سأحاول في هذه الكلمة المختصرة أن أحدد بعض العناوين الارتكازية التي قد تساعد في فهم مسار الأحداث التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه اليوم. لكني لن أحاول سرد الأحداث ذاتها، مكتفياً بالإشارة إلى بعضها في سياق التحليل، لإظهار المعنى واستجلاء المغزى. وليس القصد من هذا التحليل السريع إلقاء لوم، أو تحميل مسؤولية، أو إيلاء عذر. فتلك أمور متروكة كلها للأجيال المقبلة، التي لا بد من أن تواجه الأمور من حيث أورثناها إياها، مثلما واجهناها نحن من حيث ورثناها. وسألتزم فيما أقول، جهد المستطاع، الموضوعية والتقيد بالحقيقة، ومن الموضوعية ما يسوء، ومن الحقيقة ما يجرح.وأراني، بدايةً، بحاجة إلى رسم تميُّز ما بين وجهين من موضوع الحديث، هما: قضية فلسطين، والصراع العربي ـ الإسرائيلي، بعد أن أصبح واضحاً أن هذا التمييز هو أهم سمة من سمات الوضع الذي وصلنا إليه، بل إن مسار الأحداث كان متجهاً نحوه، كمستقر للمرحلة. أقول التمييز لا التفريق، لأن أرض فلسطين أرض عربية، وشعبها شعب عربي. لكن ما حلّ بها مختلف من حيث النوع عمّا حلّ أو يحلّ بغيرها. ولعل خير ما يوضح هذا التمييز أن نتخيل دائرتين منطلقتين من مركز واحد: فالدائرة الصغرى هي القضية الفلسطينية، والكبرى التي تحتويها بحكم توحد المركز هي الصراع العربي ـ الإسرائيلي. لكن محيط الدائرة الصغرى ليس خطاً وهمياً، وإنما هو خط محفور قد تفيض الأحداث من دونه فتطوف على الدائرة الكبرى، في حركية ابتعاد عن المركز، وقد تدفع الأحداث نحوه في حركية اقتراب من المركز، لتحاصر من ثم داخل الدائرة الصغرى. وهذه الحركية المتقابلة هي التي رسمت وترسم دور كل من القضية الفلسطينية في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والصراع في القضية. ولو أمكن محو هذا الخط لكان هناك فقط قضية صراع عربي ـ إسرائيلي. لكن هذا الأمر لا يتحقق إلاّ من خلال وحدة عربية حقيقية، تعتبر كل أرض عربية وكل حق عربي مسؤولية كل عربي وواجبه.
ثم إني لن أعالج في هذه الورقة العنوانية الطبقة الأعمق من الأسباب التي سبق أن عالجها أستاذنا الكبير قسطنطين زريق في كتابيه "معنى النكبة" و"معنى النكبة مجدداً" بصورة مباشرة، وفي كتابه "نحن والمستقبل" بصورة غير مباشرة، وإنما سأكتفي بالربط بين أحداث ونتائجها. والأحداث التي أقصدها هنا هي الأحداث التي تتابعت منذ كارثة 1967، المسماة النكسة.
إن أهم الظواهر التي رافقت هذه الفترة من الأحداث، والتي لا تزال قائمة وفاعلة وقادرة بالتالي على استبقاء الانجرار إلى أسفل فترة أُخرى من الزمن، يمكن إجمالها تحت عناوين محددة قد نشبهها بأعراض المرض الذي ينتاب جسماً، ويتلاحق ظهورها وتأثيرها وإمعانها في الفتك بالجسم المريض. فإذا حددنا تلك الأعراض يصبح تشخيص المرض أسهل، وتبدأ مرحلة التفتيش عن الدواء وقد يعزّ الدواء.
