أجرت المقابلة: سناء حمّودي
- بعد صدور قرار التقسيم، هل كان هناك ردات فعل قوية؟
- كانت في ردات فعل، مع الأسف كل شي كان بيافا فجائي، فش إشي تحضريلو قبل، وفش لجنة تواجه هاي أو تواجه هديك، كل شي يصير كان فجائي، عفوي.
- بالنسبة إلى اللجان القومية، متى بدأ تأليف هذه اللجان؟ هل بعد قرار التقسيم؟
- كانوا موجودين قبل، بس أنا شخصياً ما كنتش أحبهم، ولا والدي، كان منسحب، كان هوّي رئيس لجنة قومية أول شي، بعدين انسحب. كان في مصطفى الطاهر وأمين عقل.
- في رأيك هل كانت اللجان القومية قادرة على التنسيق بين الجماهير في يافا؟
- برأيي لأ.
- كيف كانت علاقة هذه اللجان بالمفتي، أو بالهيئة العربية العليا؟
- كان ولاؤها للمفتي.
- وكان الناس يثقون به؟
- نعم.
- بالنسبة إلى عمليات النزوح عن يافا، هناك من يقول إنها بدأت بعد قرار التقسيم أو في أواخر سنة 1947...
- الحقيقة إنه لمَّنْ اليهود هاجموا يافا، واحتلوا قسم كبير من يافا، من المنشية، صار في حركة نزوح، لأنه صار انتقال من منطقة لمنطقة.
- هذا في نيسان/أبريل، أي أنه في سنة 1947 بعد صدور قرار التقسيم مباشرة، أي بعد 29 تشرين الثاني/نوفمبر، لم يشعر الناس بوجود خطر حقيقي ليهربوا؟
- لأ، أبداً ما حدا حس بالخطر.
- ما هو تعليقك على البيان الذي أصدره الدكتور حسين فخري الخالدي في إثر مجزرة دير ياسين؟
- أنا والله ما سمعت عن بيان من حسين فخري الخالدي وأنا بيافا، لا عن دير ياسين ولا غير دير ياسين.
- هذا يدحض الدعاية الصهيونية التي تقول إن بيان الدكتور الخالدي كان له أثر سيىء وسلبي في السكان في فلسطين عامة.
- بكونوا حرفوه وضخموه، لأنه الدكتور الخالدي إنسان محترم. وأنا اعتقادي إنه أغلب الناس بيافا عندهن نفس الرأي، على أساس ما كانوا عارفين.
- هل هذا يعني أن مجزرة دير ياسين لم يكن لها تأثير في سكان يافا؟
- لأ ـأنا بعتقد لأ. اقتصر تأثيرها على المنطقة الجبلية من فلسطين، يعني منطقة رام الله مثلاً، هادا اللي كان يأثّر. أمّا دير ياسين ما أثرت بعتقد بشي في يافا. وأنا بتذكّر كان عندي معارف يهود، كانوا خايفين كتير يهجموا العرب ويدبحوا أولادهن، أبوي وقتها قَلُّنْ أنا بوقف يعني ما بخلّي حدا يدبح ولادكن. يعني كان في خوف معاكس.
- هل كان الناس يغادرون على أمل العودة، أم كانوا يعلمون أن خروجهم كان بلا عودة؟
- كلهن أخدوا مفاتيحن وخلّوا المصاري بالبيت، كتير من أهل يافا كانوا تركوا مصرياتن، أنا بعرف تحت الفرشة. الحاج عبدالله، بالجامعة هوي كان معاي، ترك بيته، وفتحوا الجارور، جارور عادي، فتحوه والاّ هو ملان مصاري.
- ماذا تذكر بالنسبة إلى الاستعدادات العسكرية في مدينة يافا؟
- ما كان في استعدادات، أهل يافا كانوا يقاتلوا، نحنا في منطقة المنشية هاجمنا اليهود في ديزينغوف، وفي قسم من تل أبيب، وهم صاروا يضربونا بعدين بسلاح أقوى. يعني وصلوا على أطراف ديزينغوف، وضربوا هناك. خط تل أبيب من جهة يافا، شارع ديزينغوف كتير قريب على يافا. حسن سلامة كان تارك.
