الدخل القومي الكلي
والدخل القومي للفرد
بين سنتي 1992 و1996، انخفض الناتج القومي الإجمالي الحقيقي في الضفة الغربية وقطاع غزة بنسبة 22.7%. ويعود ذلك أساساً إلى خسارة فرص العمل في إسرائيل وانخفاض التبادل التجاري بسبب سياسة الإغلاق الإسرائيلية. وقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى النشاط الذي يجري داخل الضفة والقطاع، بنسبة 3.5% خلال الفترة نفسها. وهذا الفارق الكبير بين نسبة انخفاض الناتج القومي الإجمالي ونسبة انخفاض الناتج المحلي الإجمالي يعكس الاعتماد الكبير على إسرائيل مصدراً للعمل، وذلك نظراً إلى أن الأجور التي يحصل عليها الفلسطينيون في إسرائيل تُحسب في الناتج القومي الإجمالي، لا في الناتج المحلي الإجمالي.
إن معدل إجمالي الناتج القومي الحقيقي للفرد، وهو مقياس لحساب الدخل المتولد بالنسبة إلى الفرد ويعكس، بالتالي، مستوى المعيشة الذي يمكن بلوغه، قد انخفض بين سنتي 1992 و1996 بسنبة تقدَّر بـ 38.8%. ولذلك، فإن معدلات النمو السكاني المرتفعة ضخمت تأثير انخفاض الناتج القومي الإجمالي في الأوضاع المعيشية. وهكذا، فإن الناتج القومي الإجمالي الحقيقي في الضفة والقطاع سنة 1992، مقاساً بأسعار دولار سنة 1995، كان 5 مليارات دولار، وكان عدد السكان 2.064.700 نسمة، وبالتالي كان معدل الناتج القومي الإجمالي للفرد 2425 دولاراً. وبعد حمسة أعوام، أي في سنة 1996، سيكون الناتج القومي الإجمالي - على قاعدة التقديرات الحالية للنشاط الاقتصادي - نحو 3.9 مليارات دولار، وسيكون عدد السكان 2.609.300 نسمة، وسيكون الناتج القومي الإجمالي للفرد قد انخفض إلى 1480 دولاراً.
إن تحقيق تحسن في الدخل الحقيقي للفرد يتطلب نمو الناتج القومي الإجمالي الحقيقي بوتيرة أسرع من وتيرة نمو السكان. أي أن ثمة حاجة إلى أن يكون معدل هذا الناتج الإجمالي القومي في سنة 1996 أكثر من 6% (وهو المعدل المقدر لنمو السكان في الضفة والقطاع) لرفع معدل مستوى المعيشة. وفي الحقيقة، فإنه يبدو من المرجح أن ينخفض الناتج القومي الإجمالي سنة 1996 بنسبة تبلغ نحو 6%.
التباينات بين المناطق في الدخل القومي الكلي والدخل القومي للفرد
لئن كانت الضفة الغربية أفضل حالاً من قطاع غزة، فإن الانخفاض في كل من الناتج القومي الإجمالي الكلي الحقيقي والناتج القومي الإجمالي الحقيقي للفرد كان أكثر حدة في الضفة منه في القطاع بين سنة 1992 وسنة 1996.
الضفة الغربية قطاع غزة
الناتج القومي الإجمالي الكلي: - 24.5% الناتج القومي الإجمالي الكلي: - 18.5%
الناتج القومي الإجمالي للفرد: - 39.4% الناتج القومي الإجمالي للفرد: - 37%
وقد تكون هذه الظاهرة ناتجة من ثلاثة عوامل: أولاً، التشغيل في القطاع العام، الذي كان أكثر تركيزاً في غزة، مقر السلطة الفلسطينية؛ إذ إنه جعل الخسائر في الدخل، الناجمة عن فقدان فرص العمل داخل إسرائيل، أقل تأثيراً في غزة منها في الضفة الغربية. ثانياً، المساعدات الدولية التي ركزت على غزة بصورة غير متناسبة؛ فهي ربما لطفت التأثير السلبي لإغلاق الحدود في غزة أكثر مما فعلته في الضفة الغربية. ثالثاً، فقدان الضفة الغربية تواصلها مع القدس (المركز الرئيسي للنشاط التجاري للضفة الغربية قبل سنة 1993)؛ فهو ربما سبَّب فيها اضطرابات اقتصادية أكثر خطورة.
