[.......]
س – من تعليقات مختلفة تكوّن الانطباع بأنك ترى في الاتفاق مخاطر أكثر من الفرص.
ج – هذا انطباع مغلوط فيه. فسبب كوني أرتدي البزة العسكرية، يُحظر عليّ تماماً التطرق إلى الجانب السياسي [....]
ملخص ما قلته أمام الحكومة – وعلناً أيضاً – هو أن قوة الجيش الإسرائيلي ستكون مطلوبة للدولة حتى في الفترة التي تُسمع أجراس السلام فيها، لأن هذه القوة هي التي أدت بالقيادات العربية إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع دولة إسرائيل، وهي التي تمكّن دولة إسرائيل من إجرائها من موقع قوة. وإلى ذلك، فإن تفصيلات الاتفاق المذكورة ستضع تحدياً قاسياً ومعقداً أمام الذين يديرون المفاوضات من جانبنا في شأن تطبيق الترتيبات الأمنية، وهي قد تؤدي إلى واقع أمني معقد سيكون على الجيش الإسرائيلي أن يتصدى له – وسيتصدى. وطريقة اجتيازنا هذا الاختبار ستحدد أيضاً طابع الاتفاقات الجديدة، إذا تحققت.
[.......]
س – وماذا سيحدث عندما نخرج من غزة؟
ج – هذا الاتفاق لا يتضمن خروجاً من غزة. إنه يتضمن انتشاراً جديداً داخل قطاع غزة للقيام بعدد من المهمات: الدفاع عن الحدود في وجه تهديدات خارجية، لضمان أمن المستوطنات، ولضمان أمن النشاط الإسرائيلي والحركة الإسرائيلية في أي مكان سيرغب الإسرائيليون في التنقل فيه أو سيتنقلون فيه.
وهذا الأمر يستوجب انتشاراً خارج مراكز المدن، من أجل تقليص الاحتكاك وتمكين الشرطة الفلسطينية من القيام بدورها. ولها دور مهم للغاية؛ فالاتفاق يقوم على أساس افتراض قوي جداً بأن الشرطة الفلسطينية ستكون فاعلة وستعمل من أجل وحدة الهدف، حتى إذا لم يكن ثمة تعاون فعلي على الأرض.
س – الجيش الإسرائيلي القوي، الذي يستطيع الدفاع عن إسرائيل في أوقات الحرب، هل سيصعب عليه الدفاع عنها في أوقات السلم؟
ج – إن الجيش الإسرائيلي يضمن أمن دولة إسرائيل في وجه أي عدو خارجي وفي وجه أي تهديد داخلي توكل إليه مهمة معالجته. هذا في رأيي بدهي، أمر واضح. نعرف كيف سنفعل ذلك وسنفعله. إن الوضع الجديد، في إثر الاتفاق، يختلف عن الوضع الحالي المتمثل في الحرب على الانتفاضة، والذي نواجهه منذ أعوام. مثلاً، مسألة تأمين الحركة على الطرق. إن الوسيلة التي نؤمن محاور الحركة بها اليوم من خلال نضال محتّم لا هوادة فيه ضد المطلوبين وضد العناصر الإرهابية بمستوى دقيق، عبر التعاون مع الشاباك والمستعربين والوحدات الخاصة. هذا الشكل من النشاط، الذي يُدخل المطلوبين في مأزق ويقلص فاعليتهم، سيكون من الصعب القيام به في أوضاع الحكم الذاتي.
هذا لا يعني أنه لن يكون ثمة من يحاول القيام بذلك. فأنا أفترض أن جزءاً من هذه الأمور ستحاول الشرطة الفلسطينية تنفيذه. لكننا نعرف الزمن المطلوب من أجل التوصل إلى فاعلية في هذه الأمور، ونعرف المستوى المطلوب من الاستعداد والإرادة الصلبة والتصميم. كما ستحدث مواجهة قاسية جداً داخل المجتمع الفلسطيني، بين التيار المركزي والمتطرفين المسلمين، وسيتعين استثمار جزء من الطاقات في هذا الأمر.
ومع ذلك، وكما قلتُ سباقاً لن نخرج من قطاع غزة، وسنكون في أي مكان نعتقد أن من الضروري أن نكون فيه من أجل القيام بمهماتنا. إن التنفيذ فقط – وأنا لا أتوقع حتمية ذلك، وإنما أشير إلى إمكان فحسب – قد يكون صعباً ومعقداً هذه هي الحقيقة وينبغي قولها.
[.......]