سأذكر عند كل ظاهرة مثالاً أو أكثر. وقد تكون هنالك أمثلة أُخرى أسبق عهداً، أو حتى أشدّ إنهاكاً. لكن المهم هنا هو تحديد الظاهرة. ولمّا كانت هذه الظواهر عبارة عن ابتعاد عن ثوابت أو بالأحرى عن بدائه، فقد آثرت أن أختار لها اسماً موحداً مقتبساً من ظاهرة واحدة أُطلق عليها هذا الاسم بالذات. وذلك على الرغم من أن الاسم الوصفي لا ينطبق عليها جميعاً بالدرجة نفسها، أو بالتدرّج نفسه؛ وهذا الاسم هو "فك الارتباط". ثم إن هذه الظواهر تزامنت كلّها، وليس لموقعها التعدادي أي فحوى زمانيّة، بل حاولت أن أضعها في تتابع تقاربي. وأنا على يقين من أنها كلها تنحدر من نبع واحد فكري وسيكولوجي وتكويني. وأعتقد أن من الملائم الآن أن أسرد، أو بالأحرى أجرد هذه الظواهر، ومن ثم أعود إليها واحدة واحدة بقدر خاطف من التوضيح.
1 ـ فك الارتباط عن قضية مركزية وعن عدو مشترك يجتمع عليهما العرب جميعاً، دولاً وشعوباً، ويشكلان دافعاً إلى التقارب والتوحد، ومانعاً من التباعد والتحارب.
2 ـ فك الارتباط عن التضامن العربي، مفهوماً وممارسةً ورؤيةً ورؤيا.
3 ـ فك الارتباط عن الحليف، وعدم إدراك ما يجلبه الحلف من منافع وما يوجب دفعه من ثمن.
4 ـ فك الارتباط ما بين الدول العربية، كدول وطنية، وبين قضية فلسطين.
5 ـ فك الارتباط ما بين كل من: الأردن والضفة الغربية؛ مصر وقطاع غزة.
6 ـ فك الارتباط ما بين الدول العربية والشعب الفلسطيني بصفته شعباً عربياً فلسطينياً.
7 ـ فك الارتباط ما بين العمل الفلسطيني والشعب الفلسطيني.
8 ـ فك الارتباط ما بين العمل الفلسطيني والميثاق الوطني الفلسطيني.
بالنسبة إلى التخلي عن قضية مركزية كانت تسمى "قضية العرب الأولى" وتعتبر قضية كل دولة وكل عربي، يكفي أن نشير إلى مثل واحد لما قد يكون هذا التخلي أحدثه من ضرر. وهذا المثل هو موقع قضية فلسطين بالنسبة إلى العراق. إذ إن العراق دولة تعتبر أنها تقع بين خطرين: خطر إسرائيل وخطر إيران، أياً كانت واقعية هذا التصور. فعندما لاح في الأفق أن قتالاً تقوم به دول عربية من أجل فلسطين قد أصبح مستبعداً بعد أن وقّعت مصر معاهدة الصلح مع إسرائيل، شعر العراق بأن في وسعه أن يلتفت بقوته العسكرية نحو الشرق في أمر غير متفق عليه ولا على أفضليته بين الدول العربية، وكان لهذا الأمر من التداعيات ما هو معروف. وقبل ذلك كان يحتفظ بقوته العسكرية ويحركها نحو الأردن أو سورية في إطار الصراع الحربي العربي ـ الإسرائيلي، ويحاول الحفاظ عليها في الوقت ذاته، خوفاً من جارته إيران. والدول العربية، إن لم يكن لها عدو تواجهه، تتحارب فيما بينها في إطار ما يعتبر ميزان القوى العربي، ولا يعيدها إلى الصواب إلاّ الخوف من العدو المشترك. ولعل في حرب اليمن دليلاً على ما أقول.
أمّا بالنسبة إلى انفكاك الارتباط بين الدول العربية والتضامن العربي، فإننا نشير إلى ظروف الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 التي لم تستدع ردة فعل عربية خارج المنهج الإعلامي، وذلك بقطع النظر عن أن تلك الحرب كانت الوسيلة والواسطة لكشف ضعف إسرائيل العسكري في مواجهة جبهة واحدة بدلاً من جبهتين أو ثلاث، وفي مواجهة مقاومة شعبية لبنانية وفلسطينية.
وأمّا بالنسبة إلى موقف العرب من الظروف الدولية ومحاولة التحالف أو شبه التحالف مع جانب مناقض لإسرائيل وأميركا، فإن هذا التحالف ظل في وضع قلق وغير مستقر المعالم على الرغم من معاهدات الصداقة، بحيث اعتُبر إبعاد المعونة التي يقدمها الحليف بخبرائه شرطاً للتمهيد لحرب مع إسرائيل. وتم الانفكاك حتى قبل انهيار الحليف، وربما ساهم في إحداث ذلك الانهيار.
