Journey to Hebron: Eyewitness Accounts of the Events of February 25, 1994
Keywords: 
الحرم الإبراهيم (الخليل)
مجزرة الخليل 1994
شهادات
الخليل
المستوطنون الإسرائيليون
أعمال العنف من قبل المستوطنين
سياسة الاستيطان
Full text: 

في الرابعة من بعد ظهر يوم 1 آذار/مارس 1994، أي في اليوم الخامس من قيام باروخ غولدشتاين – وهو طبيب يهودي أميركي، هاجر إلى إسرائيل سنة 1982، واستقر في مستوطنة كريات أربع قرب مدينة الخليل – بفتح النار على المصلين الفلسطينيين في أثناء صلاة الفجر، تمكنتُ من دخول الحرم الإبراهيمي، وكانت مدينة الخليل مغلقة عسكرياً من قِبل الجيش الإسرائيلي. وكان حظر التجول قد فُرض [ولا يزال حتى تاريخ كتابة هذه الأسطر] على المدينة.

داخل الحرم، شاهدتُ جنود إسرائيليين وهم لا يزالون يحاولون محو آثار الجريمة. وكانت المياه تجري على أرض قاعات الصلاة من خراطيم ضخمة. لكننا رأينا بقعاً كبيرة من الدماء الجافة، دماء المصلين. وكان بعض الجنود يطلق النار، وكانت أصوات مكانس كهربائية تُسمع في إحدى القاعات، ورأينا جندياً ينظف السجاد القديم في المسجد، وكان السجاد ملطخاً بالدماء.

وفي إحدى زوايا الحرم شاهدنا أكياس نفايات مملوءة أحذية، أحذية المصلين وأحذية لأطفال ونساء ورجال، عليها آثار دماء.

أخرَجَنَا الجنود بعد وقت قصير، فلم نتمكن من النظر ملياً إلى آثار الرصاص على الجدران. وبقي سؤالنا، عما إذا كان الجنود يحاولون تغطية الثقوب التي أحدثها الرصاص في الجدران، من دون جواب.

ثم ذهبنا إلى مقبرة الشهداء حيث أسرع الأهالي إلى دفن الضحايا خوفاً من أن يسلّم الجيش الإسرائيلي الجثث إلى السلطات الإسرائيلية لتشريحها. ورأينا ضريح محمد عطية السلايبة الذي استشهد برصاص مستوطن أو جندي إسرائيلي وهو يدفن صديقه. وفي مقابل المقبرة يوجد مستوطنة يهودية في قلب مدينة الخليل. ورأينا المستوطنين يمشون مزودين بالأسلحة الرشاشة من دون أن تعترضهم حواجز الجيش الإسرائيلي، وذلك في قلب الخليل.

واستطعنا عند دخولنا الخليل مرة أُخرى التجول ومقابلة عدد من جرحى المجزرة. كما قابلنا في مستشفى الأهلي في المدينة عدداً من الأطباء وشهود العيان الذين رووا ما جرى عند مدخل الطوارىء في المستشفى يوم المجزرة. وقابلنا أيضاً أفراد عائلة أحد الشهداء، وهو جميل النتشة، مؤذن الحرم الخليلي. وروى لنا هؤلاء ما حدث، أو على الأقل ما شاهدوه داخل الحرم هذا الصباح.

وبدا واضحاً أن المجزرة كانت من فصلين: الأول داخل الحرم، والآخر أمام مستشفى الأهلي. ومهما تكن الأسباب، فقد وجد المصلون أنفسهم في فخ دموي. وسلسلة الأحداث تثير تساؤلات عدة:

أولاً: لماذا عمد الجنود الإسرائيليون قبل صلاة الفجر إلى الفصل بين النساء والرجال؟ فعادة يصلي الرجال والنساء في القاعة نفسها؛ الرجال في طرف والنساء في الطرف الآخر.