- هل تذكر كيف كانت العلاقة بين القوات التابعة للجنة العسكرية في دمشق وقوات الجهاد المقدس؟ معظم الكتابات يقول إنه كان هناك خلافات قوية في يافا؟
- معلوم، كان في عنا شخص عراقي اسمه عادل نجم الدين، وشخص يوغسلافي اسمه شوقي مفتيتش اللي كان ساكن عنا ببيروت، هدول كان يألفوا من تبعون لجنة المقاومة، عادل نجم الدين سفّرتوا أنا من يافا، والقوات تبعه من هون من يافا، أجو على بيروت، وأجيت معهم على بيروت بباخرة، قعدنا تلات ايام هون، وهن بقيوا في بيروت وأنا رجعت بباخرة تانية على يافا من بيروت، عرفت بدا تيجي باخرة لأبو زيد تحمِّل خشب من يافا. يجيبها على بيروت، يهرّبها أحسن اليهود ياخدوها.
- عندما غادرت يافا، هل كنت تفكر في العودة؟
- إيه، طبعاً.
- وهل كانت يافا في خطر عندها؟
- معلوم.
- هناك أخبار تقول إن قوات نجم الدين قامت بعمليات سلب ونهب، ثم هربَتْ وتركَتْ المدينة؟
- كان في فلتان أمني.
- يقول رئيس البلدية يوسف هيكل أنه حاول الحصول على السلاح، وكانت النتيجة أنه حصل على مئة قطعة بدلاً من خمسمئة.
- جرَّب ياخد من الملك عبدالله سلاح، وقالوا بعطيك مية بارودة. كلام فاضي، كله كلام فاضي. لمّن دخلنا على منطقته بشارع يافا، بعد المنشية، في ميدان يافا، في بناء المجلس البلدي تبع يافا، كان ساكن هناك، كان ترك، طلعنا أخدنا أربع خمس رشاشات كان مخبيهم في البلدية.
- هل ترك قبل سقوط المدينة؟
- نعم.
- لكنه يقول أنه ترك المدينة عند تأليف لجنة طوارئ لأنه لم يرد أن يشهد سقوط المدينة.
- والله طلع قبل ما حكينا بمسألة السقوط، ترك المدينة قبل.
- عسكرياً، ما سبب سقوط المدينة؟
- سبب سقوط يافا، كانوا اليهود تجمعوا، قسم كبير من المقاتلين تَبَعُنْ صاروا يضربوا يافا، القسم الشمالي تَبَع يافا، المنشية، ووسط البلد، كل سكان يافا كانت يمنطقة المنشية، يضربوهم بالراجمات والمدافع، اللي كانوا ماخدينهم من مستعمرة زخرون يعقوف، لمن نهبو الترين (القطار)، اللي كانوا الإنكليز مودينو على حيفا.
- يعني سرقوا مجموعة من الأسلحة كان الإنكليز ينقلونها من مكان إلى آخر؟
- بينقلوه من الصرفند بودوه على حيفا منشان يسفروه، وقفوا الترين وملان عسكر إنكليز وسرقوا كل موجودات الترين، اللي هوي أسلحة.
- هل كان هناك وسائل مقاومة؟
- مع الأسف ما كنش فيه، يعني كان فيه مقاومة فردية، يعني المقاومة كانت أفراد، يعني إللي ولاد عم مثلاً، طول عمرهم هدول داخلين بهالشغلة، أكم صاحب من أصحاب البيارات جنبهم، يوخدوا كم واحد يروحوا على منطقة بات يام، مستعمرة موجودة جنوب يافا طول عمرها، يقوصوا من هناك وهدوك يقوصوا عليهم، يروحوا ناس من المنشية يعملوا ذات الشي.
- هل صحيح أن ميشيل العيسى قصف تل أبيب بالمدفعية؟
- ما قصف، دخل على يافا، وقسم من تبعون ميشيل العيسى الأردنيين أجو هم اللي سرقوا، مش سرقوا يعني سرقوا فلوس، يعني يسرقوا ويسكي... ميشيل العيسى لا قدّم ولا أخّر بيافا، دخل يافا جمعة زمان وسافر.
- عندما بدأ الناس المغادرة، هل كانت لجنة الطوارئ قد تألفت؟
- تألفت.
