The New Leadership of the Israeli Labor Party
Keywords: 
إيهود براك
الانتخابات الإسرائيلية
حزب العمل الإسرائيلي
الأحزاب السياسية الإسرائيلية
سورية
عملية السلام
اتفاق أوسلو 1993
اتفاقات السلام
Full text: 

 

في حزيران/يونيو الماضي، جرت الانتخابات الداخلية في حزب العمل لاختيار رئيس جديد للحزب (هو أيضاً مرشحه لمنصب رئيس الحكومة في الانتخابات العامة)، بدلاً من شمعون بيرس، الذي كان أعلن في أيلول/سبتمبر 1996، مضطرّاً، نيته عدم ترشيح نفسه مرة أُخرى لرئاسة الحزب.

وقد تنافس في شأن المنصب أربعة مرشحين آتون من خلفيات متباينة، وهم: إيهود بَرَاك، رئيس الأركان السابق، الذي انضم إلى الحزب قبل أقل من 3 أعوام؛ يوسي بيلين، القديم في العمل الحزبي والسياسي، والذي ارتبط اسمه أكثر من أي شخص آخر بالخط "الحمائمي" في الحزب وباتفاق أوسلو؛ شلومو بن عامي، الأكاديمي/الدبلوماسي، وسفير إسرائيل لدى إسبانيا سابقاً، والمنخرط في العمل الحزبي والسياسي حديثاً؛ إفرايم سنيه، الطبيب العسكري، الذي انضم إلى حزب العمل بعد إنهاء خدمته العسكرية سنة 1987. وجميعهم من مواليد إسرائيل، باستثناء بن عامي، الذي ولد في المغرب وهاجرت عائلته إلى إسرائيل سنة 1955، عندما كان عمره 12 عاماً.

شارك في الانتخابات، التي جرت بالتحديد بتاريخ 3/6/1997، 11,546 عضواً من أعضاء الحزب من جميع أنحاء البلد، أي نحو 70% من أصحاب حق الاقتراع. وأسفرت نتائج التصويت عن فوز إيهود بَرَاك بالمنصب وحصوله على 50,33 %من الأصوات، بينما حصل بيلين على 28,51%، وشلومو بن عامي على 14,7%، وإفرايم سنيه علة 6,6%. ومع إعلان نتائج التصويت طويت صفحة حقبة رابين - بيرس في تاريخ الحزب، التي استمرت 23 عاماً (تبادل خلالها يتسحاق رابين وشمعون بيرس، من دون غيرهما، زعامة الحزب)، وفُتحت صفحة جديدة لا أحد يعرف تماماً ماذا سيُكتب فيها.

إن المهمات العاجلة أمام الزعيم الجديد لحزب العمل بالتحديد، وقيادة الحزب إجمالاً، هي: تأليف الفريق القيادي المصغر الذي سيتولى القيادة اليومية للحزب؛ إعادة تنظيم الحزب وتحديد أولوياته؛ بلورة مواقف الحزب وتوضيحها تجاه القضايا العامة المتعددة المطروحة على جدول الأعمال، وخصوصاً القضايا المتعلقة بالعملية السلمية. وهذه مهمات ليست سهلة في ضوء موازين القوى داخل الحزب، والخلافات في الرأي بين الشخصيات القيادية فيه بشأن الكثير من المسائل، ولا بد من مرور بعض الوقت قبل أن تتضح صورة ما ستؤول إليه الأمور. وريثما تتضح الصورة، من المفيد العودة إلى المعركة الانتخابية التي جرت بشأن رئاسة الحزب؛ ففي مجرياتها واللاعبين الرئيسيين فيها ونتائجها تكمن بذور ما سيحدث في إطار حزب العمل في المستقبل القريب.

المعركة الانتخابية

كان من المرجوّ، بعد أن فشل بيرس في قيادة حزبه إلى الانتصار في انتخاباتسنة 1996، وقبل ذلك في أربعة انتخابات عامة متتالية، أن يعلن، بعد ظهور نتائج التصويت، تنحّيه عن زعامة الحزب وأن يدعو إلى انتخاب زعيم جديد. وهذه خطوة انتظرها الجميع، بمن فيهم أنصاره، بفارغ الصبر. لكنه، بدلاً من ذلك، راح يصرح أنه لا ينوي اعتزال السياسة، وشغل نفسه، وشغل الحزب معه، بوهم حكومة الوحدة الوطنية. وعندما مرّت شهور من دون أن يتحقق هذا الوهم، ومن دون أن يبدر من بيرس ما يشير إلى أنه ينوي التنحي، فاجأ إيهود بَرَاك الجميع، في أيلول/سبتمبر 1996، بمطالبته بإجراء الانتخابات لرئاسة الحزب ضمن المهلة التي يحددها دستور الحزب لذلك، وهي 14 شهراً من تاريخ خسارة الحزب في انتخابات عامة، وأعلن أنه ينوي ترشيح نفسه للمنصب.

أحدثت خطوة بَرَاك ارتباكاً شديداً في صفوف الحزب، وخصوصاً في أوساط أنصار بيرس ولدى المجموعة القيادية "الحمائمية" اللامعة، المسماة "الثمانية"،[1]والتي لم تكن مرتاحة إلى مواقف بَرَاك "الصقرية"، بالإضافة إلى اعتقادها أن أي فرد منها أحق في المنصب من بَرَاك، الوافد حديثاً إلى الحزب. وبدأت على الفور سلسلة من التحركات والمناورات الهادفة إلى تعطيل مسعى بَرَاك، أو على الأقل إضعافه انتخابياً.

