يحلل هذا الكتاب مسار العلاقات الأردنية – الإسرائيلية منذ حرب 1967 حتى توقيع معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية سنة 1994. ويؤكد لوكاكس تفرّد العلاقة الأردنية – الإسرائيلية: دولتان بينهما حالة حرب رسمياً، لكنهما أوجدتا نمطاً قوياً من التعاون. إلاّ إن العنوان ربما كان مضلِّلاً بعض الشيء، ذلك بأن الكتاب لا يعطي الجانبين الإسرائيلي والأردني عُمقاً من التغطية، من حيث هذه العلاقة الالتفافية والتناقضية؛ فتحليله أقوى كثيراً للسياسة الإسرائيلية، ويعطي السياسة الأردنية القليل من التبصّر. ولمّح لوكاكس إلى هذا الخلل في المقدمة، حين أشار إلى أنه أجرى بحثاً ميدانياً في إسرائيل لا في الأردن. كما استخدم بكثافة دراسات باللغة العبرية، ووثائق حكومية، وصحفاً، بينما استخدم القليل من المصادر الأردنية. لكنّه في الفصول الأخيرة من الكتاب، يقدّم تحليلاً أقرب إلى الشمول بشأن قرارَين أردنيين مهمين: فك الارتباط بالضفة الغربية سنة 1988، ومعاهدة السلام مع إسرائيل سنة 1994. وفي كلتا الحالين، لم يقتصر هذا التحليل على الديناميات الإقليمية الكبرى المؤثّرة في الأردن، لكنّه شمل كذلك الهموم الاقتصادية الحيوية التي تنطوي عليها السياسة الأردنية. إلا إن الكاتب لم يأخذ في الحسبان التأثير المهم للسياسات المحلية في السياسة الأردنية.
ومع أن لوكاكس يشير إلى أن العلاقات الصهيونية – الهاشمية تسبق قيام دولة إسرائيل، فإن مساهمته الفريدة تتمثل في تفحّصه الأسس المادية لهذه العلاقة، بالتزامن مع توضيحه لماذا لم تنشأ علاقة فريدة كهذه بين إسرائيل واية دولة عربية أُخرى. وهو يرى أن هذا الاختلاف يرتكز على عوامل مهمة من التواكل الجغرافي والدموغرافي فالدولتان تعتمدان، كلتاهما، على مياه نهري اليرموك والأردن، وهما تسيطران على الشاطئين المقابلَين للبحر الميّت، كما تسيطران على مرافىء متجاورة في خليج العقبة. ويرى لوكاكس أن أهم مصدر للتواكل يتركّز على المصالح الأمنية للدولة، وعلى الكراهية المشتركة لدى النظامين لقيام دولة فلسطينية بينهما. فعلى الرغم من جميع الفوارق بين النظامين، فإنهما اشتركا في هدف احتواء التطلّعات الوطنية الفلسطينية، وخصوصاً بعد حرب 1967. حتماً، إن كل ما يقوله لوكاكس عن العلاقة الأردنية – الإسرائيلية وثيق الصلة بالفلسطينيين المحشورين استراتيجياً بين الدولتين، الصهيونية والهاشمية. وفي الواقع، يدرس لوكاكس العلاقات الأردنية – الإسرائيلية، إلى حد كبير، من حيث تأثيرها في الضفة الغربية. فهو يبرز دور الفلسطينيين كجزء من مثلّث استراتيجي أوسع بين إسرائيل والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية. وبعبارة أخرى، يتطلق فهم العلاقة الثنائية، في الغالب، فهماً دقيقاً لهذه الدينامية الثلاثية.
