Israeli Aggression on South Lebanon
Keywords: 
جنوب لبنان
إسرائيل
الصحافة
عملية عناقيد الغضب 1996
حزب الله
تهديد لبنان
Full text: 

لم تنجح آلاف القذائف التي أمطر بها شمعون بيرس لبنان، وجنوبه خاصة، تحت اسم "عناقيد الغضب" طوال أربعة عشر يوماً في نيسان/أبريل الماضي، في أن تشكل رافعة له ولحزبة في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة؛ بل على العكس، توّج حياته السياسية بمجزرة قانا التي هزّت الرأي العام العالمي، وأربكت القرار السياسي والعسكري الإسرائيلي، ووضعت حداً للعدوان الذي شرحت المصادر الإسرائيلية أهدافه ومراحله. وقد اعتبر المراقبون هذا العدوان فشلاً سياسياً وعسكرياً لحكومة بيرس قبيل الانتخابات. كما كان لإدارة الرئيس كلينتون نصيبها أيضاً من هذا الفشل، خصوصاً بعد انتهاء الانتخابات بفوز أحزاب اليمين المتطرف بزعامة بنيامين نتنياهو وتوليه مقاليد السلطة، بكل ما يحمل ذلك من تهديد للعملية السلمية التي قطعت شوطاً مهماً، وحققت نجاحاً ملموساً للثنائي كلنتون/بيرس.

وقد انتهت العملية الإسرائيلية بتدخل دبلوماسي دولي واسع، وإحلال "تفاهم" مكتوب محل تفاهم تموز/يوليو 1993 الشفهي، لم يوضع موضع التنفيذ بعد.

وفي هذا الملف عرض مقتضب لوقائع العدوان الإسرائيلي، ومواقف الأطراف الرئيسية، وتحليلات المعلقين في الصحافة الإسرائيلية، وبعض الشهادات والوثائق، بقدر ما يسمح الحيّز المخصَّص من صفحات هذا العدد.

أولاً: الوقائع والمواقف

  1. مقدمات العدوان
  • قال رئيس الأركان، الجنرال أمنون شاحك، في جلسة عقدتها لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست أمس، إنه لا يوجد اتفاق مكتوب بين إسرائيل وحزب الله، لأن التفاهمات التي جرى التوصل إليها في حينه لم تتم بواسطة مفاوضات مباشرة بيننا وبين حزب الله، أو بيننا وبين سورية، بل بواسطة الأميركيين التفاهمات تقضي بألا تعمل إسرائيل ضد القرى، غير أنها لم تنص على ألا يعمل الجيش الإسرائيلي ضد "المخربين". وأضاف: "إن نشاط حزب الله بعيد عما أعتبره تفاهمات."

("هآرتس"، 3/4/1996)

  • هدد نائب وزير الدفاع الإسرائيلي أوري أور بتغيير قواعد اللعبة في الجنوب، فقال لإذاعة الجيش الإسرائيلي: "إذا تأكدت من أن أي عملية قد تغير قواعد اللعبة، فسأنفدها على الفور." وأضاف: "من الواضح أن قواعد اللعبة هذه ليست جيدة ولا يمكن الإبقاء عليها، ومن الضروري أن يعيش السكان اللبنانيون شمالي المنطقة الأمنية في جو من الخوف أكبر مما يعيشونه الآن."

("السفير"، 10/4/1996)

  • أُطلق أمس الأول [9/4/1996] 30 صاروخاً على مستوطنات الشمال، ومنيت كريات شمونه بالقسط الأكبر من الأضرار، إذ جرح 36 شخصاً من سكانها ولحقت أضرار بـ 200 منزل. وتقدر قيمة الأضرار بمليوني شيكل.

("هآرتس"، 11/4/1996)

  • تأهب الجيش الإسرائيلي مساء أمس لإمكان القيام بعملية عسكرية، خلال فترة قريبة جداً، ضد أهداف "مخربي" حزب الله في الجنوب اللبناني.

وقالت مصادر عسكرية رفيعة المستوى إن الأمر يتعلق أساساً بأن يُشَن ضد أهداف "المخربين" هجوم جوي لا عملية برية. وشوهدت على طرق كريات شمونة أمس ناقلات دبابات متجهة نحو الشمال.

("هآرتس"، 11/4/1996)

  • قال نائب وزير الدفاع الإسرائيلي أوري أور في حديث للتلفزيون الإسرائيلي يوم أمس إن إسرائيل ستمارس ضغوطاً على الحكومة اللبنانية لكبح جماح "حزب الله". وأضاف أن "حكومة لبنان يجب أن تعلم أن عليها تحمل مسؤولياتها بشكل أكبر مما يحصل في جنوبي لبنان." كما وجه أور تحذيراً إلى سورية فقال: "إن سورية يجب أن تفهم أنها إذا أرادت البقاء مرتاحة في لبنان كما هي اليوم، فلا يمكنها السماح لـ (حزب الله) بالعمل بحرية كما يفعل اليوم."

("السفير"، 11/4/1996)

  • بدء العدوان (عملية "عناقيد الغضب")

الخميس، 11/4/1996

بدأت هجمات سلاح الجو على لبنان في ساعات الصباح المبكرة، وآذنت ببداية عملية واسعة النطاق ضد قواعد حزب الله ومراكز قيادية.

ففي الساعة 4:30 صباحاً، هاجمت طائرات هليكوبتر تابعة لسلاح الجو قواعد حزب الله في منطقة بعلبك، الواقعة تحت الحماية السورية. وقرابة السابعة صباحاً، هاجمت طائرات سلاح الجو قواعد حزب الله في قرية عين بوسوار، شمال النبطية. وفي ساعات الظهيرة، هاجمت طائرات هليكوتبر مقاتلة تابعة لسلاح الجو مركز العمليات الرئيسي لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وفي سياق هجمات سلاح الجو، أطلق جنود الجيش اللبناني نيراناً مضادة للطائرات على طائرات الهليكوبتر الإسرائيلية، ورد سلاح الجو بإطلاق النار عليهم، وهو ما أسفر عن مقتل جندي من الجيش البناني وإصابة جنديين آخرين.

("دافار" و"هآرتس"، 12/4/1996)

  • أكد رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري أن الخروج من الحلقة المفرغة لا يتم إلا بتطبيق القرار 425 وإنهاء الاحتلال. ونفى أن تكون الحكومة اللبنانية مسؤولة عما يجري. وشدد على أن الدولة لن تدخل في صدام مع المقاومة ولا مع "حزب الله" طالما أن الاحتلال موجود.

("السفير"، 12/4/1996)

  • أصدر حزب الله بياناً بشأن قصف الضاحية الجنوبية لبيروت جاء فيه: "إن حزب الله إذ ينفي مزاعم العدو في شأن استهداف طائراته مراكز عسكرية في الضاحية يرى في هذه الادعاءات محاولة يائسة من جانبه للهروب من تحمل مسؤولية استهدافه المدنيين، مهدداً بأن الحزب قادر دائماً على "إصابته في المكان الأكثر إيلاماً."

("النهار"، 12/4/1996)

  • قال زعيم الليكود، عضو الكنيست بنيامين نتنياهو: "إن الليكود يؤيد عملية الجيش الإسرائيلي في لبنان ويقف وراءها سكان الشمال."

وأضاف نتنياهو أنه يأمل بألا يكون المقصود معالجة تتم لمرة واحدة، بل صحوة من وهم الشرق الأوسط الجديد. وقال: "إن الليكود يثني على الأخذ بزمام المبادرة، وبقدر ما تتخذ الحكومة خطوات صحيحة فإننا سنؤيدها."

("يديعوت أحرونوت"، 12/4/1996)

  • استدعى وزير الخارجية، إيهود بَرَاك، سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، مارتن إنديك، إلى مكتبه ليشرح له أهداف العملية الإسرائيلية في لبنان.

وقال وزير الخارجية إن "العنوان السياسي للعملية هو الحكومة اللبنانية، والعنوان العسكري لها هو حزب الله. وليس للسوريين والإيرانيين أية علاقة بالعملية." وأوضح بَرَاك أن إسرائيل تتوقع من الحكومة اللبنانية أن تمارس سيادتها وأن تعمل على وقف النشاط العسكري لحزب الله ونزع سلاحه.

وتبين من كلام بَرَاك أن المقصود هو عملية "متدرجة" تتم على مراحل، تبعاً للتطورات ولردود حزب الله. وأكد بَرَاك أن "جميع الاحتمالات مفتوحة أمام إسرائيل من الناحية العسكرية."

("هآرتس"، 12/4/1996)

 

الجمعة، 12/4/1996

  • توسعت نيران الاعتداءات الإسرائيلية في اليوم الثاني لعملية عناقيد الغضب فغطت جميع مناطق الجنوب والبقاع الغربي والنبطية وصولاً حتى العاصمة. وأنذرت القوات الإسرائيلية سكان 41 بلدة وقرية ودعتهم إلى مغادرة مساكنهم ضمن مهلة محددة تبدأ بعدها العمليات العسكرية المباشرة ضد تلك القرى.

("السفير"، 13/4/1996)

  • ارتكبت إسرائيل مجزرة بحق سكان بلدة سحمر في البقاع الغربي، حين فاجأت المدفعية الإسرائيلية السكان في سحمر ومشغرة قبل أربع ساعات من انتهاء مهلة الإنذار الموجه إلى سكان البلدتين لمغادرتها بالقصف العنيف، مما تسبب في وقوع تسعة شهداء وأربعة جرحى معظمهم من النساء والأطفال وأربعة منهم ينتمون إلى عائلة واحدة.

("السفير"، 13/4/1996)

 

السبت، 13/4/1996

  • قُتل ضابط سوري وجرح سبعة من الجنود السوريين في هجوم شنّه سلاح الجو الإسرائيلي على بيروت. وأفادت مصادر عسكرية عليا بأن طائرات هليكوبتر سلاح الجو هاجمت نهار الجمعة [12/4/1996] أهدافاً لـ "مخربي" منظمة حزب الله من منطقة الأوزاعي في بيروت. وفي أثناء الهجوم، أُطلقت على طائرات الهليكوبتر نيران مضادة للطائرات. وأطلقت طائرات الهليكوبتر المقاتلة التابعة لسلاح الجو صواريخ على مواقع الأسلحة المضادة للطائرات وأسكتت مصادر النيران. وقُتل الضابط السوري وجرح الجنود السبعة في هذا الهجوم.

("هآرتس"، 14/4/1996)

  • نفذت المروحيات الإسرائيلية حوالي الساعة الثانية بعد ظهر أمس مجزرة جديدة قرب مدينة صور فقصفت سيارة إسعاف تابعة لكشافة "الرسالة الإسلامية" عند مفترق الحنية – المنصوري. وكانت السيارة تقل أطفالاً ونساء فاستشهد ستة من ركابها بينهم امرأتان وأربعة أطفال وجرح ثمانية بينهم خمسة أطفال.

("السفير"، 14/4/1996)

الأحد، 14/4/1996

  • نفذت طائرات هليكوبتر سلاح الجو أمس 242 غارة في لبنان، حتى الساعة 7:30 مساءً. ومن جملة الأهداف التي قُصفت، هدفان استخدما كمحطة بث لـ "إذاعة صوت المستضعفين" في البقاع. كما هاجم سلاح الجو معسكراً مهجوراً للجيش اللبناني، ولم يبلّغ عن وقوع إصابات. وقُصفت أيضاً أهداف لـ "المخربين" في قرى حبوش وكفرا وياطر.

("هآرتس"، 15/4/1996)

  • عقدت الحكومة [الإسرائيلية] مناقشة بشأن عملية الجيش الإسرائيلي في لبنان، واستمعت إلى تقارير من رئيس الأركان، الجنرال أمنون شاحك، وضباط كبار. وفي ختام الجلسة، أدلى رئيس الحكومة ووزير الدفاع، شمعون بيرس، ببيان شرح فيه سياسة الحكومة تجاه لبنان.

ومما جاء في بيان الحكومة:

  • إذا أوقف حزب الله هجماته، فسنوقف هجماتنا.
  • ليس لدى إسرائيل نية للعود إلى لبنان.
  • إن سياستنا تقضي بعدم ضرب المدنيين. وإذا كان ضرر قد لحق بالمدنيين، فذلك يعود إلى أنهم كانوا في سيارة تقلّ "مخرباً" أو "مخربين"، أو إلى أنهم وُجدوا بالقرب منهم، وإننا سنحرص على منع الخسائر في جانبنا ومنع الإضرار بالمدنيين اللبنانيين.
  • ليس لدينا نية لدخول معارك مع الجيش السوري أو مع الجيش اللبناني.
  • لقد خرج حزب الله على جميع التفاهمات التي كانت قائمة، وتسببت في تصيعد متعمد للوضع. وقد أكدت الولايات المتحدة – التي أحرزت التفاهمات – أن حزب الله لم يحترم التفاهمات التي تم التوصل إليها بواسطتها.
  • لن تسمح إسرائيل بإطلاق النار من داخل القرى، ولن تترك حزب الله يختبئ في القرى بين السكان المدنيين والقيام بإطلاق الكاتيوشا منها على مستوطنات الشمال.
  • لن يتمتع نشيطو حزب الله ومنشآته في لبنان، بما في ذلك بيروت، بالحصانة.
  • إذا هوجمت منشآت مدنية تابعة لنا، فلن تكون المنشآت المماثلة في لبنان حصينة أمام الهجمات.
  • إن إسرائيل غير مقيدة بعامل الوقت، ولديها الصبر وطول النَفَس، والقدرة على الصعود لمواصلة العمليات اللازمةحتى وقف هجمات حزب الله.
  • نحن لم نحتل الشريط الأمنى. إن السلطات اللبنانية هي التي تركت المنطقة، عملياً، مستباحة وجعلتها منطقة لنشاط "المخربين".
  • لن نتساهل إزاء الصلاحية التي تمنحها الحكومة اللبناينة لقيادات "المخربين" للعمل داخل المجال اللبناني، من دون عرقلة.

("هآرتس"، 15/4/1996)

الانثين، 15/4/1996

  • أطلق "المخربون" ما يزيد عن 50 صاروخ كاتيوشا على مستوطنات شمال إسرائيل في منطقتي إصبع الجليل والجليل الغربي. وأصيب 11 شخصاً من السكان بجروح طفيفة، معظمهم أُصيب بالصدمة من جراء الانفجارات.

وأفادت مصادر عسكرية أنه لا يزال لدى مقاتلي حزب الله المزيد من صواريخ الكاتيوشا، وأن لديهم القدرة على إطلاقها.

("هآرتس"، 16/4/1996)

  • أصدر الجيش الإسرائيلي أمس أوامر بإخلاء 25 قرية إضافية، وبذلك يصل عدد القرى التي تطلب إسرائيل إخلاءها إلى 95 قرية.

وتقدّر مصادر عسكرية عدد السكان الذين نزحوا عن منازلهم منذ بداية عملية "عناقيد الغضب" بنصف مليون نسمة.

("هآرتس"، 16/4/1996)

  • دعا عضو الكنيست أريئيل شارون الحكومة إلى "عدم تفويت الفرصة لتوسيع الشريط الأمني حتى جسور الليطاني." وقال شارون أنه يجب على إسرائيل أن تطلب من الولايات المتحدة وسورية، في إطار المفاوضات السياسية التي ستلي العملية العسكرية، الاعتراف بتوسيع الشريط الأمني. وذكر شارون أن هذا الأمر "سيمكّن من خفض عدد الجنود اللازمين لحماية مستوطنات الشمال."

("هآرتس"، 16/4/1996)

الثلاثاء، 16/4/1996

  • تميز اليوم السادس من العدوان الإسرائيلي على لبنان بتحرك دبلوماسي دولي وبإطلاق المبادرات السياسية. فالمهمة الاستطلاعية لوزير الخارجية الفرنسية في كل من إسرائيل وسورية ولبنان تحولت إلى مبادرة فرنسية. والإدارة الأميركية بعثت برسالة إلى رئيس الوزراء رفيق الحريري عبر القنصل الأميركي في جدة تشارلز داريس تتضمن "عرضاً لتسوية الوضع في لبنان." والإذاعة الإسرائيلية تحدثت عن مسودة اقتراحات جرى تسليمها إلى السفير الأميركي لدى إسرائيل مارتن إنديك لنقلها إلى الجانبين اللبناني والسوري.

("الحياة"، 17/4/1996)

  • انتهت جلسة مجلس الأمن الدولي للنظر في الشكوى اللبنانية في ليل الاثنين – الثلاثاء من دون صدور أي قرار أو بيان رسمي يدين صدور أي قرار أو بيان رسمي يدين العدوان، بل فقط بإعلان مقتضب من رئيس المجلس جاء خالياً من أي دعوة لوقف النار ومن أي ذكر للقرار 425.

("السفير"، 17/4/1996)

  • قال العميد غيورا عنبر، قائد وحدة الارتباط مع لبنان (المسؤولة عن أنشطة الجيش الإسرائيلي في الشريط الأمني): "لن نسمح بأن ينشأ وضع يوقفنا فيه رئيس الحكومة فجأة [عن مواصلة الهجوم] قبل أن ننهي المهمات"، مثيراً بذلك غضب شمعون بيرس ورئيس الأركان.

