مع توقيع اتفاق "إعلان المبادئ" بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، زخرت الصحافة الإسرائيلية بفيض هائل من الكتابات عن النتائج الاقتصادية للتسوية، التي تبشر بتحويل الشرق الأوسط من ساحة صراع استنزفت موارد المنطقة إلى ساحة تعاون يجلب الازدهار الاقتصادي لجميع شعوبها. وطرحت على بساط البحث عشرات من المشاريع الاقتصادية الإسرائيلية، التي عُرف جانب منها من خلال مباحثات مجموعات العمل المتعددة الأطراف، والتي تدل على تخطيط طويل الأمن وتصور مدروس للدور الاقتصادي الذي تتوخى إسرائيل القيام به في عهد السلام. إن التعاون الاقتصادي الإقليمي رهن، طبعاً، بالتوصل إلى اتفاقات في سائر مسارات المفاوضات العربية – الإسرائيلية، وبقرار عربي في شأن المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل. وإلى أن يتم ذلك، تبقى المشاريع الإسرائيلية مجرد مخططات من جانب واحد، خاضعة للتفاوض وقابلة للتعديل أو الإلغاء. ومن الطبيعي أن تثير مخاوف مبررة لدى الجانب العربي، الذي لا بد من أن يرى فيها مقاربة تسعى لبسط الهيمنة الاقتصادية على المنطقة العربية بأسرها.
في المقابل، يبدو التصور الإسرائيلي للعلاقات الاقتصادية بالجانب الفلسطيني أكثر تبلوراً ووضوحاً. فقد تم صوغه في بنود محددة، ستطرح على المفاوض الفلسطيني في اجتماعات اللجنة الاقتصادية الفلسطينية – الإسرائيلية، التي ستبحث في الترتيبات الاقتصادية بين إسرائيل والإدارة الذاتية. إن هذا التصور لا يزال أيضاً خاضعاً للتفاوض مع الجانب الفلسطيني، غير أنه يطرح إشكالية يبدو أن من الصعب التغلب عليها أو تجاوزها. فهو ينفي عن الجانب الفلسطيني حق امتلاك سلطة القرار الاقتصادي، ويضع الإطار لعلاقات يظل الاقتصاد الفلسطيني فيها تابعاً للاقتصاد الإسرائيلي في ظل الأوضاع السياسية الجديدة.
نعرض فيما يلي النظرة الإسرائيلية إلى العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والكيان الفلسطيني العتيد، كما تعبر عنها، بصفة خاصة، الهيئات الاقتصادية الإسرائيلية الرسمية، لا سيما منذ توقيع اتفاق "غزة وأريحا أولاً" في 13 أيلول/ سبتمبر الماضي. ويُلاحظ، منذ الوهلة الأولى، أن هذه النظرة لا تقتصر على مجرد تصور للعلاقات المستقبلية بين كيانين اقتصاديين مستقلين، بل إنها تتضمن تخطيطاً للاقتصاد الفلسطيني الناشئ وسعياً للمحافظة على مركزية القرار الإسرائيلي في كل ما يتعلق بتشكيله وتطوره.
تقرير مكتب المنظمات الاقتصادية
في أواخر سنة 1992، أعد مكتب التنسيق التابع للمنظمات الاقتصادية الإسرائيلية، تقريراً داخلياً بشأن النتائج الاقتصادية لتطبيق الإدارة الذاتية في الأراضي المحتلة. وتضمن هذا التقرير تصوراً أولياً لانعكاسات هذا التطبيق على الاقتصاد الإسرائيلي، ولطبيعة العلاقات الاقتصادية المستقبلية بين إسرائيل والإدارة الذاتية، ومما جاء في هذا التقرير: "بناء على نموذج الإدارة الذاتية المألوف، من المتوقع أن يكون هناك تنقل حر للبضائع والسكان بين المناطق [المحتلة] وإسرائيل، من دون جمارك أو قيود كمية، باستثناء ما يتعلق بالمنتوجات الزراعية. كما أن نظام القوانين سيكون موحداً. وفيما يتعلق بشؤون التجارة الخارجية ستكون إسرائيل والمناطق منطقة ضريبية واحدة."[1]
وأعرب واضعو التقرير عن خشيتهم من أن قطاع الأعمال في إسرائيل "سيتضرر من تطبيق الحرية الاقتصادية في مناطق الإدارة الذاتية، ومن الانتعاش الاقتصادي المتوقع فيها بعد تطبيقها." وعليه، أوصوا بـ"مطابقة نظامي الضرائب في إسرائيل ومناطق الإدارة الذاتية، وتطوير نظام قادر على فرض قوانين الضريبة."[2] وكانت الخلاصة التي توصل تقرير مكتب التنسيق إليها: "في واقع توجد فيه حرية حركة للأشخاص والسلع بين إسرائيل والمناطق التي ستطبق الإدارة الذاتية عليها، لن يكون في الإمكان المحافظة على نظام اقتصادي منفصل بين المنطقتين."[3]
ورقة اتحاد الغرف التجارية
