دخلت لفظة "القدس الكبرى" قاموس النزاع العربي – الإسرائيلي. وقد اعترفت الولايات المتحدة بالأمر، أول مرة، حين أشار تقرير لوزارة الخارجية صدر في نيسان/ أبريل 1993 وموجَّه إلى الكونغرس، إلى أن "حكومة [رابين] قد أكدت عزمها على المثابرة على بناء المستوطنات في المنطقة المحيطة [بمدينة القدس] البالغة مساحتها 100 ميل مربع والمعروفة باسم "القدس الكبرى".
إن زيادة استخدام هذه اللفظة من قِبل الإسرائيليين الذين ابتدعوها منذ عقد من الزمن، هو الدليل على أن الدولة عازمة على المثابرة على جهودها الرامية إلى توسيع حدود إسرائيل الدائمة إلى داخل الضفة الغربية.
وبينما تتعاظم شهوة الأرض لدى إسرائيل، يتعاظم كذلك تعريف لفظة القدس الكبرى، التي هي الآن العنوان لنحو 70% من إجمالي عدد المستوطنين، وتشمل 10% تقريباً من مساحة الأرض في الضفة الغربية.
في السبعينات، كانت هذه اللفظة تستخدم لوصف حدود المدينة، بما في ذلك الضواحي المبنية حديثاً، أي التلة الفرنسية، وغيلو، ونِفي يعقوڤ، مثلاً، وهي ضواح بُنيت على أراض مضمومة*. غير أن هذه اللفظة تشمل اليوم جزءاً أكبر كثيراً من [أراضي] الضفة الغربية. يقول موشيه عميراف، وهو عضو سابق في مجلس القدس البلدي: "إن المنطقة الواقعة بين رام الله شمالاً، وبيت لحم جنوباً ومعاليه أدوميم شرقاً، وميفاسيريت [ضاحية إسرائيلية من ضواحي القدس] غرباً، هي منطقة بلدية واحدة."
ولم تحدد حكومة رابين مساحة أراضي القدس الكبرى رسمياً. وخلافاً لمبدأ السيادة على الضفة الغربية بأسرها، وهو المبدأ الذي تمسكت حكومة حزب الليكود به في إبان حكمه، فإن الائتلاف العمالي الذي يقوده رابين يقيم أولويات استيطانية تعكس رؤية أكثر تحديداً لحدود سيادة إسرائيل، لكن بدرجة مماثلة من العزم. وهذه الرؤية الأكثر تحديداً، مع ما يواكبها من تقدم الزمن نحو مفاوضات الوضع النهائي مع منظمة التحرير الفلسطينية، قد أضفت شعوراً بالإلحاح على برنامج طموح ومتسع يهدف إلى الضم الفعلي للمنطقة الواقعة بين رام الله والخليل وأريحا. ذلك بأن التقارير الطويلة الأمد المتعلقة بالتخطيط، والتي أُنجزت خلال عهد حكومة شمير السابقة، كانت قد استهدفت القدس الكبرى منطقة يتم فيها خلق الحقائق على الأرض بهدف تحصين وتمتين سيطرة إسرائيل الدائمة على القدس.
وأشار ملخص نشرته صحيفة Jerusalem Post لـِ"خطة مسح توزيع السكان في إسرائيل" الصادرة سنة 1991، والتي توقعت أن يصل عدد المستوطنين في الضفة والقطاع إلى 250,000 مستوطن سنة 2010، إلى أن "نسبة كبيرة من سكان الضفة الغربية من اليهود سيقطنون في الضواحي 'غير الأيديولوجية' في القدس، مثل معاليه أدوميم [عدد سكانها حالياً 17,000 والعدد المخطط له 60,000]، وبِسغات زئيف [العدد الحالي 29,000 والمخطط له 70,000]، وبيتار [العدد الحالي 1800]"، حيث تقول الصحيفة إن العدد المخطط له هو 60,000 مع حلول سنة 2000.
ويحذّر الرئيس السابق للوفد الفلسطيني المفاوض في محادثات السلام في واشنطن، الدكتور حيدر عبد الشافي، من أنه "وفي غضون سنتين أو ثلاث ربما يكون الوقت قد فات لإقامة دولة فلسطينية، وذلك بسبب سياسة الاستمرار في إقامة المستوطنات حول القدس."
إن منطقة الضفة الغربية التابعة للقدس الكبرى تلبي معايير حزب العمال لمتابعة النشاط الاستيطاني الدؤوب، أي إقامة مدن ناجحة ومتطورة ومسنودة سياسياً من جانب الأغلبية الساحقة في إسرائيل باعتبارها جزءاً طبيعياً من إسرائيل. ولا ينظر الإسرائيليون إلى المجمعات السكنية، مثل معاليه أدوميم وغفعات زئيف (عدد سكانها 7100)، وتقع على بعد أربعة أميال من رام الله، ولا إلى كتلة عتسيون (غوش عتسيون) المكونة من عشر مستوطنات، والتي هي أقرب إلى الخليل منها إلى القدس، بوصفها "مستوطنات" بالمعنى المعتاد لهذه الكلمة. بل إنهم يقبلون بها بوصفها تجمعات "اعتيادية" لا تختلف عن مثيلاتها من التجمعات السكنية داخل حدود إسرائيل.
إن أوليات الاستيطان لدى حكومة رابين، التي ترصد نسبة مئوية أكبر من موارد الإنماء لهذه المنطقة مما فعله الليكود، ستؤدي إلى ازدياد أهمية القدس الكبرى بالنسبة إلى مناطق الاستيطان الأُخرى في الضفة الغربية.
وقد جاء في تقرير صحافي بشأن مستوطنة إفرات، الواقعة إلى الجنوب الغربي من بيت لحم: "لا يساور القلق أحداً إزاء عملية السلام. ولا يعتقد أحد، لا في كتلة عتسيون رسكين، أحد مؤسسي مستوطنة إفرات في القدس الكبرى: "لا أعتقد أننا سنرد كتلة [عتسيون]. والواقع أن حكومة [رابين] تشجع الاستيطان هنا."
المصدر: Journal of Palestine Studies, Vol. XXIII, No. 3, Spring 1994, pp. 130-131.
* أشارت Settlement Report في عددها الصادر في أيلول/ سبتمبر 1993 إلى أن حكومة [غولدا] مئير العمالية صادرت في أوائل السبعينات 4250 من الآكرات في القسم المضموم من المدينة.