The Palestinians Between National and Religious Identity
Keywords: 
الفلسطينيون
الهوية الفلسطينية
الهوية القومية
الانتماء الديني
الإسلام والسياسة
الإمبراطورية العثمانية
الاحتلال الإسرائيلي
المقاومة المسلحة
Full text: 

الإسلام والسياسة

كان انهيار الإمبراطورية العثمانية وقيام الجمهورية التركية العلمانية مكانها نذيراً بنهاية ما كان سكان الإمبراطورية المسلمون يعتبرونه دولة الخلافة. وبغض النظر عن مواطن ضعفها الملحوظة، فقد كان رعاياها وأعداؤها معاً يعتبرونها دولة إسلامية. أمّا أراضيها العربية، التي احتلتها آنئذ بريطانيا وفرنسا وتقاسمتاها، فلم تعد تُـحكم بموجب الشريعة الإسلامية. وابتدأت مذ ذاك عملية انحصرت الممارسة الإسلامية خلالها في القطاع الشخصي، ثم استمرت إلى ما بعد الحقبة الكولونيالية. فالاستقلال وقيام الدولة لم يؤديا إلى وقف، ولا حتى إلى تباطؤ مسيرة العلمنة، التي وإن لم تكن راديكالية وحاسمة كتلك التي جرت في تركيا تحت حكم أتاتورك، فإنها كانت تبدو أنها تنذر بأن دور الإسلام في المجتمع سوف "يستمر في الانكماش حتى يصبح في أفضل الأحوال مجرد مسألة مناسك فردية."(1)

غير أن هذا الأمر لم يتم. فهناك الآن حركة إسلامية حيّة، بل عنيفة أيضاً في أحوال كثيرة، تتحدى شرعية كل نظام عربي قائم تقريباً. لكن، على الرغم من أوجه الشبه الظاهرة، فإن الأسباب الكامنة وراء هذه الصحوة الإسلامية ليست متماثلة في الأمكنة كلها. فالأوضاع القائمة في بلاد الهلال الخصيب وفي دول الخليج الغنية بالنفط وفي شمال أفريقيا أوضاع مختلفة كما هو بيّن. وفي داخل المشرق العربي ذاته ثمة تباينات واسعة النطاق. إن التفسيرات التي لا تأخذ في الاعتبار التجربة التاريخية لفاعليات محدَّدة تبقى على مستوى من التعميم لا يساهم في فهم هذه الظواهر مساهمة تذكر.

وبغض النظر عن الاختلافات الفرعية في التفسيرات التي يطرحها الباحثون، ثمة أرضية واسعة مشتركة بين الجميع. إن النشاط الراديكالي للحركات الإسلامية لا يُنظر إليه في العادة من زاوية الإيمان أو عدم الإيمان، أو من حيث أنها تمثل حالة من الغلو في التّدين أو التعمق فيه، بل ينظر إليها بأنها تعبير عن رفض لواقع يعدُّ فاسداً وفي حاجة إلى تغيير. فالعودة إلى الإسلام ليست نتيجة عملية اهتداء ديني، بل إنها المظهر الخارجي لرفض الوضع القائم. والإسلام في هذه الحال يصبح "خط الدفاع الأخير".(2) وعلى المستوى المادي، فإن الحركات الإسلامية هي الوليدة الشرعية للمعازل الفقيرة والأحياء المختلفة التي تحيط بأطراف المراكز المدينية الكبرى وتؤوي الطبقات المعدمة من فقراء العمال والنازحين حديثاً من الأرياف إلى المدن. وقد استجرَّت هؤلاء جميعاً عملية ذات وجهين: أحدهما نظام التعليم الحكومي العلماني الذي أُنشىء في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وثانيهما النزوح الريفي الكثيف الذي ولَّدته السياسات الاقتصادية التي مارستها الدولة تحت شعار التصنيع والتنمية. فقد أدى الفقر والبطالة المزمنة وفقدان المعالم المألوفة إلى البحث عن قادة يستطيعون توفير "العزاء والهداية والشعور المتزايد بالهوية لتلك الطبقات والقوى السياسية التي يتناسل بواسطتها الفقر... والضعف والعجز."(3)

وعلى مستوى آخر، فمن المسلم به أن تراجع الأيديولوجيات القائمة، أكانت قومية أم اشتراكية، قد خلَّف فراغاً. وفي سياق السعي وراء مصدر للقوة ومبعث للوحدة لتحقيق ما أخفقت تلك الأيديولوجيات في تحقيقه، التفت الناس إلى الدين، وبات يُنظر إلى الأنظمة الحاكمة بأنها قوة معوِّقة تحول دون أي ضرب من ضروب العمل الذي من شأنه أن يقوض الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية التي يمارسها الغرب، والتي تنزل بمنزلة المخاطر المهددة للهوية القومية العربية. وتُعَدُّ الأمة العربية، في هذا المنظور، واقعة تحت الحصار مادياً ومعنوياً. لذلك بات الاحتماء بالإسلام، فيما يرجى، حائلاً دون عملية التفكك والانهيار تلك. ومن شأن الإسلام أن يكون، في الوقت ذاته، عاملاً للاستنهاض والتعبئة، نظراً إلى كونه في جوهره "رفضاً لهيمنة الآخر"(4) ورفضاً لكل ما يأتي من الخارج. ولئن لم يفعل الإسلام شيئاً آخر، فإن من شأنه أن يعمل على تحديد هوية متميزة للناس ينفردون بها عن الآخر، فضلاً عما يضفيه عليهم من شعور بالتعويض النفسي عن "الزمن الرديء".

ولا يأخذ الجميع بتفسير ينحو نحو البحث والعثور على أجوبة في المجال الدنيوي لا الديني. فالجزء الظاهر من الجهود الإسلامية المتمثل في التركيز على الشعائر والفصل بين الجنسين والملابس والصلاة، إلخ، لا يدل على الاهتمام بالمشكلات الجوهرية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. والواقع، إن هذا التوجه لا يتقدم بأي برنامج أو حل. وهذا يثير مسألة كون هذه الحركات تعمل تحت ستار من التمويه الكاذب وكونها غير قادرة، تالياً، على حل الأزمة القائمة، أو كون الأزمة غير قائمة أصلاً، أو أن هذه الأزمة ليست اقتصادية، على الأقل. لذلك كان لا بد من تفسير وجود هذه الحركات على نحو آخر. علينا أن نلتفت إلى المجال السياسي. فهذه الحركات إنما هي قومية متطرفة من حيث المضمون وليست إسلامية "إلاّ هامشياً".(5) والدور السياسي الذي ينزع الإسلام إلى القيام به هو قوام المسألة الحقيقية. ولا إنكار في قولنا هذا لواقع استخدام هذه الحركات كل ما هو في متناول اليد؛ فهي إذ تستمد شرعيتها من الخطاب الديني تجمع أشتات المتذمرين سياسياً والمحرومين اجتماعياً واقتصادياً والمحبطين روحياً. وهذه الحركات شعبوية قطعاً في توجهها وفي علاجاتها الموعودة التي هي "ليست من ضمن النظام القائم بل من خارجه."(6) إن جوهر أنشطة هذه الحركات إنما هو السعي لـ "إعادة تركيز المجتمع والسياسة حول القيم الإسلامية"،(7) مستندة إلى الاعتقاد أن الإسلام وحده قادر على صون الهوية الإسلامية من أن تطغى عليها موجة الثقافة الغربية العارمة التي تلف الكرة الأرضية.

ويرفض بعض المفكرين الإسلاميين الفصل بين الخطابين الديني والقومي رفضهم لشيء مصطنع. وهم إذ يتخذون الكواكبي مثلاً يحتجون بأن الحركة الفكرية والسياسية التي ولَّدت القومية العربية خرجت من "تحت الجِبَب الإسلامية ... من عمق المجتمع الإسلامي."(8) وأنها لم تُعلْمَن إلاّ لاحقاً.(9) فالجذور الفكرية للقومية العربية، فيما يقولون، جاءت من داخل "الحالة الإسلامية". والكواكبي كان يتكلم بما هو عربي ومسلم، ولم "يكن مضطراً إلى الاختيار بين عروبته وإسلامه." (10) والإصرار على الفصل بين الإسلام والعروبة إنما هو من عمل الأيديولوجيين القوميين، وهم الذين أوجدوا هذه الثنائية المصطنعة في عقول الناس. أمّا وقد هزم المشروع القومي، فقد التفت الناس إلى المنحى الإسلامي.(11) وفي صلب هذا الالتباس كان الصراع بين عبد الناصر، رمز القومية العربية في الخمسينات والستينات، وبين حركة الإخوان المسلمين في مصر. ولم يكن ذلك إلاّ لحظة في سياق علاقة لم تزل تكافلية، ولم يكن أمراً محتوماً ولا باقياً على الدوام.(12) والجهود المبذولة حالياً لردم الهوة بين القوميين والإسلاميين تسلِّط الأضواء على المجالات المشتركة بينهما.