وقبيل توقيع اتفاق "إعلان المبادئ"، أخذت هيئات اقتصادية مختلفة تنشر نتائج دراسات وأبحاث أجرتها بشأن الانعكاسات الاقتصادية لتطبيق الإدارة الذاتية. ويبرز بين هذه الأعمال ورقة من إعداد اتحاد الغرف التجارية الإسرائيلية، نُشرت قبل أسبوعين من توقيع الاتفاق. وترى هذه الورقة أن اتفاق "غزة وأريحا أولاً" يُقصد به أن يشكل نموذجاً أولياً لـ"سلوك" الإدارة الذاتية في المناطق الفلسطينية، ولبداية العلاقات المتبادلة بين الاقتصاد الفلسطيني في ظل الإدارة الذاتية وبين الاقتصاد الإسرائيلي.[4] وفي سياق أشمل وأبعد مدى، ترى الورقة أن من شأن الاتفاق أن يشكل حجر زاوية ومدخلاً لتطور علاقات جديدة في المنطقة بكاملها، كجزء من حلّ شامل للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني بوجه خاص، والنزاع الإسرائيلي – العربي بوجه عام؛ كما أن من شأنه أن يشكل أساساً لتطبيع الأنظمة الاقتصادية والثقافية بين دول المنطقة جميعها.[5]
ترى الورقة، وبحق، أن الاتفاق يشوبه نقص كبير، كونه يترك جميع المسائل الاقتصادية المتصلة بالعلاقات المتبادلة بين الاقتصادين مفتوحة، ولا يشير سوى إلى تأليف لجنة للتعاون في مختلف المجالات الاقتصادية. غير أنها بدلاً من أن تحدد مسائل تعتبرها مفتوحة للتفاوض ومتعلقة بطبيعة العلاقات الاقتصادية المستقبلية بين الطرفين، فإنها تقفز إلى طرح قضايا متعلقة بصميم طابع النظام الاقتصادي الفلسطيني، من زاوية تأثيراته الممكنة في الاقتصاد الإسرائيلي. بكلمة أُخرى، فإن ما تطرحه للبحث ليس العلاقات الاقتصادية بين اقتصاديين مستقلين، بل ماهية الاقتصاد الفلسطيني المفضل نشوؤه من وجهة نظر المصلحة الإسرائيلية. وهكذا ترى الورقة ذاتها أن العيب في الاتفاق يكمن في أنه لا يحدد، مثلاً: "هل سيكون هناك تدفق حر للسلع والخدمات والطاقة البشرية [بين الجانبين]؟ هل سيكون هناك اقتصاد واحد أم اقتصادان منفصلان؟ هل ستكون هناك مجموعة قوانين اقتصادية موحدة؟ هل ستعتبر إسرائيل والمناطق التي ستطبق فيها التسوية منطقة جمركية واحدة؟"[6]
تبعاً لذلك، يحدد اتحاد الغرف التجارية عدداً من المسائل البارزة التي لا ينص الاتفاق عليها، والتي من شأنها أن تشكل فيما بعد مشكلات وصعوبات للاقتصاد الإسرائيلي. ومن أهمها:[7]
1- إن الاتفاق لا يضمن مساواة معدلات الضرائب في غزة وأريحا بتلك المتبعة في الاقتصاد الإسرائيلي، مما قد يؤدي إلى تحويل أنشطة اقتصادية [من إسرائيل إلى مناطق الإدارة الذاتية]، وإلى تهريب سلع وتهرب من دفع الضرائب وخسارة مداخيل لخزينة الدولة. كما أن الاتفاق لا يتطرق إلى الضرائب غير المباشرة، الأمر الذي قد يفضي إلى مشكلات تتمثل في مطالبة الفلسطينيين بالاستقلالية في تحديد معدلات الضرائب وضرائب القيمة المضافة، ومن شأن ذلك أن يلحق أضراراً فادحة بالاقتصاد الإسرائيلي.
2- إن الاتفاق لا يتطرق إلى مكانة المناطق في كل ما يتعلق بعلاقات إسرائيل التجارية. وينطوي ذلك على مجازفة نشوء تفسيرات مختلفة مستقبلاً حيال مكانة المناطق التي تشملها التسوية في كل ما يتعلق بالاستيراد والتصدير منها إلى بلاد تربطها بإسرائيل علاقات تجارية.
3- إن الاتفاق لا يحدد الأنظمة التي ستطبق تجاه المنتوجات الزراعية للمناطق التي تشملها التسوية. وفتح الأسواق أمام المنتوجات الزراعية لمناطق الإدارة الذاتية قد يربك التخطيط الزراعي في إسرائيل.
توصيات "لجنة فوغل"
تبلور الموقف الإسرائيلي من العلاقات الاقتصادية بالإدارة الذاتية، بصورة أوضح، في توصيات لجنة خاصة ألّفتها وزارة المال وكُلفت وضع خطوط عامة للسياسة الاقتصادية التي ستنتهجها إسرائيل حيال الإدارة الذاتية. واستند العمل التحضيري الذي قامت به هذه اللجنة إلى افتراض مؤداه أن الحدود بين إسرائيل والمناطق الفلسطينية ستبقى مفتوحة أمام تنقل البضائع وعناصر الإنتاج، وأن نوعاً من الوحدة الاقتصادية، أو الاقتصادين المندمجين، سينشأ بين إسرائيل والكيان الفلسطيني الجديد. ومن أهم التوصيات التي وضعتها هذه اللجنة، التي باتت تعرف باسم "لجنة فوغل"، ما يلي:[8]
1- اقتراح بديلين فيما يتعلق بتشغيل عمال من المناطق الفلسطينية: الأول، السماح بدخول 100 ألف عامل من هذه المناطق إلى المجال الإسرائيلي؛ والثاني تحديد عدد عمال تلك المناطق بـ 60 ألفاً، وخفض عددهم بالتدريج خلال بضعة أعوام إلى 40 ألفاً.
2- توحيد الجمارك بين إسرائيل والإدارة الذاتية، على افتراض أن الحدود ستكون مفتوحة أمام حركة البضائع بين الجانبين.
