وثائق إسرائيلية حديث صحافي لزعيم حزب العمل الإسرائيلي عن الانتخابات وعملية السلام، 15/4/1992
Full text: 

س ـ إذا نظرنا إلى سياسة الحكومة فيما يتعلق بالشؤون الخارجية والأمن والاقتصاد، بعد انهيار حكومة الوحدة الوطنية، ما الذي كنت ستفعله بصورة مختلفة؟

ج ـ ظهرت التغييرات في السياسة، في الدرجة الأولى، على صعيدين. الصعيد الأول كان سلّم الأولويات الوطنية. ففي خمسة أعوام وستة أشهر من عمر حكومة الوحدة الوطنية، تم بناء 3500 وحدة سكنية في المناطق [المحتلة] بتمويل من الحكومة، بما في ذلك المناطق المقبولة قليلاً أو كثيراً من جانب حزب العمل، وفقاً لـ "مشروع آلون". وفي المقابل، تم وضع ميزانية لـ 19,000 وحدة سكنية بين تموز/ يوليو 1990 ونهاية سنة 1991، معظمها مستوطنات سياسية. أما في غور الأردن، فلم يُبنَ شيء تقريباً. هذا هو التغيير الأهم في سلّم الأولويات الوطنية، الذي حوّل مليارات الشيكلات من أموال دافعي الضرائب إلى المستوطنات، بدلاً من معالجة مشكلات البطالة واستيعاب المهاجرين والاهتمام بشؤون الشباب. وقد حُوِّلت الأموال لشق الطرق في المناطق [المحتلة]، بدلاً من تحسين البنية التحتية لشبكة الطرق، الأمر الذي يشكل شرطاً أساسياً للاستثمار في بناء مصانع جديدة.

أما الصعيد الثاني، فيتعلق بعملية السلام. إن مبادرة السلام في أيار/ مايو 1989 ركزت على بدء مفاوضات إسرائيلية ـ فلسطينية، بمشاركة مصر، وأرجأت التفاوض مع الدول العربية الأخرى إلى موعد لاحق. إن الليكود قرّر إجراء مفاوضات شاملة، من دون وجود سلّم أولويات واضح. لقد نُحِّيت مصر جانباً، وأُحلت سوريا مكانها. أنا لا أعترض على التفاوض مع سوريا، لكنني أعتقد أن علينا أن نكون واقعيين. يجب أن نميز بين المهم والممكن.

هذا، في رأيي، هو سلّم الأولويات الصحيح: التوصل مع الوفد الفلسطيني إلى اتفاق بشأن الإدارة الذاتية، من دون أن يؤتى أبداً إلى ذكر إعادة المناطق [المحتلة]. إن مفهوم الإدارة الذاتية، على أساس أنه اتفاق موقت لفترة انتقالية، يشكل فكرة جيدة وذكية؛ إنه يمكننا من اختيار النزعات والتوجهات في أوساط الفلسطينيين، قبل التخلي عن سنتمتر واحد من أراضي "أرض ـ إسرائيل"، ومن الاحتفاظ بالسيطرة على الأمن.

عملياً، لا يوجد أي خلاف بيننا وبين الأردن. أما المفاوضات مع سوريا، وهي الأصعب في ضوء عدائها لإسرائيل، فإنها تصبح ممكنة عندما لا يبقى أمام سوريا إلا مجال محدود للمناورة.

س ـ هل من مجال لمفاوضات مع سوريا في شأن انسحابات [إسرائيلية]؟

ج ـ أود التحدث مع سوريا، لكن من الصعب رؤية أية فائدة في ذلك. إن المشكلة الرئيسية هي بين إسرائيل والفلسطينيين ـ في تلك المسألة تكمن الطريقة الوحيدة لتوسيع دائرة السلام إلى ما هو أبعد من معاهدة السلام مع مصر. إن الاتفاق مع الفلسطينيين سيكون له مغزى بعيد الأثر؛ فمنذ توقيع اتفاقية السلام مع مصر، قبل ثلاثة عشر عاماً، لم يتحقق شيء في هذا الشأن.