السكان وقوة العمل والبطالة
نمت قوة العمل الفلسطينية (عدد الأشخاص العاملين أو الباحثين عن عمل) يمعدل 5.6% خلال النصف الأول من سنة 1996، وهو ما يوازي تقريباً ضعفي معدل النمو السكاني العام وعدد الذين هم في سن العمل في الفترة نفسها. وقد بلغ إجمالي عدد أفراد قوة العمل الفلسطينية في منتصف هذه السنة 521.600 فرد.
إن إيجاد فرص العمل ليس مواكباً لنمو قوة العمل. وفي حالة الضفة والقطاع، يبدو أن ارتفاع نسبة البطالة المترافق مع تدني الأجور يدفع مزيداً من الناس - رجالاً ونساء وأطفالاً - إلى البحث عن عمل للحفاظ على مستويات المعيشة العائلية. وبحلول منتصف سنة 1996، بلغ المعدل الوسطي للبطالة في الضفة والقطاع 29.2%، وهو معدل أعلى بنسبة 60% تقريباً من ذلك المسجل في نهاية سنة 1995. وبلغت نسبة البطالة في غزة 39% في مقابل 24% في الضفة الغربية.
ويبدو أن معدلات البطالة المرتفعة كانت ذات تأثير سلبي في الأجور، التي انخفضت بالأرقام المطلقة. وعندما تضافر ذلك مع مفاعيل التضخم، انخفضت القوة الشرائية الحقيقية للأجور الشهرية المتوسطة للعمال الفلسطينيين بنسب بلغت 22.8% في الضفة الغربية، و9.6% في غزة، و16% في إسرائيل.
برامج الطوارئ للتشغيل
تشير التقديرات الأولية إلى أن برامج الطوارئ للتشغيل المموَّلة من الدول المانحة، والهادفة إلى معالجة أزمة البطالة الناجمة عن إغلاق الحدود في شباط/فبراير 1996، شغلّت مباشرةً ما معدله نحو 13.400 شخص شهرياً، منذ أوائل نيسان/أبريل 1996 حتى آخر أيلول/سبتمبر 1996، وهو ما يساوي نحو خُمس عدد العمال الذين فقدوا عملهم خلال فترة الإغلاق. ولقد شغّلت مبادرات الأمم المتحدة بشأن التشغيل في الحالات الطارئة، التي أدارها برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، ما معدله 4500 شخص شهرياً خلال الفترة نفسها. وعادت هذه البرامج على عائلات العمال، خلال هذه الفترة، بما يقارب 21 مليون دولار. ولم يكن لهذه البرامج سوى الحد الأدنى من التأثير في مستوى العمالة في المدى البعيد، وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق العودة إلى العمل في إسرائيل، وازدياد تدفق التبادل التجاري عبر إسرائيل، واستثمار ذي وزن للقطاع الخاص في الاقتصاد الفلسطيني.
النساء والأطفال في قوة العمل
يبدو أن إغلاقات سنة 1996 تزامنت مع زيادة في عدد النساء في قوة العمل، بحيث ارتفع العدد المطلق للنساء في قوة العمل 8.5% خلال الفترة الممتدة من أواخر سنة 1995 حتى منتصف سنة 1996 (مقابلةً بارتفاعٍ نسبته 5.1% لدى الرجال). وربما كان هذا الارتفاع إحدى الاستجابات لارتفاع البطالة وانخفاض معدلات الأجور لدى الرجال، والضغوط الاقتصادية على الأُسر، والتغيرات الاجتماعية - الثقافية.
