Palestinian Refugees and the Right of Return
Keywords: 
اللاجئون الفلسطينيون
السياسة الخارجية الأميركية
القرار رقم 194
حقوق اللاجئين
حق العودة
Full text: 

أولاً: تعريف وضع اللاجئ

إن الإطار القانوني للتعريفات الرائجة للاجئ متأثر بالحرب الباردة وما تبعها من موجات هجرة بشرية من العالم الثالث باتجاه الدول المتطورة. لذا فإن وضع اللاجئ في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية يرتبط بالمآسي الإنسانية وبالحاجة إلى توفير أمكنة للسكن تختلف عن موطن اللاجئ الأصلي، وذلك بسبب الحروب أو الكوارث الطبيعية أو النزاع الداخلي أو الخوف من الاضطهاد أو عدم الاستقرار في البلد الأصلي. وهذا هو الأساس في تعريف اللاجئين كما يرد في قانون سنة 1950 لمكتب المندوب السامي للاجئين التابع للأمم المتحدة، وفي مؤتمر اللاجئين لسنة 1951، وفي بروتوكول اللاجئين الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1967.

وبالإضافة إلى ما سبق، ثمة مصادر أُخرى لتعريف اللاجئين، منها قرارات الأمم المتحدة والاتفاقات المعقودة من جانب منظمات إقليمية. وفيما يختص بقرارات الأمم المتحدة، يمكن أن نضم إليها تلك القرارات التي عرّفت مجموعات اللاجئين بالاسم، كالقرار رقم 194 (3) الصادر في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1948، والذي يشير إلى "لاجئي فلسطين"، وإعادة إقرار هذا القرار في قرارات صدرت لاحقاً عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. ثم إن الإشارة إلى مجموعات خاصة من اللاجئين تنعكس أيضاً في إنشاء هيئات تتعامل مع أمور مثل هذه الجماعات. ولنا أن نشير هنا إلى اثنتين منها، إحداهما الأونروا التي أُنشئت سنة 1949 لهدف محدد هو تلبية حاجات اللاجئين الفلسطينيين، والأُخرى وكالة إعادة إعمار كوريا، التي أُنشئت عقب الحرب الكورية.

وثمة مصدر آخر لتعريف من هو اللاجئ، وهذا ما توفره المنظمات الإقليمية. فقد جاء في المادة 1، الفقرة 2، من القانون الأساسي لمنظمة الوحدة الإفريقية لسنة 1969 أن "لفظة لاجئ تطلق على أي إنسان اضطر إلى مغادرة مسكنه الوطني واللجوء إلى مكان آخر خارج مسكنه الأصلي أو الوطني، وذلك بسبب عدوان خارجي أو احتلال أو هيمنة أجنبية، أو بسبب حوادث تخل إخلالاً خطراً بالنظام العام، إما في جزء وإما في جميع أرجاء مسكنه الأصلي أو الوطني." أما ميثاق أوروبا في تعريفه لوضع اللاجئ فهو يركّز على أولئك "الذين لا يستطيعون أولا يودون... لأسباب شتى العودة إلى وطنهم الأصلي." وجاء في بيان قرطاجنة الصادر عن منظمة الدول الأميركية سنة 1985 تعريف للاجئين يشبه التعريف الصادر عن منظمة الوحدة الإفريقية.

إن المنحى الذي اتّبعه قانون اللاجئين في إثر الحرب العالمية الثانية لم يتجه نحو التعويض بقدر ما اتجه نحو (أ) توفير مسكن جديد للإنسان الذي انتُزع من مسكنه، أي نحو إعادة الاستيطان، و(ب) نحو الاعتراف بالحاجة إلى حماية مثل أولئك الأشخاص من الاضطهاد، إما في بلد لجوئهم وإما في بلدهم الأصلي في حال أُرغموا على العودة إليه. هذه إذاً الأُطُر العامة التي ما زالت تحدد النقاش الدائر حول اللاجئين والمهاجرين في أوروبا الغربية، وقبل ذلك في الحملة الهادفة إلى إرغام الاتحاد السوفياتي السابق على السماح للمواطنين اليهود بالهجرة إلى إسرائيل.

