في إطار التفاهمات التي توصلت إسرائيل والأردن إليها، كما جاء في تقارير وسائط الإعلام أمس، فإن إسرائيل ستوافق على نقل مساحات من الأراضي إلى السيادة الأردنية، في مناطق وادي عربة والبحر الميت، لكن هذه الأراضي ستؤجر إلى إسرائيل فترة طويلة وبثمن رمزي.
والأراضي المقصودة مساحتها 320 كلم2، وهي ممتدة على طول وادي عربة، من منطقة فارن في الجنوب حتى منطقتي حتسيفاه وعيدان في الشمال. وفي هذه المناطق ينابيع مياه عذبة، مكنت من تحويلها إلى منطقة زراعية مثمرة، يعتاش منها معظم سكان مستوطنات وادي عربة؛ إذ إن في هذه الأراضي نحو 60% من كمية المياه العذبة، ونحو 50% من الأراضي الزراعية المستغلة، والتابعة لمستوطنات وادي عربة.
سنة 1970، وضعت إسرائيل يدها على هذه الأراضي من خلال عملية خاصة. وكان أريئيل شارون المسؤول عن تلك العملية، بحكم منصبه قائداً للمنطقة الجنوبية، حيث خطط وقاد تلك العملية السريعة، التي تجسدت بتحريك السياج الأمني على امتداد الحدود في وادي عربة، إلى الشرق من الحدود الدولية، إلى عمق وصل في حده الأقصى إلى 8 كلم، وذلك في إطار الجهود لكبح عملية تسلل المخرِّبين، والعمليات التخريبية المعادية، التي كانت تنطلق من الأراضي الأردنية في تلك الفترة.
فبعد حرب الأيام الستة، ازدادت عمليات تسلل مجموعات "فتح" التخريبية من الأراضي الأردنية، حيث نفذت تلك المجموعات عمليات ضد مستوطنات وادي عربة وضد وسائط النقل على طريق عربة. وآنذاك كانت الحدود والسياج الأمني محاذية للطريق.
وكان هناك أماكن على طول ذلك الطريق، حيث الحدود لم تكن تبعد أكثر من بضعة أمتار عن حافة ذلك الطريق، الذي كان بمثابة شريان المواصلات الأساسي بين مستوطنات وادي عربة ومنطقة البحر الميت وإيلات. وكان المخربون يتسللون تحت جنح الظلام، ويهربون بعد تنفيذ عملياتهم إلى داخل الأودية الواقعة على مداخل الجبال، إلى الشرق من الحدود، داخل الأراضي الأردنية، قبل سطوع أشعة الشمس. ونتيجة لذلك، قام الجيش، ولا سيما، وحدة شاكيد المحمولة، بالإغارة على قواعد المخربين في المنطقة؛ ففي 20 آذار/ مارس 1970 أغارت وحدة شاكيد على قرية الصافي الأردنية، إلى الشمال الشرقي من سدوم التي هجرها سكانها وتحولت إلى قاعدة للمخربين. وقُتل في تلك العملية 24 من رجال "فتح" وجنود الجيش الأردني والجيش السعودي الذي كان يرابط في المنطقة منذ حرب الأيام الستة. ولم تقع إصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي في تلك العملية. وبقيت القوات الإسرائيلية في المكان، وحولته إلى موقع أمامي. وبمبادرة من اللواء شارون، تم شق طريق ترابي في عملية سريعة وصل الحدود بالقرية، وشكل إسفينا على الطريق الرئيسي الذي يربط منطقة البحر الميت بمدينة العقبة الأردنية، فأصبح بذلك قيداً على حركة المخربين هناك. ونتيجة ذلك، قام الجيش بنقل خط الحدود إلى مسافة 20 – 25 كلم شرقاً، إلى مشارف الأودية، فأنشأ المنطقة المستباحة التي يتحرك فيها بحرية. وأدى هذا الوضع إلى انخفاض حاد جداً في عمليات تسلل المخربين لبضعة أسابيع معدودة. وفي لقاء عقد آنذاك بين رئيس الأركان الجنرال حاييم بارليف، [والأردنيين]، اتفق الجانبان على أن يسحب الجيش الإسرائيلي قواته إلى الحدود الدولية، في مقابل تعهد [الأردنيين] بالعمل على منع تسلل المجموعات التخريبية إلى داخل الأراضي الإسرائيلية. وبعد أن أجلى الجيش الإسرائيلي قوات من المنطقة، دخل لواء أردني مدرع إليها، وقال الأردنيون آنذاك إن الجيش الإسرائيلي، "أُرغم على الانسحاب" بعد عملية قام الجيش الأردني بها ضد القوات الإسرائيلية هناك. لكن اللواء شارون لم يقبل بهذا الوضع. وبخطوة لم تصادق الحكومة الإسرائيلية عليها إلا بعد وقوعها، بادر شارون إلى تحريك السياج الأمني من مكانه نحو الشرق، فأصبح في أماكن معينة بعمق 8 كلم من الحدود التي رُسمت في إبان عهد الانتداب حدوداً دولية بين إسرائيل والأردن. وامتد السياج الجديد مسافة 100 كلم تقريباً. وأوضح شارون آنذاك أن الهدف من ذلك هو عدم تمكين المخربين من تنفيذ عمليات والهرب تحت جنح الظلام. لكن بالأمس، وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة "هآرتس"، كشف شارون النقاب عن الرواية الكاملة لسلب هذه المنطقة من الأردنيين، مشييراً إلى أنه لم يقم بذلك من اعتبارات أمنية فحسب، بل لأنه وضع في اعتباراته أيضاً الأهمية الاقتصادية لتلك المنطقة بالنسبة إلى مستوطنات وادي عربة. وذعرت الحكومة عندما اشتكى الأردنيون إلى الأميركيين، الذين طالبوا الحكومة الإسرائيلية بتوضيحات للأمر. وقام شارون بإيضاح الموقف للحكومة، حيث استدعى بعض الوزراء للقيام بجولة هناك.
وتمكن شارون من إقناع الوزيرين حاييم غفاتي ويسرائيل غاليلي بالأهمية الاقتصادية للمنطقة. وكانت النتيجة رفض الحكومة الإسرائيلية للطلب الأردني بإعادة السياج الأمني إلى مكانه، لأسباب أمنية. وادعت حكومة إسرائيل أنه جراء تحول طبيعي في مجرى وادي عربة، فإن الحدود الدولية المفترض أن تمر في منتصف الوادي قد انحرفت إلى الشرق. ومع أن الولايات المتحدة لم تمارس ضغوطاً على إسرائيل في هذا الشأن، فإن الأردنيين لم يتخلوا عن مطلبهم بالسيادة [على تلك المنطقة].
المصدر: "هآرتس"، 11/11/1993.