انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط
Keywords: 
الأسلحة النووية
الشرق الأوسط
عدم الانتشار النووي
تهديد إيران
Full text: 

مقدمة

في سنة 1991، بدأ فصل جديد في تاريخ السلاح النووي في الشرق الأوسط، وذلك مع تحوّل مخاوف الانتشار الإقليمي عن محورها تحولاً درامياً. فقد افتضح برنامج التسلح النووي العراقي المكثف، المبتدىء منذ الثمانينات، ووُضع حدّ له كنتيجة لحرب الخليج وخلال الفترة التي عقبتها. لكنْ، في الوقت نفسه:

  • تسارَع مسعى إيران للتسلح النووي تسارعاً درامياً؛
  • أعربت سوريا أول مرة عن اهتمامها بالحصول على أسلحة نووية؛
  • اكتُشفت مساعي الجزائر لإقامة بنية نووية، عسكرية اللون.

يضاف إلى ذلك، أن تقويماً جديداً لقدرات إسرائيل النووية قد بيَّن أن ترسانتها العسكرية أوسع كثيراً مما كان يُعتقد في السابق.**

ومع تنامي هذه الاتجاهات، ثبت أن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT) كانت عاجزة عن صدِّ مساعي العراق للحصول على أسلحة نووية، ونشأت تساؤلات عن فائدة المعاهدة ككابح لانتشار الأسلحة في أماكن أخرى من المنطقة. فالبحرين ومصر وإيران والعراق والأردن والكويت وليبيا والعربية السعودية وسوريا وتونس قد وقعت المعاهدة، وإنْ لم تشارك فيها إسرائيل والجزائر. وقد بُذلت، أواخر سنة 1991، المساعي من أجل تقوية المعاهدة على نحو ملحوظ. وأتاح ذلك فرصاً لأن تثبت المعاهدة، المعزَّزة حديثاً، قدرتها على لجم برامج الموجة التالية من مرشحي الشرق الأوسط الجدد النويين، وذلك على الرغم مما بدر منها من تقصير سابقاً.[1]

وهذه الورقة معالجة لهذه التطورات المهمة.

أولاً: العراق

              في ربيع سنة 1991 وصيفه، كشفت التحريات التي فرضها مجلس الأمن الدولي، عقب هزيمة العراق في حرب الخليج، أن العراق كان يتابع تنفيذ برنامج نووي سري تبلغ كلفته عدة مليارات من الدولارات، منذ قرابة العقد من السنين. وقد شكل هذا البرنامج، المرموز إليه بالرمز "البتروكيماوي 3" خرقاً مباشراً للالتزامات التي التزمها العراق بموجب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التي وقّعها سنة 1969. وفي 18 تموز/يوليو و20 أيلول/ستبمبر 1991، دانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) العراق إدانة رسمية لانتهاكه أحكام المعاهدة.

إن التحريات التي قامت بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، برعاية لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالعراق، قد سُمح بها في نيسان/أبريل 1991 بقرار مجلس الأمن رقم 687. وقد أرسى القرار أصول تدمير أسلحة العراق غير التقليدية وقدراته الصاروخية، ودعا إلى برنامج مراقبة للحؤول دون قيام العراق بإعادة بنائها.

ومن الاكتشافات المذهلة التي أماطت تحريات الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية اللثام عنها، أن العراق كان يتبع أربع تقنيات مختلفة لتخصيب اليورانيوم إلى مستوى الاستعمال الحربي، وأنه كان قد أحرز أعظم تقدم له في عملية الفصل الكهرومغناطيسي (EMIS).[2]   هذا، ولم تكتشف الولايات المتحدة ولا أية حكومة أجنبية أخرى برنامج الفصل الكهرومغناطيسي، ويعود ذلك جزئياً إلى أن هذه التقنية لا تعتمد كثيراً على المعدات التكنولوجية المتطورة التي كان من شأن العمل للحصول عليها أن يفشي سر المساعي لتطويرها.[3]   والحق أن برنامج الفصل الكهرومغناطيسي ربما كان ظل محجوباً عن أنظار فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة والكالة الدولية للطاقة الذرية، لولا أن كشف أمره مهندس نووي عراقي انحاز إلى القوات الأميركية بعد الحرب.

وقد حدَّد مفتشو الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية أن العراق كان قد بنى وشغَّل عدداً قليلاً من وحدات الفصل الكهرومغناطيسي (المعروفة باسم "كالوترون" / Calutrons) في منشأة اختبارية في مركز التويثة للأبحاث النووية على مقربة من بغداد، وفي منشأة ذات قدرات صناعية للإنتاج لكن غير مكتملة الإنشاء في الطارمية. ومع أن العراق لم ينتج إلا كمية صغيرة من اليورانيوم المخصَّب غير الصالح للاستعمال الحربي، مستعملاً هذه الطريقة،[4] فربما كان في وسعه أن ينتج من اليورانيوم المخصَّب للاستعمال الحربي كمية كافية لصنع أول قنبلة ذرية في مهلة قصيرة لا تتجاوز العامين، لو أنه أكمل إنشاء مفاعل الطارمية، وقد حدّد المفتشون أيضاً أن مصنعاً هو نسخة عن مصنع الطارمية كان في طور الإنشاء في الشرقاط، وهذا يدل على أن العراق كان يأمل بإنتاج كمية من المواد الصالحة للاستعمال الحربي تكفي صنع قنبلتين أو ثلاث قنابل في السنة، وذلك بوساطة طريقة الفصل الكهرومغناطيسي.

وقد كشفت التحريات سلسلة من المنشآت غير المعروفة من قبل، والخاصة بصناعة ومعالجة اليورانيوم لإنتاج عدد من مركبات اليورانيوم المستعملة في الفصل الكهرومغناطيسي وغيره من عمليات التخصيب. وزيادة على ذلك، اكتشف المفتشون أن العراق قد استخرج سراً كمية قليلة من البلوتونيوم من اليورانيوم المعالج في المفاعل السوفياتي الصنع IRT – 5000 – وهو منشأة كانت تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية – من دون إعلام الوكالة كما هو مطلوب وفقاً لأحكام اتفاقيتها مع العراق.[5]

إضافة إلى ذلك، أتاحت التحريات الاستيلاء على آلاف الصفحات من الوثائق العراقية المتعلقة بأنشطة العراق النووية. وقد بيّنت الوثائق تفصيلات مساعي بغداد لتصميم قنبلة ذرية، ولتجريب مكوناتها غير الذرية؛ وهذه بيِّنة لا لبس فيها على أهداف العراق البعيدة، تكذِّب ادعاءات المسؤولين العراقيين المتكررة بأن برنامج العراق النووي لم يكن يرمي إلى أهداف عسكرية. وقد وصفت الوثائق أيضاً جهود بغداد الحثيثة للحصول على التكنولوجيا من الخارج، من أجل إتمام مختلف أوجه البرنامج النووي. (إلا إن اللجنة الخاصة لم تكن قد كشفت إلا القليل من التفصيلات عن هذا الموضوع، حتى أواسط تشرين الثاني/ نوفمبر 1991).

وقد بيّنت الوثائق المضبوطة أن العراق كان قد خطّط لإنتاج كميات كبيرة من الليثيوم – 6، وهو مادة لا تستعمل إلا لإنتاج القنابل الذرية "المقوّاة" والقنابل "الهيدروجينية". زد على ذلك، أن المفتشين وجدوا أن العراق قد قام بتجارب تهدف إلى تسليح صاروخ برأس نووي. وقد برهنت هاتان المبادرتان – فضلاً عن برنامج التخصيب المتعدِّد الأوجه – أن العراق كان يرجو أن يصبح دولة نووية تامة في أسرع وقت ممكن.

لكن العراق رفض، مع ذلك، تقديم كل الوثائق المطلوبة واستعاد، في إحدى المواجهات في آب/أغسطس 1991، حيازة كمية كبيرة من الوثائق التي ضبطها فريق الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقد أعاد لاحقاً قسماً من تلك الوثائق فحسب. كما وجد المفتشون حالات عدة أُزيلت فيها الوثائق من المواقع الخاضعة للتفتيش، للحؤول دون تدقيقها من قبل فريق المفتشين.

أتاحت مكتشفات المفتشين استبصارات جديدة في تاريخ البرنامج النووي العراقي. فقد كان من الشائع الاعتقاد أن العراق لم يفعل شيئاً يذكر لمتابعة طموحاته النووية خلال الفترة الممتدة بين تدمير إسرائيل للمفاعل أوزيراك في جوار بغداد في حزيران/ يونيو 1981 وبين المراحل الأخيرة من الحرب الإيرانية – العراقية 1980 – 1988، وذلك على الرغم من دعوة الرئيس العراقي صدام حسين المجتمع الدولي، بُعَيْدَ الغارة الإسرائيلية، "إلى معاونة العرب بشتى الطرق على امتلاك القنبلة الذرية من أجل مواجهة ما تمتلكه إسرائيل منها."[6]

لكن مفتشي الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية حدّدا، مع ذلك، أن العراق قد  استأنف في الواقع برنامج تسلحه النووي سنة 1982، مطلقاً مسعى جديداً لامتلاك وسائل تخصيب اليورانيوم باستعمال طريقة الفصل الكهرومغناطيسي وطريقة أخرى تعتمد على قوة الغازات السريعة النبذ (high-speed gas centrifuges).[7]   وخلال أواسط الثمانينات، ومع استمرار العمل في هذا المشروع وغيره من الأعمال المخبرية النطاق، بدأت أعمال إنشاء مصنع كبير لمعالجة اليورانيوم، تم إنجازه سنة 1989. وفي أواخر الثمانينات، تسارعت وتيرة البرنامج، إذ راح العراق يقوم بتجارب تخصيب وفق طريقتين أُخريين اطُّرحتا لاحقاً؛ وإذ حاول بناء مصانع ذات قدرات صناعية في الجزيرة وغيرها من المواقع، من أجل إنتاج المدد الكافي لمختلف وسائل التخصيب المعتمدة؛ وإذ عمل لوضع تصميم قنبلة ذرية واختبار مكوناتها غير النووية. وفي شباط/ فبراير 1990، دُشِّنت المراحل الأولى من مصنع تخصيب واسع النطاق على طريقة الفصل الكهرومغناطيسي في الطارمية؛ وافتُتحت منشأة جديدة في الأثير لتعزيز أعمال التصميم النووي التي تم القيام بها سابقاً في منشآت عدة أخرى؛ وبدأت أعمال البناء في منشأة للتصنيع المتسلسل لمخصبات اليورانيوم بطريق مفاعلات القوة النابذة (centrifuges) في الفرات.