ونلاحظ أن الظواهر التي وصفناها لم تحدث إلاّ بعد ضربات موجعة وجهها العدو إلى نقاط الارتباط، فأدت إلى وهن في إرادة العرب، وإلى تراجع متدرج عن المجابهة وصولاً إلى المصالحة. لكن الوضع الذي وقفت أمامه الدول العربية حين وصلت إلى نقطة المصالحة هو أن المصالحة تعني تخليها عن القضية الفلسطينية، وأن معاهدات الصلح إنما هي توثيق لهذا التخلي. ونلاحظ، مثلاً، أن أول معاهدة صلح بين إسرائيل ودولة عربية تضمنت نصاً بإعطاء الفلسطينيين حكماً ذاتياً بدلاً من إعطائهم حق تقرير المصير؛ وبذلك أصبح الحكم الذاتي سقفاً لما هو معروض على الفلسطينيين وظهر مجدداً في اتفاقية أوسلو بعد أن تُرك أمر المصير وتحديده إلى مفاوضات لاحقة بين الفلسطينيين وإسرائيل بانفراد وبمعزل عن أية مشاركة عربية. وإذا أردنا أن نلخص منحى الصلح مع الدول العربية، فإننا نجد أن هذا المنحى يقوم على مبدأ: "أيتها الدول استعيدي أراضيك وانفضي أيديك من أرض فلسطين ومصير شعبها."
إن الانفرادية التي ابتدأت في أثناء معركة 1973 هي ذاتها التي ظهرت في مفاوضات الصلح حين قبل العرب مبدأ المفاوضات الثنائية بدلاً من المفاوضة الجماعية، واعتبروا أن جلسة جماعية واحدة ذات طابع مراسمي وطقوسي تمثل تحقيقاً لمطلبهم في المفاوضة الجماعية. ومن الطبيعي أن الجماعية التي انهارت في الحرب لا بد من أن تنهار في السلم.
عندما وافقت الدول العربية على قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي نص على عدم جواز احتلال أراضي دول بالقوة، وبقطع النظر عن فذلكة "أراضٍ" و"الأراضي"، فإن الوضع القانوني لقطاع غزة لم يكن يسمح بأن يُعْتَبَر دولة مستقلة أو أرضاً مصرية، وبالتالي لم ينطبق عليه القرار. ولم تحاول مصر أن تحدد له وضعاً قانونياً أو دستورياً، وتركت الأمر كله في إطار الحكم الذاتي لسكانه. أمّا الضفة الغربية فكانت قد دُمجت في المملكة الأردنية الهاشمية، وأصبحت قسماً من أراضيها. لكن قرار قمة الرباط سنة 1974 جاء بمثابة عملية انفصالية ما بين الضفة والأردن، وطرح موضوع مصير أرض الضفة، وقد قبل الفلسطينيون في أوسلو أن يتفاوضوا في مصير هذه الأرض مع إسرائيل، من دون تحديد لها، أو لوضعها المحتمل، أو لتصورها الدستوري والقانوني، أو لعلاقتها بجوارها. والواقع أن قرار قمة الرباط سنة 1974 يعتبر بمثابة إعطاء الضوء الأخضر لما تحقق في أوسلو بعد تسعة عشر عاماً.
وبطبيعة الحال فإن التآكل الذي طرأ على القضية والتضامن العربي، وعلى العلاقات ما بين الدول العربية والقضية الفلسطينية، كان لا بد في نقطة معينة من أن يثير سؤالاً بشأن موقف هذه الدول من الشعب الفلسطيني. ولا أريد أن أسترسل في وصف هذه المواقف، ويكفي أن أذكر أنها انطلقت من عبارة تقول إن القضية الفلسطينية مقدسة، لكن الشعب الفلسطيني يجب أن يحاسب، لا على ذنبه فقط ـ إن كان أذنب ـ بل أيضاً على وضعه الذي لا يد له فيه.
لا حاجة بنا إلى أن نذكّر بأن اتفاقية أوسلو تعالج أموراً تتعلق بالفلسطينيين المقيمين بقطاع غزة والضفة الغربية. أمّا باقي الفلسطينيين، سواء من كان منهم في إسرائيل أو في بلاد عربية أو في المنافي الأبعد، فإن مستقبلهم ترك غامضاً، وقد يكون موضوعاً لمفاوضات لاحقة صورية.
