4:55: مجموعة من ثلاثين يهودياً تصل كعادتها يومياً، إلى "مغارة المخبيلاة" [الحرم الإبراهيمي] لأداء الصلاة [جماعة، بحسب أصول الشريعة اليهودية].* وتنتهي هذه المجموعة من أداء الصلاة في قاعة إبراهيم، قبل وقت قصير من بدء صلاة المسلمين. وكان بين أفراد هذه المجموعة الطبيب باروخ غولدشتاين، من مستوطنة كريات أربع.
5:05: الحرم الإبراهيمي يكتظ بنحو 800 من المسلمين
كان المؤذِّن جميل النتشة قد انتهى لتوه من رفع الأذان الذي لم يكن يعلن بدء صلاة الفجر فقط بل أيضاً بدء الصوم [الإمساك عن الطعام]. وفي "مغارة المخبيلاة"، التي تشكل المسجد المركزي في الخليل، يحتشد في قاعة إسحق نحو 800 مسلم، قسم كبير منهم من الشبان. يعضهم نام في المسجد طوال الليل. وبدأت النسوة يتوافدن إلى زاوية أُخرى من القاعة، منعزلة عن الرجال، لأداء الصلاة أيضاً، ولم يكن أي من هؤلاء يعلم أن الصلاة في هذا اليوم ستكون أقصر من المعتاد. فهي ستنقطع بسبب ظروف تهز المشاعر، سوياً مع حياة العشرات من المصلّين.
"إسمي محمد أبو صالح. من قرية دورا. وأنا المسؤول عن حراس الوقف في المسجد. نحن لا نحمل سلاحاً، ومهمتنا محصورة في أن نحرص على عدم دخول يهود إلى القاعدة في أثناء أداء الصلاة، وعدم دخول أشخاص مسلحين إلى هذا المكان المقدس. فإذا حدثت مشكلة نشتكي إلى الجنود الذين يحرسون المغارة. وعموماً، هناك عشرات الجنود الذين يحرسون المكان من الخارج، وفي الساحة الفاصلة بين قاعة إسحق وقاعة إبراهيم. ونحن ستة حراس نقوم بنوبة الحراسة الليلية التي تبدأ في الساعة السادسة والنصف مساء وتنتهي في الساعة السادسة والنصف صباحاً، بعد أداء الصلاة. وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وصل إلى المكان إثنان من اليهود وعليهما إمارات السُكر [!!] وأرادا الدخول. فاشتكينا إلى الجنود، فقاموا بإبعادهما.
"وبين المصلين اليهود الذين وصلوا بعد ذلك الوقت كان الطبيب أيضاً. نحن نعرفه جيداً. فقد كان يثير مشكلات دائماً. كان يدخل في الأوقات المحظور فيها الصلاة؛ يتشاجر مع الحراس والجنود، ويصرخ في وجوه الجميع. وكان في مرات كثيرة يرفض الخروج من المغارة، على الرغم من تحذير الجنود له. هذه المرة، أتى مرتدياً الزي العسكري، وعلى كتفيه شارة تدل على أنه برتبة نقيب. لم أفكر كثيراً في هذا الأمر، فالكثير من اليهود يخدم في الجيش. ولا يمكن أن أعرف، إذا كان في مهمة عسكرية أم لا.
"وفي الساعة الخامسة وعشر دقائق، عندما بدأت صلاة الفجر، قدم إلى باب القاعة وقال لي: أريد الدخول. لقد تحدث إلي باللغة العربية. فقلت له: الدخول ممنوع. فاقترب مني وقال لي: أنا المسؤول هنا، ويجب أن أدخل. أجبته: لا يمكنك الدخول، حتى ولو كنت ضابطاً. عندها ضربني بعقب بندقيته على كتفي. سقطت على الأرض، وعندها فتح الباب ودخل المسجد. رأيته يحمل بندقيته وعلى وسطه مسدس، ومخزن ذخيرة للبندقية في جيبه."
