The Concept of a Binational State in Palestine
Keywords: 
النزاع العربي - الإسرائيلي
دولة ثنائية القومية
حل الدولتين
عملية السلام
Full text: 

يكثر الحديث في بعض وسائل الإعلام، وفي بعض المنشورات، عن فكرة دولة ثنائية القومية في فلسطين، من خلال ارتباطها بعملية التسوية المطروحة بشأن المشكلة الفلسطينية.

وقد ساهم عدد من الكتّاب والباحثين في الحديث عن هذه الفكرة، ومحاولة تحليل الأوضاع الراهنة التي تمرّ بها قضية فلطين، وربطها بتصورات مسبقة للإفادة من تجارب الأمم الأُخرى، ولا سيما مقارنتها بما مرّ به بعض حركات التحرر القومي في العالم.

ولا شك في أن التعرض للبحث في فكرة دولة ثنائية القومية في فلسطين يتطلب، منذ البداية، تحديد مفهوم الفكرة، والخصائص المشتركة التي تربط بين التجارب، والأساس النظري لها كما يجري تعريفها في بعض كتب الاجتماع السياسي، كي يكون ما نقصده بهذه الفكرة واضحاً أمامنا.

وعلينا، في هذه المقال كذلك، أن نوضح الفارق بين هذا التصور وبين ما يطرحه بعض المفكرين لتطور مقصود ربما يؤدي، في المدى البعيد، إلى قيام دولة ثنائية القومية على مساحة فلسطين الجغرافية. هذا من جهة، ومن جهة أُخرى نرى أن من الطبيعي أن يتناول المقال ما يجب أن يناضل من أجله كل الفلسطينيين العرب، ليستطيعوا إيجاد أساس لحقهم في أرضهم ووجودهم عليها، الأمر الذي يؤدي إلى بيان العلاقة الترابطية بين حق العرب الفلسطينيين في تقرير مصيرهم على أرضهم، وبين حقهم في العودة إلى وطنهم.

أولاً: الدولة ثنائية القومية: المحددات والخصائص

لا يوجد تعريف متفق عليه للدولة ثنائية القومية. ومَنْ وضع حدوداً لمثل تلك الدولة إنما استنبطها مما طُبّق من تجارب، ومما توفر من خصائص. إذ توصل بعض الباحثين في علم الاجتماع السياسي إلى تعريف مقبول لمفهوم الدولة ثنائية القومية، فحواه أنه مفهوم سياسي لقيام نظام حكومي يشترك فيه شعبان في النظرة إلى الدعائم الأساسية التي تكوّن الدولة.

ولا يعتمد اشتراك الجماعتين القوميتين في إدارة مؤسسات الدولة على نسبة موافِقة لقوة كل منهما العددية، وإنما على المبدأ الأساسي لهذا النظام المتمثل في الإرداة الحسنة والتسامح. فلكل جماعة قومية هويتها المنفصلة التي تتمتع فيها بلغتها وثقافتها القومية وتراثها الديني، حيث أن للغة والثقافة والدين مكانة متميزة في نظام الدولة ثنائية القومية.

من جهة أُخرى، لا يعني وجود شعبين في دولة واحدة أن تكون تلك الدولة دولة ثنائية القومية بالضرورة، إذ يمكن أن تكون دولة ديمقراطية تتمتع الأقلية فيها بحقوقها السياسية في ظلّ حكم الأغلبية، كما يمكن أن تكون دولة عنصرية لا يتمتع الشعبان فيها  بحقوق متساوية، ويعاني أبناء أحد الشعبين التمييز والانعزال.[1]

وأهم ما يميّز دولة ثنائية القومية هو الحصول على نظام توافقي بين الجماعتين القوميتين يتجنب سيطرة الأغلبية على الأقلية. لذا، لا بد من عناصر أساسية مثل: تقسيم السلطة، ونظام تعدد الأحزاب، وحق الأقلية في الاعتراض والمشاركة في السلطة التنفيذية.

    أمّا في مجال التشريع، فيجب التوازن بين شعبتي المجلس العائدتين لكل قومية، بحيث يضمن التمثيل النسبي لكل منهما، إذ ربما يقوم اتحاد إقليمي أو غير إقليمي بينهما. هذا، ولا يوجد نمط توافقي واحد في الدول متعددة القوميات، فهناك أنماط متعددة من التوافقية بحسب تباين الأنظمة السياسية.[2]

ولا شك في أن حركة التحرر القومي تؤدي دوراً في إيصال القوى المضطهدة والمظلومة، كي تتبوأ مكانها في نظام دول ثنائية القومية، أو متعددة القوميات، إذا ما ابتعدت عن الإغراق في الشوفينية والتعصب القومي، وانتقلت من موقع التحامل والازدراء القومي إلى التسامح. وكل نظام سياسي لا يمكن أن يتحقق بالإرادة الحسنة وحدها، بل إنه لا يتحقق إلاّ عبر نضال مستمر، كما تجلّى في تجربة جنوب إفريقيا مثلاً.

ثانياً: بعض العوامل الخلفية في تجربة البلاد متعددة القوميات

    من المعروف أن هناك تجارب كثيرة في العالم، تجلّى أهمها في القارة الأوروبية حيث طُبّقت فكرة القوميات الثنائية أو المتعددة. وتقف التجربة السويسرية مثالاً متميزاً في ميدان حلّ مسألة تعدد القوميات. ففي سويسرا يتكلم السكان أكثر من لغة، كما يتوزعون من الناحية المذهبية إلى بروتستانت وكاثوليك، إذ تتكلم أغلبية السكان اللغة الألمانية، فاللغة الفرنسية، ثم اللغة الإيطالية، وهناك نسبة ضئيلة تنطق بالرومانية القديمة. والنظام الاتحادي هو المطبق في سويسرا، إذ إن الاتحاد السويسري نظام فيدرالي طوعي يقوم على تقسيم البلد إلى عدد من المقاطعات (كانتونات)، وتحكم كلّ مقاطعة نفسها ذاتياً، في حين أن دستور الاتحاد يضمن حقّ الانتساب لكل مقاطعة. وهناك مثال آخر لتطبيق نظام دولة ثنائية القومية، وذلك في المملكة البلجيكية حيث فرض الواقع الإثني واللغوي تقسيم المملكة إلى جماعتين إثنيتين: الأولى هي الفلامنك، والثانية هي جماعة الوالون.

    وتنطق الجماعة الأولى باللغة الفلامنكية القريبة من الهولندية، بينما تنطق جماعة الوالون بالفرنسية، فكلّ إقليم ينطق بلغته الخاصة. وتعتبر العاصمة، بروكسل، مكاناً تستخدم فيه اللغتان الفرنسية والفلامنكية؛ فبلجيكا مملكة دستورية قبلت الانفصال الإقليمي لحل مشكلتها الإقليمية واللغوية.

    وبناء على هذا الانقسام تتكيّف الأحزاب البلجيكية وفق تلك الثنائية، ففي كل حزب جناح للوالون وآخر للفلامنك وثالث للبروكسليين.[3]

    وتشكّل فكرة المواطنة للطوائف والأقليات في الدول التي يعيش فيها أكثر من جماعة إثنية أو لغوية مثالاً للمطالبة بمساواة تلك الطوائف والأقليات بالأغلبيات الحاكمة، وأبرز مثال لذلك الاتجاهات التي سادت بشأن الإصلاح في الإمبراطورية العثمانية أو ما عرف بـ"الاتحاد العثماني".

ثالثاً: الفارق بين تطور الفكرة كحقيقة واقعة وبين تطويرها المقصود

    هناك فارق بين تناول نظام دولة ثنائية القومية كتكريس لواقع مهيمن عليه، وتحت سيطرة جماعة معينة، وبين تطوير مقصود لتغيير الواقع، والوصول إلى المساواة والتوافق بين الجماعتين القوميتين.

