On the Road to Confrontation
Keywords: 
مجزرة الخليل 1994
الخليل
المستوطنون
الجيش الإسرائيلي
مفاوضات السلام
Full text: 

إنها مسألة وقت فيما يتعلق بالمواجهة مع مستوطني الخليل، وربما الصدام معهم؛ [فهما واقعان] اليوم أو بعد بضعة أشهر. السؤال هو ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية ستقرر الآن، استناداً إلى الوضع الأمني في المدينة، إصدار أمر بإجلاء السكان اليهود.

الاحتمال الثاني هو أن تقع المواجهة في الصيف، نحو شهر تموز/يوليو. وبناء على اتفاق [إعلان] المبادىء، يجب أن يحدث تغيير جوهري في المدينة بعد بضعة أشهر. لقد ورد في الاتفاق، كما يذكر، أنه في وقت لا يتجاوز عشية انتخابات المجلس سيتم إعادة تموضع قوات الجيش الإسرائيلي (يجب إجراء الانتخابات في مدة لا تتجاوز تسعة أشهر من دخول إعلان المبادىء حيز التنفيذ. بكلمة أُخرى: حتى منتصف تموز/يوليو 1994). وفي شأن إعادة التموضع، ورد في الاتفاق أن "إسرائيل ستسترشد بمبدأ وجوب إعادة تموضع قواتها العسكرية خارج المناطق الآهلة."

من هنا، فإنه لن يكون في إمكان كتائب الجيش الإسرائيلي البقاء في وسط الخليل، تماماً مثلما أن الوحدات العسكرية الإسرائيلية لن تحتشد في وسط نابلس ووسط غزة، إلا إذا كانت النية عدم تنفيذ الاتفاق مع الفلسطينيين. في الوضع الأمني الحالي، لن يكون ثمة مفر من الاقتراح على مستوطني الخليل الانتقال إلى كريات أربع. وإذا اعتقد أحد من سكان الخليل اليهود، في إثر مذبحة الحرم الإبراهيمي والإذلال الذي ألحقوه بجيرانهم مراراً وتكراراً، أن الشرطة الفلسطينية ستجلب له الأمن، فهو متفائل جداً. إن رجال الأمن الإسرائيليين لا يشاطرونه هذا الرأي.

إن ذريعة الإجلاء ليست إذاً سياسية، وإنما أمنية. عندما يتجادل الوزراء بشأن الوجود اليهودي في الخليل، يعلل معظمهم ضرورة الإجلاء بتعليلات أمنية. إن وزير الإسكان، بنيامين بن أليعيزر، الذي كان منسق الأنشطة في المناطق [المحتلة] وأيضاً الحاكم العسكري للضفة، ينادي باقتراح إخلاء الخليل، ويعلل اقتراحه بضرورة حماية السكان اليهود لا بضرورة استرضاء الفلسطينيين بعد مذبحة الحرم الإبراهيمي. وقد كوّن الوزراء الذين استمعوا إلى تقارير رئيس هيئة الأركان إيهود براك، وقائد المنطقة الوسطى داني ياتوم، انطباعاً بأنهما أيضاً قلقان على الصعيد الأمني. قال أحدهما إن يهود الخليل تحولوا إلى هدف. واقترح رجل أمن آخر، بعد المذبحة مباشرة، إجلاء مستوطني الخليل إلى كريات أربع ولو بصورة موقتة. وقد كان قلقه موجهاً إلى النساء والأطفال. الكل سمعه، لكن اقتراحه لم يُبحث فيه في تلك المرحلة.