ثانياً: لماذا لم يكن الجنود موجودين عند مدخل الحرم، كما كان مفترضاً؟ وقد اعترف الجنرال داني ياتوم، قائد المنطقة العسكرية الوسطى، في أثناء شهادته التي أدلى بها في صباح 8 آذار/ مارس أمام لجنة التحقيق الإسرائيلية المؤلفة من أربعة أعضاء برئاسة مئير شمغار رئيس المحكمة العليا، بوجود سلسلة من الأخطاء منها الإهمال. وقال لو أن جميع الجنود وأفراد حرس الحدود كانوا في موقعهم لكان ذلك بمثابة رد ملائم على غولدشتاين. إلا إن الجنرال ياتوم لم يقدم، خلال شهادته، أي شرح لسبب غياب الجنود المكلفين بالحراسة، علماً بأن الليلة التي سبقت المجزرة تميزت بسجال بين المصلين المسلمين والمستوطنين اليهود، الذين كانوا يريدون استخدام الحرم في فجر 25 شباط/ فبراير للاحتفال بعيد "المساخر" [البوريم] اليهودي.

إن السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو، طبعاً، ما إذا كان غولدشتاين قام بهذه العملية بمفرده. كما أن تصرفات الجيش قبل المجزرة وخلالها وبعدها تثير تساؤلات كثيرة. إذ لماذا لم يسمح للمصلين بالخروج من الحرم. ولماذا أطلقوا النار على المصلين؟ لماذا أعاق الجيش الإسرائيلي بالحواجز حركة سيارات الإسعاف؟ لماذا عمد الجيش الإسرائيلي إلى فتح النار على الأهالي أمام مستشفى الأهلي خلال مسارعتهم إلى التبرع بدمائهم، فقُتل شاب على مدخل المستشفى؟

ويؤكد معظم المحللين الإسرائيليين أن غولدشتاين لم يكن ظاهرة متأتية من فراغ أيديولوجي؛ فهو ينتمي إلى حركة يهودية عنصرية معادية للعرب، وهي حركة كاخ التي أسسها الأميركي المتطرف مئير كهانا. ومما يثير القلق في إسرائيل كون "الكهانية" تتلقى دعماً من قِبل عدد كبير من المستوطنين، وحتى بين صفوف الشبيبة الإسرائيلية، كما تبين في تحقيق أجرته وكالة رويتر في إحدى مدارس القدس. إذ أكد معظم التلاميذ أنهم يعتبرون غولدشتاين بطلاً يهودياً إسرائيلياً "قام بقتل العرب قبل أن يقتلونا."

ماذا جرى في مدينة الخليل يوم 25 شباط/ فبراير 1994، في شهر  رمضان؟ لعل الشهادات التالية التي استمعنا إليها في قلب الخليل، وهي شهادات المصلين وعائلات الشهداء، والأطباء، والممرضين، ستلقي بعض الأضواء:

زنوب النتشة، والدة مؤذن الحرم الشهيد جميل النتشة، الذي قُتل في الجامع (الخليل، 1 آذار/مارس 1994):

"أذهب يوماً لأصلي مع ابني في الحرم. وينظر إلينا اليهود بكراهية في الحرم. يبحرنا [يحدّق بنا] اليهود بعيونهم وكنا دوماً نتجنبهم. يوم الخميس الواقع في 24/2/1994، أي عشية المجزرة، ذهبنا للصلاة ظهراً. قال اليهود إنهم يريدون إقامة عيد 'المساخر' والصلاة في المكان الذي نصلي فيه. رفضنا ذلك وقلنا: لديهم أماكنهم للصلاة. فأقاموا حواجز بيننا وبدأوا بالأعمال الاستفزازية تجاه النساء فهربنا منهم. وبدأوا يتكلمون بالعبرية ويطبلون ويقولون كلاماً غير معقول. في الليل ذهب ابني ليصلي ويؤذن، ابني الشهيد، فحاول اليهود الحؤول دون دخول ابني إلى الداخل ومعه المصلون، وضربوا ابني بالأحذية والكراسي. قلت له: يا ماما: لا تذهب، فرفض. صباحاً ذهبنا إلى الحرم.

