قبل الدخول في الموضوع، أود الإشارة إلى أن هذا البحث لا يتجاوز كونه كشفاً للوضع وتشخيصاً له. وبكلمة أخرى، لم أحاول وضع ترسمية بديلة من عمل اقتصاد المناطق المحتلة. كما أن ما ورد فيه من فلسفات اقتصادية لا يعني أنني أتبناها، وإنما يعني أنني أورد ما هو موجود موضوعياً.
وفي ضوء وقوع الضفة الغربية وقطاع غزة الاحتلال الإسرائيلي، وعدم وجود سلطة وطنية، فإنه يمكننا تقسيم المؤسسات الاقتصادية، على أساس الملكية في هذه المناطق، إلى: مؤسسات خاصة سيان كانت على شكل ملكية فردية أو شركات، وملكية اجتماعية كالجمعيات التعاونية والمؤسسات الخيرية.
كما يتضح أثر غياب السلطة الوطنية في هذه المناطق على صعيد مهم آخر، هو "التمويل الاستثماري"، حيث المساهمة الأساسية هي للاستثمار الفردي. أما نطاق الأداء الاقتصادي للمؤسسات الاقتصادية الوطنية في هذه المناطق، فيتخذ الأشكال: الانتاجية، والخدماتية، والصدقاتية.
وعلى الرغم من اعتماد البحث للتصنيف الوارد أعلاه، فإن المعالجة لن تتقيد تماماً بحرفيات التصنيف. فالأ‘مال الخيرية والصدقاتية ليست تلك القطاعات أو الأنشطة المهمة في اقتصاد المناطق المحتلة، ناهيك بأنها أعمال لا تخلق قيماً اقتصادية بالمفهوم الإنتاجي، بل تقوم بعملية توزيع وإعادة هامش معين من فائض الخيرات المادية التي قد لا يكون النقد المتوفر لشرائها من الفائض النقدي المحلي، أي ربما كان من الهبات الآتية من الخارج.
بمعنى آخر، فإن تناولنا للمؤسسات الاقتصادية المحلية سوف يركز على الأداء الاقتصادي "الإنتاجي" في هذه المناطق، وعلى مصادر خلق وإقامة هذا الأداء، "التمويل والاستثمار"، علّه يساهم في توضيح وتسهيل ترسيمة اقتصادية تنموية لهذه المناطق.
هذا الأمر يتطلب توضيح المقصود بالمؤسسة الاقتصادية الوطنية. وهنا نجد أمامنا إشكالية أكثر تعقيداً مما هي عليه في وضع الدولة المستقلة، بغض النظر عن طبيعة نظامها الاقتصادي "اشتراكي أو رأسمالي"، وعن مستوى تطور بنيتها الاقتصادية "رأسمالية متقدمة، رأسمالية حديثة التصنيع، رأسمالية أقل تطوراً، رأسمالية محيطية، أو اشتراكية مصنعة." ففي مختلف النظم الاقتصادية الواردة أعلاه، نجد العديد من التداخلات الاقتصادية حيث توجد استثمارات لدولة في دولة/ دول أخرى، فهل يمكننا القول إن فرع شركة جنرال موتورز في مصر هو "مؤسسة وطنية مصرية"، أم مؤسسة أميركية؟ ويزداد الأمر تعقيداً إذا أخذنا في الاعتبار الشركات متعددة الجنسية، وعابرة القارات.
والإشكالية في وضعنا هي أن الكثير من المؤسسات الاقتصادية الناجحة في المناطق المحتلة، هي مجرد تعاقدات من الباطن،(1) مع رأس المال الإسرائيلي. فهل هذه مؤسسات وطنية؟ أو لتسهيل المعالجة: هل هذه مؤسسات محلية؟
ولتسهيل الرد على الأمر أيضاً، نود معالجة هذه الظاهرة لا على أساس فردية كل مؤسسة، وإنما كظاهرة في الاقتصاد الوطني، وذلك لأن هناك الكثير من المؤسسات التي نجحت بمفردها، في حين تضعضع في المقابل – وربما بالنتيجة – الاقتصاد الوطني، أو المحلي إنْ شئت.
أما تعاطي هذا الأمر، فأرى أن يكون على النحو التالي: إن رأس المال يتجاوز، في مجرى تحقيقه لطبيعته الباحثة عن الربح، الحدود السياسية والخلافات القومية، مما يجعل تحديد هويته "القومية" أمراً شديد الصعوبة، ولذا يتم اللجوء "بهدف تسهيل الأمر"، إلى تعاطي الجانب السياسي للأمر، والذي هو "قبول تسمية مصنع معين قائم في بلد معين بأ،ه مؤسسة اقتصادية محلية أو وطنية. على أن تحدد نسبة محليته من خلال ما يقدمه محلياً من حيث التشغيل والإنتاج للسوق المحلية والحفاظ على الفائض محلياً، وإلى حد ما درجة اعتماده على مادة خام محلية، ونسبة أجنبيته من خلال حجم الفائض الذي يضخه إلى الخارج." وبهذا المعنى، فإن الاقتصادات غير المستقلة هي الأعجز عن تحديد حدود وطنية المؤسسات الاقتصادية. وفي المقابل، فإن الدول الأقدر على التحدي، من العالم الثالث، هي الدول الأقرب إلى إنجاز الفكاك من النظام العالمي. وطبعاً، فإن دول المركز الإمبريالي غير مشمولة هنا.
من حيث القطاعات، سوف نحاول تغطية قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة والخدمات، إلى حد ما، باعتبارها مؤسسات اقتصادية تتوزع "بين منتج للقيمة ومشغل للأيدي العاملة معاً، وبين مشغل للأيدي العاملة فحسب."
فيما يخص عدد المؤسسات، وطاقتها الإنتاجية، وبنيتها الإدارية، وكيفية اختيار توجهها الإنتاجي، يمكن اللجوء في بعض الأحيان إلى البيانات الإحصائية "وهي إسرائيلية في الأساس، والأهم أنها لا ترتكز على أسس علمية."(2) وفي المقابل، يبرر الفلسطينيون عدم وجود قاعد معلومات إحصائية محلية بعراقيل الاحتلال، وعدم وجود تسهيلات مالية وأكاديمية لإجراء هذه الأعمال. في حين أنه في قطاعات معينة لا يمكن، أو لا تتوفر تلكم الإحصاءات، كأن نقول حصة الإنتاج المستقل من الإنتاج المحلي الإجمالي.(3)
القطاع الصناعي
تشير المصادر الإسرائيلية إلى أن الإنتاج الصناعي لكل من الضفة الغربية وقطاع غزة لا يتجاوز 1,4% من نظيره الإسرائيلي،(4) في حين أن الإنتاج الإجمالي لهما يشكل 4,5% من نظيره الإسرائيلي.(5) وفي تقدير إسرائيلي آخر 8%.(6) وهذا شاهد على تدهور القطاع الصناعي في هذه المناطق قياساً بالقطاعات الاقتصادية الأخرى فيها. لقد بلغت حصة الصناعة من الإنتاج المحلي الإجمالي في القطاع 9,9% سنة 1984.(7) والشي نفسه تقريباً في الضفة الغربية. في حين أن نسبة قيمته من نظيره الإسرائيلي لا تزيد على 2,9%. وقد بلغت قيمة مصادر الإنتاج في إسرائيل 26 مليار دولار، في حين لم تتجاوز نظيرتها في المناطق المحتلة 1,9 مليار دولار. وزاد اعتماد هذه المناطق على الدخل المتأتي من عوامل الإنتاج "الحوالات بصورة خاصة" من 8% إلى 40% في الفترة ما بين سنة 1967 والثمانينات. في حالة القطاع، مثلاً كانت المدفوعات من الخارج 2% فقط سنة 1968 من الإنتاج القومي الإجمالي، لكنها قفزت إلى 44% سنة 1984. وطبعاً تساهم تحويلات عمال هذه المناطق العاملين داخل الخط الأخضر بـ 40% - 60% من مجموع الحوالات.
لقد تجاوز الاستهلاك الإنتاح المحلي بنسبة 18% ثم 3% ثم 14% للسنوات 1980 و1979 و1984 على التوالي.(8) وترافق تجاوز الاستهلاك للإنتاج المحلي الإجمالي مع بدء المساعدات التي قدمتها اللجنة الأردنية – الفلسطينية المشتركة. وهذا يعني أن اللجنة قد شجعت على النشاطات الاستهلاكية لا الإنتاجية، وأن حوالاتها قد وجهت بصدد شراء واستيراد سلع استهلاكية بدل أن تقيم مواقع إنتاج. وإذا جاز لنا التوسيع هنا لقلنا إن فترة الاحتلال، وخصوصاً فترة عمل اللجنة المشتركة، قد أرست في المناطق المحتلة خلفيات تلقي الهبات وطلب الهبات لا خلقيات الإنفاق الاستثماري. وهذا يعمق التبعية، ويجعل تركيز التبعية من خلال التمويل أمراً ممكناً وسهلاً. ولعل أحد الأسباب الرئيسية لهذا المستوى المتدني للأداء الاقتصادي، وخصوصاً الصناعي، هو أن الصناعة من القطاعات الاقتصادية التي شهدت "حصاراً" إسرائيلياً طوال فترة الاحتلال، حيث أصر الاحتلال على الحيلولة دون توسيع الفلسطينيين للبنية الأساسية لاقتصاداتهم، لا بل ساهم في تقويض ما هو قائم منها (أنظر لاحقاً).
الوضع الصناعي في الضفة الغربية
يثور الكثير من الجدل في شأن هذا القطاع، سيان من حيث إمكان القيام بتطوير وتوسع صناعيين في ظل الاحتلال، وطبيعة الصناعات الممكن التوجه إليها، وجدوى هذه الصناعات، ومدى توسع أو انكماش هذا القطاع خلال فترة الاحتلال، وحتى ماهية مكونات هذا القطاع (أهي الشركات الصناعية وحدها، أم يمكن إضافة المحاجر ومعاصر الزيتون إليها)، ثم أسباب تخلف هذا القطاع (هل هي داخلية أم احتلالية أم كلتاهما معاً؟) وهل كان وضع هذا القطاع أفضل قبل الاحتلال أم لا؟ (وهذا أمر لا يعتمد على حدوث توسع ما بعد سنة 1967 أم لا فحسب، وإنما أيضاً على كيفية حساب المؤسسات الصناعية من حيث الحجم لا العدد).
وبناء على عدم توفر إحصاءات موثوق بها عن القطاعات الاقتصادية المحلية، فإننا سنعتمد المؤشر العام للأمور لا التدقيق التفصيلي.
كانت مساهمة الصناعة في الإنتاج المحلي الإجمالي 9% قبل سنة 1967، لكنها هبطت إلى 8% سنة 1986، هذا من دون المحاجر ومعاصر الزيتون.(9) بينما تساهم الصناعة بـ 42% في الدول المتقدمة، و25% - 27% في الدول النامية، مثل أوستراليا،(10) و16% في الدول العربية، و17% في الأردن.(11)
إن عدد المستخدمين في الصناعة بقي تقريباً على حاله منذ سنة 1967، أي في حدود 16 ألف شخص. أـما عدد العاملين من الضفة في الصناعة داخل الخط الأخضر، فهو 9,1 آلاف شخص. في حين تناقص عدد العاملين في الزراعة بما يقارب الثلث، وزاد في المقابل عدد مستخدمي قطاع الخدمات.(12)
لقد أظهرت دراسة اليونيدو في مسح لها شمل 182 مؤسسة صناعية، أن 35% منها كانت قد بدأت قبل سنة 1967، وأن 20% بدأت في الفترة 1967-1970، ونحو الربع بدأ خلال الفترة 1970-1975، وأقل من 20% بدأ في الفترة 1975 -1980.(13) وإذا كان لنا اعتماد هذه العينة للتحليل، فهي تشير إلى أن عدد المؤسسات الصناعة المقامة قبل سنة 1967 قليل إذا قيس بالمدة الزمنية، وبغض النظر عن حجم المؤسسة الواحدة ورأس مالها. أما الملاحظة الثاني، فهي أن 49 مؤسسة صناعية أقيمت في الفترة 1970 – 1975 من مجموع 97 مؤسسة أقيمت خلال 14 عاماً على وجود الاحتلال. وهذا يشير إلى تزايد عدد هذه المؤسسات في فترة انتقال إسرائيل إلى الصناعات الإلكترونية من جهة، وما رافقه من تنشيط لصناعات التعاقد من الباطن في المناطق المحتلة من جهة أخرى.
ويشير تقرير اليونيدو هذا إلى أن عدد المؤسسات الصناعية التي غادرت السوق (أفلست) يفوق عدد تلك التي ظهرت أو أقيمت؛ إذ توقفت عن العمل 293 مؤسسة صناعية في فترة 1978 – 1979 وحدها.(14) وإنْ كان هذا الرقم قد كشف عن عدد المؤسسات، فإنه لم يكشف طبعاً عن رأس المالي الذي كانت توظفه، أو عدد الذين كانت تستخدمهم.
أما الإحصاءات الأردنية، فتعطي صورة أكثر سلبية؛ إذ تبين أن عدد المؤسسات الصناعية كان 3261 مؤسسة سنة 1967، تشغل 21,129 شخصاً،(15) بينما هبط عدد المؤسسات إلى 2106، وعدد المشتغلين إلى 8496 شخصاً.(16)
وهنا لا بد من التنبه إلى أن أياً من الإحصاءين لم يذكر عدد المستخدمين في كل مؤسسة، وحجم رأس المال، ونوعية الصناعة، أي مستوى تطورها التكنولوجي أيضاً. أما إحصاء كوكالي،(17) فأشار إلى أن بين 100 شركة هناك 85 بدأت بعد سنة 1967. كما يدل إحصاء الزهراء،(18) لـ 79 مؤسسة، على أن 75% منها بدأت بعد سنة 1967.
ولعل نسبة الإفلاس الأعلى كانت من نصيب الصناعات الحرفية؛ فقد "بلغ عدد الصناعات الحرفية قبل سنة 1967، 70 مرخصة و100 غير مرخصة، وبلغ عدد مستخدميهما أكثر من 1000 شخص. ولكن هذه الصناعات فقدت خلال فترة الاحتلال ثلثي عددها وأكثر من 90% من مستخدميها."(19) وربما يعود هذا، بصورة خاصة، إلى هيمنة الاحتلال على القطاع السياحي.
ويشير تقرير اليونيدو لسنة 1981 إلى أن 68% منالشركات تعمل بـ 50% من طاقتها الإنتاجية أو أقل، وأن 28% تعمل بـ 75%، وأن نحو 14% فقط تعمل بـ 90% أو أكثر. أما الصناعات الحرفية، فتشير إلى أنه بين 249 ورشة هناك 80% تعمل بـ 50% من طاقتها، و17% تعمل بـ 51% - 90%، وأن 3% فقط تعمل بـ 90% أو أكثر.(20) أما إحصاء الزهراء (والذي أجري خلال الأشهر الثمانية الأولى للانتفاضة)، فيشير إلى أن 17% فقط تعمل بطاقة أكثر من 70%، وأن 33% تعمل بطاقة تصل إلى 33%، و40% تعمل بطاقة تصل إلى 21% - 45%.