ليس هناك من ينكر أن التطرف الإسلاموي "يغتذي، بالنظر إلى المضمون، من الشعارات نفسها التي اغتذت الحركة القومية المتطرفة منها في حقبة سابقة."(13) فالخطاب الإسلامي يطالب بالعدالة في مواجهة الاستغلال، وبالاستقلال في مواجهة التبعية، وبالتنمية في مواجهة التخلف، والنضال ضد الظلم. كما أن مسألة الوحدة تحتل فيه المكانة ذاتها التي كانت لها في المشروع القومي.(14) ولذا، فإن في استطاعة القوميين أن يتأقلموا مع إسلام سياسي لا يعدو كونه امتداداً للتطرف العربي، بينما ينظر الإسلاميون إلى العروبة بمنظار إسلامي فيتعاملون مع الهوية العربية باعتبارها تابعة للإسلام وملحقة به. أمّا العلمانيون الذين ينتقدون غلو المزاعم التي تتقدم الأيديولوجيا الإسلامية الجديدة بها على نحو متزايد، فيشيرون إلى ممارسة خرقاء لاستخدام النصوص المقدسة تؤدي بهم إلى تماثل مع موقف أيديولوجي حداثوي في جوهره، هو "القومية في مظهرها الفاشي."(15) 

الإمبراطورية العثمانية في آخر أيامها: يقظة قومية؟

يبدو أن سكان الإمبراطورية العثمانية من العرب كانوا آخر من اختبر إدراك الذات إدراكاً يتجاوز الانتماء الديني. ومن الجائز أنهم كانوا يضمرون عدة رؤى للذات أو هويات متداخلة بعضها في بعض من دون أن يشعروا بأن في الأمر تناقضاً على الإطلاق. فقد كانوا في معظمهم عرباً مسلمين وعثمانيين.(16) فحتى نهاية الحرب العالمية الأولى، أي حتى تدمير الإمبراطورية على أيدي أعدائها الخارجيين، كانت أغلبية الطبقة السياسية العربية، أي الأعيان، مستمرة في ولائها للعثمانيين، وكانت القومية العربية، بما هي حركة سياسية منظمة، لا تزال توجهاً أقلَّوياً.(17)

ويذهب تيار داخل الحركة التصحيحية الإسلامية الراهنة إلى أن سكان الإمبراطورية العثمانية من العرب كانوا يمارسون إسلاماً فطرياً لم تواكبه معرفة وافية بالفقه. كان إسلامهم ذلك شعوراً دينياً عاطفياً موروثاً مفتقراً إلى البنية و"مشتملاً على جهل كثير ليس من الإسلام في شيء."(18) ومع ذلك، فقد كان هؤلاء الناس ينظرون إلى الإمبراطورية العثمانية، حتى النهاية، باعتبارها دولة الخلافة، ويرون أنهم يعيشون في دولتهم الخاصة بهم ويساهمون في خدمتها.(19) ولربما كان البعض يميل إلى التغيير، بل ربما كان يرغب في إصلاحات أساسية، غير أن أحداً منهم لم يفكر في الانفصال.(20) وقد تغير الوضع جراء ثورة سنة 1908، بعد أن نَحَتْ جمعية الاتحاد والترقي نحو التتريك، فأدى ذلك إلى فقدان الشرعية، وانتقص من الطابع الإسلامي للإمبراطورية، وأفضى إلى انحسار التأييد لها.(21) وفي وسعنا تمييز تيارين إسلاميين استتبعتهما هذه التطورات. أحدهما ظل يساند الدولة كونها إسلامية، في المحل الأول، ولا بد من الدفاع عنها ضد القوى الأجنبية تالياً. ولم تَضْعف هذه المساندة على الرغم من سياسة جمال باشا الوحشية، بل كان ينظر إلى مناصري التحالف البريطاني - الفرنسي بأنهم أشخاص طموحون يبتغون مصالحهم الخاصة، وربما عُدُّوا عملاء للدول الإمبريالية أحياناً. ولم يلتحق أصحاب هذا التيار بالقضية القومية إلاّ حين استقر الأمير فيصل تماماً في دمشق، أو كان في طريقه إلى الاستقرار فيها. أمّا التيار الآخر فقد كان ينفر أيضاً من قطع الصلات بالعثمانيين، غير أنه أعلن ولاءه للقضية القومية(22) بسبب خيبة الأمل التي أصابته جراء سياسات جمعية الاتحاد والترقي، التي أضحى الدفاع عنها أمراً متزايد الصعوبة باطراد.(23) ومع مضي أعوام الحرب، صارت مطالب القوميين تنال مزيداً من الشرعية في صفوف شريحة الأعيان، ولم تعد مجرد بدعة. بيد أن هذا لا يعني أن المشاعر القومية كانت منتشرة، ولا أن الناشطين القوميين كانوا منتشرين انتشاراً متساوياً في أرجاء بلاد الشام كافة.

إن الدول الإقليمية التي تشكل أراضيها اليوم مساحة بلاد الشام الجغرافية، باستثناء إسرائيل، وهو استثناء بارز ومعقد، لم تنشأ جراء انتصار حركات قومية تطمح إلى إقامة وطن قومي أو إلى تقرير المصير. وباستثناء مصر، فليس في العالم العربي، على ما يبدو، هيكلية دولة واضحة المعالم عريقة في القدم. إذ لم يكن ثمة في العراق أو سورية أو فلسطين أي حركات سياسية ذات شأن تطالب بإقامة دولة قومية عراقية أو فلسطينية عند بداية القرن. والدول العربية القائمة الآن قد نشأت خطأً،(24) بحسب قول دبلوماسي مصري بارز. فحين قررت بريطانيا إنشاء دولة في أملاكها التي غنمتها حديثاً، بعد أن تقاسمت الغنائم بينها وبين فرنسا تقاسم عشواء، راحت تبحث عن حكام لهذه الدولة، وتفاضل بين أمير هاشمي وآخر مصري لترى أيهما أنسب. لذا، فإن الدول القطرية القائمة اليوم حديثة المنشأ، كما أن عملية تكوّن الأمة فيها إنما نتجت من قوميات مفروضة (mandated nationhoods)(25) على سورية ولبنان والأردن والعراق ما بعد الاستعمار. إن غياب أمة - دولة فلسطينية - يجعل عملية تكون الأمة في هذه الحالة أمراً بالغ الصعوبة. كما أن المشكوك فيه أن لبنان، مع ما فيه من توترات طائفية مستمرة، أو العراق، وما فيه من أكراد وشيعة منشقين أو ينزعون إلى الانشقاق، يمثلان نموذجين ناجحين لهذا المشروع.

لقد تحالفت الحركة القومية العربية، التي تصدَّرت الساحة عقب هزيمة العثمانيين وتفسخ إمبراطوريتهم، مع الهاشميين الذين كانوا، في سعيهم الحثيث لتحقيق طموحاتهم السياسية، قد ارتبطوا بالبريطانيين. وكانت المنطقة المعروفة بفلسطين، قبل أن تحتلها القوات البريطانية والأسترالية، تابعة لمنطقتين إداريتين. وكانت نابلس وبيروت وطبرية في ولاية واحدة. ويوم توِّج فيصل ملكاً على سورية في دمشق، كان من البديهي أن مملكته ستشتمل على القسم الجنوبي من سورية الذي كان آنئذ يقع تحت سيطرة بريطانيا. وفي سنة 1919 شارك مندوبون فلسطينيون يمثلون أهالي سورية الجنوبية في المؤتمر السوري العام الأول الذي عقد في دمشق. ولا إنكار في هذا لواقع أن مشاركة الفلسطينيين في النخبة الضئيلة التي تكونت الحركة القومية العربية منها كانت ضعيفة حقاً، إذ لم يكن ثمة أي نظير فلسطيني لطبقة الأعيان العراقية أو لطبقة الأعيان السورية الناشطتين في السعي لبلوغ السلطة وتكوين الدولة. وحتى من بعد ما بات واضحاً أن بريطانيا لن تتخلى عن سيطرتها وأن فيصل نفسه لن يجازف بمجابهة مع البريطانيين، فقد ظلَّ أهالي سورية الجنوبية يتطلعون نحو دمشق. وحين بدأ الفلسطينيون يعقدون مؤتمراتهم الوطنية الخاصة، لم يحذفوا كلمة سورية من تسمية المؤتمرات إلاّ سنة 1922، واستمروا في ترقيم مؤتمراتهم بدءاً بالأول والثاني اللذين عقدا في دمشق.(26) وفي فلسطين لم ينعدم المطالبون بدولة مستقلة فحسب، وفي هذا ما فيه من دلالة على أن الأعيان المحليين كانوا مندمجين في طبقة الأعيان السورية الأوسع، بل إنهم لم يدركوا أن عليهم أن ينهضوا بمسؤولية مصيرهم بمعزل عن سواهم من السوريين إلاّ بعد هزيمة فيصل وطرده من دمشق وانهماك السوريين يومها في مشاغلهم الإقليمية الضيقة الخاصة. 