تاريخياً، كان التركيز في الحالة الفلسطينية مختلفاً تماماً؛ فاللاجئون الفلسطينيون لا يبغون مسكناً غير بلدهم الأصلي. ورغبتهم الأساسية هي أن يُسمح لهم بالعودة إلى وطنهم إذا ما اختاروا ذلك. وهذا هو مصدر الأهمية البالغة لقرار الأمم المتحدة رقم 194. فالقرار يُعنى تحديداً باللاجئين الفلسطينيين، ويؤكد حقهم في العودة أو في التعويض للذين لا يرغبون في العودة. ولهذا السبب فإن اللاجئين الفلسطينيين غير مشمولين بالحماية تحت مظلّة المندوب السامي للاجئين التابع للأمم المتحدة ومظلة منظمات دولية أُخرى. فإنشاء الأونروا كان ينبع من القرار رقم 194. واستناداً إلى هذه الوكالة، فإن "اللاجئ الفلسطيني هو كل إنسان كان مسكنه المعتاد فلسطين في الفترة ما بين حزيران/ يونيو 1946 و15 أيار/ مايو 1948، وفقد منزله ومصدر رزقه بسبب النزاع سنة 1948."[1]   ولدى قبول هذا التعريف، يجب التزام الحذر الشديد عند قبول أرقام الأونروا المتعلقة بالأعداد النهائية للاجئين الفلسطينيين. وباعتراف الوكالة ذاتها، فإن أعداد اللاجئين الفلسطينيين قد جرى تخفيضها بما لا يقل عن 240,000 شخص.[2]

إن حق العودة، الوارد بصراحة في القرار رقم 194 (3)، ثابت أيضاً في القانون الدولي. فقد جاء في المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي هو حجر الأساس في القانون الدولي، ما يلي: "1 – لكل إنسان حق حرية الانتقال والسكن ضمن حدود كل دولة. 2 – لكل إنسان حق مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والعودة إلى بلده."

ويستمد الميثاق الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، والذي وقّعته إسرائيل، سلطته من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد جاء في هذا الميثاق، جزئياً، ما يلي: (2) لكل إنسان الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده... (3) لن يُحرم أي إنسان بصورة اعتباطية من حق الدخول إلى بلده."

وجاء أول توكيد لحق اللاجئين في العودة سنة 1946 من جانب المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، وأعيد توكيده في المبدأ الصادر عن هذا المجلس سنة 1973. وورد في هذا المبدأ ما يلي: (أ) لكل إنسان الحق، بلا تمييز من أي نوع كان، كالعِرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي، أو المنبت الوطني أو الاجتماعي أو الممتلكات أو الزواج أو أي وضع اجتماعي آخر، بالعودة إلى وطنه. (ب) لن يُجرّد أي إنسان اعتباطاً من جنسيته أو يُرغم على التخلي عنها كوسيلة لحرمانه من الحق في العودة إلى بلده. (ج) لن يُجرّد أي إنسان اعتباطاً من حق العودة إلى بلده. (د) لن يُنكر على أي إنسان حق العودة إلى بلده بسبب عدم امتلاكه لجواز سفر أو وثيقة سفر أُخرى."

وبما أن القانون الدولي يستند إلى سيادة الدولة، فثمة مشكلة قائمة في تطبيق هذه المعايير الواردة أعلاه لمساندة حق العودة في حالة الفلسطينيين. فالإعلانات الواردة أعلاه تفترض وجود "بلد" كان الإنسان فيه أو يكون فيه مواطناً وفي إمكانه العودة إليه. ومن الواضح أن أي تفسير حرفي للقانون يؤدي إلى اعتبار أن الفلسطينيين لا يملكون حق العودة لأن إسرائيل ليست دولتهم. (وقد نضيف هنا بين هلالين أن المهاجرين اليهود الذين يعيشون في الشتات لا يملكون هم أيضاً، استناداً إلى هذا التفسير للقانون الدولي، "حق العودة" لأنهم هم أيضاً ليسوا من مواطني الدولة التي يزعمون أن من حقهم العودة إليها). واستناداً إلى القانون العام، الذي من مكوّناته معايير القرابة والصلات العائلية والتراث، يصل الكاتبان أرزت (Arzt) وزغيب إلى حل هذه المعضلة بالاستنتاج التالي: "بغض النظر عما إذا كان الفلسطينيون يملكون حق العودة إلى إسرائيل، فإنهم يملكون حق العودة إلى فلسطين."[3]

وأخيراً، تجدر الإشار إلى أنه في الحالة الفلسطينية، ارتبط حق العودة سنة 1974، من خلال قرار الجمعية العامة رقم 3236 (29)، بحق الفلسطينيين في تقرير المصير. فقد جاء في هذا القرار: "1 – تؤكّد [الجمعية العامة] من جديد حقوق الشعب الفلسطيني في فلسطين، غير القابلة للتصرف، وخصوصاً: (أ) الحق في تقرير المصير دون تدخل خارجي، (ب) الحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين.