"إن أقل من 8 بالمئة من الشركات قد بدأت بـ 50 ألف دينار كرأسمال أساسي وتشغل حوالي 20 عاملاً، وأن أكثر من 79 بالمئة من الشركات أسست برأسمال أساسي أقل من 10 آلاف دينار وأما الـ 13 بالمئة المتبقية فبدأت برأسمال ما بين 5 – 10 آلاف دينار."(21)
أما باهيري، "فإنه من مجموع 716 شركة شملها المسح في الضفة والقطاع، هناك 12,8% بدأت برأس مال قدره 20 ألف دينار، و4% بدأت بـ 150 ألف دينار. وهذا يعني أن 87,1% بدأت برأس مال يقل عن 20 ألف دينار."(22) ونلاحظ أنه باستثناء الـ 4% التي بدأت بـ 150 ألفاً، فإن النتائج متشابهة.
ولا يقتصر باب الصناعة على الشركات الصناعية، بل يشمل معاصر الزيتون والمحاجر باعتبارها مؤسسات اقتصادية محلية من جهة، وباعتبارها أكثر مطابقة لمفهوم "مؤسسات اقتصادية وطنية في هذه المرحلة"، على اعتبار أن لها دوراً تشغيلياً لا بأس فيه، وأن موادها الخام محلية، كما أن لها دوراً وأفقاً تصديريين يفوقان الشركان الصناعة الأخرى (وهذا لا يعني أنني أحاجج لمصلحة التوجه التصديري). لهذا، راوح عدد العاملين في الصناعة (باستثناء معاصر الزيتون والمقالع والمحاجر) في الضفة الغربية الغربية ما بين 15 ألف شخص و17 ألفاً طوال فترة الاحتلال.(23) كما ظلت مساهمة الصناعة في الإنتاج المحلي الإجمالي في حدود 8% سنة 1968، أي ما دون مساهمتها في بداية سني الاحتلال، وهي 9%.
الصناعة العمرانية
وهي الصناعات المتعلقة بالبناء، والتي تشمل مقالع الحجارة، ومناشير الحجر، ومعامل الطوب والقرميد والإسمنت الجاهز، والكسارات. ولا تكمن أهمية هذه الصناعات في مستوى تطورها بالمفهوم الحديث للصناعة، لكن في كونها صناعات تنسجب في بنيتها ودورها مع الوضع الخاص لاقتصاد المناطق المحتلة الذي يحتاج إلى صناعات تعزز الحماية الاقتصادية والاعتماد، إنْ لم يكن، على الدفاع الذاتي. فهي صناعات ذات طابع تشغيلي بمعنة "كثافة قوة العمل المستخدمة" (Labour Intensive)، مع أن السنوات الأخيرة قد شهدت تطوراً تقنياً عالياً في هذه الصناعات جعل البعض منها من أكثر قطاعات الصناعة المحلية تقدماً في استخدام الآلة.(24) كما أنها صناعات تعتمد، في المادة الخام التي تستخدمها، على المصادر المحلية ولا تتطلب قوة عمل ماهر أو متخصصة من خارج المناطق المحتلة. هذا، غضافة إلى عدم وجود منافسة إسرائيلية ذات بال.
لكن هذا لا يعني عدم قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بممارسة المضايقة على هذه الصناعات. "لقد قدمت عدة طلبات لإقامة كسارات إسرائيلية في الضفة الغربية، لكن الموافقة عليها لم تتم بسبب وجود مشكلات متعلقة بملكية الأرض."(25) وهذا يكشف أن مشكلة عدم التصريح فنية بحتة. كما يعني هذا سعي إسرائيل لتقويض قطاع إنتاجي "ناجح نسبياً" في الضفة الغربية.(26)
"تحاول إسرائيل صنع ما تستورده من الضفة الغربية بنفسها هناك، وذلك بإقامة محاجر لقطع الرخام والحجارة خاصة بها، ولإيجاد مجالات تشغيل للمستوطنين."(27) ولقد اتسع نطاق التشغيل في الضفة الغربية في هذا القطاع، إذ تضاعف 10 مرات عما كان عليه سنة 1967؛ فهو يستوعب نحو 3000 عامل.(28) وهذا يشكل 16% من قوة العمل المحلية العاملة في الصناعة. ولقد حدث هذا التضاف على الرغم من إدخال تكنولوجيا متقدمة في صناعة البناء.
يفيض إنتاج هذه الصناعات عن الحاجة المحلية (الحجارة بصورة خاصة)، ولذلك يتم التصدير إلى إسرائيل وعبر الأردن. وكأي صادرات، فقد اضطر هذا القطاع إلى أن يكون تابعاً لنشاط قطاع البناء الإسرائيلي، إذ شهد هذا القطاع تدهوراً في إنتاجه بسبب الركود الذي أصاب قطاع البناء في إسرائيل سنة 1984،(29) والركود الاقتصادي في الأردن في السنتين الأخيرتين، والسياسة الإسرائيلية التي تحد من التوسع العمراني في المناطق المحتلة على الرغم من الحاجة الملحة إلى ذلك، وخصوصاً خلال الانتفاضة، التي ضربت قطاع البناء في إسرائيل نفسها.
وتتجمع هذه الورش في المناطق التي توجد فيها الحجارة الملائمة للبناء وتشغيل الكسارات، هذا إضافة غلى وجودها في المناطق الكثيفة سكانياً، مثل منطقة الخليل. ويوجد في الضفة الغربية 225 مقلع حجارة، و245 منشار حجر، و135 معمل طوب وقرميد، و21 معملاً للاسمنت الجاهز.(30)
الزيتون
للزيتون دور أساسي في اقتصاد الضفة الغربية، إذ يصل معدل مساهمته إلى أكثر من 14% من قيمة الإنتاج الزراعي الكلي للضفة الغربية. كما أن لمساهمة زيت الزيتون في النمو الحقيقي للإنتاج الزراعي في الضفة الغربية، دوراً أساسياً. (أنظر الجدول).
حصة زيت الزيتون من نمو الإنتاج الزراعي الحقيقي
السنة |
النمو الحقيقي للإنتاج |
النمو الحقيقي من دون زيت الزيتون |
1973-74 |
64,0 |
21,0 |
1974-75 |
34,0 |
4,0 |
1977-78 |
35,0 |
4,0 |
1983-84 |
0,5 |
غير متوفر |
1984-85 |
7,1 |
غير متوفر |
المصدر:
Israel C. B. S., West Bank and Gaza Strip Atlas (Jerusalem: West Bank Data Project, 1988), p. 40.
كما يوفر الزيتون للاقتصاد والمجتمع في الضفة الغربية الإيجابيات التالية:
1- أكثر قطاع صناعي وزراعي يشغل منتجين مستقلين، وهذا أمر مهم في ظل الاحتلال.
2- يوفر فرصاً لإنتاج مستقل مترتب عليه، مثل الصناعات الخشبية للسياح، وخصوصاً منطقة بيت لحم وبيت ساحور، حيث لا يعمل من أهالي بيت ساحور داخل الخط الأخضر أحد بسبب وجود ورش من هذا القبيل في بيوتهم، على الرغم من تصفية العديد من ورش الصناعات الحرفية هذه، وخصوصاً في مناطق بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور، كما أشير أعلاه؛ وذلك، بصورة خاصة، في أعقاب العراقيل التي وضعها الاحتلال في وجه القطاع السياحي في المناطق المحتلة.
3- يشكل حلقة وسطى بين الزراعة والصناعة، وفي هذا شكل تكاملي للاقتصاد المحلي، إذ يوفر المادة الخام لصناعة الزيت وتعليب الزيتون وصناعة الجفت الذي ينفع للتدفئة والتسميد والأعلاف، ولا سيما أن ما يقارب من 75% من ثمر الزيتون يتحول إلى جفت (يتراوح إنتاج الجفت ما بين 10 آلف طن و66 ألف طن، بحسب المحصول)، كما يوفر الخشب للتدفئة وللصناعات السياحية.
4- يوفر فائضاً للتصدير في المواسم الجيدة، مما يساهم في سد العجز في الميزان التجاري.
5- يوفر فرص عمل مأجور إلى جانب المنتجين المستقلين، سواء في الحرث أو القطف أو العصر... إلخ.
6- يوفر فرص عمل للمرأة، لا في القطف فقط وإنما أيضاً في الصناعات السياحية.
7- ربما كان المحصول الوحيد الذي ما زال يوفر فرصة "العونة" بين المزارعين، وهي عادة يمكن لتطويرها أن يرسي أساساً لإقامة تعاونيات للمنتجين.
8- باعتباره أشجاراً من جهة ومعمرة من جهة أُخرى، فإنه يساهم في ربط المزارع بالأرض، وفي منع مصادرة الأرض كأرض مغروسة بالأشجار.
وعلى الرغم من أن محصول الزيتون غير منضبط سنوياً، فإن طرائق العناية الحديثة والتسميد أكدت إمكان أن يقدم إنتاجاً مقبولاً في كل سنة، وبهذا يمكن أن يتم التحكم في إنتاج متقارب سنوياً للزيتون، مما يسهل وجود عدد عمالي ثابت لكل سنة.
ففي السنوات 1987-1986، نلاحظ أن سنتين فقط انحدر الإنتاج فيهما إلى 20 ألف طن سنوياً، وسنتين كان الإنتاج فيهما 45 ألف طن، وسنة واحدة 65 ألغ طن، وسنة واحدة 85 ألف طن، وسنتين كان الإنتاج فيهما 120 ألف طن و150 طن. وهذا، من دون تطبيق أساليب العناية الحديثة.
يتراوح عدد المشتغلين في معاصر الزيتون في الضفة الغربية بين 3500 شخص عام 1979/1980، و1174 شخصاً عام 1984/1985. وتتراوح نسبة المستخدمين بأجر منهم بين 90% و96%. وتتراوح أيام العمل لكل موسم بين 15 يوماً و30 يوماً في السنة.(31) لكن ليس هذا كل العمل والاستخدام الذي تستغرقه شجرة الزيتون، إذ يشتغل المنتج المستقل في الحرث والعناية والقطف، كما قد يستخدم عملاً مأجوراً في الحرث والقطف، هذا علاوة على المهن الأُخرى المترتبة على إنتاج الزيتون وخشبه.
المؤسسات الصناعية في قطاع غزة
ليس صعباً على من يطلع على بنية قطاع غزة وأوضاعه أن يتلمس مسار التصنيع فيه. فهو قبل كل شيء أقل إمكاناً "كيانياً – ولو نسبياً" من الضفة الغربية، لأنه منطقة محدودة المساحة بصورة كبيرة، ومحدودة الثروات الطبيعية، إلا أن 70% من سكانه لاجئون، أي قوة عمل بحتة تقريباً، وهذا يجعله أكثر قدرة على توفير قوة عمل فائضة نسبياً من الضفة الغربية، أو يجعله – إن شئت – أكثر عرضة للبطالة.
إن وضع عدم الإمكانات هذا هو الذي أعطى الصناعة في القطاع طابعها المتخلف في إبان الادارة المصرية، وهو الوضع الذي تسلمه الاحتلال ليبقي عليه؛ إذ لم تتجاوز مساهمة الصناعة في الإنتاج المحلي الإجمالي نسبة 9,9% حتى سنة 1983، وهي نسبة يراها الإسرائيليون عالية قياساً بفترة ما قبل سنة 1967، إذ كانت مساهمة الصناعة 4,2% - 4,9%.(32) وطبعاً، لا يأخذ الإسرائيليون في الاعتبار الضرورة الطبيعية للتطور خلال فترة كهذه. كما أغرى هذا الوضع الإسرائيليين ليستغلوا الثروة الوحيدة في القطاع، "الأيدي العاملة"، بما يلائم تطور ومتطلبات اقتصادهم الخاص إلى درجة أصبح معها 46% من قوة العمل المستخدمة من القطاع عاملة داخل الخط الأخضر. وهذا يعني أنها تحل محل الإسرائيليين الذين يجدون لهم مواقع عمل في صناعات متقدمة. هذا، إلى جانب تركيز الإسرائيليين لصناعات التعاقد من الباطن في القطاع، والتي أقيمت لخدمة التوجهات البنيوية للاقتصاد الإسرائيلي. ويمكننا أن ندرك أن الثروة البشرية كثيراً ما تتحول إلى مأزق عندما لا تتوفر الأرض أو المصادر الطبيعية لتشغيلها، وفي حالة القطاع بصورة خاصة، حيث يعجز القطاع الصناعي عن استيعاب فائض قوة العمل الزراعي من أهالي القطاع أنفسهم، فكيف بمخزون قوة عمل اللاجئين الذين هم كلياً "قوة عمل فائضة".
على أن أحد أسباب عجز القطاع الصناعي كامن في طبيعته البنيوية أيضاً، منذ ما قبل الاحتلال، إذ كان عبارة عن ورش يملكها ويديرها وأحياناً كثيرة يعمل فيها الشخص الواحد. وهي صناعات كانت موجهة لسد جزء من متطلبات السوق المحلية، في حين تم الاعتماد في سد الكثير من الحاجات على الاستيراد وتجارة التهريب.
توزع الصناعات في قطاع غزة سنة 1984
العدد العام |
أغذية وتبغ |
أنسجة وجلود وملابس |
خشب ومنتوجاته |
معدنية، ومعادن أولية، لوازم نقل وكهرباء |
أخرى |
العدد الكلي 1640 |
109 |
546 |
343 |
235 |
308 |
العاملون 6383 |
421 |
2572 |
1081 |
1136 |
1174 |
الأجراء 3758 |
239 |
1656 |
552 |
619 |
693 |
مؤسسات تشغل أجراء 918 |
39 |
321 |
153 |
141 |
264 |
من دون أجراء 723 |
70 |
226 |
190 |
194 |
44 |
المصدر: مشتقة من:
Sara Roy, The Gaza Strip Survey, 1986, p. 60.
نلاحظ أن 44% من المؤسسات لا تستخدم عملاً مأجوراً، وهذه عملياً أقرب إلى الحرف والإنتاج المنزلي إلى المؤسسات الصناعية، كما أن عدد العاملين بأجر لا يزيد على عدد "العاملين المالكين" إلا قليلاً وهذا يشير إلى النسبة العالية للمنتجين المستقلين، والذين يستخدمون "إنْ لزم" أُسرياً. إن عدم استخدام عمل مأجور، أو استخدامه استخداماً محدوداً، والاعتماد على العمل الأُسري، قد أدت جميعاً إلى توفر فائض كبير في قوة العمل المحلية، التي أوجدت الوضع الملائم لرأس مال الاحتلال للاستثمار في "التعاقدات من الباطن". إذ أن 70% من المؤسسات الصناعية القائمة في القطاع نشأت بعد سنة 1967، وهذا نموذج صارخ على التطور بما يخدم الاقتصاد المستعمر والمهيمن.
وبمعنى آخر، فقد جعل هذا الوضع صناعة التعاقد من الباطن "النموذج الطبيعي في نظر الاحتلال" للعلاقة الصناعية بقطاع غزة. وهذا يذكرنا بمسألة أساسية هي أن اختيار الاحتلال لهذا النموذج محفوز، في الأساس" بنظرية موشيه دايان في تقويض البنية الإنتاجية للمناطق المحتلة والحيلولة دون تمكين الفلسطينيين من تطوير هكذا بنية. أما استثمارات التعاقد من الباطن، فهي تشويه من الداخل للبنية الصناعية في هذه المناطق. وهي، في أية حال، "الطبعة الإسرائيلية للصناعات الموجهة تصديرياً، لكن من إسرائيل فقط." إنها شركات مختلطة، لكن محدودة الاختلاط؛ بمعنى أن الاختلاط فيها حكر على الإسرائيليين وحدهم، ولا يمكن لهذا أن ينجم عن حالة استعمارية.