    وقد حاول عدد من الباحثين في العلوم الاجتماعية والنفسية والسياسية البحث في إمكان تكوّن جمهورية ثانية في إسرائيل. كما اختبر عدد آخر هذا الرأي بتناول الجوانب المتعدد لتشكيل ما سموه "القومية الثانية في إسرائيل" كواقع حدث مصادفة ومن دون قصد، بعد تسلّم حزب الليكود السلطة.

    ففي دراسة عن الأبعاد الفكرية لمفهوم الثنائية، طُرح السؤال: هل هي حقيقة سياسية واقعة أم كيان قانوني شرعي؟ وتمت الإجابة عنه بأن الكيان الشرعي هو البعد النهائي في عملية طويلة المدى لتحويل دولة أحادية القومية إلى دولة متعددة القوميات. وترى الدراسة في هذا المعنى أن إسرائيل أصبحت دولة ثنائية القومية منذ سنة 1967، وأن وجود الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ تلك السنة، يحمل في طياته الأبعاد النفسية، "السيكولوجية"، فقط لدولة ثنائية القومية. وعلى الرغم من عدم وضوح طبيعة الحقوق في تلك الدولة، فإن الدراسة ترى أنه يفترض، على نطاق واسع، تجسُّد تلك الحقوق في إطار الحكم الذاتي، وأن اتفاق كامب ديفيد اشتمل على بعض المفاتيح والإشارات إلى الحكم الذاتي الدائم وصولاً إلى ترتيبات لقيام دولة ثنائية القومية. وفي هذا السياق، لا بدّ من اتفاق أو ميثاق قانوني يميّز الاستقلال التام من الحكم الذاتي أو الحكومة الذاتية. ويمكن منح سكان تلك المناطق الحرية السياسية لاختيار الأفضل بين الإجراءات القانونية التي تتلاءم مع وضعهم النهائي. وتنتهي الدراسة إلى تخمينات لما يتوقع حدوثه في القرن الحادي والعشرين، فحواها أن أي تغيير نمط القومية الثنائية غير العادي، والقائم على التعددية، مثل ضم المناطق، أو طرد الفلسطينيين، أو إيجاد دولة أحادية القومية، سيكون معناه التورط في العنف.[4]

 يؤدي التركيز على رصد التطورات في الطرف الإسرائيلي إلى إبراز جوانب معينة من السياسات الإسرائيلية من دون غيرها. فاستقصاء فكرة دولة ثنائية القومية في إسرائيل يجعل الباحث مكلَّفاً القيام بالتحليل من طرف واحد. والمشكلة في هذه الحالة هي الوقوع في وهم أن ثمة في إسرائيل قدراً واقعاً من القومية الثنائية، وأنّ هذه الحقيقة مخبأة أو مدفونة في كيان الدولة، وإن لم يعترف بها صراحة.[5]

وترى وجهة نظر أُخرى أن السبب في تلك الحقيقة هو أن النظام السياسي في إسرائيل، الذي وصل إلى طريق مسدود، أبرز القومية الثنائية فيها كحقيقة واقعة مصادفة، لا عن تخطيط مسبق.[6] وعلى الرغم مما يسوقه الباحثون لتأكيد أن إسرائيل دولة ثنائية القومية، فإن وجهة النظر هذه تلحظ مفاصل مهمة لا يمكن تجاهلها.

ويحاول بحث آخر تفسير التناقض الذي يطرحه ظهور ما يسمى إسرائيل ثنائية القومية، والقائم بين الأساس القانون والأيديولوجي للدولة في إسرائيل وبين المجتمع ثنائي القومية، كما يحاول التغلب على معضلة إيجاد تعريف فسرائيل ثنائية القومية، بتأكيد أن إسرائيل هي دولة ثنائية القومية كحقيقة واقعة وحالة سياسية مهمين عليها. إن وجود كثافة ديموغرافية عربية لهو حقيقة إثنية متميزة، قد لا ينطبق عليها الاطلاح القانوني للنظام السياسي في دولة ثنائية القوميةز وتعود معضلة ذلك التعريف إلى اعتبارين:

الأول يأخذ في الاعتبار بنية القومية الثنائية المشروطة بزيادة في عدد العرب كأقلية، وبنقص في عدد اليهود كأغلبية.

الثاني أن سياسة توزيع السلطة بين القوميتين العربية واليهودية مبنية على أسس غير عادلة، وينجم عن هذا الظلم في توزيع السلطة عدم تطابق الوضع القانوني للقوميتين على أساس الواقع الديموغرافي. وان مسألة المشاركة في السلطة لم تكن مطروحة بعد قيام إسرائيل كمجتمع يهودي منظم بعد سنة 1948، أو بعد سنة 1967، كما هي مطروحة اليوم، لأن الأقلية العربية الإسرائيلية لم تكن بالحجم الذي يلقي بثقله اللازم.

وقد تغيرت مسألة المشاركة في تحمل السلطة السياسية جذرياً في العقدين الأخيرين. فالسكان الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة عوملوا بعد الاحتلال على أساس أنهم يشكلون جماعات محتلة من الناحية القانونية والواقعية. ويعود البحث المذكور آنفاً فيؤكد أن الانتفاضة شكلت التحدي الذي واجه إسرائيل كمجتمع منظم من داخل فلسطين، بينما كان التهديد في سنة 1948 وسنة 1967 قادماً من خارج إسرائيل، ولم يبلغ درجة تحدي الانتفاضة. وتلك نقطة أساسية. ففي سنة 1987 وما بعدها، نبع التحدي من داخل فلسطين، من الارض المحتلة. ومن المحتمل، في رأي كاتب البحث، أن يستمر الحال في الأراضي المحتلة مشابهاً لما هو عليه في إيرلندا الشمالية، أي وجود وضع يؤدي إلى استخدام العنف والعنف المضاد في عملية الصراع بين الجانبين. وعلى هذا الأساس فإنه يتوقع أن يكون موقف العرب الإسرائيليين، وخصوصاً في الانتخابات، موقفاً متكتلاً تحركه بواعث الوعي الفلسطيني. وفي رأيه أن "فلسطنة العرب الإسرائيليين تشكل خطراً جدياً على إسرائيل كمجتمع ديمقراطي – وكمجتمع يهودي منظم."[7]

    تدلّ الآراء التي طرحها بعض الباحثين، في التحليل الآنف الذكر، على أن فكرة دولة ثنائية القومية تسير في اتجاه يناقض ما ترغب السلطة الإسرائيلية فيه. والتخوف الذي تطرحه الأوساط الصهيونية والإسرائيلية من أجل ضم الراضي من الضفة الغربية وقطاع غزة كان له ما يبرره في عرف تلك الأوساط التي أرادت تجنّب الطريق المسدود الذي سلكته. وما تطرحه تلك الأوساط من صيغ تدّعيها للسلام، أو للتفاهم، أو للتعايش، إنما تطرحه من موقع مصلحتها في إبعاد انفجار القنبلة الديموغرافية. ومثل هذا التخوف لا تخفيه الأوساط الصهيونية، وإنما تحاول كسب الوقت والمماطلة لتأجيله، وابتكار الوسائل وأطروحاتها كي تجد من يواجه الأخطار المقبلة، ويبعد عنها بقدر ما تستطيع الأخطار المباشرة الناجمة عمّا ترسمه من وسائل دفاعية وتحصينات تقذف في واجهتها بقوى فلسطينية تلهيها عن التصدي المباشر لغايتها. ومن هنا فإن نهج بعض الباحثني الإسرائيليين يؤدي إلى تحذير السلطات الإسرائيلية من تطور الواقع الفلسطيني في إسرائيل نفسها وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، من كونه يشكّل حالة واقعية تؤدي، في المدى البعيد، إلى قيام نظام يمكن أن يحمل صورة ما لفكرة نظام دولة ثنائية القومية على كامل مساحة فلسطين.

