س – ما هو آخر تقدير للحاجات المتعلقة بإنماء الأراضي المحتلة؟
بو حبيب: يقدّر البنك الدولي حاجات الإنماء الأساسية للضفة الغربية وغزة بـ 2,4 مليار دولار خلال خمسة أعوام. وهذا يكفي تغطية استثمارات في بنى تحتية اجتماعية ومادية أساسية، كما يكفي تغطية نفقات جارية تتعلق بأنشطة إنماء خاصة بسلطة الحكم الفلسطيني في العامين الأولين، تجري بعدهما تغطية هذه النفقات من قِبل الـ"دولة" – سواء كانت مستقلة، أو كياناً ذا حكم ذاتي، أو أي شيء آخر. كما أن التقدير يغطي تكاليف مرتبطة بإقامة مؤسسات اقتصادية، على غرار المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار Palestine Economic Council For Development and Reconstruction (PECDAR)، الذي جرى إنشاؤه مؤخراً.
وقد قدّرنا في تقريرنا المتعلق بحاجات الإنماء في الأراضي المحتلة، والذي صدر في أيلول/ سبتمبر،[1] أن هناك حاجة إلى 1,75 مليار دولار من أجل البنى التحتية المادية والاجتماعية الأساسية. وبعد أن وقّعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية إعلان المبادىء في 13 أيلول/سبتمبر، راجعنا تقديرنا فجعلناه يتضمن بناء مؤسسات ونفقات جارية، وحولناه من أسعار 1992 الثابتة إلى الأسعار الحالية. ومن هنا كان الرقم 2,4 مليار دولار. لكن يجب أن أضيف أن مثل هذه التقديرات ليس مقدساً على الإطلاق. وفي الواقع، فالمرجح أن الأرقام ستتبدل حالما نُلم أكثر بشأن اقتصاد الضفة الغربية وغزة.
س – ما هو حجم المساعدة التي تعهدت حكومات مانحة بتقديمها حتى الآن؟
بو حبيب: تعهد "المؤتمر من أجل تشجيع السلم في الشرق الأوسط" (مؤتمر الدول المانحة للمساعدات الذي عقد في وزارة الخارجية الأميركية في 1 تشرين الأول/ أكتوبر) بتقديم 2,1 مليار دولار لفترة خمسة أعوام، ومن هذا المبلغ 600 مليون دولار للعام الأول. وقد تعهد بعض الدول بتقديم عون لمدة عام واحد أو عامين فقط، ولذلك فإني أعتقد أنه إذا سار كل شيء على ما يرام ميدانياً، فإننا سنتمكن بسهولة من الحصول على الرصيد الباقي لجمع المبلغ بكامله (2,4 مليار دولار) خلال أعوام خمسة.
إن معظم الأموال التي تم التعهد بتقديمها ليس مرتبطاً بمشاريع أو مجالات محددة، وهذا كان أحد أغراض اجتماع 16 كانون الأول/ ديسمبر الذي عقدته في باريس ما ندعوها "المجموعة الاستشارية" Consultative Group، أو CG، والذي كان برئاسة البنك الدولي في مكتبه في أوروبا. وقد حضرت الدول المانحة كلها – نحو اثنتين وعشرين دولة، بالإضافة إلى عدد من مختلف المنظمات الدولية والإقليمية، ووكالات تابعة للأمم المتحدة، وغير ذلك – وكان لديها جميعاً أموال تريد أن تفعل بها شيئاً. ومن الطبيعي أن يكون الفلسطينيون والإسرائيليون حاضرين أيضاً – الفلسطينيون لأن الأمر كله تم من أجلهم، والإسرائيليون لأنهم لا يزالون السلطة المسيطرة في الأراضي. وربما يجدر أن أذكر أن المجموعة الاستشارية (CG) هي هيئة تابعة للبنك وليست خاصة بفلسطين: فاجتماعات المجموعة إجراء متبع لدى البنك الدولي، ويُتَّخذ عندما يتلقى بلد ما عوناً من البنك ويكون هناك عدد كبير من الجهات المتبرعة التي تحتاج إلى تنسيق فيما بينها. وفي اجتماعات المجموعة الاستشارية بالذات يجري التقسيم الفعلي للعمل بين الدول المانحة – حيث تتم مقابلة الأموال المتوفرة بالحاجات، وحيث يجري التنسيق بين المشاريع تلافياً للازدواجية والهدر. إن اجتماعات المجموعة الاستشارية هي، في جوهرها، مؤتمرات إنماء، وهي فيما يعنينا مؤتمر للاستثمار في الضفة الغربية وغزة.
قبل نحو عشرة أيام من اجتماع المجموعة الاستشارية في كانون الأول/ ديسمبر ، تلقت كل دولة من الدول المانحة، وكل طرف من الأطراف المهتمة بالأمر، تقرير البنك الدولي المتعلق باقتصاد الأراضي المحتلة، وفيه توضيح لحاجات كل قطاع على أساس مشاريع محددة. وبعد ذلك جلس الجميع وتداولوا فيما بينهم بشأن ما كانت كل دولة مانحة تعتزم تمويله من مشاريع.
