وميزانيتها، ويتم التنسيق بينها عن طريق الوزارة المعنية. ومنذ تلك السنة، أصبحت هذه المؤسسات تمول مباشرة من قبل شركة حانال، التي تحصل على جزء من أموالها من ميزانية الدولة العامة، والجزء الآخر من بيع الوقود والمعدات والخدمات الفنية.
وفي خريف سنة 1984، وبناء على تقرير رفعه المستشار النفطي ألفرد روزينزفايغ إلى وزير الطاقة، موشيه شاحل، تم مرة أخرى تجميد جميع العمليات البترولية الحكومية مدة عامين، إلى حين تنفيذ مراجعة شاملة للمسوحات والبحوث السابقة، وكذلك دراسة بيانات الحفر وإعادة تحليلها وتقويمها. ولم تقم الحكومة، خلال هذه الفترة، إلا ببعض أعمال الحفر التجريبي بقيمة 10 ملايين دولار، وموّلت الشركات الخاصة باقي أعمال الحفر.(26)
كما تمت إعادة هيكلة التنظيم الإداري. فقد أُنيطت جميع مهمات الحفر والتنقيب في القطاع العام بشركة التنقيب النفطي، بينما تخصصت حانال بالاتصال بالشركات الأجنبية والمستثمرين الأفراد. وفي آب/ أغسطس 1989، تم دمج خمس مؤسسات حكومية أخرى تحت مظلة شركة التنقيب النفطي، وخُصصت لها ميزانية سنوية بحدود 12 مليون دولار.
ومما ساعد الحكومة في اتخاذ هذه الإجراءات الانكماشية، انخفاض أسعار النفط منذ أوائل الثمانينات، وغياب الضرورة الملحة لتأمين إمدادات النفط الخام نظراً إلى وفرته. ومن جهة أخرى، نجحت إسرائيل أول مرة في كسر الطوق المضروب حولها واستقطاب مؤسسة أو شخصية دولية نفطية مرموقة. وكان أول من وافق على التعاون معها أرماند هامر، رئيس شركة أوكسيدنتال. ومن خلال استقطاب هامر – الذي لدى شركته مصالح نفطية مباشرة في خمس دول عربية، ونتيجة اتفاق كامب ديفيد وتغير الأوضاع السياسية في المنطقة – استطاعت إسرائيل توفير البرهان الأول للصناعة النفطية الدولية على أن العمل في إسرائيل، وحتى في أعمال الحفر والتنقيب، لن يعني منذ الآن فصاعداً تنفيذ بنود المقاطعة على الشركات العاملة عندها.
استفادت إسرائيل من وضع هامر المميز؛ فهو مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة أوكسيدنتال، وصاحب أقلية من الأسهم فيها. وهو يهودي الديانة ومعروف عالمياً، وله علائق واسعة تمتد عبر الشرق والغرب. ومن الواضح أن شركة أوكسيدنتال نفسها لم تشارك في أية عملية في إسرائيل، وبالتالي لم تخالف أياً من قوانين المقاطعة. غير أن مجرد مشاركة شخصية مثل هامر، ذي السمعة الدولية والباع الطويل في الحقل النفطي، حققت أحد الأهداف المرجوة من العملية، وهو إعطاء الانطباع بأن من الممكن لمؤسسات نفطية معروفة أن تساهم في العمل في كل من إسرائيل والأقطار العربية في آن.
هامر: محاولة لاجتذاب شركات البترول الدولية
أدى وصول أرماند هامر إلى إسرائيل والتزامه اكتشاف النفط هناك، إلى بعث الحياة مرة أخرى في الصناعة البترولية الإسرائيلية، بعد سلسلة الإخفاقات التي كادت تفقدها الأمل بالعثور على النفط في أراضيها. ومرد هذا التفاؤل سمعة هامر العالمية الواسعة النطاق، وتجاربه الناجحة في مجال البترول.
