هدفت إسرائيل، خلال فترة الاحتلال، إلى جعل الاقتصاد الفلسطيني تابعاً لإملاءاتها حتى أصبح من الصعب تصوره مستقلاً من دون مروره بمنعطفات حرجة لفترة طويلة. فقد عملت على تقليص إنتاجية الاقتصاد الفلسطيني ونجحت في ذلك، وزادت، في الوقت نفسه، في دخل الفرد في الأراضي المحتلة. فمن جهة، قامت بتضييق فرص النشاطات الاقتصادية الفلسطينية لمصلحة كل من المنتوجات والخدمات الإسرائيلية، لكنها، من جهة أُخرى، وفرت للفلسطينيين فرص عمل كثيرة وأجوراً عالية. فأصبحت تحويلات العمال الفلسطينيين تشكّل أكبر نسبة من الناتج المحلي الفلسطيني، الأمر الذي أدى إلى حدوث ارتفاع كبير في مستويات المعيشة شكّل، في مراحل متعددة من فترة الاحتلال، أعلى نسبة في مستويات المعيشة في نصف الوطن العربي تقريباً.
تهدف هذه الدراسة إلى طرح البعد العربي للتخلص من الارتباط القسري للاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، وإلى معرفة مدى توفر البدائل العربية للتخلص من انهيار اقتصادي محتمل إذا ما تم فصل الاقتصاد الفلسطيني عن الاقتصاد الإسرائيلي. وتستند الدراسة إلى المؤشرات الاقتصادية الراهنة في فلسطين لتطبيقها على مرحلة الاستقلال السياسي، إذا ما تم اليوم. وقد تناولنا في الدراسة القطاعات الاقتصادية الأكثر تأثراً بالاحتلال والتي من الممكن الاعتماد عليها بعد الاستقلال في التخلص من الارتباط الاقتصادي بإسرائيل، وفي تجنب خلل محتمل في الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني. وتشكّل قطاعات العمالة والتجارة الخارجية والزراعة والصناعة والسياحة أكثر القطاعات الاقتصادية تأثراً بسياسات الاحتلال، ومن الممكن أن تشكّل أهم مادة لمثل هذه الأبحاث. كما نرى فيها قطاعات ريادية لقيادة حركة التنمية الفلسطينية التي ربما تساهم في التحول من المرحلة الراهنة إلى مرحلة الاستقلال، وفي تجنب حدوث خلل في الأوضاع المعيشية للشعب الفلسطيني.
ثانياً: ملاحظات عامة
بحكم طبائع الأمور، سيحقق الشعب الفلسطيني استقلاله الكامل على ترابه، وسيتمكن من تحديد الاتجاهات التي تلائمه في المستقبل، بعيداً عن كل من التدخلات والتحكمات الإسرائيلية كما يحدث هذه الأيام. من حيث المبدأ، سيتخلص الفلسطينيون من الارتباطات الاقتصادية بإسرائيل. وبناء عليه نفترض أن العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، ستنقطع بصورة كاملة عشية الاستقلال الفلسطيني، الأمر الذي يمكن أن يترك ثغرة اقتصادية ربما تؤدي إلى خلل اقتصادي في المراحل الأولى من الاستقلال. لكن سيكون أمام الدولة الفلسطينية بدائل كثيرة لضمان استمرارية الحياة الاقتصادية في فلسطين بصورة أفضل من ذي قبل، إذا ما عملت الدولة على استغلال أمثل للمصادر المتاحة.
وبحكم الروابط القومية والأيديولوجية بين الفلسطينيين والوطن العربي الكبير وما يحمله من إمكانات ومصادر متاحة، فإن أول ما ستفكر فيه الدولة هو البعد العربي كسوق استهلاكية ضخمة للمنتوجات الصناعية والزراعية الفلسطينية في الجانب الأول، وما لدى الوطني العربي من مصادر طبيعية، وخصوصاً النفط والغاز، في الجانب الثاني.
لكن الأمور لم تعد كما كانت عليه في السابق. إذ ظهرت عدة أشكال جديدة من العلاقات الدولية التي تتحكم في مصير الأمم والشعوب. وأصبحت قوة الدولة الاقتصادية بموجبها تتمثل في قدرة منتوجاتها على المنافسة في الأسواق العالمية وفي ظل التجارة الحرة التي ما زالت المحاولة قائمة لتعميمها علة جميع الدول والشعوب. كما دلت الخبرات التنموية على أن سياسة إحلال الواردات لم تعد مجدية في إطار العلاقات الاقتصادية الدولية القائمة. ولذلك يُعتقد أن المصالح مبنية على الأفضلية والميزات النسبية، لا على أي شيء آخر. ولا يختلف العالم العربي عن هذا النهج المعمول به دولياً، وبالتالي، علينا ألاّ نتوقع أن نحصل على حوافز استثنائية من الدول العربية من خلال علاقتنا الاقتصادية المنتظرة بها.
يلاحظ أن إمكان تصدير العمالة الفلسطينية إلى الخارج هو احتمال ضئيل وغير مجدِ. فمن جهة، اصبح كثير من الدول التي كانت تتصدر استيراد العمال يعاني، في القون الحالي، بطالة حقيقية. وبعد أن كانت الدول الخليجية تشكّل أهم مستورد للأيدي العاملة الفلسطينية، أصبحت الأيدي العاملة المستوردة تشكل، الآن، عبئاً عليها، كما يعاني معظم هذه الدول ارتفاعاً مستمراً في البطالة وانخفاضاً كبيراً في مستويات الأجور. ومن جهة أُخرى، وعلى الرغم من تحويلات العاملين الهائلة في بعض الدول، فإنها غير كافية إذا ما قيست بأهمية العنصر البشري في الإنتاج الوطني.
كذلك لا بد من الأخذ في الحسبان أن دورة أوروغواي لـ"الغات" (الاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة) ستحظى بنجاح كبير مع أواخر القرن الحالي. وبناء عليه ستضعف آليات الحماية التجارية وسياساتها، وبالتالي، ستمتثل فلسطين لهذه الأجواء العامة، الأمر الذي سيعرض وحداتها الإنتاجية للخطر بسبب عدم تمكنها من الصمود في الأسواق الداخلية والأسواق الخارجية على حد سواء، إضافة إلى أن الدول العربية لن تتمكن من الوقوف في وجه هذا التيار العالمي، الأمر الذي سيضعف إمكان المساهمة العربية، بصورة استثنائية، في تنمية الاقتصاد الفلسطيني بطرق التبادل السلعي والخدماتي.