س – هل كان التقرير الذي قُدم إلى اجتماع المجموعة الاستشارية مرتكزاً على دراسة البنك الدولي الضخمة، التي ذكرت أنها صدرت في أيلول/ سبتمبر؟
بو حبيب: لقد أنجز ذلك التقرير الأول قبل أن يكون هنالك أي علم باتفاق وشيك بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، لكن حقيقة إنجازنا لدراسة مهمة كهذه وضعنا في موقف ممتاز من أجل المساهمة فوراً في الجهد الذي بدأ يتعاظم عقب توقيع إعلان المبادىء.
إن ما جرى تقديمه في اجتماع المجموعة الاستشارية هو برنامج المساعدة الطارئة Emergency Assistance Program (EAP) وبرنامج المساعدة الفنية Technical Assistance Program. وقد تم صوغهما في وقت قياسي بعد مؤتمر الدول المانحة للمساعدات في تشرين الأول/ أكتوبر. وفي 12 تشرين الأول/ أكتوبر، وبعد التحدث إلى منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، أصبح لدينا في الأراضي المحتلة فريق من نحو 35 شخصاً، وهم الذين تعاونوا على وضع برنامج المساعدة الطارئة. وكان أعضاء الفريق في معظمهم خبراء من البنك الدولي في مختلف الميادين – الزراعة، الصحة، إلخ – بيد أن ممثلين لأبرز الدول المانحة شاركوا أيضاً، وانعكست مشاركتهم في النتاج النهائي.
إن برنامج المساعدة الطارئة يغطي، بصورة أساسية، عاماً واحداً، وبتكلفة قدرها 570 مليون دولار تقريباً. وهو يرمي إلى تحسين مستوى الحياة في الأراضي المحتلة من خلال تحسين الطرق، والكهرباء، والمياه، والمجارير، والتخلص من النفايات الصلبة، والمدارس، والمستشفيات. كما أنه معني ببناء المؤسسات وتأمين النفقات الجارية الأساسية. ويجدر أن أقول أن لهذا البرنامج بالتحديد عنصراً سياسياً بقدر ما هو مهم على نحو خاص في هذه الحالة، بالنسبة إلى الناس، أن يروا في وقت مبكر جداً أن وضعهم سيتحسن بسبب السلم. ولذا، فإن التركيز هو على عدد كبير من المشاريع الصغيرة ذات التأثير الفوري – أشياء مثل الكهرباء أو المياه للقرى التي ليس فيها كهرباء أو ماء، وتوسيع المدارس بحيث يصبح فيها غرف للدرس أكثر عدداً وصفوف أقل كثافة، وإنجاز مشاريع الصرف الصحي، وغير ذلك – بدلاً من المشاريع الكبرى من النوع الذي ننهمك به عادة، والذي تُجنى فوائده في المستقبل البعيد.
وعلى نحو خاص، فإن الجزء الأول من برنامج المساعدة الطارئة هو مشروع إغاثة طارئة يستخدم المؤسسات الموجودة في الأراضي المحتلة – الوكالات التابعة للأمم المتحدة مثل الأونروا، ومنظمات غير حكومية (NGOs) دولية وفلسطينية، وما شابه ذلك – لإيصال المساعدة عبرها. وسيخصص قسم من هذه المساعدة لسد نفقات تشغيل: مثال ذلك، تقدم المجموعة الأوروبية أموالاً إلى الجامعات لدفع رواتب الأساتذة. وثمة قسم آخر سيخصص لزيادة الطاقة الإنتاجية لهذه المؤسسات. فالأونروا، مثلاً لديها كثير من المشاريع التي يمكنها توسيعها لو كان لديها المال اللازم. إنها مسألة تحديد كم من الهيئات القائمة يمكن استخدامها بفعالية. وقد بدأ فعلاً هذا الجانب الإغاثي من البرنامج.
ويُعنى الجزء التالي من برنامج المساعدة الطارئة، وبصورة خاصة، بتطوير القدرات على المستوى الفلسطيني – تطوير بنى تحتية وبناء مؤسسات. والمشاريع التي يجري تعهدها هنا يمكن أن تنفَّذ من قِبل مؤسسات فلسطينية. ومن العناصر البارزة في هذا الجزء من البرنامج لسنة 1994 هو "مشروع البنك للطوارىء" Emergency Bank Project، وقد سُمي كذلك لأن البنك الدولي نفسه سيقدم قرابة 50 مليون دولار من أمواله الخاصة، وفي وسع دول مانحة أُخرى التعهد بأن تقدم إلى هذا المشروع الاستثماري، الذي سيتولى البنك الدولي مهمة التنسيق فيه، رؤوس أموال تتوجه نحو تحويل مشاريع معينة في مختلف القطاعات.