والعراق ملزم، وفقاً لأحكام معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، بالتصريح عن كل منشآته ومواده النووية (باستثناء خامات اليورانيوم واليورانيوم المكثف)، وبإخضاعها لمراقبة الوكالة الدولية، وإتاحة التحقق من أنها لا تستعمل لتطوير الأسلحة النووية. ومثلما أشرنا من قبل، فقد انتهك العراق تكراراً هذا الالتزام: بتقصيره في الكشف مثلاً عن بناء وتشغيل وحدات الفصل الكهرومغناطيسي في مصنعي التويثة والطارمية؛ بإنتاجه مَدَدَ اليورانيوم من أجل عملية التخصيب؛ بإنتاجه نحو مائة طن من ثاني أوكسيد اليورانيوم، وهو من مشتقات اليورانيوم الجزئية التصنيع في مصنع الجزيرية. يضاف إلى ذلك أن العراق تمكن، حتى في مفاعل IRT-5000 والمختبرات المجاورة له، والخاضعة لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من الالتفاف على رقابة الوكالة ومن إنتاج كمية صغيرة من البلوتونيوم خِفْيَةً.

إن إخفاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية في اكتشاف أي من هذه الانتهاكات لقوانينها، قد أثار تساؤلات جدية عن فعالية جهاز الوكالة، ومعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. وهذا ما سنناقشه في القسم السادس أدناه.

إن ما افتضح من أنشطة العراق النووية الخفية ليستدعي التساؤل الجدي أيضاً عن دقة الاستخبارات في شأن الأنشطة النووية التي استطاعت الولايات المتحدة وغيرها من الدول أن تجمعها. فالعجز عن اكتشاف برنامج التخصيب الكهرومغناطيسي العراقي، والعجز المشابه – المناقش لاحقاً والمستمر منذ أعوام عدة – عن اكتشاف بناء الجزائر لمفاعل اختباري ضخم، يدعوان لا محالة إلى إثارة الشكوك في دقة التقويمات التي تجري للبرامج النووية لدول أخرى قد تكون، كالعراق، مستعدة للاستهتار بالتزاماتها تجاه معاهدة الحد من انتشار تلك الأسلحة.

إن المنشآت المتعلقة ببرنامج التسلح النووي العراقي دمرت، في معظمها، جراء غارات القصف الأميركية خلال الحرب. أما غيرها من المنشآت – وكثير منها كان مجهولاً لدى الولايات المتحدة وشركائها في التحالف – فقد فككها العراق نفسه بعد الحرب سعياً لخداع مفتشي الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيما يختص بمدى أنشطته النووية. وقد دُمر كثير من التجهيزات المتخصصة على أيدي العراقيين أو على أيدي فرق الأمم المتحدة والوكالة الدولية. يضاف إلى ذلك أن كميات اليورانيوم الصالحة للاستعمال الحربي، والتي كان العراق قد حصل عليها من فرنسا ومن الاتحاد السوفياتي في الثمانينات، قد وضعت في عهدة الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمهيداً لإخراجها من العراق.

ومع ذلك، وبأوامر من الرئيس صدام حسين فيما يبدو، درج المسؤولون العراقيون على مقاومة مساعي الأمم المتحدة لتفكيك برنامج العراق النووي، وذلك بتقديمهم المعلومات المغلوط فيها أو الناقصة تكراراً وما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، في التصاريح التي استلزمها قرار مجلس الأمن رقم 687، مخفين المعدات النووية للحؤول دون فحصها وتدميرها من قبل فرق المفتشين. وعلى الرغم من أن الضغوط التي مارسها مجلس الأمن والولايات المتحدة ونفر عديد من الدول الكبرى، قد حملت العراق على الانقياد أخيراً للعديد من طلبات الأمم المتحدة للاطلاع على المنشآت وحرية دخولها، فقد بدا في خريف سنة 1991 أن العراق قد توصل إلى إخفاء بعض تجهيزاته ومعداته النووية عن أنظار فرق الأمم المتحدة، كما أخفى عنها السواد الأعظم من الوثائق التقنية المتعلقة بهذا البرنامج.

وفي ضوء بقاء عدد من العلماء العراقيين والعمال المهرة، وبقاء القسم الأعظم من السجلات الوثائقية لبرنامج العراق النووي، بما في ذلك نتائج الأبحاث والتصاميم الهندسية، فقد ظل إمكان أن يعود العراق إلى استئناف برنامجه النووي، في وقت لاحق، قائماً. وللحؤول دون ذلك، نص قرار مجلس الأمن رقم 687 على الاستمرار في مراقبة قدرات العراق على صناعة وتطوير أسلحة الدمار الشامل والصواريخ. وفي 11 تشرين الأول/أكتوبر 1991، تبنى مجلس الأمن القرار رقم 715 الذي حدد تفاصيل برنامج المراقبة هذا. وقد حظر القرار على العراق، فيما حظر، القيام بأية أنشطة نووية إلا تلك المتعلقة باستعمال المواد النووية للأغراض الطبية.

ولئن ظل مجلس الأمن مثابراً على تطبيقه لإجراءات المراقبة هذه، فإن نجاحه في كبح مساعي التسلح النووي العراقية يبدو ممكناً. وسيجعل امتلاك العراق لأسلحة نووية قبل نهاية القرن أمراً مستبعداً جداً. من ناحية أخرى، يجب الإقرار بأنه ما دام صدام حسين أو غيره من القادة العسكريي النزعة يحكمون العراق، فستستمر مساعي العراق للالتفاف على جهود الأمم المتحدة في المراقبة وإعادة بناء البرنامج النووي خفية. ولقد فازت الأمم المتحدة حتى الآن في كل جولة من جولات المواجهة المستمرة مع بغداد، وأجبرتها على الكشف عن المزيد من أسرارها والتسليم بمراقبة متزايدة الدقة لأنشطتها. لكنْ كان لا بد، في عدة مواجهات حاسمة خلال صيف سنة 1991، من تدخل الولايات المتحدة لدعم مطالب مجلس الأمن، ومن تهديدها باستعمال القوة. ولما كانت انتخابات الرئاسة الأميركية قد بدأت تلوح في تشرين الثاني/ نوفمبر 1992، فإن الرئيس بوش – المتهم بتمضية معظم الوقت على الشؤون الخارجية والقليل منه لإخراج الاقتصاد الأميركي من مأزقه – ربما بات متردداً في المخاطرة بأزمة جديدة من جراء معاندة العراق. لذلك ربما تناقصت فعالية ما تبذله الأمم المتحدة من جهود الرقابة في الأشهر المقبلة، وفُتح الطريق أمام استئناف مساعي العراق للحصول على الأسلحة النووية. لكن عملية إعادة بناء البنية النووية التحتية العراقية ستتطلب، مع ذلك، أعواماً عدة. ويبدو أن ثمة فرصاً ضئيلة لامتلاك العراق سلاحاً نووياً في المدى القريب.

 ثانياً: إيران

              إيران كالعراق طرف في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، لكنها تواصل كالعراق أيضاً برنامج تسلح نووي سري.

              إن الحكومة الثورية الإيرانية وإنْ عجزت عن إكمال مفاعلات الطاقة النووية الألمانية الصنع في بوشهر، والتي شُرع في إنشائها في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، فقد حافظت على قاعدة الأبحاث النووية التي ورثتها عنه.[8]  والظاهر أن العمل في مركز أبحاث طهران، مثلاً، قد تواصل من دون أي انقطاع يذكر بعد استيلاء آية الله الخميني على السلطة سنة 1979، فسمح بتدريب الاختصاصيين وباستعمال المفاعل الصغير الأميركي الصنع من أجل أبحاث المركز الذي ما زال تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.[9]   والمرجح أن الاختصاصيين في المركز كانوا يطلعون على الأبحاث التي كانت جارية في عهد الشاه، بما في ذلك نتائج ما يبدو أنه كان شيئاً كمسعى متواضع وغير معلن لأبحاث تهدف إلى صناعة سلاح نووي.

وإمعاناً في الإعراب عن التزام متابعة الأبحاث النووية، وفي غمرة الحرب الإيرانية – العراقية، أي في سنة 1984، افتتح نظام الخميني مركز أبحاث جديداً في أصفهان كان قد تم إرساء أسسه في عهد الشاه.[10]   وبالإضافة إلى ذلك، وقعت الحكومة الإيرانية سنة 1987 عقداً بـ 5,5 ملايين دولار مع الأرجنتين، وافقت الأخيرة بموجبه على مدّ الأولى بوقود اليورانيوم الجديد المخصَّب إلى نسبة 20%، وغير الصالح للاستعمال الحربي، وذلك من أجل مفاعل طهران الخاص بالأبحاث.[11]   وقد روي أن طهران، قد حصلت أيضاً على كميات وفيرة من اليورانيوم المركز، أو "الكعكة الصفراء"، من جنوب أفريقيا خلال 1988 – 1989. ومن الجائز أن تكون إيران قد اقتنت هذه المادة من أجل تخصيبها لاحقاً في إيران نفسها، أو ربما في باكستان، ومن ثم استعمالها في إيران.[12]    ومن شأن هذا أن يتّسق مع أدلة سابقة على إمكان وجود علاقات نووية بين الدولتين الإسلاميتين الجارتين.

              ومع أواخر الثمانينات، بدأت تزداد الأدلة على أن إيران تواصل برنامج تسلح نووي. ففي خطاب ألقاه الرئيس علي خامنئي في شباط/ فبراير 1987، أمام منظمة الطاقة الذرية في إيران، صرح – فيما رُوي – بما يلي:

أما الطاقة النووية، فنحتاج إليها الآن... لم تزل أمتنا تتعرض للتهديدات الخارجية. وأقل ما يمكننا أن نفعله هو إفهام أعدائنا أن في وسعنا الدفاع عن أنفسنا. لذلك كانت كل خطوة تخطونها هنا إنما هي للدفاع عن بلدكم وعن ثورتكم. فاجعلوا هذا نصب أعينكم، وجدّوا في العمل، وأسرعوا ما وسعكم أن تسرعوا.[13]

              في تشرين الأول/ أكتوبر 1988، بُعَيْدَ وقف إطلاق النار في الحرب مع العراق، ذهب هاشمي رفسنجاني، الذي كان يومها رئيس البرلمان الإيراني والقائد الأعلى للقوات المسلحة وبات الآن رئيساً، إلى أبعد من ذلك في التصريح بهذا الرأي. فقد قال في كلمة ألقاها في جماعة من الجنود الإيرانيين:

أما التدرُّب على الأسلحة الكيماوية، والجرثومية، والإشعاعية، فقد اتضح لنا خلال الحرب أن هذه الأسلحة حاسمة جداً. وقد اتضح لنا أيضاً أن تعاليم العالم الخُلُقية غير فعالة جداً عندما تبلغ الحرب مرحلة حرجة والعالم لا يحترم قراراته ويغمض عينيه عن الانتهاكات والاعتداءات التي ترتكب في ساحة المعركة.