وهكذا، فخلال فترة الاحتلال كان هناك مصدران أساسيان للاستثمار في القطاع، هما: الاستثمار الفردي بهدف تلبية متطلبات أولية للسوق المحلية؛ واستثمارات خارجية "إسرائيلية فقط" على شكل التعاقد من الباطن لتلبية متطلبات السوق الإسرائيلية، مما يعمق محوطة القطاع للاقتصاد الإسرائيلي. أما فائض قوة العمل المتبقي بعد إشباع حاجة الاستثمار هذه، فقد تم فتح استثمارات داخل إسرائيل نفسها لتشغيل هذه القوة من جهة، ولتشغيل العمال الإسرائيليين الذين حلت محلهم في أعمال أخرى تطلبها تغيير البنية الإنتاجية في إسرائيل منذ بداية السبعينات من جهة أُخرى.(33)
ونظراً إلى اعتماد الاستثمار الصناعي في القطاع على التمويل الخاص، فإن 76,5% من الشركات الصناعية سنة 1980 مقامة بتمويل فردي.(34) وفي مسح أجري سنة 1980 وشمل 94 شــركــة، تبيــن أن 22,4% منـها تعمـــل بـ 50% أو أقـل من طاقتـهــا الإنتاجـيـة، و 40,4% تعمـل بـ 50%، وأن 31,9% تعمل بطاقة أكبر تصل إلى 75%، وأن 5,2% فقط تعمل بـ 90% من طاقتها الإنتاجية.
قد يكون عدم توفر فرص للتسويق إلى الخارج، أحد أسباب دخول رجال أعمال من القطاع في تعاقدات من الباطن مع الإسرائيليين. وفي هذه التعاقدات، يقدم "الغزيون – وهذا ينطبق على الضفة الغربية أيضاً" – العمل الكثيف ولارخيص طبعاً، وجزءاً من رأس المال بما فيه الأماكن، في حين يقدم الإسرائيليون جزءاً من رأس المال، بما فيه الآلات أحياناً، وفي أغلب الأحيان الحلقة الوسطى من السلعة اي مواد خام شبه مصنعة. ففي حالة الملابس، تقوم المصانع الإسرائيلية بشراء المادة الخام للأقمشة من إسرائيل أو الخارج، وبعد أن تحولها إلى قماش – وربما تقوم بقصها وتفصيلها بأعداد كبيرة – ترسلها إلى قطاع غزة والضفة الغربية كي يتم تكميلها كملابس أو التطريز عليها في ورش العمل وصالاته.
وتكمن أهمية هذا الأمر بالنسبة إلى الإسرائيليين، على الصعيد العام، في أنه لا يشكل صناعة حقيقية في المناطق المحتلة. أما على الصعيد الفردي، فهو مغر من حيث توفر العمل الكثيف، والأجر الرخيص، وساعات العمل الطويلة، واستغلال الجنسين وجميع الأعمار فيه، كما أنه يتم التعاقد على السعر سلفاً، وهذا ما يؤدي إلى تقليل كبير في أجرة العامل، إذ يشترك في اقتسام الفائض كل من صاحب المشغل، والوكيل الإسرائيلي الذي يحضر المنتوجات شبه الجاهزة، و"أحياناً يكون هناك وسيط عمل عربي"، وفوق هذا وذاك المستثمر الإسرائيلي.
ونظراً إلى كون صناعات التعاقد من الباطن شبه جاهزة، فإن هناك فرصة للعديد من الأشخاص لافتتاح ورش صغير لإتمامها؛ وبهذا فهي تجمع بين العمل الكثيف من جهة، وبين تدني عدد المشتغلين في الورشة الواحدة من جهة أخرى، إذ إن 90,3% من المشاريع الصناعية في القطاع تشغل ما دون 7 أشخاص، أما التي تشغل أكثر من 11 عاملاً، فهي 4,9% فقط (للتفصيل، أنظر الجدول أدناه).(35) هذا علماً بأن كبر عدد عمال المصنع الواحد لم يعد مقياساً عالمياً ولا شرطاً لتقدمه التكنولوجي.
الوضع التشغيلي في المؤسسات الصناعية سنة 1984
عدد العاملين |
النسبة المئوية من عدد الشركات |
1 |
26 |
2 – 3 |
42 |
4 – 7 |
22,5 |
8 – 10 |
4 |
11 – 20 |
3,4 |
21 + |
1 |
المصدر: مشتقة من:
Sara Roy, The Gaza Strip Survey, 1986, p. 60.
القطاع الزراعي
في الضفة الغربية
تزيد مساحة الضفة الغربية على 6 ملايين دونم، بما فيها القدس، كان المستغل منها 2,24 مليون دونم عشية الحرب، وهبط إلى 1,66 مليون دونم، وإلى 1,7 مليون دونم – باستثناء الأراضي المراحة – لسنتي 1978 و 1985 على التوالي. وهذا بالتوازي مع وضع سلططات الاحتلال يدها على قرابة نصف مساحة الضفة. وعلى الرغم من هبوط عدد العاملين في هذا القطاع، من 42 ألفاً عام 1967/1968 إلى 31 ألفاً سنة 1985، وإلى نحو 28 ألفاً سنة 1987، أي أقل قليلاً من قطاع الخدمات، فإنه ما زال القطاع الرئيسي فيما يتعلق بالإنتاج على الرغم مما أصاب حصة هذا القطاع من تدهور أيضاً؛ فمن حصة بلغت 36% من الإنتاج المحلي الإجمالي سنة 1968، هبطت إلى نحو 27% سنة 1983.(36) وإلى جانب تأثير مصادرة الأرض والهجرة في القطاع الزراعي، فإن هناك أثراً لتغيرات بنيوية في هذا القطاع. وتعكس هذه التغيرات الصورة المستقبلية لاقتصاد المناطق المحتلة عامة، وهي صورة بلد زراعي في الأساس ولا ينتج كفايته من الحاجات الساسية، كما يتم توجيه زراعته المتطورة نحو التصدير. ففي حين كانت المساحة المزروعة بالحقليات 900 ألف دونم عام 1967/1968، هبطت إلى نحو 500 ألف دونم عام 1984/1985. أما كمية الإنتاج، فقد ظلت كما هي، مما يشير إلى تحسن في التكنولوجيا. لكن لهذا الأمر مدلولاته على النحو التالي، وفي خصوصية الضفة الغربية، فإن التحسن التكنولوجي يعني تقليل العدد الذي يشتغل في الزراعة مما يزيد في فائض قوة العمل، كما يعني اختيار الأرض الأكثر خصوبة وملاءمة لاستخدام التكنولوجيا. وهذا يزيد في إمكانات مصادرة الأرض المهملة. كما أن الكم الإنتاجي نفسه لم يتغير، بمعنى أن الحاجة إلى هذه المحاصيل تظل قائمة إذ لا تغطي إلا القليل من الاستهلاك المحلي. ولا مجال هنا لربط هذا الأمر بالهجرات بأنواعها. وفي المقابل، ازداد إنتاج الخضروات والبطاطا من 60 ألف طن عام 1967/1968 إلى 170 ألف طن عام 1984/1985. وهنا نلاحظ أن الخضروات، بصورة خاصة، هي محاصيل موجهة للتصدير، وهذا يعني أنها قد حظيت بتكثيف في رأس المال والتكنولوجيا، وربما حلت محل الحقليات من حيث المساحة كما هو في قطاع غزة بصورة خاصة.(37)
وهناك نقاش واسع في المناطق المحتلة في شأن وجود فائض في الإنتاج الزراعي وإمكان فتح منافذ لتصريفه. وهذا أمر يندرج في سياق متابعة بنية اقتصاد المناطق المحتلة عامة، والتشوهات الجارية فيها. إلا أن دراسة دقيقة لكمية ما يسمى المنتوجات الفائضة، توضح أن هناك إمكاناً كبيراً وفعلياً لتصريفها. وكل ما هو مطلوب تغيير في البنية الإنتاجية في اتجاه معاكس لما حدث عبر سني الاحتلال، ومختلف عن البنية المتخلفة في فترة الحكم الأردني.(38)
في قطاع غزة
لعل أكثر التطورات حدة كان من نصيب القطاعالزراعي خلال فترة الاحتلال إذ تجسدت في هذا القطاع سياسة الاحتلال في سرقة الأرض من تحت أقدام أهلها. وهذا ما يفسر طبعاً جوهر السياسة الإسرائيلية تجاه المناطق المحتلة وهو الاستيطان والاقتلاع، مهما يعتور هذه السياسة من رتوش وأقاويل عن سلام وانسحاب وغيرهما.
كانت مساهمة الزراعة في الإنتاج المحلي الإجمالي نحو 33% في الفترة 1948 – 1967. كما شغل هذا القطاع ثلث المستخدمين أيضاً، وشكل ما يقارب 90% من صادرات قطاع غزة.(39) وبحلول سنة 1984، هبطت مساهمة الزراعة إلى 13,4% من الإنتاج المحلي الإجمالي.(40) وتساهم الثروة الحيوانية في قطاع غزة بما يقارب الربع، في حين تتوزع الثلاثة الأرباع الأخرى على الحمضيات بصورة خاصة، والخضروات والبطيخ واليقطين والتوت الأرضي بصورة عامة.
خلال فترة الاحتلال، يمكننا رصد التغيرات التالية في القطاع الزراعي؛ فبعد أن شغلت المحاصيل الحقلية 56,000 دونم، أي ما يقارب 28,3 من الأراضي المزروعة،(41) أصبحت "صفرا" تقريباً، أي 0,1% سنة 1984. أما نسبة مساهمة الحقليات في قيمة المنتوج الزراعي، فقد أصبحت 0,1% من مجمل الإنتاج الزراعي في القطاع.(42) وهذا دليل على التدهور الحاد في وضع الحقليات، والذي لا تبينه الدراسات الإسرائيلية التي تبدأ عادة منذ سنة 1967 كسنة أساس مشوهة.(43) أما إنتاج الخضروات فقد ازداد كحصة من 17,6% إلى 27,8%، في حين أن حصتها من المساحة الاتفعت قليلاً أي من 11,1% إلى 13%. وهبطت حصة الحمضيات من الإنتاج من 40,5% إلى 34,4% والبطيخ واليقطين من 4,7% إلى 0,1%، وارتفعت الفواكه من 11,7% إلى 14,3%.(44)
وبالنسبة إلى المساحة، وبالنسبة إلى المساحة، فقط تقلصت المساحة المزروعة عامة من 198 ألف دونم إلى 100 ألف دونم، إذ وضعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي يدها على المساحة الناقصة.(45) ولذا، كان التغير كما يلي: تقلصت المساحة المزروعة بالحمضيات من 70 ألف دونم إلى 66,7 ألف دونم، في حين ازدادت حصةالفواكه من 50 ألف دونم إلى 60 ألفاً، بينما أصبحت الحقليات نحو الصفر.(46) أما عن كميات الإنتاج، فقد وصلت المحاصيل الحقلية إلى الصفر، في حين ازدادت الخضروات ثلاثة أضعاف، وتلاشى البطيخ واليقطين تماماً تقريباً، وتضاعف إنتاج الحمضيات على الرغم من تقلص المساحة، وظلت الفواكه الأخرى كما هي.
وفيما يخص الثروة الحيوانية، فقد ظلت نسبة مساهمتها من الإنتاج الزراعي على حالها تقريباً، في حين حدثت تغيرات سلبية حادة في إنتاج السمك الذي انحدر من 37,000 طن سنة 1967 إلى 1000 طن سنة 1984. كما قللت سلطات الاحتلال عدد رخص الصيد من 1400 إلى 1000 رخصة فقط، ورفضت طلب جمعية التوفيق لصيد الأسماك لإقامة مصنع تعليب السردين. ومع أن هناك آفاقً واسعة لتوسيع صيد السمك وتصنيعه، لكن الاحتلال يهدف إلى ضرب هذه الثروة التي لو لم تتعرض لمضايقات الاحتلال لأعطت القطاع فرصة ألا يكون بلد المحصول الواحد, الذي هو الحمضيات.
إلى جانب هذا، يحظر الاحتلال إصلاح أية أراض زراعية من دون إذن من الحاكم العسكري الإسرائيلي.
يستهلك قطاع غزة نحو 100 – 120 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، تتوزع على 90% للزراعة، والباقي للشفة. إلا أن الاستهلاك العالي للمستعمرات الإسرائيلية زاد في ملوحة المياه، إذ إن استهلاك المستعمرات غير محدد، في حين أن استهلاك أهالي القطاع محدد بـ 800 متر مكعب سنوياً للأرض الصلبة، و1000 متر مكعب للأرض الرملية، وتوضع غرامات عالية على الاستهلاك الزائد.(47) ويقدر استهلاك المستوطن الإسرائيلي بـ 2226 متراً مكعباً في مقابل 123 متراً مكعباً للمواطن الفلسطيني.
القطاع السياحي
هذا القطاع من أكثر قطاعات الاقتصاد المحلي حساسية، لأن جمهوره المستهلك ليس محلياً في الأساس. ولذا، فإن تأثره بالتطورات السياسية والأمنية حاد جداً؛ فالمستهلك الأجنبي ليس حراً في المناطق المحتلة، إذ يخضع لما تفرضه سلطات الاحتلال من قيود أمنية ومناطق مغلقة وغيرها.(48) وتقلل هذه المعوقات من أهمية المناطق السياحية والأثرية، على ندرتها وعلى الرغم من استحالة خلق مثيلات لها للمنافسة.
وفي حالة المناطق المحتلة، فإن القطاع السياحي أساسي جداً في تنشيط صناعات محلية مثل الصدف والخزف، وحتى زراعية مثل أخشاب الزيتون. إلا إن التطورات التي حاقت به في ظل الاحتلال كانت كارثية، إذ شلت الفنادق في مختلف مدن الضفة الغربية، باستثناء القدس التي تخضع فنادقها لمنافسة حادة من الفنادق الإسرائيلية، ناهيك بالدعم الذي تقدمه السلطات الإسرائيلية للقطاع الفندقي والسياحي عامة هناك. ولا يترتب على محاصرة القطاع السياحي شل الفنادق فحسب بل أيضاً شل العديد من الخدمات التي تستفيد من الحركة السياحية في المناطق المحتلة.
التعاونيات
يرتد أساس التعاونيات في الضفة الغربية إلى فترة الحكم الأردني، إذ أقيمت خلالها التعاونيات بمفهومها الرسمي كحالة اقتصادية "تعاونية" على أسس رأسمالية، بإشراف الحكومة الأردنية، وعلى نسق تلك التي في الولايات المتحدة الأميركية. بل لقد كان هناك خبراء أميركيون يشرفون على التثقيف التعاوني بصورة خاصة. هذا على الرغم من أنه يمكننا رد النشاط التعاوني في عهد الأردن إلى الجو العام الذي كانت سائداً في المشرق العربي – مصر والعراق وسوريا، ولاحقاً في جزء من المغرب العربي: الجزائر.