س – أقمتم في الجيش الإسرائيلي 14 فريقاً يشتغل في هذا الموضوع. هل يمكنك أن تفصل قليلاً؟
ج – الفِرَق تشتغل في جميع الموضوعات ذات العلاقة على أنواعها. هناك لجنة توجيه عليا، ينسق رئيس شعبة التخطيط عملها، وهناك لجان لدرس مغازي الاتفاق، ولبلورة مفهوم تنفيذي، ولبلورة سياسة إعلامية، ولخطط تنفيذية، ولدرس إطار استخباري للعمل في ظل الانتشار الجديد، لإعادة الوحدات، ولتحديث خطط عمل تنفيذية وخطط عمل تنظيمية بسبب هذه التغيرات، ولوضع خطة لوجستية انطلاقاً من التغيرات ومن الانتشار الجديد، ولبلورة مفهوم يتعلق بسجناء الانتفاضة [....] وهلم جرّا. والحبل على الجرار، ويمكن أن تؤلف لجان أُخرى.
[.......]
س – الشريك [....] هو الشرطة الفلسطينية. هل تعتقد أن في إمكان الجيش الإسرائيلي أن يتعاون مع هذه الشرطة؟
ج – أنا متأكد من أنه سيكون ثمة حاجة إلى نوع ما من التعاون. هل يكون تعاوناً فقط مع تفاهم بوحدة الهدف، وكل واحد يعمل في مجاله، أم يكون تعاوناً يتجسد أيضاً في دوريات مشتركة على طرق معينة – الزمن سيحدد. إن هذا الأمر يتعلق بتفصيلات المفاوضات وبفاعلية الجهاز الذي سيبنونه.
س – عندما تخرج القوات الإسرائيلية في معظمها من القطاع، هل سيكون ممكناً تخصيص قوة أكبر كثيراً لضمان أمن المستوطنات في قطاع غزة أو في منطقة أريحا؟
ج – لا أعلم. ما زال القول في ذلك مبكراً. في كل ما يتعلق بالحياة في المستوطنات نفسها، فإنها في رأيي آمنة منذ الآن. يمكن في المستقبل أن يكون الوجود في الحقول وفي المزارع أكبر، وسيعزل جزء من الوسائل المستعملة المستوطنات عن المحيط بصورة أفضل. وعلى طول محاور الحركة، ستكون مشكلة غير بسيطة. إن المطلوب ليس تقنياً. ومع ذلك، في هذه المرحلة من التسوية الانتقالية ثمة مزايا معينة، نابعة من بنية المستوطنات وانتشارها. فكتلة قطيف مركّزة للغاية ولها مخرج منفصل إلى داخل إسرائيل. والمستوطنات في الشمال مرتبطة بتواصل جغرافي مع الأراضي الإسرائيلية، وفي الوسط توجد [مستوطنتا] نتساريم وكفار داروم، اللتان سنضطر إلى استثمار وسائل أكثر لتأمين تحركاتهما. وما عدا ذلك، سنضطر إلى مساعدة أي إسرائيلي في التنقل على امتداد قطاع غزة. من يذهب ليشتري أو ليبيع، أو ليفعل شيئاً ما، ونكون على علم بذلك – سنضطر إلى المساعدة في تأمينه.
س – هل تقدر أنه سيظل في وسع الإسرائيليين السفر من بيسان إلى القدس عبر أريحا على طريق الغور؟
ج – لا شك في ذلك، من يرغب يسافر ويمر داخل أريحا. وإن أراد سيمكنه الصعود أولاً إلى طريق آلون، ويمكنه من ثم السفر في الطريق التجاوزي الذي افترض أنه سيُشَق من شرق أريحا، حتى لا يضطر من لا يريد المرور من أريحا إلى أن يفعل ذلك.
[.......]
س – أمس قُتل أربعة إسرائيليين في اعتداءين منفصلين. واليوم صافح رئيس الحكومة ياسر عرفات. الجمهور يسأل: أي نوع من السلام هذا؟
ج – للتسوية التي ترتسم ثمة أعداء كثيرون داخل معسكر الخصم. حاولوا في الماضي، بل ونجحوا من حين إلى آخر، وقد حاولوا الآن، ولأسفنا نجحوا. سنظل نهتم بأن تكون هذه النجاحات محدودة قدر الإمكان، وأن نعتقل في وقت مبكر منفذي هذا الاعتداء، الذين نعتقد أننا نعرف من هم.
س – هل أنتم مستعدون في المقابل لاحتمال أن يحاول من خاب رجاؤه في الشمال أيضاً لأنهم تجاوزوه في هذه المرحلة أن ينفذ نشاطاً ما؟
ج – نحن لا نعتقد أن حزب الله سيخفف نشاطه نتيجة هذا الاتفاق، وهو ربما بمعنى معين سيزيده تعبيراً عن عدم رضى من يرعونه والواقفين وراءه على قيام الاتفاق. كنت أتوقع أن توقف المنظمات الخاضعة لسيطرة عرفات نشاطها بصورة مطلقة، لكن من شأن منظمات الرفض – حبش وحواتمه وجبريل – أن تحاول تنفيذ اعتداءات، ونحن سنواصل ضربها في كل مناسبة وفي أي مكان نراه صحيحاً.
[.......]