2-  تؤكد من جديد أيضاً حق الفلسطينيين، غير القابل للتصرف، في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها واقتلعوا، وتطالب بإعادتهم."[4] 

ثانياً: سياسة الولايات المتحدة

على الرغم من أن سياسة الولايات المتحدة حيال القضية الفلسطينية تأرجحت عبر الزمن، فقد كان هناك بعض الثوابت، منها، على الأخص، سياسة الولايات المتحدة الطويلة الأمد المناهضة لقيام دولة فلسطينية مستقلة، ورفض استخدام الأمم المتحدة ساحةً لحل النزاع الفلسطيني، والرفض القاطع لإمكان تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 194 في المحادثات الجارية بشأن السلام في الشرق الأوسط. والتصويت الأميركي الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ ديسمبر  1993 له دلالته؛ فهو إشارة إلى تشديد مهم من جانب إدارة كلنتون على أنها ترفض مبدأ تطبيق القسم الخاص بالعمل في القرار رقم 194 المعني بحق العودة. فمنذ البداية دأبت الولايات المتحدة، وبانتظام، على تقديم القرارات المتعلقة بالأونروا إلى الجمعية العامة، ودعمها، بما فيها الفقرة المهمة جداً والتي تعيد تأكيد قرار الأمم المتحدة الأصلي رقم 194. وللمرة الأولى، تم في كانون الأول/ ديسمبر الماضي تقديم قرار الأونروا من جانب الاتحاد الأوروبي، وتمت الموافقة على الفقرة أ من قِبل ما مجموعه 159 دولة، وامتنعت من التصويت دولتان فقط هما إسرائيل والولايات المتحدة. ولم تصوت أية دولة ضد هذا القرار.

ولتبيان مدى الفجوة القائمة بين السياسات الأميركية حيال القضية الفلسطينية واتجاهات الرأي العام الأميركي، دعنا ننظر إلى نتائج استطلاع وطني للرأي العام بشأن موضوع الدولة الفلسطينية، حق اللاجئين في العودة، واشتراك الولايات المتحدة في محادثات السلام. وقد قامت بهذا الاستطلاع مؤسسة غالوب (Gallup) في كانون الأول/ ديسمبر 1992. وكشف الاستطلاع عن أن نحو 40% من الأميركيين يرون أن الولايات المتحدة تحابي إسرائيل في محادثات السلام في الشرق الأوسط، بينما قال 4% فقط إنها تحابي الفلسطينيين. وجاء هذا في زمن قال فيه أكثر من ثلثي الأميركيين ممن استُطلعت آراؤهم إن على الولايات المتحدة أن تلتزم الحياد. ورأى 57% أن للفلسطينيين الحق في دول خاصة بهم، في حين رفض ذلك 18%. وأخيراً، وافق نحو ثلثي الأميركيين على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم بمقتضى قرارات الأمم المتحدة.[5] 

ثالثاً: المقاربتان الإسرائيلية والفلسطينية

            كما هو منتظر، فإن الأراء الفلسطينية والإسرائيلية تتعارض تعارضاً جذرياً في شأن موضوع اللاجئين، بدءاً بعدد اللاجئين الأصليين سنة 1948 (أنظر الجدول)، وانتهاء بالسبل الفعلية الواجب اتباعها لحل هذه المعضلة. وحتى زمن قريب، كانت الحكومة الإسرائيلية، ومعها عدد كبير من الأكاديميين في إسرائيل والغرب، يرون أن خروج الفلسطينيين سنة 1948 كان إما طوعياً وإما نتيجة تحريض من جانب زعماء الدول العربية المجاورة. ولا حاجة إلى دخول النقاش بشأن هذا الرأي الواهي. وعلى امتداد العقد المنصرم كشف الباحثون الإسرائيليون النقاب عن كتلة كبيرة من الحقائق تثير شكوكاً جدية حول نظرية الخروج الطوعي. ويعترف هؤلاء بأن خروج اللاجئين سنة 1948 كان في جزء منه على الأقل نتيجة تخطيط قامت الدولة الفتية [إسرائيل] به، وفي جزء آخر نتيجة الرعب، وفي حالات أخرى نتيجة أعمال إرهابية. وخلال الشرح الذي قدمه رئيس الوفد الإسرائيلي إلى المجموعة العاملة الخاصة باللاجئين في مفاوضات السلام المتعددة الأطراف بشأن الشرق الأوسط، كرر الموقف الرسمي، إذ وصف مقولة أن "مشكلة اللاجئين الفلسطينيين جاءت نتيجة طرد جماعي" بأنها "زائفة تاريخياً". وأضاف قائلاً "إن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين نجمت حين كانت الأرض تُقسم بالسيف العربي واليهودي من جراء خطة مسبقة. والمشكلة كانت في جزء كبير منها النتاج المحتوم للمخاوف العربية واليهودية والقتال المستمر والمرير."[6]  وهذا الكلام يمثل تطوراً مهمّاً في التفكير الإسرائيلي مع أنه مشوب بنوع من التوازن في المسؤولية الخُلُقية، وهو ليس كلاماً من شأنه أن يقنع لاجئاً فلسطينياً طرد من أرضه إما عمداً وبالقصد وإما من جراء الخوف من الإرهاب، وما زال على مر أجيال قابعاً في بؤسه في مخيمات اللاجئين. وهذا الكلام يعترف بمسؤولية إسرائيل التي أخذت على عاتقها نصيبها مما سمّاه رئيس الوفد الإسرائيلي "اللاخلُقية الجوهرية للحرب."[7]