وفور سماع هذه الأقوال، أمر بيرس رئيس الأركان بالتحقق من تصريح الضابط الكبير. ووصفت أوساط مكتب رئيس الحكومة المسألة بـ "الفضيحة" حتى بعد أن تلقت من عنبر توضيحات في هذا الشأن.

("يديعوت أحرونوت"، 17/4/1996)

 

الأربعاء، 17/4/1996

  • هاجمت طائرات و طائرات هليكوبتر تابعة لسلاح الجو عشرات الأهداف في لبنان، في إثر إطلاق صواريخ الكاتيوشا على مستوطنات الشمال في ساعات الصباح. واستمر إطلاق نيران المدفعية المكثف على أهداف تابعة لـ "المخربين".

واستهدف الغارات الجوية ضواحي قرى صدّيقين وشقرا والمنصوري والكفران والقليلة ووادي أرزون وقانا وياطر، وأهدافاً جنوبي صور وشمالي كفرا وغربي جبشيت، وبرعشيت وجبشيت، وشملت الأهداف سيارات ومباني وقواعد انطلاق لشن العمليات ومواقع تُطلق منها صواريخ الكاتيوشا.

("هآرتس"، 18/4/1996)

  • ندد مجلس جامعة الدول العربية في اجتماعه الطارئ في القاهرة بالعدوان الإسرائيلي على لبنان وطالب بوقفه فوراً وإلزام إسرائيل تنفيذ القرار 425.

("النهار"، 18/4/1996)

 

الخميس، 18/4/1996

  • قُتل 11 شخصاً وجرح 10 آخرون في هجوم شنه سلاح الجو على مبنى سكني في قرية النبطية الفوقا. وينتمي ثمانية من القتلى إلى عائلة واحدة – أم وسبعة أولاد، أحدهم رضيع عمره أربعة أيام.

("هآرتس"، 19/4/1996)

  • قُتل ما لا يقل عن 100 مدني لبناني وجرح نحو 100 مدني آخر كانوا قد هربوا من منازلهم في بداية عملية "عناقيد الغضب"، بناء على أوامر إسرائيل، من جراء قيام الجيش الإسرائيلي بقصف مقر قيادة تابع لقوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل) [في قانا] في الجنوب اللبناني. فقد أصابت نيران المدفعية مخيماً للاجئين أُقيم داخل منطقة المقر في قرية قانا، الواقعة على بعد 15 كيلومتراً جنوب شرقي صور.

("هآرتس"، 19/4/1996)

  • قررت إسرائيل الاستجابة لاقتراح الولايات المتحدة الداعي إلى تطبيق وقف فوري لإطلاق النار في لبنان لمدة 48 – 72 ساعة، تجرى خلالها مفاوضات على تفاهمات لإنهاء عملية "عناقيد الغضب" وتحقيق الهدوء في لبنان.

("هآرتس"، 19/4/1996)

  • دعا رئيس الليكود، بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة شمعون بيرس، إلى "عدم التقهقر، والمضي قدماً في إكمال العملية العسكرية ضد حزب الله، على الرغم من الكارثة المؤسفة."

("هآرتس"، 19/4/1996)

  • عقدت لجنة المتابعة العليا لعرب إسرائيل جلسة طارئة، وهي تخطط للقيام بسلسلة من الأنشطة الاحتجاجية ضد الأحداث التي وقعت في لبنان. وقد جرت أمس تظاهرات أُولى، منها تظاهرة نظمتها "حداس" في الناصرة.

("هآرتس"، 194/1996)

  • بلغ مجموع صواريخ الكاتيوشا التي أُطلقت على مستوطنات الشمال أمس نحو 40 صاروخاً.

("يديعوت أحرونوت" و"هآرتس"، 19/4/1996)

  • بلغت حصيلة الأضرار الناجمة عن صواريخ الكاتيوشا منذ بداية عملية "عناقيد الغضب" 70 مليون شيكل، منها 20 مليون شيكل أضراراً مباشرة و50 مليون شيكل أضراراً غير مباشرة لحقت بالمصانع والزراعة والتجارة.

("يديعوت أحرونوت"، 19/4/1996)

 

الجمعة، 19/4/1996

  • استأنف الطيران الإسرائيلي منذ الصباح اعتداءاته على قرى القطاعين الغربي والأوسط.

وواصلت "المقاومة الإسلامية" عملياتها العسكرية.

("السفير"، 20/4/1996)

  • وصف البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله صفير المجازر الإسرائيلية في النبطية وقانا بأنها "عملية إبادة جماعية مؤلمة وبشعة".

("النهار"، 20/4/1996)

  • أمَّ شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي أكثر من 250 ألف مواطن مصري في صلاة الجمعة في الجامع الأزهر. وألقى خطبة حيّا فيها صمود الشعب اللبناني في وجه "الإجرام اليهودي"، كما حيّا المقاومة في فلسطين.

("السفير"، 20/4/1996)

 

السبت، 20/4/1996

  • استقطبت دمشق حركة دبلوماسية إقليمية ودولية واسعة النطاق بوجود وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وفرنسا وإيطاليا وإيران.

("السفير"، 21/4/1996)

  • زار دمشق وفد من "حزب الله" وعقد سلسلة اجتماعات مع المسؤولين السوريين. كما عقد الوفد لقاءً مع وزير الخارجية الإيرانية على أكبر ولايتي.

("السفير"، 21/4/1996)

  • هاجمت طائرات وطائرات هليكوبتر تابعة لسلاح الجو، في نهاية الأسبوع، أهدافاً لـ "المخربين" ومجموعات إطلاق كاتيوشا في الشريط الأمني. كما هاجمت أهدافاً تابعة لحزب الله في بضع قرى شمالي الشريط الأمني وأهدافاً فلسطينية، في مخيم الرشيدية.

("هآرتس"، 21/4/1996)

  • أُطلق على الجليل في نهاية الأسبوع عدد كبير من صواريخ الكاتيوشا. وفي يوم الجمعة [19/4/1996]، أُطلقت الكاتيوشا مرةّ كل بضع دقائق، على دفعات مكونة من خمسة – ستة صواريخ. وفي الوقت نفسه، واصل حزب الله أيضاً العمل ضد منطقة الشريط الأمنى.

("هآرتس"، 21/4/1996)

 

الأحد، 21/4/1996

  • تراجعت كثافة الاعتداءات الإسرائيلية نسبياً لتخلي المكان أمام توتر سياسي يعكس "حرب المبادرات" في ظل إصرار تل أبيب وواشنطن على أن "المبادرة الأميركية هي القناة الوحيدة المقبولة"، الأمر الذي أثار استياء فرنسا وكاد يحول زيارة وزير الخارجية الفرنسيةهيرفيه دو شاريت لإسرائيل إلى أزمة سياسية.

("السفير"، 22/4/1996)

  • تحولت بيروت إلى محطة سياسية مهمة إذ إنها استقبلت على التوالي الوزراء بريماكوف وهيرفيه دو شاريت وسوزانا أنيللي الذين عبروا عن مواقف تضامن مع لبنان وانتقدوا قصف المدنيين ودعوا إلى تطبيق القرار 425.

("السفير"، 22/4/1996)

 

الاثنين، 22/4/1996

  • شنت أربع طائرات حربية إسرائيلية ابتداء من الثانية والنصف بعد الظهر وحتى الرابعة والربع عشر غارات على تلال الناعمة جنوب بيروت استهدفت حسب الناطق الإسرائيلي مواقع تابعة لـ "الجبهة الشعبية – القيادة العامة".

وتواصل الحصار الإسرائيلي الذي تفرضه البوارج الحربية على صيدا والجنوب، فاستمر قصف طريق الساحل بين الرميلة وجسر الأُوّلي، مما أدى إلى إصابة عدد من السيارات المدنية وجرح عدد من المواطنين وإلى شل الحرك التجارية في مدينة صيدا.

واستمرت الغارات الجوية وتواصل القصف المدفعي لمنطقة النبطية وقرى القطاع الأوسط في الجنوب.

("النهار"، 23/4/1996)

 

الثلاثاء، 23/4/1996

  • تنقّل وزير الخارجية الأميركية وارن كريستوفر بين دمشق والقدس حاملاً معه تعديلات إسرائيلية على وثيقة اتفاق يجول بها وترقى إلى مستوى "الترتيبات الدائمة". وقد غادر كريستوفر العاصمة السورية بسرعة، حيث ذكرت مصادر سورية رسمية أن وزارة الخارجية السورية أبلغت الوزير الأميركي أن الرئيس الأسد لن يتمكن من استقباله مساء اليوم بسبب استقباله رئيسة الوزراء الباكستانية التي تصل إلى دمشق مساءً في زيارة رسمية.

("السفير"، 24/4/1996)

  • حدد رئيس الجمهورية الياس الهراوي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مطالب لبنان بإدانة إسرائيل ومعاقبتها على الجرائم التي ارتكبتها ضد لبنان واللبنانيين. وقال إن لبنان يطلب: أولاً: إدانة إسرائيل ومعاقبتها على الجرائم التي ارتكبتها ضد اللبنانيين وضد لبنان بمؤسساته وقدراته وسيادته وضد الإنسانية.

وهنا لا بد لي من أن أذكر بأنه ما عدا الشهداء الذين سقطوا من الجيش والقوى الأمنية اللبنانية فإن عدد الضحايا والشهداء بين صفوف المدنيين بلغ حتى ساعة مغادرتي أرض لبنان 175 قتيلاً منهم 109 قتلى في مجزرة قانا وحدها أمّا عدد الإصابات فيربو على الألف، والجرحى الذين لا يزالون يعالجون في المستشفيات جاوزوا الأربعماية، بينما عدد المهجرين من أرضهم وبيوتهم فقد ارتفع إلى خمسماية ألف.

ثانياً: تطبيق القرار 425 فوراً بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي تحتلها في الجنوب والبقاع الغربي إلى ما وراء حدودنا المعترف بها دولياً، وعلى الأثر تتولى قواتنا الأمنية مسؤولية الأمن هناك. ولطالما أعلنا: لتنسحب إسرائيل والدولة اللبنانية هي الضامنة للأمن في تلك المناطق .

ثالثاً: إقرار التعويضات اللازمة على الكوارث والأضرار التي حلت بلبنان يفعل الاعتداءات الإسرائيلية. وتقوم لجان مختصة بتحديد هذه الأضرار التي تفوق في النظرة الأولية مئات الملايين من الدولارات الأميركية وتقويمها.

("النهار"، 24/4/1996)

 

الأربعاء، 24/4/1996

  • تميز اليوم الرابع عشر للعدوان الإسرائيلي بتركيز غارات الطيران على الطرق والعبّارات التي تربط قرى مناطق النبطية والقطاع الأوسط وإقليم التفاح، حيث شن الطيران الإسرائيلي النفاث والمروحي 41 غارة بعد الظهر وحتى ساعات المساء على قرى القطاعين الغربي والأوسط ومحيط مدينة صور، وأكثر من اثنتين وعشرين غارة على محيط مدينة النبطية. وواصلت البحرية الإسرائيلية لليوم السادس على التوالي قصف الطريق الساحلية الدولية بين بيروت والجنوب.

("السفير"، 25/4/1996)

 

الخميس، 25/4/1996

  • تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد منتصف الليل مشروع قرار عربياً يندد بالعدوان الإسرائيلي ويدعو إلى وقفه فوراً ويؤيد حق لبنان في الحصول على تعويضات مناسبة. كما يدعو إلى انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي اللبنانية وفقاً للقرار 425. وتم تبني القرار بتأييد مندوبي 64 دولة وامتناع مندوبي 65 دولة عن التصويت، فيما رفضته الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.

("السفير"، 26/4/1996)

  • أحصت قوات الطوارئ الدولية وقوع 523 غارة إسرائيلية منذ الحادي عشر من الشهر الحالي حتى يوم أمس (24/4)، وإطلاق 23 ألف قذيفة مدفعية إسرائيلية على الأراضي اللبنانية قابلها إطلاق المقاومة 1100 صاروخ على أهداف إسرائيلية.

("السفير"، 26/4/1996)

 

الجمعة، 26/4/1996

  • أُعلن عند الساعة السادسة من مساء أمس في كل من بيروت والقدس "التفاهم" على وقف إطلاق النار، اعتباراً من الساعة الرابعة من فجر يوم السبت (27/4) وقال رئيس الحكومة، رفيق الحريري، في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع وزير الخارجية الفرنسي هيرفيه دو شاريت، إن العدوان أوقع نحو مئتي قتيل مدني معظمهم من النساء والأطفال، وأكثر من 400 جريح معظمهم من النساء والأطفال وهناك الكثير من الدمار في الجنوب، وحوالي نصف مليون مهجر. وأضاف أن الاتفاق سيحترم، لكن الحل الأخير والدائم هو في انسحاب إسرائيل من لبنان.

وأعرب دو شاريت عن غبطة فرنسا للتوصل إلى اتفاق سيسمح بعودة المهجرين إلى ديارهم، ويضيّق حلقة العنف، ويحمل الأمن لكل طرف، ويضمن سلامة المدنيين على طرفي الحدود.

("النهار"، 27/4/1996)

  • أفاد بيان للمقاومة الإسلامية أنها أطلقت 14 دفعة صواريخ على 12 مستوطنة بين التاسعة وخمس دقائق صباحاً والسادسة من مساء أمس.

("السفير"، 27/4/1996)

  • أكد ناطق باسم وزارة الخارجية السورية أن التفاهم الذي تم التوصل إليه "يوقف الاعتداء الوحشي على حياة السكان المدنيين من دون المساس بحق المقاومة الوطنية اللبنانية المشروع في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وأوضح الناطق أنه كان مفهوماً لدى الولايات المتحدة وإسرائيل "أن هذا التفاهم ليس بديلاً عن الحل الدائم في إطار تحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة."

("السفير"،27/4/1996)

  • اعتبر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في مؤتمر صحفي عقده عقب التوصل إلى تفاهم وقف النار أن "روح التفاهم الذي أوقف العدوان الإسرائيلي ومضمونة جيدان، وإنْ لجهة حماية المدنيين اللبنانيين من استهداف العدو الصهيوني لهم، أو لجهة حق الشعب اللبناني في مقاومة الاحتلال." وأكد "التزام الحرب بروح ومضمون التفاهم بمعزل عن نصه الذي وردت فيه مصطلحات لا نقرها ولا نؤمن بها." وقال إن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها السياسية والعسكرية من العدوان.

("السفير"، 27/4/1996)

  • في القدس المحتلة، أعلن وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر، في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، شمعون بيرس، اتفاق "التفاهم" وقال:

"1 -إنه تفاهم مكتوب وجرى الاتفاق على التفاصيل بين إسرائيل ولبنان وعبر مشاورات مباشرة مع سورية، وعليه يفترض أن يدوم أكثر ويكون أقل عرضة لسوء التفسير.

"2 -إنه يمنع بشكل صريح إطلاق قذائف كاتيوشا أو أية أسلحة أُخرى على إسرائيل. وفي المقابل تلتزم إسرائيل عدم إطلاق النار على المدنيين أو أهداف مدنية في لبنان.

"3 - إن استخدام المناطق الآهلة بالمدنيين قواعد لانطلاق الكاتيوشا محظور كلياً حسب التفاهم الجديد.

"4 - ينص التفاهم الجديد على تشكيل لجنة مراقبة لتطبيق التفاهم ولمعالجة الشكاوى وتتألف من ممثلي الولايات المتحدة وفرنسا وسورية ولبنان وإسرائيل. إضافة إلى تشكيل مجموعة استشارية تضم الاتحادالأوروبي وروسيا وأطرافاً أُخرى معنية لهدف محدد هو المساهمة في احتياجات إعادة البناء في لبنان."

واعتبر كريستوفر أن قصر نص الاتفاق يدل على سعي الأطراف إلى صياغة "تفاهم محكم" مشدداً في الوقت ذاته على أنه لا يشكل "بديلاً من حل شامل ودائم أو بديلاً من اتفاق سلام بين إسرائيل ولبنان." وأضاف إن الولايات المتحدة "تقترح كجزء من هذا التفاهم أن تستأنف المفاوضات بين إسرائيل ولبنان وإسرائيل وسورية خلال وقت قصير."

أما بيرس فقد وصف التفاهم الجديد الذي عرضه على المجلس الوزاري المصغر قبل أن يخرج إلى الصحافيين مع كريستوفر ليزف "أنه صبي" بأنه "الأول من نوعه"، قائلاً إنه "يقوي إسرائيل ويقوي أمنها" مضيفاً إنه "لا يضع قيوداً على تصرف الجيش الإسرائيلي في لبنان بل يتضمن إيضاحات ويمنح إسرائيل حرية الحركة." ونفى بيرس وجود اتفاقات سرية ضمن هذا التفاهم لكنه أكد وجود "تفاصيل تفاهم معين سيعلن عنها في وقت ما."