ثالثاً: أثّر الاحتلال في الاقتصاد الفلسطيني
أثّر الاحتلال الإسرائيلي، كأي احتلال عسكري، في الوحدات الاقتصادية الفلسطينية، بشقيها الإنتاجي والخدماتي، بحيث أصبح طوعاً لإملاءات الاحتلال التي هدفت إلى طمس الجوهر وإلى تعزيز المظهر من خلال عدم ربط الدخل بحجم الإنتاج، كارتفاع الدخل نتيجة رفع أجرة العامل في الاقتصاد الإسرائيلي بمعدلات أعلى من معدلات زيادة الإنتاجية في الاقتصاد الفلسطيني. فمن جهة، وفرت العمالة الفلسطينية في الاقتصاد الإسرائيلي قاعدة دخل عالية صُرف معظمها في شراء المنتوجات وفي الخدمات الإسرائيلية، أو في تلك التي تدخل فيها قيمة إضافية إسرائيلية عالية. ومن جهة أُخرى، فرضت إسرائيل سياسات وضوابط كثيرة منعت، بموجبها، المبادرات الإنتاجية الوطنية.
فعندما تكون إسرائيل مسيطرة على مصادر المياه والكهرباء والاتصالات جميعها، وعلى فرص العمل والدخل لنحو ثلث اليد العاملة الفلسطينية، وعلى نحو 90% من الواردات الفلسطينية، وعلى 70% من الصادرات الفلسطينية، وعلى أكثر من ثلث الأراضي الفلسطينية، فإن أي استقلال سياسي لفلسطين سيكون بلا أي مضمون حقيقي إن لم يبادر الفلسطينيون إلى مجابهة هذه السيطرة الإسرائيلية، كاسترجاع الحقوق المنهوبة (الأرض والمياه)، وإيجاد البدائل لتشغيل الأيدي العاملة، والتعامل مباشرة مع الأسواق الخارجية في استيراد مستلزمات الإنتاج وتصدير المنتوج النهائي.
رابعاً: إيجاد الحلول في البعد العربي
نطرح فيما يلي بعض الأفكار بشأن البدائل التي ستكون متاحة أمام الفلسطينيين لتعويض الاقتصاد الفلسطيني من الخلل الاقتصادي الذي ربما يظهر عشية الاستقلال وفك الارتباط بالاقتصادي الإسرائيلي. وقد أخذنا البعد العربي حلاً (ضمن بدائل كثيرة أُخرى) للحفاظ على مستويات المعيشة الحالية في فلسطين، أو لتطويرها، ورأينا في القطاعات الاقتصادية التالية أهمية نسبية لخدمة هذا الهدف:
أ) العمالة
في الأوضاع الطبيعية، يبلغ عدد الأيدي العاملة الفلسطينية في إسرائيل نحو 90 ألف عامل أو ما يعادل 16% من قوة العمل الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك يعمل في الاقتصاد الفلسطيني ما يعادل هذا العدد وهذه النسبة لخدمة السوق الإسرائيلية في مجالات التعاقد من الباطن. وعلى افتراض أن التعامل مع الاقتصاد الإسرائيلي توقف عشية الاستقلال (اليوم مثلاً)، فهذا يعني أن نحو 31,5% من قوة العمل الفلسطينية ستضاف إلى نحو 22% (نسبة البطالة الحالية)، لتصبح نسبة البطالة في فلسطين في هذا اليوم 53,5% من قوة العمل الفلسطينية. وأي تأخر في الاستقلال، مع بقاء نمو استثماري سلبي، سيؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة أكثر فأكثر، الأمر الذي سيقود إلى كارثة اقتصادية وانخفاض كبير في مستويات المعيشة. وإذا ما نظرنا إلى حجم الاستثمارات المطلوبة لتشغيل كامل في فلسطين سنكون بحاجة إلى نحو 12,3 مليار دولار على أساس أن 40,3 ألف دولار هي تكلفة إيجاد فرصة العمل الواحدة[1] (الجدول رقم 1).
أمّا فيما يتعلق بالخسائر المادية المتوقعة إذا ما تم فصل الاقتصاد الفلسطيني بصورة كاملة عن إسرائيل، فقد بينت وزارة العمل (الجدول رقم 2) في دراساتها، عقب الإغلاقات الأخيرة للأراضي الفلسطينية، أن خسارة يوم واحد من الإغلاق تعادل نحو 3,66 ملايين دولار أميركي، وهذا يعني أن عشرة أيام من الفصل تعادل نحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني، أي أن مئة يوم من الفصل تستنزف كامل الناتج المحلي الإجمالي.
وبالنظر إلى إحصاءات جامعة الدول العربية عن الأيدي العاملة في الوطن العربي،[2] نلاحظ أن الدول العربية جميعها، بما فيها الدول النفطية، تعاني البطالة. ففي الأردن تصل نسبة البطالة إلى نحو 19% من قوة العمل، في حين تبلغ في الإمارات العربية 0,50% من قوة العمل فيها. وتبيّن الحقائق المتاحة أن الدول التي كانت تستورد العمالة من الخارج أصبحت الآن تتجه نحو توطين التشغيل، وخصوصاً في أماكن العمل التي تحتاج إلى عمالة مهنية أو شبه مهنية والتي تقع ضمنها قوة العمل الفلسطينية الباحثة عن عمل في الخارج. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا يزال هناك طلب عالٍ في كثير من الدول العربية لاستيعاب أيدٍ عاملة غير مهنية، وذلك للعمل في بعض المجالات التي لا تتلاءم مع طالب العمل الفلسطيني، كخدمات النظافة البلدية والمنزلية. ولذلك لن يكون هناك مجال أمام الفلسطينيين لاستبدال العمال في إسرائيل أو تلك التي تعمل في الأراضي الفلسطينية في مجالات التعاقد من الباطن بعمالة في الدول العربية التي كانت في السبعينات والثمانينات تشكل أهم مستورد للعمالة الفلسطينية. وبناء عليه، يجب التفكير في إيجاد البدائل المحلية لتجنب خروج نحو نصف الأيدي العاملة الفلسطينية إلى الشوارع عاطلين عن العمل عشية الاستقلال الذي سيواكبه فصل كامل عن الاقتصاد الإسرائيلي، إذ إن وجود هذه النسبة سيشكل خطراً كبيراً على كل النشاطات الاقتصادية في البلد وسيؤدي، حتماً، إلى انخفاض كبير في مستويات المعيشة ومعدلات الأجور والطلب العام على المنتوجات والخدمات في الأسواق الفلسطينية، الأمر الذي ربما يقود إلى انهيار اقتصادي شامل.