بدأ نشاط التعاونيات الأولي سنة 1952، وذلك بموجب قانون التعاون رقم 39 والذي تم تجديده بقانون رقم 17 لعام 1957/1958. وكانت هذه الجمعيات، جمعيات استهلاكية وإسكان وتعليم عال ونقل وادخار مدرسي، وحرف للنساء وغيرها. ولعل ألوان النشاط المذكورة دليل على المستوى البدائي لهذا النشاط التعاوني، أي أنه نشاط "أقل من رأسمالي" بالمفهوم الإنتاجي الرأسمالي على الأقل.
ولعل الحضور المبكر للمنظمات الطوعية الأميركية في التعاونيات، مثل الكويكرز،(49) خلال الحكم الأردني دليل على طبيعة هذه الحركة، وخصوصاً أن النشاط الرئيسي للكويكرز آنذاك كان على الصعيد التثقيفي.
لقد شكل الأردن منظمة التعاون الأردنية في الستينات ومقرها عمان، ودخلت كعضو في الاتحاد التعاوني العالمي، وأقيم لهذه المنظمة ثلاثة فروع في الضفة الغربية، وقد تم تمويلها من قبل البنك المركزي الأردني، ومجلس التخطيط القومي الذي كان طريقاً لإيصال القروض البريطانية والكويتية إلى المنظمة التعاونية، ومن وزارة المالية الأردنية.
ومنذ بداية فترة الاحتلال، طرأت على نشاط التعاونيات في الضفة الغربية تطورات مهمة، إذ جمد عدد كبير من هذه الجمعيات نشاطه وحتى الوقت الحالي. هناك 250 جمعية تعاونية عاملة من مختلف الأنواع في الضفة الغربية، منها ثمانية فقط في قطاع غزة، وهي تضم 34,000 عضو. ومن هذه الجمعيات، 129 جمعية تعاونية زراعية عاملة، وأنشطها 17 جمعية تعاونية لعصر الزيتون، ومنها 81 جمعية غير زراعية أي جمعيات إنارة ونقل وتسويق و92 جمعية إسكان. لقد تدخلت سلطات الاحتلال في الجمعيات التعاونية، ووضعتها تحت سيطرتها. وفي المقابل، احتفظ الأردن بدور معروف من قبل سلطات الاحتلال في الجمعيات التعاونية هذه. وبمعنى آخر، فإن التعاونيات الرسمية مثلت نموذجاً حياً ومبكراً لتنفيذ خطة وسياسة "التقاسم الوظيفي" بين إسرائيل والأردن، وكانت اليد الطولى فيها لإسرائيل. ولقد حافظ الأردن على دوره في هذه الجمعيات، لا بالتمويل المباشر فقط بل أيضاً بالتصدير إلى عمان. وتتم هذه العملية بأن تقدم الجمعية طلباً إلى غرفة التجارة في الضفة مع رسوم وتبرز شهادة ملكية وخاتم البلدية، ثم يحول الطلب إلى منسق وهو مندوب التسويق الأردني في الضفة، والذي يعد قوائم بأسماء المزارعين ويرسلها إلى وزارة الزراعة في عمان، والتي تقسم الحصص بدورها بين المزارعين إذ يسمح لكل مزارع بتسويق 50% من إنتاجه في الأردن. بعدها، يأخذ المزارع إذناً في إدخال إنتاج أرض لا تزيد على 30 دونماً، ويعود مجدداً إلى مندوب التسويق الزراعي. وهندما يصل بالبضاعة إلى الجسر، فإن عليه الحصول على الختم النهائي لضابط الجسر بعد تفتيش المحصول. أما إذ أراد المزارع تسهيل عملية التصدير، والتي تتم أيضاً عبر الجمعية، فما عليه إلا أن يذهب إلى وكلاء خاصين بهذا الأمر فيتدبرون الأمر بالرشاوى. وهناك عاملان آخران مهمان في هذا السياق، هنا أن الجمعيات التعاونية في الضفة الغربية تلقت باستمرار المساعدات من المنظمات الطوعية الأميركية بصورة خاصة، كما أن معظم الجمعيات التعاونية الريفية ظل محكوماً بسيطرة الشخصيات التقليدية.
أما المؤسسات الأميركية هذه، والتي تسمي نفسها "منظمات طوعية"، فهي: مؤسسة الخدمات الأميركية للتعليم والتدريب في الشرق الأوسط اميديست، ومؤسسة تنمية المجتمع سي. دي. إف.، والمعونة الأميركية للاجئين في الشرق الأوسك أنيرا، وخدمات الإغاثة الكاثوليكية سي. آر. إس.، والبعثة المسيحية للأراضي المقدسة إتش. سي. إم.، وصندوق إنقاذ الأطفال. وهناك مؤسسات أخرى غير مرتبطة بهذا البرنامج، مثل: جمعية الفرندز للخدمات والمانونايت ومؤسسات أوروبية كثيرة، وخصوصاً "أوكسفام" البريطانية. و"لقد رصدت أنيرا 7 ملايين دولار لمساعدة التعاونيات الزراعية والصناعية والتثقيف والتعليم ومشاريع الصحة."(50)
في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن المنظمات الطوعية الأميركية قامت، ولا تزال تقوم بدور بارز في تثبيت سياسة التقاسم الوظيفي، إذ تحوي شروط هذه المنظمات لتقديم المساعدات، من أجل إقامة مشاريع محلية، موافقة كل من واشنطن والحكومة الإسرائيلية. كما يقوم الأردن بتمويل جزء من كل مشروع؛ فقد بلغت حصة الأردن في تمويل هذه المشاريع 27 مليون دولار من أصل 56,2 مليون دولار. وهناك ملاحظة مهمة على المشاريع التعاونية ذات المنهج الرأسمالي، وخصوصاً تلك التي تمولها المؤسسات الأميركية، وهي أن هذه الجمعيات تقدم كل سنة ميزانيات خاسرة على الرغم من أن رأس المال الأساسي، وأحياناً تمويل المشروع للأشهر الستة أو العام الأول، يمول من الخارج أيضاً، بل تتلقى هذه الجمعيات التعاونية تبرعات سنوية من جهات عديدة. وأوضح مثال لهذا جمعية النصارية قرب جنين، وجمعية بيت نوبا قرب رام الله، وهما تعاونيتان لتربية الأبقار. أما التعاونيات التي ترتبط بالأردن، فمن الأمثل لفشلها: تعاونية عين سينيا قرب رام الله والمقامة سنة 1962، وتعاونية دير شرف قرب طولكرم (1964)، وهما لعصر الزيتون وتعبئته. فعلى الرغم من أن الجمعيتين كانتا قد اشترتا معامل لتعبئة الزيت في عدة حجوم من الصفائح، فإن المعملين لم يشرعا في العمل منذ عدة سنين نظراً إلى خلافات داخل الهيئة الادارية لكل منهما.(51) أما جمعية بيت جالات لعصر الزيتون، والتي لديها مصنع لصنع الصابون هو الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط إلا إنه لم يشتغل بعد على الرغم من مضي ستة أعوام على تجهيزه، وعلى الرغم من محاولات مجموعات من الشباب تطوير وضع الجمعية خلال الانتفاضة، لتصبح أكثر فعالية، إذ زادوا في طاقتها الإنتاجية من عصر 6 أطنان من الزيتون يومياً إلى 14 طناً، فإنه تجري حالياً محاولات لبيعها لرأسماليين أفراد، ويقوم بدور الوسيط هنا موظفو التعاون الأردنيون في الضفة الغربية.
الاستثمار والتمويل
يقوم وجود واستمرار الاحتلال بدور بارز في عرقلة الاستثمار والتمويل في المناطق المحتلة. وهذا ينطبق على كل من الاستثمارات المحلية، والاستثمار والتمويل الخارجيين، ويتضح في المستوى الهابط لتراكم رأس المال. لقد ظل مستوى تراكم رأس المال هابطاً نسبياً، إذ هبطت حصته في الاستخدام الكلي للمصادر من 16% سنة 1978 إلى 14% سصنة 1984. وفي السنوات الأخيرة، كان معدل نموه السنوي سالباً (- 0,6%) سنة 1983 وسنة 1984. ولم يتم إشباع هذه بالاستثمار، ولو الجزئي، في القطاع الإنتاجي.
يشكل استثمار القطاع الخاص منذ سنة 1978 نحو 90% من تكوين رأس المال، لكن قيمته الحقيقية هبطت 6% خلال 1978-1984، وانعكس هذا في هبوط الاستثمار في السلع الرأسمالية وأعمال البناء. ومنذ سنة 1978، فإن 80% من استثمار القطاع الخاص كان في البناء.(52) ويعود تركيز الاستثمار المحلي الخاص على البناء إلى عدة أسباب، أهمها: وجود الضائقة السكنية، وارتفاع أجور المساكن، وتزايد الوعي الصحي عند المواطن، وكون العقارات استثماراً مضموناً من الهزات الاقتصادية، وكذلك ارتفاع أجور السكن، والقيمة الاجتماعية الأعلى لمالك المنزل. وهكذا، فقد كان الاستثمار الإنتاجي في المناطق المحتلة – آلات، نقل، تجهيزات أخرى – 14% فقط من الاستثمار الكلي في مقابل 58% في إسرائيل.(53)
فيما يخص أسباب عدم التوسع الاستثماري، وخصوصاً الإنتاجي، يرى 40% ممن شملهم أحد المسوحات أن السبب هو نقص رأس المال، ويرى أن السبب هو الضرائب، ويرى 55% أن السبب هو صغر حجم السوق. ومن الملاحظ أن الاستثمار يلهث وراء التوفير والادخار منذ السبعينات. وهنا يبرز السؤال لماذا؟ وكذلك ما السبب في تخلف مستوى تكوين رأي المال. فهل السبب محصور هنا، أم أن هناك دوراً لتهريب الأموال إلى الخارج؟ وسنعالج هذا الأمر لاحقاً.
الاستثمار والتمويل من قبل سلطات الاحتلال
إن ما نقصده بالاستثمار التطويري من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي في المناطق المحتلة. ولا تكمن أهمية هذا الأمر في حجمه بل في كشف السياسة الكامنة وراءه. "لقد قلصت السلطات الإسرائيلية منذ السنوات الأولى للسبعينات ما يسمى ميزانية تطوير المناطق المحتلة بصورة عامة، وخصوصاً في قطاع الزراعة حيث لوحظ تدهور واضح في حصة التطوير. فقد تقلصت الميزانية الحقيقية للزراعة من 4,2 ملايين ليرة إسرائيلية عام 1969/1970 إلى 1,8 مليون ليرة عام 1977/1978، وهبطت إلى لا شيء منذ سنة 1981."(54) ويقول كاهان: "إن خانة قروض التطوير الحكومية قد أُلغيت نهائياً منذ سنة 1976 بموجب السياسة الحكومية تجاه القطاع الزراعي... وهبط عدد الخبراء الزراعيين اليهود في الضفة الغربية من 24 في سنة 1975 إلى 12 في سنة 1982، كما انتهى لاحقاً إلى لا أحد." في حين كان عدد الخبراء أيام حكم الأردن 22 خبيراً.(55)
أما القروض الإسرائيلية للصناعة، فلم تتجاوز المليون دولار في ميزانية أي عام منذ بداية الاحتلال، وتقلصت أواخر السبعينات لتلغى تماماً عام 1980/1981.(56)
يقول برغمان: "لم تتجاوز قروض التطوير الزراعي والصناعي من الحكم العسكري أكثر من 10% من الاستثمار الكلي في مختلف الفروع الاقتصادية."(57)
استثمار رأس المال من قبل الإدارة المدنية 1983-1987
(الأعوام المالية بملايين الدولارات الأميركية)
السنة |
الضفة الغربية |
القطاع |
المجموع |
الزيادة السنوية بالمئة |
1983 |
24,0 |
11,0 |
35,0 |
- |
1984 |
21,0 |
7,0 |
28,0 |
- 20,0 |
1985 |
38,0 |
11,0 |
49,0 |
+ 75,0 |
1986 |
56,0 |
26,0 |
82,0 |
+ 87,8 |
1987 ميزانية |
31,7 |
13,7 |
44,6 |
|
المجموع |
170,7 |
68,7 |
238,6 |
|
المصدر:
Meron Benvenisti, 1987 Report, Demographic, Economic, Lebal, Social and Political Developments in the West Bank (Jerusalem: West Bank Data Project), p. 278.
لقد تم توزيع ميزانيات التطوير للسنوات 1984 – 1987 في الضفة الغربية: 21,0% للسلطات المحلية؛ 21,0% للصحة؛ 12,7% للطرقات؛ 12,2% لشبكات الهاتف؛ 10,7% لأعمال المياه؛ 7,0% للمدراس؛ 6,2 للكهرباء.(58) وقد "بلغت حصة التطوير الصناعي والتصنيع الزراعي والزراعة من ميزانية الاحتلال للمناطق المحتلة لعام 1986/1987، 0,4% من الميزانية الكلية والمقدرة 35,2 مليون دولار."(59) ومن الملاحظ أن تدهور ميزانيات التطوير، وحتى تلاشيها قد تما خلال حكومة حزب العمل، ويؤكد هذا اشتراك حكومتي العمل والليكود معاً، مما يناقض الادعاء أن السياسات المتصلبة محصورة في الليكود.
لقد زادت السلطات العسكرية الإسرائيلية في المبالغ المعجة للتسليف من 10 ملايين ليرة إسرائيلية سنة 1970 إلى 65 مليوناً سنة 1975. كما زادت اللجنة المالية التابعة للكنيست في قيمة الضمانات الحكومية من 10 ملايين ليرة إسرائيلية إلى 50 مليوناً.(60) أما سبب هذه الزيادات فكان التخلص من القانون الأردني المعمول به في الضفة الغربية (وهو قانون عثماني)، لأنه يحدد سعر الفائدة بـ 9%، إذ إن هذا التخلص يمكن المصارف الإسرائيلية من التلاعب بسعر الفائدة كما يريد. لكن تجدر الإشارة إلى أن القيمة الفعلية لـ 50 مليون ليرة إسرائيلية كانت 12 مليون دولار سنة 1973؛ أي أصبحت لا تساوي أكثر من مليون دولار سنة 1980، وأقل من نصف مليون سنة 1981، نظراً إلى التدهور الشديد في قيمة الليرة الإسرائيليةن الناجم عن التخفيضات المتواصلة منذ سنة 1948.(61)
المصارف
بعد أن أغلقت سلطات الاحتلال جميع المصارف في المناطق المحتلة عشية الاحتلال، شرعت في تشجيع المصارف الإسرائيلية على فتح فروع لها في هذه المناطق، فوصل عدد هذه الفروع إلى 36 فرعاً حتى سنة 1984، بما فيها القدس الشرقية. والمهم في الأمر أن هذه المصارف كلها تجارية، وليست مصارف للتسليف الصناعي أو الزراعي أو للتطوير. ويعكس هذا طبيعة السياسة الإسرائيلية تجاه المناطق المحتلة، بمعنى أن هذف هذه المصارف ودورها متطابقان مع سياسة الاستحلاب الإسرائيلية. ويدل على هذا معدلات الفائدة العالية التي تتقاضاها هذه المصارف، وعدم تقديمها لقروض التطوير، وعدم إعطاء قروض (ولو غير تطويرية) إلا بإذن وضمانات من الحكم العسكري للأفراد المستلفين، كما يحق للحاكم العسكري الاطلاع على أي حساب وتجميده ومصادرته، وتتقاضى هذه المصارف 2,5% عمولة على الكفالة، واستغراق مدة طويلة في حالة فتح الحساب، ووجود مشكلات في تعبئة الطلبات والمعاملات إذ أنها بالعبرية فقط مما أوقع الكثيرين من المواطنين في مشكلات قانونية.