("الحياة"، 27/4/1996)

ج) بعد وقف إطلاق النار

السبت، 27/4/1996

  • أبرق الرئيس الأميركي بيل كلنتون إلى رئيس الجمهورية الياس الهراوي مهنئاً بتوقيع "التفاهم" مؤكداً أن ذلك سيسهل التوصل إلى "اتفاق أشمل يؤدي في جزء أساسي منه إلى إعادة البناء الاقتصادي لجنوب لبنان." وقال: "في هذا المجال يسرني إعلامكم أننا شكلنا مجموعة استشارية لدراسة هذه المسائل." وأكد أن لسورية ولبنان دوراً مهماً في "تأمين هذا التفاهم وفي القيام بكل ما يمنع حزب الله من الاعتداء بالصواريخ على إسرائيل."

("السفير"، 28/4/1996)

  • أشاد وزير الخارجية الإيراني علي أكبر ولايتي بصمود "حزب الله" في الحرب، الذي أفشل الأهداف الإسرائيلية بالقضاء على الحزب في مهلة "ثلاثة أيام". وقال إن الحزب "سيستمر في مقاومة الاحتلال حتى الانسحاب الإسرائيلي الكامل."

("السفير"، 28/4/1996)

  • عرض شمعون بيرس أمس أمام المجلس الوزاري الأمني قائمة طويلة من مزايا التفاهمات الجديدة، التي تم إعدادها في مكتبه. [1]

("هآرتس"، 28/4/1996)

  • توصلت الولايات المتحدة وإسرائيل إلى سلسلة من النقاط المتوافق عليها بشأن حرية عمل الجيش الإسرائيلي في الشريط الأمني في لبنان. وضُمّنت النقاط المتوافق عليها في رسالة ملحقة أرسلتها الولايات المتحدة إلى إسرائيل في موازاة اتفاق التفاهم الجديد لوقف إطلاق النار في لبنان. وصيغت الرسالة خلال محادثة جرت أمس الأول بين رئيس الأركان وأعضاء الطاقم الأميركي.

وتحدد الولايات المتحدة في الرسالة المحلقة تفسيرها لحرية عمل الجيش الإسرائيلي، رداً على هجمات حزب الله. وجاء في الرسالة أن "حق الجيش الإسرائيلي في الرد معترف به على أوسع وجه."

بالإضافة إلى الرسالة الملحقة، تم أيضاً التوصل إلى تفاهمات شفهية بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن قواعد عمل لجنة المتابعة بعد تطبيق الاتفاق. ووافقت الولايات المتحدة على طلب إسرائيل بأن تُتخذ جميع قرارات اللجنة في ما يتعلق بالشكاوى ضد الانتهاكات بالتوافق العام لا بالتصويت، وبذلك سيتم تجنب نشوء حالة تبقى إسرائيل فيها كأقلية.

وتم التوصل إلى سلسلة موازية من التفاهمات شفهياً بين الولايات المتحدة وسورية، من دون أن تصاغ في رسالة، كما هي الحال مع إسرائيل. وعلى حد قول مصادر إسرائيلية، فقد وعدت سورية الولايات المتحدة بكبح حزب الله والحرص على تحقيق الهدوء.

("هآرتس"، 28/4/1996)

  • أدى اتفاق وقف إطلاق النار على الحدود الشمالية إلى ردات فعل متشددة من جانب المعارضة.

واتهم طاقم الردود، التابع لليكود، الحكومة أمس بـ"التخاذل المطلق والمشين". وجاء في بيان نشرته الناطقة بلسان الليكود: "إن الدلالة العملية لترتيبات وقف إطلاق النار التي وقعها بيرس هي أن الحكومة الإسرائيلية سلّمت المسؤولية عن أمن الجليل إلى سورية وحزب الله بصورة رسمية."

وكذلك أدان رئيس حزب موليدت، رحيعام زئيفي، الحكومة "التي كنا متوجّسين منها." وأضاف: "طوال ما يزيد عن أسبوعين، تحمّل سكان الشمال المعاناة أملاً بالتغيير، والآن يتبين أن تضحيتهم كانت عبثاً."

("يديعوت أحرونوت"، 28/4/1996)

 

الأحد والاثنين، 28 و29/4/1996

  • أعلن رئيس الحكومة رفيق الحريري أن التفاهم الذي تم التوصل إليه ليس تفاهماً دائماً. ولا يغني عن السعي إلى تطبيق القرار 425، كما أنه لم يحد من قدرة المقاومة على المواجهة. وأكد الحريري في مؤتمر صحفي عقده في القصر الحكومي أن المشروع المضاد لنهوض لبنان لم ينجح وأن لبنان سيخرج أقوى مما كان. وأِشار إلى إمكانية التفاهم مع المقاومة، معتبراً الاصطدام بالمقاومة "مطلباً إسرائيلياً لن ننفذه."

("السفير"، 30/4/1996)

الثلاثاء، 30/4/1996

  • نفذت المقاومة هجومين ضد موقعين لقوات الاحتلال والميليشيات المتعاملة معها، وذلك للمرة الأُولى منذ التوصل إلى تفاهم وقف إطلاق النار، من دون ان تعلن أي جهة مسؤوليتها عن العمليتين.

("السفير"، 1/5/1996)

جهود المجتمع الأهلي الفلسطيني

في إغاثة النازحين نتيجة العدوان

 

 يشكل الفلسطينيون في لبنان نسيجاً اجتماعياً غير منفصل عن نسيج المجتمع الذي يعيشون في كنفه، على الرغم من خصوصية وضعهم المعروفة. وهم شديدو التأثر، على نحو خاص، بالاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، لأنها تمس جوهر قضيتهم ومستقبل وجودهم. ولذلك كان لهم نصيب في التضامن والتعاضد مع ضحايا مع ضحايا العدوان الإسرائيلي الأخير.

في منطقة صور: استضاف كل من مخيم الرشيدية نحو 60 عائلة لبنانية، ومخيم البص نحو 35 عائلة، ومخيم برج الشمالي نحو 50 عائلة. كما استضافت تجمعات فلسطينية أُخرى عدداً من العائلات.

وفي منطقة صيدا: استقبل الفلسطينيون قسماً من اللبنانيين النازحين في 47 تجمعاً، من بينها ثلاث مدارس تابعة للأونروا.

وفي منطقة بيروت: استضاف كل من مخيم شاتيلا 133 عائلة جنوبية، من بينها نحو 31 عائلة فلسطينية، ومخيم برج البراجنة 65 عائلة لبنانية، ومخيم مار الياس 35 عائلة. وتولت مؤسسة "بيت أطفال الصمود" الإشراف على تنظيم جهود الإغاثة في مدرسة الطريق الجديدة الرسمية للبنين، التي لجأ إليها 26 عائلة جنوبية.

وفي منطقة الشمال: استقبل مخيما نهر البارد والبداوي ما يزيد عن 80 عائلة من منطقة صور، بينها عدد من العائلات الفلسطينية.

المؤسسات الفلسطينية المساهمة في الإغاثة: بيت أطفال الصمود ونادي الحولة في مخيم البرج الشمالي والمساعدات الشعبية للإغاثة والتنمية والنجدة الاجتماعية ومؤسسة غسان كنفاني الثقافية واللجان الشعبية وجمعية إنعاش المخيم والجمعية الوطنية للخدمات الطبية والاجتماعية والتأهيل المهني واللجنة الوطنية الفلسطينية لدعم صمود الشعب اللبناني (بالإضافة إلى جمعية التعاون في جنيف).

أشكال الدعم: الاستضافة؛ تقديم الحصص التموينية والبطانيات والملابس والأغطية؛ إحصاء للنازحين؛ التبرع بالدم والمعاينة الطبية والأدوية المجانية (في البقاع، مثلاً: 175 وحدة دم، ومعاينة 870 حالة في بلدة عيتانيب قرب مشغرة، ونحو 5000 حالة في بلدة القرعون)؛ تنظيم الأنشطة التربوية للأطفال؛ التبرعات النقدية (مثلاً: أكثر من 5 ملايين ليرة لبنانية من مخيم شاتيلا، و18 مليون ليرة لبنانية من مخيمي الشمال)؛ مواد إغاثة وأدوية بقيمة مليون ونصف مليون دولار.

 لقد تميز مخيم شاتيلا بين سائر المخيمات الفلسطينية بأنه استضاف أكبر عدد من العائلات اللبنانية المهجرة. فهل يصبح هذا المخيم، الذي كان رمزاً للاقتتال فيما مضى، رمزاً جديداً للتضامن وحُسن الجوار والعيش المشترك الكريم؟

 

الاثنين والثلاثاء، 6 و7/5/1996

  • جاء في تقرير التحقيق الذي أجراه المستشار العسكري للأمين العام للأمم المتحدة الجنرال الهولندي فرانك فان كابن بشأن مجزرة قانا أنه "في وقت الذي لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال كلية، فليس من المحتمل أن يكون قصف مجمع الأمم المتحدة جاء نتيجة لأخطاء فنية جسيمة أو أخطاء إجرائية." وقال التقرير: "خلافاً للنفي المتكرر فإن طوافتين إسرائيليتين وطائرة من دون طيار كانت موجودة في منطقة قانا وقت القصف."

("السفير"، 8/5/1996)

  • رفضت وزارة الخارجية الأميركية نتائج تقرير التحقيق الدولي بشأن مجزرة قانا. وقال المتحدث باسم الوزراة نيكولاس بيرنز: "برغم كل هذا الحديث الذي دار خلال الأيام القليلة الماضية عما حدث، لم يجر حديث يذكر عن حزب الله."

("السفير"، 8/5/1996)

 

الخميس، 9/5/1996

  • تعرضت مرتفعات إقليم التفاح صباحاً لسقوط 15 قذيفة مدفعية إسرائيلية. وأعلنت المقاومة الإسلامية أن إحدى مجموعاتها شنت هجوماً على دورية لميليشات لحد التابعة لإسرائيل.

("السفير"، 10/5/1996)

 

ثانياً: العدوان في الصحافة العبرية

 

قبل بداية العدوان، ولا سيما في إثر العمليات الاستشهادية في فلسطين والجنوب اللبناني، ساد في إسرائيل إحساس بتأكل "القدرة على الردع" لدى الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية.

كانت هذه المسألة من أبرز المسائل التي تناولتها مقابلة مع قائد المنطقة الشمالية الجنرال عميرام ليفين نشرتها صحيفة "معاريف" في 5 نيسان/أبريل الماضي. في المقابلة، أكد ليفين أهمية "القدرة على الردع"، واعترف بتأكلها لدى الجيش الإسرائيلي، لكن بصورة مواربة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه أفصح عن نية الجيش استعادة هذه القدرة، إذ قال: "ينبغي لنا أن نجعل حزب الله يشعر بشدة بطشنا... حتى الحد الأقصى"، وسيتضح "أن ليس في هذه المرحلة تنازلات للسوريين" و "أن الجيش الإسرائيلي لن يتنازل لحزب الله."

كانت خطة عملية "عناقيد الغضب" محفوظة لدى هيئة الأركان الإسرائيلية قبل شهور من البدء بتنفيذها، كما كشف، فيما بعد، أكثر من مصدر إسرائيلي. وقد أُرجئ التنفيذ لأسباب محددة، منها ما يتعلق بعيد الفصح اليهودي، ومنها ما كانت واشنطن تقوم به من اتصالات سياسية ودبلوماسية. ومنذ اليوم الأول للعملية، أخذ القادة والمحللون الإسرائيليون يتحدثون عن "قواعد جديدة للعبة" تفرضها العملية. ولعل أول من أطلق هذا التعبير كان نائب وزير الدفاع أوري أور، وتحددت القواعد الجديدة بقرار شمعون بيرس إرسال سلاح الجو لقصف بيروت، في خطوة لا سابق لها منذ سنة 1982 (ألوف بن، هآرتس"، 14/4/1996. أنظر أيضاً: أليكس فيشمان، "قواعد جديدة للعبة"، "يديعوت أحرونوت"، ملحق السبت، 12/4/1996، ص 1 و22).

من أبرز الأمثلة لمقولة "تغيير قواعد اللعبة" ما كتبه المحلل السياسي المعروف زئيف شيف ("هآرتس"، 11/4/1996) عشية العدوان تماماً. يقول شيف إن الهدف الأساسي لعمل عسكري منتظر في الجنوب اللبناني ليس احتلال ارض أو توسيع الحزام الأمني، كما أنه ليس الانتقام بسبب الهجمات المتواصلة التي يشنها حزب الله على مستوطنات الجليل. "إن التقدير السائد في أوساط المؤسسة الأمنية هو أنه من دون تغيير في قواعد اللعبة، ثمة شك في إمكان نجاح هذا العمل [العسكري]." ويضيف شيف: "إن المقصود هو حرب استنزاف متواصلة، وهدف إسرائيل فيها هو التوصل في كل مرة إلى فترات توقف أطول في هذه الحرب وتقليص عدد الإصابات في قواتنا قدر الإمكان، وكذلك في قوات جيش لبنان الجنوبي."

ويبدو أن العملية العدوانية "عناقيد الغضب" انطلقت في ظل إجماع صهيوني تمثل خصوصاً في: استعادة "القدرة على الردع" و"تغيير قواعد اللعبة". وشمل هذا الإجماع مختلف الاتجاهات السياسية، من أقصى "اليمين" إلى أقصى "اليسار"، من زعيم "موليدت" (حزب الترانسفير) رحبعام زئيفي، "الصقري"، حتى زعيم "ميرتس" المشاركة في الحكم يوسي ساريد، "الحمائمي". كما أنه (الإجماع) انعكس في الصحافة العبرية كلها، "اليسارية" منها و"اليمينية" و"المستقلة". وقد حجب الإجماع التنافسات الحزبية والاعتبارات المتعلقة بالانتخابات الوشيكة، إلى درجة كبيرة. 

تطورات العدوان

في العدوان الأخير، وبحسب ما أعلن رئيس استخبارات الجيش الإسرائيلي الجنرال موشيه يعلون، نفذ سلاح الجو أكثر من 2500 غارة على لبنان، وأطلقت المدفعية أكثر من 21,000 قذيفة. وأسفرت هذه الاعتداءات عن استشهاد ما يتراوح بين 170 و200 مدني، 110 مهم في قانا، وأكثر من 50 مقاتلاً من حزب الله، بالإضافة إلى خمسة جنود من الجيش اللبناني وجنديين من الجيش السوري بحسب ما قال يعلون ("هآرتس"، 28/4/1996).

لكن هذه الأرقام المجردة لاتفصح عن مغزاها من تلقاء ذاتها. فقد كرّر قادة الجيش الإسرائيلي في أثناء العدوان الزعم أنهم إنما يشنون حرباً "جراحية دقيقة" وإلكترونية "رقمية" (digital)، يستعملون فيها أحدث ما توصلت التكنولوجيا العسكرية الأميركية إليه و"التحسينات" التي أدخلتها الصناعة العسكرية الإسرائيلية نفسها على الوسائل القتالية. ونشر صحافي إسرائيلي قائمة بهذه الوسائل وتفصيلات بشأنها. وتضمنت القائمة معلومات عن سبع وسائل قتالية حديثة، استخدمها الجيش الإسرائيلي في عدوانه الأخير، وهي: جهاز الإنذار المبكر لتحديد منصات إطلاق صواريخ الكاتيوشا، ومدفع الـ "دوهير" ("السريع") المحسن عن مدفع م 109 من عيار 155 ملم، و"الذخيرة الذكية" الموجهة بالليزر، والذخائر الإلكترونية البصرية ذات الكاميرا، وطائرة الاستطلاع المطوَّرة عن طائرة البوينع 707، والطائرة من دون طيار، وأفلام الفيديو (أفيحاي بكر، "معاريف" 19/4/1996).

إن اللافت هنا هو ما رافق العدوان وتبعه من تبججات لدى وصف الحرب الأخيرة بـ "الجراحية" و"الرقمية".. إلخ، والحديث عن المعدات الإلكترونية والذخائر "الذكية" وإصابة الأهداف "بدقة متناهية"، وإدخال الصواريخ الموجهة بأشعة الليزر إلى "نوافد مقرات قيادة" المقاومة، وصولاً إلى الحديث عن "جيش صغير وذكي" ينفذ عملية "عناقيد الغضب". وهذا أمر ينبغي أن يكون لافتاً لنا من زاويتين على الأقل:

الزاوية الأُولى: إذا كان مثل هذه المزاعم صحيحاً (ومن المرجح أن جزءاً منها على الأقل صحيح)، فإن الحديث عن ارتكاب "أخطاء" في سلسلة المجازر التي وصلت ذروتها في قانا هو حديث لا أساس له بتاتاً.

أما الزاوية الثانية فهي أن استخدام مثل هذه الأسلحة، كما حدث خلال العدوان، إلى جانب الحديث عنها كجزء من الحرب النفسية، هما الوسيلة التي لجأ الجيش الإسرائيلي إليها لتحقيق هدف العدوان المتعلق باستعادة ما يسميه "القدرة على الردع".