الجدول رقم 1
العمالة الفلسطينية في الوقت الحاضر وبعد الاستقلال
الرقم |
البند |
|
العدد الإجمالي |
% |
1 |
قوة العمل الفلسطينية |
|
571,000 |
100% |
2 |
العاملون في الاقتصاد الفلسطيني |
|
355,900 منهم |
62,31% |
2 أ |
في القطاع العام |
73,000 |
|
12,79% |
2 ب |
في القطاع الأهلي |
282,900 منهم |
|
49,55% |
2 ب 1 |
سيتأثرون بالفصل |
90,000 |
|
15,76% |
3 |
عاملون في إسرائيل |
|
90,000 منهم |
15,76% |
3 أ |
بتصاريح |
60,000 |
|
|
3 ب |
من دون تصاريح |
30,000 |
|
|
4 |
البطالة الآن |
125,100 |
|
21,9% |
5 |
البطالة عشية الفصل |
305,100 |
|
53,43% |
6 |
تكلفة إيجاد فرصة العمل |
40,300 دولار |
|
|
7 |
الحاجة الاستثمارية إلى تشغيل كامل |
12,3 مليار دولار |
|
|
المصادر:
(1) IMF Report, “Recent Economic Development: Prospects, and Progress in Institution Building in the West Bank and Gaza Strip,” February 1997.
(2) Ibid.
(2أ) المركز الوطني للدراسات الاقتصادية، "التقرير الاقتصادي الفلسطيني لعام 1996"، حزيران/ يونيو 1997.
(2ب1) Ministry of Labor, “Impact of the Israel Closure on the Palestinian Economy and Labor Market since 30 July 1997: Preliminary Report,” September 1997.
(3) Ibid.
(4) حاصل 1 – (2+3).
(5) حاصل 2 ب 1+3+4.
(6) IMF Report, op.cit..
(7) حاصل 5x6.
الجدول رقم 2
الخسائر المتوقعة جراء توقف العمالة في إسرائيل وفي الوحدات الاقتصادية الفلسطينية العاملة في مجالات التعاقد من الباطن
المتغير |
عاملون في إسرائيل |
سيتعطلون بسبب توقف الإنتاج في الأراضي الفلسطينية |
الإجمالي |
|
|
بتصاريح |
من دون تصاريح |
|
|
عدد العاملين معدل الأجرة اليومية بالشيكل |
60,000
92,4 |
30,000
92,4 |
90,000
48,45 |
180,000 |
خسائر الأجور اليومية (بالألف شيكل) |
5544 |
2772 |
4360 |
12,676 |
خسائر الأجور اليومية (بالألف دولار) |
1600 |
800 |
1258 |
3658 |
المصدر: تمت معالجة الأرقام بحسب: Ministry of Labor, op.cit.
ب) التجارة الخارجية
ترتبط الأراضي الفلسطينية تجارياً بإسرائيل، ويشكل الشيكل الإسرائيلي أهم مصدر للعملات الصعبة التي تستخدم في تمويل الاستيراد الفلسطيني الذي يشكل نحو ضعفي التصدير. كما تتحكم إسرائيل في قنوات التجارة الخارجية والتجارة الداخلية إلى حد ما، بحيث لا تزيد التجارة الخارجية المباشرة على 10% من إجمالي الواردات، وعلى 12% من إجمالي الصادرات، وأمّا الباقي فيتم مع إسرائيل أو من خلالها.
نوجز فيما يلي أهم الحقائق الرقمية بالنسبة إلى التجارة الخارجية الفلسطينية:[3]
- بلغ إجمالي التجارة الخارجية الفلسطينية سنة 1996 نحو 2,4 مليار دولار.
- لا تزيد التجارة الفلسطينية – العربية على 3% من إجمالي التجارة الخارجية الفلسطينية.
- تشكّل التجارة الخارجية نحو 75% من إجمالي الناتج المحلي.
- تشكّل صادرات الخدمات نحو 315 مليون دولار، أو ما يعادل 50% من إجمالي الصادرات الكلية.
- بلغت تحويلات العاملين في إسرائيل نحو 204 ملايين دولار، أو ما يعادل 65% تقريباً من إجمالي صادرات الخدمات.
- بلغت الصادرات السلعية نحو 316 مليون دولار، أو ما يعادل 50% من إجمالي الصادرات الكلية.
- توجه نحو 88% من الصادرات السلعية إلى إسرائيل، أو عبرها.
- تشكّل الصادرات الصناعية نحو 75%، والصادرات الزراعية نحو 25%، من إجمالي الصادرات السلعية الفلسطينية.
- بلغ حجم الواردات الكلية نحو 1,8 مليار دولار، تمثل 55% من إجمالي الناتج المحلي.
- بلغت الواردات السلعية نحو 1,5 مليار دولار، أو ما يعادل 88% من الواردات الكلية.
- يأتي 90% تقريباً من إجمالي الواردات من إسرائيل، أو عبرها.
- تتّسم الواردات بتنوعها، وتشكل الواردات الصناعية نحو 36,5% من إجمالي الواردات الكلية.
- بلغ العجز التجاري نحو 1,2 مليار دولار، أو ما يعادل 36,5% من الناتج المحلي الإجمالي.
- تغطي الصادرات الفلسطينية ما نسبته نحو 35% من الواردات الفلسطينية.
وعند الأخذ في الحسبان فرضية الدراسة في فصل كامل للأراضي الفلسطينية عن إسرائيل، إذا ما تم الاستقلال في الأوضاع الحالية التي يعيشها الاقتصاد الفلسطيني، سنقف أمام الأمور التالية:
- إيجاد الأسواق لتصدير ما نسبته 88% من البضائع الفلسطينية التي تصدر في الوقت الحالي إلى إسرائيل، أو من خلال تجارها.
- توفير بدائل لما نسبته 90% من إجمالي الواردات التي تستورد حالياً من إسرائيل، أو من خلال تجارها.