[تألفت لجنة الطوارئ في الثالث من أيار/مايو].
- هل تذكر متى غادرت عائلتك المدينة؟
- أنا أذكر التاريخ، في 28 نيسان [أبريل]. أمي وخواتي راحوا مع أكرم، وأنا وأبوي بقينا بيافا.
- كم بقي والدك في يافا؟
- يمكن شهر، بعدين سفّروه على فرنسا.
- هل جئتم إلى بيروت؟
- أربعة أيام. خمسة أيام.
- ثم كيف رجعت إلى يافا؟
- بالبحر، بباخرة بسيطة جداً، منشان تحمِّل خشب، كان ابو زيد تاجر خشب مشهور، عنده منطقة فيها شباب،... حاطط أخشاب، حرام يروحوا، استأجر من هون باخرة يونانية قديمة وراحت على يافا.
- من كان معكم على متن الباخرة حين كنتم عائدين إلى يافا؟
- واحد من ولاد أبو زيد، أو قريب أبو زيد، منشان يستلم الخشب ويحمّلوا، نجيب عتالة من يافا، تحمل خشب وتنزّلوا ونحطّوا بالبحر ونجيبوا على بيروت. وفعلاً نقلنا قسم.
- كم من الوقت بقيتم في البحر؟
- يوم ونص تقريباً.
- عندما وصلتم إلى يافا، كيف كان المرفأ؟ هل كان الناس مزدحمين للمغادرة؟
- لأ، ما كنش في عجقة، ما كنش يتركوا الناس من يافا إلاّ بوجود باخرة تحملهم، كانوا يروحوا على غزة، براً عن طريق الأردن عمان.
- كيف غادر الوالد لاحقاً؟
- بالبحر، على باريس، الفرنساوية دبروا له السفر على باريس، أعطوه بطاقة، قعد هناك يومين تلاتة وإجا على بيروت، على المطار القديم تبع بيروت.
- متى جرت عملية تسليم يافا؟ بعد عودتك مباشرة؟
- بعد أسبوع أو أسبوع وشوي. بس مش تسليم، لمّا تقولي تسليم يافا، ما سلمناش يافا لحدا، كان في 2، 3 إنكليز بعرفهم، واحد مساعد حاكم لواء، وغيره كمان ناس من ضباط الجيش الإنكليزي كانوا موجودين بيافا، ماخدين بمنطقة وسط يافا، في مركز باصات القدس، في مركز هناك، compound [مجمَّع] عاملينوا ومسكّنين فيه شوية إنكليز وبعاد عن اليهود وبعاد عن العرب، هدول الإنكليز كانوا يتصلوا فيّ يومياً، يجي يمر عليّ كل يوم بعد يوم، يقول لي بدو يصير هيك، بدّون يحاكوكن هيك، حتى نكون مستعدين، أمّا مثلاً، ما رحناش سلمنا يافا، إحنا ما سلمناش يافا لحدا من اليهود.
[رفض السيد أحمد ذكر عبارة "التسليم"، حتى أنه بدا ثائراً جداً لمجرد ذكر الكلمة].
- كيف تمت المفاوضات مع اليهود؟
- إجوا الإنكليز وصّلونا على الحدود ومن هناك أخدونا اليهود على ديزينغوف.
- بوجود الإنكليز طبعاً؟
- لأ، فش إنكليز أبداً، إحنا واليهود، الإنكليز وصّلونا على الحدود، ورحنا بسياراتنا، حتى واحد منا، صلاح الناظر، كان حاطط الفرد تبعه، وهناك لقينا المدير تبع الهاغاناه واتنين تلاتة ومنهم ابن بن ـغوريون نفسه، ما عجبنيش، ولا هم كانوا مهتمين فيّه، وقالوا بدنا نحكي منشان نحضّر ليستة، وبعدين نروح على بات يام منشان نحكي بالمفاوضات.
- كم جولة استغرقت المفاوضات؟
- يومين في ديزينغوف، وبعدين رحنا على بات يام.
- ما كانت مطالب اليهود في ذلك الوقت؟
- ولا شي معين، ما طلبوا منا نسلّم، هم استلموا السجن تبع يافا، وييجوا على البلدية ونروح نقعد عندهم ونشرب قهوة.