ويحمل هذا على الترجيح بأن يكون الجيش الإسرائيلي استخدم أسلحته المتطورة في إصابة أهداف مدنية "بدقة متناهية" كجزء من "الضغط" الذي مارسه من أجل تحقيق الأهداف السياسية للعدوان. فالمصادر العبرية ظلت تجمع خلال مختلف مراحل العدوان على أنه ليس في إمكان الجيش الإسرائيلي، مهما تبلغ قدرته، أن يقضي على مقاومة تعتمد أسلوب حرب الغوار في مواجهتها لهذا الجيش. كما أنها أجمعت على أهمية "الضغط" على المدنيين لتحقيق أهداف العدوان، إن من خلال دفع مئات الآلاف منهم إلى الانتقال من الجنوب إلى بيروت وسواها، أو من خلال ضرب البنية التحتية وفرض الحصار البحري...إلخ.

لكن هذه المصادر لم تفصح، طبعاً، عن استعمال المجازر المتعمدة وسيلة في "الضغط" على المدنيين، واستعادة "القدرة على الردع" و "تغيير قواعد اللعبة". ومع ذلك، فإن الحديث الصحافي الذي أدلى به رئيس الأركان أمنون شاحك غداة مجزرة قانا يشي بأن المجزرة إنما هي جزء من الحرب. فقد قال شاحك في حديثه إن هدف عملية "عناقيد الغضب" كان تذكير حزب الله بــ "الثمن الذي سيدفعه الحزب والمنطقة التي يعمل منها" إذا استمر في قصف الجليل. كما اعتبر أن ما حدث في قرية قانا يمكن أن يحدث مرة أُخرى غداً "بالتأكيد". (نص الحديث الذي أجراه أليكس فيشمان، في: "يديعوت أحرونوت"، 23/4/1996).

لقد كانت مأساة قانا بداية النهاية لـ "عناقيد الغضب"، ولو موقتاً. وهي شكلت بالنسبة إلى إسرائيل "منعطفاً حاسماً"، ليس لمجرد أنها وقعت، بل لأنها فاقت في وحشيتها توقعات العدو نفسه وجرعة "الضغط" التي أرادها منها، فانقلبت عليه. وفي أية حال، فإنها جسّدت وخدمت العقيدة العسكرية الصهيونية، إذ أوضحت المدى الذي لا يتورّع "جيش صغير ذكي" عن الوصول إليه كي يستعيد "قدرته على الردع"! 

النهاية: "عناقيد الحصرم" 

لقد بدأ العدوان بعناقيد الإجماع الصهيوني، وتواصل بعناقيد المجازر، كما رأينا. لكنه انتهى بعناقيد "الحصرم" (كما لاحظ ميرون بنفنستي، "هآرتس"، 28/4/1996). بيقى أن نعرف من هم الذين سيضرسون.

مع اقتراب وقف إطلاق النار، انفرط عقد الإجماع، وعادت الاعتبارات الانتخابية إلى الواجهة من جديد، وعجت الصحف العبرية بآراء السياسيين والعسكريين والمحللين. فنُشر فيض من التقويمات للعملية، سلباً وإيجاباً على حد سواء. ونظراً إلى ضيق المجال، فإننا سنحاول فيما يلي تقديم عرض سريع لهذه التقويمات من خلال طريقتين.

أولاً: نماذج من عناوين التحليلات أو التصريحات التي تناولت تقويم العداون. هنا، نجد، على سبيل المثال، العناوين التالية: "حزب الله انتصر في المعركة" (عوديد غرانوت، "معاريف"، 19/4/1996)؛ "سلاح الجو لا ينجح في التغلب على صواريخ الكاتيوشا" (زئيف شيف، "هآرتس"، 21/4/1996)؛ "الأسد هو الرابح الأساسي" (ألوف بن "هآرتس"، 19/4/1996)؛ "جميع الأطراف تزعم الانتصار" ("هآرتس"، 28/4/1996)؛ "المستوطنات أصبحت محمية على نحو أفضل [لكن] الفشل الواضح... هو إبقاء حرس الثورة الإيراني في لبنان" (زئيف شيف، "هآرتس"، 28/4/1996) ؛ "... كان ينبغي لعناقيد الغضب أن تضمن السيطرة على الجنوب اللبناني أو أن لا يكون أبداً" (إلياكيم هعتسني، "يديعوت أحرونوت"، 28/4/1996)؛ "الحكومة فشلت في الحرب الرقمية في لبنان" (أريئيل شارون، "هآرتس"، 30/4/1996).

وكعيّنة من التحليلات الصحافية لنتائج العدوان الأخير، نورد فيما يلي ملخصاً لهذه النتائج أعده الصحافيان ناحوم بارنيّع وشمعون شيفر. فعلى صعيد ما اعتبراه إنجازاص نجد مثلاً: الالتزام بمنع إطلاق الكاتيوشا على الجليل، "وما لا يقل أهمية عن ذلك هو أن حزب الله يدرك الآن ما هو الثمن الذي سيدفعه إذا خرق التفاهمات مجدداً؛ منع الحزب من إطلاق النار من داخل القرى أو إعداد عمليات فيها... إلخ. أمّا السلبيات، في رأيهما، فتتضمن: عدم توصل إسرائيل إلى اتفاق بشأن وقف لإطلاق النار بصورة مطلقة في لبنان؛ عدم توصل إسرائيل إلى اتفاق بشأن تجريد حزب الله من السلاح أو اخضاعه عسكرياً أو إفقاده هيبته ("تحقيره")؛ وجود عدد من نقاط الضعف في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، مثل تدني قوة الامتصاص وعدم مقدرة الاستخبارات على رصد حزب الله، والاعتماد على الرأي العام المتأرجح في إسرائيل  والخارج (أنظر: "يديعوت أحرونوت"، 28/4/1996)

ثانياً: نماذج من التقويمات العسكرية والسياسية، الرسمية أو شبه الرسمية. هناـ أيضاً، تتضارب التقديرات، إذ تلقي الاعتبارات الانتخابية والمهنية بظلها عليها جميعاً.

فمن جهة، نجد التقويمات الإيجابية التي يخلص مسؤولون عسكريون وسياسيون إليها. مثال لذلك ما ذهب إليه مساعد رئيس شعبة المعلومات في الأركان العامة، إيتان بن إلياهو، وملخصة أن العملية نجحت في تحقيق أهدافها، وأنها ستثمر هدوءاً لفترة طويلة ("هآرتس"، 28/4/1996). أمّا شمعون بيرس، فقد عرض أمام المجلس الوزاري الأمني المصغّر المزايا الــ 11 التي رآها في "تفاهم نيسان/أبريل" الذي أعقب العملية ("هآرتس"، 28/4/1996)، وهي التالية:

  • أصرت إسرائيل على صياغة للتفاهمات في وثيقة مكتوبة. وسيحول ذلك دون ضبابية التفاهمات الشفوية. ولن تسمح الولايات المتحدة، التي تقف وراء الوثيقة، بحدوث أخطاء في تفسيرها.
  • تم الاتفاق على عدم إطلاق صواريخ الكاتيوشا على الأراضي الإسرائيلية في أية حال من الأحوال. ولن يكون لأي تطور أن يبرر قصف المستوطنات، بما في ذلك "الدفاع عن النفس".
  • إن حظر مهاجهة الأراضي الإسرائيلية يشمل جميع أنواع الأسلحة وجميع المصادر والأهداف وجهات الهجوم الممكنة. ولم تتحدث التفاهمات السابقة إلاّ عن مهاجمة شمال إسرائيل من لبنان.
  • تتناول الالتزامات جميع الأطراف المسلحة في لبنان، وهو ما يحول دون المخاتلة وتمويه الطرف المهاجم.
  • لن تكون التجمعات السكنية المدنية مأوى للهجمات.
  • سيكون في إمكان الجيش الإسرائيلي الردّ على مقاتلي حزب الله في أي مكان، حتى لو انطلقوا في القرى خلافاً للتفاهمات. والاتفاق بهذا الشأن مفصّل في الرسالة الجانبية الأميركية إلى إسرائيل.
  • القيود المفروضة على مهاجمة التجمعات المدنية شاملة، وتنطبق بالتالي على تجمعات المنطقة الأمنية أيضاً.
  • ستوجد مجموعة المراقبة أساساً لاتصالات مباشرة بين إسرائيل وكل من سورية ولبنان، من أجل معالجة تطبيق الاتفاق وزيادة الاستقرار في المنطقة.
  • إن الهيئة الدولية لإعادة إعمار لبنان ستزيد من المصلحة في التوصل إلى الهدوء والاستقرار. أمّا في الماضي فقد كانت إيران تقوم بمهمة إعادة الإعمار، وعمّقت سيطرتها على الأرض.
  • تعترف الوثيقة بأن الحل الشامل والجذري للوضع سيتحقق من خلال مفاوضات سلمية بين إسرائيل وكل من سورية ولبنان، تجري في ظل جو من الاستقرار والهدوء.
  • لأول مرة، يظهر في وثيقة مكتوبة تطرق إلى دور سورية في الالتزامات بشأن تعميق الاستقرار في المنطقة. فقد ذُكر أنه تم التوصل إلى التفاهمات "بعد التشاور مع سورية"، وهي ستشارك في مجموعة المتابعة التي ستعمل على تطبيق التفاهمات. وذُكرت أهمية تجديد المفاوضات مع سورية.

ومن جهة أُخرى، تجد التقويمات السلبية لـ "عناقيد الغضب" من قبل ضباط كبار سابقين ، معارضين سياسياً في الوقت الحاضر، أو من قبل ضباط حاليين يلقون باللائمة على شُعب أُخرى في الجيش. مثلاً، رئيس هيئة الأركان السابق لقيادة المنطقة الشمالية، العميد احتياط رافي نوي، انتقد الجيش بشدة واعتبر العملية فاشلة؛ فقد "ظلوا يطلقون صواريخ الكاتيوشا طوال 16 يوماً على المستوطنات، ولم يكن الجيش قادراً على إسكات النار" ("هأرتس"، 28/4/1996).

وكذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس الأركان السابق دان شومرون، الذي رآى أن الفشل الأساسي إنما يتمثل في "غياب التنسيق بين أهداف العملية والأساليب التي استعملت" في تحقيق هذه الأهداف. ورأى أن "التغيير الحقيقي في قواعد اللعبة هو طرد حزب الله من الجنوب اللبناني وإدخال الجيش اللبناني إلى هذه المنطقة" – الأمر الذي لم يتم ("هآرتس"، 29/4/1996). كما أن ضباطاً كباراً في قيادة المنطقة الشمالية أنحوا باللائمة على جهاز الاستخبارات العسكرية، متهمينه بأنه فشل في تقويم قدرة حزب الله، وقدّر أن العملية ستستغرق فترة أقصر من الفترة التي استغرقها فعلاً (إيتان رابين، "هآرتس"، 21/4/1996).

الآفاق: "عناقيد غضب" - 2 أم "إعلان مبادئ" – 3؟

لقد توقف العدوان الأخير قبل أن تكتمل حلقاته، وظلت مسألة استعادة الجيش الإسرائيلي لـ "قدرته على الردع" موضوع شك لدى الإسرائيليين أنفسهم وكانت الصحافة العبرية قد نشرت خلال العدوان ما اعتبرته "خطة الأميركيين الكبرى"، وهي خطة على مراحل تبدأ بــ "اتفاق تفاهم معدَّل"، وتمر بالتزام إسرائيل الانسحاب في مقابل التزام سورية ولبنان نزع سلاح حزب الله، وتصل إلى "إعلان مبادئ" إسرائيلي – سوري في واشنطن بعد الانتخابات الإسرائيلية، لكن قبل الانتخابات الأميركية (أنظر: عوديد غرانوت، "معاريف"، ملحق السبت، 18/4/1996، ص 14 – 15). كما نشرت تلك الصحافة، في الفترة نفسها، بنود مراحل مما تسميه "المنطقة الأمنية" في الجنوب. وقالت صحيفة "هآرتس" التي أوردت الاقتراح أنه عُرض على الحكومة اللبنانية عدة مرات لكنها لم تتمكن من التفاوض بشأنه. وفيما يلي الاقتراح:

  • تعترف إسرائيل بالحدود الدولية بينها وبين لبنان حدوداً دائمة.
  • توقف فوراً جميع الأعمال العسكرية وأعمال العنف على جانبي الحدود.
  • يعمل لبنان، بموافقة ودعم سوريين، على إزالة تهديدات الإرهاب، وتفكيك البنية التحتية العسكرية لحزب الله وسائر المنظمات الإرهابية.
  • ينتشر الجيش اللبناني بقوة فاعلة على الخط الشمالي للمنطقة الأمنية.
  • تُضمن سلامة رجال جيش لبنان الجنوبي وسكان المنطقة الأمنية.
  • ينسحب الجيش الإسرائيلي على مراحل إلى خطوط موقتة في المنطقة الأمنية، يتم الاتفاق عبر المفاوضات على ماهيتها والجدول الزمني [المتعلق بها].
  • تُنقل أية منطقة ينسحب الجيش الإسرائيلي منها مباشرة إلى الحكومة اللبنانية، من خلال الجيش اللبناني.
  • تُحدّد إجراءات مشتركة بين الجيش الإسرائيلي والجيش اللبناني، للإشراف على تطبيق الاتفاق (ألوف بن، "هآرتس"، 21/4/1996).

لقد أسفر العدوان عن التوصل إلى "تفاهم نيسان/أبريل". وستسعى إسرائيل لتفسير هذا التفاهم على نحو يخدم مصالحها. 

ثالثاً: شهادات "سبع عشرة دقيقة في قانا" (أول رواية كاملة لما حدث، كمارواها الناجون) روبرت فيسك [2]

 

يذكر أهالي قانا في معظمهم أنهم رأوا "أم كامل" تحلق فوقهم ذلك الصباح. كانت السماء قد أمطرت قبل ذلك، غير أن الحاج قاسم عزام، الذي جاء بعائلته من قرية صدّيقين الواقعة على التلة طلباً للأمان في قاعدة الفيجيين التابعة للأمم المتحدة قبل ثمانية أيام، رأى "أم كامل" بوضوح تحلق فوق القرية عند الظهر. وقد قيض لعامل صب المعادن السابق السابق البالغ السبعين من العمر أن يذكر أنها كانت تخلٍّف وراءها ذيلاً دقيقاً من الدخان الرمادي المنسل من محركاتها. وقد رآها أيضاً كامل سعد، وهو تلميذ في السادسة عشرة من عمره. كما أن اللفتنانت كولونيل وايمي واقانيفافالاجين قائد الكتيبة الفيجية التابعة للأمم المتحدة (فيجيبات)، البالغ عدد أفرادها 150 جندياً كانوا يومها يعتنون بــ "560 لاجئاً لبنانياً احتموا تحت عَلَم الأمم المتحدة، عَلمَ من اثنين من جنوده بأن الطائرة الإسرائيلية الاستطلاعية "أم ك"، من دون طيار، كانت تحلٍّق فوق قاعدته. وعلى مسافة ميل من الموقع الفيجي، وفي موقع الأمم المتحدة 1 – 15 المجاور لمقر قيادة القوة المؤللة الاحتياطية، لاحظ جندي نرويجي الطائرة "أم ك" تمرُّ فوق الوادي، متجهة نحو قانا.

وقد علَّم سعد الله بلحص أولاده وأحفاده العشرين أن لا داعي لخوفهم من "أم كامل" عندما تهدر فوق رؤوسهم. "كانت تحوم مدة الصباح كله" فيما تذكَّر . "كان ثمة طائرة هليكوبتر أيضاً غربي القرية، وعلى علو شاهق طائرة كبيرة تخلٍّف ضباباً وراءها." وقد لاحظ مراقبو الأمم المتحدة أن طائرة إنذار جوي مبكر (أواكس) كانت تدور محلّقة فوق الجنوب اللبناني على علو شاهق خلال الصباح، مخلّفة سحباً مستطيلة في السماء. وقبل ساعات من مجزرة 18 نيسان/أبريل، لاحظت وحدة من الكتيبة الفيجية حضوراً مشؤوماً آخر: ثلاثة من رجال حزب الله الملتحين يطلقون صاروخي كاتيوشا في المقبرة القديمة الواقعة على مسافة 350 متراً من قاعدة الأمم المتحدة. كما أن الكابتن بيو، من الكتبية نفسها، لاحظ أربعة رجال آخرين من حزب الله على مقربة من الطريق العام شرقي قانا. وقد قال: "كان في مقدوري أن أراهم يطلقون النار من مدافع الهاون." و "كانوا يرتدون سترات واقية ويعتمرون خوذاً فولاذية. وقد راقبتهم من خلال منظاري." وربما كانوا على مسافة تقارب 600 متر من مجمَّع الأمم المتحدة. والكابتن روني، ضابط الاتصالات في قوات الأمم المتحدة، لم يتلق من إسرائيل أي "إنذار بالقصف" – وهي العادة التي درج الإسرائيليون عليها عندما ينوون إطلاق نار المدفعية على منطقة عمليات قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة – لكن الفيجيين تخوفوا كثيراً بعد إطلاق حزب الله قذائف الهاون إلى حد أنهم أذاعوا بواسطة مكبرات الصوت بلاغاً يأمرون فيه سائر جنودهم بأن يرتدوا السترات الواقية وأن يستعدوا لإدخال اللاجئين إلى الملاجئ.