"خلونا نصلي. وكنا على وشك أن نرجع فرموا أول قنبلة ثم ثاني قنبلة. فكّرنا أن الصوت رعد في السماء أو طائرة. اهتز الحرم. ثم بدأوا 'الطخطخة' [إطلاق النار]، بدأوا 'يطخطخو' [يطلقون النار] على الناس. ونحن لم نعرف إلى أين نلجأ. وحاولنا الخروج، غير أن رجالنا لم يتمكنوا من الخروج. وهربنا والدماء شلالات على الأرض، على الدرج، على الطريق.

"وبدأوا فتح النار علينا في الخارج، والباقون في الداخل. الناس كانت كلها على الإسفلت في الشارع مرمية مثل الغنم المذبّحة. مش حرام عليهم، أولادنا نربيهم بدماء قلبنا. نحن نريد دولة تحمينا، دولة إسلامية تتيح لنا الصلاة بأمان.

"طفّوا [أطفأوا] الأضوية [المصابيح] يا حبيبتي. قطعوا النور. صرنا نختبىء وراء الأعمدة، ونتعثر بجثث أولادنا ورجالنا في الظلام ووسط الصراخ.

"لم أر ابني الشهيد. لم نتمكن من دخول الغرفة التي كانوا يقتلون الرجال فيها. وجّهوا رشاشاتهم علينا، فخرجنا عن طريق الدرج العريض، ففتحوا النار على النازلين. ونحن النساء كنا مُلْتزّات وغير عارفات [كيف] نعدّي [نمُر]. وكل الشباب كانوا على الإسفلت."

يسرى النتشة، ابنة عم الشهيد جميل النتشة:

"تأخرت سيارات الإسعاف ساعة. وكان من المفترض أن يصل الجيش فوراً لأن معه جهاز لاسلكي. لم يستخدموه، ولم تأت الطوافات العسكرية. أغلقوا المآذن ومكبرات الصوت تخوفاً من [إذاعة] نداءات للنجدة. كنا نريد أن ندعو المسلمين للنجدة لكي يسعفوا الجرحى ويتبرعوا بالدماء. طفّو [قطعوا] الكهرباء، وما عاد هناك صوت لأي مؤذن ولا جامع. سكّروا [أغلقواٍ] ما خلوش [لم يدعوا] الناس تسمع، سكّروا الحواجز على الطرقات. أنا شهدت الجنود الإسرائيليين وهم يعترضون السيارات التي كانت تنقل الجرحى. كان السائق يقول: 'معي جريح اسمحوا لي بالمرور'. ويرد الجندي: 'لو حاولت المرور سأطلق عليك النار'. فقال السائق: 'أطلق عليّ النار'، وهذا ما حصل أمامي. هذا لا يجوز، ولكن حصل. لو نفهم، وحتى الآن لم نفهم لماذا طلبوا للمرة الأولى من النساء في الجامع الصلاة في غرفة مستقلة عن غرفة الرجال والشباب. ولم نفهم السبب في البداية، اعتقدنا أن الجامع ربما كان مكتظاً بالناس، ولكن لم يكن الأمر كذلك. وأطلقوا أربع قنابل صوتية. وبدأ إطلاق النار من ستة اتجاهات أو سبعة. لقد شهدت النيران [تصدر] من عدة اتجاهات. والجيش كان يساند المستوطنين. التدبير من الجيش. عشية المجزرة كانت الناس تقول: 'سيحدث شيء ما الليلة'. ماذا يعني ذلك؟ توجد مؤامرة.

"وعلم بعض الناس أن مؤامرة ما تحاك إلا إنهم لم يعرفوا التفاصيل. ولم يكن هناك هذا الصباح إلا عدد ضئيل من الجنود؛ ثلاثة ربما، وكانوا كلهم صغاراً في السن. وحتى الحراس لم نر أحداً منهم."