من ناحية بيرس، لم يكن في وسعه، في ظل الأجواء السائدة حزبياً وفي أوساط الرأي العام، أن يطمح إلى قيادة الحزب مرة أُخرى في الانتخابات المقبلة، ولذا اضطر إلى القول أنه لا ينوي ترشيح نفسه لرئاسة الحزب، لا سنة 1997 ولا سنة 2000. وتوجهت جهود مؤيديه، في ضوء ذلك، إلى محاولة إطالة أمد زعامته للحزب، إمّا عن طريق تأجيل الانتخابات لمنصب الرئاسة قدر الإمكان، وإمّا عن طريق استحدث منصب حزبي جديد له يمنحه مكانة عليا.

أمّا المجموعة "الحمائمية"، التي لم يتجرأ أحد منها، في البداية، على التقاط التحدي، فقد اتسمت خطواتها بالضعف والاضطراب، ثم ما لبثت أن دبت الخلافات في صفوفها وتفككت كلياً. الزعيم "الطبيعي" للمجموعة، حاييم رامون، كان يعرف أنه لا توجد أمامه فرصة لهزيمة بَرَاك في انتخابات حزبية أولية (primaries) "مغلقة"، يشارك فيها أعضاء الحزب المسجلون فقط. فقد كان له خصوم كثيرون في الحزب بسبب انشقاقه عن الحزب في فترة سابقة وترؤسه قائمة ألحقت هزيمة ساحقة بقائمة الحزب في انتخابات الهستدروت التي جرت في أيار/مايو 1994، وتعرضت مكانته لاهتزاز شديد بعد عودته إلى الحزب نتيجة إدارته الفاشلة للحملة الانتخابية لحزب العمل في الانتخابات العامة الأخيرة. وهكذا انصبت جهوده في محاولة إقناع الحزب بأن يجري انتخاب الرئيس من خلال انتخابات أولية "مفتوحة"، يشارك فيها من يشاء من المواطنين، على غرار الانتخابات الأولية للرئاسة الأميركية، وحيث تبدو الفرصة فيها أفضل. وعندما رفض مركز الحزب، في جلسته التي عقدت بتاريخ 28/11/1996 اقتراحه، أعلن أنه لن يرشح نفسه. وهنا فاجأ يوسي بيلين المجموعة، إذ أعلن نيته ترشيح نفسه لمنصب رئيس الحزب، من دون التشاور مسبقاً مع أي من أفرادها. وكان ذلك إيذاناً بانفراط عقدها. أعلنت ياعيل دايان، باختصار، أن يوسي بيلين غير ملائم لتولي منصب رئاسة الحزب (والحكومة)، وأن لا فرصة أمامه لهزيمة نتنياهو في الانتخابات المقبلة، والتحقت بمعسكر بَرَاك. وحذا حذوها، بالتدريج، معظم أفراد المجموعة، ولم يبق في صف بيلين، في نهاية المطاف، سوى حاييم رامون وأبراهام بورغ (رئيس الوكالة اليهودية). وقد أدى عوزي برعام دوراً كبيراً في إقناع معظم أفراد القيادة الحمائمية في حزب العمل بالالتحاق بمعسكر بَرَاك، المصنف كـ "صقر". ويُعتبر برعام الأب الروحي للحمائم في الحزب، وكان أعلن، بعد فترة ليست طويلة من اجتماع المركز المشار إليه أعلاه، انضمامه إلى معسكر بَرَاك، شارحاً أن بَرَاك هو صاحب الحظ الأوفر بين الشخصيات القيادية في الحزب في هزيمة مرشح الليكود في الانتخابات العامة.

وفي الوقت الذي كان بيرس يناور سعياً وراء مكاسب وهمية، والمجموعة الحمائمية تتخبط وتبحث عن مرشح، كان بَرَاك يتحرك بسرعة وتصميم، ويعزز مواقعه ويكسب أنصاراً جدداً في كل يوم. وكانت بيده أوراق قوة أجاد في استخدامها:

- ماضيه العسكري، الذي أضفى عليه هالة بطولة مكتسبة في ساحة المعركة، وهيبة سلطة، وصدقية أمنية.

- شعبية كبيرة أكدتها استطلاعات الرأي العام المتتالية.

- التفاف معظم "صقور" الحزب حوله منذ البداية.

وانضافت إلى كل ذلك خصال شخصية قد لا تكون أقل أهمية من الأوراق المذكورة في إيصاله إلى قمة الحزب: طموح لا حد له، واعتداد شديد بالنفس، وتصميم عنيد على الوصول إلى الهدف، وتخطيط دقيق واهتمام بأدق التفصيلات، ومثابرة على الجهد، ومتابعة يومية لسير الأمور. وتجلت هذه الخصال في المجهود الجبار، والمحكم التنظيم، الذي بذله بَرَاك وهيئته الانتخابية لكسب المؤيدين في جميع أنحاء البلد.