3- توقيع اتفاقات تجارية مع الأردن، من خلال فرض قيود على استيراد منتوجات معينة، في الحالات التي تكون فيها الجمارك في الأردن مختلفة بدرجة مهمة عنها في إسرائيل.
4- لا تجزم اللجنة صراحة بوجوب فرض قيود على استيراد منتوجات زراعية من المناطق، لكنها تحذر من إمكان نشوء مشكلة في جزء من فروع الزراعة في إسرائيل نتيجة للاستيراد الحر. ولذا من الممكن ألاّ يكون هناك مفر من مواصلة فرض قيود على هذا الاستيراد. ومع ذلك، تشير اللجنة إلى أن القدرة على فرض قيود كهذه محدودة.
5- تحديد جمارك مماثلة على الاستيراد في إسرائيل والمناطق الفلسطينية، للحيلولة دون التهريب في حال التنقل الحر للسلع. كما توصي اللجنة بأن تكون قواعد الاستيراد مماثلة في الجانبين.
6- الإبقاء على العملة القانونية المعمول بها في المناطق الفلسطينية – الشيكل والدينار. ومع ذلك، تشير اللجنة إلى أنه لا يوجد، من الناحية الاقتصادية معارضة مبدئية لإنشاء نظام عملة منفصل، أو استخدام الدينار فقط.
توصيات "لجنة المديرين العامين"
أثارت توصيات "لجنة فوغل" ردات فعل متباينة في الأوساط الاقتصادية الإسرائيلية، ورأت جهات أن بعض الإجراءات التي تقترحها، كالتنقل الحر للسلع والمنتوجات، يترك ثغرات تمكّن اقتصاد الإدارة الذاتية المحدود من منافسة الاقتصاد الإسرائيلي في فروع معينة، كالزراعة وبعض المنتوجات الاستهلاكية التي تستند إلى قوة عمل رخيصة. واستمر البحث في هذه الإجراءات في أعمال لجنة جديدة ألّفتها وزارة المال، وعُرفت باسم "لجنة المديرين العامين"، من اثني عشر فريق عمل تضم المديرين العامين للوزارات الاقتصادية، وممثلين عن مصرف إسرائيل والإدارة المدنية. وكُلفت اللجنة بإعداد أوراق – مواقف بشأن الترتيبات الاقتصادية بين إسرائيل والإدارة الذاتية، لتقديمها إلى اللجنة الوزارية للشؤون الاقتصادية، التي ستبلور موقف الحكومة في المفاوضات الاقتصادية مع الجانب الفلسطيني. وظهرت في مناقشات هذه اللجنة معارضة لتوصيات "لجنة فوغل" فيما يتعلق بالاستيراد من مناطق الإدارة الذاتية وتشغيل العمال العرب في إسرائيل.[9]
وقامت وزارة الزراعة بدور رئيسي في بلورة موقف "لجنة المديرين العامين" من مسألة فتح الحدود بين الاقتصادين أمام الاستيراد الزراعي، فألّفت بدورها فريقاً كُلّف وضع وثيقة بشأن انعكاسات تطبيق الإدارة الذاتية على القطاع الزراعي في إسرائيل، لتسترشد اللجنة بها في وضع توصياتها. ومن أهم النقاط التي تضمنتها هذه الوثيقة:[10]
1- ليس في الإمكان الفصل بين مرفق المياه في إسرائيل ومرفق المياه في الإدارة الذاتية، لأن قسماً من المياه التي تُضخ اليوم إلى المناطق الفلسطينية التي ستكون تحت سيطرة الإدارة الذاتية، كغزة، مزود من قِبل إسرائيل. ومن ناحية أُخرى، هناك مستوطنات إسرائيلية في النقب الشمالي تتلقى مياها من آبار تقع في منطقة أريحا.
وكانت توصية الفريق بإدارة مرفق المياه في مناطق الإدارة الذاتية بواسطة هيئة مشتركة بين إسرائيل والإدارة الذاتية. كما أوصى بأن ينص أي اتفاق [يُوقع بين الطرفين] على عدم تقليص حصص المياه المخصصة للمستوطنات اليهودية.
2- إن فتح الحدود بين إسرائيل والإدارة الذاتية سيكون بالتدريج، وسينفَّذ على مدى خمسة أعوام من أجل الحؤول دون انهيار الزراعة في إسرائيل. إن الخطر الأساسي من فتح الحدود، بحسب تقدير الفريق، يهدد فروع الخضروات والدجاج، بسبب المنافسة المتوقعة من جانب المزارعين في قطاع غزة. وخلال هذه الفترة الانتقالية، لن يسمح بنقل منتوجات زراعية من القطاع إلى إسرائيل. وفي رأي أعضاء الفريق أن مدة الأعوام الخمسة ستعطي المزارعين الإسرائيليين مهلة للاستعداد للمنافسة وللانتقال إلى فروع زراعية بديلة مخصصة للتصدير، أو إلى مهن أُخرى في مجالات الصناعة والسياحة.
3- سيُمنح كل من الطرفين الحق في فرض حق النقض (الفيتو) على استيراد منتوجات زراعية من دولة ثالثة، في كل ما يتعلق باستيراد منتوجات قد تلحق ضرراً بالإنتاج المحلي لإسرائيل أو للإدارة الذاتية. على سبيل المثال، سيكون في وسع إسرائيل فرض "فيتو" على استيراد الإدارة الذاتية تفاحاً من دولة ثالثة، كون استيراد التفاح إلى إسرائيل ممنوعاً، وسيكون في استطاعة الإدارة الذاتية فرض "فيتو" على استيراد الزيتون إلى إسرائيل، إذا منعت سلطات الإدارة الذاتية استيراده. كما سيفرض "الفيتو" على منتوجات مصنّعة، كالأجبان واللحوم.