محمد جبريل النتشة، شقيق الشهيد جميل النتشة:

"يقول الإسرائيليون في وسائل الإعلام التابعة لهم إن رجلاً واحداً قام بهذه المجزرة. أنا لديّ القناعة واليقين الكامل أن هناك ناساً قد استشهدت بعد أن قُتل الذي ارتكب العملية (باروخ غولدشتاين)، يقال إن 111 طلقة نارية أطلقت في الحرم. هذا ما يؤكده الإسرائيليون رسمياً، وهذا ما قيل في التحليل الإخباري العسكري الإسرائيلي. لم يذكروا القنابل التي أُطلقت على المصلين. حملت أخي الشهيد، ودفنته، ووجدت في جسمه عدة طلقات، فهذا يعني أن الـ 111 طلقة التي يتحدثون عنها لو توزعت بهذا الشكل، لكان من المفترض أن يكون هناك عشرة شهداء أو 12 شهيداً لا أكثر، فكيف تفسرين إذاً وجود 39 شهيداً داخل الحرم، إضافة إلى حوالي 300 جريح؟ كيف أُصيب هؤلاء؟ ومن أين أتت الطلقات؟

"روى لي بعض الأصدقاء أنهم شاهدوا ناساً كانوا أحياء بعد موت باروخ غولدشتاين، ثم وُجِدوا مقتولين. أخي توفي بعد موت باروخ. أخي أصيب أولاً بعد أن أُطلقت القنبلة على المحراب. أصيب بشظايا، وحَمَل شهيداً بعد موت باروخ. وفيما هو يغادر المسجد، اعترضه جندي من الجنود وأطلق عليه ما بين 10 و12 طلقة. لقد شاهدت الطلقات، أخي الأصغر كان أيضاً في الحرم، حمل إنساناً من أجل إسعافه. قابله جندي إسرائيلي وقال له: 'سأقتلك في حال لم تتخل عن هذا الجريح'، فاضطُر أخي فرفع يديه ورمى الجريح على الأرض. كان إطلاق النار يتم من ثلاثة أبواب ومن أكثر من موقع. والذي نفذ العملية، أنا أشك، العشرات منهم.

"كان المرحوم الحاج جميل يتعرض دوماً لاستفزازات المستوطنين لأن صوته كان جميلاً جداً، وهو مؤذّن. وكانوا في أثناء الأذان يقطعون [الكهرباء] مراراً [كي يكتمواٍ] الصوت [....]

"وفي ليلة الحادث ضايقه المستوطنون واعتقلوه في الحرم حتى الساعة الحادية عشرة وعندما سألناه لماذا تأخرت أجاب: 'المستوطنون قالوا لي الليلة: سترى غداً ماذا سيحدث لكم؟' وبالفعل حدث ما حدث. ولم يأخذ أولاده الصغار إلى الحرم فجر يوم 25/2 لأنه شعر بأن مشكلة ما ستحدث. لكننا لم نفكر أن العملية كانت مدبّرة مسبقاً ومخططاً لها. فعادة يكون في الحرم كل ليلة 15 جندي حراسة، زائد آلات التصوير الخفية.

"أما في هذه الليلة، فكان هناك ثلاثة جنود فقط.

"أخي جميل قُتل بنوعين من الذخيرة: أُصيب بالقنبلة التي أُطلقت على المحراب، ومن ثم أصيب بطلقات رشاش. دفنته بيدي. وقد وجدت في جسمه 12 طلقة. وكان فكه مكسوراً بسبب القنبلة، إضافة إلى شظايا من جراء القنبلة. القنبلة شوهت وجهه كثيراً، ومزقت هدومه [ثيابه]، وفكه كُسر إلى الآخر إلى حد أنني لم أتعرف عليه. ووجده الشباب. كانوا ينقلون جثته، وقالوا لي: 'أخوك جميل معانا'. فقلت: 'أين هو. دعوني أراه، هل هو بخير؟' فقالوا: 'إنه معانا بالسيارة، ونحن ذاهبون لدفنه.' ودفناه فعلاً وهو لابس هدومه [ثيابه].