علينا أن نعدّ أنفسنا إعداداً كاملاً لاستعمال الأسلحة الكيماوية، والجرثومية، والإشعاعية، في الهجوم والدفاع. عليكم من الآن فصاعداً انتهاز الفرصة والقيام بهذه المهمة.[14]

وتوكيداً لهذه التصريحات في شأن الاهتمام بالأسلحة النووية، أعلن الأدميرال ثوماس إ. بروكس، مدير الاستخبارات البحرية، في شهادة أمام الكونغرس أدلى بها أوائل سنة 1989، أن إيران "تواصل بنشاط" تحقيق قدرة حربية نووية. لكنه لم يقدم أية تفصيلات في شهادته العلنية.[15]

والظاهر أن جهود إيران لتطوير قدرة نووية حربية قد تسارعت خلال السنة الماضية. فقد توجهت إيران شطر أوروبا الغربية، بحسب مصادر أميركية مسؤولة، للحصول على العتاد الثقيل والتكنولوجيا، مستعملة لذلك شبكات سرية من أجل شراء هذه المعدات شبيهة بالشبكات التي استعملها العراق وباكستان.[16]  ويعتقد المسؤولون الأميركيون، أيضاً، أن إيران قد بدأت تقوم بالأبحاث اللازمة لإنتاج المواد النووية القابلة للاستعمال الحربي؛ وليس لهذه الأنشطة، فيما يعتقد المسؤولون الأميركيون، أية علاقة ببرنامج نووي سلمي، وهم يعدُّونها مؤشراً واضحاً على مسعى لإنتاج أسلحة نووية.[17]   ويذهب بعض التقارير إلى أن هذه الأبحاث تتركز في قزوين بالقرب من بحر قزوين، وأنها تقع تحت سيطرة حراس الثورة لا تحت رقابة منظمة الطاقة الذرية في إيران التي تشرف على أوجه أخرى من برنامج إيران النووي.[18]

والظاهر أيضاً أن إيران تتلقى معونة نووية مكثفة من الصين، ويزعم البلدان أن المعونة تنحصر في الأغراض السلمية فحسب. لكن هذا وإنْ صح فإن من شأنه أن يعزز القاعدة التكنولوجية النووية في إيران، ويدعم برنامجها التسلحي بصورة غير مباشرة. وقد دفعت المخاوف من ذلك الولايات المتحدة إلى الاعتراض على المعونة الصينية.[19]  ويقول بعض التقارير إن إيران تدرب بعض التقنيين النووين في  الصين عملاً باتفاق تعاون وُقِّع حديثاً، من الجائز أن ينطوي أيضاً على المساعدة في بناء مفاعل في مركز الأبحاث النووية الإيراني في أصفهان.[20]

وأحدث ما عُلم هو أن الصين قد مدّت إيران بكالوترون صغير الحجم – وهو من نوع الجهاز المستعمل في برنامج الفصل الكهرومغناطيسي العراقي التخصيبي لرفع اليورانيوم إلى مستوى الاستعمال الحربي. والظاهر أن الوحدة التي باعتها الصين لإيران ليست على درجة من القوة كافية لمعالجة اليورانيوم، بل هي نموذج صغير لفصل النظائر الطبية المشعة. وعلى الرغم من ذلك، فمما لا شك فيه أن إيران ستسعى لاستخلاص المعلومات العملية عن طريقة الفصل الكهرومغناطيسي من الجهاز الصيني. وقد أوجز مساعد وزير الخارجية، ريتشارد سولومون، المخاوف الأميركية بقوله في شهادة أمام الكونغرس: "والصينيون وإنْ لم يكونوا يبيعون أسلحة ناجزة، فمن الجائز أنهم ينقلون [إلى الإيرانيين] تقنيات أو معلومات... [وهذا] غير مقبول لدينا."[21]

وتسعى، أيضاً، لشراء مفاعل للأبحاث من الهند.[22]   ويقال إن قوة هذا الجهاز لا تتعدى 10 ميغاوات، وهي لا تكفي إنتاج كميات كافية من البلوتونيوم – إنْ لم تعزَّز المنشأة بمعدات أخرى. وسيكون هذا الجهاز خاضعاً لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومن شأن هذا أن يجعل من العسير على إيران أن تستعمل المفاعل من أجل إنتاج كميات حربية من البلوتونيوم خفية. ومع ذلك، فمن الجائز أن يعزِّز قاعدة الأبحاث النووية في بلد يعتقد أنه منخرط انخراطاً جدياً في مسعى تكوين قدرة حربية نووية.

وفي خضم هذه التطورات قدم نائب الرئيس الإيراني، آية الله مهاجراني، قرينة إضافية على اهتمام بلده بالحصول على أسلحة نووية، معلناً في مقابلة أُجريت معه في تشرين الأول/ أكتوبر 1991، ووزعتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، أنه "لمّا كان العدو يمتلك قدرات نووية فيجب أن تتجهز الدول الإسلامية بالقدرات نفسها."[23]

إن برنامج التسلح النووي الإيراني يبدو أنه لا يزال في طفولته، وهذا يوحي بأن أعواماً عدة – وربما عقداً كاملاً من السنين – قد تمر قبل أن تتمكن إيران من تحقيق طموحاتها.[24]   ومع ذلك، فلا بد من أن تُشفع التوقعات بشأن وتيرة السعي الإيراني ومستقبل إنجازات إيران النووية بشيء من الاحتراس، بعد ما شوهد من تقدم العراق الذي لم يكن في الحسبان.

ثالثاً: سوريا

              في أواسط الثمانينات صرح وزير الخارجية السوري، مصطفى طلاس، أن الاتحاد السوفياتي قد "ضمن" أنه سيمدّ سوريا بالأسلحة النووية إذا ما استعملت إسرائيل أسلحة نووية ضد سوريا.[25]    ومهما تكن حقيقة هذا القول فقد مثَّل إحدى المناسبات القليلة التي أعربت سوريا فيها، خلال العقود الأخيرة، عن اهتمامها بالحصول على أسلحة نووية.

ولا يعرف عن سوريا امتلاكها أية قدرات نووية تذكر. لكنْ في خريف سنة 1991، أشارت معلومات جديدة إلى أن سوريا تسعى لإقامة بنية تحتية نووية، تحدوها على ذلك نيات عسكرية. وفي اجتماع جرى في أكاديمية العلوم القومية في واشنطن، في أيلول/ سبتمبر 1991، أدرج برادلي غوردون، مساعد مدير الوكالة الأميركية لمراقبة التسلح ونزع السلاح، سوريا في قائمة الدول "التي تمتلك برامج نووية مشبوهة الأغراض." وقد أشار مسؤولون أميركيون آخرون إلى أن سوريا تسعى لشراء مفاعل للأبحاث من الصين، وإنْ لم يفصح هؤلاء المسؤولون عن حجم الوحدة المنوى شراؤها. وستكون سوريا ملزمة بإخضاع المفاعل وغيره من المنشآت والمواد النووية (باستثناء خامات اليورانيوم أو الخامات المكثفة) لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لأن سوريا طرف مشارك في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. ومع ذلك، فلئن كان المفاعل ذا حجم معتبر – كأن يكون له قوة 40 ميغاوات مثل مفاعل أوزيراك العراقي – فقد يكون في قدرته إنتاج كميات معتبرة من البلوتونيوم، كما أن من شأن إنشائه أن يثير، بلا أدنى شك، مخاوف عظيمة في إسرائيل.

وعلى الرغم من المكاسب الأخيرة التي حققتها سوريا في لبنان، والقضاء على أهم منافسيها في حرب الخليج، فإنها تواجه في المدى البعيد عزلة متنامية، ولا سيما بعد حجب الدعم الذي كان يأتيها من أعظم حلفائها، الاتحاد السوفياتي. ومثلما تبيَّن من أمر أنظمة متطرفة أخرى لدى مرورها بشدة كهذه، وأينما كان موقعها على سطح الأرض، فإن من شأن أوضاع كهذه أن تزيد في جاذبية امتلاك الخيار النووي. وعلى الرغم من عدم وجود أية تفصيلات إضافية أخرى عن خطط سوريا النووية، فإن مجرد كون الولايات المتحدة قد بدأت تعدّها في جملة الدول ذات الرغبة غير المعلنة في امتلاك أسلحة كهذه، إنما يعتبر تطوراً خطر الشأن.

 رابعاً: الجزائر[26]

              كان الاعتقاد السائد في الثمانينات أن برنامج الجزائر النووي يقتصر على أنشطة دراسة اليورانيوم، وتشغيل مركز صغير للأبحاث النووية في جوار مدينة الجزائر، حيث يعمل مفاعل أبحاث نووي صغير (قوته 1 ميغاوات) أرجنتيني الصنع، تم اقتناؤه في آذار/ مارس 1989.[27]  وقد وضع المفاعل تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع أن الجزائر لم توقع معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ولم يكن ثمة ما يوحي بأية رغبة جزائرية في اقتناء الأسلحة النووية.