وعلى الرغم من أن هذه الأبحاث مضى عليها عدة أعوام، فإنها تبقى علامة حمراء توجه قادة الحكم في إسرائيل إلى خطورة ما ينتظر الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، من مستقبل غير مضمون من وجهة النظر الإسرائيلية.

 ويبدو الفارق هنا واضحاً بين مواجهة الحالة الواقعة وبين ما يجب أن تكون عليه من تغيير مقصود لبناء نظام يؤمن وظيفة الدولة ثنائية القومية. فالتغيير المقصود لن يتمّ بتسريب المطالب، وباستجداء تحقيقها، كما أنه لن يتم بخضوع قومية وهيمنة أُخرى عليها، أو بممارسة التمييز والظلم ضد القومية الأُخرى.

إن عملية التغيير الثقافي ستستمر، سواء في إسرائيل أو في منطقة الحكم الذاتي، بغض النظر عن توجهات كل طرف نحو الآخر. ولا يمكن أن تكون عملية التغيير هذه بمنأى عن التطورات الراهنة، سواء أكانت تحمل صيغة سياسية أم توجهاً فكرياً ومستقبلياً.

رابعاً: توجهات عربية فلسطينية متعددة نحو فكرة دولة ثنائية القومية في فلسطين

على الرغم من عدم شعبية فكرة دولة ثنائية القومية في فلسطين لدى الجانب العربي الفلسطيني، فإن هذا لم يحُلْ دون صدور بعض التوجهات عن بعض الباحثين العرب الفلسطينيين، سواء مَنْ يعيش منهم في فلسطين أو في أقطار الغربة.

 وعلى سبيل المثال، أعرب المفكر الفلسطيني ورئيس جامعة القدس، سرّي نسيبة، مرات كثيرة عن رأيه في قيام دولة ثنائية القومية في فلسطين إذ طرح، سنة 1987، سيناريو افترض فيه أن إسرائيل لن تنسحب من الأراضي المحتلة، وأن على الفلسطينيين أن يطلبوا من إسرائيل أن تضم تلك الأراضي إليها، الأمر الذي يؤدي إلى أن يعيش الفلسطينيون في دولة ذات نظام عنصري بحكم الواقع (Apartheid)، وعليهم أن يناضلوا لنيل حقوق متساوية مع الإسرائيليين، وأن يصبحوا كالمواطنين الإسرائيليين.

ويتوقع نسيبة أن يشكّل العرب سنة 2020 أغلبية سكانية على اليهود غربي نهر الأردن، وبذلك يتمكنون من السيطرة  على الكنيست وبقية مؤسسات الحكومة، فيصبحون قادرين على تمرير قانون عودة اللاجئين الفلسطينيين إذا اختاروا ذلك. وفي مثل هذه المرحلة تتحول "فلسطين – إسرائيل" إلى دولة ثنائية القومية بالمعنى الكامل للكلمة.[8]

ويعود نسيبة فيؤكد من جديد في عدة مناسبات، منها تعليقه على نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة سنة 1996، أن قيام دولة ثنائية القومية في فلسطين – إسرائيل ليس أمراً واقعياً فحسب، بل إنه أمر مرغوب فيه أيضاً. "وعلى الرغم من اللطمة المميتة لعملية السلام الراهنة، فإن القدس سيبرهن، مرة أُخرى، أن له مشيئته المستقلة."[9]

 ويقدم الباحث الفلسطيني محمد ربيع رأياً آخر يقوم، في بعض جوانبه، على شكل من أشكال دولة ثنائية القومية. فهو يرى أن تقوم دولتان على أرض فلسطين الكاملة: دولة إسرائيلية يهودية، ودولة فلسطينية عربية، حيث تمارس كل جماعة قومية حقوقها السياسية في دولتها التي تمثّل أغلبية سكانية فيها: اليهود في إسرائيل، والعرب في فلسطين، في حين يتمتع مواطنو الدولتين جميعاً بحقوق الإقامة والعمل وممارسة النشاط الاقتصادي في كامل فلسطين الجغرافية. ويقترح الباحث القدس عاصمة موحدة للدولتين كلتيهما، حيث يختار سكانها ممثليهم في المجلس البلدي لمباشرة القضايا غير السياسية.[10]

وفي السياق ذاته، يندرج رأي الأستاذ برهان الدجاني، المفكر والخبير الاقتصادي الفلسطيني، إذ يدعو إلى بقاء فلسطين موحدة، ويرى أن أي حل منتظر يجب أن يحافظ على هذه الصيغة، من دون فصل الدولتين إحداهما عن الأُخرى.[11]

أمّا أستاذ الأدب والمفكر السياسي إدوارد سعيد، فيذهب إلى أن اتفاق أوسلو، وما تمخض  عنه من نتائج، لم يؤديا إلى حل للصراع القائم في فلسطين. فهو يرى في انتفاضة الشعب العربي الفلسطيني ضد حفر نفق تحت المسجد الأقصى مؤشراً إلى يأس ذلك الشعب من اتفاق أوسلو، ودليلاً لعى نهاية حل الدولتين. كما يرى إدوارد سعيد أن الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي أكثر ارتباطاً أحدهما بالآخر، تاريخياً وعلى صعيدي التجربة والواقعة، من أن ينفصلا، على الرغم من إعلان كل منهما حاجته إلى دولته المنفصلة، "والتحدي هو إيجاد طريقة سلمية للتعايش كمواطنين متساوين في الأرض نفسها."[12]

وفي هذا السياق، أيضاً، يأتي رأي يشترك فيه الباحثان أسعد غانم وسارة أوزاكي لازار عبّرا عن تصورهما لحل بديل من حل دولتين منفصلتين نتيجة اتفاق أوسلو، ورفضا فكرة دولتين منفصلتين، وقالا إن المجتمعيْن المحليين، العربي الفلسطيني واليهودي الإسرائيلي، يمكن أن يعيشا جنباً إلى جنب، ويمارسا حكماً ذاتياً بكل منهما في شؤونه الداخلية، الثقافية واللغوية والدينية، على أن يشتركا في اقتسام السلطة والسيادة على كامل ما سمياه "فلسطين – أرض إسرائيل"، وتكون القدس عاصمة للدولة المنشودة.[13]

أمّا المفكر العربي وعضو الكنيست عزمي بشارة، فيدعو إلى دولة ثنائية القومية من دون مواربة. فهو يرى أن يشكّل العرب الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع فلسطينيي الـ 48، كياناً سياسياً فلسطينياً واحداً، ضمن كيان سياسي أكبر ثنائي القومية، فيه كيان سياسي يهودي وكيان سياسي عربي يشكّلان معاً كياناً يهودياً – عربياً ذا برلمانين من جهة، وبرلمان مشترك من جهة أُخرى.