أما برنامج المساعدة الفنية فإنه لمدة ستة أشهر، ويُعنى بتأمين تدريب يتعلق بالمساعدة التقنية، وإعداد دراسات جدوى لمشاريع استثمارية للمديين المتوسط والبعيد، على أن يبدأ العمل بعد عامين أو ثلاثة أعوام من الآن. والمساعدة المخطَّط لها هي كلياً مساعدة طارئة في العام الأول. أما بعد ذلك، فلن تكون كذلك. فأنت تريد أن تبدأ مشاريع منتظمة، وعليك أن تُعدَّ لها – دراسات جدوى، استثمارات، ومعدل العوائد. والأموال التي ستُرصد لهذه الدراسات ستأتي من صندوق ائتمان تابع للبنك الدولي وفيه 35 مليون دولار، ويساهم في تأمين هذا المبلغ، من أجل الدراسات والتدريب والمساعدة الفنية، دول مانحة كبيرة وصغيرة.
لقد كانت الفكرة أصلاً مناقشة برنامج مساعدة مدته عامان، لكنه تقرر في اجتماع 16 كانون الأول/ ديسمبر، وبطلب من الفلسطينيين، تقليص مدة البرنامج إلى عام واحد من أجل إعطاء الكيان الفلسطيني الجديد، ولا سيما المجلس الاقتصادي الفلسطيني للإنماء والإعمار، فرصة أن يوطّد نفسه وأن يكون قادراً على العمل مع الدول المانحة بشأن البرنامج في الأعوام اللاحقة. وهكذا، فإن ما تمت مناقشته في المجموعة الاستشارية هما برنامج مساعدة طارئة لمدة عام واحد وبرنامج مساعدة فنية لمدة ستة أشهر فقط.
س – تقول إن الفلسطينيين يريدون العمل معكم بشأن البرنامج. ألم يعملوا معكم منذ البدء؟
بو حبيب: طبعاً. فقد عملنا حتى الآن مع لجان فنية أُلفت في الأراضي المحتلة بعد مؤتمر مدريد، وعملنا مع سري نسيبة، بوصفه رئيساً للجان، ومع نبيل قسيس، بوصفه مديراً عاماً لها. وعندما شرعنا في إعداد الدراسة الأولى من دراسات البنك الدولي في خريف 1992، وافقْنا الفلسطينيين على أن نعمل مع الفرق الفنية، لكنها مع ذلك ليست "رسمية". والمجلس الاقتصادي الفلسطيني للإنماء والإعمار، وهو الجهاز المركزي الفلسطيني لأنشطة الإنماء والإعمار، لا يزال حتى الآن على الورق. وقد تم تعيين أعضاء مجلس، وعُين أبو علاء مدير إدارة، وقد كان عضواً في فريق المفاوضات الفلسطيني في أوسلو، وهو اقتصادي بحكم تخصصه. وحتى هذا التاريخ، ليس هناك مكاتب أو موظفون، بيد أن من الواضح أن المجلس سيكون مؤلفاً من فلسطينيين من داخل الأراضي وخارجها. والمرجح أن كثيرين من أولئك الذين كانوا جزءاً من اللجان الفنية – خبراء، وأكاديميون، ورجال أعمال، ومهندسون، وغيرهم ممن عملوا على أساس التطوع – سيكونون جزءاً من المؤسسة الجديدة. وهذا أمر يقرره الفلسطينيون، وليس من شأننا، تماماً مثلما أننا لسنا معنيين بمن سيعينونهم في المجلس. فالذين نتعامل معهم هم الفنيون. وفي أية حال، إن ما نفهمه الآن هو أن المجلس الاقتصادي الفلسطيني سيقوم، وسيتم تعيين الموظفين فيه في كانون الثاني/ يناير.
وفيما يخص مشاركة الفلسطينيين في صوغ البرنامج، فإننا لم نخترع برنامج المساعدة الطارئة من رؤيتنا الخاصة. فقد بقيت بعثتنا الميدانية في الضفة الغربية وغزة مدة خمسة أسابيع، تحدثت خلالها إلى الفرق الفنية الفلسطينية وإلى مسؤولين في البلديات وفي مؤسسات مدنية أُخرى، وإلى ما هنالك. وقمنا بزيارة الجامعات، والبلديات والمنظمات غير الحكومية، والمنظمات التابعة للأمم المتحدة، من أجل تحديد الحاجات. وقدمنا المسودة الأولية من تقريرنا إلى الفريق الفلسطيني في القدس حين غادرنا الأراضي المحتلة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، وفي غضون أسبوع واحد أو أكثر رد الفريق بنحو 17 صفحة من التعليقات التي أخذناها في عين الاعتبار في المسودة الثانية، التي نوقشت معهم مطوَّلاً في بداية كانون الأول/ ديسمبر. وأُجريت مراجعات إضافية على أساس تلك المحادثات.
وهكذا، فإن الناتج النهائي الذي قُدم إلى المجموعة الاستشارية لم يكن برنامجاً للبنك الدولي، بل هو برنامج فلسطيني. إننا نحن الذين صغناه عملياً، إلا إنه كان بحق جهداً مشتركاً نابعاً من مناقشات ومفاوضات ومراجعات قامت على أساس خذ وأعطِ – قلة خبرتنا في فلسطين نفسها أدت بنا إلى الوقوع في الخطأ أحياناً، وكان الأمر أحياناً خلاف ذلك، وتعذر علينا فعل هذا الشيء أو ذاك على النحو الذي أراده الفلسطينيون بسبب قيود الدول المانحة. ويمكنني القول إن التعاون بيننا وبين الفلسطينيين كان رائعاً. إن لديهم مجموعة من الأشخاص الموهوبين جداً في المضمار الفني، وقد عملوا معنا لوضع التقرير الاقتصادي السابق قبل أن يعملوا معنا لوضع برنامج المساعدة الطارئة الاقتصادي.