كان ذلك بُعَيْد الثانية عصراً. و"لأن الفيجيين يرابطون في قانا منذ 18 عاماً"، قال كامل سعد، "فقد التقط نفر غير قليل من القرويين اللغة الفيجية، وفهموا الكلام المذاع." و "ذهبنا جميعاً إلى الغرف التي كانت عائلاتنا تقيم فيها." ويعتقد سعد الله بلحص أنه كان أمامهم نحو خمس دقائق. كما أن أحد الجنود الفيجيين تذكر بأسى أن كثيراً من الأمهات لم يجدن أولادهن – كانوا يلعبون في أماكن أُخرى من المجمَّع – ورفضن أن يدخلن إلى الملاجئ. وقال ذلك الجندي: "كنا ندفعهم إلى داخل ملاجئنا الخاصة ونحشرهم فيها حتى لم يعد لنا مكان." و "كانوا يبكون وكنا نقول للآخرين أن يذهبوا إلى الأماكن التي كانوا يقيمون فيها." وقد ازدحم اللاجئون كتفاً إلى كتف داخل المباني الحارة. "كانت ملاجئنا معدَّة لمئة وخمسين جندياً، وقد حشرنا في داخلها 400 شخص وربما أكثر." على حدّ قول الكولونيل وايمي، و"لم يبق أي مكان لقادم جديد." وفي الدقيقتين اللتين أعقبتا الإنذار الفيجي، ركض عبر بوابات القاعدة الفيجية بذعر ما يزيد عن 300 شخص ممن تخلَّفوا في القرية حول القاعدة ومعهم، فيما تذكَّر جندي فيجي آخر، واحد على الأقل من مطلقي الكاتيوشا من رجال حزب الله الثلاثة. وغدا عندئذ عدد المدنيين في قاعدة الأمم المتحدة في قانا نحو 850 شخصاً.

يذكر جميع الذين نجوا من الهول الآتي أين كانوا في الثواني اللاحقة. فالحاج عزام قعد على الأرض في غرفة لأحد ضباط الأمم المتحدة قريبة من البوابة الخلفية، ومعه زوجته رضية وابنه محسن وليلى زوجة محسن. والتجأ كامل سعد ووالدته فوزية البالغة الخمسين من العمر أحد أبناء عمه في غرفة مجاورة ومعهم عشرون شخصاً آخر. سليمان خليل، وهو عامل من قرية جبال البطم التي طال قصفها، كان قد تسلم لتوٍّه صرَّة فيها غداؤه، وعاد إلى بيت جنود الأمم المتحدة حيث كان يقيم. وكان سعد الله بلحص يتعافي من عملية زرع عظم في ساقه جراء جروح أصيب بها خلال قصف إسرائيل للجنوب اللبناني سنة 1993، وكان على أولاده أن يحملوه – وساقه اليمنى في الجص – إلى قاعة محاضرات الكتيبة الفيجية، وهي مبنى مستطيل من الحديد المموَّج المسقوف بالخشب. وانحشرت عائلته كلها في الغرفة نفسها، وجلس من حوله كل من زوجته زينب وأبنائه غالب وعلي وفياض ومرهج وخليل ومحمد وإبراهيم ومحمود، وبناته نجيبة ونايلة وفاطمة وزهرة وأمل وخديجة. وكان عدد من أولاده صغاراً – ففاطمة عمرها 16 سنة وأمل 13ـ أمّا محمود فلم يتجاوز الخمس سنوات، وكانت زهرة، زوجة علي، محشورة معهم في الغرفة ومعها أولادها:زينب، سبع سنوات، وعباس، ست سنوات، وفاطمة خمس، وسعد الله ثلاث. وكان أصغر أبنائها حسن في شهره الرابع. وكان في الغرفة أيضاً شقيقا سعد الله، محمد ورحمة الله وزوجته وأولاده الخمسة وحفيدته وبنت حفيدته.

وكان بعض الأولاد بيكون. إلا إن معظمهم جلسوا صامتين

وكانت عائلة نايلة برجي في الغرفة نفسها التي كان فيها سعد الله بلحص وعائلته. كان معها والدها عباس البالغ التسعين من العمر. ووالدتها خيرية وشقيقاها حسين ومصطفى وفاطمة زوجة حسين وأولادهما الثلاثة منال وعمرها 15 سنة، ومريم 11 سنة، وإبراهيم الذي لم يتجاوز السادسة. وكان في الغرفة أيضاً غادة شقيقة نايلة وعمرها 20 سنة، وولداها، وابنة أخيها سكينة، 30 سنة وأربعة من أولاد عمها. وكاتن نايلة تقف عند أحد أبواب الملجأ.

وفي الساعة الثانية والدقيقة الثامنة عصراً – والكولونيل وايمي، قائد الوحدة الفيجية، متأكد من التوقيت – انفجرت أُولى القذائف الإسرائيلية على مقربة من برج الماء الخاص بالوحدة، على مسافة عشرة أمتار من الموضع الذي كان يقف فيه الكابتن بيو، وهو الجندي الذي رأى رجال حزب الله من خلال منظاره، أي وراء براد الكتيبة الخارجي قريباً من البوابة الرئيسية. "وجدت قطعاً كبيرة من الشظايا في سترتي الواقية بعد ثلاثة أيام، لكنها لم تمسني"، فيما قال، "عدوت حول المبنى وقلت للجنود الفيجين الآخرين أن يقفوا لصق الحيطان. وكان هناك أيضاً لاجئان لبنانيان، وقلت لهما أن يحتموا بما يقيهما – فركضا إلى قاعة المحاضرات، وعندما وصلت إلى الملجأ وجدته مكتظّاً بالناس. وحاولت أن أدفع بمزيد من الناس فيه. ثم انهمرت القذائف."

في قاعة المحاضرات، جلس سعد الله بلحص مع عائلته، التي تقارب الأربعين شخصاً، والتي اجتمع أفرادها متحلّقين حوله. لم يكن السقف الخشبي فوقه ليحتمل رصاصة، فكيف به يرد قذيفة . كانت عدة نساء يصلّين بالعربية طلباً لحماية الله. وكانت القذيقة الإسرائيلية الثانية مجهزة بصاعق بجعلها تنفجر على علو سبعة أمتار فوق الأرض (proximity device) وتبتر أطراف أي إنسان يقع تحتها. وقد انفجرت هذه القذيفة فوق قاعة المحاضرات مباشرة. "وقع انفجار مريع، وكان أول ما شعرت به هو سائل رطب حار على الجهة اليمنى من وجهي"، على ما قيض لسعد الله بلحص أن يتذكر. "ما عدت أقدر على الرؤية بعيني اليمنى. لمع بريق نار عظيمة وأحسست بأنني أحترق، وصُمَّت أذناي. ثم سقطت قذائف أُخرى – ولم يكن هناك من فاصل بين أصوات الانفجارات. كنت لا أزال واعياً وشعرب بالدم، بكثير من الدم، يسيل على وجهي. فأزلت الدم بيدي ثم مسحتها بالفراش. وكان الجميع يصرخون ويبكون."

في غرفة اللاسلكي الفيجية، حيث تحطمت النوافذ وتطايرت الشظايا، راح ضابط فيجي وحيد جاث على الأرض يصرخ مستغيثاً، "مقرُّنا يتعرض للقصف المدفعي"، موجاً نداءه إلى ضابط العمليات في قوات الأمم المتحدة المتمركز قرب الحدود الإسرائيلية. "لقد دُمٍّر أحد مباني مقرنا كليّاً." وحاول ضابط إيرلندي من مقر قيادة الأمم المتحدة الواقع على مسافة 15 ميلاً أن يهدئه، وقطع ضابط اتصال لبناني ملحق بالكتيبة الفيجية المكالمة اللاسلكية ودخل على الموجة اللاسلكية من موقعه في مبنى مقابل مجمع الأمم المتحدة في قانا، قائلاً: "الناس يموتون هنا،وأنا أسمع صوت الموت."

وقد رأي الضابط اللبناني الكبير، الذي كان واقفاً إلى جانبه، البوابات الخلفية لمجمع الأمم المتحدة تنفتح بقوة وتندفع منها كتلة من الجرحى مثل قطيع مذعور، بعضهم بلا أذرع، وبعضهم بلا أرجل، متراكضين فوق الاشلاء والسيقان المبتورة، مخلفين وراءهم "أنهاراً من الدم". وفي غرفة سليمان خليل، انقذف صديقه إبراهيم تقي على الأرض مذبوحاً كالنعجة. ويتذكر سليمان خليل ذلك قائلاً: "لم أدر أنه كان قد مات، فاندفعت أعدو خارجاً عبر الباحة المكشوفة إلى عيادة الأمم المتحدة، لكن أحداً لم يستطع المجيء إلى الباب. رميت بعض الحصى على النوافذ، وكسرت الزجاج، لكن لم يكن هناك أحد غير المدنيين، ولم يقبل أحد منهم أن يأتي للمساعدة."

وقرر سليمان أن يعود إلى غرفته. "لكن ما أن استدرت حتى سقطت قذيفة على مقربة مني، ربما على مسافة متر واحد. فوقعت على الأرض ونظرت فلم أر ساقي اليسرى. فأدركت أنها طارت، فصعقت. وحاولت أن أقف عليها – حاولت أن أقف على الساق التي ما عادت في موضعها – غير أنني لم أقدر. ورحت أزحف مبتعداً خوفاً من أن تصيبني قذيفة ثانية. زحفت حتى بلغت أحد المستودعات وجلست في ظله. وما أن جلست حتى انفجرت ثلاث قذائف، حيث أصبت، ولما رأيت ذلك فقدت الوعي."

في أثناء ذلك كان الضابط الطبي الفيجي المساعد، ضابط الصف أبيميليكي، في ملجأ الإسعافات الأولية، قريباً من قاعة المحاضرات. "بعد أن أصابت القذيفة الأُولى القاعة، سمعت صراخاً رهيباً من الداخل – صراخاً وحشياً." وتابع قائلاً: "كان في الداخل ناس قُطعوا إرباً، لكنهم ما زالوا أحياء. وأصابت قذيفة ثانية المبنى فهمد الصراخ. وساد الهدوء بعد ذلك." كانت القذيفة الثانية قد سحقت سقف قاعة المحاضرات، وهشمت معظم الجدران الحديدية، وأضربت النار فيما بقي. داخل بيت الأموات هذا كان سعد الله بلحص لا يزال حياً. "انفجرت القذيفة الثانية على مقربة شديدة مني"، فيما قال، "فنظرت من حولي يعيني اليسرى. فوجدت المكان يدور في الدخان. كانت القذيفة الثانية – كيف تقول ذلك – قد (أنجزت العمل). فنظرت إلى أولادي لأرى من منهم لا يزال حياً كانوا كلهم حولي، الأولاد الصغار، فَرُحت أهزُّ كل واحد منهم – خديجة وإبراهيم وأمل ومحمد – كنت أبكي كثيراًن وكل واحد حركته لم يتحرك. رحت أقلٍّبهم فكانوا كلهم موتى، بعضهم فوق بعض. كانوا مطروحين أمامي كالنعاج المذبوحة، عائلتي بأسرها."

اندفعت فوزية سعد، أم الطالب كامل، البالغة الخمسين من العمر، تعدو من المبنى المجاور. "كان المشهد مروعاً"، على ما ذكرتْ، "كان على الأرض رجل مقطعاً قطعتين. وكان على الأرض امرأة حبلى استطعت أن أرى ساعد جنينها وساقه ناتئين من بطنها. وكان على الأرض رجل في رأسه شظية. لم يكن ميتاً ولكن كنت تقدر أن ترى قطعة من المعدن في رقبته وكأنه مذبوح. قال لابنته أن تأتي لتساعده وتنهضه. وقد سمعتها تقول" (انتظر دقيقة، أنا أحاول أن أجمع بدن أخي – فهو مقطوع قطعتين). وكان أخ آخر يحتضن طفلاً بين ذراعيه. كان الطفل بلا رأس والأخ ميتاً أيضاً."

المرأة التي كانت تحاول أن تجمع بدن أخيها الميت هي نايلة برجي، البالغة الخامسة والثلاثين من العمر، وهي التي كانت تقف عند باب الملجأ وقتما دوَّت القذيفتان في قاعة المحاضرات. "حاولت أن أسحب والدتي من النار لكنني لم أستطع لأنها كانت بلا ذراعين، ولم يكن في مقدوري أن أحملها"، على ما تذكرتْ بعد أيام. "عندها رأيت والدي، على الأرض واثنين من أشقائي حاولت أن أنقذ زوجة أخي ليلى، لكن وجهها كان مهشماً تماماً ومحروقاً. فقد أصابتها القذيفة. أردت أن أرى إن كان يوجد أحد آخر، لكن النار كانت تشتعل في كل مكان، ولم أقدر على الاقتراب أكثر من ذلك، حتى الأشجار كانت تشتعل والنار في أوراقها. وكانت القذائف لا تزال تتساقط."

عبر الوادي، في مركز القوة المؤللة الاحتياطية التابعة للأمم المتحدة، كان جندي نرويجي قد بدأ يصور بالفيديو، على سبيل الهواية، الاعتداء الإسرائيلي على مجمّع قانا، وقد التقطت كامرته الطائرة "أم كامل" في إبان تحليقها المنخفض فوق المعسكر – وهي البيّنة التي استخدمها لاحقاً فريق التحقيق الذي ألّفتة الأمم المتحدة من أجل تفنيد إنكار إسرائيل المتكرر لوجود طائرة استطلاع فوق مسرح المجزرة.

في موقع الأمم المتحدة 1 – 15، الواقع على مسافة ميل واحد، كان في استطاعة جندي نرويجي أن يسمع صيحات الألم البشرية بعدما انفجرت قذيفة فوق السقف الخشبي المهلهل لمطعم الكتيبة، الذي كان يحمتي فيه خمسون لاجئاً آخر. قال: "إن هذا قد بيدو غير واقعي، لكننا رأينا بأم أعيننا ما بدا وكأنه حيوان يُقذف به إلى السماء – 17 متراً وربما أكثر – من داخل الأمم المتحدة. إلا إننا ما لبثنا أن أدركنا أن لونه أزرق وأنه من البشر."

لم يكن في ذلك شيء من اللاواقعية، لأن نايلة برجي كانت على مسافة بضعة أمتار لا أكثر. "رأيت هذا الرجل طالعاً في الهواء"، فيما قالت. "ضغطُ الانفجار طيَّره. وراح يطلع طالعاً طالعاً وانقطع رأسه وعلق في الشجرة المحترقة، وما بقي منه سقط على الأرض. كان أخي الأكبر يقول لي أن أجد زوجته منال وابنته فاطمة. كانتا كلتاهما قد فارقتا الحياة ولم يبق منهما سوى جثتيهما المحترقتين السوداوين. وجدت ابنة أخي مريم لكنني لم أعرفها فصرحت: أأنت مريم؟ ولما وجدت والدي حاولت أن أرفعه لكن أمعاءه اندلقت عليّ. وعندما وجدت أخي حاولت أن أرفعه لكن ما رفعته لم يكن إلا نصفه الأسفل. ما كان فيه رأس ولا ذراعان، وكان أخي مطروح اً أمامي وأمعاؤه خارجة من بطنه."

أدلت نايلة برجي بهذه الشهادة الرهيبة عن الكارثة التي حلت بأهلها بينما كانت تكلمني بهدوء خلّفته فيها المسكنات القوية التي تناولتها في مستشفى جبل عامل. "لا أعرف من أين جاءتني القوة لمشاهدة هذه الأشياء"، قالتها بصوت راح يرتفع مدانياً العويل. "كان هؤلاء الناس محبَّبين جداً جداً إليّ، وعندما رأيتهم على تلك الحال، لا أقدر أن أقول لك كم تألمت. ماشاهدته وعانيته – أقول لك، خرَّب بقية حياتي."

راح عشرات المدنيين المصابين بجروح رهيبة يتوافدون على العيادة الطبية الصغيرة التي يعمل فيها ضابط الصف الفيجي أبيميليكي. "جاء أحد جنودنا الفيجيين وذراعه اليسرى لا يصلها بكتفه إلا قطعة من جلده – وقد مرقت العظام." وتابع ضابط الصف الفيجي قائلاً: "ثم اندفع الناس كالسيل، كانت الأرض والحيطان كلها ملطخة بالدم. كان فيهم الأولاد والرضَّع والنساء والعجائز. وكنت تسمع تلك الصرخات. والناس يصيحون (فيجي، لماذا؟ فيجي لماذا؟ ساعدنا). لقد استعصى عليهم أن يفهموا لمَ استُهدفت قاعدة الأمم المتحدة. ثم إننا وصلنا إلى المطعم بحثاً عن الجرحى لكننا لم نجد إلا الجثث. لم نحسب قط أنهم سيقتلون عن آخرهم هناك."