وقد حدت أوجه الشبه بينه وبين نتنياهو، في الوضع الحزبي، ومواقف سياسية معينة، والطريقة التي أدار بها معركته الانتخابية والدعائية، بعض خصومه على إطلاق لقب "توأم بيبي" عليه. وهو لقب كان يضايقه. ويبدو أكثر حياداً وموضوعية منه وصف عوزي برعام لشخصيته وكذلك ملاحظة ذكية أبداها أحد منافسيه في منصب الرئاسة، شلومو بن عامي. يقول برعام: "إنه شخص من الصعب معرفته. حاولت أن أعرفه، فوجدته شخصاً شديد التصميم، ومنغلقاً على نفسه، ومنضبطاً، وذا تكوين نفسي متباين عن تكويني (more sectionalized)، مع قدرة على التفكير وثقافة واسعة. لم أقابل شبيهاً له في الحياة السياسية. إنه رجل تفصيلات صغيرة.... وربما جاءه هذا من أيام (السييرت)،[2] التي تتطلب تخطيطاً لأدق التفصيلات.... هناك خلافات سياسية بيني وبينه، لكنها ليست مبدئية ولا تحول دون التعاون بيننا."[3] ويلاحظ بن عامي أن بَرَاك ليس زعيماً من النمط التقليدي للزعماء المبائيين المتعطشين إلى القوة، الذين لم يتورعوا عن فعل أي شيء للوصول إلى هدفهم، ويضيف: إنه بالتأكيد "غير قادر على غرز سكين وهو يبتسم."[4]

في سياق المعركة الانتخابية، التي نزل فيها إلى حلبة المنافسة - بالإضافة إلى بَرَاك وبيلين - مرشحان آخران هما إفرايم سنيه وشلومو بن عامي، عقد الحزب اجتماعاً واحداً للمركز وجلستين لمؤتمرين، أولاهما جلسة أخيرة للمؤتمر القديم (الخامس) الذي انتخب قبيل انتخابات سنة 1992، والثانية جلسة أولى للمؤتمر الجديد (السادس) الذي انتخب في نيسان/أبريل 1997.

دُعي المركز إلى الاجتماع في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 1996، من أجل حسم الخلافات في الرأي بين معسكر بَرَاك، المتشكل حديثاً، وبين مؤيدي بيرس وعدد من زعماء الحزب الآخرين، بشأن ثلاث مسائل إجرائية:

- موعد انتخاب رئيس الحزب. أصر بَرَاك، استناداً إلى دستور الحزب، على إجراء الانتخابات في 3 حزيران/يونيو 1997، بينما اقترح بيرس تأجيلها إلى نيسان/أبريل 1998، قائلاً إنه "يمكن تأجيل الصراعات والخصومات الداخلية عاماً، أو عاماً ونصف عام، والبحث في كيفية إنقاذ الدولة"،[5]وفي ذهنه، طبعاً، حكومة الوحدة الوطنية.

- موعد انتخاب المؤتمر الجديد للحزب. طالب بَرَاك بإجراء انتخابات أعضاء المؤتمر السادس للحزب في اليوم نفسه لانتخابات رئاسة الحزب، بينما طالب عدد من زعماء الحزب بأن تجري انتخابات المؤتمر الجديد قبل انتخاب رئيس الحزب، وبأن يعقد هذا المؤتمر أيضاً، قبل الانتخابات، جلسة لإجراء نقاش أيديولوجي/سياسي وللاستماع إلى آراء المرشحين للمنصب ومواقفهم.

كانت معارضة بَرَاك انتخاب المؤتمر قبل انتخاب الرئيس نابعة من خشيته أن يعمد المؤتمر الجديد، الذي سيكون متمتعاً بكامل الصلاحيات الدستورية، إلى تعديل دستور الحزب وإجازة تأجيل موعد انتخاب الرئيس.

- انتخابات "مغلقة" أو "مفتوحة". طالب حاييم رامون وعدد من أنصاره بإجراء انتخابات"مفتوحة"، بينما طالب آخرون بإبقاء الانتخابات"مغلقة".

وكان من المتوقع، في ضوء إصرار الفرقاء على مواقفهم، أن ينشب صراع عنيف في اجتماع المركز بشأن المسائل المذكورة. لكن ما حدث، فعلاً، هو أن بَرَاك وبيرس التقيا قبل الاجتماع واتفقا على تسوية تقرر بموجبها أن تجري الانتخابات في 3/6/1997، كما أراد بَرَاك، ولكن في مقابل ذلك وافق هذا على احتفاظ بيرس، حتى 15 أيلول/سبتمبر 1997، بحق قيادة حزب العمل في حكومة وحدة وطنية، واختيار ممثلي الحزب في الحكومة بالتشاور مع الرئيس الجديد المنتخب، في حال تأليف مثل هذه الحكومة قبل التاريخ المذكور أعلاه. كما تقرر إجراء انتخابات المؤتمر الجديد في نيسان/أبريل 1997، وعقد جلسة "أيديولوجية" له في أيار/مايو، وإحالة موضوع الانتخابات"المغلقة" أو "المفتوحة" على جلسة يعقدها المؤتمر الخامس للحزب في كانون الثاني/يناير 1997. وقد وافق معظم زعماء الحزب على هذه التسوية، التي وصفها حاييم رامون أنها "تسوية حمقاء"، وأقرها المركز من دون نقاش يستحق الذكر.

عقد المؤتمر الخامس جلسته في 8/1/1997، وظهر فيها، بوضوح، شدة العداوة المستحكمة بين رامون والمؤسسة الحزبية. فقد استُقبل رامون، عند صعوده المنبر لإلقاء كلمته، بصيحات الاستهجان والتحقير التي ظلت تتردد طوال مدة إلقاء الكلمة، ولم يقصّر رامون في رد التحية بمثلها: "هذا المؤتمر انتخب قبل نحو عشرة أعوام، وهو أثر من مخلفات الماضي، ولا يتمتع بأية صلاحية خُلقية أو سياسية. لماذا لم يكن ممكناً انتخاب مؤتمر جديد يعكس إرادة أعضاء الحزب الجدد أو الحقيقيين، لا [إرادة] محترفي العمل الحزبي والمؤسسة الحزبية التي لا تريد التغيير."[6] وربما لا حاجة إلى القول إن المؤتمر رفض اقتراح رامون بإجراء انتخابات"مفتوحة"، وقرر إبقاء الترتيب السابق القاضي بأن تكون انتخابات المؤتمر ورئاسة الحزب "مغلقة".