- تأمين عملات صعبة لتغطية ما لا يقل عن 204 ملايين دولار إيرادات الأيدي العاملة الفلسطينية التي تعمل لمصلحة الاقتصاد الإسرائيلي، و316 مليون دولار قيمة الصادرات السلعية إلى إسرائيل، إضافة إلى تغطية العجز التجاري الحالي الذي يبلغ نحو 1,2 مليار دولار.[4]
بالنسبة إلى البدائل الاستيرادية، سيكون في إمكان الفلسطينيين استيراد السلع من الأسواق العالمية مع تغير نسبي في الجودة والتكلفة. أمّا فيما يتعلق بالبدائل التصديرية، فستواجه المنتوجات الفلسطينية مشكلة في الترويج والتسويق، وخصوصاً المنتوجات الصناعية، وذلك للأسباب التالية:
- غياب المواصفات والمقاييس الدولية والمعرفة القليلة بحاجات الأسواق الخارجية بسبب الاحتلال الذي يحد من تحركات رجال الأعمال وأصحاب المصالح التجارية وكفاءتهم.
- ضعف القدرات التسويقية لدى الشكلاات التجارية الفلسطينية في الأسواق العالمية، وصعوبة إيجاد أسواق بديلة للمنتوج نفسه الذي تنتجه الشركات الفلسطينية للسوق الإسرائيلية التي تختلف إلى حد بعيد عن الأسواق الأُخرى.
- ضعف الميزة النسبية للمنتوجات الفلسطينية للأسباب التالية:
- ارتفاع أسعار المنتوجات الفلسطينية في الأسواق العالمية نتيجة ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج، كالمواد المستوردة والعمالة والمنفعات العامة (الكهرباء والماء والاتصالات... إلخ).
- صغر حجم المنشآت وعدم استخدام التكنولوجيا المتطورة يرفعان تكلفة الإنتاج، ويزيدان في نسبة الفاقد (مخلفات الإنتاج)، وينعكسان سلباً على نوعية الإنتاج وأسعاره.
- التوافق بين المنتوجات الفلسطينية والمنتوجات الأكثر شيوعاً في العالم (مواد غذائية، وأدوية، وملابس، وأحذية، وصناعات تحويلية). ولذلك تعتبر الفرض لجذب الأسواق الخارجية ضعيفة.
وفي الاطلاع على إحصاءات جامعة الدول العربية الخاصة بالتجارة الخارجية في الوطن العربي،[5] يلاحَظ ما يلي:
- تتميز التجارة الخارجية العربية بانحسار الصادرات في سلع معينة، وبتعدد أنواع السلع المستوردة.
- إن بند الوقود المعدني ومواد التشحيم والمواد الشبيهة، وبند المواد الخام غير المعدة للأكل، باستثناء الوقود، يتصدران الصادرات العربية، حتى إنهما يشكلان في بعض الدول إجمالي الصادرات السلعية تقريباً.
- تتوزع الواردات العربية على كل السلع المدرجة في إحصاءات جامعة الدول العربية، لكن الآلات ومعدات النقل تتصدر واردات الدول العربية، ويليها في الأهمية البضائع المصنعة والأغذية والحيوانات الحية.
- ترتفع التجارة البينية في الوطن العربي بين الدول النفطية والدول غير النفطية، وتنخفض فيما بين الدول النفطية نفسها، الأمر الذي يعني أن المواد الخام هي أهم عنصر للتجارة البينية في الوطن العربي.
- يتصدر الوطن العربي أهم أسواق التصدير من الدول العربية نفسها، في حين تشكّل أوروبا أهم مورّد إلى الأسواق العربية.
- يشكل القرب الجغرافي عنصراً مهماً في التجارة البينية. ففي حين ترتفع التجارة البينية بين الدول العربية الواقعة شرقي البحر الأبيض المتوسط، فإنها تنخفض ما بين هذه الدول ودول شمال إفريقيا، إذ تفضل المجموعة الأخيرة أوروبا لقربها الجغرافي.
وبناء عليه سيكون المجال أمام الفلسطينيين متاحاً بصورة كبيرة للاستيراد من الدول العربية، وخصوصاً المواد الخام والوقود اللذين يساهمان، بصورة إيجابية، في الميزة النسبية السعرية للمنتوجات الصناعية الفلسطينية. أما الصادرات الفلسطينية إلى الدول العربية فستقتصر على هامش بسيط يتمثل في بعض المنتوجات الزراعية، وفي بعض المنتوجات الصناعية المتاحة في الوقت الحالي، مثل الأدوية والملابس والأحذية والصناعات الجلدية. وسيحتاج الفلسطينيون إلى فترة كي يتمكنوا من غزو الأسواق العربية بالمنتوجات الصناعية الخفيفة وتحقيق ميزان تجاري إيجابي مع هذه الأسواق، لأن النمو الصناعي يحتاج إلى فترة طويلة.
ج) التصنيع محرك للنمو في المدى البعيد
ما زال قطاع التصنيع الفلسطيني يواجه مشكلات كثيرة من أهمها: إعاقة الاحتلال لإنشاء صناعات فلسطينية جديدة ولتطوير الصناعات القائمة، ومنع تعامله المباشر مع العالم الخارجي، إضافة إلى كثير من المشكلات الأُخرى التي تسبب بها الاحتلال الإسرائيلي. فتبقي هذا القطاع مفتقداً الميزات الاستثمارية الجاذبة، وحاله في ذلك حال القطاعات الاقتصادية الأُخرى من حيث ارتباطه بإسرائيل واعتماده عليها بصورة شبه تامة. إذ إن ما يزيد على 75% من مدخولاته ونحو 15% من مخرجاته يعتمدان، بصورة مباشرة، على إسرائيل سواء باستيراد السلع والمواد الوسيطة أو بتصدير المنتوج النهائي. ويعمل في هذا القطاع ما يزيد على 97 ألف عامل، أو ما يعادل 17% من مجموع القوى العاملة الفلسطينية. ويشكل هذا الارتباط الكبير مصدراً للقلق بالنسبة إلى إمكان إيجاد (على الأقل) البدائل من السوق الإسرائيلية، وبالتالي تجنب انهيار محتمل في قطاع التصنيع الفلسطيني.