"وتأخرت سيارات الإسعاف بسبب الجيش الإسرائيلي، وخصوصاً على طريق الدبّوية. كان الجيش يعترضهم. سيارات الإسعاف التي أتت من رام الله وصلت إلى الشباب قبل سيارات الخليل. وتأخر الإسعاف لمدة ساعة. ونقلنا الجرحى إلى المستشفى بالسيارات الخاصة. وسيارات رام الله أتت من طرقات أُخرى، وساعدها الشباب الذين عرفوا الطرقات المؤدية إلى الحرم والخالية من الجيش."

مصطفى النتشة، رئيس بلدية الخليل السابق الذي أقالته السلطات الإسرائيلية (الخليل، 27/2/1992):

"في هذا اليوم كان هناك أربعة جنود إسرائيليين فقط، في حين أن العدد كان عادة 20 جندياً. دخل  المستوطنون المسلحون إلى الحرم قبل ساعة ونصف الساعة من بدء صلاة المسلمين في ذلك اليوم. وكان المسلحون يحملون الرشاشات. الذي قاد العملية هو غولدشتاين. هو الذي رمى المتفجرات على المصلين وهم ساجدون. وهو الذي أمطرهم بنيران رشاشه. وربما كانت هناك مساعدة من المستوطنين الآخرين الموجودين؛ لأن هذا العدد الهائل من الجرحى والشهداء لا يعقل أن يسبّبه شخص واحد بمفرده. استمرت عملية إطلاق الرصاص وإلقاء القنابل حوالي 15 دقيقة. في هذه الأثناء هرب الجنود الأربعة، الذين كانوا داخل الحرم، إلى الخارج. الكاميرات الموجودة داخل الحرم تستطيع مشاهدة كل شخص داخل الحرم [وتستطيع تسجيل] حتى صوته، دبيب النمل يُسمع لدى وحدة الجيش الموجودة في موقع ملاصق للحرم. شريط الفيديو موجود لدى الجيش، لكن إنْ طلبته سيقولون لك، ربما، إن الكاميرات كانت معطلة أو كذا وكذا. لم يُسلّم هذا الشريط إلى أحد. نحن نطالب بلجنة تحقيق دولية تأتي إلى المكان، وتحقق، وتعرف بالضبط ما جرى، ومن هي الجماعة المتآمرة مع غولدشتاين. ونطالب بوجود قوات دولية تقوم بحماية الفلسطينيين. نحن عزّل من السلاح، والمستوطنون أشخاص متطرفون، وكلهم مسلحون، وسريعو الغضب، واستعمال السلاح. المفاوضات طالت، وفي هذه الأثناء ارتُكبت مجازر، ولا نعرف متى تنتهي. نطالب بأن تقوم م. ت. ف. بإعادة النظر في العملية برمتها، وبالدخول إلى المرحلة النهائية، وبأن تأخذ بعين الاعتبار أن لا وجود في المستقبل للمستوطنين والمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولن نؤيد إلا الحل الذي يرضينا. إذا أُريد للسلام أن يكون عادلاً ودائماً، فيجب نزع المستوطنين من المناطق المحتلة وأخذهم إلى داخل إسرائيل.