أي هوية فلسطينية؟

لم يكن سكان فلسطين الانتداب، حين أُكرهوا على الذود عن حياضهم، مستعدين استعداداً كافياً للمهمة التي باتت تواجههم بحيث أنه لو زعم زاعم أنهم لم يفلحوا، على مدى أعوام الانتداب، في إنشاء حركة وطنية قادرة على البقاء، لجاز له ذلك. ولا بيِّنة على القول إنه كان في صفوفهم آنئذ تيار "مؤيّد لدعوة وطنية فلسطينية قائمة بذاتها"(27) تشدِّد على الاستقلال الفلسطيني المحلي والتعاون مع بريطانيا.(28)   ولئن كانت "جاذبية الوطنية الفلسطينية انتصرت في نهاية المطاف"، كما يذهب صاحب هذا القول، فذلك إنما يعزى إلى تقسيم سورية المفروض من الخارج والذي لم يبق معه أي خيار ممكن إلاّ خيار منح الأولوية لتنظيم حركة وطنية محلية. والواقع أنه على الرغم من الاحتلال البريطاني كان ثمة إصرار، أصلاً، على التشبث بسورية،(29)   إصرار ظل يتجلى كلاماً وتنظيماً.(30)   لم تكن فلسطين كياناً جغرافياً تاريخياً قائماً بذاته عرف أهله وجوداً تاريخياً متميزاً منذ أقدم العصور. ومن الجائز أن يجادل مجادل في قوة أو ضعف التعلق بالإمبراطورية العثمانية، وفي الإدراك الشعبي للخطر المتمثل في المطامع الإقليمية للقوى الأوروبية أو في الحركة الصهيونية الناشئة. إلاّ إن لمسألة الحدود نفسها دلالتها. كانت البلاد قبل الاحتلال البريطاني تتكون، كما ذكرنا سابقاً، من منطقتين إداريتين لم يكن لحدودهما كبير شبه بالحدود التي رسمتها مخيلة العصر الفيكتوري البريطاني لفلسطين التوراتية. ولم تكرَّس الحدود الفاصلة بين المناطق التي يحتلها البريطانيون والمناطق التي يحتلها الفرنسيون تكريساً نهائياً إلاّ سنة 1923،(31)   وبعد الاتفاقات التي توصلت حكومتا بريطانيا وفرنسا إليها.

والمفتاح لفهم التطور اللاحق للهوية الفلسطينية إنما هو في إدراكنا أن إنشاء الدول القطرية في المنطقة قام بالدور الأساسي في تكوين هوية شعوبها. وخلافاً لسواها من الإسلاميين الذين يتحدُّون اليوم شرعية الدولة القطرية، فإن الحركة الإسلامية في فلسطين أدت منذ بداية الانتداب البريطاني دوراً بالغ الأثر في استيعاب خطاب وطني. ومن الصعب حقاً أن نقيم خطاً فاصلاً بين الإسلاميين و"أعدائهم الوطنيين"(32)   حين نعرض أنشطة الحركة الوطنية أيام الانتداب. فالرد الوطني الأول على الاحتلال البريطاني تمثل في إنشاء جمعيات إسلامية/مسيحية في صيف سنة 1918. وقد أقيمت فروع لها في جميع أنحاء فلسطين، ثم عقدت مؤتمرها الأول في كانون الثاني/يناير 1919 تعبيراً عن الوحدة الوطنية. فالفكرة الإسلامية لم تكن تتصدر أنشطة هذه الجمعيات، وقد وصفها كاتب إسلامي بأنها كانت "علمانية ووطنية" مع أن رؤساءها كانوا عادة من رجال الدين البارزين.(33)   إن وهن الهوية الوطنية الأساسي، وتركيز الولاء الأضيق حدوداً على جماعات مرجعية أصغر من الوطن، كانا أمرين باديين للعيان منذ البداية. فعلى الرغم من وجود عدوين هما بريطانيا والحركة الصهيونية فإن التنافس بين آل الحسيني وآل النشاشيبي برز إلى العلن منذ زمن مبكر، متجلياً في قيام بُنى تنظيمية متنافسة هي الجمعيات الوطنية الإسلامية. فهذه الجمعيات التي أنشئت سنة 1922، وأعربت عن تأييد المجلس التشريعي الذي اقترحته بريطانيا أعلنت قبولها بالانتداب، على النقيض تماماً من موقف المفتي الذي كان أبرز الناطقين باسم الحركة الوطنية. وقد استعملت العبارات الإسلامية في إعلان تأسيسها على غرار اللغة التي صيغت بها الفتوة التي أصدرها مفتي القدس في تحريم بيع الأرض من اليهود.(34)  وكان التعبير المعلن عن الأهداف يصاغ بمصطلحات إسلامية. والواقع أنه ما كان من الممكن أن يكون الأمر على غير ذلك؛ إذ لم يكن ثمة أي صيغة أيديولوجية أُخرى في متناول فهم أهل الأرياف الفلسطينية الذين كانوا يشكلون الأغلبية، والذين كانت فكرة الوطن والمصالح الوطنية في نظرهم أموراً غريبة عن تفكيرهم تماماً.(35)    

ساهم الإسلام، على امتداد فترة الانتداب، في تشكيل أيديولوجية مقاومة لآخر يدين بدين مختلف، ويعلن على الملأ أن غايته السيطرة. أمّا أدوات هذه المقاومة فهم أئمة مساجد المدن والقرى وخطباؤها، الذين استخدموا خطبة الجمعة لبث فكرة المقاومة باعتبارها واجباً دينياً. وقد استعملت المفاهيم الإسلامية والنظائر التاريخية حجباً لدعم فكرة المشاركة الجماهيرية في العمل الاجتماعي. والدين كان الوسيلة لا الرسالة. فاللغة المستعملة، والرموز، كانت مقولات ثقافية مألوفة في مجتمع اعتاد خلال أعوام الحكم العثماني الطويلة أن ينظر إلى ذاته نظرة دينية. وكانت مفاهيم، كالجهاد والشهيد والفدائي والبراق والأرض المقدسة، كثيرة الرواج في الأدبيات الوطنية لتلك الفترة. وكثيراً ما أُعيدت إلى الأذهان قضية الحروب الصليبية لإضفاء العمق التاريخي على الصراع، ولغرس الشعور بالتواصل التاريخي في إحساس الناس بالهوية. وما كان ذلك لأن الفلسطينيين أبدوا نزوعاً أصولياً مبكراً، أو لأنهم ينحون نحواً عقائدياً في السياسة، بل لأنهم كانوا ينظرون إلى نضالهم ضد الاستعمار اليهودي بمنظور ديني، لأن تلك النظرة إلى العالم هي النظرة الوحيدة التي كانوا يألفونها.

وعلى امتداد الحكم البريطاني، الذي استمر نحو ثلاثين عاماً، أنجب الفلسطينيون بطلين. وقد كانا كلاهما من رجال الدين، مع أن شهرتهما تصدر عن مجال الأسطورة الوطنية والاستشهاد أكثر مما تصدر عن دورهما الديني كعالمين، ألا هما مفتي القدس أمين الحسيني، وموظف ديني متواضع الرتبة، عز الدين القسّام، المنفي من سورية لأسباب سياسية.(36) وقد كان النشاط السياسي بالنسبة إلى كليهما جزءاً لا يتجزأ من عقائدهما الدينية، غير أنهما لم يقيما منظمة إسلامية القاعدة، ولم يرسيا أُسساً لها. وقد أُسست جمعية للشبان المسلمين منذ سنة 1928، وكان لها فروع في معظم المدن الفلسطينية الكبرى، إلاّ إنها لم تقم بدور سياسي يذكر. كما عقد المفتي مؤتمراً إسلامياً عاماً في القدس سنة 1931.(37) بيد أن الغاية من المؤتمر كانت حشد الدعم من العالم الإسلامي في الخارج وتهديد البريطانيين الذين كانوا يدركون إدراكاً جيداً مخاطر التضامن الإسلامي، ويتخوَّفون من الثورة الإسلامية. وقد جاءت ثورة البراق سنة 1929 لتنذر الحركة الإسلامية عامة بالمخاطر التي تتعرض لها الأماكن المقدسة في القدس، ولتطرح قضية فلسطين على الساحة العالمية. بهذا المعنى كان الإسلام قوة حاشدة استخدمها المفتي لتسليط الضوء على المخاطر المحيقة بالسيادة الإسلامية على فلسطين. ومنذ زمن مبكر، أي منذ سنة 1935،(38) دخلت حركة الإخوان المسلمين إلى فلسطين وأسست أوائل فروعها سنة 1945، ثم امتدت لاحقاً إلى جميع أرجاء البلد.(39) ومع أن المفتي عيّن رئيساً فخرياً للحركة، إلاّ إن حضورها لم يكن ملموساً، كما أنها أخفقت في تنمية زعامة محلية. وعلى الرغم من الأسطورة التي أشاعها الكتّاب الإسلاميون المعاصرون، فإن مساهمة الإخوان المسلمين في المجهود الحربي سنة 1948 كانت ضئيلة على نحو لافت، وكانت مصرية الطابع لا فلسطينية.