وقد صاحب مجيء هامر تنفيذ سياسة بترولية جديدة، قام برسمها وتنفيذها وزير الطاقة موشيه شاحل منذ سنة 1985. فبعد إيقاف الدعم الحكومي للشركات المحلية للححفر، أمر شاحل بإجراء مراجعة شاملة للمسوحات الجذبية والمغناطيسية والزلزالية السابقة. واستمرت هذه الدراسة ثلاثة أعوام، تقرر في إثرها أن هناك ثلاث مناطق واعدة ذات تراكيب تدل على وجود النفط فيها: منطقة حيلتس، ومنطقة البحر الميت، والمنطقة المحاذية للجرف القاري.(27) وتم اتخاذ القرار بتركيز الحفر والتنقيب في هذه الأماكن فقط خلال المرحلة المقبلة. وتبع ذلك خطوة ثانية في الاتصال بمسؤولي قسم الاستثمارات الدولية في بنك فرست بوسطن، وهو من المصارف المرموقة في الولايات المتحدة، ووعدت وزارة الطاقة أن تزودهم بنتائج دراساتها ومراجعاتها عن المسوحات السابقة، لقاء تعاون المصرف معها على ترغيب شركات بترولية ذات خبرة في القدوم إلى إسرائيل. ثم أعلن شامل في آذار/مارس 1986، أن الحكومة ستغير طريقة تعاملها مع الشركات، إذ ستمنح هذه الشركات مساحات واسعة للتنقيب، كما ستزودها مجاناً بالخرائط والدراسات المسحية، لكنها لن تمنح الشركات المحلية مساعدات للحفر كما كان الحال في الماضي.(28) أما فيما عنى الشركات الأجنبية، فقد أولاها شاحل الاهتمام الأوسع وعمل، منذ سنة 1986، على منحها المزيد من الإعفاءات الضريبية، وعلى تأجيل دفع القروض المستحقة عليها للدولة، ووفر لها المعلومات الجيولوجية والجيوفيزيائية مجاناً. هذا، بالإضافة إلى استمرار دعمها مالياً كما كان الوضع سابقاً.(29) وفعلاً نجح شاحل، خلال النصف الثاني من الثمانينات، في استقطاب شركات أجنبية ورؤوس أموال محلية ودولية للاستثمار في المناطق الثلاث التي حددتها الدراسات. لكن – ومرة أخرى – من دون أي اكتشاف نفطي حتى الآن.
بدأت المفاوضات مع أرماند هامر أواخر سنة 1984. ومنذ البداية، أحاط الغموض بهذه الاتصالات. فقد تم التشديد، في حينه، على أن الاستثمار المنشود عمل فردي لهامر، ولا مشاركة البتة لشركة أوكسيدنتال فيه. وذكرت صحيفة "هآرتس"، في حينه، أن "اسم الشركة الضفخمة كان يرفرف بظله على المفاوضات." وتساءلت: "إلى أي حد يعتبر أرماند هامر مشاركاً فعلياً في مشروع التنقيب في النقب؟ ليست هناك أية وثيقة رسمية تذكر اسمه. ولا ذكر لاسم أوكسيدنتال، حتى في الأحاديث الجانبية... وفي تسريب مقصود، ذُكر أن هامر سيستثمر مليون دولار من جيبه الخاص، وأنه سيحرص على تجميع تسعة ملايين دولار أخرى. فهل هذا صحيح؟ لا تأكيد لذلك، ولا تكذيب له."(30)