كان الحاج عزام، الذي رأى طائرة الاستطلاع الإسرائيلية "أم كامل" في وقت سابق من ذلك النهار، مستقلياً على أرض غرفة الضابط الفيجي التي تم إيواؤه فيها، إلا أن الشظايا بدأت تخترق الحيطان والسقف. "أصيبت امرأة في رأسها وذهبت الشظية بقطعة منه، فانطرح زوجها إلى جانبها واحتضنها وراح يبكي ويصيح مستغيثاً. وكان ابنهما، وهو في الثانية من عمره، معهما، وقد توفيت المرأة لاحقاً في مستشفى حمود في صيدا. وشق جندي فيجي طريقه عبر الجمر الذي كان يتصاعد منه الدخان في قاعة المحاضرات، وجرًّ سعد الله بلحص من خلال ما كان باباً. "رأيت ابن أخي جريحا"ً، وقلت للجندي الفيجي"، فيما روى بلحص لاحقاً، "أن يسعفه أولاً – لكنه مات بعد ذلك. ووجدت عاكزتي القديمتين عند الباب، فرحت أعرج إلى الخارج وحدي، وماذا رأيت – انك لتنهُّد أمام ما رأيت وإن كان لك قلب قوي." ما عاد سعد الله بلحص يستطيع الإبصار إلا بعينه اليسرى – ولم يكن، حينها، يدرك بعد أن عينه اليمنى قد اقتلعتها من محجرها نيران القذيفة الثانية. "كان هناك قطع من اللحم، أجسام بلا أطراف، جثث بلا رؤوس. حاولت أن أصل إلى العيادة ووجدت ابني علي حياً. فأخذني من يدي ليريني الجثث للتعرف إليها. فكان يقول: (هذا ابنك غالب وقد مات) ثم يشير إلى فتاة، ويقول: (هذه خديجة الصغيرة، وقد ماتت أيضاً)، و(هذه زوجتك زينب، وقد ماتت). وقد وجدنا محموداً الصغير حياً، ومرهجاً، وسعد الله الصغير حياً، ابن علي أيضاً، وهو في الثالثة من عمره؛ وقد حماهم إخوتهم وأخواتهم المتكوَّمون فوقهم، وكلهم أموات."

كانت القذائف قد قطعت التيار الكهربائي داخل القاعدة الفيجية وأتلفت شبكة اللاسلكي الخاصة بالأمم المتحدة. وبات الكولونيل وايمي يستخدم جهازه اللاسلكي الرديف. وكان الضابط القائد لقافلة قوات الأمم المتحدة المارة عبر واد بيعد خسمة أميال يتلقى رسائل وايمي ويعيد بثها إلى القيادة. وعلى القناة 6 من راديوالأمم المتحدة، كان آمر الموقع إيمون سميث، من الجيش الإيرلندي، يسجل أن "مقر الكتيبة الفيجية ما زال يتعرض للقصف." وفي مقر قيادة الأمم المتحدة، كان صوت إيرلندي آخر يحاول أن يواسي الجنود الفيجيين اليائسين في قانا، فيقول: "النجدة في طريقها إليكم." وكان قد أطلق نداء إلى الإسرائيليين ليكفوا عن القصف. لكن القذائف ظلَّت تتساقط.

أما داخل مجمَّع قانا، فإن الجنود الفيجيين الذين هرعوا لمساعدة الجرحى، وجدوا أنفسهم ينزلقون على قطع اللحم. وكان الرجال والنساء والجرحى يصرخون: "يا الله، يا الله." وتعرّف نفر من الفيجيين إلى أجسام بعض الأطفال الذين احتضنوهم بأذرعتهم خلال الأسبوع السابق – كان الفيجيون يحبون أن يساعدوا الأمهات بأن يهدهدوا أولادهن الصغار ليناموا كل مساء – فانفجروا بالبكاء أمام اللاجئين الذين ما عاد في وسعهم أن يحموهم. والفيجيون، كاللبنانيين الجنوبيين، يعملون في الزراعة لكسب لقمة العيش، وتشكل عائلاتهم محور حياتهم.

كان كامل سعد، طالب المدرسة، القابع في غرفته داخل المجمَّع – ومعه 20 شخصاً آخر – من جملة من أصيبوا أخيراً. "سمعت كثيراً من الصراخ وصياح الناس: (ساعدوني!) و (أولادي)"، فيما روى. "جاء أب إلى غرفتنا ليرى ابنه. فما أن دخل حتى انفجرت قذيفة وأطاحت ساقه، هكذا. كنت أختبئ قدر استطاعتي منبطحاً على الأرض، لكن شظية اخترقت فخذي. فصرت أصرخ أنا أيضاً، فربط أبي ساقي بمنشفة، ثم حملني إلى خارج الغرفة. وكان في الخارج أناس يصيحون (تعال ساعدنا، رجاء ساعدنا.)" كان في استطاعة كامل المنبطح على الأرض أن يرى قاعة المحاضرات الملتهبة. "كان بعض الأشخاص يحملون أولادهم، وما كان يبدو عليهم أنهم يدركون أن الأطفال كانوا موتى، وأنهم كانوا بلا رؤوس ولا أذرع. لم أعرف من كان ميتاً أو جريحاً. كان الدم في كل مكان وكان الناس يصيحون (يا رب ساعدنا، نرجوك ساعدنا) لكن لم تأت أية مساعدة فورية لأن الناس كانوا منشغلين كلٌّ بعائلته." وسقطت القذيفة الإسرائيلية الأخيرة في الساعة الثانية والدقيقة الخامسة والعشرين عصراً.

كانت الأبدان الباقية في قاعة المحاضرات تضطرم، وتحرٍّقها نار السقف الخشبي الملتهب الذي انهار عليهم. أمّا في المطعم – الذي كان حظيرة منمقة فيجية الطراز ذات سقف منحدر – فكانت أكداس الموتى مطروحة، يحتضن بعضهم بعضاً. وقد بكى الكولونيل وايمي علانية. وشاهد جندي فيجي أحد رجال حزب الله الذين أطلقوا قذائف الهاون يعدو داخلاً معسكر قانا ليجد أفراد أسرته كلها موتى، ويصيح "هؤلاء أهلي". وعندما وصل أوائل جنود الأمم المتحدة للمساعدة وجدوا الموتى أكثر من الجرحى؛ فقد تكفلت بذلك قذائف إسرائيل المجهزة بصاعق يفجرها قبل أن تصل إلى الأرض. فما كان من نفر غير قليل منهم إلا أن قعدوا ووضعوا رؤوسهم بين أيديهم.

وقد ذكرت وكالات الأنباء لاحقاً أن مئة شخص على الأقل ماتوا. والأمم المتحدة أخرجت 75 كيساً مليئاً بالجثث من قانا، غير أن كثيراً منها مُلئ بجثث ثلاثة أو أربعة أطفال صغار. وقد جمع الجيش اللبناني قائمة بأسماء 84 قتيلاً، في جملتهم طفلان من آل بيطار، هما عبودي وهادي اللذان وصلا إلى لبنان من منزلهما الأميركي قبل أيام قليلة. كانت جدتهما البالغة من العمر تسعين عاماً قد ناشدت والديهما اللبناني الأصل والمقيمين في ديترويت أن يبعثاهما إلى قانا لتراهما قبل أن تموت. .وقد فقدت الجدة ذراعاً في المجزرة الإسرائيلية، إلا إنها بقيت حية ومات الولدان. إن قائمة بأسماء المفقودين – وجثة وجدت خارج المعسكر بعد أكثر من أسبوعين – توحي بأن قرابة 140 مدنياً لقوا مصرعهم بفعل القصف الإسرائيلي

الحاج عزام، من صدّيقين، فقد حفيدته وزوجها وطفلاً لهما عمره عشرون يوماًوأخوين آخرين. نايلة برجي فقدت 16 فرداً من عائلتها، منهم: والدها عباس وزوجة أخيها فاطمة وأخوها حسين وابنته منال وأخوها الآخر مصطفى وزوجته ليلى، وأختها غادة وابنها حسن البالغ من العمر تسعة أشهر وابنة أخيها سكينة وأربعة من أولاد عمومتها. وبلغ عدد الذين فقدهم سعد الله بلحص من عائلته 31 فرداً. وعندما تحدث للمرة الأُولى عن المجزرة طلب أن تنشر أسماء أكبر عدد منهم ليكون ذلك بمثابة التذكار، وهم: زوجته زينب وأبناؤه غالب وفياض ومحمد وإبراهيم ومحمود البالغ من العمر خمس سنوات، وبناته نايلة وفاطمة وزهرة وأمل وخديجة البالغة من العرم 6 سنوات. وقد قُتلت زهرة زوجة ابنه علي وكذلك أولادها عباس، 6 سنوات، وفاطمة، 5 سنوات، وحسن، 4 أشهر. وقُتل محمد أخو سعد الله، وكذلك أخوه رحمة الله وزوجته وأولادهما الخمسة ومعهم حفيد وحفيدة لهما.

لقد ألقى الإسرائيليون تبعة المجزرة على عاتق حزب الله، وزعموا أن مدفعيتهم أطلقت النار على المعسكر نتيجة قصور تقني بينما كانوا يصوبون على مصدر الكاتيوشا، وأصروا على أن "أم كامل" لم تحلق فوق قانا خلال النهار. غير أن شريط الفيديو الذي صوره أحد جنود الأمم المتحدة أثبت بصورة قاطعة أن الإسرائيليين استخدموا فعلاً طائرة بلا طيار فوق قانا يوم 18 نيسان/أبريل – وقد غيَّر الإسرائيليون روايتهم عندما علموا بوجود الشريط. وأعلن محققو الأمم المتحدة أن 13 قذيفة إسرائيلية أصابت مجمَّع قانا، وأن ثماني قذائف منها كانت مجهزة بصاعق التفجير الذي يحولها إلى سلاح فتاك جداً. وخلص تقرير المحققين إلى أنه من "المستبعد" أن تكون المجزرة مجر "خطأ". وقد أنكر حزب الله أن يكون أي من أفراده قد أطلق الكاتيوشا أو الهاون من منطقة معسكر الأمم المتحدة. ورفضت الولايات المتحدة أن تدين إسرائيل او المذبحة؛ وصرح الناطق بلسان وزارة الخارجية ان "المرء لا يعظ أصدقاءه"، وأن واشنطن مستمرة في دعم العملية العسكرية الإسرائيلية في لبنان.

لقد استعير اسم العملية، "عناقيد الغضب"، من سفر تثنية الاشتراع من أسفار الكتاب المقدس، وهو سفر مشحون بالدم والغضب والتوارتي والوعيد بانتقام الله. إن الإصحاح 32، نشيد موسى قبل موته وهو يقود شعبه اليهودي نحو أرض الميعاد، يحكي عن أولئك الذين سوف يهلكون بغضب الله. "يُثْكلُهم السيف من خارج والرعب في داخل المَخَادع

الفتى والعاتق والرضيع والأشيب". تقول الآية 25. فهل يمكن أن يوجد وصف أفضل من هذا أفضل من هذا للدقائق السبع عشرة في قانا؟

قائد الوحدة الفيجية التابعة للأمم المتحدة في أول مقابلة صحفية: "كنا نهدهد أطفالهم ليناموا كل ليلة، ثم رأيناهم يُقتلون" روبرت فيسك[3]

 جلست اللفتنانت كولونيل وايمي واقانيفافالاجي أمام تلفاز قاعة الضباط المدمّرة عصر أمس، وشاهد مقر قيادته يقصف من قبل الإسرائيليين. وبينما كانت قذائف المدفعية تصفر متساقطة على مقر الكتبة الفيجية في شريط الفيديو أمامه، أشار اللفتنانت كولونيل – الذي أمضى ثمانية أعوام في خدمة الأمم المتحدة في الجنوب اللبناني – إلى الدخان الذي ملأ الشاشة وقال: "هناك، يا روبرت، كان مكاناً مرعباً ان يكون المرء فيه." ثم هزَّ رأسه وقال: "كان (هامش الخطأ) الإسرائيلي أكبر مما يمكن أن يقال معه إن ذلك كان خطأ. كان في الجو طائرتا هليكوبتر إسرائيليتان تراقبان القصف على هذا المقر – كانتا تراقبان بينما كانت القذائف تتساقط هنا."

إن شريط الفيديو الذي يشكل الدليل الرئيسي في تحقيق الأمم المتحدة في الهجوم على قانا – وقد حصلت صحيفة The Independentعلى نسخة منه – قد أظهر طائرة استطلاع إسرائيلية من دون طيار، تستخدم في تحديد مواقع القصف المدفعي، تحلق على ارتفاع منخفض فوق قانا في أوج القصف الإسرائيلي. وقد قال الإسرائيليون إنها كانت في "مهمة أُخرى"، لكن هذا الكلام لم يؤثر في الكولونيل واقانيفافالاجي، الذي قال بحصافة: "لا يهمني أن تكون في مهمة أُخرى. فكل ما أعلمه هو أنني قُصفت. لقد رأى رجالي الطائرات الإسرائيلية التي تطير بلا طيار من مواقع المراقبة التي يرابطون فيها. ورأوا واحدة قبل المجزرة. نحن نعلم أن الإسرائيليون ماهرون في الرماية المدفعية. وقد اعتدنا ان نتسكع في المعسكر معظم الوقت أثناء رماية الإسرائيليين على هذه المنطقة. كما نعلم مدى دقتهم في الرماية. لذلك لم يكن في المعسكر جو من الترقب قبل الهجوم."

كان اللفتنانت كولونيل في مركز قيادته عندما أصابت أُولى قذائف المدفعية الإسرائيلية – ومجموعها 12 قذيفة – قاعدة الأمم المتحدة، وسقطت قرب براد الكتيبة الفيجية الخارجي في 18 نيسان/أبريل. "عمت الفوضى" فيما روى، "وصار الجميع يبكون، والناس يقتَّلون، وأجسامهم تتطاير في الهواء. وفي وقت ما وقع انفجار كبير، فنظرت ورأيت أن بيتاً كاملاً قد زال. رأيت اثنين من جنودي يحملون جثثاً في بطانيات تدلت منها الأيدي. وكان الناس يصيحون (جرحى) و (أربعة جرحى من الجنود إصاباتهم خطرة)."

ورفع اللفتنانت كولونيل يديه، ثم قال: "عندما انتهى القصف لم أقدر أن أصدق أنه من الممكن أن نُقصف في مقرنا التكتي. لقد ذهلت، ووقفت هناك عاجزاً. لم يكن في وسعي أن أعمل شيئاً لوقف كل ما حدث." لكن مثل كثير من الفيجيين المئة والخمسين المرابطين في قاعدة قانا، فإن للفتنانت كولونيل عدة أولاد: ليلاني، سنتان، ولورنا، ست سنوات، وصبي في الثامنة من عمره واسمه ساكييسا – وكانت وجوههم تطالعه عندما أجهزت القذائف الإسرائيلية على اللاجئين المئة والعشرين أو أكثر.

"كان في عداد القتلى كثير من الأطفال، وعندما رأيت الجثث مَثٌلَ أولادي أمام ناظري." ورفع اللفتنانت كولونيل يديه أمام وجهه، وحدق في أصابعه "كانوا هناك، هكذا، ما أقربهم إلىّ.لو كانوا أخبروني أن مجزرة ستقع ما كنت أتيت إلى لبنان. إنه لمن أشد الأمور مدعاة إلى الحزن وأبعثها على الأسى أن يقتل أي كائن بشري تحت حمايتنا."

كان معظم اللاجئين الـ 560 في المعسكر، وانضم إليهم 300 آخرين هرعوا إلى القاعدة قبيل القصف، بعدما سمعوا طلقات مدافع الهاون التي أطلقها حزب الله من مسافة 350 متراً – كانوا يعيشون بين الفيجيين منذ ثمانية أيام، وأقام بعض الجنود الفيجيين صداقات حميمة مع المدنيين اللبنانيين، ولا سيما الأولاد.

وتابع اللفتنانت كولونيل قائلاً: "كنا نعيش مع هؤلاء الناس منذ أكثر من أسبوع. وكان جنودنا يحملون الأطفال كل ليلة ويهدهدونهم حتى يناموا، مساعدة لأمهاتهم. لقد تخلَّى رجالي عن أسرَّتهم وغرفهم وطعامهم لهؤلاء الناس. ثم رأيناهم قتلى. كنا قد بدأنا التعرف إلى ثقافة بعضنا بعضاً. وفجأة اختفى كل شيء."

ويعترف اللفتنانت كولونيل أنه ومعظم رجاله بكوا في الدقائق التي تلت نهاية الهجوم. "بكينا كلنا. لقد عرفناهم جيداً جداً – وقد تأثر بعض رجالي كثيراً. كانوا يعرفون الأولاد وبات عليهم أن يلموا أشلاءهم. كانوا يحملون الرضَّع وبات عليهم أن يروهم مقطعين إرباً. إن ذلك أفظع من أن يوصف."

لقد لاحظ اللفتنانت كولونيل واقانيفافالاجي وصول عدد من رجال حزب الله إلى المجمَّمع بعد القصف لا قبله – وهم، فيما قال، الرجال الذين أطلقوا قذائف الهاون التي زعم الإسرائيليون أنهم يردّون على مصدرها. "جاؤوا بحثاً عن عائلاتهم التي كانت هنا. وقد وجد واحد منهم ان أفراد عائلته كلهم قُتلوا. فأصيب بنوبة هستيريا وراح يصيح (هؤلاء أهلي). غير أن الأشخاص الذين قتلوا كانوا من المدنيين. وكانوا قد صاروا أصدقاء لنا.