وقد تبنت "لجنة المديرين العامين" لشؤون الإدارة الذاتية هذه الوثيقة بصيغتها الكاملة تقريباً.[11]
تصريحات مسؤولي الهيئات الاقتصادية
تستكمل التصوّر الإسرائيلي للعلاقات الاقتصادية مع الإدارة الذاتية، تصريحات صدرت عن جهات اقتصادية نافذة في شأن قضايا أساسية، كالمساعدات الدولية وبناء البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني. وفي هذا الصدد، يرى وزير المال أن المساعدات الدولية التي ستقدم للجانب الفلسطيني بواسطة البنك الدولي "يجب أن تمنح بالتنسيق مع إسرائيل، التي ستكون جزءاً من الهيئة الدولية التي تنظم هذه المساعدات."[12] ويذهب رئيس اتحاد الصناعيين دان بروبر إلى أن إسرائيل يجب أن "تتصرف بذكاء" كي تضمن لنفسها نصيباً من المساعدات الدولية، "وسيحدث ذلك إذا عرفنا كيف نطالب، في الاتصالات الدولية، بنصيبنا، وكيف نشرك في المشاريع خبرة فنية وشركات إسرائيلية، وإذا عرفنا كيف نصر على الحصول على حق المشاركة في عطاءات البنك الدولي واستغلال الأموال التي ستتدفق إلى هنا."[13]
وبحسب رئيس مجلس إدارة بنك ليئومي، موشيه زنبار، فإن "على إسرائيل أن تطلب رهن تمويل الدعم المالي من دول العالم بتعاون مع إسرائيل ومع شركات إسرائيلية. وعلى الفلسطينيين أن يعترفوا بأن المساعدات ستحول إليهم شريطة أن ينفذوا الاتفاق وبفضل الموافقة الإسرائيلية."[14]
وتسعى الدوائر الاقتصادية الإسرائيلية لحرمان الجانب الفلسطيني من حقه في تحديد أولويات التنمية وإجراء الإصلاحات الهيكلية الضرورية للخروج بالاقتصاد الفلسطيني من حالة الشلل التي نجمت عن حكم الاحتلال. وفي هذا الصدد، يبدي الجانب الإسرائيلي معارضة لبناء مرافق أساسية، تحت ذريعة الجدوى الاقتصادية، كميناء تجاري مستقل في غزة وإعادة تأهيل مطار قلنديا وإنشاء شبكة كهرباء وطنية. فعلى سبيل المثال، يقول رئيس مجلس إدارة بنك ليئومي: "إذا طلبت الإدارة الذاتية إنشاء ميناء عميق في غزة.... في الإمكان القول إنه يوجد، ليس بعيداً عن ذلك المكان، ميناء عميق في أشدود، ولذلك لا حاجة إليه. ومن ناحية اقتصادية صرفة، على البنك الدولي أن يرفض هذا المشروع...."[15]
ويعارض الجانب الإسرائيلي، بصفة خاصة، إقامة نظام وساطة مالي مستقل للإدارة الذاتية وإنشاء مصرف مركزي فلسطيني. وفي هذا الصدد يؤكد حاكم مصرف إسرائيل، يعقوب فرنكل، أن إسرائيل "ستواصل الإشراف على النشاط المالي في المناطق الفلسطينية، وعليه فإن فتح مصارف في هذه المناطق يستوجب مصادقة المصرف المركزي الإسرائيلي."[16]
خلاصة
يُستنتج مما سبق أن المقاربة الإسرائيلية إلى العلاقات الاقتصادية مع الإدارة الذاتية تحاول التأسيس لاقتصاد فلسطيني تابع، لا يختلف كثيراً عن الاقتصاد الفلسطيني تحت الاحتلال. وإذا أُتيح لهذه المقاربة أن تتحكم في رسم العلاقات المستقبلية بين الاقتصادين، فستؤدي – بلا شك – إلى فشل الاتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي، الذي تعترضه عقبات لا تقل أهمية في المجالين السياسي والأمني. وقد نشرت وجهات نظر إسرائيلية تحذر من تبعات هذه المقاربة.
يقول ميرون بنفنستي في مقالة كتبها في صحيفة "هآرتس":[17]
"حتى الآن، تم تبرير الاستغلال والتمييز والغطرسة الإسرائيلية في المناطق بتعليلات أمنية، سياسية – قومية.... والآن يصار إلى تأليف قاموس جديد يبرر السياسة نفسها ويزيد في ثراء الجهات إياها، لكن التعليلات ستكون مختلفة: كل شيء لمصلحة الفلسطينيين، كل شيء في سبيل نجاح السلام....
"إن شخصيات إسرائيلية رفيعة المستوى تؤكد أن الفلسطينيين لن يكون في استطاعتهم الحصول على ميزانيات أميركية من دون التنسيق مع إسرائيل، وأن 'الاقتصاد الإسرائيلي – الفلسطيني المندمج' سيبقى واقعاً وضرورة.... معنى ذلك أن النموذج القديم والجيد، الذي تعتبر المناطق [الفلسطينية] بحسبه مستودعاً للطاقة البشرية الرخيصة وسوقاً محمية للمنتوجات الإسرائيلية، سيبقى قائماً، وهذه المرة – لمصلحة السلام...."
ويستنتج بنفنستي، تبعاً لذلك: "إذا أصدرنا حكمنا بناء على الاتجاهات البادية ملامحها، فلن يطرأ تغيير أساسي على العلاقات المتبادلة بين إسرائيل والمناطق. فبدلاً من نظام كولونيالي خارجي، فإنه سينشأ نظام كولونيالي داخلي."