س ـ بالنسبة إلى السلام مع مصر، هل تؤيد المدير العام لوزارة الدفاع دافيد عفري في وصفه له بأنه مجرد وقف لإطلاق النار؟

ج ـ لدينا اتفاقية سلام مع مصر. وأنا أعترف بخيبة أملي من أننا نفتقر إلى تقدم مُرض في تطبيع العلاقات بين بلدين ينعمان بالسلام. لكني أدرك، أيضاً، أن المصريين يواجهون صعوبات في الترويج للتطبيع، قبل إعطاء زخم لعملية السلام، وخصوصاً في المجال الإسرائيلي ـ الفلسطيني. وهذا شأنهم، سواء كانوا مصيبين أو مخطئين.

س ـ ما هو موقفك المبدئي من اقتلاع المستوطنات داخل حدود مناطق الإدارة الذاتية؟

ج ـ إن المستوطنات الموجودة لن تُقتلع. في هذه المرحلة، نحن نتحدث عن إدارة ذاتية مبنية على الحقائق على الأرض. لا توجد صلة بين معارضتنا للمستوطنات السياسية وبين الإدارة الذاتية. وعلى الرغم من ذلك، فسنحافظ على الوضع بقدر ما يتعلق الأمر بالمستوطنات، بما فيها المستوطنات السياسية.

س ـ منذ أن تركت وزارة الدفاع، هل حدثت تغييرات سلبية في سياستنا الدفاعية؟ كيف ترى التهديد لإسرائيل الذي يطرحه امتلاك سوريا والعراق ودول إسلامية أخرى لأسلحة غير تقليدية؟

ج ـ خبرت إسرائيل نوعاً من المعجزة عندما اتخذ الرئيس بوش موقفه المعروف، وهو تشكيل تحالف حربي وتوجيه ضربة قاسية إلى العراق، البلد الذي قرّر يوماً ما ـ على نحو غير متوقع ـ اجتياح الكويت وضمها. وهكذا انكشفت خطط العراق لتطوير أسلحة نووية التي كانت مخفية عن الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية. وبحسب الخبراء فإنه لو لم تندلع الحرب لأنهى العراق برنامجه النووي سنة 1994، الأمر الذي كان سيهدّد وجود إسرائيل تهديداً جدياً.

إن إزالة هذا الخطر تعتمد على الولايات المتحدة أو، بدقة أكثر، على الرئيس بوش. وهي ممكنة فقط من خلال نشاط فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة، خلال فترة تمتد من السنة المقبلة إلى ثلاث سنوات. إن رئيس الولايات المتحدة وحده يستطيع أن يرغم العراق على المضي في هذه العملية. وأعتقد أن الرئيس بوش سيفعل ذلك. وفي حال عدم إعادة انتخابه، سيقتفي أي رئيس يحل محله خطواته. وهذا، في رأيي، هو الاختبار الذي يواجه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ـ ما إذا كانت ستفلح في كبح ومنع انتشار الأسلحة النووية. إن إيران، وربما سوريا، تشكلان تهديداً أيضاً. لكن العراق هو من قاد العملية في العالم العربي.

س ـ هل توافق على نزع متبادل للسلاح النووي من أجل تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من الأسلحة النووية؟

ج ـ في أكثر من مناسبة، أعلنت الحكومات المتعاقبة في إسرائيل استعدادنا لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، على أساس اتفاق متبادل بين إسرائيل وكل من دول المنطقة. ويبقى هذا الموقف سارياً، مع أنه أصبح علينا اليوم أن نشمل إيران في اتفاق كهذا.

إن كبح سباق التسلح يبدو هدفاً جيداً، لكنه عادة ينجم عن معاهدات السلام والاتفاقيات السياسية. على المرء أن يدرك أن سباق التسلح سيستمر ما دام العداء منتشراً في المنطقة.

س ـ هل يقلقك التهديد الذي يشكله حصول سوريا، بخطوات متسارعة، على صواريخ سكود؟

ج ـ أظن أن الخطر الرئيسي على وجود إسرائيل خفّ مع انتهاء الحرب الباردة، وإزالة المظلة السوفياتية عن قادة الدول العربية المعادية. والضربة التي وُجهت إلى العراق قامت بدور أيضاً. لقد تضاءل تهديد وجود إسرائيل، لكن لا أعلم إلى متى. فهو لم يختف كلياً.

[.......]

 

المصدر: "دافار"، ملحق عيد الفصح، 17/4/1992، ص 17. وقد أجرى المقابلة دانييل بلوخ وأمير نويمان. 

* زعيم حزب العمل الإسرائيلي: يتسحاق رابين.