منذ أعوام رنّ جرس الهاتف في القاهرة، وهو الآن يرن في غزة وأريحا، في عمان، في دمشق وفي بيروت. ونحن، أيها، السادة، نرفع السماعة – وثمة أحد ما يقول آلو على الطرف الآخر من الخط..
في الأعوام السبعة والعشرين التي مضت منذ حرب الأيام الستة، تحوَّل الجولان من أرض الصخور والجلاميد إلى حديقة غنّاء. على صخور البازلت استقرت عائلات، وبنيت منازل، وربي أطفال. إن دولة إسرائيل والحكومات الإسرائيلية – الحكومات الإسرائيلية كافة – أرسلت أفضل الناس إلى الجولان. إنهم أناس ولا أفضل: الروّاد، أصحاب الرؤى، والمقاتلون الذين أنشأوا مشروعاً رائعاً. وليس من قبيل المصادفة أن الإعجاب بأهالي مرتفعات الجولان يتخطى جميع الخطوط الحزبية، وهو أمر يشارك فيه جمهور الناس الواسع... لم نكن مخطئين يوم أرسلناهم إلى الجولان. لم نكن مخطئين يوم شجعناهم على بناء المنازل وتربية الأطفال وغرس الكروم وجنى الثمار. كان ذلك هو العمل الملائم في الوقت الملائم والمكان الملائم. ومع كل الاحترام الذي نكنُّه للاسيتطان في الجولان – وأنا أحترم هذا الاستيطان – فإنه لم يكن الغاية الأساسية قط. أهم من كل ما يقال هذا، فإن مرتفعات الجولان مهمة لأمن دولة إسرائيل، بالمستوطنات أو بلا مستوطنات... وما من قوة في العالم ستزيحنا مقدار أنملة إن لم يقم سلام تام، سلام حقيقي، سلام مع كامل الترتيبات الأمنية. نعم، سلام الشجعان بين سوريا وإسرائيل. السلام الحقيقي وحده سيجعلنا مستعدين للتغير...
لقد بقينا 27 عاماً متمسكين بآرائنا السياسية والأمنية ولم نغييرها – لأن العالم لم يتغير والدول العربية لم تتغير. لكن ينبغي للمرء أن يكون نعامة كي لا يستين أن شيئاً ما قد حدث في الأعوام الأخيرة: لقد تغير العالم والدول العربية أيضاً، وإن لم تتغير كلها.. وبقدر ما كانت سوريا لا تعترف بحق إسرائيل في الحياة، لم يكن ثمة من مجال للتفاوض. وبقدر ما ظلت دمشق ترفض يدنا الممدودة ظللنا نشدد قبضتنا العسكرية والمدنية على الجولان الذي يبعد بضع عشرات الكيلومترات عن دمشق.
خطت سوريا الخطوة الأولى نحو إمكان السلام يوم كانت حكومة الليكود التي يرئسها يتسحاق شمير في السلطة – يوم وافقت على مؤتمر مدريد وشاركت فيه وقد رحبنا بذلك – واستمرينا في رحلة السلام العسيرة... لن نعود إلى أيام "ما من أحد لنتكلم معه"، ولن نعود إلى أيام "انتظارنا لمكالمة هاتفية"، ولن نعود إلى أيام "العالم ضدنا". لن نعود إلى تلك الأيام، نحن نمضي قدماً...
كان رأيي، ولا يزال اليوم، أن ثمة قدراً كبيراً من المخطر الأمنية في أية تنازلات أمنية لسوريا. نحن نضع الكثير في الميزان – الأمن والسلام معاً – لكننا لن نوقع أي اتفاق سلام مع دمشق إن لم نكن مقتنعين بأن أمننا مضمون...
هذا هو السلام الذي حلمنا به، السلام في تجسيده اليومي: سفارة إسرائيلية في دمشق، سفارة سورية في إسرائيل؛ باص تابع لشركة إيغد يسافر إلى حلب، سياح إٍسرائيليون في حمص، سفن إسرائيلية في طرطوس، طائرات "ال – عال"، علاقات تجارية وثقافية. كل شيء – وطبعاً، فإن لذلك نظائره السورية أيضاً... [إعادة الانتشار ستشتمل] على تخفيض متبادل للقوات النظامية، نزع السلاح من مناطق على أساس عدم تناظر جغرافي، نشر قوات متعددة الجنسيات على نحو يشبه ذلك الموجود في صحراء سيناء...
وفي حال حدوث أي انسحاب واسع النطاق، فنحن مصممون تصميماً ثابتاً على طرح القرار المتعلق بذلك على استفتاء عام. هل ثمة من زيادة في الديمقراطية على ذلك؟ أم هل ثمة ما هو أنصف من الاستفتاء؟ وأنا أكرر وعدي بأننا إذا ما احتجنا إلى أن ندفع ثمن معاهدة السلام بالانسحاب انسحاباً واسع النطاق تقبل الحكومة به، فإننا سنعرض ذلك بجيمع تفصيلاته على كل مواطن إسرائيلي، ونطلب قرار الشعب: هل أنتم مع هذا السلام أم لا؟
أدلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، يتسحاق رابين، بهذا البيان السياسي أمام الكنيست في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر 1994. المصدر:
Report on Israeli Settlement in the Occupied Territories, Special Report, February 1995, p. 10.