قطعة النقد تحت القنديل الفلسطيني
Keywords: 
اتفاق أوسلو 1993
العلاقات الإسرائيلية – الأردنية
معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية 1994
عملية السلام
Full text: 

[.......]

يعتقد رئيس الحكومة أن الاتفاق الإسرائيلي – الأردني مقبول جداً لدى الجمهور في البلد، وحتى أولئك الذين تحفظوا عن الاتفاق المعقد للغاية مع الفلسطينيين يدركون أنه لم يكن ممكناً الوصول إلى الاتفاق مع الأردن من دون مصافحة ياسر عرفات. إن رابين يفضل الانتظار قليلاً على المسار السوري كي يمنح الجمهور فرصة لاستيعاب الاتفاق مع الأردن، ويرى كيف ستنفذ مسألة تحويل الصلاحيات المبكرة للفلسطينيين في الضفة. وبعد ذلك فقط سيحاول التقدم على المسار السوري، إلا إذا قدم السوريون اقتراحات تثير الاهتمام.

إن اتفاق إعلان المبادىء الذي وقّع مع الفلسطينيين في 13 أيلول/سبتمبر 1993 أدى إلى تحسن ملحوظ في علاقات إسرائيل بعدد من دول الجامعة العربية (المغرب وتونس وعمان وقطر ودول أُخرى في الخليج)، وبدول إسلامية مهمة، كإندونيسيا وماليزيا وبنغلادش والسنغال، وهنالك من يذكر الباكستان أيضاً. ويقدرون في إسرائيل أن الاتفاق مع الأردن سيسرّع عملية التقارب هذه، ومن الممكن أن يؤدي إلى قيام علاقات رسمية (وإنْ على مستوى منخفض) مع دول مثل المغرب وتونس. كما أن المقاطعة العربية، رأس حربة العالم العربي ضد إسرائيل، قد أصيبت... بضربة قوية، عندما أعلن الأردن انسحابه من عالم المقاطعين. وبذلك انضم الأردن إلى مصر، التي تقيم علاقات تجارية علنية ومكشوفة مع إسرائيل، وإلى دول أُخرى مثل الكويت والمغرب، التي تقيم منذ أعوام علاقات اقتصادية واسعة مع إسرائيل، بعضها علناً والآخر سراً. ويعتقد رئيس الحكومة أنه إضافة إلى الفائدة المباشرة التي تعود على إسرائيل من التقارب مع دول في العالمين العربي والإسلامي، فإن هذه التطورات تشكل أيضاً ضغطاً نفسياً على سوريا. ويشعر رئيس سوريا بأنه على الرغم من محاولاته السير  نحو الوسط فإنه لا يزال على الطرف، وسياسته يمكن أن توضع ثانية مع سياسات الدول العربية المتشددة.

لم يحاول رئيس الحكومة إخفاء حقيقة تمتعه للغاية بأحداث واشنطن والطقوس المشتركة مع الملك حسين. ولقد كانت الأمور مختلفة للغاية خلال تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في أثناء اللقاء التاريخي مع ياسر عرفات وتوقيع الاتفاق مع الفلسطينيين... الذي مهد الطريق للأردن... إن شق الطريق مع الفلسطينيين كان أكثر أهمية، ومن النواحي كافة. لقد كان هنالك سلام واقعي بيننا وبين الأردنيين خلال الأعوام العشرة الأخيرة. والنزاع مع الفلسطينيين هو الأصل، وهو السبب لنزاعنا مع العالم العربي. الأردنيون هم جيراننا فيما وراء الحدود، لكننا نحتك بالفلسطينيين يومياً. إن المشكلة مع الأردنيين، التي يصرون عليها بشدة، هي مسألة المياه. أما مع الفلسطينيين فإننا نشرب الماء نفسه، من البئر نفسها، وأحياناً حتى من الأنبوب نفسه.

ويبدو أن رابين قد عاد إلى الخيار الأردني، بعد شق الطريق مع الأردن. فهذا أكثر لطفاً وراحة وسهولة. كما أنه مقبول أكثر لدى المعارضة. إلا إن قطعة النقد ليست هناك. إنها موجودة تحت القنديل الفلسطيني. وسنضطر إلى صنع السلام مع الفلسطينيين.

لقد رد ياسر عرفات والفلسطينيون، هذا الأسبوع، بشيء من ضبط النفس، على التعهد الذي قطعه رابين لحسين بشأن الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس. ولا شك في أن الأمر عبارة عن خرق فاضح لاتفاق المبادىء واتفاق القاهرة. إن رابين وبيرس، بل إسرائيل كلها، قد أقاموا الدنيا وأقعدوها، وعن حق، عقب ما قاله ياسر عرفات بشأن القدس في جوهانسبورغ. لكن ما فعلته إسرائيل هذا الأسبوع بشأن الأماكن المقدسة لا يقل خطورة عن ذلك، بل هو أخطر ربما، من وجهة نظر الفلسطينيين واستناداً إلى اتفاق السلام... من الواضح أن رابين ينتهج بشأن الأماكن المقدسة سياسة فرق تسد...

لإسرائيل الآن سلام قائم مع مصر وسلام قادم مع الفلسطينيين ومع الأردن. ومن الواضح أن إسرائيل ستحاول الآن، من خلال شبكة العلاقات الجديدة التي أقيمت مع الأردن وستستمر في التطور، جعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة إلى الفلسطينيين في أكثر من ناحية. وبذلك ستحاول تصحيح الأخطاء المزعومة، أو غير المزعومة، التي وقعت عند توقيع اتفاق المبادىء. والافتراض هو أنه نتيجة للعلاقات المتوترة بين الأردن والفلسطينيين، سيتعاون الأردن مع إسرائيل أكثر من تعاونه مع الفلسطينيين. لكن المستقبل سيظهر أن الصورة أكثر تعقيداً. فمثلاً، توجه الفلسطينيون فوراً بعد إعلان واشنطن إلى مجلس وزراء جامعة الدول العربية طالبين اتخاذ قرار غير قابل للتأويل بشأن الأماكن المقدسة في القدس. وقرار كهذا في مصلحة الفلسطينيين قد يشكل صفعة لرابين.

[.......].

 

المصدر: "دافار"، 29/7/1994.