ليس الخلاف الذي نشب بين مصر وإسرائيل بشأن معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية خلافاً مقصوراً على امتلاك إسرائيل ترسانة نووية غير معلنة، بل هو يمس أيضاً صميم علاقة مصر بإسرائيل في وضع يتعرض الشرق الأوسط في لتغيرات أساسية في ظل العملية الجارية الآن والمنسوبة إلى هدف "السلام". وما الجدل الذي دار حول المعاهدة النووية بصورة علنية، في محافل متعددة، إلا الجزء الظاهر لخلاف أبعد مدى وأخطر دلالة.
وليس سراً أن إسرائيل تمتلك ترسانة تضم قنابل نووية بقدر الخبراء عددها بما يتراوح بين 200 و300 قنبلة. وقد امتنعت مصر لفترة طويلة من التصدي لموضوع تسلح إسرائيل النووي. والحقيقة أن عوامل عدو حالت دون إمكان التصدي له، ذلك بأن معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية أُبرمت وإسرائيل ما زالت في حالة حرب مع جميع الأطراف العربية الأُخرى؛ فلم يكن في وسع مصر الاعتراض على ما تملكه إسرائيل من أسلحة، بما في ذلك أسلحتها النووية. ولكن لماذا اكتسب هذا الموضوع أهمية مفاجئة في الوضع الراهن تحديداً؟
قد يقال إن المفاوضات، وقد أصبحت تشمل الأطراف كافة، هي مفاوضات تهدف إلى إحلال السلام في مستقبل منظور يتعين الاستعداد له منذ الآن .ولذلك أصبح من الواجب أن تتصدى المفاوضات لجميع جوانب "إشكالية السلام"، ولا بد من أن تشمل الميزان العسكري. ومعنى ذلك، في المقام الأول، الميزان النووي. ومما يضاعف أهمية هذه القضية تمسك إسرائيل ببقاء ترساتنها النووية سرية، بغية إبقائها خارج عملية التفاوض.
ثم جاء وضع دولي ألزم مصر باتخاذ موقف، هو حلول موعد تمديد معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. وهناك ملابسات دولية دفعت الإدارة الأميركية إلى اغتنام فرصة تجديد المعاهدة للمطالبة بتمديدها تمديداً أبدياً. وترتب على ذلك تأزيم العلاقة بين مصر وإسرائيل؛ ذلك بأن مصر طولبت بقبول مبدأ التمديد الأبدي في وضع لن تتخلى إسرائيل في هعن ترسانتها النووية؛ إذ أن واشنطن قد أعفتها من ضرورة التخلي عنها، بل بيدو أن واشنطن تبارك احتفاظها بترسانتها النووية مدة غير مقررة، ومرهونة بالتطورات في المنطقة مستقبلاً. وهذا أمر يتعذر على مصر قبوله.
إن الخلاف بين مصر وإسرائيل ليس بشأن تملك أسلحة نووية لأغراض عسكرية، بل للمعنى الذي يحمله امتلاك هذه الأسلحة في وضع منسوب إلى السلام؛ فلا يمكن أن تكون مصر إسرائيل عضوين على قدم المساواة في "نادي كامب ديفيد"، ويكون أحد عضوي النادي نووياً والآخر محروماً من هذه الميزة. إن القضية "مقام" في ظل السلام. ثم إن "مقام" في ظل السلام.ثم إن "مقام" مصر هو أن تكون دولة "رائدة" في محيطها العربي، أياً يكن المقصود بهذه الريادة: إطلاق حركة "القومية العربية" في ظل حكم عبد الناصر، أو تدشين عملية "السلام" مع إسرائيل في عهد السادات. ومن المعتذر أن تحتفظ مصر بهذا "المقام"، لو سلمت بانفراد إسرائيل دون سواها، ولمدة غير مقررة، باحتكار الأسلحة النووية في المنطقة.