تم التوقيع مع المستثمرين الجدد في لوس أنجلس بتاريخ 12 حزيران/ يونيو 1985. ويُلزم الاتفاق شركة اسرامكو الأميركية بإنفاق نحو 20 مليون دولار خلال ثلاثة أعوام، وحفر بئرين ف منطقتي النقب والبحر الميت. وتساعد الحكومة بقرض مؤجل بمقدار 44,34 سنتاً لكل دولار يتم إنفاقه، وتعطى المساعدة الحكومةي هذه وفق التقدم في برنامج الحفر. وتبلغ حصة المساهمين الأجانب 58% من رأس مال المشروع (لم يذكر سوى اسم هامر علناً، أما الأسماء الأخرى فقد بقيت غير معلنة)، و 25% مساهمة حكومية، و 17% مساهمة شركات محلية (ديليك، ويوال، ونفطا، وإيموج). وفي حال اكتشاف النفط، تحصل الحكومة على حصتها من الأرباح وفق نسبة استثماراتها. هذا، بالإضافة إلى العائدات التي سيحصل عليها كل من المعهد الجيولوجي وشركة لابيدوت، نظراً إلى الخدمات التي سيقدمانها للشركة الجديدة.(31)
بدأ هامر مشروعه الجديد على مرحتلين، كانت الأولى لاكتشاف النفط في صحراء النقب. بدأت شركة اسرامكو حفر البئر الأولى أغورا – 1 في الأسبوع الأول من سنة 1987، وأوقفت الحفر في تموز/ يوليو على عمق 12,831 قدماً، بعد أن اكتشفت أنها جافة. وبلغت تكلفة المسوحات والفحوصات والدراسات والحفر نحو 13 مليون دولار. أما البئر الثانية، إيفي – 1، فقد تم حفرها ما بين آب/أغسطس وتشرين الأول/أكتوبر 1987، على بعد 7 أميال تقريباً من ديمونا شرقاً بجانب منطقة أراد/زوهار الغازية قرب البحر الميت. وتوقف الحفر عند عمق 5900 قدم، إذ تبين أن هذه البئر جافة أيضاً.
لم يفقد هامر الأمل بالعثور على النفط، على الرغم من البئرين الجافتين اللتين تم حفرهما. فقد أعلن، منتصف سنة 1988، أنه سينفق خلال الأعوام الثلاثة المقبلة مبلغ 25 مليون دولار آخر في محاولة اكتشاف النفط، وهذه المرة في المناطق المغمورة. وأعلن في مؤتمر صحافي في تل أبيب: "نعتقد أن لدينا حظاً جيداً في العثور على ما نحن بصدده، لأننا سنحفر إلى عمق لم تصل إليه هنا أية شركة أخرى. لقد وجدنا تركيباً نعتقد أنه يحتوي على نحو 200 مليون برميل من النفط."(32) ونقل مندوب صحيفة "لوس أنجلس تايمز"، الذي كان حاضراً المؤتمر الصحافي هذا، عن هامر قوله: "أنا مصمم على إيجاد النفط لإسرائيل. أعتقد أن الله أوجد النفط في العالم، ولم يقصد حجبه عن إسرائيل وإعطاءه كله إلى العرب."(33)
تم البدء بالمرحلة الثانية عند تأسيس مجموعة بقيادة اسرامكو، وبالشراكة مع الشركات الإسرائيلية: جيروزالم أويل آنذ غاز، ديليدك أويل إسكبلوريشن، ديليدك أويل ماركيتنغ، إيست ميدتيرانيان أويل آنذ غاز (صاحية امتياز في المناطق المغمورة تم استعماله لهذا المشروع). وبلغت مساحة المنطقة 4050 كلم مربع. وتم حفر بئر يام – 1 على بعد 10 أميال من أشدود غرباً، وعلى عمق 17,000 قدم. وهي أول بئر تحفر بمحاذاة الجرف القاري الإسرائيلي. لكن الشركة اضطرت إلى وقف أعمالها بسبب وقوع حادث في أثناء الحفر أدى إلى تسرب المياه إلى الحفارة في حزيران/يونيو 1989. وبلغت تكاليف هذه المرحلة نحو 20 مليون دولار أيضاً. ولم يعلن حتى الآن ما هي مشاريع هامر المستقبلية في إسرائيل.
