إن الأسلوب المتعنت الذي يدير الرئيس حافظ الأسد به المفاوضات مع إسرائيل قد كلفه ثمناً باهظاً. فقد فاته القطار نظراً إلى أن حكومة إسرائيل التي كانت في حيرة من أمرها لناحية على أي من المسارين السوري أم الفلسطيني، يجب تحقيق انطلاقة، وكانت لفترة طويلة ميالة إلى دمشق، فاصطدمت برفض دمشق المتعنت لإيضاح مقاصدها بالنسبة إلى مصطلح "السلام الكامل". وفي المقابل التعنت في فتح قناة اتصال موازية وغير رسمية لاستيضاح المواقف من الموضوعات المدرجة في جدول أعمال المفاوضات.
وفي الواقع الذي نشأ الآن، فإن الجمهور في إسرائيل، وكذلك المؤسسة السياسية لن يقبلا ولن يسلّما بمنظومة تنازلات واسعة أُخرى، قبل أن يهضما الاتفاق الفلسطيني، ويقبلا به فعلاً. فإسرائيل اليوم غير مستعدة لهضم اتفاق مع سوريا، حتى لو كان مريحاً نسبياً. فهي غير مستعدة لالتزام انسحاب كامل، حتى لو وافقت سوريا على أن يتم الأمر في مسار طويل جداً، ولا حتى الانسحاب جزئي في الجولان إذا كان يُلزم بالخروج من معظم المناطق هناك، وبإخلاء المستوطنات. وفي هذه الأوضاع، يجد الرئيس الأسد نفسه مضطراً إلى اختيار واحد من ثلاثة إمكانات:
الأول: عمل حثيث للتخريب في الاتفاق الإسرائيلي – الفلسطيني بهدف إحباطه، وذلك عن طريق التشجيع والحث على القيام بأعمال عنف وأعمال استفزازية ضد إسرائيل، والحيلولة دون أية محاولة تقارب عربية – إسرائيلية عامة (مثل إلغاء المقاطعة العربية، وتحسين العلاقات، وتطبيع غير رسمي). ومن المشكوك فيه أن يكون في وسع السوريين إحباط المسار، لكن سياسة كهذه ستضر بأهدافها الرامية إلى تحسين علاقاتها بالغرب وشطب اسمها من قائمة الدول التي تشجع الإرهاب.
الثاني: انتظار صبور من جانب دمشق لدورها. وهذه السياسة ستجد تعبيراً عنها في عدم اتخاذ خطوات تقارب مع إسرائيل، لكن أيضاً في حيادية في كل ما يتعلق بمحاولات إحباط الاتفاق. وسياسة ضبط النفس والصبر هذه، تتناقض مع طابع الرئيس الأسد وأسلوب السياسة السورية.
الثالث: توقيع اتفاق مرحلي مع إسرائيل، هدفه ضمان عدم بقاء سوريا خارج المسار، وتنمية "خطوات لبناء الثقة" بين الجانبين، استعداداً للمرحلة المقبلة في المسار الثنائي. وفي حين أنه من الصعب تصور التوصل إلى اتفاق مرحلي في هضبة الجولان، إلاّ إذا كان مرحلة في إطار الاتفاق السوري – الإسرائيلي الشامل، فإن هناك حاجة إلى اتفاق مرحلي لإيجاد حل لمشكلات جنوب لبنان، جوهره ما يلي: تعهد إسرائيلي بالإجلاء الكامل لقوات الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان. واحترام الحدود الدولية. وفي المقابل تتعهد سوريا، مباشرة أو بواسطة الجيش اللبناني، بتجريد الميليشيات في جنوب لبنان من سلاحها، وفي مقدمها حزب الله، طبعاً، وتقوم هي ولبنان بضمان الهدوء التام على امتداد الحدود.
ومن ناحية أُخرى، تضمن سوريا عدم اتخاذ خطوات من شأنها معاقبة السكان المدنيين في جنوب لبنان وجنود جيش لبنان الجنوبي، وجميع من تعاونوا مع هذا الجيش. إلى ذلك، تتعهد إسرائيل وسوريا ببدء مفاوضات بشأن الاتفاق الثنائي الدائم، في وقت لا يتعدى عامين منذ العمل بالاتفاق المرحلي، وبصورة تتزامن مع بدء المفاوضات بشأن الاتفاق الإسرائيلي – الفلسطيني الدائم.
وأهمية هذا الاتفاق المرحلي، من وجهة النظر السورية، ستكون في المجالات التالية: فسوريا لن تبقى خارج المسار، والمباحثات معها بشأن التسوية الدائمة ستبدأ بعد عامين، كما أشرنا؛ كذلك ستظهر سوريا كمن حقق، انسحاباً كاملاً من لبنان، وكمن أعطى الأولوية للمصالح العربية العامة، على مصالحها المباشرة. إلى ذلك ستعزز سوريا صورتها وطابعها كدولة مسؤولة تحترم الاتفاقات لدى الرأي العام العالمي؛ وهي ستقنع إسرائيل بمبادرة تستجيب لقلقها الأساسي – القلق الأمني، وبعامل الصدقية.
وفي ذلك كله سيكون إعداد وتمهيد مهمان للأرض، استعداداً للمرحلة المقبلة، مرحلة دخول التسويات الثنائية الدائمة.
المصدر: "يديعوت أحرونوت"، 10/10/1993.