س - ومع ذلك، كان هناك فارق رئيسي واحد على الأقل: فالتقدير الفلسطيني لحاجات الإنماء في الأراضي المحتلة[2] تعدى الـ 11 مليار دولار، في حين أن تقدير البنك الدولي هو 2,4 مليار دولار.
بو حبيب: إن الفارق بين تقديرنا وتقدير منظمة التحرير الفلسطينية ليس كبيراً كما يبدو أول وهلة، ذلك لأن التقدير الأخير يغطي سبعة أعوام بدلاً من خمسة أعوام، ويتضمن أمراً لا يتضمنه تقدير البنك الدولي، وهو تدفق رأس المال من القطاع الخاص، وتكلفة استيعاب نحو نصف مليون مشرد فلسطيني منذ حرب 1967، وحاجات إنماء القدس الشرقية – وقضايا المشردين أو العائدين والقدس الشرقيي قضايا سياسية نحّاها البنك الدولي جانباً بكل بساطة. لكن على الرغم من أن البنك لا يُدخل في تقديراته مساهمات القطاع الخاص، فإنه يقدِّر أن نموّاً اقتصادياً في الضفة الغربية وغزة بمعدل 4 – 5% سنوياً يستلزم تدفق رأسمال من القطاع الخاص بمقدار 250 مليون دولار سنوياً خلال الأعوام الخمسة التالية.
ويجدر أن أضيف أن الكلام على متطلبات الاستثمار يقتضي مناقشة الطاقة الاستيعابية أيضاً. فثمة قاعدة قياسية معروفة بالتجربة العملية مفادها أنه لاستخدام المال بفعالية ومن دون هدر، فإن أي اقتصاد لا يستطيع استيعاب استثمارات تفوق نسبة 10% - 12% من الناتج القومي الخام سنوياً. والناتج القومي الخام للضفة الغربية وغزة يبلغ نحو 3 مليارات دولار، الأمر الذي يعني أن الطاقة الاستيعابية للقطاع العام تراوح بين 300 مليون – 360 مليون دولار في العام الواحد – إننا نتحدث هنا عن الإنفاق لا عن الحاجات أو الالتزامات، والإنفاق يتوقف على طاقة التنفيذ على الأرض. طبعاً، من السهل دوماً إنفاق المال – إن ما ندعوه مشاريع استعراضية (White elephant projects) يمكن أن يكلف مئات الملايين من الدولارات دفعة واحدة. ومشاريع كهذه توفّر فرص عمل خلال إنشائها، لكن ليس في المدى البعيد. إنها لا تنتج شيئاً – إنها مثل بناء نصب تذكاري. وهذا إنفاق سريع، لكنه ليس من نوع الإنفاقات المطلوبة في الكيان الفلسطيني الجديد.
إن ما ينتهي الأمر إليه حقاً هو الغرض من برنامج إنماء أو استثمار. ونحن نراه من شقين: الأول هو تحسين مستوى حياة السكان، والثاني هو إيجاد المناخ الملائم كي يدخله القطاع الخاص. والاستثمارات الإجمالية المتعلقة بالبنى التحتية، والمتوقعة في برنامج الإنماء الذي تم وضعه، ستكون مغرية للقطاع الخاص، والقطاع الخاص مفتاح مستقبل البلد إذا شئنا تجنب إقامة اقتصاد يعتمد على المساعدات. وهناك الآن بالذات حماسة عامرة بشأن دعم الكيان الفلسطيني والسكان – لكن قد لا يكون الأمر كذلك بعد خمسة أعوام من الآن، لا سيما في ضوء أعباء المساعدات التي تتفاقم في العالم أجمع. إن هناك فرصة يجب عدم تفويتها للمساعدة في بناء اقتصاد مرتكز على القطاع الخاص بوصفه المحرّك الرئيسي للنمو.
س – نعود إلى المجلس الاقتصادي الفلسطيني. كيف ستغيّر هذه الهيئة الجديدة طريقة عملكم في الضفة الغربية وغزة؟
بو حبيب: إن المجلس سيكون نظيرنا حالما يستقر وضعه تماماً. والبنك – والدول المانحة الأُخرى – بحاجة إلى بلورة آجال المساعدات وشروطها وأشكالها مع الكيان الفلسطيني الجديد.
حتى الآن، ليس للفلسطينيين حكومة في الضفة الغربية وغزة، ولذلك كانت المفاوضات بشأن المشاريع والقروض غير رسمية. وسيقوم المجلس الاقتصادي الفلسطيني بدور الحكومة هذا، ومن هنا، فإن الجميع ينتظرون إقامة المجلس لبلورة ترتيبات المشاريع والقروض وجعلها رسمية.