تحاول وزارة الطاقة اجتذاب مستثمرين آخرين إلى جانب هامر. ففي 20 تشرين الأول/ أكتوبر 1989، أعلنت شركة النفط الوطنية أنها ستطرح قريباً مناقصة دولية لحفر 8 آبار في منطقة البحر الميت، بتكلفة 30 مليون دولار. ودعت الشركات الأجنبية إلى تقديم العطاءات. وكانت شركة المار الدولية للاستثمار قد أعلنت قبل ذلك أنها، بالاتفاق مع مساهمين سويسريين، أسست شركة تومسون أويل (إسرائيل) للعمل في هذا المشروع. كما كانت شركة نفطا بتروليم قد أعلنت في شباط/فبراير 1989 أنها، وبالتعاون مع شركات إسرائيلية أخرى، مهتمة بالمساهمة في هذا المشروع. ولا يتوقع أن يبدأ الحفر قبل سنة 1990.(34)
ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان هامر سيحاول الاستمرار في التنقيب في إسرائيل أم لا، وذلك بعد تجاربه الفاشلة هناك. غير أنه من الواضح أن إسرائيل قد حققت مكسباً كبيراً ستحاول استثماره مستقبلاً، وهو أن الشركات النفطية المهمة تستطيع أن تعمل عندها من دون الخوف من عقوبات اقتصادية قد تفرضها الدول العربية. فقد ذكر شاحل، أمام مؤتمر الجمعية الجيولوجية الإسرائيلية في القدس، في شباط/ فبراير 1989، أن مشاركة هامر في الاستكشاف والتنقيب "أثبتت أن في إمكان الشركات البترولية أن تنقب عن النفط في كل من إسرائيل والأقطار العربية."(35)
إن قدوم الشركات الأجنبية لا يعني، بحد ذاته، أن إسرائيل ستعثر على النفط. فهذا الأمر يعتمد، أولاً وأخيراً، على التضاريس الجيولوجية والدراسات العلمية للمسوحات واقتصاديات المشروع، وعلى الحظ إلى حد ما. غير أن استقطاب الشركات متوسطة الحجم، ولربما الكبيرة، قد يساعد بالتدريج في ازدياد الفرص والإمكانات للعثور على النفط، نظراً إلى الخبرة العلمية الواسعة والإمكانات المالية الضخمة لهذه الشركات. هذا، طبعاً، إذا كان النفط متوفراً في الأصل، وبكمية تجارية. ومن الواضح أن إسرائيل لن تكف عن محاولاتها البحث عن النفط. فعلى الرغم من السياسات الدؤوبة لإحلال الفحم بديلاً من الفيول في محطات الكهرباء، فسيبقى النفط مصدراً أساسياً للطاقة في إسرائيل طوال العقد المقبل. وتشير الدراسات الأخيرة إلى أن النفط سيشكل ما لا يقل عن 65% من حاجات الطاقة في البلد خلال التسعينات.(36) وإذا أُخذت في الاعتبار التطورات الحديثة في سوق النفط العالمية، وتحول السوق مرة أخرى إلى سوق بائعين بدلاً من سوق مشترين، كما كان الأمر أوائل الثمانينات، فهذا يعني ارتفاعاً تدريجياً في الأسعار وشحّاً ممكناً في الإمدادات، وهو ما تتخوف إسرائيل منه دائماً ووتحاول الالتفاف حوله.
المصادر:
(1) تم استيفاء هذه المعلومات من المصادر التالية:
Max W. Ball and Douglas Ball, “Oil Prospects of Israel,” Economic News, Petroleum Industry in Israel, Vol. 5, Nos. 7-8, 1953, pp. 19-20.
د. عاطف سليمان، "إسرائيل والنفط" (بيروت: منظمة التحرير الفلسطينية – مركز الأبحاث، 1968)، ص 13 – 23؛ منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، إدارة مصادر الطاقة، "التنقيب عن البترول في الوطن العربي" (الكويت، 1985)، ص 61-67.