عُقد المؤتمر السادس ("الأيديولوجي") يومي 13 - 14/5/1997، في ظل خلافات بشأن مسألتين أثارتا كثيراً من الجدل والانفعالات قبل عقده: الأولى، اقتراح تقدم به أمين سر الحزب، نيسيم زفيلي، وأيده في ذلك عدد من قادة الحزب النافذين، باستحداث منصب رئيس فخري لشمعون بيرس، ومنحه مسؤوليات وصلاحيات يجري الاتفاق عليها؛ الثانية، موقف الحزب من موضوع الدولة الفلسطينية.

اقتراح زفيلي، الذي يُعتبر من أشد أنصار بيرس تعصباً له، رأى فيه بَرَاك إحياء لمحاولات استمرار بقاء بيرس في زعامة الحزب، فعارضه بشدة، ملاحظاً، بحق، أن من شأن مثل هذه الترتيب استحداث مركزيْ قوة في مستوى رئاسة الحزب والانتقاص من سلطة الرئيس المنتخب وهيبته. وفي وجه الضغوطات التي مورست عليه لقبول الاقتراح، طالب بَرَاك بتأجيل البحث في الموضوع إلى ما بعد انتخاب الرئيس الجديد، أي في جلسة المؤتمر التي كان تقرر عقدها في أيلول/سبتمبر 1997. لكن أنصار الاقتراح أصروا على البحث فيه فوراً، وعندما عرض الأمر على المؤتمر لِبتّ ما إذا كان يجب مناقشة الموضوع على الفور أو تأجيل ذلك، صوتت أغلبية 62% مع التأجيل، واعتُبرت النتيجة هزيمة كبيرة لبيرس، الذي أعلن أنه لم يعد راغباً في مثل هذا المنصب.

مسألة الدولة الفلسطينيةكانت نوقشت في اجتماعات اللجنة التحضيرية للمؤتمر وثارت خلافات حادة بشأنها. دعا "الحمائم"، وعلى رأسهم يوسي بيلين، إلى إقرار صيغة تعترف بحق الفلسطينيين في إقامة دولة فلسطينية، وعارض "الصقور"، ذلك، ووضع شلومو بن عامي صيغة حل وسط تنص على أن "يعترف حزب العمل بحق تقرير المصير للفلسطينيين، ولا يعارض في هذا الشأن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة محدودة"، وتذكر أيضاً أن الدولة الفلسطينية"لا تستطيع الاحتفاظ بجيش، وأنه محظور عليها دخول حلف عسكري أو استراتيجي مع دولة ثالثة، وأن يكون مجالها الجوي مفتوحاً أمام طائرات سلاح الجو الإسرائيلي."[7] لكن بَرَاك عارض ذكر "دولة فلسطينية"، ودعا إلى إقرار صيغة تعترف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وتترك لهم أمر "تعريف أنفسهم كما يريدون خارج حدود دولة إسرائيل، كما ستتعين بالاتفاق [بين الطرفين] في الحل الدائم."[8] وعندما لم تنجح اللجنة التحضيرية في الاتفاق على صيغة مقبولة من جميع الأطراف، قررت إحالة الموضوع على المؤتمر، الذي أقر صيغة بن عامي، بعد أن سحب بَرَاك معارضته لها. وقد علقت صحيفة "هآرتس" على هذا القرار، في افتتاحيتها بتاريخ 15/5/1997، بقولها إن حزب العمل ألغى بذلك "لا" جوهرية أُخرى، رافقت السياسة الإسرائيلية عشرات الأعوام. وأضافت الصحيفة أن "من الصعب القول إن حزب العمل اتخذ بذلك قراراً جريئاً تجاه حقيقة أن أغلبية الرأي العام الإسرائيلي، بحسب استقصاءات متعددة، باتت تسلم بقيام دولة فلسطينية."

ومع اختتام المؤتمر، الذي ألقى فيه المرشحون الأربعة - كما كان مقرراً - خطابات عرضوا فيها مواقفهم وتطلعاتهم، أصبح الطريق ممهداً أمام انتخابات رئاسة الحزب.

وفي تقويم الطابع العام للمعركة الانتخابية يمكن القول إنها اتسمت في بعض مراحلها بالحدة والعنف الكلامي، لكنها كانت إجمالاً هادئة و"نظيفة"، ولم تخلف عداوات أو مرارات شديدة، كما كان الحال في معارك التنافس بشأن الزعامة بين معسكري رابين وبيرس في الحقبة الفائتة. وهذه مسألة مهمة من زاوية انعكاساتها على العلاقات بين الفريق الذي سيقود الحزب في المستقبل القريب، وصورة الحزب في المعارضة والانتخاباتالعامة المقبلة.

شخصيات ومواقف

وضع كل من المرشحين الأربعة تشديداً متبايناً في حملته الانتخابية فيما يتعلق بالقضايا العامة المطروحة على جدول أعمال المجتمع والدولة، محاولاً، في ما شدد عليه، استثمار أفضل مزاياه، وآخذاً في الاعتبار الجمهور الذي يؤيده، وأيضاً الجمهور الذي يطمح إلى كسبه.