ويطرح لوكاكس حجّة قوية بأنه يمكن فهم العلاقات الأردنية – الإسرائيلية على أساس المذهب العملي، أي بناء التعاون على مسائل السياسة الدنيا، وتعزيزها بثبات مع مرور الوقت. وتتابع فصول الكتاب هذه الترتيبات العملية بصورة منهجية، بالتركيز تفصيلاً على السياسات المهمة، كسياسة الجسور المفتوحة (التي بدأت سنة 1967)، وفصل الضفة الغربية عن الأردن. ويرة لوكاكس أن استقرار العلاقات الأردنية – الإسرائيلية لمعظم الفترة 1967 – 1988، عكس تأثيراً سلبياً عميقاً في عملية السلام الإقليمي، لا بإشعال حرب كبرى أُخرى، وإنما بالمساهمة في تعزيز أمر واقع مريح نسبياً (للإسرائيليين والأردنيين، لكن ليس للفلسطينيين بالتأكيد). وهذا المستوى المريح أتاح لصناعي السياسة، في كلا الجانبين، أن يتجنّبوا المسائل الصعبة والضاغطة، كالمساومة بشأن الأرض. وكما يقول لوكاكس: "إن عدم حزم إسرائيل بشأن الانسحاب وجّه الكثير من سياساتها خلال الفترة 1967 – 1988. ونجم عن ذلك المحافظة على واقع الحال، الذي هدف إلى إدارة الصراع والحفاظ على سلام الأمر الواقع مع الأردن، أكثر من حلّ الصراع الذي كان يستلزم انسحاباً من الأراضي" (ص 16، التشديد مضاف).
والفصل الذي يحلّل سياسة الجسور المفتوحة يوثّق مراحل متعددة في انتقال الناس والبضائع ورأس المال بين إسرائيل والضفة الغربية والأردن. وهو يقدّم أيضاً مناقشة تفصيلية لأمور أساسية في إدارة السياسة في الضفة الغربية، من النظام القانون الثنائي إلى النظم التربوية المتداخلة. ويرى لوكاكس أنه على الرغم من ارتفاع مستوياعت المعيشة للفلسطينيين بعد سنة 1967، فإن الضفة الغربية بقيت في معظمها مهمّشة ومتخلّفة بسبب السياسات الإسرائيلية المتغيّرة وغير الحازمة تجاه الأراضي. ويشير لوكاكس إلى أنه لم يحدث إلاّ في سنة 1993، بعد الاتفاقات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، أن بدأت إسرائيل تطبيق توصيات سياسية دعت، منذ أواخر الستينات، إى "إقامة بنية تحتية فلسطينية كشرط ضروري، لكنه ليس كافياً، للسلام" (ص 60). ومع أن كلاً من إسرائيل والأردن سعى لاحتواء منظمة التحرير الفلسطينية، فإن النتيجة لم تكن كما خطّطت كل من الدولتين، لأن سياسة الجسور المفتوحة "أتاحت للفلسطينيين تطوير حركتهم الوطنية وتعزيزها، بالحفاظ على روابط وثيقة بالعالم العربي وبالشتات الفلسطيني، الأمر الذي مكّنهم من مقاومة الاحتلال" (ص 182). ومع أن هذه السياسة وفّرت لإسرائيل عشرين عاماً من "الهدوء النسبي" في الضفة الغربيةن فإن المؤلف يرى أن "سياسة الجسور المفتوحة، التي اعتمدتها إسرائيل، ربما تكون أخّرت اندلاع الانتفاضة، لكنها في المقابل ساهمت فيها" (ص 182 – 183).
وأنهت الانتفاضة، التي تلاها فكّ الارتباط الأردني بالضفة الغربية، مرحلة مدّتها عقدان من العلاقات الأردنية – الإسرائيلية التي تشكّل محور كتاب لوكاكس. ويتناول الفصل الأخيرة منه معاهدة السلام المعقودة سنة 1994 وما بعدها. وباعتبار أن إسرائيل والأردن تحوّلا من سلام الأمر الواقع إلى سلام شرعي، يرى لوكاكس أنه ينبغي لهما أن يكونا قادرين على الإفادة من عدة عقود من تعاونهما العملي. لكنه يشير إلى أن احتمالات السلام الدائم لا تزال تعتمد على تقدّم المسار الفلسطيني من المثلّث الاستراتيجي. وعلى العموم، يُعد هذا الكتاب مساهمة حقيقية في فهمنا لعلاقة أساسية في سياسة الشرق الأوسط، مقرونة برؤى تعني المؤرخين والعلماء السياسيين وصانعي السياسة.