"من يستطيع أن يرى هذا ولا يفكر في أولاده؟ في النهاية، بكيت في أعماق نفسي. إن الدموع نفسها لا تستطيع أن تصف ما جرى."

رابعاً: وثائق نص التفاهم الذي تم التوصل إليه لوقف إطلاق النار في لبنان 26/4/1996.[4] التفاهم

 

بعد المناقشات مع حكومتيّ إسرائيل ولبنان، وبالتشاور مع سورية، تفهم الولايات المتحدة أن لبنان وإسرائيل سيتكفلان بما يلي:

  1. إن الجماعات المسلحة في لبنان لن تنفذ هجمات بصواريخ الكاتيوشا أو بأي نوع آخر من الأسلحة داخل إسرائيل.
  2. إن إسرائيل والمتعاونين معها لن يطلقوا النار من أي سلاح كان على المدنيين او الأهداف المدنية في لبنان.
  3. فوق هذا، يلتزم الفريقان أن يتكفّلا بعدم استهداف المدنيين بالهجمات أياً تكن الظروف، وعدم استخدام المناطق الآهلة بالمدنيين ولا المنشآت الصناعية والكهربائية قواعد انطلاق للهجمات.
  4. لا شيء مما ورد ذكره ههنا يمنع أياً من الفريقين من ممارسة حق الدفاع عن النفس، ولا تكون هذه الممارسة انتهاكاً لهذا التفاهم

تؤلف مجموعة مراقبة من الولايات المتحدة وفرنسا وسورية ولبنان وإسرائيل. وتكون مهمتها مراقبة تطبيق التفاهم المنصوص عليه أعلاه. وترفع الشكاوى إلى مجموعة المراقبة. وفي حال ادعاء خرق هذا التفاهم، يتقدم الفريق المدعي بشكوى في غضون 24 ساعة. أمّا إجراءات التعامل مع الشكاوى فستحددها مجموعة المراقبة.

وستؤلف الولايات المتحدة أيضاً مجموعة استشارية في فرنسا والاتحاد الأوروبي وروسيا، وسوى هذه من الأطراف المعنية، من أجل المساعدة في تلبية حاجات إعادة الإعمار في لبنان.

ومن المعترف به أن التفاهم لإنهاء الأزمة الحالية بين لبنان وإسرائيل لا يمكن ان يكون بديلاً من حل دائم. والولايات المتحدة تفهم أهمية تحقيق سلام دائم في المنطقة.ومن أجل هذه الغاية، تقترح الولايات المتحدة استئناف المفاوضات بين سورية وإسرائيل وبين لبنان وإسرائيل في وقت يتفق عليه من أجل التوصل إلى سلام شامل. والولايات المتحدة تفهم أنه من المرغوب فيه أن تجري هذه المفاوضات في مناخ من الاستقرار والهدوء.

يعلن هذا التفاهم في تمام الساعة 18:00 من مساء 26 نيسان/أبريل 1996 في الدول المعنية كافة وفي وقت واحد. والوقت المحدد للتنفيذ هو الساعة 04:00 من صباح 27 نيسان أبريل 1996. 

رسالة الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي، إلى رئيس مجلس الأمن يحيل فيها عليه تقرير مستشاره العسكري بشأن قصف مجمَّع الأمم المتحدة في قانا

نيويورك، 7/5/1996.[5] 

رسالة مؤرخة

7 أيار/مايو 1996

موجهة من الأمين العام

 إلى رئيس مجلس الأمن 

أتشرف بأن أحيل إلى أعضاء مجلس الأمن التقرير الذي قدمه إليَّ مستشاري العسكري، الميجور – جنرال فرانكلين فان كابن، عقب البعثة التي قام بها في لبنان وإسرائيل. وكنت قد اتخذت قراري بإيفاد البعثة في ضوء الأحداث المأساوية التي وقعت في قانا في 18 نيسان/أبريل 1996، والتي قُتل خلالها ما يربو على 100 مدني لبناني في مقر الكتيبة الفيجية التابعة لقوة الأمم المتحدة في لبنان.

وسيلاحظ أعضاء المجلس أن البعثة قد سعت لأن تتثبت، بقدر الإمكان، من الوقائع المحيطة بهذه الأحداث. وقد أجرى الجنرال فان كابن مناقشات مستفيضة مع قادة قوة الأمم المتحدة في لبنان، ومع السلطات اللبنانية والإسرائيلية، ومع شهود العيان. وكما يتبين من التقرير، فإن نسق سقوط القذائف في منطقة قانا يجعل من غير المرجح ان يكون قصف مجمَّع الأمم المتحدة نتيجة لأخطاء تقنية و/أو إجرائية، وإن كان لا يمكن استبعاد هذه الإمكانية تماماً. ويقول جيش الدفاع الإسرائيلي، من ناحيته، إن الحادثة قد نجمت عن سلسلة من أخطاء العمليات وجوانب القصور التقنية، التي اقترنت بالصدفة.

وإنني لأنظر بأشد القلق إلى قصف موقع القوات الفيجية، بنفس الشكل الذي أنظر به إلى أي أعمال عدائية موجهة إلى أي موقع من مواقع الأمم المتحدة لحفظ السلام. غير أن هذه الحادثة هي أخطر شأناً من كل الحوادث، لأن مدنيين، فيهم نساء وأطفال، قد لجأوا إلى مجمَّع الأمم المتحدة في قانا.

وإنني أرحب باتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلن في 26 نيسان/أبريل 1996، وآمل بشدة أن تؤدي استعادة الهدوء في المنطقة إلى تعزيز احتمالات المفاوضات المفضية إلى تسوية سلمية شاملة تحول دون وقوع المزيد من الأحداث المأساوية. وفي غضون ذلك، أصدرت تعليماتي إلى قائدة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، الميجور – جنرال ستانيسلاف فوزنياك، بتعزيز التعاون مع حكومة لبنان والقوات المسلحة اللبنانية من أجل الحفاظ على السلام والاستقرار في منطقة عمليات قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان. كما أصدرت تعليمات بوضع ترتيبات مع السلطات الإسرائيلية لضمان عدم إطلاق النار مستقبلاً على مواقع الأمم المتحدة في لبنان.

ويظل في الأهمية القصوى أن يكفل أطراف هذا النزاع ألا يصبح المدنيون الأبرياء ضحايا للأعمال العدائية.

ونظراً لخطورة الأحداث التي وقعت في قانا، قررت إحالة التقرير إلى مجلس الأمن.

(توقيع) بطرس بطرس غالي 

مرفق

تقرير مؤرخ

1 أيار/مايو 1996

مقدم من المستشار العسكري

للأمين العام بشأن قصف

مجمَّمع الأمم المتحدة في قانا

في 18 نيسان/أبريل 1996 

مقدمة

  1. في 18 نيسان/أبريل 1996، بعد الساعة 00/14 بالتوقيت المحلي بقليل، أطلقت المدفعية الإسرائيلية نيرانها على مجمَّع مقر الكتيبة الفيجية التابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان. وفي ذلك الوقت،كان ما يربو على 800 لبناني قد لجأوا إلى داخل المجمّع، الذي يوجد في قرية قانا. ويُقدر ان 100 شخص قد قُتلوا، وأصيب عدد أكبر بجروح. وأصيب أربعة من جنود الأمم المتحدة بجروح. وحدثت أضرار واسعة النطاق.
  2. وفي اليوم ذاته، تلقيت توجيهاتكم بان أسافر إلى المنطقة للتحقيق في الحادثة وتحديد الخطوات التي يمكن اتخاذها للحيلولة دون تكرارها.
  3. وغادرت نيويورك مساء 18 نيسان/أبريل، ووصلت في 20 نيسان/أبريل إلى مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان في الناقورة، حيث أحاطني الميجور – جنرال ستانيسلا فوزنباك، قائد القوة، ومعاونوه علماً بالأوضاع. وكان بصحبتي اللفتنانت – كولونيل جيفري دودس من معاونيَّ، وساعدني في الميدان اثنان من ضباط قوة الأمم المتحدة على دراية فنية بالمدفعية والعتاد الحربي.
  4. وقمت مع الفريق المرافق لي بعدة زيارات لمجمَّع الأمم المتحدة في قانا، واجتمعت مع قائد الكتيبة الفيجية، وأفراد الاحتياطي المتنقل التابع للقوة، وضباط الجيش اللبناني وغيرهم. وتم إجراء عملية مسح مفصلة للمنطقة. وفي بيروت، اجتمعت مع وزير الدفاع اللبناني، السيد محسن دلول، ومع قائد الجيش اللبناني، الفريق إميل لحود (كلاهما يوم 22 نيسان/أبريل).
  5. وعقدت ثلاثة اجتماعات مع ممثلي جيش الدفاع الإسرائيلي: أولاً، مع نائب رئيس هيئة الأركان العامة، الميجور – جنرال ماتان فيلنائي (21 نيسان/أبريل)، ثم مع رئيس هيئة الأركان العامة، اللفتنانت – جنرال أمنون شاحك (25 نيسان/أبريل)، ومع قائد القيادة الشمالية، الميجور – جنرال عميرام ليفين (25 نيسان/أبريل). وبالإضافة إلى ذلك، قمت بزيارة كتيبة المدفعية الإسرائيلية التي نفذت القصف (21 نيسان/أبريل).
  6. في 21 نيسان/أبريل، التقيت مع الميجور – جنرال فيلنائي في تل أبيب، وزرت كتيبة المدفعية وكان حاضراً في هاتين المناسبتين مدير سلاح المدفعية الإسرائيلية، البريعادير جنرال دان هاريل، الذي قيل لي إنه أجرى تحقيقاً في حادثة القصف. وأورد الضباط الإسرائيليون الرواية التالية للأحداث:

الرواية الإسرائيلية للأحداث

  • في وقت مبكر من بعد ظهر 18 نيسان/أبريل، تعرضت دورية إسرائيلية لإطلاق النار عليها من قانا. ولم يُحدد موقع الدورية بالضبط، باستثناء القول بأنها كانت قريبة من "الخط الأحمر"، وهو خط يرد في الخرائط الإسرائيلية لتعيين الحافة الشمالية للمنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل في جنوب لبنان. وسقطت قذائف هاون على مسافة تصل إلى 40 متراً من الدورية، التي طلبت العون. وشرعت القوات الإسرائيلية في إجراءات إطلاق النار للإنقاذ؛
  • وفي الساعة 52/13 والساعة 58/13، على التوالي، حدد رادار تعيين المواقع الإسرائيلي هدفين منفصلين في قانا، أطلقت منهما النار أصلاً. وحُدد مكان الهدف الأول على مسافة حوالي 200 متر جنوب غربي مجمَّع الأمم المتحدة. وحُدد مكان الهدف الثاني على مسافة حوالي 250 متراً جنوب شرقي المجمَّع. وأُرسلت البيانات بصورة آلية إلى القيادة الشمالية، وإلى كتيبة مدفعية ترابط على الحدود الإسرائيلية – اللبنانية، على مسافة حوالي 12 كيلومتراً من البحر. وتتألف الكتيبة من ثلاث بطاريات تضم الواحدة منها أربعة مدافع. وهي مجهزة بمدافع من طراز M-109 A2 (عيار 155 ملليمتراً). وعندما تلقت الكتيبة البيانات، تأكدت من موقعي الهدفين على إحدى الخرائط، ووجدت أن أحد الموقعين هو على مسافة تتراوح بين 200 و300 متر من موقع الأمم المتحدة في قانا. وبناء عليه، طلب قائد الكتيبة تعليمات من القيادة الشمالية، التي أعادت التأكد من البيانات وأعطت الإذن بإطلاق النار. وهذا القرار لم يُتخذ بخفة، بل شارك فيه ضباط من رتب عليا؛
  • وعندما وصل الأمر بإطلاق النار، اشتبكت إحدى البطاريات مع الهدف الأول، مستخدمة مدافعها الأربعة كلها. وأطلقت 38 قذيفة (شديدة الانفجار، ثلثاها تقريباً مجهزان بمصاهر من النوع الذي ينفجر عند الاصطدام بالأرض، والثلث الآخر مزود بمصاهر اقتراب (مصاهر الاقتراب تجعل الطلقة تنفجر في الهواء فوق الهدف، وهي كثيرً ما تستخدم ضد الأفراد) واستُخدم نوعا المصاهر بترتيب عشوائي، واستُخدم أسلوب تجميع النيران بحيث يتركز سقوط القذائف في المنطقة المستهدفة. وللأسف طاشت بضع قذائف وأصابت مجمَّع الأمم المتحدة؛
  • ولم يكن لدى قائد كتيبة المدفعية أي تفسير مرض لسقوط هذا العدد الكبير من القذائف على مسافة حوالي 300 متر شمال الهدف المقصود (أنظر الرسم التخطيطي المرفق). ورداً على سؤال حول ما إذا كان قد غيَّر اتجاه إطلاق النار أثناء القصف، قال إنه لم يفعل ذلك؛ وأضاف أن المهمة لم تستغرق سوى ثلاث أو أربع دقائق (كان التوقيت الذي أوردته القوات الإسرائيلية هو من الساعة 07/14 إلى الساعة 12/14)، وأنه لم يكن ثمة وقت كاف لتغيير بيانات الهدف؛

(هـ)وسألنا قائد الكتيبة عن الإجراءات المستخدمة في إطلاق النار. وبيَّنت ردوده توافر مستوى عال من الاقتدار؛

(و)واشتبكت بطارية أُخرى توجد في نفس الموقع من الهدف الثاني. وأطلقت 40 قذيفة، من الساعة 11/14 إلى 14/14؛

(ز) ورداً على الأسئلة المتكررة، ذكر المحادثون الإسرائيليون أنه لم تكن هناك طائرات أو طائرات هليكوبتر أو طائرات موجهة من بُعد تابعة لإسرائيل في الجو فوق قانا قبل القصف أو خلاله أو بعده. (ولو كانت هذه موجودة لمكَّنت القوات الإسرائيلية من مراقبة منطقة الهدف وضبط نيرانها). غير أن الجنرال فيلنائي وعد، في 21 نيسان/أبريل، بناء على طلبي، أن يبحث هذه المسألة من جديد. وأكد البريغارير جنرال دافيد تسور، رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالقوات الأجنبية، خطياً أنه "لم تكن هناك طائرات هليكوبتر  أو طائرات صغيرة موجهة من بُعد تحلق فوق منطقة قانا في 18 نيسان /أبريل، قبل الحادث أو خلاله."

  • وذكر الضباط الإسرائيليون أن القوات الإسرائيلية لم تكن على علم وقت القصف أن عدداً كبيراً من المدنيين اللبنانيين لجأوا إلى مجمَّع قانا. ولم أتابع هذه المسألة لأنني اعتبرتها غير ذات صلة نظراً لأن مجمَّع الأمم المتحدة ليس هدفاً مشروعاً، سواء أكان فيه مدنيون أم لم يكن.
  • وأكد الضباط الإسرائيليون أنه ليس من سياسة إسرائيل أن تستهدف المدنيين أو الأمم المتحدة. بل على العكس من ذلك، بذلت القوات الإسرائيلية قصارى جهدها لتجنب وقوع خسائر في الأرواح البرئية. ولذلك فإن حادثة قانا تدعو إلى أشد الأسف.

 

الأحداث التي وقعت قبل القصف

استجوب أنا وفريقي عدداً من الشهود بشأن أنشطة مقاتلي حزب الله في قانا قبل الحادث وتبين ما يلي:

  • ما بين الساعة 00/12 والساعة 00/14 من يوم 18 نيسان/أبريل، أطلق مقاتلو حزب الله صاروخين أو ثلاثة من مكان يقع على بعد 20 متراً جنوب شرق مجمَّع الأمم المتحدة.وقد تم تحديد المكان على الأرض؛
  • ما بين الساعة 30/12 والساعة 00/12 أطلقوا أربعة أو خمسة صواريخ من مكان يقع على بعد 600 متر جنوب شرق المجمَّع. وقد تم تحديد الموقع على الأرض؛
  • قبل حوالي 15 دقيقة من القصف، أطلقوا ما بين خمس وثماني طلقات هاون عيار 120 ملليمتراً من مكان يقع على بعد 220 متراً جنوب غرب مركز المجمَّع. وقد تم تحديد المكان على الأرض. ووفقاً لما ذكره الشهود، وضع مدفع الهاون هناك بين الساعة 00/11 والساعة 00/12 من ذلك اليوم، غير أن أفراد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان لم يتخذوا أي إجراء لإزالته. (في 15 نيسان/أبريل، أُطلقت النار على أحد الفيجيين فأصيب في صدره وهو يحاول منع مقاتلي حزب الله من إطلاق الصواريخ)؛
  • أدخل مجمَّع الأمم المتحدة في قانا إليه عدداً كبيراً من اللبنانيين الذين كانوا يبحثون عن ملجأ يحميهم من القصف الإسرائيلي. وبحلول يوم الأحد 14 نيسان/أبريل، كان في المجمَّع 745 شخصاً. وفي 18 نيسان/أبريل، وهو يوم القصف، قُدر أن عددهم كان يزيد عن 800 شخص. وعندما سمع الجنود الفيجيون طلقات الهاون وأدركوا أنها تطلق من مكان ليس بعيداً عن المجمَّع، بدأوا على الفور في نقل أكبر عدد ممكن من المدنيين إلى المخابئ لحمايتهم من أي عمل انتقامي إسرائيلي؛

(هـ) حدث في وقت ما (ليس من الواضح تماماً ما إذا كان ذلك قبل القصف أو بعده) أن دخل مقاتلان أو ثلاثة من حزب الله إلى مجمَّع الأمم المتحدة، حيث كانت أسرهم.