وبصورة عامة، سيكون المجلس مسؤولاً عن تنسيق المساعدات وصوغ السياسة في الجانب الفلسطيني. وسيحصل على المال لتنفيذ البرامج التي تضعها دائرة التحليل الاقتصادي التابعة له. وما يهمّنا بصورة خاصة هو أنه سيكون مسؤولاً عن مراقبة المشاريع وتنفيذها في الجانب الفلسطيني، وإذا لم تكن هناك مؤسسة قائمة لتنفيذ مشروع ما – لنقُل بلدية – فإن المجلس سيكون مسؤولاً عن التنفيذ الفعلي بدلاً من مجرد المراقبة. ولذلك، فإننا طبعاً سنعمل معه على نحو دقيق جداً.
س – هناك كلام كثير بشأن تنسيق في هذا المجهود بين الجهات المانحة، واجتماع المجموعة الاستشارية هذا هو طبعاً مثال لذلك. لكن ما هي الآليات المتطورة لتنسيق المساعدات المتعهَّد بها وإنفاقها؟
بو حبيب: أولاً، لم يكن اجتماع المجموعة الاستشارية بشأن الضفة الغربية وغزة في كانون الأول/ ديسمبر أمراً غير قابل للتكرار، وستلتقي المجموعة كلما دعت الضرورة. وسيُعقد الاجتماع التالي خلال النصف الأول من سنة 1994، والمرجح أن يكون ذلك في أيار/ مايو أو حزيران/ يونيو. ومن هذا المنطلق، فإن المجموعة الاستشارية آلية متطورة – بل هي حقاً إحدى أهم آليات مجهود المساعدات على المستوى الفني، وتتيح إمكان تحاشي الهدر وازدواجية الجهود.
وثمة آلية مهمة أُخرى – وهي سياسية لا فنية – هي لجنة الارتباط الخاصة AD Hoc Liaison Committee (AHLC) التي تضم الجهات البارزة الست – المجموعة الأوروبية، والولايات المتحدة، واليابان، والنرويج، والمملكة العربية السعودية، وكندا. وقد تم تأليفها في إبان مؤتمر الدول المانحة في تشرين الأول/ أكتوبر، وهي تشمل أيضاً الفلسطينيين والإسرائيليين، كما تشمل مصر والأردن وتونس. وفي حين أن المجموعة الاستشارية يصاحبها فنيون – اقتصاديون وخبراء فنيون بشؤون المساعدات – فإن لجنة الارتباط الخاصة هي على مستوى وزراء ونواب وزراء خارجية ومال. ولإعطار فكرة عن المستوى أشير إلى أن وزير خارجية النرويج ترأس أول اجتماع للجنة، وكان وفد المجموعة الأوروبية بقيادة رئيس المجموعة، وهكذا.
إن لجنة الارتباط الخاصة ليست معنية بتفصيلات المساعدات وآلياتها وإنما بالصورة الأوسع – بالسياسة والتنسيق الواسعين. والغرض منها هو وضع الأهداف، ورسم خطوط موجهة عامة للحصول على المساعدات من أجل الفلسطينيين، وأن تكون بمثابة هيئة تبقي الدول المانحة البارزة على اطلاع تام من الوجهة الاقتصادية. إنها من الناحية الأساسية، إذاً، تهدف إلى تسهيل التنسيق بينها، والاطمئنان إلى أن عملية المساعدة الإجمالية جارية وتتحرك، وعند الضرورة تحصيل المزيد من الأموال، حيث أن هذا، جزئياً، قرار سياسي. ومرة أُخرى أقول، ليس هناك اجتماعات منتظمة؛ فالاجتماع الأول عُقد بتاريخ 5 تشرين الثاني/ نوفمبر في مكتب البنك الدولي في باريس، وتم الاتفاق على عقد الاجتماع التالي خلال الربع الأول من سنة 1994. وسيقوم وزير خارجية النرويج، الذي طُلب إليه رئاسة الاجتماع مرة أُخرى، بالدعوة إلى الاجتماع بعد مشاورة سائر أعضاء اللجنة.
وبالنسبة إلى التنسيق اليومي – الآلية المستمرة بدوام كامل، إذ شئت – فيقوم به البنك الدولي بوصفه أمانة سر لجنة الارتباط الخاصة، وهذا ما يجعله بمثابة أمين السر لمجهود التبرعات بكامله. وأمانة السر جزء من عمل البنك، وتضم ثلاثة أعضاء متفرغين، معهم موظف مدعوم من السوق الأوروبية. وهي في حقيقة أمرها هيئة تنسيق، أداة وصل بين البنك الدولي والدول المانحة. وهي أيضاً خزان معلومات، إذ إن كلاًّ من البنك، والمجلس الاقتصادي الفلسطيني، ومصادر مختلفة أُخرى، سيزود أمانة السر بمعلومات تتعلق بتطورات ذات صلة هنا أو على الأرض. وستزودها الجهات المانحة بتقارير بشأن اتفاقاتها ومشاريعها مع الفلسطينيين. ونحن سنمرر هذه المعلومات إليها جميعاً. وبكلمات أُخرى، إننا نقوم بالتنسيق.
طبعاً، إن البنك يقوم بدور فني مهم يتخطى وظيفة التنسيق وجمع المعلومات. ومن أوجه هذا الدور صوغ برنامج المساعدة الطارئة بالتشاور مع الفلسطينيين وبدعم المعلومات من الدول المانحة الأُخرى.