 

 

في إثر حرب سنة 1948، عرضت إسرائيل استرجاع 100,000 لاجئ فلسطيني، أي نحو عُشر العدد المقدر للاجئين.[8]  هل ستجدد إسرائيل عرضها فتستوعب داخل الخط الأخضر ما مقداره عُشر لاجئي سنة 1948 وذريتهم، أي نحو 300,000 عائد؟ إن الخطاب الإسرائيلي السائد حتى الآن يدعو إلى الظن أن الجواب سيكون لا. هل ترغب إسرائيل في تجديد عرضها الأصلي باسترجاع 100,000 لاجئ من لاجئي سنة 1948، وذلك ضمن إطار تسوية سلمية شاملة في الشرق الأوسط؟ إن أي جواب إيجابي ممكن عن هذا السؤال قد تم تبديده من جانب إسرائيل من خلال سلسلة من التشريعات التي كانت تهدف، كما يقول الكاتبان أرزت وزغيب، "إلى تأسيس منع عودة الفلسطينيين."[9]

ومع أن هذه القوانين كانت في الجوهر تتعلق بمصادرة الأراضي والممتلكات العربية، فإن قانون الجنسية لسنة 1952، وتعديلاته اللاحقة، جزء أساسي من عملية "المنع" هذه. وفي صدد تفسير هذا القانون، يستخلص دافيد كريتزمر، وهو محام إسرائيلي وأكاديمي، مضامين القانون، فيشير إلى أن "العرب لا يمكنهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية عن طريق العودة، بل عليهم أن يحصلوا عليها من خلال الإقامة أو الولادة أو التجنس."[10]  واللاجئون الفلسطينيون لا يمكنهم اكتساب حق التجنس والعودة إلى ديارهم على أساس الإقامة السابقة. بل إن القانون هذا يتضمن فقرات المراد منها، بالتحديد، منع الفلسطينيين بصورة دائمة من العودة في أي زمن كان إلى ديارهم الأصلية. وعلى سبيل المثال، وكي يكتسب المرء حق الإقامة بموجب الفقرة 3 من قانون الجنسية لسنة 1952، عليه أن يبرهن عن أنه كان موجوداً في البلد في 1 آذار/ مارس 1952 (وقد عُدّل هذا التاريخ لاحقاً إلى 14 تموز/ يوليو 1952)، وأنه كان موجوداً في الدولة بعد تأسيسها، أو في أية أرض أُخرى أُعلن أنها جزء من الدولة بعد تأسيسها.

والتعديل الذي أُدخل  على قانون الجنسية سنة 1980 يذهب إلى أبعد من ذلك في استثناء الأهلية لاكتساب الجنسية الإسرائيلية، إذ يمنعها عن أولئك الذين يتمتعون بحقوق الجنسية في "دول التسلل" المجاورة. وجاء في القسم 3 (أ)، الفقرة 5، أن المرء يتأهل لاكتساب الجنسية الإسرائيلية "إذا لم يكن يحمل جنسية بلد مدرج في لائحة قانون منع التسلل."[11] وهكذا، فإن نحو مليوني لاجئ فلسطيني يعيشون في الأردن لا يمكنهم التأهل للحصول على الجنسية في بلد مولدهم (أو مولد آبائهم)، وذلك بسبب وضعهم كحاملي جنسية حالية (أي الجنسية الأردنية)، أما اللاجئون الفلسطينيون الذين ليسوا من حملة الجنسية، فإنهم غير مؤهلين للتمتع بحقوقهم في العودة، وذلك على أساس فقرات عملية أُخرى في قانون الجنسية، وخصوصاً الفقرة أعلاه، التي تربط الجنسية بتاريخ الوجود في البلد.