ويمضي بشارة في رأيه هذا فيقول: "... وأنا لا أتحدث هنا عن دولة ديمقراطية علمانية وإنما عن دولة ثنائية القومية، أي عن نظام شبه فدرالي بين كيانين قوميين."[14]

ومن التوجهات نحو دولة ثنائية القومية في فلسطين ما طرحه الباحثان جناب توتنجي وكمال الخالدي بشأن طرح عقلاني لفكرة دولة ثنائية القومية في فلسطين، يتضمن مزايا كثيرة للجماعتين العربية الفلسطينية واليهودية الإسرائيلية، في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، تفوق ما يحققه، لكل من الجماعتين، قيام كيانين قوميين منفصلين.[15]

خامساً: الانتماء العربي الفلسطيني وعلاقته بفكرة دولة ثنائية القومية

لا شك في أن الشعور بالانتماء العربي الفلسطيني لدى تجمعات الشعب الفلسطيني يشكل ظاهرة بارزة مشتركة بينها. والتماسك المعنوي والتحسس بأهمية ذلك الشعور يزعجان كلاً من الأوساط الصهيونية والقيادة الإسرائيلية، فتحاول تفتيته وشقه بشتى الوسائل والتبريرات. ولا نتجاوز الواقع إذا قلنا إن الأساس الذي تبنى عليه أية محاولة عملية لقيام نظام مبلور ثنائي القومية في فلسطين يعتمد، إلى حد بعيد، على مثل تلك الدرجة من الانتماء العربي الفلسطيني... فالتقسيمات التي يحاول بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية طرحها تسوق لمصطلحات تطلق على كل تجمع فلسطين، وخصوصاً عند تقسيم التجمعات الفلسطينية التي تقيم تحت الحكم الإسرائيلي، وتلك التي تخضع لسلطة الحكم الذاتي، أو المقيمة بأقطار الغربة والشتات. ولعل أوضح تجسيد لتلك التقسيمات ما نجده فيحياة التجمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، الذي يخضع لصراع داخلي متناقض بين الانتماء العربي وتأكيد الهوية الثقافية والسياسية العربية، وبين الارتباط بدولة إسرائيل كمواطنين من الناحية القانونية.

وعبّر عزمي بشارة عن هذه العلاقة فقال: "... بقيت محاولة إيجاد المعادلة التي توازن بين الانتماءين، أي بين كونهم مواطنين إسرائيليين يريدون المساواة في دولة إسرائيل وبين انتمائهم إلى الأمن العربية وإلى الشعب الفلسطيني."[16] ويمضي بشارة في تحديد مضمون هذه العلاقة المتناقضة فيقول: "فالاعتراف بنا كأقلية قومية له شقان: الأول هو أن تعترف السلطة بنا كشعب لا كمجموعة أقليات دينية؛ والشق الآخر والأهم، هو أن نعترف نحن بأنفسنا كشعب، وأن نتصرف كشعب لا كمجموعة طوائف وعشائر على غرار ما نفعله الآن."[17]

لقد أدت السلطة الإسرائيلية دوراً ضاغطاً كي تبعد الأقلية العربية عن أخذ دورها المتميز والبارز كجماعة قومية متكاملة، ومنتمية إلى الشعب العربي الفلسطيني. ومن خلال الضغط على هذه الأقلية بالمطالب المعيشية والخدماتية، تحاول هذه السلطة أن تتفضل عليها بمنحها قدراً محدوداً من المواطنو الإسرائيلية – لا كحق في المساواة ببقية المواطنين في الدولة وإنما كجماعة يشك في ولائها للدولة. وفي كثير من الأحيان، استغلت السلطة الإسرائيلية هذا التخويف كسيف مسلط على رؤوس العرب الفلسطينيين، لتحد من حرية تعبيرهم عن انتمائهم إلى شعبهم العربي الفلسطيني، فهي كثيراً ما تلوح بأنهم يشكلون طابوراً خامساً، وتشكك في ولائهم كمواطنين من الدرجة الثانية للدولة. وهذه كارثة يواجهها المواطنون العرب في إسرائيل، تدفعهم إلى أن يعيشوا بعيداً عن مكانهم الطبيعي. وهنا يقول عزمي بشارة: "وبالنسبة إلى العرب في إسرائيل، فإن كارثتهم... هي أن مكانهم حتى الآن هو اللامكان. أي أنهم على هامش المجتمع الإسرائيلي وعلى هامش العرب. وبالتالي، أنا أقول إن العرب في إسرائيل يعيشون على تقاطع هامشين: هامش الأمة العربية وهامش المجتمع الإسرائيلي. والكارثة والطامة الثقافية هما أنهم سعيدون بذلك؛ فمن أجل بعض المزايا في الوضع الاجتماعي والمدني، أصيب العرب في إسرائيل بعطب ثقافي."[18]

إن ظاهرة "الفلسطنة" هي تحذير تسوقه أبحاث الكتّاب الإسرائيليين والغربيين، لتجعل منه لافتة حمراء في وجه السلطات الإسرائيلية كي تحسب حسابها في التعامل مع التجمعات العربية الفلسطينية. فالسلطات الإسرائيلية تحذر المواطنين العرب في إسرائيل من تأييد، أو التعامل مع التجمعات الفلسطينية في منطقة الحكم الذاتي. كما أن سلطة الحكم الذاتي تحاول التأكيد، في كل مناسبة، أنها لا تقيم علاقات بالمواطنين العرب في إسرائيل، ولا تدعم مطالبهم، خوفاً من أن تشكك السلطات الإسرائيلية في التزامها ما سمي الاتفاقات الأمنية، ومن التهديد بإيقاف منح ما يسمى "المزايا المعطاة لسلطة الحكم الذاتي".

إن ظاهرة الانتماء العربي الفلسطيني بين كل تجمعات الشعب العربي الفلسطيني تؤدي، بالضرورة، إلى تجسيد الرابطة المشتركة التي تجمع بين الفلسطينيين أينما وجدوا، وتمهد، بالتالي، إلى بروز نظام دولة ثنائية القومية في فلسطين وتطوره. فالواقع الذي يعيشه الفلسطيني على الأرض الفلسطينية ليس بمنأى عن الواقع السياسي الذي يتوق إليه أي تجمع عربي فلسطيني آخر خارج الأرض الفلسطينية، سواء بين اللاجئين منهم أو بين النازحين الفلسطينيين سنة 1948 وسنة 1967.

ومن الضروري عند الحديث عن الواقع السياسي والثقافي وعلاقته بالتجمعات الفلسطينية ألاّ يغيب عن الذهن الحديث عن الطروحات أو الخيارات في التسوية السياسية، وعن العلاقة المتبادلة، والواضحة كل الوضوح، بين حقوق كل الفلسطينيين في تقرير المصير، والعودة إلى أرض الوطن. وهذا ما سنتحدث عنه في الفقرات التالية.

سادساً: الترابط العضوي بين حقي تقرير المصير والعودة مع مستقبل الفكرة

عندما تخفّ درجة الحديث عن حق عودة اللاجئين نلحظ تأكيداً وتركيزاً على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني على أي جزء من تراب الوطن. وعندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تمارس دورها في الخارج، كانت تعبّر عن تمثيلها للشعب الفلسطيني بتأكيد أن التحرير هو العمل على ممارسة حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني على أرضه، ولم يكن هذا التأكيد إلاّ طرحاً سياسياً أسوة بحركات التحرر الوطني العام. ومع أن النكبة كانت نتيجة ممارسة الاضطهاد والظلم والإبعاد القسري للشعب العربي الفلسطيني، إلاّ إن التعبير عن الحقوق السياسية لم يعطِ الأولوية لحق العودة، ولرفع الظلع عن الشعب، ولإزالة نتائج المأساة التي مرّ بها.