05:11: مئات المصلين يركعون على الأرض ثم يسجدون حتى تلامس جباههم الأرض. وعندها يبدأ الصراخ داخل القاعة "الله أكبر". المشهد خليط فظيع من أنهار الدم والجثث الملقاة على الأرض. ويركض الحارس محمد أبو صالح إلى الساحة لاستدعاء الجنود. وعلى حدّ قوله، لم يجد أياً منهم هناك. "عدت إلى قاعة المسجد ورأيت اليهودي يواصل إطلاق النار. بعد ذلك، خرج للحظة من داخل المسجد. وأطلق بضع عيارات في الهواء، واستبدل مخزن الذخيرة وعاد ثانية إلى القاعة. ارتبكت ولم أعرف ماذا أعمل. ركضت باتجاه هاتف لكن لم أنجح في الاتصال بأحد هاتفياً. رأيت بعض الأشخاص يخرجون."
05:12: "كنت في الصف الثالث والدماء في كل مكان"
حسين أبو يعوب [الأرجح أن يكون الاسم أبو يعقوب] يقول: "كنت في الصف الثالث للمصلين، وراء الإمام. وعندما ركعت سمعت أصوات عيارات نارية. صليت ركعة طويلة. للحظة خيم سكون، ثم بدأ صراخ جهنمي. استدرت إلى الخلف، الدماء في كل مكان. الناس بدأوا يتراكضون، داسوا على من كان لا يزال ساجداً. كذلك داسوا عليَّ. رأيت الدم ينزف من كتفي. النساء، من جناجهن بدأن يصرخن: أسعفونا أسعفونا، قتلوا كل الرجال."
05:15: جمهور المصلين يضرب القاتل حتى الموت
عندما يحاول الطبيب غولدشتاين استبدال مخزن الذخيرة الخامس في بندقيته، يلقي أحد المصلين عليه قاروة الإطفاء، غولدشتاين يسقط على الأرض، يهجم عليه من لم يُصَب من جمهور المصلين، ويضربونه حتى الموت. جثته تبقى ملقاة لوقت طويل بين جثث المصلين الذين قتلهم بسلاحه.
05:25: "اليهود يذبحوننا، هُبّوا للمساعدة"
وسط الفوضى التي سادت في القاعة، يتمكن أحد المصلين من الوصول إلى مكبر الصوت في المسجد. الدعوات الهائجة طلباً للمساعدة تسمع في كل أنحاء المدينة. يصرخ الرجل: "اليهود يذبحوننا في المسجد، هُبّوا للمساعدة". وبدأت هذه الدعوة تتكرر في المساجد الأُخرى. وسكان الخليل الذين كانوا مستيقظين بعد أن انتهوا من السحور بدأوا يخرجون إلى سطوح المنازل والنوافذ والساحات. ومن كل أنحاء المدينة بدأ الدعاء (الهتاف؟) يعلو "الله أكبر"، لكن هذه المرة كان دعاء ممزوجاً بالأسى الفظيع.
في هذا الوقت بدأ الرجال الذين بقوا في قيد الحياة ولم يصابوا بجروح يجلون الجرحى إلى خارج المغارة [المسجد]. الطريق طويل، نحو 200 – 250 متراً، وكثير الدرجات. كانت عملية إجلاء الجرحى تتم ببطء. الجمهور المحتشد كان في حال هيستيرية. وبالتالي فإن عدداً من بين مئات الجرحى الذين أصيبوا بجروح طفيفة، مات بسبب نزف الدماء وجراء الوقت الطويل الذي استغرقته عملية الإجلاء.
محمد ربيع، الذي كان يعالج في مستشفى "عالية"، قال: منذ بداية شهر رمضان كان الطبيب غولدشتاين يأتي إلى المسجد بضع مرات يومياً. وكان يتجول في كل زوايا المسجد حاملاً حقيبة صغيرة. ربما كان ذلك جزءاً من تخطيطه استعداداً للمجزرة. لقد تذكرت ذلك، بعد أن قالوا لي إسم الرجل. أنا لم أُصَب بجروح في المسجد. لقد جرحت جراء الضربات التي تلقيتها من الجنود، في أثناء إجلاء الجرحى. الفوضى كانت هي السائدة، والجنود منعوا إجلاء الجرحى في البداية.