ويرى أبراهام طال[18] أن المخططات الإسرائيلية التي وضعت من دون استشارة الشريك قد تكون مجرد "قصور في الهواء"، وأن الفلسطينيين قد يرفضون تصور الاقتصاديْن المندمجيْن للأسباب التالية:
- كدولة عربية ذات وعي قومي راسخ، لن يرغب الفلسطينيون في ربط مصيرهم الاقتصادي بالدولة اليهودية بالذات، بل سيفضلون – من دون مراعاة الثمن الاقتصادي - توجهاً نحو الدول العربية. لذلك السبب سيحاولن تقليل التبعية لإسرائيل بواسطة إيجاد أماكن عمل بديلة على وجه السرعة من أماكن العمل في إسرائيل، وسيستخدمون المساعدات الدولية الكبيرة التي حصلوا عليها لتلك الغاية.
- لأسباب متعلقة بالكبرياء القومية، سيقيمون مشاريع تفتقر إلى المبرر الاقتصادي (ميناء عميق في غزة، مطار دولي)، شرط ألاّ يستخدموا منشآت إسرائيلية.
- سيرفضون التعاون اقتصادياً، ما دام أن مشكلات سياسية خاصة بهم لم تُحَل، كمشكلة القدس؛ ومشكلات خاصة بدول عربية أُخرى، كمشكلة الجولان.
- نظراً إلى تبعيتهم للسلطات الأردنية، فيما يتعلق بتصدير منتوجات حساسة (زيت الزيتون، الخضروات، منتوجات صناعية معينة)، والعملة والتنقل عبر جسري نهر الأردن، فإنهم سيفضلون ترتيباً اقتصادياً مع الأردن، حتى لو اقتضى الأمر انغلاقاً تجاه إسرائيل.
مشروع السلام السري لمؤسسة "كور"*
قبل عام واحد، عندما قرر المدير العام لمؤسسة "كور"، بني غاؤون، "المراهنة على السلام"، قالوا عنه إنه لا يعرف التمييز بين الفانتازيا والواقع. قالوا، إنه يجر "كور" إلى مغامرة.
وطوال عام، رفض غاؤون كشف تفصيلات "مشروع السلام" الخاص بأكبر مجمع شركات في إسرائيل وأكثرها إدراراً للأرباح. وكل ما كان معروفاً هو أن البروفسور شلومو بن – عامي، المؤرخ والفيلسوف والسياسي، موظف في إطار المشروع في مؤسسة "كور". ليس هناك فلاسفة كثر موظفين في مؤسسات صناعية.
قبل يوم من لقاء رابين وعرفات في البيت الأبيض، وافق غاؤون، أول مرة، على التحدث بشأن مشروع الاستثمارات الجديد لمؤسسة "كور".
س – بني غاؤون، ما هو مشروع السلام الخاص بكم؟
ج – إنه شركة استثمار جديدة تشمل أربعة شركاء متساوين: مصرف أوروبي كبير؛ مستثمر فلسطيني؛ مستثمر من دولة عربية ليس لها علاقات مع إسرائيل (على ما يبدو المغرب – سيفر بلوتسكر)؛ وطبعاً "كور".
س – ما هو رأس مال شركة الاستثمارات هذه؟
ج – إنها شركة مهمة للغاية. عدة عشرات الملايين من الدولارات.
س – أقل من مئة مليون دولار؟
ج – ليس أقل، عندما يوافق جميع الشركاء، فستطرح شركة الاستثمارات للسلام أسهمها في سوق رأس المال الأميركية.
س – ماذا ستسمى الشركة؟
ج - لا أستطيع كشف ذلك من دون موافقة جميع الشركاء....
س – ومن رئيسها؟
ج – رئيس شركة الاستثمارات التي أُنشئت في إطار مشروع السلام لمؤسسة "كور" هو المستثمر الفلسطيني.
س – حدثني عن مشروع استثمار واحد.
ج – مصنع إسمنت في المناطق [المحتلة]، مثلاً، في نيّتنا أيضاً أن نستثمر في مشاريع بنية تحتية، ومواصلات، وسياحة، ومواد غذائية. إن الأمر يتعلق بمشروع مهم للغاية. والمبادرة جاءت دائماً من جانب الشركاء الفلسطينيين.
س – هل ستسوّق "كور" منتوجات فلسطينية؟
ج – بكل تأكيد، مثلما تبيع "أغركسكو" التوت الأرضي الذي ينتجه مزارعون من القطاع. ذلك جزء لا يتجزأ من مشروع السلام الخاص بنا – بيع منتوجات تحتوي على مكونات [Components] فلسطينية بواسطة أجهزة التسويق العائدة لـ"كور للتجارة"، المنتشرة في أنحاء العالم، لا سيما في الدول التي يتطلب التغلغل فيها خبرة تسويق كبيرة. عندما نطرح أسهم "كور للتجارة"، كشركة منفصلة في البورصة خلال العام المقبل، سيكون في استطاعتها إعلان اتفاقات تجارية كثيرة من هذا النوع.
س – كيف ستتطور التجارة المستقبلية بيننا وبين الدول العربية، بحسب تقديركم؟
ج – من الصعب أن نتكهن سلفاً بما ستكون عليه أنماط التجارة والتعاون الاقتصادي بين إسرائيل والاقتصاد الفلسطيني بصورة خاصة، والاقتصادات العربية بصورة عامة. نحن نقدّر أنهم سيبيعوننا، أساساً، منتوجات شبه ناجزة في فروع الغذاء، والنسيج، والمعادن، والكيمياء. وسنواصل تطوير المهارات الخاصة للاقتصاد الإسرائيلي: التكنولوجيا الزراعية، والأسمدة، والاتصالات، والمعدات المتطورة.