- كيف كانت أجواء المفاوضات، هل كان اليهود يريدون الحرب؟
- ولا حرب ولا شي، كنا قاعدين وكانوا يجيبولنا كازوز، كانوا يسمّوه "سيفون".
- يعني لم تكن الأجواء متشنجة؟
- أبداً، خلصنا، وبعدها بيومين تلاتة اتفقوا اليوم بِدْهُن يدخلوا يافا، إحنا افتكرنا بِدْهُن يعملوا مؤامرة، وإذ بالنهاية اتقاتلوا همن واليهود التانيين، الإرغون، اتقاتلوا بالمنشية وبشارع أبو كبير، وتأخروا عن وصولهن ليافا ساعة، ساعة ونص، وإحنا مستنين.
- هل كان هناك جولة جديدة من المفاوضات؟
- لأ، بس جايين يسلموا علينا.
- إذاً، ما كان موضوع الوثيقة؟
- أنا بدي طلّعلك ياها، افتكرتا عندي، حاططها عند خيّ. بجيبلك اياها، الوثيقة كانت وقتها اليهود أصدروا لنا بيان إنه ممنوع استعمال السلاح،... على أساسها قالولنا الإنكليز إنه بدهم يعملوا اجتماعات في بات يام، بتيجوا إنتو، إنت وأحمد أبو لبن وأمين إندراوس وصلاح الناظر. المهم رحنا، صاروا يحكوا اليهود يكتروا حكي وإحنا نكتر حكي.
- أستاذ أحمد: الذين كانوا معك، أعضاء لجنة الطوارئ، أحمد أبو لبن، أمين إندراوس، صلاح الناظر وحضرتك، أربعة. يا ليت تحكي لنا عن كل واحد قليلاً. كنتم أصحاباً قبلاً، أم اجتمعتم مصادفة من خلال اللجنة؟
- أنا وأبو لبن أصحاب، قسم من البيارة تبعنا على طريق يافا ـراس العين، كانت بنص الطريق بعد ملبّس، اليوم صار اسمها بيتح تكفا، نصها لدار أبو لبن ونصها إلنا. صُحبة أنا واياه سَوَا وآدمي ومحترم.
أمين إندراوس شب من أطيب الناس وأحسنهم، بعدين مات بيافا وما طلع، هدا بمنطقة شارع سلمة، طريق يافا اللي بروح على أبو كبير، بطرف يافا، إلو محل، ننزل نشتري تلاجات.
صلاح الناظر كان أحد المسؤولين عن قسم من أبو زيد، أبو زيد كان عامل منطقة سياحية، مش سياحية، منطقة بيوت جديدة،' منشان يقعدوا فيها الناس بآخر يافا، بطريق مستعمرة بات يام، وصاحب أحمد أبو لبن، وبقى موجود، ما إحنا يافا كانت 100 ألف نسمة بقيت 5.4 آلاف، مجبورين نشوف بعضنا.
- كيف اجتمعتم أنتم الأربعة، وإلى من تعود فكرة تأليف اللجنة؟
- والله يمكن فكرة أحمد أبو لبن، أو واحد إنكليزي من اللي كانوا بِدُّنْ يعملوا لجنة طوارئ تتولى شؤون الناس.
- يعني الهدف كان اجتماعياً لتسهيل أمور الناس؟
- اجتماعي، في خلال شهر قبل ما أترك لبيروت يومين تلاتة وأرجع، كنا عاملين محلات أفران، محلات نعطي الناس قمح، طحين بلدي، نجيبوا من الجمرك. يعني أطلعنا من جمرك يافا، إيش ممكن أكل، نْجيب ونحطّوا في دير الأقباط اللي في وسط يافا، عندن مخازن هناك، ونوزع للناس أكل.
- هل كان هذا في فترة اشتداد المعارك؟
- لأ، قبل ما تشتد.
- يعني قبل تأليف لجنة الطوارئ؟
- كنا مألفين. أجو الإنكليز، هادا مساعد حاكم لواء، سلّمني أنا مفاتيح جمرك يافا، لأنه بحبني، وقال لي روح استلم إيش بدك من جمرك يافا. وكان أحمد أبو لبن موجود، قَلِّي خليهم معاك.