ومع أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تتنكر لحق العودة، لكنها لم تعطه الأولوية، باعتباره شرطاً جوهرياً لممارسة الشعب حقه في تقرير المصير قبل أن يكون قضية يثار البحث فيها في المحافل الدولية وفي دورات الأمم المتحدة. لذلك نجد أن منظمة التحرير الفلسطينية، في برنامجها السياسي، وفي النقاط العشر، دعت إلى بناء دولة فلسطينية، وكان همها الحديث عن إقامة السلطة الوطنية على أي جزء من فلسطين يتم تحريره، أو يجلو الاحتلال عنه. وهذا يعني، على الصعيد العملي، إقامة دولة فلسطينية على الصورة المشوهة التي نراها اليوم لمفهوم التحرير والسيادة. ولهذا، ففكرة بناء نظام دولة ثنائية القومية في فلسطين لن يكون لها أي معنى من دون تأكيد حق الشعب الفلسطيني، كل الشعب الفلسطيني، في العودة. وإذا كان القرار رقم 242 يتطلب طرفاً يتم التفاوض معه من أجل بناء دولة – كما ادعت قيادة منظمة التحرير يوماً ما – فهذا لا يعفي من طرح حقيقة أن حق تقرير المصير وبناء الدولة يظل مبتوراً إن لم يكن مرتبطاً ارتباطاً عضوياً بحق عودة الفلسطينيين. وقد أدرك بعض الباحثين هذه العلاقة العضوية، وعبر عنها عزمي بشارة بوضوح وإحكام في مقابلة مع صحافي إسرائيلي، فأشار إلى أن الحركة الوطنية الفلسطينية نشأت في حضن النضال من أجل عودة اللاجئين، وأن حق تقرير المصير على جزء من فلسطين لا يلبي مطالب فلسطينيي الـ 48، وأن حل مشكلة اللاجئين وعودتهم لا يتم في إطار كيانين سياسيين، وإنما في إطار كيان ولحد، ودولة واحدة ثنائية القومية، والموضوع الديمغرافي داخل كيان واحد لن يشكل حاجزاً مبدئياً.[19]

وعلى الرغم من وضوح العلاقة بين حق تقرير المصير وحق الشعب الفلسطيني في العودة، فإن معارضة قوية تواجه هذا الترابط، ولا سيما من السلطات الإسرائيلية الحاكمة، ومن قطاع كبير من الرأي العام الإسرائيلي نتيجة التثقيف المعادي لأي تعايش على قدم المساواة مع الجماعة القومية العربية الفلسطينية. كما تلقى هذه العلاقة، في الوقت ذاته، معارضة شديدة من اللاهثين وراء فكرة السلطة للحكم الذاتي، متوهمين أنها يمكن أن تتحول إلى كيان سياسي ما! فمن وجهة نظر سلطة الحكم الذاتي – ومن يدورون في فلكها – يُعتبر أي ابتعاد عن أي شكل من أشكال الحكم خسارة تفقد أمراء السلطة الامتيازات التي يتمتعون بها على هامش تمثيلهم بعض التجمعات الفلسطينية من دون الأُخرى، وخدمتهم السلطات الحاكمة الإسرائيلية كي تمنحهم التسهيلات والمنافع. وطبعاً، فإن في هذا الدور نسفاً لأي احتمال يبلور موقفاً صريحاً من الهيمنة الإسرائيلية، وتمييزها ضد الفلسطينيين بشتى التبريرات والادعاءات الأمنية.

سابعاً: التسوية السياسية وخيار دولة ثنائية القومية

أشرنا في غير موضع إلى أن فكرة دولة ثنائية القومية ليست مشروعاً سياسياً، ولا تشكل برنامجاً مطروحاً على طاولة المفاوضات، ونضيف إلى ذلك أن هذه الفكرة لا تشكل نسقاً فكرياً أو أيديولوجياً يمكن أن تتبناه الحركات والأحزاب السياسية، لأن فكرة دولة ثنائية القومية تشكل حالة يمكن أن يبنى عليها نظام دولة عبر سلسلة من التغييرات المبنية على معطيات الواقع الثقافي والقومي والنضالي.

ويحلو للبعض، في كثير من الأحيان، أن يعارض، أو حتى أن يهاجم فكرة دولة ثنائية القومية في فلسطين، من دون دراسة الأوضاع التي يمر بها صراع بشأن السيادة، وممارسة الحقوق في قطر من الأقطار، دراسة هادئة عقلانية. على هذا، فالتسوية السياسية، والمعادلات التي تطرحها عملي التفاوض، لا يمكن أن تُحسم على أساس نقل فكرة دولة ثنائية القومية من تربة مجتمع بعيد، وحشرها لتطبق في قطر آخر، وذلك لأن كل عوامل تشكيل المعادلة السياسية لإيجاد حل تفاوضي لقضية فلسطينن على اسس عادلة، مفقودة في الوقت الحاضر. وبالتالي، لا يمكن نقل أي تجربة من شعب آخر إلى بلدنا فلسطين، الأمر الذي يعني أن حالة النضال لإثبات حقوقنا لا يمكن حسمها بأدوات التفاوض التي يفرضها الطرف الإسرائيلي منطلقاً من أن الطرف الأقوى، ويلزم الطرف الفلسطيني بالخضوع لها لأنه الطرف الأضعف. وهذا استنتاج يجب ألاّ يؤدي إلى القبول بواقع الاستسلام لما يجري اليوم، وإلى الخضوع له، وإلى تجاهل الأخطار المحدقة بقضية شعبنا العربي الفلسطيني.

على الصعيد السياسي، قد يجد النظام الحاكم في إسرائيل أن من مصلحته الاستمرار في أداء دور المماطلة، ومد الحياة لحالة الركود والاستسلام، والوقوف في وجه أي محاولة لتغيير ما في الأوضاع السياسية في منطقة الحكم الذاتي، بصورة خاصة، خوفاً من أن يؤدي أي تغيير إلى تحريك يمكن أن يعقد طرح الأوضاع السياسية في تلك المنطقة من جديد، كأن يجري الحديث عن شكل ما يعطي سلطة الحكم الذاتي خصائص أقرب إلى سلطة شبيهة بالدولة، أو أن يتم ضم بعض مناطق الضفة الغربية إلى إسرائيل، الأمر الذي يقرب الوضع فيها إلى حالة شبيهة بثنائية القومية، في حين أن مجيء نتنياهو هدفه تأخير أي تغيير في تلك الأوضاع، والمراوحة في وضع اللاتغيير.[20]

وهذا الذي نعالجه بشأن فكرة دولة ثنائية القومية لا يشكل حلاً ناجزاً جاهزاً، أو سيناريو للتطبيق تواً أو خلال مرحلة منظورة، لحل الصراع القائم في فلسطين بين العرب والإسرائيليين. فما يجري اليوم بين الأطراف المتنازعة لا يرمي إلى حل ذلك الصراع القائم، وهو لا يعدو كونه تسوية سياسية تتأثر، بالضرورة، بمجمل المتغيرات الدولية والإقليمية. وهذا، بالضبط، ما يبعد تلك التسوية عن فكرة دولة ثنائية القومية.

كما أن كل طرف من المشاركين في عملية التسوية تلك، يسعى لتحقيق أقصى المكاسب على حساب الطرف الآخر، إضافة إلى أن الطرف الإسرائيلي يملي ما يريد من موقع قوة وتسلط على الطرف الفلسطيني، مستفيداً من دعم الولايات المتحدة الأميركية دعماً مطلقاً له، ومن هلهلة الوضع العربي، ومن جملة المتغيرات الدولية.

كذلك فإن المشاركين في عملية التسوية تلك لا ينطلقون من وضع افتراضي يسعى لحل نهائي للصراع العربي – الصهيوني على أساس دولة ثنائية القومية.

ثامناً: المساواة في دولة ثنائية القومية والمساواة في دولة لكل مواطنيها

يختلف مفهوم المساواة في دولة ثنائية القومية عنه في دولة لكل مواطنيها، ذلك بأن مفهوم المساواة في دولة ثنائية القومية يقوم على اعتراف كل جماعة قومية بالجماعة القومية الأُخرى، والتسليم بشخصيتها القومية، وخصوصيتها الثقافية، بغض النظر عن حجمها؛ وبهذا تكون المساواة مساواة بين قوميتين، لا مساواة بين مواطنين.