"هناك أيضاً أخطاء من قِبل الجيش بعد العملية مباشرة. لقد هرعت الناس إلى الحرم لتطلب الإسعاف. وعندما توجه الحارس الموجود في الحرم، وهو أعزل، إلى التلفون في داخل الحرم، منعه المستوطنون من استعمال التلفون وطلب سيارات الإسعاف. جرى إلى الخارج وهو يصيح ويطلب النجدة من الناس. هرعت الناس إلى الحرم لتساعد في إخلاء الجرحى. فبدأ الجيش إطلاق الرصاص عليهم ومنعهم من الدخول. الجرحى والشهداء الذين كانوا داخل الحرم أُخرجوا من داخل الحرم من قبل المصلين الذين لم يصابوا، واستمر الجيش في استفزازاته والناس في حالة الصدمة والحزن والغضب، وأطلق الرصاص. واستشهد إثنان آخران في ساحة المستشفى. أحاط الجيش بمستشفى الأهلي من جميع النواحي. وكان يطلق الرصاص. طلبنا من المحاكم مراراً وتكراراً أن يُسحب الجيش من محيط المستشفى. كان هناك حوالي عشرة آلاف شاب. لا يعقل أن يرى الشباب الجيش في محيط المستشفى ولا يرجمونه بالحجارة.

"في هذه الأثناء، أطلق الجيش الرصاص فاستشهد عرفات البايض وهو خارج من المستشفى بعد أن تبرع بالدم. واستشهد إسماعيل قفشة أيضاً داحل المستشفى. وأصيب في ساحة المستشفى حوالي 14 مواطناً آخر برصاص الجيش."

مواطن كان في المسجد لحظة المجزرة، طلب عدم ذكر اسمه (الخليل، 27 شباط/ فبراير 1994):

"كنت أصلّي. كنت في الصف الأمامي. رمى رجل من الخلف متفجرة أو قنبلة يدوية، وفتح النار علينا مدة أربع دقائق. وقد حاول أحد الفلسطينيين داخل المسجد ردعه فقتله مسلح آخر لم أستطع رؤيته. لكن النار أُطلقت من اتجاه مختلف، من خارج المسجد. وعندها أعاد القاتل الأول تذخير سلاحه.

"ولم يسمح الجنود لنا بادىء الأمر بوضع الجرحى في سياراتنا الخاصة، على الرغم من أنه لم يكن هناك سيارات إسعاف. ودخل جندي خلال قيام غولدشتاين بإطلاق النار علينا، ثم ابتعد بسرعة، وسمعت طلقات رشاش ومسدس في نهاية الجريمة. وتساقط الناس عليّ نظراً إلى وجودي في الصف الأمامي. ولم أتمكن من النظر إلى الخلف إلا بعد دقائق، فرأيته (غولدشتاين) وهو يبدل مخزن بندقيته [من طراز غاليل بحسب الجيش الإسرائيلي]. ثم بدأ يطلق النار مجدداً، ولم أر كيف قُتل. وعندما انتهى الأمر، قمت بالمساعدة في إنقاذ الجرحى."

الدكتور زعتري (مستشفى الأهلي في الخليل، 27/2/1994):

"في الساعة العاشرة صباحاً، يوم المجزرة، أنهينا عملنا لإسعاف ضحايا الحرم. ومن ثم في التاسعة والنصف، أو العاشرة تقريباً بدأ يصل إلى المستشفى ضحايا جدد جُرحت أو قُتلت على يد الجنود خارج مستشفى الأهلي. أناس أتوا إلى هنا لمساعدتنا والتبرع بالدم. وخرجت مرة واحدة من غرفة الطوارىء إلى المدخل لأرى ما يحدث: رأيت شباباً يرمون الجنود بالحجارة. وقُتل أربعة أشخاص أمام المستشفى وجُرح 15 آخرين. وكلهم أُصيبوا في باحة المستشفى."