لكن وكالات الاستخبارات الأميركية حصلت، في كانون الثاني/يناير 1991، على قرائن تظهر أن الجزائر منهمكة سراً في بناء مفاعل أبحاث كبير على مقربة من بلدة عين وْسارة الواقعة على مسافة 155 ميلاً إلى الجنوب من الجزائر العاصمة.[28]  والمنشأة التي لم تكتمل بعد، والتي قيل إنها محاطة بالصواريخ المضادة للطائرات، لم تزل في طور البناء منذ عدة أعوام، وهي تبنى بمساعدة صينية.[29]

واستناداً إلى الصور التي أخذتها أقمار الاستطلاع لجهاز تبريد المفاعل أشار بعض التقديرات الأميركية لحجم المفاعل إلى أنه بقوة 40 ميغاوات أو أكثر – وهذا حجم أليق بإنتاج البلوتونيوم منه بحاجات الأبحاث والتدريب. وقد عزّزت السرية التي يحاط المشروع بها الشكوك في غايته النهائية، وأوحت إيحاء قوياً بأن المفاعل لن يوضع تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ ولمّا لم تكن الجزائر ولا الصين تشاركان في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، فإن أية من الدولتين ليست ملزمة قانونياً باتخاذ خطوة كهذه. ومع أن الصين قد كررت منذ سنة 1984 تعهدها بأن صادراتها النووية كلها ستوضع تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فثمة تخوف من أن تتنكر بكين لتعهداتها وتساعد الجزائر، بكل بساطة، في أن تطلق برنامجاً للتسلح النووي.[30]  

ومع ذلك، تبقى النتائج المتعلقة بالمخاطر المترتبة على هذا المفاعل احتمالية. فالمحللون الأميركيون لم يرصدوا أية مؤشرات أخرى على وجود مسعى جزائري للتسلح النووي، كما أن بعضهم ذهب إلى أن صور الأقمار الصناعية بيَّنت أن مفاعل عين وْسارة أصغر حجماً من أن يثير الشبهات. يضاف إلى ذلك أنه لم تبدُ أية مسوِّغات معقولة واضحة لبرنامج تسلح نووي جزائري لأن الجزائر لا تواجه تهديداً خارجياً يستلزم رداً على هذا القدر من القوة.

وفي أوائل أيار/مايو 1991، وفيما بدا أنه استجابة لتدخلات أميركية بعيدة عن الأنظار، أعلنت الصين والجزائر أن منشأة عين وسارة ستوضع تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.[31] 

وقد كشفت الدولتان أن طاقة المفاعل القصوى هي 15 ميغاوات. وهذا المفاعل وإنْ كان كبيراً بالنسبة إلى بلد نام، فهو لا يتناقض والأبحاث النووية السلمية أو إنتاج النظائر الطبية المشعة. والحق أنه إذا ما شُغِّل بصورة متقطعة – وهذا هو التشغيل السوي للمفاعلات الاختبارية – فسينتج كميات قليلة نسبياً من البلوتونيوم. لذلك، فبينما يستطيع مفاعل قوته 40 ميغاوات دائم التشغيل – كمفاعل أوزيراك العراقي الذي دمرته إسرائيل سنة 1981) أن ينتج بسهولة كمية كافية من البلوتونيوم لصنع قنبلة ذرية في مدة عام واحد، فإن المفاعل الجزائري سيستلزم على الأقل عدة أعوام من التشغيل السوي للتمكن من إنتاج كمية كهذه. وقد خفَّض هذا العامل كثيراً من مخاطر توصل الجزائر إلى تخزين كمية وافية من البلوتونيوم يمكن تحويلها بسرعة إلى أسلحة نووية.

وقد كشفت الصين والجزائر أيضاً أن الاتفاق على شراء المفاعل قد وقِّع في شباط/ فبراير 1983. وهذا يسبق تعهد الصين في سنة 1984 بإيجاب الرقابة على صادراتها النووية كافة. وقد فُهم من الناطقين الرسميين الصينيين أن تاريخ توقيع العقد هذا يسوِّغ عدم إعلام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مسبقاً بالمشروع.

كانت الجزائر قد أعلنت، أوائل الثمانينات، مباحثات في شأن عدد من مشاريع المنشآت النووية أجرتها مع دول عدة، منها: فرنسا، وبلجيكا، والبرازيل، والولايات المتحدة. كما كانت الجزائر قد كشفت النقاب عن عدة محاولات لبناء مفاعل للأبحاث في عين وْسارة. لكنْ لم تظهر أية معلومات عن إبرام أية عقود لبناء مفاعل للأبحاث أو للطاقة، حتى أُبرم سنة 1985 اتفاق شراء المفاعل مع الأرجنتين، وأجريت مباحثات مع الصين وظلَّت في طي الكتمان.[32]

وعلى الرغم من قرار جعل مفاعل عين وسارة تحت المراقبة، والتصريحات المطمئنة بالنسبة إلى طاقته، فإنه يبقى بعض التساؤلات عن دواعي الجزائر إلى اقتنائه بلا أجوبة. وأهم هذه التساؤلات أن الغرض من المفاعل إذا كان سلمياً فمن غير الواضح لمَ بني سراً، ولمَ أخفت الصين أمره طوال فترة الثمانينات. فقد عقدت بكين عدة جولات من المفاوضات مع واشنطن خلال تلك الفترة، وعبرت فيها عن التزامها سياسات تصدير نووي صارمة، لكنها لم تشر قط – فيما يبدو – إلى بيعها مفاعلاً للجزائر. ومن غير الواضح هل أن الصين خطّطت مع الجزائر، منذ البداية، لجعل المفاعل تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أم أنهما أقدمتا على هذه الخطوة لتفادي الانتقادات بعد اكتشاف وجود المفاعل. كذلك، ومع أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستستطيع التحقق من أن المفاعل يعمل بقوة 15 ميغاوات، فإن الشكوك في هل كانت الجزائر مصممة على تشغيله بهذه القوة أم لا، تظل قائمة. ذلك بأن جهاز التبريد المفرط في الكبر يوحي بأن الجزائر كانت تنوي تشغيل الوحدة بقوة أكبر، أو أنها كانت تزمع زيادة حجمها في المستقبل.[33]   والحقيقة أن تقريراً من أوائل التقارير الصحافية في سنة 1981، بيّن أن الجزائر تسعى للحصول على مفاعل من حجم مفاعل أوزيراك الكبير.[34]

تبقى دواعي الجزائر الممكنة إلى الحصول على منشأة نووية ذات قدرات عسكرية غير واضحة أيضاً.[35]   فقد كانت الجزائر متورطة سبعة أعوام في حرب عصابات ضد المغرب بشأن الصحراء الغربية، يوم وقعت الرباط سنة 1982 اتفاقاً مع الولايات المتحدة على إقامة قاعدة عسكرية. ومن الجائز أن تكون الجزائر قد خشيت أن تؤدي القدرة العسكرية الأميركية إلى دعم مطامح المغرب الإقليمية، وأنها اعتقدت إمكان صدّ هذه المطامح بخيار التسلُّح النووي. وربما كانت الجزائر قد رأت، يوم وقعت العقد مع الصين أوائل الثمانينات، أن إنشاء هذا المفاعل يعزز مكانتها؛ إذ كانت تضاعف مساعيها للزعامة في المغرب وفي حركة عدم الانحياز. كما أن المطامح النووية التي أبدتها ليبيا والعراق، وما كان من إنشائهما مركزين للأبحاث النووية في تاجورا والتويثة، على الترتيب، ربما كانت قد أذكت رغبة الجزائر في اقتناء أوائل القدرة النووية.

إن التغيرات في وضع الجزائر السياسي والاستراتيجي – وفي ذلك برنامج للتحول الديمقراطي والإصلاح الاقتصادي لا سابق له، فضلاً عن حل مسألة الصحراء الغربية برعاية الأمم المتحدة – ربما تخفف من الضغوط التي قد تحملها على السعي لاقتناء السلاح النووي. ومن شأن هذا أن يتسق مع الاتجاهات التي برزت مؤخراً في الأرجنتين والبرازيل وجنوب أفريقيا، بعد تغيرات سياسية وترتيبات إقليمية مشابهة.

في حزيران/ يونيو 1991، حملت الاضطرابات التي سبّبها الأصوليون الإسلاميون الرئيس الجزائري، الشاذلي بن جديد، على تأجيل الانتخابات النيابية الحرة الأولى منذ استقلال الجزائر سنة 1962، وعلى توسيع المشاركة في مجلس قيادة الثورة الحاكم. فأُرجئت الانتخابات إلى تشرين الثاني/ نوفمبر، بعد أن كانت مقررة في أواخر حزيران/ يونيو. ولئن حقّقت الأحزاب الأصولية مكاسب مهمة – أو لئن قام الجيش الجزائري بسحق تحرك هذه الأحزاب واستولت العناصر الاشتراكية المتشددة على السلطة – فقد تقع السيطرة على برنامج الجزائر النووي في يد قادة جدد، ربما كانوا أشد تطرفاً من بن جديد وحلفائه الإصلاحيين؛ ومن شأن ذلك أن يزيد في غموض مصير الطاقة النووية في هذا البلد. وقد تثير تطورات كهذه قلق دول أخرى في المنطقة، ومنها إسرائيل.

 خامساً: إسرائيل

خلال الأعوام الأخيرة، ارتكزت التقديرات العلنية لقدرات إسرائيل النووية، إلى حد بعيد، على تحليل الشهادات التي أدلى مردخاي فعنونو بها إلى صحيفة Sunday Times اللندنية، في تشرين الأول/ أكتوبر 1986.[36] لكن كتاباً جديداً بقلم سيمور هيرش، وهو صحافي أميركي واسع الشهرة في التحقيق، يبين أن ترسانة إسرائيل أوسع وأكثر تقدماً مما كانت توحي تلك التقديرات به.[37]

وأشارت صحيفة Sunday Times، استناداً إلى المعطيات التي حصلت عليها من مردخاي فعنونو، إلى أن إسرائيل ربما كانت تمتلك 200 قنبلة ذرية. أما المسؤولون الأميركيون الذين حاولوا تنسيق شهادات فعنونو مع غيرها من المعلومات المتصلة بالموضوع، فقد خلصوا إلى أن ترسانة إسرائيل النووية تحتوي، في أرجح الظن، على أقل من 100 قطعة، وربما لم يتعدّ عددها 50 أو 60 قطعة. وهم يعتقدون أن مفاعل ديمونا وإنْ كان ربما قد وُسِّع إلى حد ما، أواخر السبعينات، فهو غير مقتدر على إنتاج كمية البلوتونيوم الضرورية لترسانة على هذا القدر من السعة.[38]   على أن أياً من المخزونين يتيح لإسرائيل أن تستعمل أسلحتها النووية استعمالاً تكتياً، أي ضد أهداف عسكرية خلال القتال، مع الاحتفاظ بكمية الأسلحة كمخزون استراتيجي لتهديد المدن العدوة.

