إن إنشاء ريفييرا شرق أوسطية تشمل شواطئ السعودية، والعقبة في الأردن، وإيلات في إسرائيل، وجنوب سيناء في مصر، هو جزء من مخطط سياحي واسع النطاق، يرمي إلى تحقيق الطاقات السياحية الكامنة في النقب وقت السلام، وُضع قبل أيام على طاولة وزير الخارجية شمعون بيرس ووزير السياحة عوزي برعام. وفي موازاة ذلك، يرسم المخطط خطوطاً عريضة لمشروع إسرائيلي – أردني لحفر قناة مياه تربط خليج إيلات والعقبة بالبحر الميت.
وبعد مناقشته منت قِبل الحكومة، سيشكل هذا المخطط، الذي أعد بناء على طلب وزارة الخارجية، من جملة جهات أُخرى، أساساً لمناقشات لجان السلام المتعددة الأطراف، المشتركة بين إسرائيل والأردن ومصر. وحتى لو كان هذا المخطط يستند إلى مقترح قدمه الأردنيون إلى إسرائيل، فهو أول مخطط إسرائيلي شامل يتناول الانعكاسات المحتملة لسلام قريب بين إسرائيل وجاراتها.
وقد اشترك في إعداد المخطط، خلال نصف العام الأخير، جهات عليا لها علاقة بإدارة محادثات السلام، وموظفون في وزارة الخارجية، ووزارة الدفاع، والجيش الإسرائيلي، ووزارات اقتصادية مختلفة. وكان على رأس طاقم المهندسين المعماريين ومخططي المدن، الذين بلوروا هذا المخطط، المهندس الأستاذ أدام مزور، رئيس طاقم البرنامج التخطيطي الرئيسي لإسرائيل لأعوام الألفين، والمهندس المعماري ومخطط المدن تومي لايترسدورف، رئيس إدارة تطوير السياحة في النقب.
وكان الأردنيون قد قدموا مقترحهم، الذي بُلور المخطط في إثره، إلى إسرائيل قبل بضعة أشهر، خلال أحد اجتماعات اللجان المتعددة الأطراف. واشتمل المقترح على مخطط لحفر قناة مياه تربط البحر الأحمر بالبحر الميت على طول الانهدام السوري – الإفريقي، وتزود إسرائيل والأردن بالطاقة الكهربائية. وفي موازاة ذلك، نص المقترح على إقامة مستوطنات على امتداد القناة، وتطوير زراعة بحرية في الصحراء، وإنشاء بحيرات اصطناعية تحيط بها مراكز جذب للسياح.
وقد دمج أدام مزور وتومي لايترسدورف مقترح الأردنيين في المخطط الذي كانا منصرفين إلى إعداده، بعد أن طلب الوزير بيرس منهم ذلك، وهو مخطط خماسي لتطوير السياحة في النقب لفترة 1992 – 1997. ومن المفترض أن يقدم المخطّط المنسّق الموقفَ الإسرائيلي إلى الأردنيين والمصريين في إطار محادثات السلام.
وقد استرشد واضعو المخطط بموقف مؤداه أن تطوير طرق مواصلات وسياحة في الأماكن التاريخية، إلى جانب إقامة مشاريع متعددة الجنسيات، كمشروع قناة البحر الأحمر – البحر الميت، وشبكو مواصلات موحدة بين العقبة وإيلات، وريفييرا أردنية – إسرائيلية – مصرية، سيؤدي إلى انقلاب في تطوير النقب واستيطانه، وسيقدم لاقتصاد إسرائيل وجاراتها مساهمة كبيرة.
هناك بضعة جوانب أساسية للطاقة السياحية الكامنة في النقب وقت السلام: إن وجود السلام وزوال التوتر الأمني يؤثران في طقاع السياحة أكثر من أي قطاع آخر، ومن شأنهما أن يزيدا في عدد السياح بصورة مهمة؛ كما أن فتح الحدود في المنطقة المذكورة، التي شكلت جسراً برياً بين الغرب والشرق لآلاف الأعوام، من شأنه أن يزيد في جاذبيتها لدى السياح؛ ففي إثر تقسيم المنطقة، فقدت جزءاً من فرادتها الطبيعية والتاريخية والأثرية، وسيزيد التعاون بين الدول في جاذبية المواقع، التي تشمل طريق العطور ومدن الأنباط والمحميات الطبيعية المميزة.