أمّا المساواة في دولة لكل مواطنيها، فهي مساواة بين مواطنين يتساوون في الواجبات والحقوق، ضمن دولة محددة، بغض النظر عن انتماء أولئك المواطنين إلى فئات قومية، أو طائفية، أو مذهبية، أو ثقافية.

إن اللافت لانتباه الباحثين في هذه المسألة أنه لم يكن للجماعات اليهودية، ثم للمنظمة الصهيونية موقف ثابت من مسألة المساواة، إذ تطالبان بها في بلد ما وترفضانها في بلد آخر. فقد طالبتا بالمساواة في زل الإمبراطورية العثمانية، حيث نادى بعض المفكرين اليهود بمساواة اليهود بأبناء القوميات والطوائف الأُخرى في الإمبراطورية، باعتبارهم مواطنين عثمانيين، على قاعدة أن فكرة المساواة قائمة على اشتراك الجميع في الشعور بالوطنية العثمانية، بحيث يُعتبر الكل مواطنين يعاملون على هذا الأساس، لا على أنهم أبناء طوائف أو جماعات عنصرية أو دينية داخل الإمبراطورية؛[21] وذلك لأن هذه المساواة، في ظل الإمبراطورية، تبرر هجرة اليهود إلى فلسطين بحكم كونها جزءاً من الإمبراطورية العثمانية واليهود مواطنون عثمانيون. لكن الجماعات اليهودية عارضت قانون مساواة اليهود بالمواطنين الفرنسيين الذي صدر سنة 1791، لأنها كانت ترى أن المساواة في أوروبا تقود إلى اندماج اليهود في المجتمعات الأوروبية، الأمر الذي يلغي خصوصيتهم وتميزهم.

وإذا كان العرب الفلسطينيون في دولة إسرائيل يطالبون بالمساواة في الحقوق مع بقية المواطنين اليهود، فهم يفعلون ذلك لأنهم مواطنون وُجدوا وعاشوا على أرضهم، وسيبقون كذلك متجذرين في أرضهم وبلدهم. وهذه المساواة بالمواطنين اليهود في دولة إسرائيل لا تمس، بشكل من الأشكال، انتماءهم القومي العربي. كما أن تلك المساواة، التي يصبحون بنتيجتها مواطنين في دولة إسرائيل، لا تعني تخليهم عن انتمائهم القومي العربي. ومن الواضح أن المطالبة بتلك المساواة المنشودة لا تعني مطالبة بقيام دولة ثنائية القومية فيما يعرف اليوم بدولة إسرائيل.

ومن الجديير بالذكر هنا أن المفكرين والقادة الإسرائيليين يرفضون، في معظمهم، فكرة قيام دولة ثنائية القومية ضمن دولة إسرائيل. ويمكن أن نشير هنا إلى الحوار الذي دار في الناصر سنة 1986، بين الباحث الإسرائيلي المعروف إيلي ريخس والشاعر العربي الفلسطيني سالم جبران.[22]

تاسعاً: دولة ثنائية القومية في فلسطين: خيار عقلاني للفلسطينيين

مما لا شك فيه أن بناء دولة ثنائية القومية في فلسطين الطبيعية يوفر لكل من الجماعتين القوميتين، العربية الفلسطينية واليهودية الإسرائيلية، خصائص ومزايا لا تتوفر في حل الدولتين القائم على كيانين سياسيين منفصلين، إسرائيل وفلسطين. فالحل القائم على وجود دولتين منفصلتين هو حل متخبط، وغير مستقر تتجاذبه عوامل المد والجزر. وينصب حديثنا، في هذا العنوان الفرعي، على مقارنة افتراضية بين خيار دولة ثنائية القومية وخيار الدولتين.

يقدم عرض دولة فلسطينية مستقلة للإسرائيليين حلاً لما يطلقون عليه "الحاجات الأمنية"، من خلال انفصالهم المادي عن السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ومع ذلك، فإن طول الحدود بين الدولتين في أي مشروع (سيناريو) ستكون تكلفته كبيرة، وخصوصاً إذا أُنشئت مناطق معزولة لمنع تسرب من يقومون بأعمال العنف على جانبي الحدود، أو من المناطق الفلسطينية، فالتكلفة ستكون عالية جداً حتى لو اضطرت إسرائيل إلى إقامة سياج مكهرب.

ومن جهة أُخرى، لا تشكل متابعة قيام دولة فلسطينية مستقلة استراتيجيا معقولة للفلسطينيين، لأن احتمال الحصول على دولة سيكون ذا تكلفة لهم، وتكون فائدتهم منها منخفضة جداً، ولا سيما بالنسبة إلى من يتطلع إلى مزايا دولة ثنائية القومية، باستثناء أولئك الذين يعتبرون أن الاستقلال والسيادة يفوقات كل المزايا.

وانتقد بعض المفكرين اليهود الاتجاهات التي عبّر عنها بعض الحركات اليسارية، وبعض أتباع حركة الإصلاح والتجديد اليهودي، بالدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، فاعتبر أولئك المفكرون ان في تقسيم فلسطين على هذه الشاكلة خيانة وتخلياً عن مسؤولية اليهود الخلقية نحو اللاجئين الفلسطينيين.[23]

وانتقد آخرون، مثل يسرائيل شاحك، الفلاسفة وعلماء اللاهوت اليهود المعروفين بموقفهم من غير اليهود، ولم يُعفوا من نقدهم مفكرين كباراً حاولوا أن يدافعوا عن افيمان اليهودي ويكسبوا احترام العالم له، في حين أهملوا الاتجاهات السلبية لدى اليهود نحو غير اليهود، وفي رأي شاحك أن في إسرائيل القوية اليوم مَنْ يطالب الآخرين بما هو مطلوب من اليهود، ويلاحظ أن عدد مَنْ قُتلوا من غير اليهود بأيد يهودية، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، يفوق كثيراً عدد اليهود الذين قُتلوا في أثناء تلك الحرب بأيد غير يهودية.[24]

يُفترض أن تلبي فكرة دولة ثنائية القومية في فلسطين حاجة الفلسطينيين إلى ممارسة حقوقهم السياسية، كجماعة وكأفراد، كما يفترض أن تحقق لهم حرية الوصول إلى أي بقعة في فلسطين كلها، بما في ذلك مدينة القدس، ويكون في إمكان الفلسطينيين الوصول إلى المراكز المهمة الممتدة بين مراكز بلداتهم ومراكز الخدمات الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك الوصول إلى مراكز العمل والسلع الإسرائيلية الاستهلاكية والتكنولوجية، كما يكون في قدرتهم جذب الاستثمارات الإسرائيلية الخاصة والعامة. أمّا الدولة المستقلة فإنها تحرم الفلسطينيين حق الوصول إلى القرى والبلدات العربية في إسرائيل. وربما تسمح لهم الاتفاقات الثنائية بالحركة بين تلك القرى والبلدات من أجل الاستثمار الخاص أو حرية العمل، لكن هذا يظل رهناً بإرادة السلطات الإسرائيلية التي يمكنها أن توقفه في أي وقت تشاء تحت ذريعة ما.