وبهذا نصل إلى القسّام. والرواية التاريخية ضئيلة المادة شيئاً ما. ولم يصلنا إلاّ القليل من البيِّنات على ما قاله الرجل أو فعله حقاً خلال إقامته في فلسطين. وقد استشهد في أول مجابهة له ضد الجنود البريطانيين سنة 1935. والقليل القليل من الناس كان يعلم شيئاً عن أنشطته قبل استشهاده، غير أن هذا الأمر لم يقلل قط الإدراك المتعاظم لأهمية دوره في الصراع اللاحق من أجل الاستقلال الفلسطيني،(40) وذلك منذ أن اكتشف أول مرة في أوائل السبعينات. وقد قيِّض له أن يعاد اكتشافه عدة مرات في فترات لاحقة على أيدي الأكاديميين(41) أولاً، ثم على أيدي الدعاة الإسلاميين.(42) أمّا مآثره وشخصيته، فقد أشادت بها كثيراً الجماعات العلمانية والمتطرفة يساراً داخل منظمة التحرير الفلسطينية،(43) بينما يعدُّه الإسرائيليون مؤسس "أول حركة عربية إرهابية في فلسطين."(44)

والقسَّام محط إكبار وإعجاب شديدين في المصادر القومية والإسلامية كونه افتتح أكثر الفترات بطولية في التاريخ الفلسطيني الحديث، أي ثورة سنة 1936. وتعدُّ حركته في هذه المصادر بمثابة العمود الفقري المنظم للنضال المسلح ضد البريطانيين الذي أعقب استشهاده واستمر ثلاثة أعوام. وبصرف النظر عن الصحة التاريخية لهذا الزعم، فلا جدال في أن تراث القسَّام قد استعمل بطريقة تؤدي إلى تثبيت التصور الشعبي للنضال المسلح باعتباره "واجباً دينياً، وبالتالي واجباً معنوياً وخلقياً."(45) ومن القليل الذي نعرفه عن القسَّام، يبدو معقولاً الافتراض أن الإسلام كان "قوام المصطلح التنظيمي والحافز السائد" في حركته. وقد استُخدم استشهاده لاحقاً لتحويل الإسلام من كونه جزءاً من سياسة الأعيان إلى وسيلة لحشد المشاركة الجماهيرية في النضال من أجل الاستقلال. إن مكانة القسَّام داخل السيرة الكبرى للحركة الإسلامية دليل على سعي هذه الحركة لضم التاريخ الفلسطيني واستلحاقه.(46) وقد تم ضمه واستلحاقه، لا بما هو مجرد رمز، بل بما هو الجزء المرئي من حركة منظمة استغرق إنضاجها عشرة أعوام،(47) كما استلحق معه تاريخ النضال الفلسطيني المسلح بأكمله، بحيث إن هذا يجعل النضال المسلح جزءاً لا يتجزأ من التيار الإسلامي ذاته، ويمنحه مزيداً من الشرعية الوطنية.

في الفترة الممتدة بين نهاية الحكم العثماني وبين الهزيمة والتشتيت سنة 1948، لم تسمح المجابهة مع الصهيونية والإمبريالية البريطانية ببلورة شعور واضح بالهوية الوطنية. كان ثمة عدة تيارات متعايشة؛ ففضلاً عن العصبيات العائلية والحزبية والقروية والمِنْطَقية الضيقة والمستمرة، كان هناك الإسلام، وشعور أعمّ منه بالقومية العربية. والأرجح أن الشعور الوطني الفلسطيني كان الأضعف بين سائر مشاعر الهوية المتداخلة. والعامل الحاسم في تكوين تلك الهوية لم يكن التراث التاريخي الذي خلَّفه تطاول مدة الحكم العثماني فحسب، بل أيضاً الحاجة الماسة إلى العيش والتكيف في كيان أنشئ حديثاً وفُصِل عن محيطه الطبيعي. فالهيمنة اليهودية، غاية الحركة الصهيونية المرئية، كانت تشكل تحدياً مستمراً لا يمكن مجابهته إلاّ باللجوء إلى مصطلح للهوية كان لابد له من أن يتجلى في مقولات ثقافية سهلة الإدراك ومندرجة في سيرة تاريخية مألوفة كي يكون في متناول الأفهام. وهذا ما لم يكن يتيحه إلاّ الإسلام. وفي الوقت ذاته اكتسبت الطبقة السياسية نظرة عربية جامعة لم يفتَّ منها الإخفاق في تحقيق الوحدة. وقد استمرت هذه النظرة، وعلى الرغم من واقع الهيمنة الأجنبية، تتطلّع إلى الدول العربية الأُخرى التماساً للدعم، حتى غدت الدول العربية المجاورة، منذ أواسط الثلاثينات فما بعدها، صاحبة القول الفصل في قضايا أهالي فلسطين العرب. 

هويات حقبة ما بعد سنة 1948

خلافاً لما حدث في الدول العربية المجاورة، فإن أعوام الانتداب في فلسطين لم تكن فترة انتقالية نحو الاستقلال وبناء الوطن، بل فترة انتقالية نحو التشتيت والانهيار. وقد أفضى التشتيت إلى تبنّي هويات مختلفة تعتمد فيما تعتمد على موقف الدول المضيفة. أمّا الأقلية الضئيلة التي مكثت في أراضيها وقراها، فقد أصبحت "عرب إسرائيل"، ولمّا حاولت بعد عشرين عاماً توكيد هويتها الفلسطينية، فُسِّرت محاولتها بأنها تصدر عن نيات خيانية. أمّا الكتلة الكبرى من حيث العدد، فقد تركزت فيما يسمى الآن الضفة الغربية، وقد تكونت من أهالي الضفة الأصليين إضافة إلى من انضم إليهم من اللاجئين الذين طردوا من الأراضي التي احتلتها إسرائيل. وكان أن وقعت هذه المنطقة تحت السيطرة الأردنية، ومُنح أهلها حقوق الجنسية الأردنية الكاملة التي تتيح لهم المساواة القانونية والسياسية الكاملة مع سواهم من الأردنيين الأصليين، بما في ذلك حق الحصول على جوازات السفر وإمكان السفر والسعي وراء فرص العمل في الخارج.

أمّا الكتلة السكانية الثانية فقد تركزت في قطاع غزة، وهو الجزء الوحيد من فلسطين الانتداب الذي ظل قائماً على هذه الصفة، والذي أدار الجيش المصري شؤونه حتى سنة 1967. وقد توجهت أعداد كبيرة من اللاجئين إلى سورية ولبنان، حيث أُنزلت في مخيمات وعوملت بأنها مقيمون أجانب. ولم تكن الأوضاع والتطورات داخل مراكز التجمعات الثلاثة متشابهة قط؛ ففي قطاع غزة، الذي كان خاضعاً لإدارة مصرية شديدة القمع، كان يُنظر إلى أي نوع من النشاط السياسي على أنه نشاط هدام، ولم يكن ثمة تمييز يذكر بين مختلف المجموعات السياسية، أكانت قومية أم شيوعية أم إسلامية. وكان أنشط هذه الجماعات جماعة الإخوان المسلمين التي كان عملها بمثابة امتداد للمكتب المركزي في القاهرة، والتي نجحت في تأسيس قاعدة قوية وثابتة لها. أمّا الحكم الأردني في الضفة الغربية، فقد كان منذ البداية محطَّ ترحيب لدى قطاع واسع من طبقة الأعيان الذين عبَّروا منذ أيام الانتداب عن دعمهم للأمير عبد الله. ولم يبق إلاّ النزر اليسير من المعارضة من جانب شراذم الحركة الوطنية المهشمة، إذ إن الإغراءات التي واكبت الحكم الأردني وفرض الجنسية الأردنية كانت أشد جاذبية من أن ترفض.

وقد تبنَّى الشتات الفلسطيني، بصورة إجمالية، موقفاً قومياً عربياً، وكان من المؤيدين المتحمسين لجمال عبد الناصر وسياساته. وكان من الفلسطينيين أعضاء ناشطون وبارزون في جميع المنظمات السياسية، كالبعث، وحركة القوميين العرب، والحزب القومي السوري، والحزب الشيوعي. وإذ ساد الخطاب القومي العربي في فترة أواسط الخمسينات وأوائل الستينات، كانوا هم أشدَّ دعاته حمية. ولمّا عدموا الخيارات الأُخرى، اختار الفلسطينيون الإيمان بالوحدة العربية باعتبارها الشرط الذي لا بد منه لمعركة التحرير والعودة. والبلد الوحيد الذي سُمح فيه للتيار الديني بأن يعبِّر عن ذاته بصورة منظمة كان الأردن. وبعد فترة وجيزة من اختبار الليبرالية في أواسط الخمسينات، تم وقف الأنشطة السياسية كافة. والجماعة الوحيدة التي استثنيت من هذا الحظر، الذي ظل قائماً حتى أواسط الثمانينات، كانت حركة الإخوان المسلمين.

أمّا الهوية الفلسطينية المتميزة فلم تشجع تشجيعاً نشيطاً ولم تحظ بالرضا العربي الرسمي إلاّ سنة 1964، مع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية. وكان ذلك مؤذناً ببداية عملية بناء الأمة، تلك العملية التي اكتسبت اندفاعاً كبيراً جداً بعد سنة 1967. ومما له دلالته أن هذا الأمر قد حدث خارج حدود الدولة التي كانت تؤوي العدد الأكبر من الفلسطينيين، أي الأردن، الدولة التي اتخذت خطوات نشيطة لإضعاف تماهي مواطنيها مع هذه الهوية. وفي سياق السعي لتحقيق هذا الهدف، تحالفت مع حليفها الطبيعي، حركة الإخوان المسلمين،(48) التي كانت تواصل ثاراتها الخاصة حيال عبد الناصر، وترى أن المنظمة ربيبته وأن الشقيري، رئيسها المعيَّن، صنيعته. ومع ذلك فقد تيسرت عملية بناء الأمة هذه في عدة حالات أُخرى بفعل معارضة مجتمعات الدول المضيفة لأي ضرب من ضروب التماهي مع الفلسطينيين المقيمين في أراضيها، مثلما كانت الحال في لبنان ودول الخليج. وهكذا فقد تبلورت الهوية الفلسطينية في مخيمات اللاجئين القائمة في دول المشرق العربي وداخل الجوالي الفلسطينية في دول الخليج، لا فيما بقي من الأرض الفلسطينية. وقد ظلت على أضعف ما تكون في الأردن والضفة الغربية، حيث تأخرت إلى ما بعد حلول الحكم الإسرائيلي محل الحكم الأردني. وظل الإسرائيليون يصرون على الوهم القانوني القائل إن أهالي الضفة الغربية هم من الأردنيين.(49) والتنظيم الفلسطيني الوحيد الذي سمحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي له بالعمل في إثر حرب حزيران/يونيو 1967 مباشرة هو الهيئة الإسلامية العليا.(50) وكانت هذه الهيئة مكونة من شخصيات دينية وموظفين رسميين أردنيين سابقين، وقد قيض لها أن تكون لفترة من الزمن محور الأنشطة المناهضة للاحتلال.(51) 