وقال شريف بركات زهدي، "سمعنا رشقة طويلة. الكثير من الناس سقط قتيلاً. وعندما توقف عن إطلاق النار هاجمناه وضربناه. لقد نقلت 13 شخصاً [جريحاًٍ] إلى حين انتبهت أن رصاصة أصابت قدمي. ولم أر أبناء عائلتي وهم يبكون حول سريري إلا بعد أن أجريت لي عملية جراحية لإخراج الرصاصة. وبلّغوني أن أخي سفيان الذي كان يؤدي الصلاة معي هو من بين القتلى."
06:55: يجلون الجرحى ويدفنون الموتى
سيارات الإسعاف الأولى بدأت تصل. يُنقل المصابون بجروح خطرة إليها وهي في طريقها إلى مستشفى "عالية" ومستشفى "الأهلي". تُستنفر الأطقم الطبية من منازلها. السيارات الخاصة تصل إلى المسجد وتجمع الجرحى والقتلى سوياً من دون تمييز، في الطريق إلى المستشفيات. ويقوم بعض الشبان الهائجين بأخذ بعض الجثث إلى المقابر لدفنها بسرعة، وأحياناً قبل التعرف عليها تماماً.
06:00: الجميع يفتش عن الأقارب
بلبلة وفوضى في الخليل. يتدفق عشرات الشبان إلى المستشفيات. يرفعون المتاريس، ويشعلون النار في أطر السيارات، ويصطدمون بقوات الجيش. عائلات بكاملها تأتي للبحث عن أقاربها.
سيارات الإسعاف التي تصل إلى مستشفى "الأهلي" حاملة مصابين بجروح خطرة، تستدير وتتوجه بالجرحى إلى مستشفيات القدس. يتضح أن الأطقم الطبية لم تصل بعد. وليس هناك مخزون كافٍ من الأدوية. ثماني سيارات إسعاف تنطلق بسرعة نحو القدس، بعضها إلى مستشفى "المقاصد" وبعضها الآخر إلى مستشفى "هداسا". الجرحى ينقلون على نقالات الإسعاف. وأحياناً على الأيدي، مباشرة إلى غرف العمليات. وعندما تُعلن وفاة أحدهم ينفجر الجمهور بالصراخ "شهيد شهيد". وعندما تخرج الجثة من المستشفى يهتف الجمهور المحتشد "بالروح بالدم نفديك يا شهيد." الضغط والاكتظاظ مخيفان. بعض الناس أُصيب بحالات إغماء.
07:00: الأدوية في المستشفيات نفدت
أرضية مستشفى "عالية" بدت كبركة دماء هائلة. المخزون من الأدوية نفد ومن المآذن انطلقت دعوات إلى السكان بواسطة مكبرات الصوت، للقدوم إلى المستشفيات والتبرع بالدماء. وانتظمت صفوف من المنظمين قرب غرف المعاينة والتشخيص لتنظيم عملية التبرع بالتجهيزات والبطانيات.
وعلى مسافة ما من المستشفى، تجمع مئات من الشبان، خشية أن يأتي الجيش ويطالب بنقل الجثث للفحص في معهد الطب القضائي. الكثير منهم ملثمون، وفي أيديهم حجارة، وزجاجات فارغة، وقضبان حديد، وعصي، وزجاجات حارقة. وتلتهب الخواطر في إثر انتشار شائعة قيام المستوطنين بتنظيم هجوم على المدينة. والقائمة بأسماء القتلى المكتوبة بخط اليد والمعلقة على باب المستشفى تطول من حين إلى آخر.
07:10: سابقة إغلاق الطريق المؤدي إلى القدس
من بلدة حلحول المؤدية إلى الخليل، حيث يمر الطريق المؤدي إلى القدس، يسمعون بالمجزرة. الشبان يخرجون إلى الطريق العام ويرمون السيارات بالحجارة. طريق القدس – الخليل يغلق أمام السيارات الإسرائيلية أول مرة منذ سنة 1967. الصليب الأحمر يُستنفر طلباً للمساعدة. في المقابل يُرسل بلاغ إلى مقر الأمم المتحدة في منطقة الشيخ جراح في القدس، طلباً للمساعدة أيضاً. وهناك يتم استنفار طاقة الطوارىء. ويبدأون بتحميل سيارات الأمم المتحدة أدوية وتجهيزات للمستشفيات. السيارات تنطلق في طريقها قرابة الساعة العاشرة فقط. وهذا يعني أن المساعدة بالنسبة إلى بعض الجرحى وصلت متأخرة جداً.