إيهود بَرَاك، الجنرال، شدد على موضوع الأمن، مستثمراً رصيده المتفوق في هذا المجال. أعلن أن الفرصة الوحيدة لعودة حزب العمل إلى الحكم تكمن في كسب تأييد ناخبي الوسط في الخريطة السياسية، بل حتى اليمين المعتدل والمتدينين المعتدلين، و"دَوْزَنَ" مواقفه السياسية، تجاه الحلول السلمية والقضايا الاجتماعية/الاقتصادية وعلاقة الدين بالدولة، ولهجة خطابه السياسي، التي اتسمت بتغليف المواقف بالغموض والاقتصاد في شرحها، على هذا الأساس. وصف بَرَاك، في مقابلة صحافية، حزب العمل أنه "المعسكر القومي الحقيقي"، وأضاف: "دائماً كنت أقول لرابين: لماذا نسمح لليكود نتنياهو بتبني رؤية الأمن والسلام، وهي في الواقع رؤيتنا نحن." وتابع: "ماذا جرى، هل نحن لسنا قوميين؟ يزعجني أن الليكود دخل مربضنا الحقيقي، الذي هو السلام والأمن، وهكذا نشأ الانطباع كأننا نصنع السلام على حساب الأمن. حان الوقت لتغيير ذلك."[9] وقد صرح بَرَاك أنه يعتبر نفسه استمراراً لرابين، وقلده في الحملة الانتخابية والدعائية في إبراز الجانب الشخصي أكثر من إبراز المواقف الأيديولوجية والسياسية، بل استعار شعاره الانتخابي: "فقط مع رابين ننتصر"، مع استبدال كلمة "رابين" بـ "بَرَاك".

يوسي بيلين، الذي لا يتمتع بكاريزما شخصية، وبدعم أي من معاقل القوة التقليدية في الحزب (فروع المدن الكبرى، والكيبوتسيم، والموشافيم، والهستدروت)، شدد في حملته الانتخابية على قضية السلام، مستثمراً رصيده السياسي المستمد من دوره البارز في التوصل إلى اتفاق أوسلو ومساعيه النشيطة والمثابرة لدفع العملية السلمية قدماً وتوسيع دائرة المؤيدين لها في إسرائيل. وقد ركز بيلين في دعايته الانتخابية على تفنيد فرضية بَرَاك الأساسية، وهي أن الطريق الوحيد لعودة حزب العمل إلى الحكم هو كسب تأييد ناخبي الوسط، وأنه من أجل كسب هؤلاء يجب تبني مواقف وسطية وتفادي تبني، أو إعلان مواقف "حمائمية" من شأنها تنفير شرائح واسعة منهم. وقال بيلين، في المؤتمر الصحافي الذي عقد لإعلان ترشيحه، إن ما يقترحه بَرَاك على حزب العمل هو العودة إلى تكرار تجربة أثبتت فشلها في الانتخابات المتتالية، وإن الوصفة الأسلم لكسب الانتخابات العامة هي تبني مواقف واضحة وجازمة بالنسبة إلى العملية السلمية، وصوغها بدقة، وإعلانها، والكف عن تمييع المواقف أو تغليفها بغموض مقصود. وأضاف أنه - خلافاً لبَرَاك - "لا يخوض المنافسة [بشأن رئاسة الحزب] حاملاً (مشروع ألون موسَّعاً)، أو أية مشاريع أُخرى، وإنما [حاملاً] الحل بالذات"، موضحاً أن الحل هو في "التفاهمات التي توصل إليها مع أبو مازن، ومع الحاخام يوئيل بن - نون [من زعماء المستوطنين]، ومع ممثلي الليكود."[10]

"التفاهمات" المشار إليها تنطوي، فعلاً بمجموعها، على قدر كبير من الوضوح، وكانت الورقة الرئيسية التي استخدمها بيلين من أجل كسب صدقية قيادية/سياسية في مواجهة الصدقية الأمنية التي أكسبت بَرَاك موقعه المميز، وكادت لا تخلو مناسبة من دون أن يأتي بيلين إلى ذكرها. لكن المشكلة في هذه "التفاهمات" هي أنها كانت خليطاً من مواقف يمينية و"حمائمية"، ومحصلتها ليست مرضية لا للفلسطينيين ولا لليسار ولا لليمين، وكان من الصعب إقناع أحد بأنها، فعلاً، هي "الحل" المقبول من الجميع أكثر من "مشروع ألون موسَّع"، أو أي مشروع آخر. فلا أبو مازن أكد وجودها، ولا المستوطنون قبلوا ما قبله بن - نون، ولا "الحمائم" في حزب العمل قبلوا بها، ولا الليكود اعتبر الأفراد القائل الذين وقعوا "اتفاق حزب العمل - الليكود" ممثلين عنه، بل بالعكس، اعتبرهم خارجين عن خط الحزب وعن الإجماع فيه. وهكذا بدلاً من أن تُكسب هذه الورقة بيلين مزيداً من الصدقية السياسية، أو "السلامية" - إن جاز التعبير - انتقصت منها.

شلومو بن عامي - الذي كان مفاجأة الانتخابات بالنسبة إلى الموضوعات التي طرحها، ولهجة خطابه السياسي وأسلوبه، والنتيجة التي حصل عليها في التصويت - شدد على القضايا الاجتماعية - الاقتصادية وضائقة اليهود الشرقيين، المادية والمعنوية. صرح بن عامي أن فشل حزب العمل في الانتخابات يرجع، أساساً، إلى قلة اهتمامه بالشرائح الضعيفة في المجتمع، وفشله في فهم ذهنية اليهود الشرقيين ونفسيتهم، وعدم تعاطفه مع مجموعة القيم التي توجه تفكيرهم وسلوكهم، والموقف المتعالي للنخب النافذة في الحزب تجاههم. وأضاف أن السبيل الوحيد أمام الحزب للعودة إلى الحكم هو في تغيير الأولويات في برنامجه السياسي، والتشديد على تضييق الفجوات بين الطبقات والشرائح الاجتماعية، وتبني أيضاً أنماط سلوك وتفكير أُخرى تجاه الشرقيين وثقافتهم.