وقد قدّم فعنونو، أيضاً، معلومات مفصلة تبيّن أن إسرائيل قد أنتجت التريتيوم والليثيوم ديوتيرايد؛ وفي هذا دليل على أن الترسانة الإسرائيلية تتكون، وإنْ جزئياً على الأقل، من أسلحة نووية متطورة. والمعتقد أن التريتيوم يستعمل في صناعة أسلحة نووية "مقوّاة"، أي قنابل ذرية تعتمد أساساً على فلق البلوتونيوم أو اليورانيوم المخصَّب من أجل مفعولهما، لكنها تستعمل كمية قليلة من التريتيوم لتشديد عملية انشطار الذرات.[39]   وهذا يعني أن بعض الأسلحة النووية الإسرائيلية ربما كان ذا قوة تدميرية تفوق عدة مرات حجم 20 كيلوطناً  المفترض أن تكون عليه إسمياً قنابل الدول النامية النووية.

يضاف إلى ذلك، أن مصمم الأسلحة النووية الأميركية السابق ثيودور تايلور ذهب، بعد تفحص الصورة التي التقطها فعنونو لعنصر مصنوع من الليثيوم ديوتيرايد داخل في تركيب سلاح نووي، إلى أن إسرائيل ربما كانت تصنع أيضاً أسلحة فائقة القوة، قد تصل قوتها التدميرية إلى 100 كيلوطن؛ وهو حجم بعض الرؤوس النووية المستعملة في الصواريخ الاستراتيجية الأميركية.[40]   وقد رأى تايلور وغيره أن صناعة قنابل "هيدروجينية" حرارية تامة القدرة متعددة المراحل ذات مفعول تدميري يُقاس بالميغاطن[41]  - أو قنابل معقدة أخرى خفيضة الانفجار شديدة الإشعاع كقنابل النيوترون – من شأنها أن تستلزم تجارب مكثفة حقيقية، وتبقى لذلك أبعد من متناول قدرات إسرائيل، لأنه من غير المعلوم أن إسرائيل قد أجرت التجارب الضرورية لذلك. ومن الشائع اعتقاده أيضاً أن الأسلحة النووية الصغيرة الحجوم، كقذائف المدفعية والألغام الأرضية وقنابل "الحقائب اليدوية"، تستلزم برنامج تجارب نووية فعلية.[42]

ليس ثمة من أدلة قاطعة على أن إسرائيل قد أجرت تجربة نووية فعلية. والمعتقد هو أن ترسانتها النووية قد طوِّرت، في جزء منها، بناء على اختبار المكونات غير الذرية والمحاكاة الحاسوبية (Computer Simulations) – ومن خلال الحصول على تصاميم الأسلحة والمعلومات عن اختبارها من الخارج.

ويسود اعتقاد أن إسرائيل قد حصلت على المعطيات من أولى التجارب النووية الفرنسية في سنة 1960.[43]   ومن الجائز أن تكون قد حصلت على معطيات عن تجارب نووية أميركية، في ذلك التاريخ تقريباً. وقد أظهر برنامج وثائقي أميركي متلفز، في أيار/ مايو 1989، أن إسرائيل كانت قادرة على الاطلاع على معلومات تتعلق بتجارب نووية أميركية من الخمسينات وأوائل الستينات. ومن الجائز أن تكون معطيات التجارب قد انطوت على نتائج اختبار أسلحة نووية مقوّاة وحرارية كانت تطوَّر في ذلك التاريخ.[44]

يضاف إلى ذلك أن شائعة قد راجت بأن الإشارة التي التقطها، في 22 أيلول/ سبتمبر 1979، قمر فيلا الأميركي الراصد فوق جنوب المحيط الأطلسي، إنما كانت البرق المتولد من تجربة سلاح نووي إسرائيلي محدود الفعالية، وربما كان سلاحاً نووياً تكتياً أو انفجار الصاعق الخاص بسلاح نووي.

ويخلص كتاب سيمور هيرش إلى أن قدرات إسرائيل النووية أكثر تقدماً مما توحي التحليلات السابقة به. واستناداً إلى مقابلات مع محللين أميركيين يعملون في حقل الاستخبارات، وشخصيات إسرائيلية موثوق باطلاعها على برنامج إسرائيل النووي، يذهب هيرش إلى أن إسرائيل تمتلك الآن "المئات" من الرؤوس النيوترونية محدودة الفعالية، وأن كثيراً منها مصنوع على شكل قذائف مدفعية وألغام أرضية، فضلاً عن القنابل "الهيدروجينية" الحرارية التامة.[45]   وهو يقول، أيضاً، أن إسرائيل قد نشرت بعضاً من هذه الألغام الأرضية في مرتفعات الجولان، في أوائل الثمانينات.[46]

وتفسيراً لكيفية كون ترسانة الأسلحة النووية الإسرائيلية متطورة إلى هذا الحد، يقول هيرش إن إسرائيل كان تطلع على معلومات عن تجارب نووية فرنسية. وهو يروي، "استناداً إلى مسؤولين إسرائيليين تطابقت معلوماتهم عن نواحي أخرى من أنشطة ديمونا"، أن حادث أيلول/ سبتمبر 1979 الذي رصده قمر فيلا الصناعي الأميركي في جنوب المحيط الأطلسي كان حقاً تجربة نووية إسرائيلية – وكان في الواقع الثالث في سلسلة تجارب أُجريت في ذلك الوقت.[47]   أما التجربتان الأوليان فقد حجبتهما غيوم العواصف، بحسب ما ذكرت مصادر هيرش. لكن الزعم بأن السحب قد حالت دون رصد قمر فيلا لانفجار نووي في الغلاف الجوي قد تعرض للمطاعن، لأن المعروف أن ذلك القمر يعتمد جزئياً على أجهزة حساسة للأشعة ما تحت الحمراء، قادرة على اختراق السحب. وهكذا تظل هذه المسألة الحاسمة لغزاً لم يحل بعد.

ويروي هيرش أن إسرائيل كانت، في سنة 1973، تمتلك 20 سلاحاً نووياً، بعضها من الصغر بحيث يمكن وضعه في حقيبة. كما كانت إسرائيل تملك يومها، على ما قال، صواريخ قادرة على ضرب جنوب الاتحاد السوفياتي – ومعنى هذا أن مدى النماذج الأولى من صواريخ جيريكو الإسرائيلية كان يصل إلى نحو 800 ميل، لا 400 ميل كما كان يعتقد من قبل. وفي سنة 1977 كانت إسرائيل تملك، فيما روى، أكثر من 100 سلاح نووي، وكانت ترجو امتلاك 200 في سنة 1980، وذلك استناداً إلى استخبارات أميركية استُقيت من شخص إسرائيلي مطلع. والإطار الزمني الذي جرى فيه هذا التنامي السريع للقدرات الإسرائيلية مطابق لمدة عمل فعنونو في مصنع فصل البلوتونيوم الذي كان يشغَّل، فيما روى فعنونو، بأكثر من 100% من طاقته الأصلية. ومع ذلك، فإن أرقام هيرش تشير إلى تطور لترسانة إسرائيل النووية أسرع كثيراً مما كانت قد بينته التحليلات السابقة.

لكن من سوء الحظ أن هيرش لا يقدّم أية معطيات تقنية لتعزيز ما يذهب إليه بشأن مستوى ترسانة إسرائيل النووية وضخامتها. وبذلك يبقى السؤال الأساسي: كيف تمكنت إسرائيل من الحصول على المواد المشعة القابلة للاستعمال الحربي والكافية لبناء القدرات التي يصفها.[48]

لهذا السبب، لا بد من الحصول على قرائن إضافية للقبول بنظرة هيرش الموسعة إلى قدرات إسرائيل النووية قبولاً تاماً. ومع ذلك، فإن شهرة هيرش المحترمة بالتنقيب عن الأسرار والمصادر المتعددة التي يستشهد برواياتها تضفي الصدقية على مزاعمه. ولا بد للاستراتيجيين العسكريين في دول الشرق الأوسط الأخرى، على الأقل، من أن يدخلوا تقديرات هيرش لقوة إسرائيل النووية في جملة الأسس التي يبنون عليها خططهم لـ"أسوأ الأحوال".

 سادساً: معاهدة الحد

من انتشار الأسلحة النووية

إن مساعي العراق المتعمدة للالتفاف على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وعجز الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن اكتشاف هذه الانتهاكات، قد زعزعا الثقة في هذا الاتفاق وفي كونه آلية مجدية للجم الأنشطة النووية التي تقوم بها الدول الموقعة له. وأشد ما يثير القلق أن بعضاً من هذه الانتهاكات ما كان قُيض له أن يُكتشف لولا حرب الخليج سنة 1991، كما أنه كان سيتيح للعراق أن يمتلك عدداً من الأسلحة النووية من دون أن يراقَب.

وقد أشرنا من قبل إلى أن أطراف المعاهدة ملزمون بوضع كل موادهم النووية والمنشآت التي تعالجها في قيد مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، للتأكد من أن تلك المنشآت لا تحوَّل إلى أغراض عسكرية. وقد اعتمدت هذه الوكالة في الماضي على الدول المراقَبَة للتصريح بأنشطتها النووية كافة، وقصرت عمليات المراقبة والتفتيش على المواد والمنشآت المصرح بها.

كان أهم انتهاكات العراق لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وأكثرها تكراراً بناءه وتشغيله منشآت غير مصرح بها. على أن وجود منشآت العراق غير المصرَّح بها، ولو كان قد عرف في حينه، فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تكن تمتلك الوسائل الكفيلة بالتعامل معها لأنها لم تزل تقصر عمليات مراقبتها تقليدياً على المنشآت المصرَّح بها. والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإنْ كانت مخوَّلة بموجب الاتفاقات المعقودة بينها وبين الدول الأطراف في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية للقيام بـ"أعمال تفتيش خاصة" للمواقع النووية المشتبه فيها وغير المصرح بها بعد موافقة الدولة صاحبة هذه المواقع، فإنها لم تقم قط بممارسة هذه السلطة.

لكن هذه الوكالة قد بدأت تخلع حياءها عقب الانتكاسات التي منيت بها في العراق. ففي الشهر المقبل سيطلب هانس بليكس، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، من مجلس حكام الوكالة الموافقة على أن تباشر الوكالة ممارسة حقوقها في القيام بأعمال تفتيش خاصة. وإضافة إلى ذلك، يأمل بليكس بإقامة وحدة لاستقبال المعلومات الاستطلاعية التي ستوفرها الولايات المتحدة، وغيرها من أعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في شأن المنشآت السرية المشتبه فيها، وغير ذلك من انتهاكات معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. ومن المتوقع أيضاً أن يتخذ مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية إجراءات فعالة وسريعة لإشراك مجلس الأمن الدولي في حال رفض الدولة المقصودة أعمال التفتيش الخاصة، أو في حال تورطها في انتهاكات لقواعد الوكالة الدولية.