وتتراوح الفوائد التي تتقاضاها المصارف الإسرائيلية ما بين 8% و11% شهرياً على القروض الممنوحة للمستخدمين، و13% - 17% على التجار. ومن حق مراقب حسابات الدولة الإسرائيلي أن يحدد مستوى القروض والفوائد. وتجدر الإشارة إلى أن الفارق بين معدل الفائدة المدفوع على الإيداعات وبين نظيره المفروض على القروض، واسع جداً؛ فهو 40% على الأول، و180% على الثاني.(62)
وتتقاضى المصارف الإسرائيلية فائدة بمعدل 17% على القروض الصناعية (وهي نادرة جداً)، كما أن مدتها لا تتجاوز عاماً ونصف العام.(63) وفيما يخص ضمانات الحكومة الإسرائيلية لتسهيلات التسليف: "فإن في وسع المصارف الإسرائيلية عرض تسهيلات تسليف في حدود 10 آلاف ليرة إسرائيلية (2380 دولاراً طبقاً لسعر الصرف لسنة 1973)، وذلك من دون الحاجة إلى موافقة الحكومة. لكن أية عملية تسليف تتجاوز هذا السقف، لا بد لها من موافقة الحكومة. لقد قدمت السلطات الإسرائيلية إلى المصارف الإسرائيلية العاملة في المناطق المحتلة ضمانات لما تمنحه من قروض لأفراد فلسطينيين، ضمانات بنسبة 90%."(64)
نلاحظ من هذا أن هذه الضمانات هي لقروض ممنوحة لأفراد. وكل هذا محصور في مرحلة التمفصل مع اقتصادهم، أي ما قبل منتصف السبعينات. وفي هذه الفترة كان الاستيطان أقل، ولذا كان التركيز على التمفصل أعلى. أما مع تنشيط الاستيطان وتوقف التمفصل، فقد تلاشت ميزانية الاستثمار. (تجدر الإشارة إلى أن كل هذا لا يشمل المستعمرات). وعليه، فإن المرحلة الأولى لا تعبر عن السياسة الحقيقية للمصارف الإسرائيلية في المناطق المحتلة. وبناء على هذا الدور للمصارف الإسرائيلية، فإن تعاكي أمل المناطق المحتلة معها ظل محدوداً في نطاق ما يحتاجون إليه من سيولة مالية لتمويل مشترياتهم من إسرائيل. ولذا، فإن نسبة العملة الإسرائيلية من أرصدتهم في هذه المصارف تصل إلى 90%. أما بالعملة الصعبة، فإن أرصدتهم قليلة جداً مع أن ذلك مسموح لهم. ولا يزيد الرصد في المصارف الإسرائيلية على 4% من الإنتاج في مقابل 29% قبل سنة 1966، بينما تصل هذه النسبة في إسرائيل إلى 48%، وبالنسبة إلى الدول العربية النامية تصل إلى 10%.(65)
لقد أدى التخفيض المتتالي للعملة الإسرائيلية إلى تقليل رصد العملة الإسرائيلية، وهذا زاد طبعاً في الرصد بالعملة الصعبة، إذ قفز من 12% سنة 1977 إلى 80% سنة 1984. على أن النسب ليست بليغة الدلالة في هذا الصدد، إذ لم يتجاوز الرصد الكلي نسبة 7,5% من الإنتاج القومي الإجمالي، في حين كان 25% سنة 1966.(66)
وعلى الرغم من كلا بلاغة ما تقدم من أرقام فإنها لا توضح الصورة؛ إذ تتضح هذه فقط بقراءة نزيف الفائض إلى الخارج، وهو الذي يحول دون وصول التراكم محلياً إلى مستوى مقبول ليحفز الاستثمار، ولذا اعتمدت المناطق المحتلة على التحويلات من الخارج اعتماداً متزايداً. فقد قفزت حصة التحويلات من الخارج أقل من 3% من الناتج القومي الإجمالي سنة 1968 إلى 33% سنة 1984، وإلى 25 سنة 1987.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه على الرغم من عدم إمكان اعتماد سنة 1968 سنة أساس، فإن هذه التطورات تظل تحمل مصداقية اعتماد المناطق المحتلة على التحويلات من الخارج، وإنْ كانت نسبة التزايد أعلى من الإحصائية المذكورة سنة 1968. أما مصادر هذه التحويلات فهي، بصورة خاصة، عمل الفلسطينيين داخل الخط الأخضر والذين تشكل تحويلاتهم نحو 50% من مجمل التحويلات، والعمل في دول النفط العربية، وما يودعه الفلسطينيون القاطنون في الأردن المصارف الأردنية لمصلحة ذويهم في المناطق المحتلة، والتحويلات من عوامل الإنتاج التي تخص أهل المناطق المحتلة في الخارج. هذا، إضافة إلى مصادر أخرى مثل تحويلات الحكومة الأردنية إلى موظفيها، والمنظمات الطوعية الأميركية والأونروا (أنظر لاحقاً).
حصة التحويلات من الناتجين المحلي والقومي للمناطق المحتلة، 1978-1984
(بملايين الشيكل، وبالأسعار الجارية)
السنة |
البند |
النسبة للمحلي (%) |
النسبة للقومي (%) |
|
المحلي |
القومي |
|||
1968 |
- |
- |
- |
أقل من 3* |
1978 |
1353 |
1669 |
33 |
25 |
1980 |
5489 |
7409 |
35 |
26 |
1981 |
11195 |
15913 |
43 |
30 |
1983 |
62621 |
93469 |
49 |
33 |
المصدر:
U.N. Conference for Trade & Development for the Economic and Social Committee for West Asia (The Palestinian Financial sector), November 1987, Derived from table (35), 121-122.
* Ibid., p. 122.
نزيف الفائض
أما الجانب الآخر للأمر، فهو نزيف الفائض من المناطق المحتلة إلى الخارج. وهنا لا حاجة إلى ذكر الأسباب التي تدفع من حاز على الفائض إلى رصده خارج منطقة متوترة كالمناطق المحتلة. إن ما أود الإشارة إليه هو أ،ه في مقابل اعتماد هذه المناطق على التحويلات من الخارج، فإن الكثيرين من مواطنيها يقومون بضخ مبالغ كبيرة من الفائض إلى الخارج. و"تقدر ودائع الفلسطينيين القاطنين في المناطق المحتلة بـ 10% - 15% من كامل الإيداعات في المصارف التجارية الأردنية، وتقدر أرصدة أهل المناطق في الأردن بـ 70 مليون دولار أردني."(67) لكن الأهم هنا هو أن هؤلاء الفلسطينيين يملكون في الأردن، بل يبنون هناك البيوت والمصانع، ويشترون الأسهم والسندات. وتقدر النقود المحولة شهرياً من المناطق المحتلة إلى الأردن بـ 3 – 6 ملايين دولار، قسم كبير منها في البنك العربي.(68) وكل هذا إلى جانب قيام فلسطينيين برصد أموالهم في مصارف عربية أخرى وأجنبية، وخصوصاً الفلسطينيين الذين هم من المناطق المحتلة ويعملون في الخارج.
مصادر التمويل الأخرى
بالإضافة إلى الاستثمار المحلي، والقروض التي يمكن الحصول عليها من المصارف الإسرائيلية، هناك مصادر التمويل الفلسطينية والعربية والدولية. وهذه المصادر، علاوة على عدم إمكان معرفة الحجم الحقيقي لما تقدمه من قروض ومساعدات للمناطق المحتلة، إذ لا توجد تقارير رسمية للعديد منها، مثل مساعدات منظمة التحرير الفلسطينية، فإن مساعدات قسم كبير منها غير ثابتة ولا ملتزمة كاللجنة الأردنية – الفلسطينية المشتركة. هذا، إضافة إلى أن قسماً منها يعتبر أن دوره صدقاتي مثل بعض المؤسسات الأوروبية غير الحكومية، والبعض تطوعي مثل منظمات أميركية، أو إنساني مثل وكالة الغوث. وسنحاول فيما يلي ذكر ميزانيات بعض هذه المصادر، لا بهدف حصر دورها وإنما للتمثيل عليه.
مدفوعات اللجنة الأردنية – الفلسطينية المشتركة (1979-1985)
القطاع |
المبلغ بالدينار الأردني |
الحصة (%) |
التعليم |
34,576,055 |
25 |
الإسكان |
21,972,596 |
16 |
البلديات |
17,626,675 |
13 |
التنمية الاجتماعية |
12,698,230 |
9 |
الزراعة |
10,743,961 |
7,8 |
الكهرباء |
9,049,970 |
6,6 |
العناية الاجتماعية |
8,346,497 |
6 |
الصناعة |
6,048,000 |
4,5 |
النقل |
4,324,200 |
3,5 |
الصحة |
2,591,150 |
2 |
البيوت المهدومة |
2,548,216 |
2 |
الماء |
1,912,800 |
1,4 |
شراء أراضي |
1,453,531 |
1 |
صندوق طوارىء |
1,344,113 |
1 |
إدارة |
1,239,900 |
1 |
الأوقاف |
834,500 |
0,6 |
دراسات |
182,620 |
0,1 |
المجموع |
137,537,990 |
100 |
المصدر: المكتب الفني للجنة الأردنية – الفلسطينية المشتركة 1986 (عمان: أسير، 1986)، ص 10.
وهناك التحويلات الأردنية المباشرة، والتي تقدر بـ 7 – 8 ملايين دينار سنوياً. إلا إن نقطة التحول الدرامية في التمويل الأردني للمناطق المحتلة هي خطة التنمية الأردنية التي بدأت وانتهت بصورة درامية. فقد أعدت في سنة 1985، خطة لسنوات 1986 – 1990. ووزعت بنودها على النحو التالي:
القطاع |
المبلغ (مليون دينار) |
بالمائة من المبلغ الكلي |
الزراعة |
60,7 |
13,4 |
الصناعة |
22,5 |
4,9 |
الإسكان |
190,0 |
41,2 |
الإنشاءات |
64,0 |
13,9 |
التعليم |
78,697 |
17,0 |
الصحة |
34,4 |
7,5 |
التنمية الاجتماعية |
10,471 |
2,1 |
المجموع |
461,5 |
100 |
المصدر:
Al-Fajr, August 8, 1986.
وفي هذا الصدد، يجب الإشارة إلى الشبه بين الموقفين التطويرين في ميزانية اللجنة المشتركة وخطة التنمية الأردنية. فقد كانت حصة الصناعة في اللجنة المشتركة 6,2%، في حين أنها كانت في خطة التنمية أقل من 5%. أما حصة الزراعة في خطة اللجنة المشتركة فكانت 7,8%، بينما كانت في خطة التنمية 13,4%. لكن تجدر الإشارة إلى أن هناك تعمية من قبل خطة التنمية؛ فمن 61,7 مليون دينار حصة الزراعة، هناك 21,8 مليون دينار موزعة على إنشاء مكاتب ومؤسسات تسويق واستشارات وأبحاث وتعاونيات. أما المبلغ المخصص للإنتاج الزراعي فهو 28,1 مليون دينار، أي 7,8%.
وقد بدىء بتنفيذ الجوانب الأساسية لخطة التنمية هذه (للضفة والقطاع) سنة 1986 باتفاق إسرائيلي – أردني على كل التفاصيل.(69) وتعتبر هذه الفترة ذروة التقاسم الوظيفي ونهايته العظمى ما قبل الانتفاضة.
أما فيما عنى التحويلات العربية، فهي أكثر المصادر غموضاً، إذ لا توجد صلات مباشرة بين المناطق المحتلة وهذه الدول. وباستثناء مساهمتها في اللجنة المشتركة لا يعرف أحد كم تدفع أو دفعت للحكومة الأردنية، أو لمنظمة التحرير، أو للفلسطينيين المحليين المرتبطين بهذا النظام أو ذاك. هذا، إضافة إلى ما قدمه بعد الأنظمة العربية من مساعدات لمرة واحدة، مثل مبلغ 2,3 مليون دولار دفعه صندوق البرنامج العربي في الأمم المتحدة إلى الأونروا سنة 1981.
وفيما يلي تقدير بالدفع المسجل من الدول العربية والإسلامية إلى المناطق المحتلة خلال 1978 – 1984:
- الحكومة الأردنية: 49,5 مليون دينار.
- المنظمات الدينية وغير الحكومية: 6 ملايين دينار.
- الدول العربية والإسلامية (بما فيها صندوق القدس): 10 ملايين دينار.
- اللجنة الأردنية – الفلسطينية المشتركة: 122,8 مليون دينار. وتقدر مصادر أخرى هذا المبلغ بـ 133 مليون دينار. وعليه يصل المبلغ الكلي إلى 187,3 مليون دينار.(70)
التحويلات الدولية
فيما يلي التحويلات الدولية إلى المناطق المحتلة خلال فترة 1978 – 1984 (بملايين الدولارات).
السنة |
الأونروا |
Europe PVOs |
USPVOs |
EEC |
UNDP |
المجموع |
1978 |
37,4 |
3,0 |
7,0 |
- |
- |
46,4 |
1979 |
39,0 |
3,0 |
7,0 |
|
1,0 |
49,0 |
1980 |
51,9 |
3,0 |
7,0 |
- |
1,0 |
63,9 |
1981 |
59,9 |
3,5 |
7,0 |
1,0 |
1,0 |
73,0 |
1982 |
61,9 |
3,5 |
7,0 |
1,0 |
1,0 |
74,4 |
1983 |
60,5 |
4,0 |
7,0 |
1,0 |
1,0 |
73,5 |
1984 |
65,1 |
4,0 |
7,0 |
1,0 |
1,0 |
78,1 |
المجموع |
375,7 |
24,0 |
49,0 |
4,0 |
6,0 |
458,3 |
المصدر: "القطاع المالي الفلسطيني"، كانون الأول/ ديسمبر 1987، ص 137.
من الواضح أن حصة الأونروا في هذه المساعدات تصل إلى 80%. لكن الأمم المتحدة زادت مؤخراً في ميزانية مشاريعها في المناطق المحتلة.
نلاحظ من الجدول أعلاه أن المؤسسات الطوعية أو غير الحكومية قد سبقت حكوماتها إلى المناطق المحتلة، مما يبين أن دورها هو جس النبض السياسي هناك تمهيداً لدخول حكوماتها. ولذلك فقد جاء دور هذه الحكومات بصورة خاصة بعد سنة 1982، أي بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، وبعد أن خرج وزير الخارجية الأميركي جورج شولتس بمشروع "تحسين أوضاع المعيشة في المناطق المحتلة."
وتجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أن الهدف الرئيسي لهذه المنظمات هو اختراق المنظمات الجماهيرية المحلية. ولذا، فإن البند الأول في جداول اجتماعات هذه المنظمات هو "هل اخترقنا المنظمات الجماهيرية الفلسطينية."(71) إذاً، تعتبر هذه المنظمات أدوات لحكوماتها، لكن بتجليات مختلفة ومموهة، وتهدف إلى خلق تحديث محلي، يزيد في عمق تبعية المناطق المحتلة اقتصادياً وتمويلياً، وبالنتيجة سياسياً وأيديولوجياً، عبر تحسين صورة حكوماتها. وهذا بخلاف ما يدعيه بعض الكتّاب الغربيين الذين يرون في هذه المنظمات، إضافة إلى ما سبق، "تكفيراً من الدول الإمبريالية عن أخطائها، أو أنها ليست أدوات لحكوماتها."(72)
الأداء الاقتصادي خلال الانتفاضة
هناك بعض الملاحظات التي لا بد من إيرادها قبل الدخول في هذا الموضوع.