من ناحية عسكرية، وصلنا إلى وضع لا معقول في الخليل. إن رقم الجنود الذين يحمون مستوطني الخليل لا سابقة له في تاريخ [الانتشار العسكري في مواجهة] الحوادث الحدودية، أو في حماية مستوطنة واحدة. وقد ذهل الوزراء من الرقم الذي ذكره رئيس هيئة الأركان. وعلى الرغم من أننا نمرّ بعملية مفاوضات سلمية، فإن حماية مستوطني الخليل تبدو أشبه بالاستعداد الحربي. هناك فعلاً حالات لا يُحسب فيها للأرقام حساباً، على سبيل المثال، إذا دعت الضرورة إلى حماية القدس. غير أن الخليل ليست مثالاً كهذا. وهذا صحيح بكل تأكيد في وقت توجد فيه كريات أربع على مسافة قريبة. يجب أن يقول أحد ما من قادة الجيش الإسرائيلي لمستوطني الخليل، بكل صدق، إن توفير الأمن المطلق الذي يتوقعونه أمر صعب للغاية. وإذا استمر هذا الوضع، فلن يكفي نقل قسم بارز من الجنود الذين يخدمون في الضفة إلى الخليل، ولربما يكون من الضروري طرد عرب من الخليل أيضاً.

إن التوقع الذي عبَّر عنه أبراهام أحيطوف، الذي كان رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) في أواخر السبعينات، وقبل ذلك رئيس الشعبة العربية في الجهاز، يتحقق في الخليل. آنذاك بدأ قسم من المستوطنين يتسلل إلى الخليل العربية من دون ترخيص. وقد كان بعضهم، منذئذٍ، يتصرف بلا وازع أو رادع. وكان الوضع بين الفئتين السكانيتين، حتى ذلك الحين، هادئاً نسبياً. جاء أحيطوف إلى رئيس الحكومة، مناحم بيغن، وقال له إنه قلق من "التغلغل إلى وسط الخليل." وقد أوضح لبيغن أننا وصلنا إلى صيغة تعايش في مغارة المخبيلاه [الحرم الإبراهيمي]، وأن هناك أسساً جيدة للتعايش، غير أن من شأن التغلغل في الخليل إثارة المشكلات، بما في ذلك مشكلات لقوى الأمن. وكان من جملة ما قاله لبيغن إن الفرضية الأساسية لحزبه، التي تقول إن في إمكان اليهود والعرب العيش بسلام في أرض إسرائيل تحت الحكم الإسرائيلي ستهتز. إن دخول الخليل لن يؤدي إلا إلى زيادة الاحتكاك والكراهية، وسيكون الصدام أمراً لا مفر منه.

أتجرأ وأقول إنه لو أتيح لرابين أن يرى مستوطني الخليل يتركونها اليوم بمبادرتهم الشخصية، لكان رحب بذلك. إنه غير راض عن طرح هذا الاقتراح من قبل وزراء، مخافة أن يضرّ ذلك بالمفاوضات. هناك على الأقل وزيران مستعدان للبحث في إجلاء مستوطني الخليل، في إطار المفاوضات مع الفلسطينيين. وهذان ينضمان إلى ثمانية وزراء على الأقل هم إلى جانب الإجلاء بناء على مبادرة إسرائيلية.

إن الأميركيين ينظرون إلى ذلك من زاوية مختلفة. إنهم ينظرون بقلق إلى ضعف [مكانة] عرفات، وإلى الخطر الذي يهدد استمرار المفاوضات، وإلى الخطوات غير الكافية التي قامت الحكومة الإسرائيلية بها بعد المذبحة. وبحسب رأيهم، على إسرائيل القيام فوراً بخطوة من جانب واحد لإعادة المفاوضات إلى سكّتها. إن إخلاء الخليل لأسباب أمنية يشكل أحد الأمثلة لهذه الخطوة، ومندوبوهم يبدون اهتماماً بذلك. ومن المؤكد أن رابين سيُسأل عن ذلك خلال زيارته لواشنطن.

غير أن الأميركيين يفهمون أيضاً، شأنهم في ذلك شأن الفلسطينيين، أن من المحال دعوة رفائيل إيتان للانضمام إلى الائتلاف الحكومي، وفي الوقت نفسه إصدار أمر بإجلاء المستوطنين اليهود من الخليل.

 

المصدر: "هآرتس"، 8/3/1994.

Author biography: 

زئيف شيف: المحلل العسكري في "هآرتس".