- هل كان عمل لجنة الطوارئ الأساسي تسليم يافا؟
- ولا مضوا، إحنا استلمنا يافا للمحافظة عليها بسكانها الباقيين، أي خمسة آلاف، نعطيهم خبز، ناس يقدموا أفران، ما منسلّم يافا، ولا ورد موضوع تسليم يافا.
- كان وارداً في بالكم المحافظة على الخمسة الآلاف الباقين في يافا؟
- الباقيين بيافا، خمسة آلاف، وفي منهم... بالأطراف، في منطقة أبو كبير اللي بطرف الكنيسة الأورثوذكسية، بطرف يافا، كان في سكان كتير هناك، بيارية يعني مساعدين بالبيارات.
- وهل طرحتم قضية عودة الناس الذين تركوا؟
- طرحنا، وأنا طلبت، في طلبات بدي أجيبلك ياهم، قدمناهم إنه لسكان يافا، أهاليها إلهم بيارات كتير لازم نسقيها، بدها سقي يومي، خلّي الناس تيجي، لأن هدي أموال عالم. يعني داير يافا كلها بيارات.
- وما كانت ردة فعل اليهود؟
- ولا سألوا، رفضوا. إنه في أمن هلق.
- بعد توقيع الوثيقة مع اليهود، هل دخل اليهود يافا؟
- أبداً، نحنا منعناهم.
- دخلوا بعد 15 أيار/مايو؟
- لأ، بعد، نحنا وقتها كنا مسكّرين الطريق، مع هدول اللي أجوا من طرف اليهود مانعين أهالي تل أبيب تروح على يافا، إلاّ اللي معو إذْن منشان يوصّل شغلة.
- هل كنت في يافا عندما دخلها اليهود؟
- لأ، ما كنتش موجود، بعد شهرين دخلوا، بعد ما طلعت أنا بشهرين.
- لماذا لم يدخلوا؟
- لأنه متفقين إحنا... ما يدخلوش اليهود على يافا.
- عندما دخل اليهود، بحسب المصادر، جمعوا السكان في منطقة معينة؟
- بالعجمي، هدول كانوا يتجمّعوا من دون ما اليهود يجمّعوهم، مجبورين يجوا، لأن لمن راحت المنشية، ومنطقة البلد انضربت كمان، صاروا يتركوا الناس ويجوا عالمنطقة اللي فيها ناس، إللي هيِّ منطقة العجمي، ما جمعونا بمنطقة معينة، الناس تلقائياً تجمّعوا.
- هل عمل الإنكليز على تسهيل خروج الناس من يافا؟
- لأ، مفش سبب الإنكليزي يتدخل، ليسهل لواحد يسافر خارج يافا.
- يعني الناس تركت من تلقاء نفسها؟
- من تلقاء نفسها، تلاقي واحد إلو Truck [شاحنة]، يتفق مع الـ Truck وهو خمس أصحاب يطلّعوا الركاب. كنت أنا وأبوي نمشي المغرب بعد الظهر، نركب نروح على المنشية، نوقف والناس ورا ملاني، تلاقي واحد هو ومرتو وولاده قاعدين كلهم ينطروا، في ناس يعرفهم، "طب إنت وين يا أبو فلان، يقولوا هاي بيتك، قلّوا طب أقعد هون، قلّوا بدّي أشوف الباخرة لَمَّنْ تمرق نسحب حالنا ونروح." بتذكّر أبوي كان ينْجَن من هادا، يقولُّنْ ارجعوا عبيوتكن، ارجعوا عبيوتكن، لسه ما أجا دوركن.
- يعني ألا تذكر في يوم معين أو أيام معينة قالوا إن هناك بواخر كبيرة، مثل حيفا مثلاً؟
- لأ، بتجي علينا باخرة تمرق، حتى مرات نتصل بالباخرة بواسطة وكيل. أجا مسكين وقف أخد 500، 600 راكب على بيروت.
- هل صحيح أن اللجنة القومية في يافا كانت تأخذ ضريبة من الذين يغادرون المدينة؟
- نعم، يعني مثلاً واحد بدّوا يسافر، بدّوا يطلع من يافا برّا، يوخدوا منه خمس ليرات والاّ تلات ليرات والاّ كذا.