الملاحظة الأولى، متعلقة بالحماسة العربية والفلسطينية خارج الأرض المحتلة، وهي حماسة لا تقود إلى رؤية إيجابيات الانتفاضة فحسب، بل أيضاً تضخيم هذه الإيجابيات مما قد يؤدي إلى تلقيح الانتفاضة بأمراض، كتلك التي أصابت المقاومة الفلسطينية في بواكير أعوام نشاطها. ولا أخال هذا التضخيم إلا شعوراً بالذنب لعدم المشاركة، أو جوعاً عربياً للانتصار يقود إلى إرغام "انتصار الانتفاضة" على تجاوز حجمه.
والملاحظة الثاني هي أنني لن أتناول المؤسسات الأجنبية، "مثل المنظمات غير الحكومية – الأميركية والأوروبية الغربية"، لأنني لا أعتبرها تنموية، وطبعاً ليست وطنية أو محلية، بل هي مؤسسات معادية بالضرورة، بغض النظر غن الكيفية التي تطرح بها نفسها.
والملاحظة الثالثة هي أن ما سيعرض أدناه ليس استراتيجية أو طرحاً متكاملاً للمنحى الذي يجب أن يأخذه الاقتصاد المحلي، وإنما هو تشخيص وإلى حد ما تحليل لما حدث.
تشكل الانتفاضة لحظة اختبار للذات على مختلف الصعد. فعلى الصعيد الاقتصادي، أُثير العدد من الأسئلة، وخصوصاً: هل هناك ضرورة لانتفاضة اقتصادية؟ ولضيق المجال لن أناقش هنا الآراء المختلفة؛ فالانتفاضة الاقتصادية عامل حاسم في استمرار الانتفاضة السياسية أو الكفاحية بصورة عامة. والهدف المركزي هنا هو التنمية بالحماية الشعبية، والتي تبدأ من الإنتاج المنزلي مروراً بالانسحاب إلى الداخل وانتهاء بفك الارتباط.
والانتفاضة الاقتصادية ليست كفاحاً اقتصادياً سلبياً، بل هي هجوم أيضاً، ولا سيما أنها تشتمل على إيقاع خسائر اقتصادية كبيرة بالقطاعات الإنتاجية الإسرائيلية التي تنتج للتسويق داخل المناطق المحتلة، وتقود إلى بطالة عمال هذه المؤسسات وبطالة وكلاء هذه الشركات... إلخ.
وبالمفهوم الوطني العام للانتفاضة الاقتصادية، فإن السؤال المطروح هو هل جرت مقاطعة فعلية للمنتوجات الإسرائيلية، وهل أخذت المقاطعة مساراً منهجياً، وهل قمنا بإنجاز الخطوات الضرورية التي تترتب على المقاطعة؟ ربما تقربنا هذه الأسئلة من موضوع الأداء الاقتصادي للمؤسسات المحلية. وكان من السهل في السابق رد أية مشكلة في أداء المؤسسات الاقتصادية المحلية إلى عراقيل الاحتلال. أما خلال الانتفاضة، فإن الأمر ليس تماماً كما كان قبلها. وهذا لا يعني أن سلطة الاحتلال قد تلاشت، لكن توفر بلا شك مناخ من الوعي الوطني والسياسي من جهة، ومناخ من التراخي النسبي لقبضة الاحتلال بسبب الانتفاضة من جهة أُخرى. ويفترض هذا المتغير المهم حدوث توجه تنموي محلي جدي. ولست في صدد الإثبات أن التنمية بالمفهوم الشعبي وفك الارتباط هما الأصح (أنظر: "من احتجاز التطور إلى الحماية الشعبية"؛ "اقتصاد تحت الطلب..."). لكن المهم أن توجهاً تنموياً لا بد من أن يحدث. فبعد الأشهر الثلاثة الأولى، حيث استقر الجميع على توقعات استمرار الانتفاضة، كانت لا بد من توطين النفس على الاستثمار التنموي. فبالمفهوم التحديثي على الأقل كان يجب:
1- توسيع الطاقة التشغيلية للمصانع المحلية، لا بمفهوم تشغيل الآلات المتوفرة بكامل طاقتها، بل بإدخال آلاف جديدة لتلبية الطلب المحلي بسبب التوجه للمقاطعة، "في حين أن ما حدث هو اللجوء إلى شكل أكثر عمقاً من التعاقد من الباطن، وهو "شراء المنتوجات جاهزة من إسرائيل، لكن معلبة في علب أو صناديق باسم الشركات المحلية" (أنظر لاحقاً).
2- كان يجب زيادة عدد العاملين في المصانع المحلية عبر توسيع طاقة الإنتاج، والتقسيم إلى أكثر من وردية، ومساهمة م. ت.ف. في دفع أجور العمال الإضافيين الذين لا ضرورة حقيقية لاستيعابهم في المصانع، إلى أن يصبح استيعابهم طبيعياً. وهذا يعني توفير دخل للعمال الذين قاطعوا العمل داخل الخط الأخضر كي لا يضطروا إلى العودة إلى هناك من جهة، وريثما يتمكن الاقتصاد المحلي من تكييف بنيته لاستيعابهم من جهة أخرة. لكن هذا لم يحدث. ولذا، عاد عمالنا إلى داخل الخط الأخضر مضطرين.
3- كان في الإمكان تقديم قروض أو هبات أو تبرعات إلى الفلاحين لإعادة استغلال واستصلاح أراضيهم المهملة. وهذا يشتمل على تشغيل الفلاح نفسه، وتشغيل الفلاح ذي الملكية المحدودة، وتشغيل العمال الزراعيين الذين لا يملكون وكانوا يعملون داخل الخط الأخضر. وفي حالة الضفة الغربية، هناك متسع لتشغيل عشرات الآلاف ولفترة لا تقل عن ستى أشهر متواصلة. وهذا لم يحدث أيضاً.
4- كان وما زال في الإمكان تشغيل فريق أو فرق بحث للتنوير والتأشير للمستثمر في "الاستثمارة الصغيرة أو الكبيرة" في المجال الملائم، بهدف تجنيبه المجالات غير المؤكدة. وهذا لم يحدث أيضاً، بل قامت الجمعيات الأجنبية وبعض المؤسسات التنموية المحلية والفلسطينية بإعطاء قروض لمزارعين كي يربّو الأبقار والأغنام بأنواعها، من دون حساب دقيق للأمر، مما قاد إلى إفلاس الكثيرين منهم وإصابة آخرين بخسائر فادحة.
5- كان من الضروري العمل على إقامة جمعيات تعاونية واسعة العضوية، لا أن تكون من عضوين أو ثلاثة كما فعلت المؤسسات التمويلية في المناطق المحتلة، والتي ركزت على إقامة مشاريع تشغيل للخريجين العاطلين عن العمل، الذين ما إن وجد الواحد منهم أية وظيفة مكتبية حتى ترك المشروع أو التعاونية، بل أنه لم يسدد الأقساط المترتبة عليه.
6- كان من الممكن تطوير تجارب الإنتاج المنزلي في الريف وفي أحياء المدن غير المكتظة، لتأخذ شكل تعاونيات محلية مستمرة، كإقامة دكان صغير للحي، واستمرار زراعة قطع الأرض وتربية الدواجن... إلخ. وكانت من الممكن تقديم الدعم لهذه المحاولات لتغطية عجزها، بدل أن يوجه الدعم من كل إطار سياسي إلى عناصره ومشايعيه، أو بطريقة نقدية مباشرة إلى الأُسر المحتاجة، علماً بأن الطريق الطبيعي لهذا الدعم هو توجيهه إنتاجياً، أي إقامة مشاريع للتشغيل التي هي نفسها مشاريع إنتاجية.
كان ما سلف هو الطابع العام لفترة العام ونصف العام الأولى للانتفاضة، إذ تلت هذه الفترة تطورات أخرى نجمت عنها بالضرورة، مثل عودة قوة العمل المحلية التي تركت الخط الأخضر إلى العمل هناك، ووقوع أزمة الدينار الأردني مما قاد إلى تآكل مداخيل ومدخرات قطاعات كبيرة من الشعب، واتضاح محدودية الإنتاج المنزلي، وخصوصاً فيما يتعلق بقدرته على أن يكون الحل الكافي لأزمة اقتصاد وطني، أي استحالة ارتقائه إلى بديل اقتصادي شامل (أنظر لاحقاً)، إلى جانب قلة في القدرة الاستهلاكية للجمهور نظراً إلى قلة المداخيل من جهة، وهجمكة الضرائب الإسرائيلية لضخ السيولة من أيدي الناس من جهة أخرى،(73) ونظراً إلى عدم تطوير مجالات إنتاجية جديدة تواكب الانتفاضة، وكذلك نظراً إلى تقييدات الاحتلال على إدخال الأموال إلى المناطق المحتلة.
وكما أسلفنا أيضاً، فإن عدم قيام رأس المال المحلي بالاستثمار الاقتصادي خلال فترة العام ونصف العام الأولى للانتفاضة، قد أدى إلى مرحلة من تضعضع الاستهلاك المحلي، إذ لم يتوفر تشغيل محلي يقود إلى تنشيط الاستهلاك. وهذا، على الرغم من التوجه لمقاطعة المنتوجات الإسرائيلية، الذي هو مظهر لتعزيز الاستهلاك من المنتوجات المحلية. وبعد فترة العام ونصف العام الأولى من الانتفاضة، كان يجب أن يكون اقتصادنا قد أغلق الثغرات التي يمكن إغلاقها، بمعزل عن الحضور المباشر للقوة العسكرية الإسرائيلية، مثل إنتاج كميات أكبر من المحاصيل الحقلية، باعتبارها حاجات أساسية للناس، كما توفر نسبة كبيرة من أغذية الحيوانات. وهذا مقومان أساسيان لبلوغ درجات العصيان المدني، ودرجة من الاستقلال الاقتصادي بالإنتاج، وتقليص الاستيراد، وتركيز شكل واع من الاستهلاك ينفي الاستهلاك الترفي والمكلف ويعزز الاستهلاك الأكثر إنسانية. فالنقص الخطر في الحاجات الأساسية قام بدور ليس في عدم الارتقاء إلى العصيان المدني فحسب بل كذلك في اختراق المقاطعة السلعية والضريبية، إذ استحال منع استيراد الطحين والأرز والقمح، كأغذية أساسية للناس، والذرة والصويا والشعير كأذغية أساسية للثروة الحيوانية، هذا سهل على الكمبرادور المحلي الحفاظ على شريان في العلاقة بالسوق الإسرائيلية كي يهرب سلعاً أخرى. وربما لهذا السبب اضطرت القوات الضاربة مرات عديدة إلى انتزاع الكثير من البضائع الإسرائيية من الحوانيت وجمعها في الشوارع ورقها. ونظراً إلى أن العدد من المصانع معتمد على المواد الخام الإسرائيلية، فقد استثنيت المصانع من مقاطعة الضرائب، مما أوجد ثغرة للتسيب. في حين أن من أهم مقومات استمرار صمود بلدة بيت ساحور،(74) في الامتناع من دفع الضرائب وجود أكثرية ساحقة فيها من المنتجين المستقلين الذين تعتمد منتوجاتهم على مواد خام وصناعات محلية، أي تلك التي تعتمد على خشب الزيتون والصدف (موارده الخام غير إسرائيلية).
فيما يخص علاقة العمل – رأس المال، فكما أشرنا أعلاه لم يقم رأس المال باستيعاب عمال جدد، ولم يقم بتحسين أجور العمال وحتى في الفترة التي كان التوجه لاستهلاك المنتوجات المحلية عالياً جداً. ولم يقم رأس المال طبعاً باستثمار الفائض الذي حصل عليه، ولم يكن للعمل أن يدخل في صراعات طبقية في حمأة كفاح وطني شامل. والشيء نفسه اليوم، أي في الفترة التي تقلص فيها الاستهلاك المحلي، إذ لم يزد رأس المال في أجور العمل. وكما أسلفنا، فإن عدم زيارة أجور العمال لم يولد مزيداً من الاستهلاك. هكذا، وكأن اقتصادنا يدخل في حلقة أو دائرة ضرورية من إعادة إنتاج التراجع الاقتصادي. لكن ما سلف لا يعني السكونية المطلقة فيما يخص العملية الاستثمارية، على الرغم من أن ما جرى من استثمارات لم يكن بالضرورة استثمارات بالمفهوم التنموي الحقيقي، ولا حتى التحديثي (بمفهومه الوطني العريض).
الأنشطة التنموية المحلية
الإنتاج المنزلي
ترافق التوجه للإنتاج المنزلي مع قيام الانتفاضة؛ وعليه، فقد سبق أي توجه اقتصادي آخر. لذلك، يتسم هذا التوجه بالعفوية أكثر مما يتسم بتوعية اقتصادية تنموية وطنية. وقد ساعد في هذا التوجه البنية الريفية الغالبة على الضفة الغربية بصورة خاصة، إضافة إلى أن المدن نفسها ليست مكتظة إلى الحد الذي يحول دون وجود حديقة المنزل واستثمارها. فعلى الرغم من مرور عقدين على الاحتلال، فإن الفلاح لم ينسلخ تماماً عن الأرض، أو على الأقل لم ينس أنه كان منتجاً اكتفائياً إلى حد كبير قبل سنة 1967. لقد ساعد في تركيز هذا التوجه شعور المواطنين بأنهم يدخلون معركة مواجهة، وهذا يتطلب توفير الغذاء كشرط أساسي، وخصوصاً حين دار حديث عن العصيان المدني وأخذت الحركة الوطنية في طرحه كبرنامج صدافي مع الاحتلال.
تم في الأشهر الأولى للانتفاضة استغلال قطع الأرض الصغيرة والقريبة من المنازل. كما تمت تربية الدواجن وبعض الأغنام، وأحياناً الأبقار، بهدف إنتاج الأساسيات. وجرى استغلال جماعي لقطع الأرض في الأحياء والحارات، مما شمل مئات الآلاف من الدونمات. لكن هذا النشاط أحيط بتغطية إعلامية ودعاوية أوسع من حجمه كثيراً. ولا يعود نقدنا لهذه المبالغة إلى حقيقة أن العزيمة في هذا الصدد قد فترت في العام الثاني قياساً بالعام الأول. وإنما يعود نقدنا إلى المغالاة السياسية، وحتى الأيديولوجية، لهذا النشاط. فقد وصل الأمر بالبعض إلى حد الادعاء أن الإنتاج المنزلي هو "نمط إنتاج"، وأن في إمكانه أن يكون بديلاً اقتصادياً بالنسبة إلى حياة السكان في المنطاق المحتلة. وإضافة إلى المغالات العاطفية هنا، فإن هناك ضعفاً فكرياً ونظرياً في فهم أوليات المادية التاريخية والاقتصاد السياسي من جهة، ومتطلبات الحياة في مجتمع مترسمل "بغض النظر عن حدود تعمق الرسملة" من جهة أخرى.(75)
وعلى المستوى الشعبي، فإن المستثمرين في الإنتاج المنزلي هم، في معظمهم، من الطبقات الشعبية التي رأت في ذلك سداً لجزء من استهلاكها المتواضع، إلا أن هذا التوجه الاستثماري المحمود لم يجد من يرعاه، مثل تنبيه المواطنين إلى بعض الشروط العلمية اللازمة لتربية الدجاج أو الأغنام، أو تنبيههم إلى أن هناك فائضاً من الأغنام تراكم في المناطق المحتلة. ولذلك ألحقت هذه الأخطاء خسائر فادحو بالمواطن الذي دفع جزءاً لا بأس فيه من مدخراته المتواضعة في هذا المجال.(76) وابعد من هذا، فقد لبس تجار استيراد الأغنام ومستلزمات الدواجن لبوس الكفاح الوطني وخدمة المواطنين، فاستوردوا المستلزمات وباعوها للمواطنين بأسعار عالية جداً.(77) ومع ذلك، فإن الفرصة ما زالت مهيأة للعودة إلى تنشيط الإنتاج المنزلي من جديد، وذلك لمتطلبات الانتفاضة من جهة، ولأهمية هذا الأمر في تعميق التوجه الإنتاجي في المجتمع والمساهمة في إعادة تكوين البنية الإنتاجية للاقتصاد المحلي من جهة أخرى.