(2) M. Ball and D. Ball. Op.cit., p. 20;
عاطف سليمان، مصدر سبق ذكره، ص 17 – 26.
(3) المصدر نفسه، ص 37.
(4) المصدر نفسه، ص 38 – 41.
(5) World Energy Conference, Israel Nation Committee, “National Energy Data Profile,” Israel 14th W.E.C. Congress, 1989.
(6) Joshua Jacobson, “Israel’s Oil Challenge,” The Israel Economist, May 1981.
(7) Israel, Central Bureau of Statistics, Statistical Abstract of Israel, 1988, No. 39 (Jerusalem, 1988), p. 242.
(8) “Israel’s National Energy Program,” The Israel Economist, October 1986.
(9) “Oil and Gas Prospects of Israel,” The Israel Yearbook 1983 (Jerusalem, 1984), p. 191.
(10) Jerusalem Post International Edition, November 6-12, 1983.
(11) M. D. Schlosbery and L. Kuesnsthu, “The Israel Petroleum Law, 5712-1952, and Petroleum Regulations, 5713-1953,” in Economic News, Petroleum Industry in Israel, Vol. 5, Nos. 7-8, 1953, pp. 49-52 and 75-108; Joshua Jacobson, op.cit., p. 14;
عاطف سليمان، مصدر سبق ذكره، ص 58 – 59.
(12) De Golyer and Mac Naughton, Twentieth Century Petroleum Statistics 1985; E.N. Tiratsox, Oilfields of the World, Third Edition (Beaconsfield, England: Scientific Press, 1984), p. 170; Oil and Gas Journal, December 26, 1988, p. 71; and, December 28, 1987, p. 60; Z. R. Beydoun, The Middle East: Regional Geology and Petroleum Resources (Beaconsfield, England: Scientific Press, 1988), pp. 182-184; Amos Bein and Zvi Sofar, “Origin of Oils in Helez Region, Israel, Implications for Exploration in the Eastern Mediterranean,” The American Association of Petroleum Geology Bulletin, January 1987, pp. 65-75; L. Syrkin, “Natural Gas Resources of the Arad Region,” The Israel Economist, May 1966; The Israel Economist, December 1970.
(13) "هآرتس"، 19/4/1985.
(14) The Israel Economist, August 1972.
(15) "هآرتس"، 19/4/1985.
(16) "معاريف"، 12/12/1979؛
The Israel Economist, August-September 1975.
(17) Platt’s Oilgram News, April 7, 1982; The Israel Economist, March 1985;
"النشرة الاستراتيجية"، 25/7/1985.
(18) The Israel Economist, March 1969; Platt’s Oilgram News, February 11, 1982.
(19) "السفير"، 5/4/1986 – نقلاً عن الإذاعة الإسرائيلية في 9/2/1986.
(20) "معاريف"، 26/12/1985.
(21) "دافار"، 13/2/1984.
(22) "يديعوت أحرونوت"، 26/2/1985.
(23) "معاريف"، 26/12/1985؛
Petroleum Economist, February 1986.
(24) The Wall Street Journal, August 22, 1985.
(25) The Associated Press (AP), September 10, 1984.
(26) The Jerusalem Post, December 22, 1984; The Israel Economist, March 1985;
"عال همشمار"، 6/12/1984.
(27) Platt’s Oilgram News, October 25, 1988.
(28) Ibid., March 27, 1987.
(29) Israel Energy News, April 1986.
(30) "هآرتس"، 19/4/1985.
(31) المصدر نفسه، 13/6/1985؛ "عال همشمار"، 9/7/1985.
(32) Reuters, July 11, 1988.
(33)The Los Angeles Times, July 13, 1988.
(34) Platt’s Oilgram News, February 1, 1988; Ibid., May 15, 1989.
(35) Ibid., February 16, 1989.
(36) The Petroleum Economist, July 1988.