ينبغي لهذه المبادرات أن تقوِّي قبضة الوكالة الدولية في ردع الانتهاكات المماثلة لانتهاكات العراق من قبل أطراف آخرين في الشرق الأوسط، مشاركين في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. والاختبار الأول لنظام التفتيش المعزَّز هذا ربما جرى في إيران، ومع أن موقع أنشطتها في الأبحاث المتعلقة بالأسلحة النووية وتطويرها ما زال غير مؤكد، لكن ثمة مواضع عدة مشتبه فيها، وضمنها موضع يقع جنوب غربي طهران، وآخر على مقربة من قزوين.[49]   ولم تعلم إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لأسباب بيِّنة، بأي من هذه المواقع. وإذا كانت أية من هذه المنشآت تنتج المواد النووية أو تستعملها، أو إذا كانت هذه المنشآت قد بُنيت من أجل هذه الغاية، فإن إيران تكون قد انتهكت التزاماتها حيال الوكالة الدولية لأنها لم تسمح لمفتشي الوكالة بالتحقق من هذه المنشآت. وستبين الأشهر المقبلة هل ستطلب إذْنَ التفتيش الخاص في أي من هذه المواقع أم لا. أما وأن المجتمع الدولي قد تنبَّه لغايات إيران فإن تقصير الوكالة، أو عجزها عن العمل، سيعرض سمعتها لمزيد من الطعن.

إن السلطة الموسعة لرقابة الوكالة قد تعين، إذا ما استُعملت استعمالاً ذا صدقية، على ردع ليبيا عن مواصلة برنامج تسلح نووي سري. إن ليبيا، وإنْ بدا برنامجها النووي في مرحلة هجوع في النصف الثاني من الثمانينات، فقد نجحت في بناء مصنع من أعظم مصانع الأسلحة الكيماوية في العالم، وذلك من خلال عمليات سرية لشراء التجهيزات والمواد من أوروبا الغربية. وإن هذه التجربة ربما أغرت ليبيا باستعمال الاستراتيجية عينها في تحقيق مطامحها النووية.

وربما عمل نظام الوكالة الدولية المعزَّز عمل الكابح القوي لسوريا أيضاً، وذلك إذ تبدأ دمشق في السعي لتطوير بنية تحتية نووية مشبوهة الأهداف.

أما في إسرائيل والجزائر، اللتين لا تشاركان في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، فإن أنشطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقتصر على المنشآت المخصوصة التي وافقت هاتان الدولتان طوعاً على وضعها تحت رقابة الوكالة. وليس وارداً القيام بأعمال تفتيش خاصة للمواقع النووية المشتبه فيها وغير المصرَّح بها، وذلك لأن هذين البلدين – ببقائهما خارج معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية – يحتفظان بحق بناء منشآت غير مراقبة وتشغيلها. لكن، كما في حال حقوق المراقبة الشاملة المبنية على المعاهدة، فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تلجأ إلى مجلس الأمن الدولي لفرض حقوق تفتيش محدودة واردة في هاتين الحالين.

ليس في إسرائيل إلا منشأة واحدة تخضع عادة لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي مفاعل أبحاث ناحل سوريك الصغير، الذي لم يرتبط قط ببرنامج التسلح النووي الإسرائيلي. أما جهة الاستعمال التي تقصدها الجزائر من بناء مفاعل عين وْسارة، فما زالت موضع أخذ ورد. ولئن توصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إقامة سابقة التطبيق الحازم لحقوقها في التفتيش الخاص داخل الدول الموقعة لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ووثّقت صلاتها بمجلس الأمن الدولي لفرض هذه الحقوق، فإن من شأن هذه الإجراءات أن تعزِّز، بلا شك، جدوى رقابتها كرادع للغش في المواقع الخاضعة للرقابة – كما في منشأة عين وْسارة – وفي الدول غير الموقعة للمعاهدة. وهكذا، وباستثناء حالة بارزة واحدة هي إسرائيل، فإن من شأن التحسين المرتقب لأصول رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن يحدث تأثيراً مهماً في أنحاء المنطقة.

ولا بد من أن تعتمد فعالية عمليات التفتيش الخاصة، في نهاية الأمر، على معلومات دقيقة عن الأنشطة النووية غير المصرَّح بها. وهذه المعلومات كانت معدومة في العراق، ثم أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإنْ كانت مستعدة للمطالبة بعملية تفتيش خاصة، فهي لم تكن تعرف أين ينبغي لها أن تفتش في كثير من الأحيان. وإن عجز الاستخبارات الأميركية عن اكتشاف إنشاء مفاعل عين وسارة، لمدة أعوام عدة، لهو أيضاً مدعاة إلى القلق. ومع نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي، يقال إن الولايات المتحدة باتت تضاعف التزامها توظيف موارد استخباراتها لمهمة انتشار الأسلحة النووية، ومن شأن ذلك أن يساعد كثيراً في معالجة هذه المسألة.

إن تفصيلات نظام التفتيش الخاص تستحق أيضاً القيام بتدقيقها بإمعان. فإذا كانت عتبة الأدلة المطلوبة للشروع في التفتيش الخاص عالية جداً، فقد يغدو التفتيش الخاص غير قابل للتطبيق عملياً. ومن المهم أيضاً أن يكون الوقت بين المطالبة بالتفتيش الخاص وبين وصول المفتشين إلى الموقع المقصود قصيراً، إلى حد يحول دون الممارسات التي اعتمدها العراق تكراراً لخداع فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، العاملين بموجب القرار رقم 687.

وجملة القول هي أن المتوقع أن تتحسن أصول رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحسناً ملحوظاً في الأشهر المقبلة، وأن من شأن ذلك أن يخلِّف أثراً كابحاً قوياً في عدد من برامج الشرق الأوسط النووية المثيرة للقلق من انتشار الأسلحة النووية.

 

خاتمة

              على الرغم من أن لا جدال في كون إسرائيل ستحتفظ باحتكارها النووي لمعظم هذا العقد من السنين، إنْ لم نقل كله، فإن خريطة الشرق الأوسط النووية تتغير على نحو درامي. ولا تترك التطورات الطارئة في إيران، وسوريا، والجزائر، مجالاً للشك في أن الطموحات النووية لغير هذه من دول المنطقة قد باتت تتعاظم. ومن سخرية الأقدار أنه مع تركز الاهتمام الدولي على مبادرة إدارة بوش في شأن مراقبة التسلح في الشرق الأوسط، وخطة الرئيس المصري حسني مبارك لجعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، فإن أفعل الأدوات في لجم انتشار الأسلحة النووية في دول جديدة ربما كان تلك الأداة – لكن في شكل مقوَّى – التي بان عجزها الذريع عن كبح مساعي العراق الخفية للحصول على القنبلة الذرية. 

* وقد أُلقي هذا البحث في ندوة حول انتشار الأسلحة غير التقليدية في الشرق الأوسط، عُقدت في كلية كينغز كوليدج، لندن، في 21 – 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1991.

**  على الرغم من تصريحات معمر القذافي المتكررة في شأن الاهتمام بالحصول على الأسلحة النووية، فقد بدا أن مساعي ليبيا قد تراخت منذ أواخر الثمانينات، ولن يؤتى إلى تحليل برنامج ليبيا النووي هنا، إلا بذكر عابر في القسم السادس.

[1]   تركز الاهتمام الدولي مؤخراً على مبادرة الرئيس بوش في حزيران/ يونيو 1991 الخاصة بالحد من التسلح في الشرق الأوسط، وعلى اقتراح الرئيس المصري حسني مبارك جعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. ومهما تكن مزايا هذه المقترحات فقلَّ من يجادل في أن تطبيقها سيتأخر، على الأرجح، أعواماً عدة، وأنه لن يأتي – هذا إنْ أتى – إلا بعد حدوث تقدم ملموس في طريق تسوية سلمية في المنطقة – أو ربما لن يأتي إلا بعد جيل من السلام.

ومع ذلك، فمن الممكن أن يتم تعزيز معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية أوائل سنة 1992. وهذا التعزيز، وإنْ يكن طفيف الأثر في قدرات إسرائيل النووية، فإن فائدته كإجراء وقائي ستظل كبيرة في المنطقة. ولذلك كانت معاهدة الحد من انتشار الأسلحة محور المناقشة هنا.

[2]    من أجل إنتاج اليورانيوم الصالح للاستعمال الحربي لا بد من "تخصيب" اليورانيوم الطبيعي، أي أنه يجب معالجته بحيث يزاد تركيز اليورانيوم 235 السهلة الفلق، من نسبة تركيزها الطبيعية البالغة 0,7% إلى نسبة 80% أو أكثر.

أما طرق التخصيب الأخرى التي اتبعها العراق، فهي: الغاز الطارد من المركز (gas centrifuge)؛ الانتشار الغازي (gaseous diffusion)؛ عملية الفصل الكيماوي.

[3]   كان المحللون الأميركيون قد أدركوا، سنة 1988، أن العراق يتبع العملية الطاردة من المركز لأنهم كانوا قد اكتشفوا مساعي العراق للحصول على معدات تكنولوجية متطورة من أوروبا الغربية، من أجل تحقيق هذه العملية. وكان هؤلاء المحللون قد اطلعوا على أنشطة عراقية أخرى مرتبطة، فيما يبدو، بعملية تخصيب اليورانيوم، لكنهم أساؤوا التقدير بأنها مرتبطة ببرنامج الطرد المركزي لذلك لم يتابع الاختصاصيون الأميركيون احتمال كون بغداد تعمل على تنفيذ برنامج تخصيب ينطوي على عدة عمليات. كما أنهم أعرضوا عن احتمال أن يستعمل العراق طريقة الفصل الكهرومغناطيسي، لأنهم اعتبروها مما قد عفى الزمن عليه، وأنها لن تبدو جذابة لقوة نووية ناشئة. (استناداً إلى محادثات أُجريت مع مسؤولين أميركيين صيف سنة 1991).