"الجرح المفتوح هو التقاليد، الإحساس بالإساءة إلى التقاليد. يجب أن يفهم اليسار أنه في جوهر الأمر ليس هناك شيء هو يهودي علماني من أصل مراكشي. العلمانية هي، في أساسها، مفهوم غربي، نتيجة الثورة الفرنسية، والتحرر (Emancipation)، والنزعات العصرية الجارفة. في شمال إفريقيا لم تحدث هذه التطورات، ولذلك لم تكن هناك علمانية... وهنا [في إسرائيل] حدثت عملية عصرنة سريعة جداً لم تنجح على الإطلاق. والسبب في أن الاحتجاج والغضب موجهان ضد حزب العمل، لا الليكود، هو أن حزب العمل كان الفاعل الرئيسي في عصرنة المجتمع الإسرائيلي... ثلاثون عاماً مضت كنتم خلالها حملة لواء العصرنة، ومع ذلك لا نشعر بالرضى، ولا نشعر بأننا متساوون [معكم]، ولذلك نحن ضدكم. هذه هي المسألة. هذا هو لب المسألة"، يقول بن عامي في مقابلة بالغة الأهمية والدلالات نشرت في ملحق "هآرتس" الأسبوعي، بتاريخ 23/5/1997، تحت عنوان "الأوروبي الأخير".

ويضيف بن عامي أن لدى النخب السياسية اليسارية "حساً بالتعالي (Patronism)، أو حساً كولونيالياً جديداً (Newcolonialist). ويوجد افتراض أن الآخرين، الغرباء، لا يفهمون لغتنا. وتوجد ثقافة سياسية لجيل هو الذي يقوم باستيعاب الآخرين [....]. وأضرب مثلاً: عندما عينني شمعون بيرس رئيساً للجنة اللاجئين قال عبارة بدت لي غريبة نوعاً ما؛ يا للروعة، قال بيرس، لاجئ يمثلنا في لجنة اللاجئين. وكان هذا مربكاً جداً لي. فبحسب ما أعرفه، شمعون بيرس أيضاً لاجئ. ولكن، في نظر تلك القيادة، اللاجئون دائماً هم الآخرون، أو أولئك الذين قدموا في الهجرات الجماعية." ويتابع بن عامي أن الليكود، واليمين، والمتدينين، والطوائف الشرقية، تشع بالدفء، بينما النخب اليسارية خالية تماماً من الدفء، لأنها نخب شبعانة ومرتاحة.

في أية حال، يجمع المراقبون على أن طروحات بن عامي استُقبلت بحرارة وحماسة حيثما قيلت، وخصوصاً في الأماكن التي تقطنها أغلبية من اليهود الشرقيين، وعلى أن بن عامي نجح في إيصال الرسالة إلى جزء لا بأس به من أعضاء الحزب، والأهم من ذلك نجح في محو صورة البروفسور، أستاذ التاريخ، خريج أكسفورد، "المندمج" في النخبة السياسية الشبعانة والمسترخية. وكان أوضح دليل على ذلك حصوله على نسبة تقارب الـ 15% من أصوات الناخبين، على الرغم من أنه كان شبه مغمور حتى فترة قريبة. ولكن لا يمكن القول إن النخبة القيادية في الحزب استقبلت طروحاته بترحاب. فبحسب قول الكاتبة الصحافية حنة كيم، تحول بن عامي، في نظر عدد من أعضاء هذه النخبة، "من أستاذ تاريخ ومفكر مثير للإعجاب إلى ما يشبه مقاول أصوات شرقياً، وإلى حزبي مهنته هي أصله." ونقلت عن أبراهام شوحاط، وزير المالية في حكومة رابين، قوله: "يجب أن يترك بن عامي لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست وأن ينتقل إلى لجنة العمل والرفاه الاجتماعي. وإذا كان يقول إن قضايا المجتمع هي أهم شيء عنده وأنه بواسطتها سيهزم الليكود - فليوسخ يديه قليلاً ويسير في الطرقات مكسوّاً بالغبار." كما نقلت عن أبراهام بورغ كلاماً مشابهاً في مضمونه. وقد علق بن عامي على كلام شوحاط بقوله: "شوحاط هو مبائي [نسبة إلى حزب مباي]، يذكرني بسلالة البوربونيين [سلالة ملوك فرنسا قبل الثورة الفرنسية]. لم يتعلموا شيئاً ولم ينسوا شيئاً. والطريقة الأمثل لكسر أنماط [حزب] مباي التاريخي هي الكف عن إدخال الأشخاص في أدراج وتصنيفات. وكما لا أطلب من شوحاط أن يهتم فقط بالأمور الاقتصادية، فليوفر على نفسه المطالبة بكم الأفواه في قضايا الخارجية والأمن."[11]

أمّا إفرايم سنيه، الطبيب العسكري وابن موشيه سنيه، قائد الهاغاناه السابق وأحد أبرز زعماء الحزب الشيوعي في فترة من الفترات، فقد كان أقل المرشحين تميزاً وأقلهم إثارة للاهتمام؛ إذ إن بَرَاك حمل لواء الأمن، وحمل بيلين لواء السلام، وحمل بن عامي لواء القضايا الاجتماعية، فلم يعد ثمة لواء متميز يحمله. وقد حاول أن يطرح نفسه حامل لواءين معاً، لواء الأمن ولواء القضايا الاجتماعية، لكنه لم ينجح في تسويق ذلك.