أخيراً، فإن اتفاقية أوسلو قد نصت على ضرورة تعديل المواد في ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية التي تتضمن أهداف النضال الفلسطيني المتدافع منذ الاحتلال البريطاني حتى هذه اللحظة. ويبدو أن التصور الفلسطيني الحالي يرتكز على إقامة دولة مستقلة للفلسطينيين في أراض من الضفة وقطاع غزة تكون عاصمتها القدس. وفي ذلك تخلٍ عن وحدة الأراضي الفلسطينية التي دافع عنها الفلسطينيون في ظروف بائسة ويائسة.
هنالك أمور كثيرة أُخرى تُطرح في شأنها الأسئلة بالنسبة إلى الوضع الحاضر للقضية. ولا بد من بعض الإلمام السريع بها.
أولها مصير ما يسمى "عملية السلام" في ظل السياسات المستجدة المنسوبة إلى حكومة الليكود الإسرائيلية. في اعتقادنا أن عملية السلام في أساسها عملية جاءت تلبية لحاجة إسرائيلية ونتيجة مبادرة أميركية ويهودية. وما زالت هذه الحاجة الإسرائيلية قائمة. كما أن أميركا قد أصبح لها ارتباط مصلحي ومعنوي بهذه العملية، وبالتالي فإن تحركات نتنياهو يمكن اعتبارها تحركات إيقاعية ومسرحية في عملية المفاوضات ذاتها، يُقصد منها محاولة الحصول على شروط أفضل من الشروط المتصور أنها تشكل إطاراً لعملية السلام ذاتها، وخصوصاً بالنسبة إلى أمور ثلاثة هي:
- الجولان وإمكان انتزاع أي جزء منه.
- ما يمكن انتزاعه من أراضي الضفة والقطاع.
- ما يمكن انتزاعه بالنسبة إلى وضع القدس المستقبلي.
ونعتقد أن أميركا واليهودية الأميركية أتاحتا لنتنياهو فرصة أن يجرب قدر المستطاع، لكن يتبين الآن أنه لا بد من أن يكون لهذه التجربة مدى زمني يكاد يبلغ نهايته. ونلاحظ هنا فارقاً في أساليب المفاوضة والمواقف ما بين كل من سورية والسلطة المحلية الفلسطينية. وربما كان بعض هذا الفارق انعكاساً لفارق الوضع بين دولة ذات حدود دولية وذات حكومة معترف بها دولياً، وبين أرض غير محددة المعالم الدستورية. وفي اعتقادنا أن موقف سورية الثابت من ضرورة انسحاب إسرائيل حتى حدود 4 حزيران/يونيو 1967 سيكلل بالنجاح. كما أن غياب الحضور العربي في إطار انفرادية السلطة الوطنية الفلسطينية يضع هذه السلطة في مأزق تفاوضي رهيب. ونود أن نذكّر بأنه على الرغم من كل الإعلام بشأن خلاف الليكود مع العمل والانتقادات الموجهة إلى نتنياهو، فإن هذين الحزبين الكبيرين وقّعا وثيقة تتضمن ما يسمى الوضع الأخير للسلطة الوطنية الفلسطينية؛ وبالتالي، وفي هذه الظروف، فإننا نخشى أن يُفرض هذا الحل نتيجة مفاوضات أو من دونها. ومع أنه لم يُعْلَن بعد، فيبدو أنه يحتفظ لإسرائيل بما يزيد على خمسين في المئة من أراضي الضفة والقطاع، ويقطع الضفة إلى قطع غير متواصلة، ويحتفظ بالأراضي الزراعية وبمصادر المياه، تاركاً التجمعات السكانية وحدها بغير موارد أو تواصل أو منافذ. أمّا بالنسبة إلى القدس، فيبدو أن الحل الإسرائيلي هو رفع راية عربية ما على الأماكن الإسلامية المقدسة، مع الاحتفاظ بالسيادة الإسرائيلية على القدس.
بقيت ثلاث نقاط مهمة لا بد من الإشارة إليها:
أولاً: تداعيات عملية واتفاقيات السلام بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني.
ثانياً: تداعيات عملية السلام بالنسبة إلى المستقبل العربي.