[4]   في تموز/يوليو 1991، نُقل عن مسؤولين أميركيين قولهم إن العراق كان قد أنتج من المواد الصالحة للاستعمال الحربي، بوساطة الفصل الكهرومغناطيسي، كمية تكفي صنع قنبلة أو قنبلتين؛ وهذا زعم نسب أصلاً إلى المهندس الفار الذي أفضى سر البرنامج. أنظر:

Elaine Sciolino, “Word of Iraqi Nuclear Effort is a Mixed Blessing for Bush,” New       

York Times, July 10, 1991; R. Jeffrey Smith, “Reassessing Iraqi Nuclear             

 Capability,” Washington Post, July 10, 1991.                                                          

وقد ثبت، فيما يبدو، أن هذه الأقوال غير دقيقة لأن هذه المواد لم يعثر عليها، كما أن مفتشي الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية خلصوا، بعد مراجعة وضعية برنامج الفصل الكهرومغناطيسي العراقي، إلى أنه لم يكن متقدماً لدى اندلاع حرب الخليج إلى حد إنتاج كمية من المواد الصالحة للاستعمال الحربي، تكفي صنع قنبلة ذرية. وقد زعم العراق أنه لم ينتج إلا أربعة كيلوغرامات من المواد المخصبة، وهو مقدار لم يكن يحتوي إلا على غرامات (grams) من اليورانيوم المخصَّب إلى ما يزيد على نسبة 20%.

[5]   Mark Hibbs, “Loophole in Safeguards Rules Allowed Iraq to Reprocess,” Nucleonics Week, August 15, 1991, p. 1.                                                                                      

[6]   “Iraq Asserts Arabs Must Acquire Atom Arms as a Balance to Israel,” New York Times, June 24, 1989.                                                                                        

ومن الأدلة الوحيدة على مساعي العراق لإدراك هذه الغاية في أواسط الثمانينات، حادثة وصفت في تحقيق إيطالي جرى سنة 1984، وعبّر فيه نفر من كبار الشخصيات العسكرية العراقية فيما يبدو عن اهتمامه بالحصول على كمية من البلوتونيوم تكفي صنع عدة أسلحة نووية من حلقة تهريب إيطالية زعمت عرض مادة كهذه للبيع. وقد انهارت الصفقة – التي كانت محض احتيال حتماً – عندما عجز المهربون عن تقديم نماذج من المادة النووية. انظر:

Leonard S. Spector, The New Nuclear Nations (New York: Vintage, 1985), pp. 44-54.   

            وفي آب/أغسطس 1990، بدأت تظهر الأدلة على أن مساعي العراق التهريبية لدعم برنامج التخصيب الطردي (centrifuge enrichment) كانت متقدمة جداً سنة 1987، وأوحت بأن بداية ذلك البرنامج ترقى إلى أواسط الثمانينات. أنظر:

Mark Hibbs, “Trail of Iraqi Nuclear Commerce Leads to Two Swiss Companies,”                                                                          Nucleonics Week, August 1990, p. 13.

[7]   أنظر الحاشية رقم 2 أعلاه.

[8]    المفاعلات غير الناجزة تماماً قد أصيبت بأعطاب شديدة جراء القصف الجوي العراقي خلال الحرب الإيرانية – العراقية. كما أن ألمانيا التي قلقت من احتمال اهتمام إيران بالسلاح النووي، قد رفضت المساعدة في إنجاز المنشآت. وقد روي مؤخراً أن إيران تلتمس العون على إتمام المشروع من جمهورية الصين الشعبية.

[9]   أنظر:

Akbar Etemad, “Iran”, in Harald Mueller, European Non-Proliferation Policy            

(Oxford: Oxford University Press, 1987).                                                   

والكاتب اعتماد كان رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية خلال أعظم فترات نشاطها في عهد الشاه.

[10]  Etemad, “Iran,” op.cit., p. 9 (أنظر الحاشية 8):

“Iranian Reactor to Go Critical,” Nuclear Engineering International (December     

 1984): 13.                                                                                                              

(والمفاعل المشار إليه يعد وحدة تدريب قاصرة – subcritical – أي وحدة لا تستطيع القيام بتفاعل متسلسل).

[11]   “Iran to Receive Nuclear Technology, Know-How,” Noticias Argentinas, 1800 GMT, May 18, 1987, translated in Foreign Broadcast Information Service (FBIS) / Latin America, May 19, 1987; “Argentina Confirms Deal for Work on Bushehr,”          

 Nuclear News (July 1987): 54. See Richard Kessler, “Argentina to Enforce Curbs     

 on Nuclear Trade with Iran,” Nucleonics Week, March 14, 1987, p. 12.                      

[12]             Mark Hibbs, “Bonn will Decline Tehran Bid to Resuscitate Bushehr Project,”               Nucleonics Week, May 2, 1991, p. 17.                                                                   

[13]   David Segal, “Atomic Ayatollahs,” Washington Post, April 12, 1987.

وقد استقى سيغال مادته من صحيفة Nameh Mardom الناطقة باسم حزب توده والصادرة في استوكهولم في السويد. وتزعم الصحيفة أنها حصلت على النص من تسجيل قام به أحد الذين حضروا خطاب خامنئي، وهرَّبه إلى خارج إيران لاحقاً.

[14]   “Hashemi – Rafsanjani Speaks on the Future of the IRGC [Iranian Revolutionary Guards Corps],” Tehran Domestic Service, 0935 GMT, October 6, 1988, translated in FBIS – NES, October 7, 1988, p. 52 (التشديد من الكاتب).

ومن أجل الاطلاع على أدلة تبين أن بعض المسؤولين في الحكومة الثورية الإيرانية كان يهتم بالأسلحة النووية منذ سنة 1979، أنظر:

David Segal, “Iran Speeds Up Nuclear Bomb Development,” Journal of Defense        

and Diplomacy, Vol.  6, No. 6, 1988, p. 52; David Segal, “Atomic Ayatollahs,”      (أنظر  الحاشية 13).

وانظر أيضاً:

Leonard S. Spector, Going Nuclear (Cambridge, MA: Ballinger Publishing                  

Company,  1987), p. 56.                                                                 

[15]   شهادة الأدميرال ثوماس إ. بروكس، مدير الاستخبارات البحرية، أمام لجنة الكونغرس  الفرعية الخاصة بالقوة البحرية والمواد الاستراتيجية من اللجنة الخاصة بالقوات المسلحة، مجلس النواب، 22 شباط/ فبراير 1989 (نسخة مطبوعة على الستنسيل).

[16]   مقابلات شخصية.

[17]   Jim Mann, “Iran’s Nuclear plans Worry U. S. Officials,” Los Angeles Times, January 27, 1991; R. Jeffrey Smith, “Officials Say Iran Is Seeking Nuclear Weapons   Capability,” Washington Post, October 30, 1991.                                           

في تشرين الأول/ أكتوبر 1991، نُسِبَ إلى مساعد المسؤولين الأميركيين قوله: "من الواضح أننا قلقون جداً، ونحن نعتقد أن إيران تسعى فعلاً لتطوير برنامج تسلح نووي." أنظر:

Charles Aldinger, “Iran Not Close to Developing Nuclear Arms,” AP, October 31,     

[18]  Roland Evans and Robert Novak, “Beijing’s Terhran Connection,” Washington Post, June 26, 1991; “The China-Iran Nuclear Cloud,” Mednews, July 22, 1991.          

(وهو يحدد بدقة موقع مركز أبحاث إيران للأسلحة النووية في معلم كالايه، في جبال إلبرز، إلى الشمال من قزوين).

[19]     “Iran Confirms Nuclear Cooperation with China,” United Press International, November 6, 1991; R. Jeffrey Smith, “China – Iran Nuclear Tie Long            

 Known,” Washington Post, October 31, 1991.                                                 

[20]   Ibid.; Smith, “Officials Say Iran is Seeking a Nuclear Arms Capability” (أنظر الحاشية 17)؛ شهادة غاري ميلهولين، مدير مشروع ويسكونسن للحد من التسلح، شهادات في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، لجنة مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية، 13 حزيران/  يونيو 1991. يحتوي مركز أصفهان على مفاعل عديم القوة، معروف عنه أنه غير قابل للاستخدامات الحربية، ويستخدم للتدريب. أما العقد فقد وقع، فيما يبدو، في حزيران/يونيو 1990. أنظر:

Smith, “Official’s Say Iran is Seeking a Nuclear Arms Capability,” op.cit.;      لكن أنظر أيضاً: Evans and Novak, “Beijing’s Tehran Connection” (أنظر الحاشية رقم 18) اللذين يذهبان إلى أن الاتفاق وُقّع سنة 1985.

[21]   Smith, “China-Iran Nuclear Tie Long Known” (أنظر الحاشية 18).

[22]   Steve Coll, “Iran Reported Trying to Buy Indian Reactor,” Washington Post,       November 15, 1991.                                                                                             

[23]   Smith, Officials Say Iran is Seeking Nuclear Weapons Capability” (أنظر الحاشية 17).

[24]   Aldinger, “Iran Not Close to Developing Nuclear Arms” (أنظر الحاشية 17).

[25]   “War of Liberation,” New York Review of Books, November 22, 1984, p. 36; Neil Roland, “Soviets Reportedly Offer Nuclear Help to Syria,” United Press         

 international, November 28, 1985. See also Ze’ev Schiff, “Dealing with Syria,”  

 Foreign Policy (Summer 1984): 94.                                                                        

[26]   يستند هذا القسم جزئياً إلى فصل من كتاب:

Leonard S. Spector and Jacqueline R. Smith, Nuclear Threshold (Boulder, Colorado:   Westview Press, 1992).                                                                                  

[27]   أُسس مركز الأبحاث هذا، المعروف باسم مركز العلوم والتكنولوجيا النووية، في أواسط الستينات خلفاً لمعهد الدراسات النووية الذي أُنشىء سنة 1958، يوم كانت الجزائر لا تزال مستعمرة فرنسية. ومن أجل مناقشة للأعوام الأولى من البرنامج النووي الجزائري، أنظر: عدنان مصطفى، "موارد الوقود النووي في العالم العربي"، ورقة مقدمة إلى مؤتمر الطاقة العربي الثاني في 6 آذار/مارس 1982 في الدوحة، قطر، مذكور في:

Thomas W. Graham, Marvin M. Miller, Daniel M. Poneman, George W. Rathjens,       Jeffrey M. Star, and Richard L. Williamson, Jr., “Nuclear Power and Nuclear Proliferation in the Islamic Middle East,” A Study Prepared for the United    

States Congress Office of Technology Assessment, June 3, 1983                         

    (وهي دراسة غير منشورة).