وتبغي إسرائيل في العلن معالجة مسؤوليتها عن خلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين من خلال وسائل معهودة: أولاً، تقديم تعويضات للاجئين الفلسطينيين شرط تقديم تعويضات أيضاً ليهود البلاد العربية الذين استوطنوا إسرائيل في مقابل ممتلكاتهم وخسائر أُخرى؛ ثانياً، وهذا أهم، من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية، إعادة توطين اللاجئين في أماكن شتاتهم من خلال منحهم حقوق الإقامة والجنسية في البلاد العربية المجاورة. وقد تسمح إسرائيل، ولأسباب إنسانية، بعودة عدد قليل منهم وفقاً لخطة لمِّ الشمل. وحتى في هذا المجال المحدد، فإن الهدف هو إعادة جمع أفراد العائلات المتفرقة من الضفة الغربية وغزة. وإذا كان التقدم البطيء بشأن موضوع توحيد العائلات في المناقشات الدائرة حالياً في مجموعة اللاجئين العاملة دليلاً ما على التطورات مستقبلاً فيما يتعلق بقضية لاجئي سنتي 1948 و1967 الأكبر حجماً، فإن المناقشات حتى الآن لا تبشر بالخير فيما يختص بحل معضلة اللاجئين.

وليس من الصعب أن نتخيل ردة الفعل الفلسطينية على الحل الإسرائيلي المعهود. وفي رأيي، إن ثمة التزاماً صارماً في الساحة العامة بقرار الأمم المتحدة رقم 194. وهذا الموقف العام لا يختص بالفلسطينيين وحدهم بل أيضاً بالحكومات العربية الأُخرى التي تتفاوض مع إسرائيل. وفي الحدود الدنيا، يطالب الفلسطينيون بإجراء استفتاء حر مستقل لتقويم مدى رغبة اللاجئين في ممارسة حقهم في العودة. ثانياً، إن الذين لا يرغبون في العودة يجب أن يحصلوا على ضمانات كاملة بتسوية أوضاعهم في البلاد المضيفة، وأن يكون لهم الحق في الحصول على جنسيتين (الأولى فلسطينية تمنحها دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة، والأُخرى تمنحها الدولة المضيفة). ثالثاً، إن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين تتساءل بصوت عال وبسخط: "كيف يمكن لإسرائيل أن تستوعب الملايين من المهاجرين اليهود وترفض استيعاب سكان البلد الأصليين؟" وثمة ردة فعل فلسطينية رابعة هي رفض المقولة التي لا يمكن الدفاع عنها في أية محكمة، والتي مفادها أن على اللاجئين الفلسطينيين أن يدفعوا ثمن اقتلاع اليهود من البلاد العربية. إن لردة الفعل الفلسطينية جانبين: أولاً، إنهم يساندون حق اليهود المقتلعين من البلاد العربية، بل يساندون أيضاً حق جميع الناس المقتلعين من ديارهم، بالعودة إلى مواطنهم الأصلية؛ ثانياً، إن كل من لا يرغب في العودة يجب أن يعوَّض عليه بما فيه الكفاية. وفيما يختص باليهود المقتلعين من البلاد العربية، فإن طلبات التعويض يجب أن تُرسل إلى الحكومات العربية المعنية. وقد كان هذا في مجمله هو الرد الذي واجه الوفد الفلسطيني به مزاعم الإسرائيليين خلال الجولة الثانية من محادثات مجموعة اللاجئين العاملة.

وعلى مستوى أعم، فإن الموقف الفلسطيني في المفاوضات حيال قضية اللاجئين قد طغت عليه الاهتمامات الأكبر بالشؤون الاقتصادية والحاجة إلى إقامة بنية اقتصادية تحتية قابلة للحياة، وذلك بهدف تحسين فرص العمل وتخفيف الفقر لدى الجماهير الفلسطينية، وخصوصاً سكان المخيمات. إن قضية اللاجئين، وهي في جوهرها قضية سياسية والأصعب حلاً بين أوجه النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي كافة، قد جرى تمييعها، وعولجت كأنها مشكلة إنسانية ليس إلا. ويتضح من البيانات التي صدرت حتى الآن عن إسرائيل والولايات المتحدة وعدة دول غربية أن قرار الأمم المتحدة رقم 194 أصبح بلا روح ولن يتم تنفيذه. ولا أعتقد أن هذا في الأساس مجرد موقف تفاوضي إسرائيلي وأميركي. كما أنني لم أر أو أقرأ ما يشير إلى أي انفتاح في الموقف الإسرائيلي يعترف بشرعية موضوع اللاجئين، وخصوصاً لاجئي سنة 1948.