جمع غفير من سكان مدينة الخليل يخرج إلى الشوارع. الكثير منهم يتقدم نحو المستشفيات. تبدأ الاصطدامات بين الجيش والسكان، وفي خلالها يصاب أناس آخرون بجروح. نبأ المجزرة ينتشر في جميع أنحاء الضفة الغربية. الجيش يفرض حظر التجول في مدينة الخليل. لكن أحداً لا يصغي إلى التعليمات. فشبان المدينة كلهم يبقون خارج المنازل. ومنذ ساعات الصباح الأولى يُقطع التيار الكهربائي عن أحياء كثيرة في المدينة. وتبدو مدينة الخليل كميدان معركة. وميدان المعركة يتطلب سقوط ضحايا.
ويحصر النتشة [جمال النتشة] عدد القتلى فيقول: "الآن هناك 24 قتيلاً في مستشفى 'عالية'، وقتيلان في مستشفى 'محمد علي'. أي ما مجموعه 37 قتيلاً، والساعة لا تزال العاشرة صباحاً. من يعرف ما الذي سيكون عليه الوضع في نهاية اليوم."
10:30: أعمال شغب في شوارع المدينة
في حي الشيخ يخرجون جثة أحد القتلى من القبر. وفي وقت لاحق تم نقل الجثة إلى عائلتها للتعرف عليها. بعض القتلى يتم دفنهم في قرية دورا وقرى أُخرى في المنطقة، لأن الطريق إلى المقابر سد بالمتاريس. وفي الكثير من المنازل يخرجون الكراسي إلى الشوارع لتلقي العزاء.
16:00: منشور يعلن "استئناف الكفاح المسلح"
المنشور الذي وزعته حركة "فتح" في الخليل يعلن استئناف الكفاح المسلح – وبصورة خاصة ضد المستوطنين: "كل مستوطن يسير في شوارع المدينة يشكل هدفاً للقوات الضاربة، ويجب تصفيته. منذ الآن ستعود قوات فتح في منطقة الخليل إلى الكفاح المسلح ولن نقبل بتعليمات عرفات بوقفه، إلى حين سحب المستوطنات والمستوطنين كافة من الأراضي الفلسطينية."
16:30: نشر رسالة الوداع
أحد سكان مستوطنة كريات أربع يوزع على الصحافيين الرسالة القصيرة التي أبقاها وراءه الطبيب غولدشتاين قبل أن يتوجه لتنفيذ المجزرة. رسالة جافة وقصيرة موجهة إلى عمرام يفراح، مديرة الجمعية، التي تنظم الأطقم الطبية في مستوطنة كريات أربع، حيث كان غولدشتاين، أعلى الأطباء رتبة: "أريد أن أعرب عن شكري وامتناني لك على العمل المشترك. لقد استمتعت كثيراً بالعمل معكم. فلتواصلوا بعزم خدمة هذا الجمهور المقدس بإخلاص وبمحبة إسرائيل." التوقيع د. باروخ غولدشتاين.
18:00: إحصاء نهائي للقتلى، 53 قتيلاً
قائمة بأسماء القتلى تنشر. وفي الإحصاء الأول يتضح أن هناك 53 قتيلاً. بعضهم سقط قتيلاً جراء إطلاق النار في المسجد، والبعض الآخر جراء الصدامات مع الجيش. المستشفيات ما زالت مملوءة جرحى. الخليل في صدمة، وحظر تجول. يتحدثون هناك عن الانتقام.
المصدر: "يديعوت أحرونوت"، 27/2/1994، من: روني شكيد وستفي زينغر – الخليل.
* وفقاً للشريعة، فالصلاة لا تجوز إذا كان عدد المشاركين فيها أقل من عشرة أشخاص.