ومن المعروف أن قطاع الصناعة سيحتاج إلى وقت طويل، وإلى جهد كبير لجعله محركاً للنمو الاقتصادي في فلسطين، بسبب الفترة الطويلة التي تحتاج إليها المشاريع الصناعية لبدء الإنتاج، وبسبب حجم الاستثمار المطلوب وصعوبة صمود المنتوجات الصناعية أمام المنتوجات المنافسة. ولذلك لا يمكن الاعتماد على قطاع الصناعة عشية الاستقلال كبديل كامل لتشغيل العاطلين عن العمل، أو للحصول على العملات الصعبة لتمويل العجز الكبير الذي سيطرأ على الميزان التجاري. وبالتالي لا بد من إيجاد البدائل السريعة، بداية من خلال قطاعات أُخرى كي يتسنى للقطاع الصناعي تأمين متطلبات التنمية. لكن، وبنتيجة فك الارتباط بإسرائيل فإن العوامل التالية ستساهم (إلى حد كبير) في الإسراع في تنمية هذا القطاع.
- فصل الاقتصاد الفلسطيني عن إسرائيل وفك الارتباط الكامل بها سؤديان إلى خفض تكاليف الإنتاج بصورة كبيرة للأسباب التالية:
- انخفاض تكاليف الإنتاج بمعدل 15% من أسعار البيع جراء الاستيراد المباشر للمواد الوسيطة من الخارج.[6] وتشير إحدى الدراسات إلى أن الاستيراد المباشر، وإزالة كل القيود الإسرائيلية على استيراد المواد الخام التي تدخل في صناعة الأدوية والملابس والأحذية، سيوفران على منتجي هذه المواد نحو 30% من التكاليف الحالية لإنتاجها.[7]
- تدني مستوى الأجور والرواتب بسبب زيادة العرض من الأيدي العاملة عشية الاستقلال.
- الانخفاض المؤكد في التكاليف الجارية، كالكهرباء والماء والاتصالات والمواصلات، سيساهم في خفض تكاليف الإنتاج.
- انخفاض التكاليف الرأسمالية نتيجة الانخفاض الذي سيطرأ على أسعار الأراضي والعقارات، سيؤدي حتماً إلى تشجيع الاستثمارات الجديدة في هذا القطاع.
- سهولة الحصول على التكنولوجيا المتطورة وانخفاض أسعارها، إذ إن جزءاً كبيراً منها ما زال يُمنع أو يُعرقل، ويتكبد أرباب الصناعة نفقات غير لازمة كأرباح المستورد الإسرائيلي والرسوم الجمركية ورسوم الاستيراد العالية التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على المستوردات الفلسطينية.
- عودة رأس المال الفلسطيني المشتت في الخارج وتراكم رأس مال أجنبي سينميان حركة الاستثمار في هذا القطاع، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على العمال وعلى وفرة العملات الصعبة لتمويل الواردات.
- عودة الأيدي الماهرة والمدربة من الخارج، والتي ستصاحب عودة اللاجئين والنازحين، ستشكل قاعدة بشرية يمكن الاعتماد عليها في التكنولوجيا الصناعية.
ويلاحظ من إحصاءات جامعة الدول العربية[8] أن الدول العربية تفتقر، في معظمها، إلى الكثير من الصناعات المحلية، حتى إن بعض هذه الدول يقتصر الإنتاج الصناعي فيه على الصناعات النفطية والاستخراجية، إذ يأتي معظم السلع الصناعية من الأسواق الخارجية، وخصوصاً من الدول الأوروبية ومن الدول العربية غير النفطية. لذلك سيكون هناك مجال واسع أمام الصناعات الفلسطينية لترويج أنواع كثيرة من السلع الصناعية في أكثر من نصف الأسواق العربية. ومن هنا يأتي استهداف هذه الأسواق في الاستراتيجيا الصناعية لفلسطين كمحرك للنمو في المدى البعيد. وفي دراسة بشأن أهمية الأسواق العربية للتجارة الفلسطينية، تبيّن أن أسواق كل من السعودية والإمارات العربية وسورية والعراق ولبنان، بالإضافة إلى إندونيسيا نحو 70% من الصناعات الفلسطينية، إضافة إلى الدول العربية الأُخرى التي تفتقر إلى أنواع كثيرة من تلك الصناعات التي ستُبنى في فلسطين إذا ما توفرت الأوضاع التحفيزية لذلك.
ويشكل الموقع الجغرافي لفلسطين وتوسطها للدول العربية عاملاً مهماً لتطوير الميزة النسبية السعرية للسلع الصناعية لا في الأسواق العربية فقط، بل أيضاً في الأسواق الأوروبية، إذ إن هذا الموقع يقلل تكاليف نقل المواد الوسيطة والمنتوجات النهائية. كذلك تشكل وفرة التكنولوجيا الصناعية عاملاً آخر لتطوير الميزة النسبية النوعية للمنتوجات الصناعية الفلسطينية في هذه الأسواق. وسنحتاج إلى وفرة رأس المال فقط لغزو الأسواق العربية بمنتوجاتنا الصناعية، وهذا العامل يمكن استقطابه من خلال رأس المال الفلسطيني ورأس المال الأجنبي إذا ما حُسِّنت الطرق والآليات لعمل ذلك.
ومن أجل الوصول إلى الأسواق العربية وغير العربية، وولوج مضمار المنافسة الحرة بمنتوجاتنا الوطنية، يجب أن تستهدف استراتيجيا التنمية الصناعية بعض العوامل التي نراها مهمة، مثل:
- توسيع قاعدة الإنتاج لتشمل منتوجات جديدة تحتاج إليها هذه الأسواق.
- استخدام وفورات الحجم الكبير في الصناعات الفلسطينية، إذ تساهم في تخفيض التكاليف، وفي تطوير نوعية المنتوج النهائي.
- تجنيد ما يمكن من التكنولوجيا لما لها من أهمية في الميزة النسبية للمنتوجات الصناعية.
- ترك المجال لقوى السوق التي تحدد الطلب الاستثماري مع توفير دعم وتوجيه حكوميين ملائمين لتوجيه الموارد، ولتمكين القطاع الصناعي من قيادة عملية التنمية الفلسطينية، ومن غزو الأسواق العربية وغير العربية.