- بهذه العملية ألم تكن اللجنة القومية تسهّل خروج الناس، بدل منعهم؟
- ضريبة خروج كانوا يسمّوها، كانوا المقاتلين ياخدوا مش بس حتى على المرفأ، من قبل، بس يسمعوا إنه في عائلة بدها تطلع، يروحوا يدقوا على الباب وياخدوا منهن المصاري منشان يشتروا فيهم سلاح من ليبيا، ونجيب سلاح ونحارب فيه.
- بعد حرب 1967، أستاذ أحمد، عندما سُمح للناس بزيارة فلسطين بواسطة لمّ الشمل، هل استعلمت عن مصير البيارات، أو البيت؟
- لا والله.
- ألم تتابع الأخبار؟
- ما تابعت. البيت أخدوا الفرنساوية، أجّرناه للفرنساوية، سكنوا فيه، بس البيارة..
- الفرنسيون الذين ساعدوا الوالد وسهّلوا سفره إلى باريس، أخذوا البيت وسكنوا فيه؟
- لليوم ساكنينوا. بس يوم ما توفى أبوي، كانوا يدفعوا، يوم ما توفى بالذات عرفوا، وقّفوا. كانوا يدفعوا للسفارة وقّفوا. قال هادا صار مش إلكم، صار للدولة. ولمّن رحنا على يافا إحنا من شي 5، 6 سنين، رحنا ندور عالبيارات مفش أثر، يمكن صاروا بيوت. مفش أثر، مش عارفين من وين نمرق، كله اختفى، فش أثارات يعني، ولا في طرق معروفة، إلاّ المدينة يافا.
- سمعت من زوجتك بقصة تهريب سلاح سنة 1948، هل هذا صحيح؟
[عند ذكر هذه الحادثة انفرجت أسارير السيد أحمد، كأنه كان متشوقاً لسرد هذه القصة الطريفة، فترك لذاكرته الحرية في الكلام].
- هادي رايح علارملة وعاللد، منشان أشوف حسن سلامة. كان حسن سلامة، لمن أجا من ألمانيا، أجا على بيتنا، على يافا، حتى نام يمكن ليلة عنا،... بدي أروح عنده ماخد شوية سلاح أنا حاطوا بالسيارة ورا ولابس مخصوص أنا كرافات، للتمويه يعني، حتى ما يشكّوا فيّ. كان عندي بويك كبيرة، لونها أسود، بدي أروح عالرملة ومن هناك أروح عاللد، منشان أعطي لحسن سلامة،... وقّفونا في الصرفند، الصرفند كانت منطقة إنكليزية، كانوا عاملين معسكر. وقّفوني هناك، إيش صاروا يتفلسفوا ويسألوا، وقلتلهم عندي party [حفلة] هادي منشان ما يفتشوا السيارة، وصدّقوني ونفدت.
- ولم يطلبوا منك فتح الصندوق؟
- ما قالو إفتح.
- هل كنت خائفاً في تلك اللحظة، أم لا؟
- [ضاحكاً كأن الحادثة جرت للتو]، طبعاً كنت ميّت خوف.
- وكنت وحدك في السيارة؟
- لوحدي.
- وأوصلت السلاح إلى القائد حسن سلامة؟
- وصلتن لحسن سلامة، لمحطة السكة الحديد اللي بعد اللد، في راس العين.
- في النهاية هناك سؤال ملحّ يخطر في بالي: ما الذي يدفع خريج الجامعة الأميركية وابن العائلة الغنية إلى الانخراط في العمل الوطني؟
- الحقيقة في حادثة أثرت عليّ، في واحد بحري بالمنشية مرّة... أعطاه والدي سلاح منشان يعطيه لواحد تاني، لعلي ابن عمي يمكن، وانتسف هوي والسلاح تبعه،... مش قادر أتصور، تأثرت كتير ساعتها. هاي الحادثة أثرت فيّ كتير، إضافة إلى أنه الحس الوطني القوي اللي كان عنّا.
[1] عضو لجنة الطوارئ في مدينة يافا خلال حرب 1948. وقد جرت المقابلة معه في منزله ببيروت في 3 و19 آب/أغسطس 1997.