ونظراً إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية تطرح قضيتها من موقف الضعف، فمن المنتظر أن نشهد تداعياً كاملاً للموقف حين يُطلب منا في نهاية المطاف أن نقدم تصوراً عقلانياً لمجريات الأمور. ما العمل حين نصل إلى الطريق المسدودة في شأن حق العودة، وهو ما سنصل إليه مستقبلاً ومن دون شك تقريباً؟ ما هي أدوات الضغط التي يملكها الفلسطينيون للعمل الدؤوب في قضية حق العودة؟ إن التحضير والاستعداد لهذا الأمر لا يزالان بدائيين. وإذا ما استمرت الاستراتيجية هذه على هذا النحو، سيجد الفلسطينيون أنفسهم تحت رحمة الأوامر الإسرائيلية التي لا تُرد، كما هي الحال في موضوعات أُخرى تتم خلال محادثات السلام المتعددة الأطراف.

أعتقد أن ثمة عدداً من الخطوات التي يمكن اتباعها إذا أُريد للموقف الفلسطيني أن يتجنب الانهيار الشامل في موضوع اللاجئين. ففي المكان الأول والأبرز، على الفلسطينيين أن يبنوا جسوراً من التنسيق مع الدول العربية الأُخرى بهذا الشأن، وخصوصاً مع لبنان والأردن وسوريا. إن السياسة الفلسطينية المتّبعة حتى الآن هي سياسة الانفراد. ومع أن هذه السياسة نبعت من الاضطرار والضعف، فإنها ليست مسجونة بالضرورة ضمن هذا الإطار. ثانياً، وهذا أهم، هناك حاجة ماسة إلى نقاش صريح في المجتمعات الفلسطينية بشأن قضية اللاجئين. وعلى القيادة أن تواجه اللاجئين أنفسهم، وأن تستمزج آراءهم وردّات فعلهم حيال التصورات المختلفة للحلول الممكنة لمشكلة اللاجئين. ثالثاً، وبغض النظر عن التصور الذي سيتم اعتماده في نهاية المطاف، على القيادة أن تضمن للاجئين حق الحصول على الجنسية الفلسطينية أنّى تكن أمكنة الإقامة. وأخيراً، لا ينبغي أن يُفرض على اللاجئين حل ليس في مصلحتهم، بل من الممكن والضروري حشدهم لمقاومة الحلول المفروضة من الخارج والتي ينظر إليها على أنها غير عادلة تاريخياً. 

رابعاً: موقف الحكومات العربية

            ليس من المستغرب أن نجد أنه، مع غياب الديمقراطية في العالم العربي واستمرار الأنظمة الاقتصادية المجحفة، قد حدث مع الزمن تراجع في درجة تسامح الحكومات العربية حيال الفلسطينيين، وخصوصاً بعد حرب الخليج. وباستثناء الأردن، الذي منح الفلسطينيين حق التجنس ضمن إطار من الحقوق السياسية والمدنية المحددة، فإن السبب الثابت المُعطى لحجب الجنسية وحقوق الإقامة عن اللاجئين الفلسطينيين في باقي البلاد العربية كان يستند في البدء إلى شعور بالتضامن وإلى الحاجة إلى تأكيد حق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم. ومع تقهقر القومية العربية، والأحداث التي وقعت مؤخراً، مثل حرب الخليج وانبعاث الحركات الإقليمية مجدداً، فإن السبب المعطى من قِبل الكثير من البلاد هو أكثر ارتباطاً بمنطق الدولة، ويعكس حالة من الحصار المعنوي. فالوجود الفلسطيني يُنظر إليه بأنه خطر سياسي واقتصادي محتمل على استقرار البلاد المعنية. وباستثناء الأردن، كما أشرنا أعلاه، وسوريا التي تمنح الفلسطينيين حقوقاً متساوية في مجالات الصحة والتربية والتوظيف والاستملاك، فإن لبنان ومصر، ودول الخليج فيما بعد، تمنع عنهم، إضافة إلى الجنسية والإقامة، حق العمل والتعليم المجاني والصحة وحرية التحرك.[12]  وليس ثمة ما يدل على أن هذه السياسات الرسمية ستتغير في القريب العاجل ما دام أن نظام الحكم العربي ما زال محاصراً من الداخل بالمطالبين بالتكافؤ الاقتصادي والمشاركة السياسية الأكبر، وما دام هنالك شعور سائد بأن الغرب مستعد لمد يد العون في حال تعرضت النخب العربية السياسية الموالية للغرب إلى الخطر. 