س – بدأت "كور" الاستعداد لمشروع السلام قبل وقت طويل. ما الذي استندتَ إليه؟ ما الذي دفعك إلى ذلك؟
ج – كان هناك اعتبارات متعلقة بالأعمال وحدس شخصي. من ناحية الأعمال، تخلصت "كور" نهائياً من أحضان المصارف، وسددت جميع ديونها، وربحت ما لا يقل عن مئة مليون دولار سنوياً، واستطاعت استخدام مواردها الذاتية في استثمارات جديدة. عندما درسنا المجالات التي سنستثمر فيها، رأينا أن السوق مشبعة. كم مشروعاً غذائياً يمكن إنشاؤه؟.... توجهنا نحو السلام.
س – ولماذا ليس نحو الحرب؟
ج – قدّرنا في مؤسسة "كور" أن أعمال الحرب آيلة إلى التقلص. إن الصناعات العسكرية القائمة في البلد سيترتب عليها أن تتقلص أيضاً. لم نفكر ولو للحظة واحدة، في تحليلاتنا الاستراتيجية، في أنه يتعين على "كور" أن تبحث عن مستقبلها في هذا الاتجاه. وكان تقليل اعتماد "كور" على الأسواق العسكرية أحد أركان مشروع التحول والإصلاح.
س – إنك تتحدث بلغة منطق الأعمال، لكن عندما سمعنا في الصيف الماضي، في ذروة الجمود في عملية السلام، أن "كور" قررت الاستثمار في السلام، بدا ذلك قراراً قائماً على العاطفة لا على العقل. هل كان لديك حلم؟
ج – كان لدي حلم وكان لدي حدس يقول إن العملية السياسية، السلام بيننا وبين العرب، لا مفر منها. لا توجد قوة في العالم قادرة على وقفها. لقد عزز البروفسور شلومو بن – عامي، البارع في العلاقات الدولية، هذا التقدير فينا ورسخه. وكانت مساهمته في استراتيجيا "كور" لمشروع السلام حاسمة. وآنذاك قلت: إذا كان السلام آتياً، فعلينا أن نبدأ الاستعداد له من الآن. ففيما يتعلق باقتصاد السلام، فإن العجلة من الشيطان.
س – مم بدأتم؟
ج – من البحث عن شركاء عرب وفلسطينيين جديين. كان من الواضح لدي، منذ البداية، أن الأمر لا يمكن أن يقتصر على نشاط فردي تقوم شركة إسرائيلية به. لا يجوز لنا أن ننظر إلى التعاون الاقتصادي مع الفلسطينيين من موقف التعالي والأبوة: سنبادر من أجلكم، سنعمل من أجلكم. التعاون يجب أن يكون تعاوناً بين متساوين. إن مشروع السلام الخاص بنا يستغل المزايا النسبية للأعمال الفلسطينية ولمؤسسة "كور"، بمشاركة رأس مال عربي وأوروبي.
س – لكن الكثيرين منا يعتقدون أننا آتون إلى الفلسطينيين كي نعلمهم كيف يبنون اقتصاد سوق حسن الأداء، كيف يشقون الطرق، كيف يعدون تقارير مالية ومم يربحون. باختصار، مقاربة من قبيل "أنظروا إلينا وتعلموا."
ج – إني أعتبر ذلك خطأ جسيماً. في جميع المحادثات التي أجريتها مع رجال أعمال فلسطينيين، تجنبت خلق إحساس لديهم بأننا متفوقون وبأنهم متخلفون. وهذا أيضاً غير صحيح من الناحية الواقعية. إن قطاع الأعمال الفلسطيني، في المناطق [المحتلة] والخارج، ناجح وصاحب مبادرة. إنه قطاع أعمال متنور.
إن عملهم الصعب سيبدأ في اليوم التالي من التسوية. علينا أن نُقبل على التعاون الاقتصادي مع الفلسطينيين بعقل منفتح ومن دون آراء مسبقة. لن نكون أوصياء على الاقتصاد الفلسطيني.
س – لكننا كنا، ولا نزال، المسيطرين عليهم. من الصعب التحرر من ذلك.
ج – إن أية بنية للتعاون بيننا وبينهم يجب أن تنجم عن قرارات مستقلة من قبل الطرفين، من دون إكراه، من دون غطرسة. لا يجوز أن نستبدل كولونيالية عسكرية وسياسية بكولونيالية اقتصادية.
س – عملتم بسرية شبه مطلقة، واليوم تمتنع أيضاً من الإدلاء بأسماء شركائك؟
ج – لا أعتقد أن من المحبذ بدء العلاقات الاقتصادية مع الفلسطينيين والعرب بإرسال وفود ضخمة تُلتقط لها صور في المطار، أو بتصريحات بشأن وجود صفقات بالمليارات مطلقة في الفضاء. إن الأعمال لا تتم بالتصريحات.
لقد عملنا بأساليب أعمق. مقاربة هادئة، لقاءات شخصية، بناء ثقة مهنية متبادلة. لم ننشد الإعلان، بل نشدنا التقدم الفعلي. بنينا شبكة كثيفة لجمع المعلومات وتبادل التقديرات مع جهات عربية وأوروبية. كان من شأن أي إعلان، ولا يزال، عرقلة استمرار التقدم.