لكن الخلاف بشأن البعد النووي ما هو إلا تعبير عن خلاف أعمق، كانت مطالبة مصر بالموافقة على المعاهدة النووية مبرراً لبروزه على السطح. فإذا سلمنا بأن مصر وإسرائيل كانتا شريكتين في حث الأطراف العربية الأخرى على الالتحاق بعملية السلام، فإنهما أصبحتا متنافستين بمجرد أن أصبحت القضية المطروحة مستقبل المنطقة بعد حلول السلام.
ووارد أن تشعر السلطة في مصر بأن إسرائيل هي التي ربحت أساساً من عملية السلام، بينما ظلت مصر الطرف الذي استخدم لاستدراج الأطراف العربية الأخرى إلى العملية، من دون أن يتحقق لها العائد الذي تراه يتلاءم مع مساهمتها في هذا التحول. بل قد ترى القاهرة أن هناك من يخطط وينفذ الآن لتهميشها، من منطلق أن استمرار مشاركتها في عملية السلام قد ينطوي على سلبيات أكثر مما قد ينطوي على إيجابيات. فلقد نسب إلى القاهرة دور في عملية السلام، ما بقيت الأطراف العربية الأخرى ترفض المشاركة فيه. أما الآن، وقد عممت العملية منذ عقد مؤتمر مدريد وتوقيع اتفاقات شملت الفلسطينيين والأردنيين، فإن هناك، ولا سيما في الولايات المتحدة، من يزعمون أن مصر تحاول، بالدور الذي ما زالت تقوم به، تبرير استمرار أهليتها لتلقي معونات أميركية لا تقل عن ثلاثة مليارات دولار سنوياً. غير أن القاهرة تفسر هذه المزاعم على نحو مختلف تماماً.
إن القاهرة تخشى أن يتشكل محور إسرائيلي – أردني كفيل باحتواء السلطة الفلسطينية مستقبلاً، وأن ينتهي الأمر إلى نوع من "البنيلوكس الشرق الأوسطي"، وتخشى القاهرة أيضاً أن تمتد العملية إلى محاولة عقد صفقة كبيرة مع سوريا. فوارد أن يبذل مجهود خاص من أجل إبرام اتفاق قبل حلول موعد الانتخابات الإسرائيلية والانتخابات الأميركية سنة 1996؛ ذلك بأن كثيراً مما يتعلق بمستقبل رابين، وبمصير كلنتون أيضاً، إنما على إنجاز كبير على الجبهة الإسرائيلية/السورية. ويتداعى مما سبق أن تصبح إسرائيل، لا مصر، الطرف الرئيسي في صنع ملامح "الشرق الأوسط الجديد". وإذا ما أخذ في الاعتبار جهد إسرائيل في محاولة تطبيع علاقاتها بالدول العربية الأكثر بعداً جغرافياً: عُمان والبحرين وقطر في أقصى الجنوب الشرقي للعالم العربي، والمغرب في أقصى شماله الغربي، فإن التحرك الإسرائيلي هذا لا بد للقاهرة من أن تفسره بأنه مخطط يهدف إلى عزلها. ولم يكن مصادفة أن تفكر مصر في الالتحاق بالاتحاد المغاربي العربي. لقد حمل هذا التوجه معنى استنكارياً: إذ هل في وسع أحد المجاهرة بقبوله أن تدير مصر ظهرها للمشرق العربي؟
* * *
الحقيقة أن علاقة مصر بإسرائيل هي علاقة تقررت دائماً بمقتضى العلاقة بأطراف أُخرى، ولم تكن قط علاقة "أصلية"، بل اتسمت دائماً بصفة العلاقة "التابعة"، وقد حكمتها في المقام الأول:
- علاقة كل من مصر وإسرائيل بالدولتين العظميين في مرحلة الحرب الباردة، ثم بالولايات المتحدة (بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار "النظام العالمي الثنائي القطبية").
- علاقة مصر ببقية العالم العربي، وقد دارت هذه العلاقة الأخيرة حول سؤال مركزي: إلى أي حد كانت مصر مؤهلة للتحرك منفردة، ولا سيما بعد دورها في بلورة منطلق "القومية العربية" في ظل حكم عبد الناصر؟ فمصر تحملت العبء الأكبر في المواجهة العسكرية مع إسرائيل. وبعد هزيمة 1967، كان ماسمي وقتذاك "إزالة آثار العدوان" – على أرض مصر بالذات قبل أية أرض أُخرى – قضية محورية لمصيرها مستقبلاً، وأصبحت القضية التي لها أولوية على أية قضية أخرى، لو اضطرت مصر إلى أن تتحرك منفردة. وهكذا، لم تعد "القومية العربية" و "الوطنية المصرية" تواجهان السلطة في مصر بأعباء متطابقة.
وفي ضوء هزيمة مصر في حرب 1967، تبلور لمصر موقف من الدولتين العظميين. لقد اعتمد عبد الناصر على السوفيات لاستعادة قدر من التوازن الاستراتيجي. لكن السادات استعان بالسوفيات، فقط لشن حرب هدفها تصحيح التوازن الاستراتيجي بالقدر الضروري للشروع في مفاوضات سلام تستند إلى حد أدنى من الصدقية. وكانت الاستعانة بالسوفيات – عسكرياً – لمجرد التمهيد لمفاوضات سلام مع إسرائيل عبر واشنطن. وقد ساهمت التناقضات العربية في طمأنة القاهرة إلى أن المعارضة العربية لتحركها المنفرد لن تكون حاسمة الأثر، واستخدام السوفيات على هذا النحو، مع تحميلهم مسؤولية هزيمة 19687، إنما فسح في المجال لاستراتيجيا راهن السادات على أنه أضحى في وسعه تنفيذها، ومفادها إقناع الولايات المتحدة بأن مصر كفيلة بأن تكون، من الوجهة الاستراتيجية، مفيده للولايات المتحدة أكثر من إسرائيل في حال نشوب حرب سوفياتية – أميركية. وفي ضوء الخدمات التي تستطيع مصر تقديمها إلى أميركا، باعتبارها دولة عربية تنتمي إلى الإقليم أصلاً، فلا بد من أن تستجيب واشنطن – عاجلاً أو آجلاً – لوجهة نظر مصر، لا لوجهة نظر إسرائيل، في القضايا الخلافية بين الدولتين، وبالذات فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لب الصراع وجوهره. وهكذا، اعتقد السادات أنه كفيل باسترداد الحقوق العربية المهدورة، وأن السلام الذي أبرمه مع إسرائيل لم يكن "صلحاً منفرداً".
وقد فشل رهان السادات؛ إذ اتهمه بيغن بأن سكوته على المعارضة الداخلية – الصاخبة الصوت والمتصاعدة الشأن – كان تمهيداً لعودته إلى المعسكر العربي بمجرد إتمام إسرائيل انسحابها من سيناء، وهو اتهام خشي السادات أن يهدد عملية الانسحاب؛ فاعتقل المعارضة بفصائلها كلها، في محاولة لإقناع بيغن بالعكس، وكان اغتياله.
* * *
ومع ذلك، لم يكن من المحتم، من الوجهة النظرية، أن يفشل رهان السادات في الظروف كافة؛ فلقد ثبت أن مصر كانت أقدر من إسرائيل على خدمة مصالح أميركا الاستراتيجية وقت نشوب أزمة الخليج، إذ بفضل موقف مصر، استطاعت الولايات المتحدة أن تضفي على تدخلها في أزمة الخليج "مشروعية عربية"، بينما برزت إسرائيل في صورة طرف أعاق المصالح الأميركية وقتذاك. وقد ألزمتها واشنطن بالامتناع من اتخاذ خطوات انتقامية ضد الصواريخ العراقية التي سقطت على أرضها. كما أنها ووجهت بضرورة تحمل خرق خطر لأمنها من دون رد حتى لا تسيء إلى التحالف بين الولايات المتحدة والدول الخليجية العربية. وهكذا برزت مصر كدولة كفيلة بخدمة المصالح الاستراتيجية الأميركية على نحو أفضل من إسرائيل. غير أن هذا الوضع كان وضعاً استثنائياً حكمته أوضاع خاصة، أولها نشوب حرب عربية – عربية، بدلاً من حرب أميركية – سوفياتية، ثم إن مصر لا بد من أن تكون في موقع أفضل في إسرائيل، في كل ما من شأنه تعزيز علاقات أميركا بأطراف عربية (دور مصر، مثلاً، في إقامة علاقات بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية، ثم بين واشنطن ودمشق. وكانت المحاولة الوحيدة التي لم تثمر هي مساهمة مصر في إرساء أسس لعلاقات أميركية – ليبية، لوقوف أزمة لوكربي عقبة في وجه ذلك).
ومؤكد أن اللوبي المناصر لإسرائيل في الولايات المتحدة لن يسمح أبداً بأن تتعزز العلاقات المصرية – الأميركية على حساب العلاقات الإسرائيلية – الأميركية. وتفسر القاهرة الحملات الصحافية ضدها في عدد من كبريات الصحف الأميركية مؤخراً، بأن المقصود بها تحجيم مصر، وإشعارها بأنها لا تملك مناطحة إسرائيل في الولايات المتحدة. وقد بلغ التوتر الأميركي – الإسرائيلي ذروة في إبان حرب الخليج، في عهد رئاسة بوش للولايات المتحدة ورئاسة شمير للحكومة الإسرائيلية. لكن العلاقات الأميركية – الإسرائيلية تحسنت إلى غير حد عقب تولي كلنتون الرئاسة في الولايات المتحدة، وتولي رابين رئاسة الحكومة في إسرائيل. وهذا العهد الذهبي في العلاقات الإسرائيلية – الأميركية صاحبه توتر متجدد في العلاقات المصرية – الأميركية.
وجدير أن نؤكد أن حكومة رابين يهمها ألا تتعرض الأوضاع في مصر لاهتزاز خطر، في ظرف تمثل مصر فيه الدولة العربية التي أبرمت اتفاقات سلام مع إٍسرائيل صمدت أمام العواصف كلها منذ 17 عاماً. إن استقرار النظام المصري أمر حيوي لإسرائيل ما دام السلام مع الأطراف العربية الأُخرى هشاً وعرضة لاهتزازات وانتكاسات.
ومع ذلك، فليس من شك في أن إسرائيل لن تغض النظر عن حقيقة أن النظام المصري إنما يستمد شرعيته من ثورة 23 تموز/يوليو 1952. وقد طرأ على النظام في مصر منذ إقامته تغيرات جسيمة. ومع ذلك، فإن إسرائيل تعتبر جميع الأنظمة العربية التي تولت السلطة أصلاً بفضل انقلابات عسكرية، أنظمة ارتبطت أساساً بحال الحرب التي طالما حكمت العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، وأن السلام في نظر إسرائيل لن يستقيم، ولن يستقر، ما دامت الأنظمة العربية لم تتحول بعد إلى أنظمة مدنية، وما لم تكن قد تخلصت تماماً من جميع ما يرمز إلى حال الحرب مع الدولة العبرية. وهذا أمر لا يملك النظام المصري إغفاله، كما يتعين تصور أن قوى سياسية شتى في الساحة المصرية لا تغفله.
ومستقبل العلاقات المصرية – الإسرائيلية سيحكمه، إلى حد بعيد، المفهوم الذي سيُضفى على كلمة السلام. وهو مفهوم ما زال يكتنفه الكثير من الغموض، لخصوصية ظروف الصراع العربي- الإسرائيلي. ومن هنا، افتقرت هذه العلاقات إلى مرجعية يمكن للطرفين الاحتكام إليها. والسلام في مفهوم بيرس، هو "مبادلة الأرض بسوق شرق أوسطية" تكفل لإسرائيل وجوداً اقتصادياً مؤثراً في مختلف المواقع الحيوية للاقتصاد العربي، بديلاً من وجودها العسكري في جل الأراضي العربية التي ما زالت تحت الاحتلال. إن السلام، بهذا المفهوم، إنما يعني إكساب أمن إسرائيل طابعاً يلائم على نحو أفضل مقتضيات عصر مختلف، حيث لم تعد الأراضي المحتلة تشكل حواجز في وجه صواريخ صغيرة قد تحمل في المستقبل المنظور رؤوساً نووية. إنه سلام يحقق لإسرائيل منافع أكيدة، لكن ليس هناك ما يشير إلى أنه يحقق لمصر منافع مماثلة.