س – عندما يقوم الحكم الذاتي لن يعود في استطاعتنا إبعاد أشخاص موجودين داخله. لن يعود هذا السلاح في أيدينا.
ج – صحيح. كل تغير في الوضع يوجد أوضاعاً جديدة. وكلما تطور هذا الاتفاق – إذا تم توقيعه وعندما يوقع – وفقاً للتطلعات إلى هذا الحد أو ذاك، يتوجب على المجتمع الفلسطيني أن يتولى هذه المواجهة بنفسه بواسطة القوة التي ستكون لديه. وأنا أتمنى له نجاحاً كاملاً.
[.......]
س – أليس من الأصح أن نخرج من المنطقة الأمنية [في جنوب لبنان] ونوكل إلى سوريا تحقيق ما تقوله هي: نحن نفرض النظام بعد خروجكم؟
ج – لا يمكن لأي تغيير في الوضع أن يقوم إلا على إثبات القدرة على تحقيق شيء ما قريب مما تمنحه المنطقة الأمنية. موقفنا معروف، وهو أن ليس لنا مطالبة بسنتيمتر مربع واحد من الأراضي اللبنانية. والمنطقة الأمنية موجودة فقط لأنه يجري وراءها نشاط حزب الله والمنظمات الفلسطينية المعادية الأُخرى. وأنا أفترض لو أن الحكومة اللبنانية تولت الأمور بنفسها وعملت ما كانت تعمله في مناطق أُخرى من بلدها – وهي حكومة فاعلة لم يكن مثلها في لبنان في الأعوام الأحد عشر الأخيرة – لكان لهذا السؤال سبب. إذ بدعم سوري، ولو غير مادي – يكفي دعم سياسي وتقييد حركة الإمدادات في البقاع – تستطيع الحكومة اللبنانية تفكيك حزب الله والتوصل إلى هدوء لعدة أشهر. حينها كان ثمة مجال للمجيء ومناقشة إطار تسوية شاملة مع لبنان، وحتى الخروج من المنطقة الأمنية. وذلك طبعاً مشروط بضمان عدم تضرر جميع المواطنين القاطنين هناك لأنهم كانوا جزءاً من هذا الكانتون، ومشروط بالسماح لمن يرغب من جنود جيش لبنان الجنوبي بالانضمام إلى قوات الأمن اللبنانية.
[.......]
س- نحن في نهاية عام وبداية عام آخر. ما هو أكبر إنجاز حققه الجيش الإسرائيلي في العام الماضي؟
ج – ليس من إنجاز واحد كبير. أعتقد أن الإنجازات الأبرز هي، في المقام الأول، في النضال ضد المطلوبين خلال العام ونصف عام الماضيين، أولاً في يهودا والسامرة وبعد ذلك بفترة زمنية أطول قليلاً في غزة أيضاً، حقق إنجازات استثنائية على المستويين المهني والتنفيذي، وخصوصاً للشاباك، ووحدات المستعربين والوحدات الخاصة. فمنذ الإغلاق فقط، قُبض على أكثر من 230 مطلوباً، وقتل أكثر من 20، وهرب آخرون أو سلّموا أنفسهم، وهذا إنجاز ناجح للغاية.
والأمر الثاني هو النجاح في إيجاد استقرار في المنطقة الأمنية في جنوب لبنان. فالوضع المتغير في لبنان يطرح على المنطقة الأمنية مخاطر من أنماط لم تعرف في الماضي، أكانت تقنية أو تكتية، أم تخريب يسهل تنفيذه على خلفية استقرار النظام في الدولة. وفي مركز هذا النضال كانت عملية تصفية الحساب، التي شكلت في رأيي استعمالاً للقوة محسوباً، وفي نهاية الأمر صحيحاً.
وكأمر ثالث أرى أهمية كبرى للإنجاز الذي حققناه في تقليص الخسائر في الأرواح خلال الحوادث من مختلف الأنواع [....]
والأمر الأخير المهم هو الإغلاق. إنه أيضاً إنجاز مهم.
[.......]
س – ما هي الأهداف الأساسية للعام المقبل؟
ج – سيكون علينا في العام المقبل مواجهة الواقع الذي سينجم عن التسوية الانتقالية في قطاع غزة وفي أريحا، وربما عن اتفاقات أُخرى أيضاً.
س – ربما مع الأردن أيضاً؟
ج - هناك إمكان كبير جداً للتقدم في تسويات مع الأردن في المدى القصير، وأفترض أننا سنعرف أيضاً خلال أشهر قليلة ما إذا كنا في طريقنا إلى اختراق سياسي في الموضوع السوري اللبناني. [....] لكننا مستعدون لإعطاء أفضل الردود الممكنة على أي واقع سينشأ عن قرارات حكومة إسرائيل.
[.......]
المصدر: "دافار"، 15/9/1993. أجرى الحديث: أون ليفي، ودانيال بلوخ، ودافيد بايانس.