ملاحظات ختامية

إن النموذج الأبرز فيما يختص بحقوق اللاجئين، ومن وجهة نظر السياسة، تسوده الليبرالية السياسية، وهي الفلسفة التي تعرّف الحقوق على أساس فردي. إن هذه المقاربة الفردية هي التي تسود سياسات الدول حيال موضوع قبول يُبحث فيها على انفراد من دون الالتفات إلى أهمية الانتساب إلى الجماعة أو الفرقة، وعلاقة ذلك بحقوق اللاجئين. وحين تتعارض حقوق اللاجئين مع حقوق الدولة، فإن النموذج الليبرالي يمنح الأولوية للدولة.[13]

ومقارنةً بالنموذج الليبرالي، فإن النموذج الجماعي يقرّ بأن هوية الفرد مستمدة من العضوية في مجموعة ما. وهذا يختلف اختلافاً بيّناً عن النموذج الليبرالي الذي يضفي على الفرد تصوراً أساسه المنفعة والفردية. وفي النموذج الجماعي، تأتي الجماعة سابقة للفرد.[14]

من الواضح أن المقاربة التي اعتمدتها إسرائيل والولايات المتحدة وأنصارهما حيال موضوع حقوق اللاجئين الفلسطينيين يسودها تطبيق محدود للنموذج الليبرالي. لذا، فإن إسرائيل مستعدة للبحث في عدد صغير من الطلبات لجمع شمل العائلات التي تفرقت نتيجة حرب سنة 1967 وعلى أساس فردي إنساني فحسب، ومن دون التعامل مع الموضوع السياسي بطريقة جماعية بموجب المادة المختصة بحق العودة في قرارات الأمم المتحدة المعنية بهذا الشأن. أما الموضوع الأشمل المتعلق بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، والمستمدة من حروب سنتي 1948 و1967، فيبقى بلا معالجة، وإسرائيل غير مستعدة حتى لطرح الموضوع على بساط البحث في الوقت الحاضر، إلا طبعاً عندما يكون خيار استيطان اللاجئين في الدول العربية المجاورة من موضوعات النقاش. إن اتفاق إعلان المبادئ الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في حديقة البيت الأبيض في أيلول/ سبتمبر 1993 يفتح المجال لـ"مناقشة" موضوع اللاجئين بعد بدء مرحلة الحكم الذاتي الانتقالية. وإذا لم يطرأ أي تغيير في المواقف، فإن أقصى ما يمكن أن نتظره المرء من الجانب الإسرائيلي هو تكرار موقفها الطويل الأمد بخصوص لاجئي سنة 1948. وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تستند في تشريعاتها الخاصة بحقوق العودة، أي قانون العودة، إلى أساس جماعي استثنائي. وبكلام آخر، فإن القانون الإسرائيلي يضع معايير جماعية مشتركة لجماعة (هم المهاجرون اليهود) وأُخرى فردية – ليبرالية، وعلى أسس انتقائية لجماعة أُخرى (العرب).[15]

إن سبب كون قرار الأمم المتحدة رقم 194 ذا أهمية حيوية بالنسبة إلى الحالة الفلسطينية هو أن هذا القرار وحده، كما أشرنا أعلاه، يعرّف حقوق اللاجئين الفلسطينيين بصورة جماعية، ويطالب بحقهم في العودة كمجموعة قومية. وقد أضعف الفلسطينيون حجتهم بالمطالبة بتطبيق حق العودة من خلال قبولهم بصيغة مدريد لمحادثات السلام في الشرق الأوسط؛ إذ إن هذه الصيغة تستثني الأمم المتحدة، التي لم تعد قراراتها هي التي توفّر الهيكلية والمظلة والتنظيم لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. إن المنتدى الراهن لمحادثات السلام في الشرق الأوسط لن يعترف، على الأرجح، بالحقوق الجماعية الفلسطينية بموجب الخطط المقترحة أعلاه، وخصوصاً في الوقت الذي ينهمك الفلسطينيون في صراع أيديولوجي عنيف متناحر، ويسود قيادته الغموض حيال موضوع المعايير الديمقراطية للمشاركة، ويتمزق العالم العربي الذي تسعى حكوماته الموالية للغرب لاحتضان النظام العالمي الجديد من أجل الحفاظ على نفسها، مع أن هذا الأمل قد لا يستمر طويلاً. ■

 

:المراجع

 

Arzt, Donna and Karen Zughaib, “Return of the Negotiated Lands: The Likelihood and Legality of a Population Transfer between Israel and a Future Palestinian State,” New York University Journal of International Law and Politics, Vol. 24, No. 4, 1993, pp. 1399-1513.