وفي الواقع، فإن الخطة وضعت وفقاً لخمسة سيناريوهات مصنفة من السلام الذي قد يبرم بين إسرائيل وجاراتها. الأول، فتح الحدود للتنقل المراقَب ببين بلدين، إسرائيل والأردن مثلاً، الذي سيسمح بتنقل السياح. وهناك إمكان آخر هو فتح الحدود كلها، الأمر الذي سيسمح بانتقال السياحة عبر امتداد جغرافي متواصل، مثلاً، من مصر، عبر إسرائيل والأردن، إلى السعودية.
ويضع سيناريو آخر الخطوط العريضة لتعاون ثنائي في مشاريع ثنائية الجنسية: مثلاً، تعاون إيلات والعقبة فيما يتعلق بالميناء البحري والمطار؛ تثبيت منسوب مياه البحر الميت، وتنفيذ مشروع قناة البحر الأحمر – البحر الميت. وثمة إمكان آخر هو تعاون متعدد الأطراف في مشاريع إقليمية: مثلاً، ريفييرا مصرية، وإسرائيلية، وأردنية، وسعودية في خليج إيلات – العقبة.
يتناول سيناريو مخصص لمدى أبعد التعاون على مستوى إقليمي قومي، على شاكلة "أوروبا الشرق الأوسط". وبحسب هذا السيناريو، فإن الدول ستتنازل عن ضرورة التزود ذاتياً بجزء من البنى التحتية القومية، كميناء بحري أو مطار، كما سيتلاشى جزء من الضغوط الأمنية. وهكذا، على سبيل المثال، سيكون في الإمكان تقليص مساحة حقول الرماية في النقب.
ووفقاً للتقرير، من المتوقع أن تتطور بضعة أنماط من السياحة في المنطقة: الأول سياحة هادفة، لا سيما حول المواقع التاريخية والأثرية والجيولوجية، بما في ذلك، مثلاً، رحلات تستخدم فيها الجمال والبغال، ورحلات للدراسة والبحث لدراسة الطيور، وسياحة دينية. ومن المتوقع أن تشكل مواقع الاستجمام في إيلات والعقبة مراكز جذب لسياحة الاستجمام. وحول البحر الميت، من الممكن أن تتطور سياحة طبية متفرعة. ومع أن السياحة الداخلية وأنماط ثقافة التسلية غير متطورة في الدول العربية، فمن المفترض أن في هذه الدول أثرياء كثر ممن سيفضلون الإقامة في مواقع قريبة من كازينوهات في أوروبا، كما يفعلون اليوم.
لكن المشروع المركزي في هذا المخطط هو المقترح الأردني الذي يقضي شق قناة مائية بين البحر الأحمر والبحر الميت. ويهدف هذا المشروع إلى نقل مياه من البحر الأحمر وتوليد الكهرباء من انحدارها نحو البحر الميت. وستشكل مياه البحر بديلاً من المياه العذبة التي كانت تتدفق إلى البحر الميت سابقاً، قبل تحويلها للري في إسرائيل والأردن. وسوف تتبخر مياه البحر، وبذلك سيحافظ على توازن مستوى المياه.
إن توليد الكهرباء بواسطة فوارق الارتفاعات هو الهدف المركزي لمشروع قناة البحرين، وهو الموضوع الأساسي الذي يشكل مبرراً اقتصادياً له. لكن، علاوة على ذلك، من المتوقع أن تترتب على المشروع فوائد أُخرى في مجالات اقتصادية وبيئية وسياسية. ومن شأن المشروع أن يشكل أساساً وشرطاً للاستثمار في مجالات تحتاج إلى مياه البحر، كالزراعة البحرية، والتبريد الصناعي، والزراعة، وجمال الطبيعة. وفي مجال البيئة، من شأنه أن يساهم أساساً في ميدانين: تحويل المياه إلى [وادي] عربة، وإنشاء مستجمعات مائية كثيرة فيه (قناة المشروع، والبرك المائية، والبحيرات السياحية، وغيرها). وستخلق هذه المستجمعات واقعاً بيئياً جديداً في [وادي] عربة. كما أن المشروع سيعيد مياه البحر الميت إلى مستواها الأول. إن إنشاء مشروع ثنائي الجنسية، من قبل إسرائيل والأردن، سيساهم طبعاً في التعايش السياسي.