س – هل كان أحد في الحكومة يعمل بهذه الاتصالات؟
ج –قدمت تقريراً لرئيس الحكومة، ونلت مباركته.
س – أنت مقرب من رابين. قبل أسبوع، عندما نشر، أول مرة، إعلان الحكومة توقيع الاتفاق مع الفلسطينيين، بادرت إلى نشر إعلان تأييد من قبل مجموعة كبيرة من رجال الأعمال البارزين. كتبتم فيه: "أقيموا السلام في البلد – الشجعان وحدهم يفوزون." هل السياسة تنفع الأعمال؟
ج – لم تكن الأعمال، بكل تأكيد، الدافع إلى نشر الإعلان. كان ذلك تعبيراً عن العاطفة التي اجتاحتنا جميعاً. اعتقدنا أنه يجب علينا شد أزر رابين وبيرس في اللحظة الحاسمة. أنت تعرف أنه حتى أشد الزعماء بأساً وتفرداً يحتاج آخر النهار إلى من يربت على كتفه بقوة. إنه بحاجة إلى أن يعرف أنه ليس وحيداً.
س – تتردد تقديرات متناقضة بشأن النتائج الاقتصادية للسلام. أحياناً يقول الأشخاص أنفسهم الشيء ونقيضه: يبشرون بمنجم ثراء اقتصادي هائل ويتباكون أيضاً على الضرر الفظيع الذي سيلحق بالصناعة الإسرائيلية. ما هو تقديركم؟
ج – قبل كل شيء، يجب ألا ننجر إلى المبالغة. يجب أن نرى كل شيء بمقياس صحيح. إن مواطني الدول العربية الـ 200 مليون ليسوا تماماً سوقاً تنتظر اكتشاف منتوجات البلد. إن مستوى الاستهلاك هناك لا يزال متدنياً جداً، وسيحتاج الأمر إلى أعوام كثيرة من التطوير حتى تصبح هذه الدول زبائن مهمة للصادرات الإسرائيلية. إن مجمل قيمة واردات الدول العربية مجتمعة يصل إلى 140 مليار دولار، أي ما يوازي واردات دول أوروبية غير كبيرة.
علاوة على ذلك، إننا نجد في أسواق الدول العربية سلعاً من جميع أنحاء العالم. لسنا – نحن الإسرائيليين – من سيعيد اكتشاف الصناعة والتجارة في الشرق الأوسط. إنها ليست أرضاً تنتظر بنفاد صبر مجيء المنقذ الإسرائيلي.
س – إذاً ليس هناك ما يدعو إلى أن نخيط أكياساً للمال؟
ج – إننا بكل تأكيد لا نتوقع أرباحاً سريعة وسهلة، بل نتوجه نحو استثمارات وشراكات ستعطي ثمارها بمرور الزمن. تذكر أن إسرائيل، منذ اليوم، تبيع من الدول العربية منتوجات تقارب قيمتها 500 مليون دولار سنوياً، لا بصورة مباشرة بل عن طريق وسطاء وعن طريق طمس المصدر. ونحن في مؤسسة "كور" نفعل ذلك أيضاً، مع أنه من الصعب أن أقدر قيمة بضائعنا التي تصل إلى الأسواق العربية. من المفهوم أنه عندما تُرفع المقاطعة ويصبح في الإمكان الخروج من الظلام إلى النور، فسيعطي ذلك دفعاً للتصدير المقنَّع، القائم حالياً، وسيوفر أيضاً عمولات الوساطة.
س – هل سنتضرر من المنافسة مع المنتوجات الفلسطينية؟ هناك صناعيون يحذرون من "إغراق السوق".
ج – ليس في استطاعتنا بناء علاقات ثقة متبادلة مثمرة مع الفلسطينيين بحسب مفهوم الحدود المغلقة. ما الذي نريده، أن نخنق الاقتصاد الفلسطيني وهو لا يزال في بداية طريقه؟ أن ننزوي وراء الأسوار؟
لقد أعدّت "كور" ورقة موقف بشأن هذا الموضوع، وقد كتبنا فيها: "إن غزة وأريحا جيبان ينتميان إلى العالم الثالث وسط النظام الإسرائيلي المتطور والمُصنَّع. والقوة الاقتصادية لقطاع غزة لا تتجاوز نسبة 1% من قوة الاقتصاد الإسرائيلي. إن فصل غزة عن إسرائيل سيحكم عليها بالخراب الاقتصادي التام. والمناطق [المحتلة] مرتبطة بإسرائيل في كل شيء تقريباً. وإسرائيل تستوعب 90% من صادرات غزة و70% من صادرات الضفة الغربية."
وكان استنتاجنا العملي – إعداد خطط استثمار مشتركة تكون مستندة إلى الاقتصاديْن، المندمجين أحدهما في الآخر اندماجاً وثيقاً.
س – أنت إذاً تؤيد توصيات لجنة بن – شاحر، التي تحدثت عن تنقل حر للمنتوجات والخدمات ورأس المال بين إسرائيل والاقتصاد الفلسطيني؟
ج – هذا موقف "كور" الذي جرت بلورته منذ مطلع العام. منذ ذلك الحين، تحدثنا عن "أسواق مشتركة مع الكيان الفلسطيني." يجب علينا أن نفهم أنه في مقابل فتح سوقنا أمام البضائع الفلسطينية في استطاعتنا أن نؤدي دوراً نشيطاً في مجال الأعمال، في الأشغال الكبرى المتعلقة بالبنية التحتية وإعادة البناء المخطط لها في المناطق المحتلة. إنها حركة متبادلة. وبكل تأكيد ليس هناك ما يدعونا إلى أن نخشاها. وحتى لو وجد منتج إسرائيلي ستتضرر أعماله بسبب الإنتاج الفلسطيني، فإن الاقتصاد بمجمله سيخرج رابحاً. الاقتصادان سيخرجان رابحيْن.