Ben-Ami, Shlomo. Opening Remarks, Official presentation by the Israeli Delegation to the Refugee Working Group of the Middle East Peace Talks. Ottawa, Canada, November 11, 1992 [mimeographed]. Cassese, Antonio. “Some Legal Observations on the Palestinians’ Right to Self-Determination,” The Oxford International, Vol. IV, No. 1, 1993, pp. 10-13.

The Gallup Organization. Public Attitudes Toward Events in the Middle East. Princeton, N. J.: November, 1992.

Kretzmer, David. The Legal Stauts of the Arabs in Israel. Westview Special Studies on the Middle East. Boulder, Co.: Westview Press, 1990.

Morris, Benny. The Birth of the Palestinian Refugee Problem, 1947-1949. Cambridge: Cambridge University Press, 1988.

Peled, Yoav. “Ethnic Democracy and the Legal Construction of Citizenship: Arab Citizens of the Jewish State,” American Political Science Review, Vol. 86, No. 2,1992, pp. 432-443.

Shiblak, Abbas. In Search of a Durable Solution: Residency Status and Civil Rights of Palestinians in Host Arab States. Oxford: Oxford University, Refugee Studies Program, 1993, [mimeographed paper].

Warner, Daniel and James Hathaway. “Refuge Law and Human Rights: Warner and Hathaway in Debate,” Journal of Refugee Studies, Vol. 5, No. 2, 1992, pp. 162-171.

Young, Iris Marion. Justice and the Politics of Difference. Princeton, N. J.: Princeton University Press, 1990.

 

المصادر:

[1]   UN document, Consolidated Eligibility Instructions [Rev. 7/83, January 1984].

[2]   مصادر خاصة.

[3]  Donna Arzt and Karen Zughaib, “Return of the Negotiated Lands: The Likelihood and Legality of a Population Transfer between Israel and a Future Palestinian State,” New York University Journal of International Law and Politics, Vol. 24, No. 4, 1993, p. 1445.                                                                                                             

[4]   راجع أيضاً:

Antonio Cassese, “Some Legal Observations on the Palestinians’ Right to Self-Determination,” The Oxford International Review, Vol. IV, No. 1, 1993.                

[5] The Gallup Organization, Public Attitudes Toward Events in the Middle East       (Princeton, N. J.,: November 1992), pp. 1-4.                                                   

[6]  Shlomo Ben-Ami, Opening Remarks, 1992, p. 3.

[7]  Ibid., p. 5.

[8]  Benny Morris, The Birth of the Palestinian Refugee Problem 1947-1949 (Cambridge: Cambridge University Press, 1988), pp. 275-285.                                                    

[9]  Arzt, op.cit., pp. 1423.

[10]  David Kretzmer, The Legal Status of the Arabs in Israel (Boulder, Co.: Westview, Press, 1990), p. 36.                                                                                                     

[11]  Ibid., p. 38.

[12]   Abbas Shiblak, In Search of a Durable Solution: Residency Status and Civil Rights of Palestinians in Host Arab States (Oxford: Oxford University, Refugee Studies Program, 1993).                                                                                                         

[13] Daniel Warner and James Hathaway, “Refuge Law and Human Rights: Warner and  Hathaway in Debate,” Journal of Refugee Studies, Vol. 5, No. 2, 1992, p. 163.     

[14] Iris Marion Young, Justice and the Politics of Difference (Princeton, N. J.: Princeton University Press, 1990), pp. 42-48.                                                                            

[15]   أنظر في هذا الصدد النقاش بشأن هذا الموضوع في:

Yoav Peled, “Ethnic Democracy and the Legal Construction of Citizenship: Arab Citizens of the Jewish State,” American Political Science Review, Vol. 86, No. 2, 1992.                                                                                                          

Author biography: 

إيليا زريق: أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة كوينز، أُنتاريو (كندا).