تهدف هذه الدراسة الموجزة إلى عرض استراتيجيا الاستيطان الإسرائيلي اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، وأثر هذا الاستيطان في التخطيط القطري في فلسطين (الضفة الفلسطينية وقطاع غزة)، وفي التنمية والنمو فيها.
نعرض، بدايةً، مفهوم الاستيطان الإسرائيلي والفكرة الجيوسياسية من ورائه، ونتناول نماذج الاستيطان وانتشاره الحيزي والكمي خلال الفترات المتعاقبة حتى اليوم، ثم نعرض خريطة الاستيطان حالياً، ونتطرق بإيجاز إلى تصورات الساسة الإسرائيليين لعلاقة هذا الاستيطان بدولة إسرائيل. وبعدها نبحث في انعكاسات هذا الاستيطان واثره في كل من التخطيط والتنمية الفلسطينيين. وأخيراً نضع بعض الاقتراحات لمواجهة هذا الاستيطان والتعامل معه.
لقد اعتمدنا في كتابة هذه الدراسة على بحث قمت بإجرائه لمصلحة "الأونكتاد" سنة 1992 (Khamaisi, 1992)، وعلى الأدبيان الإسرائيلية والفلسطينية التي كتبت بهذا الشأن، وكذلك على نشرات صحافية وإذاعية تعالم موضوع الاستيطان الإسرائيلي، وضعه ومستقبله، بما في ذلك النقاش الإسرائيلي الداخلي بشأنه.
مفهوم الاستيطان اليهودي في فلسطين
بدأت عملية الاستيطان اليهودي في فلسطين منذ أواخر القرن التاسع عشر، حيث شكّل هذا الاستيطان آلية التطبيق العملي للصهيونية (أبو عرفة، 1981). وتحوّل، لاحقاً، إلى استراتيجيا لإحياء وجود الشعب اليهودي بمفهومه الجديد كحركة قومية – الحركة الصهيونية – في الحيز الجغرافي الذي تدّعي هذه الحركة أن لليهود ارتباطاً به وحقاً تاريخياً فيه – وهو فلسطين. لذا، فإن الاستيطان اليهودي في فلسطين هو، عملياً، أحد نماذج الاستعمار، على الرغم من اختلاف حيثياته ومسبباته ودوافعه وانعكاساته على السكان الأصليين. وعلى الرغم من أن سكاناً يهوداً سكنوا في المدن التاريخية في فلسطين قبل ذلك (صفد وطبرية والقدس والخليل)، فإن دوافع سكنهم كانت دينية، لا استعمارية إحلالية. كما اتبع الاستعمار الصهيوني في فلسطين نموذج السيطرة على الحيز من خلال إقامة المستعمرات الزراعية في المواقع التي لا تثير معارضة السكان الفلسطينيين الأصليين. وقد توسع هذا الاستيطان وقوي عوده بإقامة عدد كثير من المستعمرات اليهودية، القروية والحضرية، التي ازداد عدد سكانها وسيطرت على موارد الأرض (إفرات، 1984). وشكّل هذا التوسع الحيزي والعددي للاستيطان المستمر والمتصل جغرافياً أساس تقسيم فلسطين الانتدابية سنة 1947، وإقامة دولة إسرائيل على نحو 70% من مساحة فلسطين الانتدابية. واستعمل الاستيطان الحالي في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة الأساليب والآليات نفسها التي استُعملت قبل سنة 1948، على الرغم من اختلاف الأوضاع. فقد كانت الحركة الصهيونية وليدة عندما أقامت المستعمرات قبل سنة 1948، واعتمدت على ضعف الفلسطينيين ودعم الدولة الانتدابية والدول الغربية، وخصوصاً بريطانيا. وكان توسع هذه المستعمرات، أساساً، على أراضٍ تُستملك بالشراء، ولم تزد على 6,5% من مساحة فلسطين حتى سنة 1948. أمّا حالياً فإن الاستيطان اليهودي في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة تابع لمركز دولة إسرائيل القوية المحتلة، والمعززة بأحدث أسباب القوة والمسيطرة على الأرض والموارد، لا بواسطة شراء الأرض، وإنما بواسطة مصادرتها والسيطرة عليها مُطبقة حق الامتلاك التاريخي الموروث الذي تدعيه والذي يجيز – من وجهة نظر دولة إسرائيل – سيطرتها على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. ولذا فهي تقيم هذه المستعمرات من أجل تأمين عمق استراتيجي وتشكيل ظهير لها.
يمكن أن نوجز أن مفهوم الاستيطان في الأراضي الفلسطينية هو، عملياً، استراتيجيا لاستمرار إنجاز رؤية إحياء قومي وديني وجغرافي للشعب اليهودي في فلسطين كإقليم يدّعي أن لهم حقاً تاريخياً موروثاً فيه. ومن أجل تأمين استمرار هذا الاستيطان وتطوره، لا بد من توفير الأمن له، ولا بد من استعماله آلية للأمن وللسيطرة على الموارد وللتأثير الأيديولوجي والاقتصادي والاجتماعي في الحيز المحيط. والشكل التالي يوجز مفهوم الاستيطان، وعلاقته بإحياء الشعب اليهودي، وأدوات أو آليات الحفاظ عليه التي تستعمل كاسترتيجيات لتأمين استمرار وجوده.