س – فيما يتعلق بمسألة وجود آليه أو هيئة مركزية لتنسيق المساعدات، ذُكر أنه كان هناك خلاف بين المجموعة الأوروبية والأميركيين بشأن السيطرة على مجهود المساعدات، وأن التسوية التي تم التوصل إليها كانت أن يتولى هذه الوظيفة البنك الدولي ولجنة الارتباط الخاصة.
بو حبيب: البنك ليس هيئة سياسية، ولذا لا يمكن أن أقول لك سوى ما تقرَّر. كل مرة يجري فيها اتخاذ مبادرة دولية كبرى، لا بد من أن تكون هنالك خلافات أو تباين في الرأي. فلكل دولة مانحة عَلَمها الخاص، إذا جاز التعبير. لكن قياساً بما يجري في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق، فإنه لا يوجد هنا مشكلات، على الإطلاق. وإذا كانت خلافات طفيفة برزت، فقد جرى حلها، وإني أعتقد أن ليس هناك الآن أية مشكلة بين الدول المانحة. وقد كان الاتفاق تاماً في اجتماع 5 تشرين الثاني/ نوفمبر.
س – سبق أن تحدثتَ عن مساهمة (input) الفلسطينيين في صوغ برنامج المساعدة. هل كان للإسرائيليين أيضاً مساهمة؟
بو حبيب: نعم، ساهموا إلى حد ما. إنهم لا يزالون، حتى إشعار آخر، يملكون سلطة السيادة هناك، وعلينا نحن، كمنظمة دولية غير سياسية، أن نأخذ ذلك في الاعتبار. كما أننا نشاور الأردنيين، وخصوصاً فيما يتعلق بقضايا اقتصادية واسعة النطاق وبعلاقات تجارية، لأنهم أيضاً جزء من اللعبة الآن.
والفلسطينيون يقبلون واقع أن لا بد للإسرائيليين من أن يعرفوا ما يجري. ولم تبرز أية مشكلة رئيسية في هذا الصدد. طبعاً، ثمة مشكلات بشأن قضايا سياسية كبرى – القدس، العائدون، وإلى ما هنالك – لكنها ليست جزءاً من عملنا، وقد قمنا بوضعها جانباً. وهناك الكثير من المشكلات الاقتصادية التي يتعين على الفلسطينيين والإسرائيليين حلها فيما بينهم – تقاسم العوائد، التجارة، الجمارك، وما شاكل ذلك.
س – سؤال آخر عن برنامج المساعدة. لقد ذكرت النفقات الجارية كمكوّن مهم من مكونات برنامج المساعدة. فهل هذه النفقات الجارية فقط من أجل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التي ستقام، أم أنها من أجل مؤسسات سياسية أيضاً؟
بو حبيب: سيحاول برنامج المساعدة الطارئة تغطية نفقات المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية في العام الأول. وفيما يخص النفقات الجارية للمؤسسات غير الاقتصادية – الشرطة، الإدارة، وما إلى هنالك – فإن الدول المانحة ستقدم جزءاً منها، لكن الجزء الأعظم من هذه النفقات يجب أن يأتي من العوائد، وهذه العوائد لا يمكن تحديدها إلا من خلال التفاوض مع الإسرائيليين، الذين قاموا في العقدين الأخيرين بتحصيل رسوم الجمارك المفروضة على جميع السلع الداخلة إلى الضفة الغربية وغزة، وضريبة القيمة المضافة (VAT) على جميع السلع والخدمات المنتجة هناك، وضرائب الضمان الاجتماع والتأمين الصحي المفروضة على الفلسطينيين العاملين في إسرائيل، وغير ذلك. وقُدِّر أن المبالغ تلك يمكن أن تصل إلى ما يقرب من 150 مليون دولار سنوياً، لكن على الفلسطينيين الجلوس إلى طاولة المفاوضات للتداول مع الإسرائيليين بشأن قضايا الضرائب والعوائد تلك، وذلك ضمن اللجنة الاقتصادية المشتركة التي الّفت بموجب إعلان المبادىء. وقد ركز الفلسطينيون حتى الآن على القضايا السياسية، بيد أن شيئاً من التقدم قد تحقق في المضمار الاقتصادي. إن هذه مسألة ملحة للغاية. والمؤسسات من مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي يمكنها أن تقدم عوناً، لكن المفاوضات الحقيقية يجب أن يجريها خبراء فنيون فلسطينيون. كما أن السلطة الجديدة ستجبي ضرائب: وقد سُرَّت الدول المانحة بقول أبي علاء في اجتماع المجموعة الاستشارية في 16 كانون الأول/ ديسمبر من أنه لن يكون هناك "عطلة للضرائب"، وهو ما قد لا يكون مفيداً للوضع المالي في الضفة الغربية وغزة. وفي أية حال، عندما يتم حل قضية العوائد مع الإسرائيليين، عندها فقط، يستطيع الفلسطينيون أن يضعوا موازنة لسنة 1994. وإذا كان هناك تفاوت بين تقديرات العوائد والنفقات لسنة 1994، فإن الدول المانحة ستحاول سد ذلك التفاوت.