الدكتور مازن عرفه (مستشفى الأهلي في الخليل، 27/2/1994):

"أريد أن أقول إن الجرحى والقتلى داخل الحرم لم يصابوا برصاص فقط. لقد أصيبوا أيضاً بقنابل من نوع ما. وهذا بدا واضحاً لنا بعد أن تفحصنا نوع الجروح. ولا يعقل أن يصدق المرء أن شخصاً واحداً تمكن من قتل وجرح هذا العدد من الفلسطينيين في مستشفى الأهلي، في الخليل فقط، استقبلنا 20 قتيلاً و80 جريحاً. وهؤلاء جُرحوا أو قُتلوا في الحرم.
"إضافة إلى ذلك، استقبلنا أربعة كانوا قد قُتلوا. وكما تعلمين أن الجيش الإسرائيلي لا يحب تجمعات الفلسطينيين، فأطلب عليها نيران رشاشاته."

مواطن يقطن في مكان مجاور لمستشفى الأهلي، طلب عدم ذكر اسمه (27 شباط/ فبراير 1994):

"إني أقطن في جوار المستشفى. استيقظت ورأيت حشوداً كبيرة من الناس الواجمة. وكان في وسع الجيش الإسرائيلي رؤية ما كان يجري من دون الاقتراب من المستشفى، لكنه لم يفعل ذلك. وقد رماه بعض الشبان بالحجارة، ففتح الجنود النار على المحتشدين عند باب الطوارىء. ولم يكن بعض من جُرح وقُتل من الذين رموا حجارة، كان يمد يد العون فحسب. فعرفات البايض قُتل عقب تبرعه بوحدة من دمه، وقد أخطأ الجنود بوقوفهم في مكان قريب جداً [من المستشفى]؛ فقد كان في استطاعتهم أن يراقبوا من بُعد بالعين المجردة، ثم إن لديهم مناظير."

حربه مصبيح (جُرح في المجزرة ونُقل إلى مستشفى الأهلي):

"كنا نسجد. لم ننظر إلى الخلف. حرام في الدين الإسلامي أن ننظر إلى الوراء ونحن نسجد. ما شفنا [رأينا] إلا حالنا [أنفسنا] كالمسبحة التي تفرطينها. هذا ما نعرفه. كان إطلاق النار يأتي من عدة جهات، والطلقات تأتي من جميع الجهات. وكل من يحاول الهروب من باب الحرم كان يتعرض لنيران الجيش. وأتمنى لو أني استشهدت، أولاً لأني بين يدي الله، وثانياً في الحرم الإبراهيمي. وكنا نصلي وصائمين في يوم 15 رمضان." 

برقية إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية تطالبه بوضع حد للاعتداءات على المسجد الإبراهيمي في الخليل

الموضوع: المسجد الإبراهيمي الشريف

اعتدى عدد من المستوطنين اليهود، على ستة من حراس المسجد الإبراهيمي، وعلى أحد المصلين، البالغ من العمر أربع وستين عاماً، وذلك مساء يوم الجمعة 8/10/1993، عند رفع آذان العشاء وقطعه، بعد اعتداء المدعو [باروخ] على المؤذن، بالإضافة إلى وضع مواد كيماوية حارقة على سجاد المسجد يوم الخميس 14/10/1993، ولولا يقظة الحراس والمصلين لحصل ما لا تحمد عقباه.

إن هذه الاعتداءات المتكررة يومياُ في الحرم الإبراهيمي الشريف لا يمكن السكوت عليها.

إننا مع الأسف، لم نشعر في يوم من الأيام أن السلطات الإسرائيلية اتخذت قرارها ضد تصرفات هؤلاء المستوطنين المعتدين.

إننا نرجو أن يكون واضحاً بأننا لم نوافق في الماضي، ولا نوافق في الحاضر، ولن نوافق في المستقبل، أو نقر أي ممارسة لصلاة غير المسلمين في المسجد الإبراهيمي الشريف.

ونأمل من المسؤولين وضع حد لهذه التصرفات الاستفزازية المعتدية على حرية العبادة، وعلى حق المسلمين المطلق في مسجدهم.

هذا مع الاحترام...

رئيس مجلس الأوقاف

والشؤون والمقدسات الإسلامية

رئيس الهيئة الإسلامية العليا/القدس

تحريرا في 16/10/1993.