[28]   علم بعض المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية، على ما يبدو، بصفقة شراء المفاعل في أواخر سنة 1988، لكنهم لم يطلعوا غيرهم من المسؤولين في إدارات الحكومة الأميركية الأخرى عليها. أنظر:

Elaine Sciolino, “Algerian Reactor: A Chinese Export,” New York Times, November    

 15, 1991.                                                                                                                

[29]  بدأت أعمال البناء، فيما روي، أواخر سنة 1986. أنظر:

“Sources Say Reactor Data to be Released,” Al-Shar1 Al-Awsat, May 1, 1991,              

translated in JPRS – TND, May 31, 1991, p. 21.        

[30]   Bill Gertz, “China Helps Algeria Develop Nuclear Weapons,” Washington Times, April 11, 1991; Jim Mann, “China May Be Giving A – Arms Aid to Algeria,” Los Angeles Times, April 12, 1991; R. Jeffrey Smith, “China Aid on Algerian Reactor,” Washington Post, April 20, 1991; Mark Hibbs, “Cooling Towers Are Key to Claim Algeria is Building Bomb Reactor,” Nucleonics Week, April 8, 1991, p. 7;

مقابلات شخصية مع مسؤولين أميركيين.

وعلى الضد من السرية التي تحيط بالمفاعل الصيني الأصل، فإن الأرجنتين قد سارعت إلى إعلان بيعها المفاعل ذا القوة 1 – ميغاوات "نور"، والذي يستعمل في مركز العلوم والتكنولوجيا النووية. وقد صدر هذا الإعلان سنة 1985، يوم توقيع العقد بشأن نقل المفاعل إلى الجزائر.

وقد باعت الأرجنتين الجزائر، أيضاً، كمية من وقود اليورانيوم المخصَّب لاستعماله في مفاعل "نور". لكنْ نظراً إلى التأخيرات التي عانتها الأرجنتين لتوسيع مصنع تخصيب اليورانيوم المحلي في بيلكانيو، فمن غير الممكن أن تكون الأرجنتين قد أنتجت من المواد المخصَّبة ما يكفي مدّ مفاعل "نور" بالوقود" المطلوب يوم أُوصي عليه سنة 1989. لذلك كان من المحتمل أن يكون الوقود الذي شحنته الأرجنتين إلى الجزائر كمية من اليورانيوم المخصّب الصيني الذي كانت الأرجنتين قد حصلت عليه أوائل الثمانينات. أنظر:

Leonard S. Spector, and Jacqueline R. Smith, Nuclear Ambitions (Boulder,                    

Colorado: Westview Press, 1990), pp. 393-394, note 58.                                           

[31]   “Remarks by Spokesman of Chinese Foreign Ministry,” April 30, 1991 (courtesy,     Embassy of the People’s Republic of China); R. Jeffrey Smith, “Algeria to              

Allow Eventual Inspection of Reactor, Envoy Says,” Washington Post, May 2,       

[32]   Graham, el al., “Nuclear Power and Nuclear Proliferation in the Islamic Middle East”        (أنظر الحاشية 27).

[33]   وراء هذه المخاوف من النيّة بخصوص حجم المفاعل سابقتان تاريخيتان. ففي سنة 1960 زعمت إسرائيل أن قوة مفاعل ديمونا لا تتجاوز 26 ميغاوات؛ لكن في الحقيقة كان، على ما يبدو، أكبر من ذلك كثيراً. وقد نشأ نقاش مماثل في شأن كون مفاعل أوزيراك العراقي، الخاضع لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ذا قوة 40 ميغاوات أو 70 ميغاوات.

وثمة سؤال إضافي أخير: لمَ احتاجت الجزائر إلى المفاعل الصيني لإجراء الأبحاث وإنتاج النظائر الطبية المشعة، بينما كانت تمتلك مفاعلاً قوته 1 – ميغاوات للأبحاث مستورداً من الأرجنتين من أجل هذين الغرضين.

[34]   “Algeria Looks to Go Nuclear,” 8 Days, February 28, 1981, p. 46, cited in Graham et al., “Nuclear Power and Nuclear Proliferation in the Islamic Middle East”   (أنظر الحاشية    

          27).

[35]   الكاتب ممتن للدكتور روبرت مورتيمر، أستاذ العلوم السياسية في كلية هافرفورد، في هافرفورد، بنسلفانيا، لاطلاعه على آرائه في شأن نظرة الجزائر الاستراتيجية في أوائل الثمانينات.

[36]   “Revealed: The Secrets of Israel’s Nuclear Arsenal,” Sunday Times (London), October 5, 1986.                                                                                              

إن فعنونو تقني نووي عمل في مركز الأبحاث النووي السري في ديمونا بين سنة 1977 وسنة 1985. وقد خطفه عملاء الاستخبارات الإسرائيلية قبيل نشر شهاداته في الصحيفة المذكورة. أنظر:

Thomas L. Friedman, “Israeli Suspects Flashes a Hint He Was Abducted,” New           

York Times, December 23, 1986; “How Israeli Agents Snatched Vanunu,”          

 Sunday Times (London), August 9, 1987; “Riddle of Vanunu Ship,” Sunday       

 Times (London), August 16, 1987; “Revealed: The Woman from Mossad,”         

 Sunday Times (London), February 21, 1988.                                                          

(لم تشرح الحكومة الإسرائيلية قط كيف قبضت على فعنونو).

وقد مثل فعنونو بعد ذلك أمام محكمة إسرائيلية، وحُكم عليه بالسجن ثمانية عشر عاماً بتهمة التجسس والخيانة. أنظر:

Glenn Frankel, “Israel Convicts Vanunu of Treason for Divulging A-Secrets to           

 Paper,” Washington Post, March 25, 1988.                                                             

وتدل تصرفات إسرائيل على أن شهاداته كانت تسريباً لمعلومات خطرة تتعلق بأمنها، وتحمل على توكيد صحة ما أفشاه من أسرار.

[37]   Seymour M. Hersh, The Samson Option (New York: Random House, 1991).

[38]   مع أن فعنونو قد لاحظ شطر كميات كبيرة من البلوتونيوم خلال عمله في مصنع ديمونا لشطر البلوتونيوم، بين سنتي 1977 و1985، فإن الاختصاصيين الأميركيين يعتقدون أن المصنع كان يعالج الكمية المتراكمة من المواد النووية الناتجة من مفاعل ديمونا، وأن نتاج مصنع البلوتونيوم قد انخفض بعد ذلك ليتلاءم مع نتاج المفاعل.

[39]   بعد الانفجار يمر التريتيوم بعملية ذوبان ذري، فيطلق سيلاً من النيوترونات لتعزيز عملية التفسخ الذري، متيحاً بذلك قوة تدمير نووية أعظم.

[40]   الكيلوطن يساوي ألف طن من مادة ت. ن. ت.

[41]   الميغاطن يساوي مليون طن من مادة ت. ن. ت.

[42]   وقد خبّر فعنونو العالِم الطبيعي البريطاني، فرانك بارنابي، أن إسرائيل قد بدأت في سنة 1977 بإنتاج كميات صغيرة من الليثيوم – 6؛ وهو من المواد الأساسية الممهدة لصناعة التريتيوم والليثيوم ديوتيرايد. أما إنتاج كميات كبيرة من الليثيوم – 6، فقد بدأ في سنة 1984 واستمر لمدة عامين. وقد بدأ إنتاج التريتيوم (وربما إنتاج الليثيوم ديوتيرايد) في السنة نفسها. وبلغ إجمالي ما أنتجته إسرائيل، بحسب رواية فعنونو، 375 باوند من الليثيوم – 6؛ وهو مقدار كاف لصنع ترسانة لا بأس فيها من الأسلحة النووية المتقدمة.

[43]   “France Admits it Gave Israel the A-Bomb,” Sunday Times (London), October 12, 1986; Steven Weissman and Herbert Krosney, The Islamic Bomb (New York:

Times Books, 1981), p. 114.                                                                                    

[44]   Israel: The Covert Connection, Frontline, Public Broadcasting System, May 16, 1989.

[45]  Hersh, The Samson Option, pp. 291, 312, 319.   (أنظر الحاشية 37)

[46]   إن عملاً كهذا سيكون خطر العواقب لأنه قد يقود إلى تصعيد نووي في وقت مبكر، في حال نشوب قتال سوري – إسرائيلي؛ لأنه إذا ما اندفع السوريون فجأة إلى داخل المنطقة التي تسيطر إسرائيل عليها، فإن هذه سيتضطر إلى استخدام هذه الأسلحة وإلا خسرتها وتركتها للسوريين.

[47]   Hersh, The Samson Option, op.cit., p. 271.

[48]   يسود الاعتقاد أن إسرائيل قادرة على تخصيب اليورانيوم، ولعل ذلك قد استُعمل لزيادة إنتاجها من المواد الصالحة لصنع أسلحة نووية. لكن شهادة مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليم وبستر، في سنة 1989، أوحت تضميناً بأن إسرائيل لم تكن تمتلك قدرة على التخصيب يعتدُّ بها، كما أن فعنونو – الذي لم يكن له إلا اطلاع غير مباشر على برنامج التخصيب الإسرائيلي – قال إن إسرائيل لم تبدأ تخصيب اليورانيوم إلا في سنة 1979؛ ومعنى ذلك أنه لم يكن من الممكن لليورانيوم المخصَّب أن يساهم في نمو الترسانة النووية الإسرائيلية بسرعة قبل ذلك التاريخ. أنظر:

Frank Barnaby, The Invisible Bomb (London: I. B. Taurus, 1989), p. 25; Testimony       

of William Webster, Director of Central Intelligence, before the Senate                 

Governmental Affiars Committee, Hearings on Missile and Nuclear                    

 Proliferation, U. S. Senate, 101st Cong. 1st Sess., May 1989.                                 

ولا يأتي هيرش إلى ذكر قدرة إسرائيل على التخصيب إلا عابراً، وكأنه يستند إلى فعنونو فيما يبدو. كما أنه لا يبسط القول تخصيصاً في أنها قد ساهمت مساهمة عظيمة في قوة إسرائيل النووية.

[49]   ; (أنظر الحاشية 16)Aldinger, “Iran Not Close to Developing Nuclear Arms”

 “The China-Iran Nuclear Cloud,” Mednews         (أنظر الحاشية 17)

Author biography: 

ليونارد سْبِكتور: أستاذ مشارك في مؤسسة "وقفية كارنيجي للسلم الدولي".