وعلى كل، تبقى صلته الوثيقة بحزب "الطريق الثالث"، ونسبة الأصوات التي حصل عليها في انتخابات رئاسة الحزب (6,6%)، كافية لإضفاء أهمية ما عليه في القيادة الجديدة للحزب.

بعد المواجهة التي جرت في جلسة المؤتمر السادس للحزب، التي عقدت في أواسط أيار/مايو، بين معسكر بَرَاك ومعظم قادة الحزب بشأن استحداث منصب رئيس فخري لبيرس، وأسفرت عن انتصار كبير لمعسكر بَرَاك، أعرب منافسوه عن خشيتهم أن يعمد بَرَاك، في حال فوزه بزعامة الحزب، إلى إقصائهم عن مراكز القوة والنفوذ فيه. وقد سارع بَرَاك إلى تطمينهم، قائلاً: "أنا أنوي حقاً قيادة حزب العمل إلى رئاسة الحكومة. كيف نفعل ذلك إن لم نكن متحدين؟ كيف نجلب [ناخبي] شاس إذا لم يكن لدينا حاييم رامون [المعروف بعلاقته الحميمة مع زعيم شاس أرييه درعي]؟ كيف نجلب ناخبي الليكود التقليديين وناخبي (غيشر) إذا لم يكن لدينا شلومو بن عامي؟ كيف نجلب [ناخبي] ميرتس من دون يوسي بيلين؟ وكيف نجلب [ناخبي] الطريق الثالث من دون إفرايم سنيه؟ كل المخاوف [من إقصاء أشخاص] لا أساس لها." وهذا هو بالضبط - توحيد صفوف الحزب وتأليف فريق قيادي مصغر متضامن - الاختبار الأول الذي يواجهه بَرَاك، والذي يتعين عليه اجتيازه بنجاح. وحتى لحظة كتابة هذه السطور (أوائل أيلول/سبتمبر 1997) لم يكن الفريق القيادي قد تألف. وقبل أن يحدث ذلك، من الصعب التنبؤ بما ستؤول إليه أوضاع حزب العمل.

لقد تحدثنا أعلاه عن شخصيات ومواقف المتنافسين الأربعة، الذين سيكون لهم، من دون شك، دور بارز في قيادة حزب العمل الجديدة، بعموميات عريضة لا يتسع المجال لأكثر منها في مقال مخصص أصلاً للحديث عن الانتخابات التي جرت لرئاسة الحزب. لكن قد يكون من المفيد أن نختم المقال بمقتطفات موجزة من مقابلة مهمة أُجريت مع إيهود بَرَاك، في أواخر سنة 1996، يشرح فيها مواقفه تجاه أوسلو والحلول السلمية.[12] فإيهود بَرَاك، إذا ما نجح في التغلب على مرشح الليكود في الانتخابات العامة المقبلة، سيكون صاحب الكلمة العليا في رسم سياسة الحكومة الإسرائيلية بعد الانتخابات.

مواقف بَرَاك

اتفاق أوسلو: "لقد أيدت، على طول الطريق، اتفاق أوسلو والقرار الاستراتيجي المتجسد فيه، الذي هو في نظري قرار بالفصل [بين الإسرائيليين والفلسطينيين] [....]. وإذا كنا لا نريد إقامة نظام هنا يقوم على التفرقة العنصرية ولا نظام على غرار البوسنة ولا نظام يقوم على فكرة الترحيل (Transfer)، فليس هناك سبيل آخر سوى الفصل بين الجماعتين السكانيتين [....]. والنقد الذي وجهته إلى الاتفاق كان يتعلق بالتفصيلات فحسب [....]. إنه يتيح لنا بالتأكيد، بمجهود لن يكون سهلاً، السعي لمشروع ألون موسَّع."

خريطة التسوية مع الفلسطينيين: "لا أريد رسم خريطة دقيقة. لكنني أعتقد أن الحل الدائم يجب أن يشتمل على القدس موسعة وموحدة تحت سيادتنا، وأيضاً منطقة غوش عتسيون، وكتلة المستعمرات في غرب السامرة، وكتل المستعمرات في شمال السامرة، ووجود استيطاني وأمني في غور الأردن وفي أماكن حيوية في أعالي المرتفعات الجبلية. كذلك ينبغي أن يشتمل الحل على ممر واسع إلى القدس على امتداد طريق موديعين والمنحدرات إلى بيتار، وأيضاً بضعة تعديلات أُخرى على الحدود، على امتداد الخط الأخضر في أماكن مختلفة."

شروط التسوية مع الفلسطينيين: "علينا أن نصر على عدم مرابطة جيش أجنبي غربي نهر الأردن، وعلى بقاء معظم المستوطنين الإسرائيليين تحت السيطرة الإسرائيلية، وعلى أن يكون هناك تنسيق في شأن المياه، وألاّ يكون هناك تطبيق لحق العودة [للاجئين الفلسطينيين]، كذلك على ألاّ يكون هناك تطبيق واسع النطاق لهذا الحق في المناطق الواقعة خارج مجال سيطرتنا."