ووفقاً للمخطط، ستضخ مياه البحر من العقبة، وستمتد القناة نحو 100 كلم على طول [وادي] عربة، وصولاً إلى هضبة المنطقة، على مسافة 220 متراً تقريباً تحت سطح البحر. ومن الهضبة سيعود مسار القناة إلى الأراضي الأردنية، ومنها ستحول المياه غرباً وتُسقط باتجاه إسرائيل بواسطة ثلاث محطات طاقة أردنية، تعادل طاقتها نحو 600 ميغاواط. وفي إسرائيل، سيتجه مسار القناة شمالاً على مستوى 100 متر تحت سطح البحر، وصولاً إلى منطقة ناؤوت هكيكار، ومنها ستضخ المياه بواسطة ثلاث محطات طاقة إسرائيلية تعادل طاقتها نحو 600 ميغاواط أيضاً. ومن هناك ستوجه المياه نحو البحر الميت، متخطية البرك المالحة التابعة لمصنع البوتاس من الجنوب والشرق. ووفقاً للمخطط، سيتم ضخ المياه 18 ساعة يومياً، وأما توليد الكهرباء، فسيتم خلال الساعات الست التي يبلغ الاستهلاك فيها ذروته. وستتدفق المياه في القناة بصورة متتالية طوال 24 ساعة. ومن أجل توازن الإمداد في عمليات الضخ والنقل وتوليد الكهرباء، ستنشأ برك لتخزين المياه في أعلى وأسفل كل محطة ضخ ومحطة طاقة. كما أنه في الإمكان استخدام القناة، التي ستشكل موصلاً للمياه، في أنشطة اصطياف وملاحة محلية في أوضاع معينة.
وفقاً للتحليلات الاقتصادية الأولية التي أجريت، من المفترض أن تبلغ تكلفة بناء المشروع نحو 1,9 مليار دولار، يمول البنك الدولي القسم الأكبر منها، وأن يستغرق بناؤه ثمانية أعوام.
يتناول المخطط أيضاً سلسلة مشاريع المواصلات المشتركة بين الدول الثلاث. وتتضمن تلك المشاريع طرقاً ستربط بين إسرائيل ومصر والأردن. كما تتضمن ميناء سيشكل منطقة تجارية حرة في غزة، ومطاراً دولياً في نبطيم، من شأنهما دعم وتطوير بئر السبع كعاصمة مركزية جنوبية راسخة، الأمر الذي سيساهم في تطوير المركز السياحي في البحر الميت والنقب. وسيؤدي ربط شبكات الطرق شرقاً فغرباً في أماكن، كبلدتي عراد ومتسبية رامون، إلى دعمهما كمركزين سياحيين إقليميين.
يتحدث المخطط أيضاً عن مطارات دولية: قرب إيلات، يقترح إنشاء مطار في عين عفرونه، كما أن مطار العقبة الدولي يمكن أن يخدم إيلات أيضاً. وفي الإمكان كذلك استخدام المطارات العسكرية في نبطيم وعوفدا للطيران المدني بعد تهيئتها، كما أن في متسبية رامون وبكعات هييراح وإيتام مطارات في الوسع تهيئتها. وفي النقب أيضاً مدراج هبوط في أماكن متفرقة، منها يطبحاه، وعين ياهاف، وديمونه، وسديه بوكر.
ولم يغفل التقرير القطارات؛ ففي النقب خطة لإنشاء سكة حديد تصل إلى إيلات، وأما في الأردن، فتوجد سكة تصل إلى العقبة. وفي مصر، من الممكن بناء سكة على طول محور الساحل. وبحسب التقرير، يمكن ربط هذه السكك في الشمال بمنطقة عسقلان ورفح، وفي الجنوب بمنطقة إيلات والعقبة. كما يشير التقرير إلى إمكان إقامة خط ملاحة منتظم بين إيلات، ونفيعوت، ودهب، وتبوك، والعقبة. ويضاف إلى الميناء المشترك، المخطط إنشاؤه في إيلات والعقبة، الميناء في غزة، الذي سيتحول إلى منطقة تجارية حرة، وخط ملاحة آخر مخطط لإقامته في البحر الميت.
المصدر: "هآرتس"، 23/6/1993.