التغيرات في ظل الاحتلال

إن نشوء الحركة الإسلامية وتطورها في الضفة الغربية وقطاع غزة لا يتيسر فهمهما بمعزل عن سياق الصراع بين منظمة التحرير الفلسطينية والنظام الأردني بشأن الشرعية والتمثيل. فقد بقيت المؤسسات الإسلامية الرسمية تحت سيطرة وزارة الأوقاف الأردنية. أمّا قيادة الحركة الإسلامية، ولا سيما في الضفة الغربية، فكانت جزءاً لا يتجزأ من التراتبية الدينية الرسمية (وفي هذا تفسير للدرجة الأعلى من النشاط النضالي والتطرف في قطاع غزة). إذ كانت تلك القيادة (في الضفة) محافظة في طبيعتها، كونها ربيبة التحالف الأردني - الإسلامي الذي استمر مدة الحكم الأردني وأعوامه التسعة عشر. وكانت تتكون في معظمها من موظفين حكوميين أردنيين يعملون في دوائر الأوقاف في الضفة الغربية، وظل هؤلاء يتلقون رواتبهم من الخزينة الأردنية. ومنذ حوادث سنة 1970/1971 وخروج المنظمات الفلسطينية المسلحة من الأردن، وحتى حدوث التقارب الأردني - الفلسطيني في الثمانينات في إثر طرد منظمة التحرير من لبنان، ظل الفريقان يتنازعان مشاعر أهالي الأراضي المحتلة وآراءهم. وعلى الرغم من أن مؤتمر القمة العربية الذي عقد في الرباط سنة 1974 أقرَّ بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للفلسطينيين، ومن أن الملك الأردني قَبِل علانية بمقررات تلك القمة، فقد ظل الصراع محتدماً داخل الأراضي المحتلة ذاتها. وعلى امتداد هذه المدة، لم تولِ الحركة الإسلامية مقاومة الاحتلال مرتبة متقدمة على لائحة أولوياتها،(52) ولهذا السبب (إضافة إلى ما ورد أعلاه)، كانت هذه الحركة، إجمالاً، تحظى بتسامح السلطات الإسرائيلية.(53)  

كانت التغيرات التي طرأت بطيئة في وتيرتها، ومندرجة في عملية ترتبط بصعود جيل من فلسطينيي الضفة الغربية لا عهد له بالحكم الأردني. كما أن هذه التغيرات كانت من نتائج تورُّط فصائل منظمة التحرير المتزايد في شؤون الأراضي المحتلة، ولا سيما بعد سنة 1982، وذلك في محاولة إنشاء حضور لها على مستوى القواعد الشعبية. وقد عوَّق تبلورَ هوية فلسطينية علمانية كونُ الخطاب السياسي للفصيل السائد في المنظمة، أي خطاب حركة "فتح" التي اجتذبت أكبر عدد من الفلسطينيين إلى صفوفها، خطاباً إسلامياً محافظاً بصورة ملحوظة. وكانت الفصائل الفلسطينية الأكثر تطرفاً ترى، محقَّة، أن "فتح" تملك خطة محافظة للعمل في المجالين الاجتماعي والسياسي. ومن الجائز القول إن هذا ما مكَّنها من أن تستمد التأييد من جميع قطاعات المجتمع، وظلَّت تستخدم خطاباً شعبياً مرصعاً بالصور الدينية وراسخ الجذور في إطار نظام للقيم إسلامي المنحى.(54)

إن شعارات الحركة المناهضة للاحتلال، ونداءاتها للمِّ الشعث أخذت منذ الثمانينات تميل على نحو متزايد إلى اعتماد النمط الإسلامي؛ فالرمز الأهم وصيحة الاستنهاض الأقوى ضد الاحتلال، القدس، يُطرح من خلال مصطلحات دينية. أمّا صورة اليهود فهي انعكاس لمواقف إسلامية قديمة ناشئة عن الصراعات التي نشبت في شبه الجزيرة العربية بين أوائل المسلمين والقبائل اليهودية. والعادة الجارية المتمثلة في التظاهر عقب صلوات الجمعة عند احتشاد الناس في المساجد، واستخدام المساجد من حيث هي شبكات للمساندة الاجتماعية، آمنة نسبياً، وأماكن لتدريس الأولاد عندما تُقْفَلُ المدارس، واستعمالها لاحقاً لتوزيع الطعام والمال - كل ذلك كان من شأنه أن يعزِّز الرأي القائل إن الالتزام السياسي امتداد للإيمان الديني، وإن المكوِّن الأساسي للمجتمع المدني إنما هو الهوية الدينية لأنشط أعضاء هذا المجتمع. والواقع أن الغاية من ذلك كانت اجتذاب أصحاب الذهنية التقليدية من أهالي الأراضي المحتلة، كما ذهب البعض إلى أن الطبيعة المبهمة جداً للعبارات الإسلامية، التي تقبل التفسير على أوجه شتى، قد أتاحت لحركة "فتح" أن توسِّع القاعدة الداعمة لها.(55)

على الرغم من إزالة الحواجز المادية المرئية بين المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي في حقبة ما قبل الانتفاضة، فإن طبيعة المجتمع الإسرائيلي العلمانية خلَّفت أثراً ضئيلاً جداً في الحياة الفلسطينية.(56) فقد ظل المجتمعان منفصلين انفصالاً جوهرياً، ولم ينشأ بينهما كبير تعامل خارج نطاق بيع القوة العاملة وشرائها. وهكذا فإن التجربة العلمانية لم تكن جزءاً من دورة الحياة العادية للأغلبية العظمى من الفلسطينيين، لأن حياتهم لم تكن تعاش في إسرائيل، بل في قراهم ومخيماتهم الأشبه بالمهاجع. وينبغي لنا أن نتذكر هنا أن مئات الألوف من الفلسطينيين ممن أُتيح لهم اكتساب مهارات رائجة في السوق، شقوا طريقهم نحو مجتمعات الخليج العطشى إلى اليد العاملة، حيث أمضى جيل كامل حياته في مجتمعات تقليدية لا تزال تحافظ على المظاهر الخارجية للتعلق بالدين وتُرائي به رياء من طرف اللسان. ولهذه الأسباب تحديداً يجب النظر إلى التوترات الحالية التي تتعايش في الهوية الفلسطينية باعتبارها نتاجاً لمجرى التاريخ الفلسطيني منذ أن استولت بريطانيا على الأرض، وما عقب ذلك من الحوادث. كما يجب أن تفسَّر بناء على منطلقات مغايرة لفقدان الشرعية أو عدم فقدانها، أو للإخفاقات التي منيت سياسات النخب العلمانية والتقليدية بها في مواضع أُخرى من المنطقة.

النضال المسلح والصحوة الإسلامية

إن فقدان الأيديولوجيا لدى حركة "فتح"، التي لم تزل القوة السياسية الغالبة في السياسة الفلسطينية منذ سنة 1968، ولجوء الحركة إلى الأيديولوجيا والرموز الدينية لاستنهاض التأييد وحشده، يلقيان ظلالاً من الشك على الزعم المتواتر ترديده والقائل إن "فتح"، والحركة الفلسطينية تضميناً، قوة علمانية. فالإسلام كان ولا يزال من أهم مكونات الهوية الوطنية الفلسطينية، ويصح هذا أكثر ما يصح على الفلسطينيين المقيمين داخل الأراضي المحتلة. وهذا الواقع في حد ذاته يساهم في تفسير سهولة انتقال التأييد من منظمة التحرير الفلسطينية العلمانية في الظاهر إلى ولاء للمنظمات المتعددة التي تتكون الحركة الإسلامية منها.(57)   وإذا أسقطنا من الحساب فرضية اندلاع الحمية الدينية فجأة، بات لا بد من أن نحاول تفسير انتقال التأييد من قوى منظمة التحرير الفلسطينية التقليدية إلى القوى الجديدة المتطرفة التي نشأت داخل الأراضي المحتلة ذاتها واتخذتها مسرحاً أساسياً لعملياتها.

لقد شهدت الأعوام التي عقبت طرد المنظمة من بيروت سنة 1982 انحطاطاً متدرجاً لمكانة المنظمة على الرغم من تصاعد مستوى نشاط ومستوى انخراط فصائلها في أنشطة داخل الأراضي المحتلة. ومع الاستمرار في التعبير عن التزامها استراتيجيا النضال المسلح، كانت ممارسة المنظمة الفعلية في الأراضي المحتلة تدور على نحو متزايد حول العمل السياسي، أي بناء المؤسسات. وكان ذلك يهدف إلى استخدام المجال الواسع نسبياً الذي فسحه التساهل الإسرائيلي حيال أنشطة كان صانعو السياسة الإسرائيلية يرون أن من شأنها المساهمة، على نحو ما، في إحداث حالة من التطبيع. وفي أي حال، فقد كانت المنظمة عملياً تخطو قدماً في اتجاه التحول إلى أداة غايتها الأساسية مواصلة النشاط الدبلوماسي.