ومن المؤكد أنه مع حلول السلام، سينظر العالم الغربي – أميركا وأوروبا – إلى إسرائيل، بصفتها الدولة الشرق الأوسطية الأقرب إليه، المحور داخل المنطقة الذي يملك الاستناد إليه والعمل من خلاله، فيما يتعلق بالمسائل المصيرية على الأقل. وهذا المركز المنتظر أن يحققه الغرب لإسرائيل في قلب العالم العربي يتعارض كل التعارض مع الدور الريادي الذي تتطلع مصر إلى النهوض به، وتراه أساسياً لا لازدهارها فحسب، وإنما قبل ذلك لتحقيق الحد الأدنى من مقومات استقرارها أيضاً. ذلك بأنه يتعذر على القاهرة ملاحقة واحتواء التطرف باسم الإسلام، ما دامت إسرائيل تبرز بصفتها الطرف في المنطقة الذي يجني، قبل غيره، ثمار عملية السلام، وما دامت عملية السلام تبرز وكأنما هي "عقد إذعان" لحساب إسرائيل. كما يتعذر على القاهرة تفنيد منطق دول عربية وإسلامية معينة في خوض سباق تسلّح نووي ما بقيت إسرائيل متمسكة بترسانتها النووية. وكما أن إسرائيل أثبتت أن موقفها "غير قابل للتفاوض"، فيما يتعلق بهذه الترسانة، فإن الموقف ذاته ينسحب على موقفها من قضية القدس. ووارد أن ينسحب على موقفها من قضية "سيادة الكيان الفلسطيني"، وربما أيضاً بالنسبة إلى بعض المستوطنات. إن الأزمة التي نشبت مؤخراً بشأن ترسانة إسرائيل النووية، إنما كشفت موقف إسرائيل من جوهر عملية التفاوض. ومن الواضح أن الاعتراضات التي أثارتها القاهرة في هذا الصدد تنال من جوهر العلاقات المصرية – الأميركية، لا من جوهر العلاقات المصرية – الإسرائيلية فقط. وليس متوقعاً أن تستعيد العلاقات المصرية – الأميركية مستواها السابق. وإذا صح أن أزهى أيام هذه أزهى أيام هذه العلاقات كان مع الحزب الجمهوري في ظل رئاسة بوش، وقت نشوب أزمة الخليج، فإن هذه العلاقات معرضة لمزيد من التدهور في حال عودة الحزب الجمهوري إلى الحكم بأغلبيته الجديدة في الكونغرس، التي تصر على تخفيض المعونة لمصر في الأعوام المقبلة.
وفي وجه التهديد بخفض الدعم، وهو خفض لا تقتصر دلالته على جانبه الاقتصادي، فقد تحاول مصر الانفتاح على آسيا، كورقة بديلة من أميركا وأوروبا، أي على اليابان ومجموعة "نمور" آسيا الصناعية الحديثة، وربما على الصين أيضاً. لكن، ما معنى أن يكون هناك نوع من "يالطا" بين مصر وإسرائيل في الشرق الأوسط، في عصر لم يعد وارداً فيه تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ؟
لقد علق كثيرون الأمل على أن اتفاقاً تنجزه حكومة إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية كفيل بتحقيق التحول الأساسي نحو السلام. لكن تدهور علاقات القاهرة بتل أبيب، بسبب ترسانة إسرائيل النووية، تعبير ناطق عن أن التحول لم يتحقق.ولا عجب؛ إذ ما دامت إسرائيل مصرة على الاحتفاظ بــ "عصا" نووية، فإن السلام محكوم عليه بأن يظل "جزرة" ليس إلا! ولعل التعبير الأصدق عن المأزق إصرار قطاعات واسعة من الرأي العام المصري – ولا سيما المثقفين – على مواصلة عمليات مقاطعة إسرائيل، بعد 15 عاماً من التطبيع!