التوجه الزراعي الفردي
ليس من السهل تسمية قيام مزارعين بالعودة إلى الأرض وتنشيط الزراعة أنه توسع في دور المستحدث بالمفهوم الرأسمالي في الزراعة. ترتب هذا النشاط على حدوث الجفاف في الولايات المتحدة الأميركية، والتي تتحكم في سعر الحبوب دولياً، وبالتوازي مع ارتفاع أسعار الحبوب دولياً ارتفعت أسعارها محلياً، بل ربما قاد الاهتمام بتربية الثروة الحيوانية إلى زيادة الطلب على الحبوب. وإلى جانب هذا، فقد حدث توجه وطني لزيادة الإنتاج المحلي، وخصوصاً من الحاجات الأساسية، ولا سيما في ضوء إمكانات دخول الانتفاضة درجة متقدمة من العصيان المدني.
وقد أبرز هذا الوضع أن هناك إمكانات في أن تنتج الأراضي السيئة الإنتاجية شيئاً من الريع ناجماً عن ارتفاع الأسعار. هذا إذا لم نبين أن الكثيرين من العمال ذوي الأصل الريفي قد أدركوا أن في وسعم إنتاج جزء كبير من حاجاتهم من دون أن يؤثر ذلك في عملهم المأجور. "لقد تم استغلال 900 ألف دونم من الأراضي المهملة في منطقة طولكرم... وقد لجأ المزارع الصغير هناك إلى استئجار الأدوات والآلات بدل شرائها وكانت النتائج المتحققة جيدة."(78)
وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن المزارعين لم يلجأوا إلى أخذ القروض أو الهبات لاستغلال الأرض. وهذا الأمر على عكس ما هو دارج، إذ يتوقع المواطن في المناطق المحتلة الحصول على المساعدات المالية باستمرار. إن هذا اللون من الاتكالية موجود بوضوح لدى الذين يحصلون على القروض والمساعدات من الجمعيات التمويلية الأجنبية، وخصوصاً "الأنيرا". وطبعاً، فإن نشاطات من هذا النوع تعمق التوجهات النفعية في المناطق المحتلة ولا علاقة لها بالإنتاج. ولكن، في مقابل التوجه للإنتاج المنزلي، والتوجه لإنتاج الحاجات الأساسية، على الرغم من أنه محفوز بالحصول على القيمة الزائدة، كان هناك توجه لإنتاج المحاصيل التصديرية حتى في عام الانتفاضة الأول (والثاني طبعاً). ومعروف أن هذا التوجه يتناقض مع كفاية الحاجات الأساسية، ويتنافض مع إعادة تركيب البنية الإنتاجية للاقتصاد الوطني. وفي أية حال، فقد كانت نتيجة التصدير للعام الأول فاشلة وخاسرة. وهذا يعني أن المجموعة الأوروبية، وهي جزء من السوق الرأسمالية العالمية الأوسع التي تهيمن الولايات المتحدة عليها، تقوم بدور مرسوم لها في التقسيم الامبريالي الأميركي للعمل داخل شركائها الأصغر في رأس المال العالمي، أي هدفت هذه المجموعة ليس إلى تعميق تبعية المناطق المحتلة فحسب، وليس محوطة الكيان السياسي الفلسطيني قبل أن يتبلور فحسب، بل أيضاً إلى إيقاع خسارة حتى بالتاجر الفلسطيني، وهي خسارة ترتد وبالاً حتى على المنتج.(79)
مشاريع في قيد التفكير
هناك مشاريع اقتصادية على نطاق واسع كان قد تم التفكير فيها، أو إجراء دراسات جدوى لها، أو تم الحصول على ترخيص بها، قبل قيام الانتفاضة: منها ما تم تنفيذه مثل مشروع كلاب للمشروبات الغازية (Club) في رام الله؛ ومنها ما تم تجميده في نطاق الفكرة أو لم يحصل على ترخيص من الحكم العسكري الإسرائيلي بعد، مثل مشروع فراخة دواجن، بياض ولاحم، ممول من الأمم المتحدة (لاحظ أن الأمم المتحدة ليست مؤسسة محلية، لكنها ليست معادية أيضاً) برأس مال قدره 2,2 مليون دولار؛ ومنها بسبب التغيرات السلبية في القطاع الاقتصادي المطروح للاستثمار، مثل مشروع الأمم المتحدة لإقامة محطة توليد وتهجين نموذجية للأغنام. وهناك مشاريع لم يقدم أصحابها على تنفيذها بعد على الرغم من أن لها جدوى واضحة، مثل مشاريع تفريز وتجليد الخضروات الفائضة في المناطق المحتلة؛ ومنها ما لم يستمر الطرف الممول في متابعته. إلا أن هذه المشاريع محدودة العدد بصورة واضحة، كما أنها جميعاً – حتى لو قرر ممولوها الشروع في التفيذ – تظل مشروطة بالترخيص من الحكم العسكري الإسرائيلي. على أن الممولين في معظمهم، إن لم نقل كلهم، يصرون على الحصول على قروض، أي أنهم لا يفضلون ولا يتشجعون لتنفيذ المشاريع الحاصلة على الترخيص إلا بدعم مالي. وعليه، فإن "إقامة مشاريع بسبب الانتفاضة وبناء على متطلباتها لم تحدث قد."(80)
التعاونيات الشعبية
تعتبر هذه التعاونيات نموذجاً جديداً يقوم على أساس مادي، وعلى توجه إنتاجي – تشغيلي، بهدف استيعاب الأعضاء العاملين ليعتمدوا في حياتهم اعتماداً تاماً على التعاونية. وهذا يبين اختلافها عن التعاونيات الخدماتية (تعاونيات النقل والتسويق)، والتعاونيات الإنتاجية على أساس تحقيق الربح للمساهمين، والتي لا تعدو كونها مؤسسات خاصة موسعة وأكثر مهارة في تحصيل القيمة الزائدة، ناهيك بالحصول الدائم على المساعدات والهبات من مؤسسات التمويل الغربية. وأفضل مثال لهذه الجمعيات "جمعية مربي الدواجن في البيرة ورام الله"، وهي أكبرها ويعتبرها دعاة هذا اللون من التنمية الجمعية النموذجية.(81)
ربما يمكننا القول إن هذا النمط التعاوني جاء بعد أن اتضحت محدودية الإنتاج المنزلي (وإنْ كانت تشاركه التوجه لإنتاج الأساسيات والتخلص من التبعية)، والإنتاج مباشرة باليد والهدف التشغيلي وليس الأربحية، واستغلال ما هو متوفر محلياً من الإمكانات الاقتصادية. ولذا، اتجهت هذه التعاونيات نحو الزراعة بخلاف الاستثمارات الرأسمالية، وخصوصاً التعاقد من الباطن.
لقد تكونت عشرات التعاونيات من هذا الطراز في الضفة والقطاع خلال الانتفاضة، وهي تضم 5 – 20 عضواً / عضوة. لكن بنيتها الداخلية ما زالت بحاجة إلى بلورة، أو هي على الطريق. فمنها ما لا يتجاوز كونه تعاوناً في الإنتاج المنزلي، مثل التعاونيات التي تنتج المخللات في الأحياء، وهي تعاونيات مكونة من مجموعة شابات في الحي أو ربما القرية. وعلى الرغم من أن الأسس التي تحكم طبيعة هذا العمل "غير رأسمالية – أو هناك توجه جدي لتجاوز الأسس الرأسمالية" – فإن طبيعة التعاونية نفسها لا تزال بدائية. ومنها ما يتجاوز هذا المستوى إلى العمل الزراعي وتربية الدواجن والأغنام والأبقار وتوزيع الحليب. وقد اعتمد بعض هذه التعاونيات، في التمويل، على تبرعات الأعضاء والبعض الآخر على تبرعات أو "مساهمة" أهالي القرية. وهذا يشير إلى أن مسألة المساهمة لا تزال معلقة بمعنى أن المساهمة تعني الملكية الفردية وهذا غير وارد في منهج هذه الجمعيات. كما تعمل هذه التعاونيات على عدم استغلال العمل المأجور، بحيث تقوم بتوزيع العمل على الأعضاء إلى أن يكون هناك متسع لاستيعابهم الكلي. لكن هذه التجربة لا تزال جنينية جداً ويتوقف نجاحها على شروط عدة، كما أنها تواجه العديد من المشكلات التي يجب حلها موضوعياً، مثل كيفية العمل والمنافسة والبيع في سوق رأسمالية، وكيفية التسعير وإنتاج أو شراء المواد الخام، وإمكان العمل والصمود من دون الحصول على قروض من مؤسسات التمويل – هذه المؤسسات التي تتنازل عن الكثير من شروطها في سبيل اختراق هذه التعاونيات.
وإضافة إلى هذا، فإن العناصر المكونة لهذه التعاونيات هي، في معظمها، من الشبان. وهذا ما جعلهم هدفاً للاعتقالات من قبل سلطات الاحتلال، بل أن الاحتلال قام في بعض الأحيان بإغلاق بعض هذه التعاونيات (تعاونية قرية بتير قرب بيت لحم).
نشاط مؤسسات تمويلية فلسطينية
هناك نشاطات تنموية بالمفهوم التحديثي لمؤسستي مجموعة التنمية الاقتصادية في القدس والتعاون في جنيف، وكلتاهما بدأت العمل قبيل الانتفاضة.
فيما يخص مجموعة التنيمة الاقتصادية، فهي تنفذ مشاريع صغيرة لا يتجاوز رأس مالها 25 ألف دولار. وتعتمد في تمويلها على المجموعة الأوروبية، والتي يحق لها إبداء الرأي في سجالات التمويل. وهذا يعني حق المجموعة الأوروبية في فرض فلسفة التحديث الاقتصادي. وليس التنمية ذات المنهج المادي والشعبي.(82) قدمت مجموعة التنمية الاقتصادية قروضاً بمبلغ 1,5 مليون دولار خلال الانتفاضة، وهي تساوي 50% من رأس المال المستثمر في 180 مشروعاً.(83) كما تقوم مؤسسة التعاون، مركزها جنيف، بمشاريع في المناطق المخحتلة ذات نطاق أوسع من مجموعة التنمية الاقتصادية.
النشاط الأجنبي
تجدر الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن المؤسسات التي سيلي التعرض لها ليست مؤسسات محلية، كما أنها لا ترقى إلى المستوى الوطني، ولذا، فإن عرض نشاطات البعض منها هنا مقصود به عرض نموذج على خطورتها.
بمدار ما شهدت فترة الانتفاضة اهتماماً تنموياً محلياً، فقد شهدت اهتمامات تنموية من العديد من المؤسسات الأجنبية، الإسرائيلية والمنظمات غير الحكومية وهي أميركية وأوروبية وموجهة طبعاً من الحكومات الإمبريالية في تلك الدول. وتعمل هذه المؤسسات والمنظمات على أساس تحديثي رأسمالي بحت. وفي المقابل، فقد غاب التمويل التنموي التحديثي العربي تماماً في فترة الانتفاضة، ولا نعرف إن كان السبب هو الغياب الفعلي، أو قيام مستلمي هذه الأموال بالتوجه غير التشغيلي ولا الإنتاجي، أو لأمور أخرى.
هناك ثلاث فئات للاستثمار الأجنبي في المناطق المحتلة، وهي التعاقد من الباطن (مشاريع صغيرة وكبيرة)، ومشاريع المنظمات غير الحكومية (مشاريع فردية ومتوسطة الحجم) وهي أميركية وأوروبية غربية بصورة خاصة. وأما الفئة الثالثة فهي مشاريع الأمم المتحدة (نطاق كبير) التي لا تنطبق عليها الأهداف العدوانية لكنها تشترك مع الأخريات في الهدف التحديثي.
التعاقد من الباطن
أشرنا، في أكثر من موقع، إلى أن صناعات التعاقد من الباطن شكلت ولا تزال تشكل القطاع الأكثر "ازدهاراً" في المناطق المحتلة. والمهم في الأمر، أن هذه هي السياسة الإسرائيلية المباشرة تجاه التصنيع في المناطق المحتلة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل لم تتخل عن هذه السياسة على الرغم من الانتفاضة وما نجم عنها من تطورات. وبعبارة أخرى، فإذا كانت إسرائيل في صدد الانسحاب من المناطق المحتلة، فقد يكون من الأفضل لها عدم توسيع نطاق التعاقد من الباطن، إلا إذا كانت ترى في أية تسوية مقبلة "تسوية انفتاح اقتصادي شرق أوسطي". وحتى في هذه الحال، فإن موقع المناطق المحتلة سيظل على حاله، أي موقعاً تابعاً. "لقد اتسع نطاق التعاقد من الباطن، إلا إذا كانت ترى في أية تسوية مقبلة "تسوية انفتاح اقتصادي شرق أوسطي". وحتى في هذه الحال، فإن موقع المناطق المحتلة سيظل على حاله، أي موقعاً تابعاً. "لقد اتسع نطاق التعاقد من الباطن في الضفة الغربية خلال الانتفاضة توسعاً كبيراً إذا ما قيس بما قبلها، وإذا ما قيس بقطاع غزة أيضاً، إذ توسعت هذه الصناعة في الضفة الغربية على حساب قطاع غزة." وقد يعود السبب هنا إلى كون ارتباط القطاع بإسرائيل محصوراً في نقطة واحدة هي إيرز. وهذا يجعل في إمكان الحركة الوطنية منع أية سيارة إسرائيلية من دخول القطاع، والتمكن من تفتيش أية سيارة عربية تحمل بضائع من إسرائيل وإليها. كما مكنت الجيش الإسرائيلي طبعاً من هذا الأمر، وكذلك من تثبيت مسألة البطاقات الممغنطة.
أما المناطق التي اتسعت فيها صناعات التعاقد من الباطن، بصورة خاصة، فهي القدس وبيت لحم والخليل ورام الله. وبهذا ، فإن ما تمإحرازه من المقاطعة – على هذا الصعيد – في قطاع غزة استعاده الاحتلال في الضفة الغربية. وعلى الرغم من أن لجوء الرأسمالي الإسرائيلي سريعاً إلى الضفة الغربية، بحثاً عن بديل، من عمال القطاع، لا يخلو من كونه حرصاً من هذا الرأسمالي على تحصيل القيمة الزائدة، فإن الأوساط السياسية والأيديولوجية الإسرائيلية قد استغلت هذا الأمر، وكذلك أمر تقصير الضفة في التضامن تضامناً ملائماً مع غزة في موضوع البطاقات الممغنطة لإحداث شرخ بين الفلسطينيين.