وبالتزامن مع مجرى هذه العملية، كانت الحركة الإسلامية تشهد تحولاتها الخاصة بها. فقد نشأ جيل فتي من أعضاء حركة الإخوان المسلمين وأنصارها، أخذ يتساءل عن استكانة الحركة وقعودها عن المشاركة في الصراع القائم ضد الاحتلال، ونشأت نماذج لأدوار جديدة. فقد جاءت وسائل الإعلام الإلكترونية تنقل إلى مخيمات قطاع غزة وقرى الضفة الغربية أنباء صحوة إسلامية عالمية، منها انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ومآثر المقاومة الإسلامية في الجنوب اللبناني، وانتصارات المجاهدين في أفغانستان، وأنشطة مختلف الجماعات الإسلامية المنخرطة في صراع عنيف ضد نظام السادات والنظام الذي خلفه في مصر، وكلها أمور كانت في موقع النقيض التام للموقف المستكين والانطوائي الذي كانت الحركة تدعو أصحابها إليه. وقد أدى ذلك إلى انقسام سياسي المنشأ، أفضى بدوره إلى ولادة حركة الجهاد الإسلامي.(58) فكان نشوؤها مؤذناً ببداية حملة جديدة من الهجمات العنيفة على المدنيين الإسرائيليين والمستوطنين وأفراد الجيش. وهكذا، فما إن تخلت المنظمة عن راية النضال المسلح حتى رفعتها القوى الإسلامية ثانية.

لقد شهدت الفترة التي سبقت اندلاع الانتفاضة في كانون الأول/ديسمبر 1987 انحطاط مكانة منظمة التحرير السياسية إلى أدنى دركاتها؛ فقد أدى اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل إلى انقسام العالم العربي، بينما أتاحت الحرب التي شنها العراق ضد إيران، مع ما واكبها من ادعاءاته الصارخة بشأن الدفاع عن العالم العربي ضد الخطر الفارسي، ذريعة ملائمة للأنظمة العربية المتعبة، فيما يبدو، لصرف النظر عن القضية الفلسطينية وإزاحتها من رأس الأولويات.

كان المشهد من داخل الأراضي المحتلة يبعث على القنوط. وكانت منظمة التحرير تتحول إلى لاعب إقليمي غير ذي شأن؛ لاعب مهمَّش ومتناقص القدرة على التأثير في اللعبة الدبلوماسية. فالتخلِّي عن النضال المسلح، الذي كان يمثل جوهر قدرتها على اجتذاب أعداد كبيرة من الشباب المتطلعين إلى وسائل للتعبير عن غضبهم ورفضهم الاحتلال، كان يعني أنه لم يعد يُطلب من هؤلاء الشبان الآن شيء غير القيام بدور المتفرجين؛ إذ ما من حاجة إليهم في عملية بناء المؤسسات. إلاّ إن هذه الفترة شهدت أيضاً تزايداً في عدد الهجمات العنيفة التي استهدفت الإسرائيليين، والتي نفَّذ معظمها أعضاء حركة "الجهاد الإسلامي" أو أنصارها. وكان كثير من هذه العمليات يتسم بطابع درامي مثير، ويتميز بالشجاعة والإقدام،(59) وباعثاً على الثقة بالنفس في حقبة من الإحباط وانسداد الأفق. وقد أدت هذه العمليات، بلا ريب، إلى إضفاء الصدقية على الحركة الإسلامية بجملتها، وهي صدقية كانت الحركة تفتقر إليها حتى ذلك الحين. وبدا الأمر سبيلاً جديداً راح ينفسح. فقد بات ثمة إطار الآن يستقبل الراغبين في مجابهة العدو بالعنف. وكانت الرايات المرفوعة فوق هذه العمليات إسلامية، غير أن الأنشطة كانت إياها التي كانت الفصائل الوطنية تقوم بها في الماضي القريب.

والواقع أن القمع الإسرائيلي نجح إلى حد ما في لجم أنشطة "الجهاد الإسلامي"؛ فقد اعتُقل بعض أعضائه، وقتل البعض، ونفي البعض الآخر، ونتج من ذلك انخفاض ملحوظ في حدة نشاطه. غير أن ما حدث لم يحل دون انتشار هذا المثال، وبرهنت الأفعال عن أنها أبلغ إعلاماً.(60)   بيد أن حركة "الجهاد الإسلامي" كانت في المحل الأول تنظيماً سرياً "تآمرياً"؛ إذ إنها لم تمارس أي نشاط سياسي، وإنما حصرت نشاطها في أعمال العنف فحسب، ولذلك لم تتمكن من اكتساب قاعدة جماهيرية. وقد اقتصر نجاحها السياسي على الضغط الذي مارسته على الحركة الإسلامية الأساسية، أي حركة الإخوان المسلمين، ودفعها إلى التخلي عن الاستكانة، وإلى الانخراط في النضال الوطني من أجل تقرير المصير وإقامة الدولة. 

الإسلام والانتفاضة

لا حاجة إلى المصادقة على مزاعم الحركة الإسلامية بأنها هي التي نظَّمت وخططت لاندلاع الانتفاضة(61) لندرك أهمية هذا الحدث في إتاحة الإطار لمشاركة الحركة الإسلامية في النضال ضد الاحتلال وفي تعزيز مكانتها. ولم تكن الحركة مضطرة إلى القيام بتحول أيديولوجي كي تشارك في الغليان الجماهيري القائم، ذلك بأن هذا الغليان لم يكن يبدو، في بدايته، أكثر من مجرد طور آخر من أطوار دورة المقاومة والقمع التي كانت قد أصبحت آنئذ تسم مسيرة الاحتلال. فالإخوان المسلمون كانوا يتعرضون لضغوط تهدف إلى حملهم على اتخاذ موقف ناشط حتى قبل كانون الأول/ديسمبر 1987، وذلك جراء أنشطة "الجهاد الإسلامي" التي ذاع صيتها. ولم يعمل اندلاع الانتفاضة إلاّ على تكثيف الضغط من داخل صفوف الحركة ذاتها ومن المجتمع الأوسع. وقد استجابت الحركة باعتماد موقف علني، على امتداد الأراضي المحتلة، يدعو إلى المقاومة النشيطة ضد الاحتلال. ومنذ بداية اندلاع الإضرابات والمواجهات،(62) طُبعت ووزعت أوراق وكراريس تدعو إلى تصعيد الأنشطة المناوئة للاحتلال. أمّا الاسم الذي اختاره الإخوان المسلمون لإعلان دخولهم الحلبة، أي حركة المقاومة الإسلامية ["حماس"]، فقد مثَّل خروجاً لافتاً على مألوف ممارساتهم الماضية. كما أن مضامين الميثاق، وهو برنامج الحركة،(63) عُدَّت تعبيراً عن "تحول نظري أقرب إلى البدعة لشدة تجديده."(64) ويتمثل التجديد الأساسي في توكيد فكرة الوطن وتأييد فكرة الدولة الوطنية. فالسيرة التاريخية التي ترويها هذه الوثيقة فلسطينية تماماً، وهي تركِّز على دور القسَّام باعتباره اللحظة التاريخية الحاسمة في صراع الحركة الإسلامية الطويل لتحرير فلسطين، كما توضح بجلاء مفهومها للوطنية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الإيمان الديني.(65) أمّا الموقف من إسرائيل فيتجلَّى في عبارات دينية تاريخية في المقام الأول؛ فاليهود كانوا منذ البداية أعداء للرسول، وقد استحقوا غضب الله لأنهم ضلُّوا عن الرسالة السماوية المنزلة،(66) وقتالهم واجب نص عليه التنزيل. ولذلك ثمة توكيد ديني إضافي للواجب الوطني القاضي بالسعي لإقامة دولة مستقلة في فلسطين.

وقد ساعدت الاستقلالية التي أظهرتها "حماس" برفضها الانضمام إلى القيادة الوطنية الموحدة، بما هي تجمُّع آخر منضوٍ تحت راية منظمة التحرير الكبرى المهيمنة، في تحسين مكانتها. وقد ظلت الحركة متشبثة تالياً بعرض ذاتها بمثابة بديل ممكن من المنظمة وناطق شرعي بلسان الفلسطينيين بأسرهم. وجاءت مشاركتها النشيطة في الانتفاضة لتعزز رصيدها الوطني، كما أن اعتمادها العمل المسلح(67) عندما كان التيار الغالب على قيادة المنظمة يبدو منهمكاً في المناورات الدبلوماسية، لقي التجاوب عند جمهور أخذ يستولي الإحباط والقنوط عليه جراء فشل الانتفاضة في بلوغ أي نتائج إيجابية.