لكننا نعتقد أن القطاع الصناعي لن يتمكن عشية الاستقلال من أن يشكل بديلاً سريعاً من ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بإسرائيل، إذ إن تطور هذا القطاع ونموه يتطلبان وقتاً طويلاً لإنشاء الوحدات الصناعية. لكنه، في المقابل، يمكن أن يساهم من خلال الصناعات القائمة في تغطية جزئية للبدائل، سواء بتشغيل الأيدي العاملة أو بتوفير العملات الصعبة، جنباً إلى جنب مع قطاعي الزراعة والسياحة.
د) الزراعة وأهميتها السريعة
ما زال القطاع الزراعي الفلسطيني يعاني مشكلات كثيرة لعل أهمها: الاستيلاء على المصادر المائية الفلسطينية؛ الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية؛ إعلاق الأسواق الخارجية، بما فيها السوق الإسرائيلية، أمام تسويق المنتوجات الزراعية. كذلك ساهمت عوامل أُخرى في إبعاد المواطم الفلسطيني عن أرضه، كالإيرادات العالية للعمالة في إسرائيل، وغياب الدعم المادي والمعنوي عن المشاريع الزراعية. وقد ساهم كل ذلك في اضمحلال القطاع الزراعي الفلسطيني، وأضعف قاعدته الإنتاجية التي انخفضت خلال الأعوام الأخيرة.
إن الاستقلال، الذي سيواكبه استرجاع الحقوق المائية والأرض الزراعية، وانفراج التسويق الخارجي، وتوقف العمالة الفلسطينية عن العمل في إسرائيل، سيؤدي إلى تنمية القطاع الزراعي الفلسطيني، حتى إنه يمكن أن يشكّل محركاً للنمو الاقتصادي على صعيدي العمالة وتوفير العملة الصعبة في مراحل الاستقلال الأولى جنباً إلى جنب مع القطاع السياحي، وذلك للأسباب التالية:
- إن قطاع الزراعة الفلسطيني يمتاز بقلة التمويل المطلوب قياساً بالاستثمارات في القطاعات الاقتصادية الأُخرى، الأمر الذي سيمكّن الكثيرين ممن عزفوا عن الاستثمار الزراعي لمصلحة العمل في إسرائيل من العودة إلى الاستثمار من جديد فيه.
- إن سرعة الدورة المالية وقصر فترة استرداد رأس المال في الزراعة، قياساً بالقطاعات الاقتصادية الأخرى، سيؤديان إلى ارتفاع الطلب على الاستثمار في هذا القطاع عشية الاستقلال المصاحب لتوقف العمالة الفلسطينية في إسرائيل.
- إن توفر البدائل التسويقية لما حجمه 42 مليون دولار تقريباً (قيمة الصادرات الزراعية إلى إسرائيل، كما هو مبين في الجدول رقم 3) في الأسواق العربية، سيضفي على هذا القطاع ميزة إضافية في الطلب العام للاستثمار فيه.
- إن استرجاع الحقوق المائية والأرض سيؤدي إلى ارتفاع الطلب على الاستثمار في هذا القطاع.
لذلك من المحتمل أن يشكل هذا القطاع بديلاً جزئياً من العمل في إسرائيل، ويمكن أن تشكّل الأسواق العربية بديلاً مضموناً من السوق الإسرائيلية بسبب غياب الظروف الزراعية في كثير من الدول العربية، وخصوصاً الدول الخليجية الأغنى في الوطن العربي.[9] لكن هذا القطاع لن يساهم كثيراً في توفير العملات الصعبة لتمويل الحاجة إلى استيراد السلع التي تفتقر إليها السوق الفلسطينية، لأن القطاع الزراعي صغير من جهة، ولأن التصدير الزراعي لا يشكّل عائدات كبيرة، من جهة أُخرى، كالصناعة الثقيلة مثلاً.
ومن أجل الوصول إلى هذه النتائج يجب إتاحة الفرص أمام هذا القطاع، وذلك بتفعيل الطلب على الاستثمار فيه، وبإيجاد الأسواق الخارجية لمنتوجاته، من خلال عدد من العوامل منها، على سبيل المثال لا الحصر:
- التحضير لاستصلاح أراض جديدة، ومدها بشبكات الري.
- وضع استراتيجيا زراعية تستهدف الأسواق العربية لأن هذه الأسواق ستكون أهم مستورد للمنتوجات الزراعية الفلسطينية.
- تطوير أنماط وأنواع زراعية جديدة لا تواجه منافسة كبيرة في الأسواق العربية، ولحسن الحظ أن لدينا بعض هذه الأنواع.
- اعتماد القطاع الزراعي جزئياً كمحرك للنمو الاقتصادي في المراحل الأولى من الاستقلال، جراء توقعات الإقبال الكبير على الاستثمار في هذا القطاع.
الجدول رقم 3
الصادرات الزراعية من الضفة الغربية وقطاع غزة سنة 1993 (مليون دولار)
من الضفة الغربية |
من قطاع غزة |
||||||||
الأردن |
إسرائيل |
أقطار أُخرى |
المجموع |
% الصادرات الزراعية إلى الصادرات الكلية |
الأردن |
إسرائيل |
أقطار أُخرى |
المجموع |
% الصادرات الزراعية إلى الصادرات الكلية |
12,45 |
36,35 |
1,00 |
49,80 |
24% |
10,50 |
6,13 |
0,88 |
17,51 |
28% |
المصدر: الجعفري وشعبان، مصدر سبق ذكره.