وقد تقدم أحد الرأسماليين المحليين، خلال الانتفاضة، بطلب لإقامة سلسلة مصانع "كبيرة" في الضفة الغربية، ولم توافق السلطات على ذلك إلا إذا أدخل معه شريكاً إسرائيلياً. لكن، في المقابل، فقد قام عدد من الرأسماليين المحليين بالطلب من مصانع إسرائيلية إنتاج منتوجات هذه المصانع وتغليفها بماركة هذه المصانع، وحين سئل هؤلاء عن هذا الأمر، قالوا: "لقد اشترينا تلك الآلات الموجودة في مصانع داخل الخط الأخضر، ونحن في انتظار الإذن لإدخالها." ويقول آخرون: "لقد دفعنا جزءاً من ثمنها". وهذان القولان يشيران إلى شكل جديد تماماً، مهم وحصاص في تطور العلاقة بين اقتصاد المناطق والاقتصاد الإسرائيلي، وهذا التطور قائم على إصرار الرأسمالي على ملاحقة القيمة الزائدة متجاوزاً الحدود والمواقف القومية.
كانت سيجارة "تايم" الإسرائيلية منتشرة جداً في الضفة والقطاع، لكنها قوطعت شأنها شأن منتوجات إسرائيلية كثيرة خلال الانتفاضة، واستبدلها الفلسطينيون بسيجارة "إمبريال" المحلية. لكن، في الأشهر الأخيرة، اكتشف المستهلكون في غزة أنهم يدهنون سيجارة "إمبريال" بطعم "تايم". تُرى هل صُنعت في إسرائيل، أم غُلفت في القدس؟
وبعيداً عن السياسة، فإن هذا شكل معمق ويزداد عمقاً من الشركات المختلطة "ولكن بحصر المشاركين الأجانب – أي في إسرائيل فقط"، والصناعات الموجهة للتصدير.
كما أن هناك بدايات من نوع آخر للصناعات الموجهة للتصدير، وخصوصاً في شمال الضفة الغربية (بلدة يعبد). فقد تعهدت شركة إيطالية بتشغيل 2000 امرأة هناك في تصنيع السلاسل الذهبية، وتعهدت بتمويل المشروع كلياً. ويتم استيراد المادة الخام من إيطاليا. ويمكن لهذه الورشة الواسعة أن تكفي حاجة الضفة الغربية وتزيد للتصدير. وقد جاءت هذه الورشة بديلاً من متعهد إسرائيلي سابق. ومن يدري، فقد يكون رأس المال هو نفسه لكن بهوية إيطالية، ولا سيما أن السلطات الإسرائيلية لا تسمح بمثل هذه الأمور ببساطة. وتحتاج هذه الصناعة إلى عمل مكثف، وإلى جهد إنساني عال جداً، مما يقود إلى النتائج نفسها التي تحدث في دول (عصابة الأربعة)، وهي الهلاك الجسماني للعاملات، وخصوصاً أبصارهن.
المؤسسات التمويلية الأجنبية
شهدت المناطق المحتلة خلال الانتفاضة هجمة "تنموية" من قبل المؤسسات الأجنبية، وخصوصاً الأميركية والأوروبية الغربية، والتي تعمل باسم "منظمات غير حكومية". كما استمرت هذه المنظمات في تمويل المشاريع التي كانت قد بدأتها في الفترة السابقة للانتفاضة. لكن طبيعة أهداف هذه المؤسسات كأهداف عدائية (تنموياً) تخرجها عن نطاق هذا البحث.
نشاط التسويق
شهد التسويق، شأنه شأن النشاطات الأخرى. قفزة ملحوظة خلال الانتفاضة. وقد انقسم هذا النشاط إلى قسمين: قسم شعبي ينسجم مع متطلبات الانتفاضة في الارتقاء إلى العصيان المدني، وتلبية الحاجات الأساسية للشعب على طريق بنية اقتصادية مستقلة. وهو النشاط التسويقي في الداخل؛ وقسم نخبوي توجه للتصدير "البراني"، وخصوصاً إلى المجموعة الأوروبية، وهو النشاط التصديري. وقد عالجنا هذا في كتاب "اقتصاد تحت الطلب...".
فيما يخص النقطة الأولى، فإنه على هامش مقاطعة البضائع الإسرائيلية والحصار المتكرر الذي قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي به، إذ عزلت الضفة والقطاع أحدهما عن الآخر وعزلت كل مدينة في الجزء الواحد عن الأخرى، وأحياناً عزلت القرى عن المدن. وعلى هامش هذا، شكلت مجموعات من الشباب تعاونيات تسويقية لتحل محل التاجر الفرد. ووضعت هذه المجموعات لنفسها نسبة محدودة، لكن كافية، من الربح. وتعتبر هذه الخطوة درجة متقدمة من العمل التسويقي، لكنها لا بد من أن تتحول مع الوقت إلى الشكل التجاري البحت ما لم يتم ربطها بجمعيات تعاونية إنتاجية، أي خلق تكامل تعاوني شامل لكل من تعاونيات الإنتاج والتشغيل والتسويق ضمن منظومة تعاونية متكاملة.
أما عن النقطة الثانية، "التسويق التصديري"، فقد شهدت الانتفاضة هجمة من دول المجموعة الأوروبية بهدف "تسهيل" تصدير هذه المناطق إلى المجموعة الأوروبية. وقد تمت عدى صفقات فعلاً، لكنها خسرت. وليس المهم الخسارة أو الربح هنا، بل المهم تنامي الاتجاه التصديري في رأسمالية المناطق المحتلة، وتقديم المجموعة الأوروبية تسهيلات تصديرية في الفترة التي يجب توجيه الإنتاج المحلي لسد الحاجات الأساسية للشعب (أنظر في هذا الصدد كتابنا "اقتصاد تحت الطلب...").
المصادر:
(1) التعاقد من الباطن: هو الشكل الرئيسي للغزو الاستثماري الإسرائيلي لاقتصاد المناطق المحتلة. إذ تقام مشاريع – وخصوصاً ورش عمل – داخل المناطق المحتلة برأس مال و/أو آلات من كل من صاحب العمل الإسرائيلي ومستثمرين محليين. وقد اتسع نطاق هذا الشكل من الغزو الاقتصادي خلال الانتفاضة.
(2) ليس من السهل اعتماد البيانات الإحصائية الإسرائيلية في شأن اقتصاد المناطق المحتلة، نظراً إلى تباين تقديرات المصادر الإسرائيلية، ونظراً إلى خضوعها لتحريف مقصود ومحفوز بالأهواء الأيديولوجية، ونظراً إلى عدم إجراء مسوحات عملية ميدانية.
(3) Ernest Mandel, “The Myth of Market Socialism,” New Left Review, Mo. 169, p. 113, note No. 5: We just stress independent producers and entrepreneurs are now down to less than 10 percent of the active population in the USA, Britain and Sweden, and less than 15 percent in several other countries.
(4) Israel C.B.S., West Bank and Gaza Strip Atlas (Jerusalem: West Bank Data Project, WBDP, 1988), p. 42.
(5) Meron Benvenisti, Report, Demographic, Economic, Legal, Social, and Political Developments in the West Bank (Jerusalem: West Bank Data Project, 1987).
(6) Jerusalem Post, June 10, 1987, interview with Michael Btuno.
(7) Sara Roy, “The Gaza Strip: A Case of Economic De-Development,” Journal of Palestine Studies, Vol. XVII, No. 1, Autumn 1987, Issue 65, p. 60.
(8) U.N.C.T.D. TD/1102, 1986, p. 6.
(9) Israel C.B.S., op.cit., p. 42.
(10) "مشاكل التطور في البلدان النامية 1974" (موسكو: دار التقدم)، ص 3.
(11) شريف الموسى، "التبعية العربية والتصنيعية"، "المستقبل العربي"، العدد 79، 1985، ص 94.
(12) Statistical Abstract of Israel, 1985, p. 725.
(13) اللجنة الاقتصادية لغربي آسيا، "الاتجاهات الصناعية والاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة" (بيروت: شعبة الصناعة المشتركة بين الأكوا – منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "أكوا – يونيدو"، 1981)، ص 24. (الأصل بالإنكليزية).
(14) المصدر نفسه، ص 27.
(15) المملكة الأردنية الهاشمية، دائرة الإحصاءات، "الإحصاء الصناعي 1971" (عمان: ديسمبر 1968)، ص 13، 14، 18.
(16) Statistical Abstract of Israel, 1979, p. 750 & 1982, p. 742.
(17) نبيل كوكالي، "مشكلات الصناعة في محافظة الخليل" (الضفة الغربية: منشورات جامعة الخليل، 1987).
(18) مسح قام به مركز الزهراء في القدس سنة 1988، وشمل 79 مؤسسة اقتصادية محلية.
(19) أنظر: سمير حزبون، نضال صبري وسعيد هيفا، "صناعة الصدف في الأراضي المحتلة" (جامعة بير زيت)، 9123. ورقة لم تنشر.
(20) أنظر: عودة شحاده وفاهوم شلبي، "الصناعات الحرفية في الأراضي المحتلة" (جامعة بيرزيت)، 9123. ورقة لم تنشر.
(21) المركز العربي لنقل التكنولوجيا، "تقرير عن الأوضاع المالية في الضفة الغربية، 1986"، ص 40.
(22) S. Bahiri, Industrialization in the West Bank and Gaza (Jerusalem: West Bank Data Project and Jerusalem Post, 1987), p. 21.
(23) Israel C.B.S., op.cit.
(24) مسح الزهراء، مصدر سبق ذكره.
(25) The Civil Administration Annual Report for the West Bank and Gaza, 1984, p. 34.
(26) Adel Samara, The Political Economy of the West Bank: From Peripheralization to Development (London: Khamsin Publications, 1988), pp. 113.
(27) Jerusalem Post, November 7, 1980; Ibid., November 10, 1980.
(28) Israel C.B.S., op.cit.
(29) The Civil Administration Report…, op.cit.
(30) Israel C.B.S., op.cit.
(31) Ibid., p. 40.
(32) Sara Roy, The Gaza Strip Survey (Jerusalem: West Bank Data Project and Jerusalem Post, 1986.
(33) Samara, op.cit., Chapter two.
(34) Roy, op.cit., (1987), p. 71.
(35) Ibid.
(36) عادل سماره، "اقتصاد تحت الطلب: دراسة في محوطة الضفة والقطاع عبر التبادل مع المجموعة الأوروبية" (القدس: مركز الزهراء، 1989)، ص 80.
(37) المصدر نفسه، ص 63.
(38) أنظر: المصدر نفسه.
(39) Roy, op.cit. (1987), p. 61.
(40) Ibid.
(41) مجلة "العودة" (القدس)، عدد 118.
(42) Roy, op.cit., (1987), p. 63.
(43) لاحظ أن ساره روي اعتمدت هنا سنة 1967 لأنها تعبر عن تغير حاد يخدم التناول الإسرائيلي للأمر، ولذا لم تستخدم فترة ما قبل سنة 1967. أما في القطاع الصناعي، فقد استخدمت فترة ما قبل سنة 1967 لأنها تخدم الدعاية الصهيونية عن وضع المناطق المحتلة.
(44) Roy, op.cit., (1987), p. 63.
(45) Ibid., p. 61.
(46) "العودة"، عدد 118.
(47) Roy, op.cit., (1987), p. 69.
(48) Samara, op.cit., p. 113.
(49) Abdul Rahman (Nabhan) Kharisheh and Jon Ebersole, West Bank Agricultural Co-operatives, A survey carried under the auspices of the Mennoite center, 1980, p. 24.
(50) Ibid., p. 30.
(51) مقابلة مع أحد أعضاء الهيئة الإدارية في جمعية عين سينيا التعاونية.
(52) U.N.C.T.D., 1986, pp. 6, 7.
(53) Benvenisti, op.cit., (1987), p. 12.
(54) David Kahan, Agriculture and Water in the West Bank and Gaza (Jerusalem: WBDP, 1983), p. 50.
(55) "صامد"، العدد 46، ص 105.
(56) Bahiri, op.cit., p. 42.
(57) Arie Bregman, Economic Growth in the Administrated territories, 1968-1973 (1974), p. 26.
(58) Benvenisti, op.cit., (1987), p. 29.
(59) عبد الستار قاسم (تحرير)، "مصادر تمويل التنمية في الأراضي المحتلة" (القدس: الملتقى الفكري العربي، 1986)، ص 62.
(60) Israel Economist, January 1973, p. 20.
(61) Jerusalem Post, January 6, 1989, Yousef joyl.
(62) "المؤسسات التمويلية في الضفة الغربية 1986" (رام الله: المركز العربي للأبحاث ونقل التكنولوجيا" أسير")، ص 20.
(63) مقابلة مع موظف في فرع لأحد المصارف الإسرائيلية في رام الله.
(64) Israel Economist, op.cit.
(65) Bregman, op.cit., p. 95.
(66) A. Mansour, “Monetary Dualism in the West Bank,” Journal of Palestine Studies, Vol. XI, No. 3, Spring 1982, p. 105.
(67) "القدس"، 12/11/1987.
(68) The Guardian, August 17, 1983.
(69) Benvenisti, op.cit., p. 36.
(70) القطاع المالي الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي. مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا. كانون الأول 1987، ص 133.
(71) مقابلة مع موظف في إحدى الجمعيات الأميركية يفضل عدم ذكر اسمه.
(72) أنظر: ألكس بولك، "بعض القضايا النظرية في استراتيجيات التنمية الريفية"، "نشرة أبحاث بير زيت"، العدد 3، ربيع 1986.
(73) عادل سماره، "الأزمة في الإنتاج وليست في الدينار"، "القدس"، 9/2/1989.
(74) هناك تشابه كبير بين تجربتي كل من هضبة الجولان في الإضراب طويل الأمد والذي كان مقومه الأساسي وجود مجتمع زراعي مكون في معظمه من منتجين زراعيين مستقلين، وبين تجربة بيت ساحور في عدم دفع الضرائب خلال الانتفاضة لأن معظم سكانها من المنتجين الحرفيين المستقلين.
(75) أنظر: عادل سماره، "من احتجاز التطور إلى الحماية الشعبية" (عكا: دار الأسوار، 1988).
(76) أنظر: عادل سماره، "الاقتصاد الآخر للانتفاضة اقتصاد الطبقة"، "الفكر الجديد" (حيفا)، المجلد الأول، العدد الأول، 1989.
(77) مشاهدة مباشرة.
(78) مقابلة مع هشام الخطيب، عن مجموعة التنمية الاقتصادية (القدس، 12/11/1989),
(79) أنظر: سماره، "اقتصاد تحت الطلب..."، مصدر سبق ذكره.
(80) المقابلة نفسها مع هشام الخطيب.
(81) Kharisheh and Ebersole, op.cit.
(82) أنظر ورقة صادرة عن مجموعة التنمية الاقتصادية، القدس، بعنوان "الواقع والآمال" من دون تاريخ.
(83) مقابلة مع محمد حلايقة، عن مجموعة التنمية الاقتصادية (القدس).