إن صحوة الحركة الإسلامية أمر لافت للنظر. ففي غضون أعوام قليلة، ونتيجة انخراطها في الانتفاضة، استطاعت الحركة أن تعوِّض غيابها عن الساحة السياسية. أمّا استعادة الشرعية فلا يمكن أن تفسَّر إلاّ بالرجوع إلى فقدان الثقة بقدرة منظمة التحرير، بل حتى برغبتها في متابعة حلم الدولة المستقلة. وهذا ما تطرحه "حماس" حالياً. وهي غير منشغلة بالمناظرات الدينية وغيرها من المشاغل الدينية. في حقبة سابقة أدى عجز الدول العربية عن تحقيق الوحدة وحشد الطاقات لمجابهة إسرائيل إلى تبعثر الأوهام القومية العربية، ونشوء شعور وطني فلسطيني خاص. وقد كان من شأن مشاعر الخيبة الحالية إزاء عملية السلام، التي لا تلبِّي حتى الحد الأدنى من الطموحات المعرب عنها في برنامج إقامة الدولة المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، أن تدفع "حماس" دفعاً لتصبح الناطق باسم المعارضة الفلسطينية للتسوية الراهنة، وتحجب بموقفها منظمات أُخرى معارضة كالجبهتين الشعبية والديمقراطية، مع ما لهما من سجل أطول مدة في النضال الوطني. فنهجها المتصلب، المكرس للشعار الذي تخلّت منظمة التحرير عنه الآن؛ أي شعار التحرير من البحر إلى النهر، قد أكسبها دعم أناس ليسوا بالضرورة من المتدينين، بل ممن يشعرون بأنهم قد غُدروا جراء العملية السياسية الجارية، ويرون "حماس" "منبراً يمنحهم شيئاً من الأمل الذي يحتاجون إليه بشدة للحفاظ على سلامة عقولهم ونفوسهم."(68) 

مضمون الهوية

على امتداد الأعوام التسعين الماضية، مرَّ سكان فلسطين بتحولات عديدة جراء توالي هيمنة الحكام الأجانب. وقد خلَّفت هذه التحولات أكبر تأثير لها في هويتهم العامة؛ فقد كانوا في البداية عثمانيين، وأصبحوا الآن فلسطينيين. وعلى مدى هذه الأعوام كان ثمة مكوِّنان ثابتان لهذه الهوية، المكون العربي والمكون الإسلامي. وربما احتجَّ البعض بأنه من الجائز أن تتعايش ثلاث هويات جنباً إلى جنب، أو حتى أن يتراكب بعضها فوق بعض. غير أنني أزعم أن فقدان الدولة، ثم فقدان مشروع لبناء الأمة، قد عوّقا نمو هوية فلسطينية محددة مرتبطة بالأرض، شبيهة بتلك التي قد توجد مثلاً في دولتين مجاورتين كسورية والعراق، والتي تفسِّر وجود شعور وطني سوري أو عراقي محدَّد. فزوال الإمبراطورية العثمانية، وما عقبه من فترة الحكم البريطاني، ثم ما كان بعدها من انهيار بنى المجتمع الفلسطيني برمتها، الاجتماعي منها والاقتصادي والسياسي، قد دفع الفلسطينيين إلى توكيد أولوية عروبتهم ومركزيتها. إلاّ إن العرب ظلوا منهمكين في المشاعر المتعلقة بأراضي دولهم. وقد ظهر ذلك، في أعين الفلسطينيين، بمظهر الصفات السلبية، كالتشرذم والتخلي عن قضيتهم، كما دفعهم، بالتالي، إلى توكيد خصوصيتهم وتميزهم. لكنهم لم يتمكنوا بعد من تنفيذ برنامجهم الوطني الخاص بهم وبأرضهم. وقد أفضى ذلك إلى خيبة الأمل بالقيادة التي يعدُّونها مسؤولة عن هذا الإخفاق. وها هم الآن قد التفتوا إلى الحركة الإسلامية. ولم يستوجب ذلك أي تغيير في نظرتهم الخاصة إلى ما هم ومن هم. فهم لم يتعرضوا من قبل، ولا هم يتعرضون الآن، لأزمة هوية، ولم يواكب ذلك أي انقلاب وجودي. وتفسير ذلك يقع في طبيعة الحركة الإسلامية ذاتها. فهي لم تزل معنية بالمجال السياسي. وهي التي منحت النضال الوطني، منذ البداية، لغته وصوره وتصوراته، بحيث غدا من الممكن لأناس غير متدينين ولا مواظبين على المناسك أن ينضموا إلى صفوفها، وأن ينضووا تحت لوائها مع استمرارهم في متابعة برنامج راسخ الجذور في الصراعات القومية المميزة لعصر يتخطى العصر الديني.

 

المصادر:

 

(1) Bulliet, Islam, the View From the Edge (New York, 1994), p. 7. 

"مجلة الدراسات الفلسطينية"، 21، شتاء 1995، ص 3 ـ 27.

(2) إبراهيم أبراش، "حول حدود استحضار المقدس في الأمور الدنيوية: ملاحظات منهجية"، "المستقبل العربي"، العدد 180 (شباط/فبراير 1994)، ص 17.

(3) Bulliet, op. cit., p. 205.

(4) أبراش، مصدر سبق ذكره، ص 18.

(5) R. Israeli, Islamic Fundamentalism in Israel (London, 1993), p. 50.

(6) Ibid.

(7) Bulliet, op. cit., p. 7.

(8) ف. هويدي. انظر مساهمته في المناقشة في: عمرو عبد السميع، "المتطرفون: ندوات ودوائر حوار" (القاهرة: مكتبة التراث الإسلامي، 1993)، ص 133.

(9) هذا رأي لا يراه جميع الكتّاب الإسلاميين. فقد وُصِف الكواكبي بأنه يطرح "أهدافاً قومية، مغلفة بإسلامية ظاهرة." انظر: قيس جواد العزاوي، "نشأة الأحزاب السياسية في العالم الإسلامي"، "الجامعة الإسلامية"، السنة الأولى، العدد 3 (تموز/يوليوـ- أيلول/سبتمبر 1994)، ص 80.

(10) هويدي، مصدر سبق ذكره، ص 148.

(11) م. عمارة. انظر مساهمته في المناقشة في: عبد السميع، مصدر سبق ذكره، ص 148.

(12) هويدي، مصدر سبق ذكره، ص 148.

(13) س. إبراهيم. انظر مساهمته في المناقشة في: عبد السميع، مصدر سبق ذكره، ص 142.

(14) المصدر نفسه، ص 184.

(15) عزيز العظمة، "فك الارتباط بين العروبة والإسلام"، "الناقد"، العدد 33 (آذار/مارس 1991)، ص 20.

(16) هذا يلائم تصور الخالدي للوطنية البدائية وإن لم يكن المعنى العملي لذلك واضحاً. يقيناً إن الوطنية في هذا السياق تعني الانفصال. انظر:

  1. Khalidi, “Ottomanism and Arabism in Syria Before 1914: A Reassessment,” in The Origins of Arab Nationalism, edited by R. Khalidi, L. Anderson, M. Muslih and R. Simon (New York: Columbia University Press, 1991), p. 62.                  

(17) C. Ernest Dawn, “The Origins of Arab Nationalism,” in Khalidi et al., eds., Ibid., p. 16.

(18) محسن محمد صالح، "التيار الإسلامي في فلسطين وأثره في حركة الجهاد، 1917 - 1948" (الكويت: مكتبة الفلاح، 1988)، ص 36 - 37.

(19) كان الضباط العرب في الجيش منخرطين بنشاط في السياسة العثمانية. وقد قيِّض لبعضهم القيام بأدوار بارزة في الحقبة اللاحقة للحكم العثماني. للاطلاع على قائمة جزئية، انظر: العزاوي، مصدر سبق ذكره، ص 91.

(20) صالح، مصدر سبق ذكره، ص 45.

(21) المصدر نفسه، ص 61.

(22) في فلسطين انحاز اثنان من أكابر الأعيان، الشيخ أسعد الشقيري والشيخ عبد القادر المظفر، إلى معسكر الحكومة، وكانا من أبرز مؤيديه.

(23) صالح، مصدر سبق ذكره، ص 66. وكان قوام ذلك من مؤيدي حزب اللامركزية. وكان الشيخ سعيد الكرمي أبرز الوجوه الفلسطينية.

(24) تحسين بشير. هل كان الأولى به أن يقول: "مصادفة"؟ ربما، لكن النص يقول: "خطأ" انظر المساهمة في المناقشة، في: عبد السميع، مصدر سبق ذكره، ص 150.

(25) N. Johnson, Islam and the Politics of Meaning in Palestinian Nationalism (London, 1982), p. 99.

(26) A.M. Lesch, Arab Politics in Palestine, 1917-1939 (London, 1979), pp. 78 & 91.

(27) M. Muslih, “The Rise of Local Nationalism in the Arab East,” in Khalidi et al., eds, op.cit., p. 180.

(28) خلافاً لما يقوله مصلح، فإن أنصار التعاون مع البريطانيين هم من حزب النشاشيبي الذين عارضوا إصرار الحركة الوطنية على الاستقلال. وكانوا ميالين إلى التحالف مع عبد الله، أمير شرق الأردن، الذي كان من أعمدة المعسكر الموالي للبريطانيين.

(29) حتى نيسان/أبريل 1910 حمل المشاركون في لقاء النبي موسى رايات كتب عليها فلسطين جزء من سورية. عبد الوهاب الكيالي، "تاريخ فلسطين الحديث" (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1970)، ص 148.

(30) سميت أول صحيفة أنشئت بعد الاحتلال البريطاني باسم "سوريا الجنوبية" (أيلول/سبتمبر 1919). وقد ظلت اللقاءات الوطنية تعقد تحت اسم المؤتمر الوطني السوري حتى ما بعد معركة ميسلون.

(31) ما زالت الطبيعة الاعتباطية للحدود الفاصلة بين فلسطين وسورية محل اهتمام سياسي حالي. من ذلك أن تصريحاً صدر في الصحف مؤخراً يعلن أن الحكومة اللبنانية قررت منح الجنسية اللبنانية لسكان سبع قرى احتلتها إسرائيل سنة 1948. وكان الإسرائيليون قد زعموا يومها أن هذه القرى تقع داخل حدود فلسطين، وعدَّ أهالي تلك القرى في عداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وعندما منحوا الجنسية اللبنانية سنة 1994، ارتفعت الأصوات في لبنان بالقول إن هذه الخطوة الأولى نحو "توطين" الفلسطينيين في لبنان. وقد ردت الحكومة بتصريح مفاده أن القرى لبنانية وأن أهالي هذه القرى لبنانيون، تالياً. هذا مع العلم بأنهم ظلّوا فلسطينيين من سنة 1948 إلى سنة 1994. انظر صحيفة "الحياة" (لندن)، 1/9/1994.