الدولة الفلسطينية: "إن دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة ستعقِّد كثيراً فرص [التوصل إلى] الاتفاق. إن مثل هذه الدولة لن يشكل تهديداً لوجود إسرائيل، لكنه سينشئ واقعاً ينطوي على نزعة تحرير قومية فلسطينية. كما أنه سيوجِد سلسلة من المشكلات الأُخرى المعقدة جداً [....]. إن مطلبنا يجب أن يكون كياناً فلسطينياً أقل من دولة، ويتعين علينا أن نأمل بأن ينشأ في الوقت الملائم، وبطريقة طبيعية، ارتباط كونفدرالي بين هذا الكيان وبين الأردن."

الحل مع سورية: "إن السوريين مستعدون لسلام وفقاً للنموذج المصري. ومعنى ذلك الحصول على جميع أراضي [الجولان] حتى ذرة الرمل الأخيرة فيها، وتفكيك المستعمرات، وعدم فرض قيود جوهرية على الجيش السوري، وتحقيق التطبيع على مدى جيل من العمر، أي ببطء شديد.

"وهذا النموذج غير كاف من ناحيتنا [....].

"بادئ ذي بدء، يجب أن نرى ما الذي لدى السوريين هم على استعداد لتقديمه من ناحية الترتيبات الأمنية، ونظام الإنذار، وتخفيض القوات وبنية الجيوش، والتسويات الأمنية والتسويات المتعلقة بالتطبيع. وعندئذ نجلس ونفكر في ما لدينا من استعداد للانسحاب منه.

"ومن ناحيتي، أكتفي بالصيغة التي وضعها يتسحاق رابين في حينه: (عمق الانسحاب كعمق السلام.) أو بالصيغة التي أقترحها: (عمق الانسحاب كعمق السلام ونوعية الترتيبات الأمنية) [....].

"وفي أي حال من الأحوال لا يجوز أن نوافق على خط الرابع من حزيران/يونيو 1967."

وقد علق جدعون ليفي، الكاتب في صحيفة "هآرتس"، على المواقف التي أعرب عنها بَرَاك في هذه المقابلة بقوله: "كلما انكشفت الملامح السياسية التفصيلية لبَرَاك أكثر، لاح الشبه بينه وبين من يفترض أن يكون خصمه، بنيامين نتنياهو [....]. من هوة النسيان استخرج هذا الأسبوع، في مقابلة أجراها معه أري شافيط ونشرت في ملحق "هآرتس"، مشروع ألون وقدمه بصفته برنامجه الأساسي. انتفاضة، أوسلو - لم يتغير شيء تحت شمس بَرَاك. مشروع أكل عليه الدهر وشرب، ولم يقبله، في أي وقت من الأوقات، أي طرف عربي، هو البرنامج السياسي البديل من برنامج نتنياهو... مع بديل كهذا من يحتاج، حقاً، إلى تغيير في السلطة؟"[13]

يعترف بَرَاك في المقابلة بأن خريطته تعني ضم نحو 30% ("أقل أو أكثر قليلاً") من مساحة الضفة الغربية إلى إسرائيل. وعلى الرغم من أنه في مؤتمر أيار/مايو 1997، سحب اعتراضه على صيغة القرار التي تنص على عدم معارضة قيام دولة فلسطينية"ذات سيادة محدودة"، فإنه عاد فاقترح، في أيلول/سبتمبر الماضي، إقامة "كونفدرالية إسرائيلية - أردنية فلسطينية"، معتبراً أن ذلك "أفضل من إقامة دولة فلسطينية مستقلة."[14] وإذا كان الأمر كذلك، فإن المرء لا يملك إلا أن يكرر التساؤل: من يحتاج، حقاً، إلى بديل كهذا؟

 

[1] تأسست "الثمانية" قبل 10 أعوام، وكانت تتكون في البداية من 6 شخصيات، هي: نيسيمزفيلي؛ حاييم رامون؛ أبراهام بورغ؛ يوسي بيلين؛ عمير بيريتس؛ نواف مصالحه. وانضم إليها لاحقاً إلياهو (إيلي) بن - مناحم ويونا ياهاف. واستقطبت مع الوقت أبرز حمائم الحزب، منهم عضوا الكنيست حغايميروموياعيلدايان. من أجل المزيد من المعلومات عن الثمانية، راجع: "شالوم يروشلمي" (مرثية للثمانية)، "معاريف"، 24/1/1997.

[2] "سييرتماطيه كلالي" (الوحدة العسكرية التابعة لهيئة الأركان)، وكان بَرَاك في فترة من فترات خدمته العسكرية قائداً لها، وخدم فيها أيضاً، بالمناسبة، بنيامين نتنياهو.

[3] ليلي غليلي، "بداية شراكة حذرة"، "هآرتس"، 31/12/1996.

[4] حنة كيم، "التفجير الكبير والتفجير الصغير"، "هآرتس"، 16/5/1997.

[5] "هآرتس"، 10/10/1996.

[6] المصدر نفسه، 9/1/1997.

[7] المصدر نفسه، 15/5/1997.

[8] المصدر نفسه، 14/5/1997.

[9] حنة كيم، "سلالة البوربونيين تجدد شبابها"، "هآرتس"، الملحق الأسبوعي، 6/6/1997.

[10] "هآرتس"، 4/12/1996.

[11] كيم، "سلالة البوربونيين..."، مصدر سبق ذكره.

[12] ملحق "هآرتس"، 4/10/1996. وقد نشرت "مجلة الدراسات الفلسطينية" ترجمة لها في العدد 29، شتاء 1997، ص 79 - 91.

[13] جدعون ليفي، "مع بديل كهذا"، "هآرتس"، 6/10/1996.

[14] "هتسوفيه"، 31/8/1997.