يبدو أن هناك أيضاً ظاهرة نمو عدد الأطفال في قوة العمل. فوفقاً لنتائج دراسة أُجريت في أواخر سنة 1995، بلغت نسبة مشاركة الفتيان (12 - 16 عاماً) في قوة العمل 11.5%، أي ما يوازي تقريباً نسبة مشاركة النساء الراشدات. وهناك تناسب طردي بين مستوى مشاركة الأطفال في قوة العمل وبين الأوضاع الاقتصادية القاسية لعائلاتهم، وهذا أمر غير مفاجئ. فلقد وجد صندوق الطوارئ لرعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة (اليونسيف)، في مسح عشوائي أجراه في ربيع سنة 1996 على 300 من الأطفال الذكور الذين دخلوا معترك العمل في غزة، أن نحو 40% منهم هم أبناء لآباء عاطلين عن العمل، و30% أبناء لآباء عاملين متأثرين بالمنحى العام لتدني الأجور. ووجدت الدراسة أيضاً أن ثلثي الأطفال في غزة بدآ العمل في غضون العام الفائت، وما يقارب 45% منهم بدأوا العمل في الأشهر الستة الأخيرة.
دخل العائلات ومستويات المعيشة
في النصف الأول من سنة 1996، انخفض الدخل الحقيقي للأجر الشهري للعامل العادي في الضفة والقطاع بنسبة 19.3%. وكذلك انخفض معدل الاستهلاك الأساسي الأُسري بنسبة 6.7%، في حين انخفضت الإنفاقات الأساسية خلال الفترة ذاتها بنسبة 9%. وبفعل تدني معدلات الأجور وارتفاع الأسعار الاستهلاكية، لم يعد الدخل الشهري للعامل العادي في أواخر سنة 1995 يكفي تغطية أكثر من 67.5% من حاجاته الأساسية، و48.7% فقط من إجمالي الإنفاق، و59.8% فقط من الإنفاق الأساسي المخفَّض، و 42.1% من الإنفاق الشامل المخفَّض بحلول منتصف السنة. وبالإضافة إلى ازدياد مشاركة النساء والأطفال في سوق العمل، فإن الأدلة تشير إلى أن الأُسر ترد على تدهور دخلها عن طريق صرف مدخراتها، واقتراض المال، والتخلف عن دفع أبدال الاشتراك في المرافق العامة، وذلك كي تتمكن من المحافظة على مستويات استهلاكها.
نظرة مستقبلية
إن الاقتصاد الكلي للضفة والقطاع يعاني حالة ركود؛ فقد انخفض الدخل الحقيقي للفرد، كما انخفض مستوى الأجر الحقيقي وحجم الإنفاقات الأُسرية، ولا سيما منذ إغلاق الحدود في شباط/فبراير. إلى ذلك، فإن الفلسطينيين يبحثون عن فرص عمل بنسب مرتفعة في تاريخ العمل. إن التوصل ظاهرياً إلى الحد من مستوى تفاقم التدهور الاقتصادي في أواخر الصيف الماضي، وتعهد السلطات الإسرائيلية السماح للمزيد من الفلسطينيين بالعمل في إسرائيل، أديا إلى زيادة إمكان أن تكون النتائج الاقتصادية لسنة 1996 أفضل مما كان قد تم التنبؤ به بعد إغلاق الحدود في شباط/فبراير. لكن ما لبث مثل هذا السيناريو أن تعطل بعد أن اندلعت أحداث العنف في الضفة والقطاع في أواخر أيلول/سبتمبر، وأدت إلى إغلاق كامل آخر، وإلى خسائر إضافية في الدخل.
إن هذا يؤكد مركزية سياسة إسرائيل إزاء العمالة وحركة السلع في تحديد معدلات النمو الاقتصادي وأوضاع سوق العمل، وبالتالي أوضاع معيشة الأُسر الفلسطينية في المديين القصير والمتوسط. إن ازدياد فرص العمل وتدفق التبادل التجاري إلى إسرائيل والبلاد الأُخرى، وأيضاً استثمارات ذات وزن للقطاع الخاص، كل ذلك يشكل الشروط الضرورية لتوليد نمو اقتصادي يكفي تحسين معيشة سكان الضفة والقطاع، ودفع تنميتهم الاجتماعية قدماً. وينبغي أن يبقى تجاوز إغلاقات الحدود، وإيجاد فرص العمل للداخلين الجدد إلى سوق العمل وللعاطلين عن العمل حالياً، المهمة المستمرة بالنسبة إلى جميع الشركاء في العملية السلمية وفي جهود التنمية في الضفة والقطاع.