س – هل سننخرط في "مشروع مارشال" من المساعدات الدولية للمناطق [المحتلة]؟
ج – لا أعتقد أن من المتوقع أن تحصل المناطق على مساعدات خارجية هائلة. على تقديرنا، ستكون ثمة حاجة إلى خمسة مليارات من الدولارات لتحديث البنية التحتية في المناطق، وتطوير صناعة محلية جدية تستطيع استيعاب معظم قوة العمل الفلسطينية المشغلة اليوم في إسرائيل. ليس الغرب اليوم في وضع مالي ونفسي يسمح له بتقديم مساعدات سخية كهذه. إن شركاءنا الفلسطينيين والعرب يعرفون أيضاً أن الجزء الأساسي من العمل سيُلقى على كاهل قطاعات الأعمال.
س – وليس على الحكومات؟
ج – كلا بكل تأكيد. إن دور السياسة والأيديولوجيا في الاقتصاد آخذ في الزوال، في العالم كله وعندنا أيضاً. إن الاقتصاد الإسرائيلي يتحول إلى اقتصاد تتحكم الأعمال في جميع اعتباراته، وهذا أيضاً شأن سائر الاقتصادات في العالم، بما في ذلك الاقتصاد الفلسطيني والاقتصادات العربية. إن العالم يتحدث بلغة الأعمال. وهذه لغة التفاهم الدولي.
ومثل هذا الانقلاب حدث أيضاً في "كور" خلال عهدي. لم نعد "مؤسسة هستدروتية". نحن شركة مساهمة مسجلة في البورصة. ملْك للجمهور العريض، يتعين عليها الاهتمام بأصحاب أسهمها فقط. وأفترض أننا لو كنا شركة حكومية أو هستدروتية لواجهنا صعوبة كبيرة في تجسيد مشروع السلام.
س – هل حقيقة كون عائلتك تتحدر من أصل مغربي ساعدتك في اللقاءات التي عقدتها مع رجال أعمال عرب وفلسطينيين؟
ج –كانت لي لقاءات ومحادثات كثيرة في الدول العربية، وقد ساعدتني معرفة اللغة العربية. غير أن الأمر لا يقتصر على اللغة. لقد نمت في البلد شريحة عريضة من الاقتصاديين، ورجال الأعمال، وخبراء التسويق وإدارة الحسابات، ممن يعرفون ثقافة الأعمال الغربية، لا سيما الأميركية. معرفة جيدة. لقد دربوها وتعلموا منها، ويمسكون بجميع أسرارها، ويتعاملون معها بسهولة ويسر. لكنهم يفتقرون إلى فهم أساسي لثقافة الأعمال الشرقية، العربية. ولست على ثقة من أنهم سيعرفون كيف يديرون مفاوضات اقتصادية مع شيخ من أبو ظبي.
إن المنخرطين في مشروع "كور" للسلام يتمتعون بأفضلية من هذه الناحية، لكنها أفضلية غير كافية. وأنا الآن أتلقى دراسة عليا في اللغة العربية في معهد عكيفا.
س – لقد تراكمت لديك خبرة كبيرة من اللقاءات التي أجريتها في العالم العربي. هل التقيت بالسعوديين أيضاً؟
ج – لِمَ الحديث عن الماضي؟ لقد دُعيت إلى لقاء سيعقد في واشنطن بعد شهر، وسيشترك فيه وزير الدفاع السعودي ورجال أعمال سعوديون، سنتناول الطعام سوية، وسنتحدث.
س – بصفتك من مواليد القدس، هل أنت راض عن التسوية، عن لقاء رابين – عرفات، عن المصافحة؟
ج – بكل تأكيد، إنني أؤيدها من كل قلبي. كلنا تعبون من العنف، ونتوق إلى السلام. أعتقد أن عهداً جديداً افتُتح في الشرق الأوسط. أمس جرى تسريح ولديّ التوأمين من الخدمة العسكرية النظامية. وأنا سعيد لأن السلام سيحل هنا، إنني سعيد حقاً.
المصادر:
[1] "هآرتس"، 7/12/1992.
[2] المصدر نفسه.
[3] المصدر نفسه.
[4] “Economic Advantages and Difficulties in the ‘Gaza and the Jericho First’ Settlement,” Federation of Israeli Chambers of Commerce, September 1993.
[5] Ibid.
[6] Ibid.
[7] Ibid.
[8] أنظر النص الكامل للتوصيات في: "هآرتس"، 8/9/1993.
[9] أنظر: "هآرتس"، 27/9/1993.
[10] أنظر النص الكامل للوثيقة في: "دافار"، 4/10/1993.
[11] أنظر: "هآرتس"، 10/10/1993.
[12] "عال همشمار"، 29/9/1993.
[13] "هآرتس"، 6/10/1993.
[14] "يديعوت أحرونوت"، 11/10/1993.
[15] "دافار"، 15/10/1993.
[16] "هآرتس"، 3/10/1993.
[17] ميرون بنفنستي، "إنهم يقلبون التعليلات"، "هآرتس"، 29/9/1993.
[18] أبراهام طال، "إنهم يبنون في فلسطين قصوراً في الهواء"، "هآرتس"، 11/10/1993.
* مقابلة مع المدير العام لمؤسسة "كور"، بني غاؤون، وقد أجرى المقابلة سيفر بلوتسكر ("يديعوت أحرونوت"، 15/9/1993).