أمّا عندما يكتسب العرب الفلسطينيون حقوقاً متساوية مع المواطنين الإسرائيليين في ظل دولة ثنائية القومية، فلن تستطيع إسرائيل أن تمارس التمييز ضدهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو أن تحول بينهم وبين الوصول إلى موارد المياه، وإلى الأراضي الزراعية، إذ إن توزيعاً عادلاً لهذه المصادر بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود، يمنع السلطات الإسرائيلية من منح الاستيطان السياسي حصصاً أكبر مما يستحق، ويكون من الواجب على السلطات الإسرائيلية أن توزع حصصاً عادلة، وأن توازن بين الاستثمارات في اقتصادها العام بحيث لا يجري تمييز ضد المناطق الفلسطينية.[25]

يعبر بعض الكتّاب الإسرائيليين عن اهتمامهم بخيار دولة ثنائية القومية، ولا سيما بعد توقيع اتفاق أوسلو. ومع أن هؤلاء الكتّات يثيرون صعوبات متوقعة في وجه ذلك الخيار على الجانبين العربي الفلسطيني والإسرائيلي اليهودي، إلاّ إنهم يعتبرون ذلك الخيار يمثل تصوراَ عقلانياً على المدى البعيد. ويمثل هذا التيار الكاتب الإسرائيلي ميرون بنفنستي، النائب السابق لرئيس بلدية القدس، وهو أحد الكتاب الذين اهتموا بالعلاقات العربية – اليهودية في فلسطين.

ويذهب بنفنستي إلى القول إن الشعار المبسط القائل بقيام دولتين لشعبين في فلسطين، يواجه مشكلات وتعقيدات. وفي رأيه أن مثل هذا الشعار يحتاج إلى تحديث في التفكير السياسي، لأنه يجمع بين الانقسام السياسي والانتماء إلى الأرض نفسها والوطن ذاته، الأمر الذي يفرض تقسيم "فلسطين – إسرائيل" إلى كانتونات متجانسة على صعيد التكوين الثقافي والقومي، بحيث يتمتع كل "كانتون" بسلطات واسعة يمارسها في منطقته. ومع تكوّن حكومة مركزية تحقق تقاسم السلطة، تقر تشريعاً خاصاً بالأقلية، وتكون القدس عاصمة مركزية مشتركة لدولة "فلسطين – إسرائيل" المتحدة طونفدرالياً. ويتابع بنفنستي قائلاً إن هناك كثيرين بين العرب واليهود يحلمون بقيام دولة واحدة، غير مجزأة جغرافياً، أو إنسانياً، وتتسع لاتجاهات متعددة، ومنفتحة، ويسودها التعايش الودي والتماسك وبذلك تكون عوامل الالتقاء أقوى من عوامل الانعزال الغيتوي، فتصبح "فلسطين – إسرائيل" بدلاً تسوده علاقات سياسية على مستواه الجغرافي، ومساواة قومية لكل جماعة، وتحديد واضح لواجبات كل جماعة وحقوقها.[26]

يواجه الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة خياراً بين أن يعيشوا في منطقة معزولة (بنتوستان)، وبين أن يحوّلوا سلطة الحكم الذاتي المحدود إلى جزء مكون في نظام دولة ثنائية القومية، حيث يمكن أن يعيش فيها المجتمع المحلس العربي الفلسطيني والمجتمع اليهودي الإسرائيلي جنباً إلى جنب، مع احتفاظ كل منهما بهويته القومية، ولذا يحتاج الفلسطينيون إلى إعادة توجيه نضالهم في هذا الاتجاه.[27]

يعتبر هذا العرض السريع لفكرة أن دولة ثنائية القومية هي خيار عقلاني للفلسطينيين إشارة إلى حالة افتراضية لا تسعفها الأوضاع الراهنة أو تمدها بأسباب الحياة. ونحن في هذه المقارنة بين تلك الحالة الافتراضية وفكرة وجود كيانين منفصلين، نسعى لنقول إن تلك المقارنة أمر ضرور للحديث عن الفكرة، كتغيير مقصود في المجتمع، وفي ثقافة الرأي العام. إن الحديث هنا لا ينطلق من فراغ، أو من تصور مزاجي، أو من نسق فكري، وإنما من حالة يواجهها الباحثون ويحاول السياسيون الهروب منها، وكسب الوقت لإبعاد الخوض في أحوال تحقيق دولة ثنائية القومية على كامل التراب الفلسطيني، وفي شروط إقامتها.

الخاتمة

إننا عندما نعالج فكرة دولية ثنائية القومية في فلسطين، لا نطرح فكرة ندافع عنها، أو نحاول إثبات صحتها، في حين يحاول طرف آخر دحضها وإثبات زيفها، وإنما ننطلق في طرح الفكرة من واقع قائم، فعلاً، على أرض فلسطين، بشرياً وجغرافياً. فاليهود الإسرائيليون موجودون، فعلاً، على أرض فلسطين، والعرب الفلسطينيون موجودون، فعلاً، على أرضها أيضاً، وهذا يطرح إشكالية هي التي أدت إلى كل المشكلات والصراعات القائمة بين الجماعتين القوميتين. إننما عندما نعالج فكرة دولة ثنائية القومية ندرك أننا لا نخوض في جدل نظري مفترض كما أننا، في هذا المجال، لا نطرح نسقاً أيديولوجياً أو فكرياً.

وفكرة دولة ثنائية القومية تحققت على أرض الواقع في ظل أنظمة رأسمالية حيناً، وفيظل أنظمة اشتراكية حيناً آخر. كما أيدتها أحزاب يمينية ويسارية ودينية في الوقت نفسه، انطلاقاً من واقع قائم، فعلاً، في محاولة لحل إشكالية وجود قوميتين أو أكثر في بلد واحد. وهذا تماماً ما يدفعنا إلى معالجة فكرة دولة ثنائية القومية في فلسطين، والبحث فيها. إننا ننطلق من حالة قائمة محاولين إيجاد تصور للخروج من المأزق الذي وصلت إليه العلاقات بين الجماعتين القوميتين الموجودتين على أرض فلسطين.

وعلى الباحثين العرب ألاّ يهابوا تناول فكرة دولة ثنائية القومية في فلسطين، إذ إن هذه الهيبة تجعل الجماعة القومية اليهودية القائمة، فعلاً، على أرض فلسطين تبدو أنها هي الوحيدة على تلك الأرض، لأنها في النتيجة تغيِّب الجماعة العربية في فلسطين وتتجاهل وجودها. يجب ألاّ يتخوف القادة السياسيون في التجمعات العربية الفلسطينية في إسرائيل، أو في منطقة الحكم الذاتي، من ظاهرة، "الفلسطنة"، ومن ترسيخ الانتماء العربي الذي يبرز الشخصية العربية الفلسطينية، من خلال العمل لإيجاد قاعدة من التنظيمات الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية غير الحكومية، على الرغم من الحواجز التي تقيمها السلطات الإسرائيلية، والتشكيك في ولاء المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل للدولة، وعلى الرغم أيضاً من تجنب سلطة الحكم الذاتي التعامل مع التجمع العربي الفلسطيني داخل إسرائيل.

إن التفاعل بين الفلسطينيين في هذين النطاقين يشكل قاعدة راسخة في المستقبل، من أجل بناء كيان ذي هوية قومية عربية على كامل التراب الفلسطيني. وقد اقترح عزمي بشارة أن يبدأ التعاون والتنسيق بين التنظيمات المتشابهة وظيفياً، مثل جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، والجمعيات الثقافية، والنقابات واتحادات الأدباء والكتّاب... إلخ. وبكلمة أعم، بناء شراكة فعلية على أرض الواقع في المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين التجمعات العربية الفلسطينية فيما يعرف اليوم بإسرائيل، ومنطقة الحكم الذاتي.[28]

إن تناول الباحثين العرب فكرة دولة ثنائية القومية في فلسطين، ووضع تصورات نظرية لها، انطلاقاً من وجود قوميتين، يوفران أداة نضالية حضارية، نظرية وعملية في آن واحد، لمواجهة هيمنة الجماعة القومية اليهودية على فلسطين بأسرها، وتفرّدها بوضع الحلول التي تلائمها، والتي لا يمكن أن تقوم إلاّ على دولة يهودية أحادية القومية. ولذا فالوصول إلى تصور صحيح لدولة ثنائية القومية في فلسطين يثمر، أول ما يثمر، إرغام الجماعة القومية اليهودية على الاعتراف بوجود الجماعة القومية العربية جنباً إلى جنب معها على أرض فلسطين، ويلغي، بالضرورة، ما تحاوله السلطات الإسرائيلية من حلول للوجود العربي في فلسطين بتحويله إلى مجرد سلطة حكم ذاتي محدود، "تابع ومهين"، أو بتحويله إلى مجرد مشكلة لاجئين فلسطينيين، بحاجة إلى مساعدات، وحل مشكلتهم بتوطينهم خارج فلسطين في الأقطار العربية الأُخرى، أو في غيرها.