س – نعود إلى التعهدات بالمساعدة: كم تبلغ قيمة الهبات من المبلغ 2,1 مليار دولار، وكم تبلغ قيمة القروض؟ وماذا عن الفوائد على القروض – ألن تكون هناك ديون كبيرة بالنسبة إلى كيان جديد ينطلق وهو ينوء بها؟
بو حبيب: من مزايا الوضع بالتحديد أن الكيان الجديد ليس مديوناً. فجزء كبير من الـ 2,1 مليار دولار امتيازي، أي أنه هبات صريحة أو قروض ميسرة بشروط شبيهة بشروط البنك الدولي. وفي هذا الصدد، قام مجلس البنك بتخصيص مبلغ 50 مليون دولار من دخله الخاص كي يتم استخدامه من قِبل اتحاد الإنماء الدولي International Development Association (IDA)، المتفرع من البنك الدولي، وفقاً لشروط الاتحاد. وهذا يعني أن الـ 50 مليون دولار ستُعاد خلال 40 عاماً، مع فترة سماح مدتها 10 أعوام ونفقات إدارة حسابات بنسبة 0,75%، ومن دون فوائد على المبلغ. غير أن كل جهة متبرعة ستضع شروط مساعدتها الخاصة بالتداول مع المجلس الاقتصادي الفلسطيني.
س – ماذا عن الشروط المرفقة بالمساعدة؟
بو حبيب: مرة أُخرى، إن هذا جزء من الاتفاقيات التي يتوجب وضع صيغتها النهائية بين الدول المانحة والفلسطينيين. ونحن نوصي – والفلسطينيون طلبوا ذلك رسمياً في اجتماع المجموعة الاستشارية – بأن تكون المساعدة "موحَّدة"، من دون شروط مرفقة، لأن ليس هناك حتى الآن مؤسسات فلسطينية للتعامل مع إجراءات الحيازة المعقدة التي تعتمدها كل دولة مانحة، ولا شك في أن جزءاً من الأموال سيكون مقيداً. لكننا نحاول الضغط، أولاً، كي نحصل على مساعدات غير مقيدة بقدر المستطاع، والضغط، ثانياً، كي تكون هناك إجراءات حيازة بسيطة وموحدة.
س - كيف سيجري إنفاق الأموال حالما تتم حيازتها؟ وكيف يمكن التأكد من أن فائدة قصوى قد اكتُسبت من المساعدة؟
بو حبيب: يمكنني أن أتحدث عن إجراءات البنك الدولي فحسب – إذ إن كل جهة مانحة ستتبع إجراءاتها الخاصة بها. في التصرف العادي للبنك، عندما نوافق على البرنامج ويبدأ البلد المستفيد بتنفيذه، فإننا نقوم بإرسال بعثات إشراف إلى البلد المعني مرتين أو ثلاث مرات سنوياً للوقوف على مدى التقدم. وفيما يخص الضفة الغربية وغزة، سنرسل بعثات لمرات أكثر، لأن المؤسسات الوطنية الفلسطينية لا تزال طرية العود.
وسيتم ربط إنفاق الأموال بتقارير بعثات الإشراف هذه. وفي العادة، فإن البنك الدولي يدفع للمتعهد – ونحن غالباً نتعامل مع مشاريع ضخمة. أو يمكن، بدلاً من ذلك، أن تدفع الحكومة للمتعهد ثم يقوم البنك بإعادة المبلغ المدفوع إلى الحكومة. وفي موضوع الكيان الفلسطيني، سكون هناك عشرات أو مئات المشاريع الصغيرة. وسيكون المتعهدون صغاراً، الأمر الذي سيجعل من المتعذر تطبيق القواعد والإجراءات نفسها التي تتّبع حيال مشروع كبير. لذا، فإن ما سيُفعل – وهذا أمر ينبغي التفاوض بشأنه مع المجلس الاقتصادي الفلسطيني حالما يأخذ المجلس مكانه الملائم – هو رصد مبالغ مالية لمختلف الوكالات الفلسطينية المنفذة للمشاريع (ويمكن أن تكون البلدية أو المجلس الاقتصادي أو سواهما)، وعندما تتحقق بعثة الإشراف من أن مشروعاً أو جزءاً من مشروع قد أُنجز بصورة مرضية ووفقاً لجميع إجراءات البرنامج، فإننا سنحرر المال للوكالة الفلسطينية المنفذة كي تدفعه للمتعهد.
وفي حالٍ مثل التي بين أيدينا، حيث لا يزال الحكم الذاتي يفتقر إلى الخبرة في تنفيذ البرنامج، يجدر أن يكون المرء خلاّقاً ومرناً أكثر. كما أن الأمر مسألة الطاقة الاستيعابية، طاقة التنفيذ. وبناء مؤسسات التنفيذ الفلسطينية سيستغرق وقتاً. وإذا افترضنا أن كل شيء يسير على ما يرام على الجبهة السياسية، فإن هذا في الواقع من أكبر المشكلات التي تواجه هذا المشروع – بناء الطاقة على مستوى الطرف المتلقِّي.