(32) ويذهب ج. ليغرين، إذ يكتب عن فترة لاحقة، إلى أنه بينما اعتمد الإسلاميون خطاباً وطنياً، مال الوطنيون أنفسهم إلى خطاب ديني. انظر:

  1. J. F. Legrain, “Islamic Mobilization and the Palestinian Intifada, 1987-1988,” in Intellectuals and Milittants in Contemporary Islam, edited by G. Kepel and Y. Richard (London, 1994), p. 136.

(33) صالح، مصدر سبق ذكره، ص 103.

(34) Johnson, op. cit., pp. 23-24.

(35) Ibid., p. 57.

(36) لم يكن أي من الاثنين يبدي أياً من علائم التقوى الملحوظة ولا البراعة الفقهية. بل إن القرائن المتاحة عن سيرتيهما قد تسوِّغ وصفهما بالمسلمين العلمانيين!

(37) وقد شعرت المعارضة التي يتزعمها النشاشيبي بأنها مضطرة إلى أن تحذو الحذو نفسه، ولذلك نظمت مؤتمراً منافساً دعته مؤتمر الأمة الإسلامية الذي عقد في القدس أيضاً في كانون الأول/ديسمبر 1931.

(38) Z. Abu ‘Amr, Islamic Fundamentalism in the West Bank and Gaza (Indiana University Press, 1994), p. 1.

(39) T. Mayer, “The Military Force of Islam: The Society of the Muslim Brethren and the Palestine Question, 1945-1948,” in Zionism and Arabism in Palestine and Israel, edited by Elie Kedourie & Sylvia Haim (London: Frank Cass, 1982), p. 103.             

(40) كانت بداية اطلاعي على أسطورة القسّام في أوائل السبعينات، عندما أصدر فصيل متطرف، هو الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ملصقاً كبيراً عليه صورة القسّام. لقد تبناه، في أول الأمر، اليسار الذي صوّره رائداً من أوائل رواد تنظيم الطبقة العاملة الفلسطينية الناشئة، وسلفاً لمنفي بارز آخر هو تشي غيفارا.

(41) كانت أولى المعالجات الشاملة لسيرة القسَّام في:

  1. Porath, The Palestinian Arab National Movement, 1929-1939: From Riots to Rebellion (London, 1977).

وكان بورات أول من روّج أسطورة وجود حركة منظمة تدعى "القسَّاميون".

(42) سميح حموده، "الوعي والثورة: دراسة في حياة وجهاد الشيخ عز الدين القسَّام، 1882 - 1935" (القدس، 1986). يذهب الكاتب، وهو من الناشطين البارزين في الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة، إلى حد يقارب أن يجعل فيه بطله من الأولياء. وقد عقدت سفارة جمهورية إيران الإسلامية في دمشق ندوة دامت يومين في جبلة، مسقط رأس القسّام، في كانون الأول/ديسمبر 1992 إحياء لذكراه. انظر: "الشهيد عز الدين القسام: حياته وجهاده"، ندوة تكريم للشهيد عز الدين القسام في 2-3 كانون الأول/ديسمبر 1992، المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، دمشق، لا. ت.

(43) تصريح ينسبه س. لاخمان إلى ليلى خالد الناشطة المنتمية إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في:

  1. Lachman, “Arab Rebellion and Terrorism in Palestine, 1929-1939: The Case of Sheikh Izz Al-Din Al-Qassam and his Movement,” in Kedourie & Haim, eds., op. cit., p. 88.

(44)  Ibid. p. 86. وفي تقدير هذا المؤلف " أن الإرهاب القسامي كان عطشاً جداً للدماء... حتى إنه صار من أشد القوى التي نشأت في صفوف العرب الفلسطينيين فوضوية وتدميراً." انظر: p. 87.

(45) Johnson, op. cit., p. 58.

(46) أُطلق اسم كتائب عز الدين القسَّام على الجناح المسلح من حركة المقاومة الإسلامية ("حماس") في الأراضي المحتلة.

(47) صالح، مصدر سبق ذكره، ص 441.

(48) فاز الإخوان المسلمون وحزب التحرير الإسلامي بالتمثيل النيابي في أنزه انتخابات جرت في الأردن سنة 1956، إلاّ إن الحزبيين لم يغنما سوى بضعة مقاعد نيابية. وبعد الانقلاب الملكي سنة 1957، غدا الإخوان الحزب الوحيد المسموح له بالعمل في الأردن. فقد أمل النظام بأن يتجاوز الهوية الفلسطينية بانتصاره للهوية الدينية واعتبارها قوام المواطنية الأردنية.

(49) في كانون الأول/ديسمبر 1967 سافرتُ بوثيقة سفر إسرائيلية (تعطى للأشخاص الذين يوصف وضعهم بأنه غير محدَّد) تنص على أن جنسيتي أردنية (مع أنها غير محدَّدة).

(50) الشيخ عبد الحميد السائح، "لا صلاة تحت الحراب" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1994)، ص 82 ـ 83.

(51) ظن الإسرائيليون أنهم يستطيعون إحياء نظام الملل واستئنافه حيث تركه العثمانيون. من ذلك أن المسيحيين تمثلهم هيئاتهم الطائفية، بينما تتكلم الهيئة الإسلامية العليا باسم المسملين.

(52) ثمة إجماع على هذا الأمر بين مختلف المراقبين، وفي جملتهم أولئك المتعاطفون مع الحركة الإسلامية. انظر:

  1. Rashad, Hamas: Palestinian Politics with an Islamic Hue (Springfield, Virginia: Occasional Papers Series, No. 2, December 1993).

(53) يرى بعض المراقبين أنها كانت تلقى التشجيع النشيط من أجل مقاومة نفوذ المنظمات الوطنية المتطرفة. ولم تخضع "حماس" نفسها للحظر إلاّ بعد عامين من اندلاع الانتفاضة، أي في أيار/مايو 1989.

(54) داخل الحرم الجامعي في السبعينات والثمانينات كان يصعب التمييز بين الطلبة المرتبطين بـ "فتح" وأولئك المرتبطين بالجامعات الدينية؛ وكان الأواخر يدلون عادة بأصواتهم لمصلحة مرشحي "فتح" في الانتخابات الطلابية.

(55) Johnson, op. cit., p. 94.

(56) يذهب أ. نوسي إلى أن القوة المتنامية للحركات الإسلامية إنما هي ردة فعل معاكسة لشرور المجتمع الحديث، وأن إسرائيل تتماهى، في نظرهم، مع الحداثة. ولا بيِّنة على هذا الزعم الأقرب إلى التسرع. انظر:

  1. Nusse, “The Ideology of Hamas: Palestinian Islamic Fundamentalist Thought on the Jews, Israel and Islam,” in Studies in Muslim Jewish Relations, edited by R. Nettler (Oxford, 1993), p. 112.

(57) تتكون الحركة الإسلامية من حركة المقاومة الإسلامية ("حماس")، وحزب التحرير الإسلامي، ومختلف فصائل "الجهاد الإسلامي".

(58) أنشئت الحركة سنة 1980 بقيادة فتحي الشقاقي، وهو طبيب انخرط في العمل السياسي الإسلامي خلال أعوام دراسته في القاهرة. انظر: Abu ‘Amr, op.cit., p. 93.

(59Ibid., p. 95; Rashad, op. cit., p. 4.

(60) الأرجح أن الهجمات على المدنيين الإسرائيليين خلال الانتفاضة والفترة التي سبقتها كانت في معظمها من فعل أفراد أقدموا على أفعالهم جراء المناخ الفكري الذي أشاعه "الجهاد الإسلامي"، من غير أن يكونوا، بالضرورة، أعضاء في جماعات منظمة.

(61) ويصح هذا على مزاعم المنظمات الأُخرى.

(62) نشرت أوائل الوريقات في كانون الأول/ديسمبر 1987 باسم القوى الإسلامية. ثم ما لبث أن اتضح للجميع أن ذلك لم يكن إلّا غطاء لحركة الإخوان المسلمين.

(63) نشر الميثاق في تشرين الثاني/نوفمبر 1988. وهو ليس وثيقة برنامجية ولا يتعدى العموميات. وقد انتقده المراقبون المؤيدون للحركة باعتباره غامضاً جداً. انظر:

Rashad, op. cit., p. 11.

(64) Nusse, op. cit., p. 108.

(65) انظر: المواد السادسة والسابعة والثانية عشرة من الميثاق.

(66) زياد أبو غنيمة، "الحركة الإسلامية وقضية فلسطين" (عمان: دار الفرقان، 1985)، ص 11ـ- 14.

(67) أنشئت كتائب القسَّام، وهي الجناح المسلح السري لـ "حماس"، سنة 1991. انظر:

Rashad, op. cit., p. 16.     

(68) H. H. Ahmad, From Religious Salvation to Political Transformation: The Rise of Hamas in Palestinian Society (Jerusalem: PASSIA, April 1994), p. 119.                                                                                                                 

Author biography: 

موسى البديري: رئيس دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت.