إن "القدس الكبرى" تعبير سياسي أكثر مما هو تعبير جغرافي، وله جذوره في رؤيا إسرائيلية لقدس بلدية تتوسع إلى داخل ضواحي المدينة في الضفة الغربية، وإلى ما هو أبعد حتى من المناطق التي ضُمّت في حزيران/ يونيو 1967.
ولرئيس الحكومة الإسرائيلية يتسحاق رابين اهتمام طويل الأمد بهذه الرؤيا. فعندما كان رئيساً للأركان في حزيران/ يونيو 1967، أشار على حكومة بلده أن تضم جزءاً أكبر من الضفة الغربية إلى القدس من ذاك الذي اقرّه رؤساؤه السياسيون.
وصرح رابين مؤخراً: "اقترحت على رئيس الحكومة [ليفي] إشكول وعلى وزير الدفاع [موشيه] دايان أن يتم توسيع نطاق القانون الإسرائيلي إلى منطقة أكبر كثيراً. ولو قُبل اقتراحي لما كانت هناك مشكلة اسمها القدس. وقد قال إشكول ودايان إنهما لا يرغبان في ابتلاع عدد كبير جداً من العرب."
إن سياسة رابين في تعزيز المجمعات الاستيطانية الناجحة في الضفة تبدو واضحة للعيان في منطقة القدس الكبرى على وجه الخصوص. فقد أعلن رابين أن هذه المنطقة تقع خارج نطاق النقاش السياسي، بينما يستمر البناء الجديد الواسع النطاق بلا انقطاع. وبُعيد وصوله إلى السلطة سنة 1992 قال رابين "لا يمكن لنا أن نعرّف القدس والمناطق المحيطة بأنها تمثل موضوعاً سياسياً أو أمنياً. إن القدس الموحدة تحت السيادة الإسرائيلية ستبقى عاصمتنا إلى الأبد. وهي بالنسبة إلينا بمثابة القلب والروح للشعب اليهودي."
وعمدت حكومة رابين إلى إعفاء مشاريع الإسكان الكبرى في القدس الشرقية، حيث تُبنى حالياً ألوف الوحدات السكنية، من التقليصات في التمويل وعمليات البناء.
وتشمل مستوطنات القدس المدعومة من حزب العمل ضاحيتي غيلو وبسغات زئيف، حيث يخطَّط لعدد من السكان يصل إلى 70,000، ومشاريع الإسكان الكبرى التي تبنى في أجزاء تم ضمّها من المدينة، وتحوي الآن ثلث سكان القدس من اليهود.
غير أن حكومة العمال تعارض، وقد ألغت فعلاً، أربعة مشاريع صغيرة رائدة بدأتها حكومة الليكود لإقامة مناطق يهودية داخل الأجزاء العربية. كما أنها أوقفت التمويل الحكومي السري والعلني كله لشراء الممتلكات في مثل هذه الأجزاء من القدس الشرقية، وخصوصاً القسم الإسلامي في المدينة القديمة.
وعوضاً من ذلك، تخطط الحكومة لتعزيز قبضة إسرائيل الديموغرافية على القدس الشرقية، وذلك من خلال توسيع مشاريع البناء القائمة، والشروع في مشاريع بناء واسعة النطاق في مجمعات الاستيطان الجديدة التالية: هار حوما، على أطراف القدس الجنوبية، حيث سيبدأ العمل قريباً ببناء 4500 وحدة؛ ريخيس شعفاط، مقابل نِفي يعقوف، حيث يخطط لبناء 2200 وحدة؛ راس عمر، إلى الجنوب الشرقي من بِسغات زئيف. ومن شأن ذلك أن يقيم حزاماً متصلاً من المساكن الإسرائيلية بين المدينة ومستوطنة معاليه أدوميم القريبة في الضفة الغربية. كما أكد وزير الإسكان بنيامين بن أليعزر أنه "لا توجد أية عوائق أمام البناء" في منطقة القدس الكبرى. "نحن لم نمس، ولا نرغب في أن نمس منطقة معاليه أدوميم وإفرات وبيتار ومعاليه إفرايم. والبناء فيها يتم بحسب التخطيط".
وإلى الشرق من القدس، تمضي الحكومة قدماً في خططها لربط كتلة أدوميم الاستيطانية، ومحورها معاليه أدوميم، وهي أكبر مستوطنات الضفة، بالقدس الواقعة على بُعد أربعة أميال منها. وهدف هذا النشاط، هو بحسب قول نائب وزير الدفاع مردخاي غور، تعزيز "التواصل الجغرافي القائم بين [مستوطنة] فيريد يريحو المشرفة على أريحا، مروراُ بمعاليه أدوميم، ووصولاً إلى القدس، وهو إنجاز ستقدمه إسرائيل إلى المفاوضين الفلسطينيين بأنه حقيقة جغرافية."
وخلال زيارة لمعاليه أدوميم قام غور بها في تشرين الأول/ أكتوبر، صرح بأن "معاليه أدوميم هي جزء من القدس." واستناداً إلى الصحيفة الأسبوعية "كول هعير" الصادرة في القدس، وعد غور بأن عمليات البناء الواسعة التي تقوم في المدينة ستستمر، بل ستتسع أيضاً.
وكدليل على التزام الحكومة الاحتفاظ الدائم بمنطقة الضفة الغربية الواقعة بين القدس وكتلة عستيون من المستوطنات، وافق رابين على إنجاز طريق غيلو – كتلة عتسيون، وتكلفتها 42 مليون دولار، والتي تربط المستوطنات الواقعة جنوب بيت لحم بالقدس.
وقد رأس بن أليعزر مؤخراً احتفالاً بتدشين ضاحية جديدة في مستوطنة إفرات إلى الجنوب من بيت لحم. وأعلن أن "الحكومة تنظر إلى كتلة عتسيون بأنها جزء لا يتجزأ من حزام الدفاع عن القدس." وقال إن الطريق "لها أهمية أمنية فائقة."
وفي صدد الاستمرار في جهود حزب العمال لتبرير سياسات الاستيطان، كما تفرضها العوامل الأمنية، أشار غور إلى أن "تجارب الماضي برهنت عن أن من الضروري للدفاع عن القدس أن يكون هناك حزام دفاعي يحيط بها من الشمال والجنوب والشرق والغرب." وفي كانون الأول/ ديسمبر، وافق رابين على إحداث "تواصل بلدي" (municipal continuity) بين القدس ومستوطنات الضفة، أي غفعات زئيف ومعاليه أدوميم، وذلك على الأخص من خلال بناء طرق وأنفاق وجسور جديدة.
وفي غفعات زئيف، القريبة من رام الله، تم توسيع حدود المستوطنة جنوباً باتجاه القدس، وذلك من خلال مصادرة المئات من الآكرات من أراضي الضفة الواقعة قرب بلدة بيت إكسا الفلسطينية، وإضافة هذه الأراضي إلى غفعات زئيف، حيث يتم الآن بناء 2200 شقة، وذلك بهدف إقامة "ترابط على الأرض" بين المستوطنة والقدس.
المصدر: Journal of Palestine Studies, Vol. XXIII, No. 3, Spring 1994, pp. 131-133.