س – هل يمكنك أن توضح هذا؟
بو حبيب: إن الدول المانحة تزود برنامج الإنماء بالأموال إلا إن التنفيذ الفعلي للمشاريع هو في أيدي الفلسطينيين. وتتوقف قدرة الاقتصاد على الاستيعاب والسرعة في الاستيعاب على سرعة قيام الفلسطينيين ببناء مؤسسات فنية فعالة ذات هيئات عمل بارعة وكفية للنهوض بهذا المجهود الضخم. طبعاً، إنك لا تستطيع بناء هياكل بين ليلة وضحاها، لكن يتعين وضع أكفأ الأشخاص في مواقعهم الملائمة. وبقدر ما يكون من الممكن بناء طاقة التنفيذ بسرعة يكون من الممكن إنفاق أموال المساعدات بسرعة. وينبغي أن يكون هذا في رأس الأولويات لدى الفلسطينيين – أن يكون بأهمية القضايا السياسية التي كانت محط الاهتمام حتى الساعة.
ثمة عقبة ثانية أمام مجهود المساعدة، وهي تخص الطرف المانح. هناك تخوف من أن تشاء بعض الدول المانحة استخدام الأموال التي تتعهد بتقديمها من أجل تحسين مصالحها الاقتصادية الخاصة، هذا على الرغم من التفاهم الذي تم التوصل إليه في اجتماع لجنة الارتباط الخاصة في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر والذي قضى بالتنسيق المحكم. وهذا أمر يحدث في جميع أنحاء العالم – حيث تقوم دول مانحة أحياناً، بفعل ضغوط من مصالح تجارية، بالتشجيع على مشاريع يمكن أن تستفيد قطاعاتها الخاصة منها لكنها غير ملائمة للدولة المتلقية – أي المشاريع التي لا قيمة لها والتي سبق أن ذكرتها.
هناك أيضاً محذور ازدواجية الجهود على الرغم من توفر أفضل النيات والجهود عند التنسيق. ومثل هذه الأشياء سيكون غير ملائم على نحو خاص في هذه الحال. فهذا اقتصاد صغير الحجم، ونحن نتحدث عن 6000 كلم2، ومليوني نسمة، واقتصاد 3 مليارات دولار – ولا مجال للتجاوزات هنا.
ولذلك فإن ما نقوله هو: دعونا لا نتنافس في هذه الحال، ودعونا نعمل من خلال إطار المجموعة الاستشارية التي أُنشئت ونتجنب المسالك المتوازية. دعونا نجعل هذا نموذجاً للتعاون الدولي، ونضع المصالح الذاتية جانباً، ونكون حقاً مثاليين من أجل تغيير في تقديم المساعدات في سبيل بناء السلام.
س – ما هي الفوارق بين طريقة عملكم هنا وطريقة عملكم الاعتيادية من أجل أي بلد آخر؟
بو حبيب: أولاً، كما سبق أن ذكرنا، هنا لا يوجد حكومة في الجهة الأُخرى. كانت هناك حالات قام البنك الدولي خلالها بوضع برنامج مساعدة اقتصادية بالنيابة عن (وبالتشاور مع) بلد متلق عوضاً من أن يقوم ذلك البلد بالعمل نفسه. لكن عدم وجود حكومة يبدل طريقة تعاملنا. طبعاً، إذا سارت الأمور كلها بصورة جيدة خلال عامين، فإن الأمر لن يكون هكذا لأنه سيكون هناك إدارة فلسطينية تقوم بوضع خططها الخاصة، إذ إن بين الفلسطينيين عدداً كبيراً من الأشخاص الأكفياء والموهوبين والمؤهلين.
ثانياً، إن موضوعنا هنا موضوع ساخن – كل واحد يريد أن يلم به وأن ينخرط فيه، بدءاً برؤساء دول فنزولاً. ولهذا السبب ثمة أمانة سر متفرغة تتعامل مع المشروع. وبسبب هذا الاهتمام الشديد بات لدينا وضع غريب للغاية، وهو جمع أموال المانحين قبل أن يكون البرنامج الإنمائي موضوعاً. إن كل واحد يحاول أن يثبت أنه أهل لمواجهة الحدث.
ثالثاً، هناك عجلة لا سابق لها. فنحن لم يسبق لنا أن وضعنا برنامجاً بهذه السرعة. والفريق الذي ذهب إلى الأراضي المحتلة في تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر عمل 18 ساعة يومياً – وكان معه حاسباته الإلكترونية، والتقرير في معظمه كُتب في ميدان العمل. وهذا أمر فريد. لكن، نسأل مجدداً، كم مرة حدث أن كان السلام العالمي متوقفاً على برنامج إنماء اقتصادي؟ ليس كثيراً.
* أجرت مجلة Journal of Palestine Studies المقابلة معه في 27 تشرين الثاني/نوفمبر و20 كانون الأول/ديسمبر 1993.
المصادر:
[1] Developing the Occupied Territories: An Investment in Peace (Washington, D.C.: World Bank, September 1993).
[2] "البرنامج العام لإنماء الاقتصاد الوطني الفلسطيني للسنوات 1994 – 2000"، إعداد د. يوسف صايغ، م. ت. ف.، دائرة التخطيط والشؤون الاقتصادية، تونس.