الشكل رقم 1
علاقة رؤية إحياء الشعب اليهودي في فلسطين
باستراتيجيا المستعمرات من آليات مركزية
مراحل الاستيطان وتوزيعه
بدأت عملية استيطان الضفة الفلسطينية وقطاع غزة مباشرة بعد احتلالهما سنة 1967. وشرع هذا الاستيطان في توسيع حدود القدس لتضم 70 ألف دونم إضافية، وفي هدم حي المغاربة، وحي الشرف، والميدان، وحي داود في البلدة القديمة بالقرب من حائط البراق، وذلك من أجل بناء حي يهودي جديد. ولاحقاً، بدأت إقامة مستعمرات جديدة في منطقة غور الأردن، وفي منطقة جنو غزة (غوش قطيف)، وفي جنوبي بيت لجم (غوش عتسيون)، واستمر الاستيطان المحدود في هذه المواقع حتى سنة 1974. وفي تلك السنة، بدأت حركة غوش إيمونيم إقامة مستعمرات في قلب الوجود الفلسطيني داخل الضفة الغربية (Newman, 1984). وكان هذا الاستيطان موجهاً من الحكومة الإسرائيلية التي سطر عليها حزب العمل، الذي كان ينهج بحسب تصور جيوسياسي وضعه الوزير يغآل ألون ويقضي بسيطرة إسرائيل على منطقة غور الأردن وربطها – بواسطة حزام – بمدينة القدس التي ستتوسع لتتحول من مدينة حدود إلى مدينة مركز يحيط بها حيز واسع من الاستيطان ممتد من غوش عتسيون جنوباً حتى رام الله شمالاً. كما يقضي بمنع التواصل وبتأمين القطع بين المجمعات السكانية القائمة في قطاع غزة من جهة وبين مصر من جهة أُخرى. إن تصور ألون يعتمد الحلول الإقليمية بواسطة تأمين القطع وعدم التواصل بين الوجود الفلسطيني والدول العربية (الأردن ومصر)، وعن طريق توسيع الحيز الذي تسيطر إسرائيل عليه بذرائع أمنية. ولتحقيق ذلك اتبع ألون منهج "أينما تقام مستوطنة فهناك وجود وسيطرة يهوديان." إن هذا المنهج هو استمرار لحركة الاستيطان التي بدأت قبل سنة 1948، واستمرت داخل إسرائيل وفي الأراضي المحتلة حتى يومنا هذا. في مقابل الطرح الإقليمي لألون، كان طرح وزير الدفاع، موشيه دايان، الذي كان يؤمن بسيطرة إسرائيلية إقليمية على مجمل الأراضي المحتلة مع منح حقوق وظيفية للفلسطينيين في حيزهم لإدارة شؤونهم (أرونسون، 1996). هذا النقاش داخل حزب العمل تم حسمه بعد الانقلاب السياسي سنة 1977 الذي سيطر بنتيجته حزب الليكود، بزعامة مناحم بيغن، على مقاليد حكومة إسرائيل – هذا الحزب الذي كان يؤمن بحق شعب إسرائيل في أرض إسرائيل الكبرى التي تشمل الراضي المحتلة، وكان يميل إلى الحل الوظيفي للفلسطينيين. إن التطبيق العملي لسياسة حزب الليكود ومعتقداته كان توسيعاً ملحوظاً للاستيطان في الأراضي المحتلة (Benvenisti and Khayat, 1988) شمل:
1- تعميق الاستيطان في غور الأردن وفي القدس وحولها.
2- بداية الاستيطان وتعميمه داخل الضفة الغربية وفي عمقها وحول المدن الفلسطينية لحصارها.
3- تعميق وتشجيع الاستيطان حول الخط الأخضر، وخصوصاً في أطراف ميتروبولين تل أبيب، حيث تطالبقت سياسة تشجيع الاستيطان في الضفة الغربية مع تغيرات اقتصادية واجتماعية في منطقة تل أبيب شجعت عليها عملية ترييف سكان المدن بغية انتقالهم إلى المستعمرات داخل الأراضي المحتلة (إفرات، 1984)، على الرغم من أن قسماً ممن انتقل للسكن هناك لم يكن لديه دوافع عقائدية استعمارية، كما هو الأمر بالنسبة إلى سكان المستعمرات في محور الجبل وفي قلب الوجود الفلسطيني. وقد كانت نتيجة توسع الاستيطان الجديد العقائدي الموجه من اليمين الإسرائيلي، إضافة إلى إقامة مستعمرات في جانب الخط الأخضر لدوافع اجتماعية واقتصادية في إسرائيل، نشر مستعمرات إسرائيلية في كل أنحاء الضفة الفلسطينية مع اختلاف في تركيزها وحجمها. وشكّل هذا الانتشار آلية لضبط التطور الفلسطيني كما سنبين لاحقاً، فضلاً عن إعاقة حل سياسي إقليمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وصل عدد المستوطنين الإسرائيليين سنة 1997 إلى 163 ألف نسمة، إضافة إلى نحو 170 ألف إسرائيلي يسكنون في المستعمرات التي تحولت إلى أحياء في القدس الشرقية ويبلغ عددها نحو 10 مستعمرات، في مقابل نحو 147 مستعمرة في الضفة الفلسطينية، ونحو 16 مستعمرة في قطاع غزة وبحسب المنشورات الرسمية الأميركية هناك نحو 200 موقع عسكري ومدني تابع لإسرائيل في الضفة الغربية (أرونسون، 1996، ص 66)، ويشكّل حاجزاً للنمو الفلسطيني. أمّا بحسب الإحصاءات الرسمية الإسرائيلية فثمة 122 مستعمرة معترفاً بها في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة (دولة إسرائيل، 1997). وهذه الفوارق تعود إلى التعريفات المتعددة الرسمية للمستعمرة الخاصة بكل طرف. إذ إن الإحصاءات الرسمية لا تسجل المستعمرات الموقتة وغيرة المعترف بها رسمياً (الناحل)، أو المناطق الصناعية والسعكرية كمستعمرات. كذلك هناك مستعمرات تُعتبر كل اثنتين متجاورتين منها، بحسب التعريف الإسرائيلي، مستعمرة واحدة. أمّا من ناحية فلسطينية فإن كل موقع إسرائيل (مستعمرة مدنية، ومعسكر، ومنطقة صناعية، وموقع استيطاني موقت) يشكل عائقاً أمام التطور الفلسطيني، لأن أي موقع إسرائيلي في الأراضي المحتلة يشمل منطقة واسعة محيطة به يحظَّر التطور الفلسطيني فيها.
يتضح من الجدول رقم 1 أعلاه أن نجاح حكومة الليكود سنة 1977 أدى إلى دفعة قوية للاستيطان في الأراضي الفلسطينية، كانت نتيجتها ازدياد عدد المستوطنين في الفترة 1976 – 1981 بنحو 400%، وفي الفترة 1981-1986 بنحو 217%. ويلاحظ من الجدول أيضاً أن ازدياد عدد المستوطنين استمر حتى بعد اتفاق أوسلو سنة 1993 (عايد، 1995)، وأن المخطط القطري لدولة إسرائيل رقم 35، يتوقع مضاعفة عدد المستوطنين في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة في سنة 2020.
وفي دراسة تفصيلية لتوزيع ازدياد عدد المستوطنين وتوسيع المستعمرات نجد أنهما غير متشابهين في حيز الضفة الفلسطينية وقطاع غزة وفي الجدول التالي نوضح توزيع المستعمرات في الضفة الفلسطينية بحسب حجم المستعمرات.
الجدول رقم 2
توزيع مستعمرات الضفة الغربية
بحسب مجموعات حجم المستعمرات سنة 1997
مجموعات حجم المستعمرات/ مستوطن |
عدد المستعمرات |
النسبة % |
أقل من 100 |
15 |
7,9 |
100 – 500 |
83 |
56,8 |
500 – 1000 |
25 |
17,9 |
1000 – 2000 |
12 |
8,6 |
2000 – 5000 |
6 |
4,3 |
أكثر من 5000 |
6 |
4,3 |
يتضح من الجدول أن 65% من المستعمرات لا يزيد عدد سكانها على 500 مستوطن، وأن 83% منها لا يزيد عدد مستوطنيها على 1000 مستوطن. ويلاحظ أن المستعمرات التي ازداد عدد مستوطنيها خلال الفترة الأخيرة تتركز في الضفة الغربية وفي المناطق التي تحيط بمدينة القدس، وتقع في أطراف مدينة تل أبيب. أمّا المستعمرات في غور الأردن، وفي قطاع غزة، وفي منطقة جنين ونابلس، وحتى في جبل الخليل (باستثناء كريات أربع)، فإن عدد مستوطنيها لم يزدد تقريباً خلال السنوات الخمس الأخيرة.
كذلك فإنه عند فحص توزيع المستعمرات جغرافياً نجد أن المستعمرات الكبيرة تقع حول القدس وحول تل أبيب (أنظر شكل رقم 4)، الأمر الذي يمكننا من الاستنتاج أن دوافع وأسباب انتقال المستوطنين للسكن في هذه المستعمرات ليست، بالضرورة، دوافع سياسية وإنما دوافع اقتصادية متاثرة بتدني تكاليف السكن، وبالدعم الحكومي للإسكان في هذه المستعمرات، وتنفيذاً لعملية الترييف التي تمر بها المراكز العمرانية الإسرائيلية الكبيرة، إذ تقع هذه المستعمرات في حيز قريب من مراكز المدن وتشكل هدفاً للسكن فيها خاصة، حيث تتوفر فرص سكن جديدة بأسعار رخيصة ومدعومة من الحكومة. ومن خلال الخريطة في الشكل رقم 4 يمكن أن نشير إلى أن نحو ثلث المجمعات السكانية في الضفة الفلسطينية حالياً هو مستعمرات يهودية، مع أن مجموع عدد سكانها يشكل نحو 6% من سكان الضفة الفلسطينية، وإلى أن توزيعها الحيزي يؤدي إلى شرذمة الامتداد والتواصل الحضري الفلسطيني، الأمر الذي يشكل عائقاً أمام التوسع الحضري. وهذا ما سعت له سياسة الاستيطان الإسرائيلية منذ منتصف السبعينات حتى اليوم، الأمر الذي دفع إلى اقتراح حلول جيوسياسي تؤدي إلى تقطع الضفة الفلسطينية إلى ثلاث مناطق (أنظر الشكل رقم 5). وحالياً فإن التوسع الاستيطاني لم يتوقف على الرغم من اتفاق أوسلو الذي ارجأ موضوع الحل بشأن الاستيطان إلى المرحلة النهائية، لكنه قضى بإيقاف الاستيطان وعدم تغيير المعالم التي يكون لها أثر في المرحلة النهائية (عايد، 1995). ومع ذلك،
يوجد حالياً في المستعمرات في الضفة الفلسطينية، بحسب إحصاءات حركة السلام الآن (1998)، 2888 وحدة سكنية شاغرة، ونحو 5892 وحدة سكنية في مراحل البناء المتعددة. وهذه المعطيات لا تشمل المستعمرات داخل القدس الشرقية.
وبحسب اتفاق أوسلو – 2 فإن الحيز الذي ما زالت إسرائيل تسيطر عليه، ويعرف بمنطقة "ج" التي تعادل مساحتها نحو 70% من مساحة الفلسطينية، هو عملياً المساحة الكامنة للتطوير القروي والحضري الفلسطيني. وتحيط منطقة "ج" ببلدات وقرى فلسطينية تقع ضمن المنطقتين "أ" و"ب"، لكن لا تستطيع أن تتطور، أو حتى أن يخطَّط لها داخل المنطقة "ج". وهذا يعني أن مورد الأرض أو الحيز، كأساس للتخطيط الحيزي والقطاعي الفلسطيني على المستوى المحلي والإقليمي والقطري، ما زال في يد إسرائيل، ومن الصعب إعداد مخططات فلسطينية وتطوير المدن والقرى الفلسطينية مع وجود هذه المستعمرات التي تسيطر على ما يزيد على 70% من مساحة الضفة الفلسطينية، على الرغم من أن هذه المستعمرات تغطي ما يقل عن 4% من مساحة الضفة الفلسطينية وقطاع غزة كمنطقة مسيجة، أو تخضع لمنطقة نفوذ بلدي، أو مصادق عليها كمطقة تخطيط محلية. كما لا تزال الحكومة الإسرائيلية تسعى لتأمين أكبر مساحة تسيطر عليها من أجل توسيع المستعمرات حالياً ومستقبلاً. ويتوقع المخطط القطري الحالي لدولة إسرائيل ازدياد عدد سكان المستعمرات سنة 2020 إلى نحو 310 آلاف نسمة؛ وذلك اعتماداً على هجرة إيجابية إلى المستعمرات، إضافة إلى الزيادة الطبيعية المرتفعة ولا سيما في المستعمرات التي أُقيمت لدوافع عقائدية ودينية، مثل بيتار وعمانوئيل... إلخ.
من عرضنا الموجز لواقع المستعمرات نجد أنها:
1- موزعة داخل منطقة الضفة الغربية بكثافات وبحجوم متعددة، وبحسب مجمعات تشكل وحدات في أطراف ميتروبولين تل أبيب والقدس.
2- مختلفة في صفاتها من حيث التركيبة السكانية، والدوافع لإقامتها ونوع سكانها.
3- أُقيمت، وفق مفهوم إحياء الشعب اليهودي، بالقرب من المدن التاريخية التي يدّعي اليهود أن لهم حقاً تاريخياً فيها، وبهدف شرذمة وتقطيع التواصل والاتصال الفلسطيني داخل الضفة الفلسطيةي، ومع الدول المحيطة، تحقيقاً لاستراتيجياً التخطيط والإنجاز التي يمكن إيجازها بـ"الإحاطة ثم التغلغل" والمستقاة من المفاهيم العسكرية والمترجمة للتخطيط المدني.
4- تسيطر على موارد الأرض والمياه، وتسعى الحكومة الإسرائيلية لتوسيعها. وهذه الموارد هي هدف استراتيجي لإسرائيل تؤمنه من خلال وجود المستعمرات فيها.
5- تحقق استراتيجيا الاستيطان التي تتلخص في توزيع مستعمرات صغيرة على مناطق الأطراف المتعددة، وفي تركيز مستعمرات كبيرة حول المدن المركزية (القدس وتل أبيب) لتشكّل حزاماً استيطانياً حولها.
تصورات الساسة الإسرائيليين
تجاه مستقبل المستعمرات
إن رصداً محللاً لمواقف وتصورات الساسة ومتخذي القرار في إسرائيل بشأن واقع المستعمرات ومستقبلها، يؤكد أنه على الرغم من الاختلاف في مدى التشدد لكل تيار سياسي، فإن هناك إجماعاً شبه كلي على أن المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الفلسطينية تشكل مورداً استراتيجياً يجب استمرار وجوده وتوسعه. ومع ذلك، هناك بعض الساسة المنتمين إلى أحزاب الوسط واليسار لا يمانع في بقاء مستعمرات إسرائيلية داخل دولة فلسطينية في مقابل عدم تفكيكها. وثمة موقف آخر للوسط واليسار لا يمانع في تفكيك بعض المستعمرات الصغيرة التي تقع في قلب الوجود الفلسطيني. ويشترط هؤلاء "الحمائم" من الوسط واليسار أن يتم التعامل مع مستقبل المستعمرات بالتدريج وبعد تعميق الثقة بالفلسطينيين مستقبلاً. كما أنهم يرون في مستعمرات القدس وحولها، ومستعمرات غور الأردن، ومنطقة شرق الخط الأخضر حتى أريئيل، ضرورة أمنية لمصلحة إسرائيل، وبالتالي يجب تأمين وجودها وتعزيزها.
في مقابل تيار "الحمائم" الذي يسعى لحل أو لوضع ترتيب إقليمي مع الفلسطينيين، هناك تيار "الصقور" الذي يشمل معظم الوسط واليمين، والذي يطالب بتعزيز هذه المستعمرات وتقويتها حتى في قلب الوجود الفلسطيني. ومع ذلك فهو يسعى لإيجاد حل أو وضع ترتيب وظيفي مع الفلسطينيين يمكنهم من إدارة شؤونهم المدنية من دون السيطرة على موارد الأرض والمياه، وتبقى السيادة الأمنية والإدارية العليا في يد إسرائيل. وفي سبيل ذلك أُقيمت الطرق الالتفاقية، وحُددت مناطق تخطيط ونفوذ للمستعمرات، وأُبقي على أجهزة إدارية بلدية وإقليمية تدير الأحياز الحضرية والقروية التي تشكلها المستعمرات في الضفة الغربية. وكذلك خصصت الحكومة الإسرائيلية ميزانيات ضخمة في سبيل استمرار توسع هذه المستعمرات. ويشمل هؤلاء "الصقور" أتباع رابين، وطبعاً اليمين الإسرائيلي بما في ذلك أريئيل شارون وبنيامين نتنياهو. وخير مثال لرغبة معظم الساسة الإسرائيليين في إبقاء المستعمرات هو عدم تفكيك موقف "تل رميدة" الاستيطاني في الخليل حتى في أحسن فرصة لرابين بعد مذبحة الحرم الشريف في الخليل، وعدم تفكيك مستعمرة نيتساريم التي تقع في قلب الوجود الفلسطيني في قطاع غزة. ويكفي هذان المثلان ليؤكدا صحة ما قلناه.
إن الطرح الذي بدأ يسوقه شمعون بيرس هو أنه لو أُقيمت الدولة الفلسطينية فلا مانع في أن تبقى فيها أقلية يهودية من المستوطنين، كما هو الأمر بوجود عرب مواطنين فلسطينيين دتخل دولة إسرائيل. وهذا يعني أنه على الرغم من الفارق الشاسع بين الأقليتين، من حيث أسباب الوجود والتكوين، فإن بيرس نفسه الذي يسعى لدمج حل وظيفي وحل إقليمي مع الفلسطينيين، لا يسعى لطرح إمكان تفكيك مستعمر سا – نور التي سكن فيها أقل من 24 شخصاً سنة 1997 بحسب سجلات وزارة الداخلية، وربما أنهم لا ينامون فيها ليلاً.
وهكذا مهما يكن الحل أو الترتيب السياسي المستقبلي مع الفلسطينيين: وظيفياً أم إقليمياً، على نهج ألون ورابين، أم على نهج دايان وشارون، أم على نهج بيرس الذي يسعى لحل إقليمي بشأن قطاع غزة ولحل وظيفي بشأن الضفة الفلسطينية، فإن المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الفلسطينية ستبقى إن لم يكن كلها فبعضها، وذلك يشمل المستعمرات السياسية والأمنية بحسب المفهوم الذي وضعه رابين كي يحظى بالدعم الأميركي سنة 1992، بعد فشل سلفه يتسحاق شمير في الحصول على هذا الدعم والضمانات. ويُذكر أن المستعمرات التي تشكل التطبيق العملي للصهيونية أدت إلى تقسيم فلسطين سنة 1947 نتيجة حلول إقليمية، مطروحة حالياً بشأن الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، عن طريق ضم مناطق على الأقل تتركز فيها مستعمرات تعود إلى السيادة الإسرائيلية لتشكل جزءاً من دولة إسرائيل. هذا الأمر تم تنفيذه من خلال ضم القدس الشرقية. وحالياً ينادي أصحاب فكرة القدس الكبرى بتوسيع أراضٍ فلسطينية أُخرى وضمها إلى القدس. وتم تنفيذ ضم وهضبة الجولان من خلال فرض القانون الإسرائيلي عليها. وتوجد مطالبة حالياً بضم غوش عتسيون وغور الأردن إلى دولة إسرائيل. وهذا يعني تقليص المساحة التي يتم النقاش في شأن مستقبلها مع الفلسطينيين تطبيقاً للقاعدة التي تقومل: "ما عندي فهو لي، وما بقي لنتقاضى على توزيعه أو على مستقبله." والسؤال الذي يُطرح هو: ما أثر ذلك ما كل من التنمية الفلسطينية والتخطيط القطري الفلسطيني؟ هل ممكن أن يتطور هذا التخطيط ويتحسن في هذا الواقع الموصوف سابقاً؟ هذا ما سنتناوله في القسم الأخير من هذه الدراسة.
الانعكاسات والتأثير في التنمية الفلسطينية
يتضح مما تقدم أن استراتيجيا الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية تتلخص بما يلي:
1- السيطرة على موارد الأرض والمياه والموارد الطبيعية.
2- تقطيع التواصل والاتصال الحيزي والعمراني والقروي الفلسطيني وشرذمته إلى وحدات تتصل بواسطة حيز تسيطر عليه المستعمرات.
3- تكوين أطر ونظم إدارية وبلدية، مزدوجة وثنائية، للنظم الفلسطينية الأمر الذي يسبب ازدواجية، وذلك في مقابل إحالة النظم والقوانين الإدارية الإسرائيلية على جزء من الأراضي الفلسطينية.
4- تخطيط وتنفيذ بنى تحتية مرتبطة بإسرائيل، ومنع الفلسطينيين من السيطرة على هذه البنى بهدف استغلالهم.
5- تعميق تبعية المجتمع الفلسطيني، وخصوصاً القروي، من خلال توفير فرص العمل في قطاع البناء والعمال الرخيصة والصناعة التي تتطور في المستعمرات، وبذلك يُلحَق اقتصاد هذه القرى بالمستعمرات الأمر الذي يحول دون استقلالها الاقتصادي (Saleh, 1990). وفي حالة التسويق فإنه حالياً يتم، في الغالب، من خلال القنوات الإسرائيلية التي تستطيع ضبطه.
هذه الاستراتيجيات التي تشمل النواحي الحيزية والإدارية والاقتصادية تؤدي إلى تقليص فرص الحراك التنموي الفلسطيني. والسؤال الذي يطرح هو: كيف ينبغي للفلسطينيين مواجهة هذه الاستراتيجيات الاستيطانية في ظروفهم الحالية والمتوقعة خلال العقد القادم؟ هل استراتيجيا "إنقاذ ما يمكن إنقاذه" هي التي ستوجه مواجهتهم لاستراتيجيات الاستيطان، وخصوصاً أن مفهوم إسرائيل للصراع بشأن الأرض مع الفلسطينيين بعد اتفاق أوسلو هو أن هناك أرضاً متنازعاً في شأنها بين سلطتين، لا أراضي محتلة كما كان قبل الاتفاق، على الرغم من عدم التكافؤ والمساواة بين السلطتين، الإسرائيلية والفلسطينية؟ إن استراتيجيا "إنقاذه ما يمكن إنقاذه" تعتمد، فيالظروف الحالية، على ما يعطي الإسرائيليون لا على ما يأخذ الفلسطينيون. وهناك استراتيجيات أُخرى يمكن إيجازها باستراتيجيا "نافذة الفرص" أو "صراع البقاء والاستمرار" أو "استراتيجيا المشاركة" في بعض المجالات "والفصل في أُخرى". إن هذا الواقع يجعل الفلسطينيين في حيرة في اتباع الاستراتيجيا الملائمة، التي قد تحقق لهم أقصى درجات التنمية في واقع الاستيطان المسيطر. كما أن هذا الواقع يحول دون تخطيط قطري فلسطيني أو حتى إقليمي يمكنه توجيه التنمية المحلية والإقليمية والقطرية، وذلك للتخوف من أن تُشْمَل المستعمرات وتؤخذ بعين الاعتبار في التخطيط القطري والإقليمي الفلسطيني، وخصوصاً أن هذه المستعمرات تؤدي إلى:
1- تقليص الموارد التي يمكن أن تشكل رافعة للتنمية الفلسطينية (الأرض، والمياه، والتواصل، والوصول)، الأمر الذي يحول دون تطوير تواصل عمراني وبيئي فلسطيني يأخذ بعين الاعتبار المصلحة والأهداف الفلسطينية.
2- ازدواجيات إدارية ومؤسساتية في الحيز نفسه، يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التنسيق بينها والتعاون في واقع يشعر المستوطنون فيه بالفوقية، وبأنهم مسيطرون على موارد وأسباب القوة من خلال دولة إسرائيل وذراعها، الجيش الإسرائيلي.
3- تهديد للأمن الشخصي والعام الفلسطيني نتيجة التناقض بين المصالح الفلسطينية ومصالح المستعمرات، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى اعتداء مستوطنين على مدنيين فلسطينيين.
4- إهدار للموارد المتوفرة في الأراضي الفلسطينية ونقلها إلى إسرائيل من خلال المستعمرات وتحجيم فرص التطوير الفلسطيني.
5- تقليص الاستقرار داخل المجتمع الفلسطيني والذي لا يُشعر بالأمان ما دام الاستقرار مهدداً بتوسيع الاستيطان وتقطيعه له، وهو ما يجعل أولويات المجتمع الفلسطيني مركّزة على عملية المواجهة السياسية وربما العسكرية، لا على عملية التنموية. إذ إن أي عملية تنموية تتطلب استقراراً سياسياً واجتماعياً ونفسياً للمجتمع بأسره، ولأفراده.
6- ازدواجيات مؤسساتية وخدماتية فلسطينية، نظراً إلى عدم التواصل الحيزي والتكامل الفلسطيني، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى إهدار موارد كثيرة، وقيام علاقات شائكة تعوق عملية التنمية مستقبلاً.
7- سيطرة إسرائيل والمستوطنين على الطرق والمعابر، التي تربط بين المناطق الفلسطينية وبين الضفة الفلسطينية وقطاع غزة والدول العربية وغيرها من الدول. وهذه السيطرة تؤدي، بدورها، إلى ضبط ومراقبة انتقال البضائع والتسويق وحتى إقامة المؤسسات وإمدادها بالحاجات التي تساهم في انطلاقها وتنميتها. وهذا يعني أن السيطرة تؤدي إلى استمرار اعتماد الاقتصاد والتنمية الفلسطينيين على إسرائيل وتبعيتهما لها حجة المستعمرات.
ولتخفيف هذه التأثيرات السلبية في التنمية الفلسطينية لا بد من وضع حل سياسي يؤمن المصالح والأهداف الفلسطينية. وإلى أن يتم تحقيق ذلك يجب ألاّ يبقى الفلسطينيون مكتوفي الأيدي إزاء التوسع الاستيطاني، وإنما يجب مواجهته ضمن تصور مرغوب فيه يمكن تحقيقه، ويحافظ على ما يمكن المحافظة عليه. وهذا لا يعني التنازل بالتقسيط، وإنما تحديد استراتيجيا فلسطينية واضحة المعالم تعتمد على تطوير سيناريوهات وخيارات سياسية متعدد تنتقل من الحد الأقصى إلى الأدنى. إن سيناريو الحد الأقصى يشمل سيادة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية التي احتلت سنة 1967، ويضع تخطيطاً حيزياً وقطرياً بشأن تطورها. هذا المخطط يأخذ بعين الاعتبار المخططات الإسرائيلية، ويضع بدائل تخطيطية وتنموية لها. أمّا سيناريو الحد الأدنى فيشمل، في المقابل، إمكان بقاء المستعمرات الإسرائيلية داخل الدولة الفلسطينية، وحتى منح هؤلاء المستوطنين مواطنة فلسطينية وتطبيق السيادة الفلسطينية عليهم، على الرغم من أنهم وُجدوا في الأراضي الفلسطينية ضد الأعراف والقانون والشرعية الدولية ورغم أنف الفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، يجب وضع تصور تخطيطي وسطي يأخذ بعين الاعتبار الأهداف الفلسطينية مع المحافظة على عدد من المستعمرات التي لا تشكل عائقاً أمام تنمية الفلسطينيين واستقلالهم.
لا شك في أن وجود تصور مرغوب فيه ومترجم إلى مخطط ذي مراحل يأخذ بعين الاعتبار الأوضاع السياسية والاقتصادية والحيزية الفلسطينية وموازين القوى العالمية، هو ضرورة ملحة لمواجهة استراتيجيات الاستيطان اليهودي في فلسطين، ولتوجيه التنمية الفلسطينية.
ويمكن الوصول إلى هذا التصول من خلال عدة بدائل أو خيارات يمكن ترجمتها إلى سيناريوهات تنموية حيزية: أحدها يأخذ بعين الاعتبار استمرار وجود المستعمرات، وآخر يكون بعد زوالها أو تحولها إلى السيادة الفلسطينية. وهكذا، ففي موازاة الطروحات السياسية لمستقبل المستعمرات لا بد من وضع آليات تخطيطية تنموية في حالة إحلالها أو مشاركتها، حيث ربما تشكل هذه السيناريوهات التنموية والتخطيطية آليات داعمة ودافعة للطرح السياسي، وليس بالضرورة بالعكس. إن الفرضية التي توجه فكرة التخطيط الحيزي والتي تعتمد على زوال المستعمرات نرى أنها غير كافية لمواجهة التنمية الفلسطينية، وربما تعبر عن ذهنية تخطيطية حدية. وفي مقابلها نطرح ذهنية تخطيط حيزي لينة ذات حدود متعددة، بحسب موضوعات ومسائل ومستويات متنوعة، لتوجه التنمية الفلسطينية وانتشارها الحيزي، وذلك من خلال إعداد مخططات قطرية وإقليمية تضع بدائل لمستقبل المستعمرات، ربما بشكل انتقائي وانتخابي، كي يكون التخطيط القطري الفلسطيني أقرب إلى الواقع وموجهاً فعلاً للتنمية الفلسطينية، آخذاً بعين الاعتبار المعقوات والأضرار الإحلالية للمستعمرات، محاولاً تقليلها وحصرها. حتى الآن لم يُعلَن أي تصور تخطيطي فلسطيني يطرح آليات تنموية حيزية توجه التنمية المحلية والإقليمية. إن ما نسمع عن إعداده من خلال وزارة التخطيط والتعاون الدولي يجب تعميمه وتطويره إلى آليات وخيارات تشكل أساساً لمواجهة عملية تنموية للاستيطان الإسرائيلي، إذ لا يكفي التصريح والموقف السياسي، بل يجب أن يكون ذلك مواكباً لتطوير الحياة اليومية للسكان. ولذلك من الضروري إعطاء دور مهم للحكم المحلي من خلال عمل يومي للبلديات والمجالس القورية التي تشكل ذراعاً مهمة في عملية تطوير المواطنين، إضافة إلى المؤسسات والجمعيات الأهلية وغير الحكومية، التي لها دور مركزي في تطوير مجتمع مدني فلسطيني. ولمواجهة الاستيطان الإسرائيلي واستراتيجياته يجب تفعيل المبادرة المحلية، إضافة إلى الدعم المركزي. في المقابل، نظن أن هناك ضرورة ماسة لوضع استراتيجيا فلسطينية تتعامل مع الفترة ما بعد سنة 1999 بشأن الاستيطان الإسرائيلي، لأن موضوع المستعمرات أُرجىء إلى المرحلة النهائية من المفاوضات. والسؤال الذي يُطرح هو: كيف يتعامل الفلسطينيون مع البنى التحتية التي وضعها الاستيطان الإسرائيلي، حتى في حالة تفكيك المستعمرات كلياً أو جزئياً؟ وإذا لم يتم تفكيك هذه المستعمرات، ما هي الخيارات المستقبلية في علاقتها بالمراكز الفلسطينية والإسرائيلية؟ لا شك في أننا نستطيع وضع أسئلة كثيرة تبحث عن أجوبة، وأجوبتها لا تكون تصريحات أو مواقف سياسية فقط، بل أيضاً إعداد برامج تنموية تأخذ في الاعتبار الظروف الحالية والقدرة على تغييرها وإلى أي اتجاه يجب تغييرها كي نصل إلى الاستفادة القصوى من تعديلها. ويتم هذا من خلال إقامة طواقم تفكير رسمية وشعبية تشمل المستوى المركزي والمحلي كي تضع استراتيجيا تخطيطية تنموية وتقوم بتبنيها وإنجازها. وهذا يتطلب الانتقال من ذهنية ردة الفعل إلى المبادرة من أجل تأمين أهداف مرغوب فيها تمكن من تسريع عجلة التنمية الفلسطينية وتؤدي إلى تحسين الأداء التنموي الفلسطيني. مع ذلك فإننا لا ندعو إلى مواجهة الاستيطان بواسطة إعداد مخطط قطري أو إقليمي يسعى لتحقيق التنمية الفلسطينية فقط، بل يجب أيضاً أن يواكب ذلك عمل مبرمج يقف أولاً حائلاً أمام توسيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية بواسطة تكثيف الوجود الفلسطيني، ثم مواجهة هذا الاستيطان بشتى السبل المتاحة في الواقع السياسي الحالي داخل فلسطين وفي المحافل الدولية.
خلاصة
يمكن أن نخلص إلى أن الاستيطان الحالي في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو استمرار للاستيطان الذي بدأ سنة 1882 ويشكل أحد مكونات التطبيق العملي للصهيونية، من خلال فرض الواقع واتباع استراتيجيا حيزية تعتمد الإحاطة ثم التغلغل، وتكون مستقاة من الفكر العسكري ومستعملة في الفكر التخطيطي المدني. ويشكل الوجود الاستيطاني الحالي معوقاً أساسياً أمام التنمية الفلسطينية ويحول دونها، كما أن استمرار التوسع الاستيطاني يقع ضمن إجماع الخريطة السياسية الإسرائيلية. ولمواجهة هذا الاستيطان وتوسعه لا بد من وضع استراتيجيا فلسطينية تعتمد على تصور واضح لبدائل وخيارات تتعامل معه، وتأخذ في الاعتبار الأولويات الممكنة في الظروف السياسي الحالية. إن عدم وجود تصور موضوعي وتخطيطي منطلق من الواقع ومترجم إلى خطة عملية تلحظ البعد الفلسطيني والإسرائيلي والعربي والدولي لمواجهة الاستيطان، ولتشكل أساساً لوقف استمرار توسعه ونموه على حساب التنمية الفلسطينية، سيكون له أثر سلبي في الموقف الفلسطيني تجاه وضع حلول أو ترتيبات جيوسياسية وتنموية بشأن المستعمرات، منطلقة من الحاجة التنموية الفلسطينية.
المراجع
- أبو عرفة، ع. "الاستيطان التطبيق العملي للصهيونية". القدس: وكالة أبو عرفة، 1982.
- أرونسون، ج. "مستقبل المستعمرات الإسرائيلية في الضفة والقطاع". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1996.
- إفرات، إ. "جغرافيا وسياسة في إسرائيل" (بالعبرية). تل أبيب، إصدار أحيسف، 1984.
- دولة إسرائيل. "كتاب الإحصاء السنوي". رقم 48، القدس، 1997.
- عايد، خ. "محصلى الاستيطان منذ اتفاق أوسلو ونُذُر 1995". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 21، شتاء 1995، ص 114 –
- Alpher, J. Settlements and Borders; Final Status Issues: Israel-Palestinians. Study No. 3. Tel Aviv: Tel Aviv University, Jaffee Center for Strategic Studies, 1994.
- Benvenisti, M. and S. Khayat. The West Bank and Gaza Atlas. Jerusalem: The Jerusalem Post, 1988.
- Khamaisi, R. The Israeli Settlement in West Bank and Gaza Strip. Geneva: UNCTAD, 1992.
- Newman, D. “Gush Emunim and Settlement Type in the West Bank.” Bulletin of the British Society for Middle Eastern Studies, 8 (1) 1984, pp. 33-37.
- Saleh, H. Abdel Kader. “Jewish Settlement and its Economic Impact on the West Bank, 1967-1987”. Geojournal, Vol. 21, No. 4, 1990, pp. 337-348.