ثالثاً: تداعيات عملية السلام بالنسبة إلى إسرائيل، وبرنامج اليهودية العالمية، والخطوات المقبلة المنتظرة، والتصورات المستجدة لإسرائيل الكبرى.
بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني نذكر أن عدد الفلسطينيين بلغ في نهاية سنة 1995 ما مجموعه 6.7 ملايين نسمة، موزعين على الشكل التالي:
835 ألفاً في إسرائيل (12.40%)؛ 795 ألفاً في غزة (11.85%)؛ مليون و350 ألفاً في الضفة (20.12%)؛ مليونان و215 ألفاً في الأردن (33%)؛ 382 ألفاً في لبنان (5.70%)؛ 343 ألفاً في سورية (5.12%)؛ 198 ألفاً في المملكة العربية السعودية (3%)؛ 32 ألفاً في الكويت (0.5%)؛ وكان عددهم سنة 1990 ثلاثمئة وعشرة آلاف (5,33%)؛ 32 ألفاً في ليبيا (0.5%)؛ 42 ألفاً في العراق (0.63%)؛ 65 ألفاً في مصر (1%)؛ 185 ألفاً في دول الخليج العربي، ما عدا المملكة العربية السعودية والكويت (3%)؛ 138 ألفاً في الولايات المتحدة الأميركية (2%)؛ 185 ألفاً في سائر بلاد العالم (2.7%).
ويقدر أن يبلغ عدد الفلسطينيين 9 ملايين نسمة سنة 2005، وأن يصبح 10.5 ملايين نسمة سنة 2010، و12.225 مليون نسمة سنة 2015، و16 مليون نسمة بحلول سنة 2025.
يواجه الفلسطينيون أينما كانوا الإمكانات التالية:
1 ـ الطرد (ترانسفير)، أو الإرهاب (التقتيل).
2 ـ الوساوس المتبادلة بشأن ما يسمى الوطن البديل.
3 ـ هاجس الأمن المحلي.
4 ـ التضييق في أمور المعيشة.
5 ـ مواطَنة من الدرجة الثانية.
6 ـ تضييق فرص التعليم.
بالنسبة إلى التداعيات في مجال الدول العربية، فإننا نلحظ أن التركيز الإسرائيلي واليهودي الأميركي يتجه نحو الأردن، وتحاول القيادة الأردنية مواجهة العاصفة في غياب التضامن العربي بالانحناء.
أخيراً، بالنسبة إلى إسرائيل فإننا نعتقد أنها لم تتخل عن مشروع إسرائيل الكبرى، لكنها تعطيه شكلاً جديداً آخر. ولعل فكرة الدولة الكونفيديرالية ما بين إسرائيل والأردن والفلسطينيين ستكون التجربة المقبلة للحلم اليهودي. ومن الواضح أن عملية السلام سوف تسفر عن وضع جديد يسمح بتحويل الرؤية السياسية إلى رؤية اقتصادية قد يكون اليهود أكثر قابلية واستعداداً وقدرة على تحقيقها. وتلك هي الرؤية الشرق الأوسطية التي شهدنا فصلاً من فصولها في مؤتمر الدوحة حيث بدا، أول مرة منذ مؤتمر مدريد، أن العرب أخذوا يستفيقون ويفكرون ويستعيدون ولو قدراً من الإرادة والكرامة.
إن المطلوب من العرب لمواجهة هذا الموقف أن يعودوا القهقرى إلى النقاط التي بدأ منها التفسخ، وأن يعيدوا ربط المفاصل التي وقع فيها الانفكاك. وهذا يعني بالنسبة إلى الفلسطينيين إعادة الارتباط بالشعب الفلسطيني، وبالأرض الفلسطينية، وبرؤيا فلسطين الموحدة وطناً لكل أبنائها في إطار دولة ديمقراطية تجمع بينهم وبين اليهود. ربما يحتاج هذا الأمر إلى قيام معارضة فلسطينية تطالب بما لا تستطيعه المفاوضات، وتبقي الجذوة حتى يحدث التغير الذي لا بد من حدوثه في موازين القوى في الوطن العربي وفي العالم.
[1] كلمة الأستاذ الدجاني في الاجتماع السادس والثلاثين لمجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الذي عُقد في بيروت في الفترة 10 ـ 12 كانون الأول/ديسمبر 1997.