هـ) السياحة وأهميتها الدائمة
إن مكانة فلسطين السياحية لم تُستغل في أثناء فترة الاحتلال بسبب تجيير ميزة فلسطين السياحية لمصلحة كل من الوحدات والنشاطات السياحية الإسرائيلية. فقد احتكرت إسرائيل السائح القادم، ومنعت المستثمر الفلسطيني القيام بواجباته تجاه هذا القطاع المهم، واستغلت كل المقومات السياحية في فلسطين لاجتذاب السياح الأجانب، ومن ثم بناء صرح سياحي لم يكن له مثيل في الشرق الأوسط، وتكوين غلة كبيرة من العملات الصعبة، وتشغيل جزء كبير من مقوماتها الاقتصادية لخدمة هذا القطاع. لكن النتيجة كانت أليمة بالنسبة إلى واقع هذا القطاع في فلسطين. فالبيانات الرقمية التالية تؤكد مدى عجز القطاع السياحي الفلسطيني عن استغلال المقومات المتاحة:
- بلغ عدد العاملين في القطاع السياحي سنة 1996 نحو 5710 عمال، أو ما يعادل 1% من مجموع القوى العاملة الفلسطينية.[10]
- ساهم هذا القطاع في 2% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي.[11]
- بلغ عدد القادمين إلى إسرائيل نحو 2,5 مليون سائح، منهم نحو 1,95 مليون سائح، أو ما نسبته 78%، جاؤوا إسرائيل لزيارة موقع سياحي في الضفة الغربية على الأقل.[12]
- على الرغم من هذه النسبة الكبيرة فإن الإيرادات الفلسطينية من السياحة تشكّل اقل من 7% من الإيرادات السياحية لإسرائيل. وعند مقارنة الإيرادات الفلسطينية بالإيرادات الإسرائيلية نجد أن العدد الحقيقي لزائري الأراضي الفلسطينية لا يزيد، فعلاً، على 150 ألف زائر في السنة مع إقامة لمدة ثلاثة أيام بالفنادق الفلسطينية.[13]
- شكّل السياح العرب، بحسب الإقامة الفندقية، نحو 3% من مجموع السياح الذين يقيمون بالفنادق الفلسطينية.[14]
- يتراوح الأثر المضاعف للسياحة الفلسطينية بين 60% و70%.[15]
- تبلغ نسبة التسرب في هذا القطاع إلى الاقتصاد الإسرائيلي نحو 95% جراء استخدام الوافدين لوسائل نقل ومطاعم وفنادق وأسواق إسرائيلية من جهة، وجراء استخدام النشاطات السياحية الفلسطينية للمدخلات الإسرائيلية من جهة أُخرى.[16]
- تتراوح القيمة المضافة بين 11% بالنسبة إلى وكالات السياحة والسفر وبين 68% بالنسبة إلى مكاتب بيع التذاكر.[17]
بالإضافة إلى هذه الصورة القاتمة، حُرمت الأراضي الفلسطينية سياحة محتملة لأكثر من ربع العالم، إذ منعت سلطات الاحتلال طوال ثلاثين عاماً أكثر من مليار مسلم مسيحي يعيشون في الدول الإسلامية والدول العربية من زيارة الأراضي المقدسة، إضافة إلى مواطني الدول الأُخرى التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وعلى رأسها الدول التي تعارض الاحتلال الإسرائيلي كالصين والهند ومعظم الدول الاشتراكية. كما أن حالة اللااستقرار التي سادت المنطقة أدت إلى تخوف عام في كثير من الدول التي لها علاقات صداقة مع إسرائيل. إن هذه الأسباب كلها أدت إلى الواقع المظلم للسياحة الفلسطينية الذي نراه اليوم.
فلو تم الاستقلال اليوم، وواكبه استقرار سياسي وانفراج أمام العالمين الإسلامي والعربي لزيارة الأراضي المقدسة، لكان هناك طفرة سياحية هائلة في هذا البلد. واستناداً إلى المعطيات الحالية لقطاع السياحة الفلسطيني، قمنا بمعالجة بعض المعطيات الرقمية لأدنى الاحتمالات السياحية (مبينة في الجدول رقم 4)، وتمكنا من التوصل إلى حقيقة مشرقة، لعل أهمها حصول الاقتصاد الفلسطيني على مليار دولار سنوياً من السياحة العربية فقط، أي تغطية لما نسبته 57% من الحاجات السنوية من العملة الصعبة،[18] وازدياد العمال السياحية من 5700 شخص في الوقت الحالي إلى ما ينوف على 63 ألف شخص بعد الاستقلال، أو من 1% من مجموع قوة العمل الفلسطينية حالياً إلى ما يزيد على 11% منها.
الجدول رقم 4
أثر الاستقلال في بعض المعطيات السياحية
|
البند |
في الوقت الحالي |
|
المتوقع من السياحة العربية |
|
|
|
% |
|
1 |
العدد الفعلي للسياح |
150,000 |
|
1,628,420(1) |
2 |
مصروف إقامة السائح مدة ثلاثة أيام |
120 دولاراً(2) |
|
600 دولار(3) |
3 |
الإيرادات السياحية |
180 مليون دولار |
|
977 مليوم دولار(4) |
4 |
مساهمة السياحة في الناتج المحلي |
72 مليون دولار |
2% من الناتج المحلي الإجمالي |
391 مليون دولار(5) |
5 |
قوة العمل |
5710 عمال |
1% من مجموع قوة العمل الفلسطينية |
63,444 عاملاً(6) |
- حاصل جمع: 150 ألف سائح في الوقت الحالي + عُشْر الحجيج إلى مكة البالغ عددهم 200 ألف نسمو + 0,5% من سكان الوطن العربي البالغ عددهم 256 مليون نسمة.
- حاصل تقسيم 1/2.
- افترضنا نصف نفقات السائح لمدة ثلاثة أيام في الوقت الحالي.
- حاصل ضرب 1 × 2.
- توصلنا إلى هذا الرقم باستخدام نسبة المساهمة الحالية في الناتج المحلي إلى إيرادات السياحة الحالية.
- توصلنا إلى الرقم من خلال المتوسط العالمي للعمالة المباشرة في قطاع السياحة (من كل تسعة أشخاص يعمل شخص واحد في السياحة).
خامساً: الخاتمة
لقد نجحت سلطات الاحتلال في تجريد الاقتصاد الفلسطيني من المضمون، وفي تجسيم مستوى معيشة مقبول في الأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال رفع الدخل من دون أن يواكبه نمو في الإنتاج. كما عملت جزئياً على استغلال المصادر الاقتصادية في البلد لخدمة اقتصادها، حتى أصبح اقتصادنا مرتبطاً بها ومعتمداً عليها. فبات الانفصال عن الاقتصاد الإسرائيلي والاعتماد على الذات يشكلان خطراً على إمكان الحياة في فلسطين نتيجة ضعف البدائل التي ستتاح أمام اقتصادنا: أولاً، في تشغيل عدد كبير من العمال الفلسطينيين الذين سيتوقفون عن العمل في المصالح التي تخدم، في الدرجة الأولى، رجال أعمال إسرائيليين؛ ثانياً، في الحصول على عملات صعبة لتمويل العجز الكبير في تجارتنا الخارجية.