ولعلنا نسوق مثالاً يعرفه الجميع، وهو تأصل الانتماء القومي لدى العرب الفلسطينيين في إسرائيل (عرب الـ48) أكثر منه في أي قطر عربي. وما كان هذا ليتحقق لولا المواجهة اليومية التي خاضتها تلك الجماعة العربية ضد التمييز العنصر الذي مارسته السلطات الإسرائيلية تجاههم أكثر من نصف قرن. وينبغي للباحثين العرب أن يعلموا أن الباحثين الإسرائيليين وغيرهم من مؤيديهم تناولوا فكرة دولة ثنائية القومية في إسرائيل لكنهم تناولوها نظرياً، وتنبهوا لمعطيات الواقع من جوانب متعددة، ووضعوا تصورات للمستقبل وإجراءات للتطبيق في ذلك المستقبل، الأمر الذي يدل على أن ملامح معينة بدأت تبرز منذ أكثر من عقد من الزمن. كما بدأت هذه الملامح تعبر عن الواقع القائم على أرض فلسطين. إلاّ إن الباحثين الإسرائيليين، ومؤيديهم من الأميركيين تحديداً، أخذوا ذلك القائم بما يحقق هيمنة الجماعة القومية اليهودية على الجماعة القومية العربية ضمن ما أطلقوا عليه إسرائيل ثنائية القومية. ومن هنا، تحديداً، يبرز دور الباحثين العرب في تناول ذلك الواقع ذاته، وتقديم تصوراتهم بما يحمي الجماعة القومية العربية من تلك الهيمنة. وعليهم، أي على الباحثين العرب، أن يطوروا ذلك الواقع بوضع تصورات تتناول مختلف جوانب تحول فلسطين إلى نظام دولة ثنائية القومية، يقود إلى إقرار الجماعة القومية اليهودية بوجود الجماعة القومية العربية معها جنباً إلى جنب، والتعامل معها كوحدة لها خصوصيتها الثقافية واللغوية والقومية.

 

[1]Susan Hattis Rolef, “Multi-National State,” Republica, Vol. XVI, No. 1, 1974, pp. 89-116.

[2] أرندن ليبهارت، "الديمقراطية في المجتمع المتعدد"، ترجمة إيفلين أبو متري مسرّة (بيروت – حريصا: مطبعة أنطون الياس الشمالي، 1984)، ص 23 - 31.

[3] المصدر نفسه، ص 117 – 118.

[4] Ofira Seliktar, “Conceptualizing Binationalism: State Of Mind, Political Reality, or Legal Entity,” in The Emergence of a Binational Israel: The Second Republic in the Making, Ilan Peleg & Ofira Seliktar (eds.) (London: Westview Press,(1989), pp. 3 38. 

[5] كمال الخالدي، "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. إلى أين؟ منظور ثقافي" (بيروت: دار ابن رشد، 1998)، ص 199.

[6] Shlomo Aronson, “Fragmentation and Polarization in Greater Israel: Political Behavior in Perpetual Crisis,” in The Emergence of a Binational Israel…, op.cit., pp. 77-96.

[7] Ilan Peleg, “Epilogue: The Future of Binational Israel-Beyond the Winter of Discontent,” The Emergence of a Binational Israel…, op.cit., pp. 223-232. 

[8] المقابلة التي أجرتها سوزان هاتيس روليف مع د. سري نسيبة في مجلة Spectrum، المجلة الشهرية للحركة العمالية الإسرائيلية، الصادرة باللغة الإنكليزية، أيار/ مايو 1987.

[9] Sari Nusseibeh, “The Eyes of Palestine: How Arabs See Likud’s Victory,” Washington Post, June 9, 1996.

[10] Mohamed Rabei, The New World Order: a Perspective on the Post-Cold War Era (New York: Vantage Press, 1992), pp. 169-186.

[11] برهان الدجاني، "الحل البديل: فلسطين الموحدة"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 26، ربيع 1996، ص 29.

[12] إدوارد سعيد، "الانتفاضة ضد أوسلو"، "الحياة" (لندن)، 1/10/1996.

[13]  As’ad Ghanem and Sarah Osacky-Lazar, “Towards an Alternative Israel-Palestinian Discourse: One State Two Communities,” Palestine-Israel Journal of Politics Economics and Culture, Vol. III, No. 3/4, Summer/Autumn 1996, pp. 91-92.

[14] عزمي بشارة، "عرب الـ48: حديث شامل مع عضو الكنيست عزمي بشارة عن مأزق أوسلو والتطورات الأخيرة"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 28، خريف 1996، ص 52.

[15]  Jenab Tutunji and Kamal Khalidi, “A Binational State in Palestine: The Rational Choice for Palestinians and the Moral Choice for Israelis,” International Affairs, Vol. 73, January 1997.

[16] بشارة، مصدر سبق ذكره، ص 57.

[17] المصدر نفسه، ص 58.

[18] المصدر نفسه.

[19] عزمي بشارة، "المواطن عزمي"، مقابلة أجراها آري شافيت، "هآرتس"، 29/6/1998.

[20] بشارة، "عرب الـ 48...."، مصدر سبق ذكره، ص 53.

[21] ألبرت حوراني، "الفكر العربي في عصر النهضة" (بيروت: دار النهار للنشر، الطبعة الثالثة، 1977)، ص 335.

[22] "ندوة سياسية في الناصرة 'حول عرب إسرائيل'"، صحيفة "الاتحاد" (حيفا)، 17/3/1986.

[23] عبر عن وجهة نظر هذا الفريق من الباحثين عالم اللاهوت مارك إليس بقوله: "ستستغرب الأجيال المقبلة من اليهود كيف أمكن لليهود الذين عاشوا في أواخر القرن العشرين، وهم أنفسهم ضحايا للعنصرية ولاضطهاد الآخرين، أن يقبلوا السماح بتعذيب الفلسطينيين، والتنكيل بهم بأيد يهودية في الممارسة اليومية في إسرائيل، ثم تبرير ذلك في الولايات المتحدة." أنظر:

Marc H. Ellis, “The Palestinian Refugees and the End of Auchwitz,” in Palestinian Refugees: Their Problem and Future (Washington D.C.: The Center for Policy Analysis on Palestine, 1994), p. 6.

[24] Marc H. Ellis, Unholy Alliance: Religion and Atrocity in Our Time (Minneapolis:   Fortress Press, 1997), p. 143. 

نقلاً عن:

Israel Shahak, Jewish History, Jewish Religion: The Weight of Three  Thousand Years (London: Pluto Press, 1994), pp. 103-104  

[25] Ibid., p. 47.

[26] Meron Benvenisti, Intimate Enemies: Jews and Arabs in a Shared Land (Berkeley: California University Press, 195), pp. 233-234.

[27] Tutunji & Khalidi, op.cit., p. 31.

[28]  بشارة، "عرب الـ 48..."، مصدر سبق ذكره، ص 62.

Author biography: 

كمال الخالدي: كاتب فلسطيني مقيم بدمشق.