ومن خلال الأمثلة المطروحة في هذه الدراسة تمكنا من التوصل إلى أن هناك احتمالاً قوياً فحواه أن السوق العربية ستشكّل، أكثر من أي سوق أُخرى، بديلاً – لكنه منقوص – من اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على إسرائيل فيما يتعلق بخمسة قطاعات اقتصادية رئيسية هي: العمالة، والتجارة الخارجية، والصناعة، والزراعة، والسياحة.
فيما يلي بعض الاستنتاجات العامة:
أولاً: إن السوق العربية لن تكون بديلاً كاملاً لاستيعاب الحجم الكبير من الذين سيتوقفون عن العمل بعد فك ارتباطنا بالجانب الإسرائيلي بسبب سياسة توطين التشغيل في الدول العربية. ولذلك، لا بد من توفير البدائل المحلية لتشغيل العمال الذين سيتوقفون عن العمل في النشاطات الفلسطينية التي تستهدف في الدرجة الأولى سوق العمل الإسرائيلية.
ثانياً: إن الانفتاح الاقتصادي على الدول العربية سيساهم في رفع الميزات النسبية للمنتوجات الفلسطينية من خلال تخفيض أسعار المواد الوسيطة التي ستستورد من هذه الدول. كما أن الاستقلال سيوفر بعض النفقات غير الضرورية التي يتكبدها أرباب العمل جراء الاستيراد من خلال إسرائيل. لكن، في المقابل، لن نتمكن – من خلال التجارة السلعية مع الدول العربية في المراحل الأولى من الاستقلال – من ضمان ميزان تجاري إيجابي.
ثالثاً: في المدى البعيد، من الممكن أن تشكّل الأسواق العربية أهم مستورد للمنتوجات الصناعية الفلسطينية إذا ما تم تجيير الصناعات الفلسطينية لخدمة تلك الأسواق. كما أن توفير التكنولوجيا الصناعية وتخفيض تكاليف المواد والخدمات الوسيطة سيمكنان الصناعة الفلسطينية من النمو، كماً وسعراً ونوعاً. أمّا في المدى القريب، فلا يمكن الاعتماد على هذا القطاع في التخلص من الارتباط الاقتصادي غير المتكافىء بالاقتصاد الإسرائيلي، وذلك بسبب غياب الميزة النسبية والتنافسية لمنتوجاتنا الصناعية من جهة، وبسبب طول فترة تخطيط وتنفيذ واستقطاب رأس المال للمشاريع الصناعية من جهة أُخرى.
رابعاً: من الممكن أن يشكل قطاعا الزراعة والسياحة أهم قطاعين لتجنب الخلل الاقتصادي في مراحل الاستقلال الأولى، جراء صغر رأس المال المطلوب للاستثمار فيهما، وسرعة تحقيق الإيرادات فيهما، وسهولة اجتذابهما للأسواق العربية، وأخيراً جراء توفر الأوضاع الملائمة لنموهما. لكن لا يمكن الانتقاص من أهمية قطاع التصنيع، في المدى البعيد، في غزة الأسواق العربية بالمنتوجات الصناعية ذات المردودات المالية العالية.
وبناء عليه، لا بد من التحضير الجاد والشاق لاحتضان مرحلة الاستقلال الوشيكة، ورصد الإمكانات والهوامش المتاحة للتطلع نحو الشرق بدلاً من الغرب، والتخلص من ارتباطاتنا الاقتصادية بإسرائيل، والعمل على اجتذاب الأسواق العربية لتوفير متطلبات الحياة اللازمة لبقاء هذا الشعب وتعويضه من حياة الحرمان التي عاشها طوال أعوام الاحتلال الإسرائيلي.
[1] تقرير وزارة الاقتصاد والتجارة – دائرة الاستثمار، حول مشاريع الاستثمار المصادق عليها في قطاع غزة خلال الفترة 14/5/1994 – 31/12/1996.
[2] "المجموعة الإحصائية لدول الوطن العربي (1988 – 1993)"، جامعة الدول العربية – الأمانة العامة – الإدارة العامة للشؤون الاقتصادية – دائرة الإحصاء، العدد الرابع، 1994.
[3] أنظر: وزارة الاقتصاد والتجارة، "القترير السنوي العام – 1996"؛ محمود الجعفري ورضوان شعبان، "التجارة الخارجية السلعية للضفة الغربية وقطاع غزة: الإمكانات والآفاق" (القدس: معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني، ماس)، تشرين الثاني/ نوفمبر 1995؛
IMF Report, op.cit.
[4] هذه الفرضية مبنية على المعطيات الرقمية السابقة، وعلى غياب المنح والهبات، وعلى تجنب الاقتراض الحكومي، بصورة كاملة.
[5] "المجموعة الإحصائية لدول الوطن العربي..."، مصدر سبق ذكره.
[6] "تقرير البنك الدولي" – الجزء الثالث، 1993.
[7] لمزيد من المعلومات، أنظر: باسم مكحول، "القدرة التنافسية للصناعة الفلسطينية مقارنة بالصناعة الأردنية" (القدس: معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني، ماس)، كانون الثاني/ يناير 1996.
[8] "المجموعة الإحصائية لدول الوطن العربي..."، مصدر سبق ذكره.
[9] لمزيد من المعلومات عن حجم الزراعة في الدول العربية، أنظر، على سبيل المثال: "المجموعة الإحصائية لدول الوطني العربي..."، مصدر سبق ذكره.
[10] Tourism Cluster: Ministry of Tourism.
[11] Ibid.
[12] أنظر: حمدي الخواجا، "الوضع الراهن لقطاع السياحة في فلسطين ومدى استجابته لمتطلبات التعاون الإقليمي"، في: "السياحة الفلسطينية في الإطار الإقليمي" (البيرة: المركز الفلسطيني للدراسات الإقليمية، 1997).
[13] المصدر نفسه.
[14] Tourism Cluster, op.cit.
[15] الخواجا، مصدر سبق ذكره.
[16] المصدر نفسه.
[17] أنظر:
Mark Khano and Edward Sayre, The Palestinian Tourism Sector: Present State and Future Prospects (Ramallah and Jerusalem: Palestine Economic Policy
Research Institute, MAS), June 1997.
[18] حاصل طرح الإيرادات السياحية المتوقعة بعد الاستقلال (الجدول رقم 4) من حساباتنا لكمية الحاجة إلى العملة الصعبة (أنظر صفحة 68 أعلاه، الفقرة المتعلقة بالتجارة الخارجية.