 مسح منطقة سقوط القذائف

  • أسفر المسح التقني لمواقع سقوط القذائف الإسرائليلية عن المعلومات التالية:
  • تبين سقوط ست وثلاثين قذيفة من منطقة قانا. وعثر على شظايا قذائف عيار 155 ملليمتراً في كل أنحاء مجمَّع الأمم المتحدة. وكان توزيع مرامي القذائف غير متساو؛ فقد كانت هناك منطقتان متميزتان تركزت فيهما القذائف وكان هناك طلقتان "طائشتان"؛
  • كانت المنطقة الأُولى التي تركز فيها سقوط القذائف على بعد حوالي 100 متر جنوب مجمّع الأمم المتحدة، وهي مجموعة من المنازل التي تقع على بعد حوالي 75 متراً شمال غرب موقع إطلاق قذائف الهاون. وسقط جنوب مجمَّع الأمم المتحدة ما مجموعه 17 قذيفة (16 ذات مصهر ينفجر عند الارتطام بالهدف، وواحدة ذات مصهر اقترابي)؛
  • وكانت المنطقة الثانية التي تركّز فيها سقوط القذائف في وسط مجمَّع الأمم المتحدة. ونظراً لعدد وحالة الضحايا والدمار الناجم عن القصف كان يتعين القيام فوراً بعملية تنظيف رئيسية بعد انتهاء القصف. وأدى ذلك إلى ضياع أدلة هامة. غير أنه كانت هناك أدلة لا بأس بها عن ذخائر مدفعية متعددة ذات مصاهر اقترابية انفجرت فوق المجمَّع مباشرة فغطت جزءاً كبيراً من مساحته. وعلى الرغم من أنه لا يتسنى تحديد العدد المضبوط تشير الأدلة المتاحة إلى انفجار ثمانية مقذوفات من هذا النوع فوق المجمَّع وانفجرت مقذوف خارجه مباشرة. وهناك أيضاً أدلة على أن خمسة مقذوفات شديدة الانفجار من النوع الذي ينفجر لدى اصطدامه بالهدف انفجرت في المجمَّع وثلاثة منها بالقرب منه. وخلاصة القول، إنه عثر على أدلة على حدوث 13 انفجاراً داخل المجمَّع أو فوقه مباشرة و4 انفجارات قريباً جداً منه؛
  • استخدمت تقريباً جميع القذائف ذات المصاهر الاقترابية في منطقة مجمَّع الأمم المتحدة؛

(هـ) على الرغم من القيام بتفتيش جوي وأرضي كبير، لم يُعثر على آثار لسقوط قذائف في منطقة الهدف الثاني الذي حددته القوات الإسرائيلية (350 متراً جنوب – جنوب شرق مجمَّع الأمم المتحدة)، على الرغم من أنه عثر على أدلة تفيد أنه تم إطلاق صواريخ من موقع قريب منه.

  • أفاد عدة شهود أنه حدث تحول ملحوظ أثناء القصف في كثافة النيران من منطقة تقع جنوب غرب المجمَّع (موقع الهاون) إلى المجمَّع نفسه.
  • ذكر عدة شهود أنهم رأوا طائرة موجهة عن بُعد فوق منطقة قانا قبل القصف وخلاله وبعده. وشوهدت طائرتا هليكوبتر على بعد كيلومترين جنوب شرق مجمَّع الأمم المتحدة أثناء القصف وشوهدت طائرة هليكوبتر واحدة بالقرب من المجمَّع بعد انتهاء القصف. وقد سُجل وجود طائرة هليكوبتر واحدة وطائرة موجهة عن بُعد على شريط فيديو صور الجزء الأخير من القصف. وقد قام بتصوير الفيديو فرد من الاحتياطي المتنقل التابع للقوة من مكان يطل على مجمَّع الأمم المتحدة في قانا على بعد حوالي 1,5 كيلومتر. والطائرة الموجهة عن بُعد التي تم تصويرها هي من النوع القادر على نقل البيانات آنياً.

 

النتائج

  • وفيما يلي النتائج التي خلصت إليها:
  • يتبين من توزيع مواضع سقوط القذائف في قانا أن هناك منطقتين متميزتين للتركيز، والنقطتان الرئيسيتان لسقوط القذائف فيهما تبعد إحداهما عن الأُخرى بحوالي 140 متراً. ولو كانت المدافع مصوبة على أساس تجميع النيران في اتجاه واحد، كما قالت القوات الإسرائيلية، لكانت هناك نقطة رئيسية واحدة فقط لسقوط القذائف.
  • نمط مواضع سقوط القذائف لا يتفق مع تجاوز الضرب العادي للهدف المعلن (موقع مدفعية الهاون) بطلقات قليلة، كما ذكرت القوات الإسرائيلية؛
  • أثناء عملية القصف، كان هناك تغيير ملموس في تركيز النيران من موقع مدفعية الهاون إلى مجمَّع الأمم المتحدة؛
  • توزيع مواضع سقوط القذائف التي تنفجر عند الاصطدام والانفجارات التي حدثت في الجو يجعل من غير المحتمل حدوث استخدام عشوائي للقذائف ذات المصاهر التي تنفجر عند الاصطدام والقذائف ذات المصاهر التي تنفجر عند الاقتراب من الهدف، كما قالت القوات الإسرائيلية؛

(هـ) لم تكن هناك صدمات في المنطقة المستهدفة الثانية التي زعمت إسرائيل أنها قد قامت بقصفها؛

(و) وعلى النقيض من الإنكارات المتكررة،كانت توجد طائرتا هليكوبتر إسرائيليتان وطائرة موجهة عن بُعد في منطقة قانا عند القصف. وعلى الرغم من عدم إمكان استبعاد هذا الاحتمال استبعاداً تاماً، فإن من غير المحتمل أن يكون قصف مجمَّع الأمم المتحدة نتيجة أخطاء تقنية و/أو إجرائية جسيمة.

منع التكرار

  • في 19 نيسان/أبريل، أبلغ الجنرال ليفين الجنرال فوزيناك باتخاذ القوات الإسرائيلية احتياطات جديدة فيما يتصل بإطلاق النار على أهداف مجاورة لمواقع الأمم المتحدة. وأوصي بمراجعة هذه التدابير وتأكيدها على الصعيد السياسي.

 

(توقيع) فرانكلين فان كابن ميجور جنرال، ومستشار عسكري

 

إضافة مؤرخة

17 أيار /مايو 1996

لتقرير المستشار العسكري للأمين العام

بشأن قصف قانا 

  • في ضوء النتائج المجملة في تقريري المؤرخ 1 أيار/مايو، دُعي سعادة السفير دافيد بيليغ القائم بأعمال البعثة الدائمة لإسرائيل للحضور إلى المقر في 2 أيار/مايو. وعلى مسمع من السيد كوفي أنان، طلبت إليه مزيداً من التعليق على مسألتين: عدم وجود أي آثار لسقوط قذائف من بطارية المدفعية والثانية في المنطقة المستهدفة المعنية، ووجود طائرتي هليكوبتر وطائرة موجهة عن بُعد في منطقة قانا عند القصف. وعرض على السيد بيليغ شريط الفيديو المذكور في الفقرة 12 من تقريري.
  • في 6 أيار/مايو، زار السفير بيلغ المقر، وكان معه البريغادير جنرال دان هاريل، مدير سلاح المدفعية بجيش الدفاع الإسرائيلي، ومسؤولون آخرون أيضاً. وكرر الجنرال هاريل نتائج التحقيق الإسرائيلي،الذي قال عنه إنه قد انتهى بالأمس فقط. وبيَّن أن القوات الإسرائيلية كانت متلهفة على التعاون مع الأمم المتحدة. ومن ثم، فقد أعطتني التحقيقات لديها. وبعض هذه المعلومات قد ثبت أنها غير صحيحة. وقدم الجنرال هاريل الإضافات والتصويبات التالية:
  • اكتُشف خطآن في مراجعة القيادة الشمالية لبُعد الأهداف عن مجمًّع الأمم المتحدة (أنظر الفقرة 6 (ب) من تقريري). وأولهما، أن المجمَّع قد تحدد بدبوس على خريطة (بمقياس رسم 20000:1) على بعد حوالي 100 متر من شمال موقعه الفعلي. وثانيهما، أن المساحة التي يغيطها المجمَّع لم تؤخذ في الحسبان عند قياس المسافة.ومن ثم، فقد قدرت المسافة بين الهدف والمجمَّع (أو حافة المجمَّع، كما أرى) بما يناهز 350 متراً، لا 180 متراً كما هو المواقع؛
  • أن نسبة خليط القذائف بين النوعين المشار إليهما للمصاهر كانت على عكس ما قيل لي، حيث كان ثلثاه من القذائف ذات المصاهر الاقترابية والثلث من القذائف ذات المصاهر التي تنفجر عند الاصطدام بالهدف وليس العكس؛

(ج) أخطأت البطارية الثانية الهدف الثاني بالمرة. وأراني الجنرال هاريل صورة فوتوغرافية جوية توضح وجود مجموعة من سبعة مواضع لسقوط قذائف على بعد 150 متراً تقريباً غرب موقع الصاروخ (180 متراً جنوبي موقع مدفعية الهاون). ولم يفسر الجنرال هاريل سبب أخطاء الهجوم [و؟] عدم إصابة البطارية الثانية لهدفها؛ فالبيانات المقدمة للبطارية كانت صحيحة؛

(د) لم يستطع الجنرال هاريل أن يفسر سبب وجود تركيزين واضحين لسقوط القذائف في قانا مع تباعد النقطتين الرئيستين لسقوط القذائف إحداهما عن الأُخرى بمسافة 140 متراً؛

(هـ) من المعروف الآن أنه قد جرى في الواقع استخدام طائرة موجهة عن بُعد فوق جنوب لبنان. ومع هذا، فقد انتقلت إلى منطقة كفرا/ياطر والساحل، وكانت في منطقة ياطر عند القصف. وهي لم ترسَل إلى قانا إلا في الساعة 18/14، أي عقب انتهاء القصف، ووصلت إلى مقصدها في الساعة 31/14. وأشار إلى أن مجال الرؤية بالنسبة لهذه الطائرات مجال ضيق، وإلى أن وجود طائرة من هذا القبيل بالقرب من قانا لا يعني أنها كانت داخلة في مجال الرؤية؛

(و) أُرسلت طائرتا هليكوبتر شمالي "الخط الأحمر" (أنظر الفقرة 6 (أ) عقب تعرض الدورية الإسرائيلية للهجوم من أجل تحديد موقع مصدر النيران ومهاجمته. ومع هذا، فإنهما لم تعثرا على الهدف وبارحتا المنطقة. وذكر الجنرال هاريل أنه لا يعرف الطريق الذي سلكته الطائرتان، كما أنه لا يدري ما إذا كانتا قد حلقتا فوق قانا. وقال أنه سينظر في هذا الأمر؛

(ز) وأكد الجنرال هاريل أن القوات الإسرائيلية كانت لديها تعليمات مشددة بألا تجعل من الأمم المتحدة هدفاً لها. ومن ثم، فإن قصف مجمَّع قانا لم يكن إلا اقتران مجموعة من الأخطاء التقنية والإجرائية، مع المصادفة.

  • وسيلاحظ أن التفسيرات الإضافية المقدمة من الجنرال هاريل تتناول سبب ضرب القوات الإسرائيلية لهدف مجاور لمجمًّع الأمم المتحدة. وهي لا تتناول النتائج الأربع الأُولى التي خلصت إليها. وألاحظ أيضاً أن القوات الإسرائيلية لم تقدم أي تفاصيل بعد عن وجود طائرات هليكوبتر في منطقة قانا، وهذه نقطة كنت قد أثرتها أول مرة في 21 نيسان/أبريل. وكما سبق أن ذكرت في تقريري، لا يحتمل أن يكون قصف مجمَّع الأمم المتحدة نتيجة أخطاء تقنية و/أو أجرائية جسيمة. ومع هذا، فإن هذا الاحتمال لا يمكن استبعاده كلية.

 

(توقيع) فرانكلين فان كابن ميجور جنرال، ومستشار عسكري

 

 

حديث صحافي للناطق باسم قوات الطوارئ الدولية، تيمور غوكسيل، يؤكد فيه أن القصف الإسرائيلي لمقر القوات الدولية في قانا ليس خطأ تقنيا ولا مبرر له.[6] [مقتطفات]

 

قال غوكسيل: من غير المفروض وجود مسلحين حول مراكز قوات الطوارئ الدولية، وأثناء الحرب الأخيرة كان جنودنا يختبئون خلال القصف في الدشم والملاجئ "وبعد انتهاء القصف ومع أول فرصة تسنح لهم للخروح لا يسمحون لأحد من المسلحين إذا انوجدوا بالوقوف إلى جانب مراكزهم. أمّا إذا كنتم تتحدثون عن المقاومة فهؤلاء هم من السكان المحليين ويعملون بجهد لكي لا يظهروا أنفسهم لأحد بما في ذلك لقوات الطوارئ الدولية، وهم لا يقولون لأحد من الناس بأنهم سيقومون بعمل ما لأن هذه مقاومة بالنهاية ولا أحد يعرف كيف تتحرك بالضبط." وأشار إلى أن معظم المعلومات التي استقاها التحقيق الذي أجراه المستشار العسكري للأمين العام للأمم المتحدة الجنرال الهولندي فرانك فان كابن أخذت من العناصر الفيجيين، وقال: التقرير لم يكن مزحة بل هو تقرير جدي بعد أن سبقته تحقيقات ميدانية واستشارات "وعندما تقرأ التقرير فهو يحدد ساعة إطلاق النار قبل الحادثة وما حصل بعدها. إنه تقرير جدي بكل معنى الكلمة."

وكشف أنه كان جزءاً من التحقيق الذي أجراه مستشار غالي بصفته خبيراً محلياً. ورداً على سؤال بشأن التحقيقات التي أجراها فان كابن وشملته قال إنها تحقيقات مهمة جداً ومن اشتغل به كان محترفاً ويفهم بدقة المهمة المكلّف بها مما جعل الإسرائيليين يتضايقون من التحقيق لأن التقرير يظهر أن إسرائيل أطلقت النار على مركز الأمم المتحدة وأصابته. والتحقيق يحدد مكان سقوط كل قذيفة وهو يضع كل واحد عند مسؤولياته ويظهر بالنهاية أن ما حصل ليس خطأ تقنياً كما يزعم البعض.

 [.  .  .  .  .  .]

أضاف: التقرير يقول إن الأمم المتحدة لا تؤمن بالمبررات التقنية التي تتحدث عنها إسرائيل.

وهل أبلغ الجانب الإسرائيلي بوجود مدنيين في المركز المذكور، يجيب غوكسيل بانفعال: نقطة على السطر. هذا مركز الأمم المتحدة سواء فيه مدنيون أم لا. عليه علم الأمم المتحدة. منذ أن اندلعت الحرب الأخيرة والعالم كله يعرف أن ما بين ستة إلى سبعة آلاف مدني لبناني لجأوا إلى مراكز القوات الدولية "وليس من الضروري أن نقول لكل واحد بالتحديد كم يوجد في كل مركز من هذه المراكز. فقد أعلنا منذ البداية عن وجود آلاف المدنيين في مراكزنا."

ورداً على سؤال عما إذا كانت قوات الطوارئ قد تبلغت أي إشارة من الإسرائيليين حول لجوء المدنيين إلى مراكزها قال غوكسيل: "نعم" الإسرائيليون انزعجوا من وجود المدنيين اللبنانيين في مراكز القوات الدولية واعتبروا أن هذا بمثابة عمل غير مسؤول وأبلغوا ذلك للقوات الدولية بواسطة رسائل أو عبر لجنة الارتباط وقد قالت لهم القوات الدولية إن هؤلاء المدنيين هم جيراننا، إنهم لبنانيون وهذه أرضهم ومراكزنا على أراضيهم ومن الطبيعي أن نجلس معهم وأن نسمح لهم بالاختباء في هذه المراكز."

وهل تتلقى القوات الدولية تحذيرات من الإسرائيليون حول مغبة إيواء أي مسلح في مراكزها أجاب: "مرات عدة، قبل هذه الحرب وخلالها والآن وفي المستقبل ولكن جنودنا لا يسمحون لأي مسلح بدخول مراكزهم."

ونفى غوكسيل أن يكون مقر الكتيبة الفيجية في قانا قد تلقى أي تحذير قبل قصفه "فالإنذار عن وجود مسلحين حصل بعد أن كانت المجزرة قد وقعت" واستغرب بشدة ما تحاول أن تبرر به إسرائيل قصفها للمقر، وقال: هذا الأمر نلاحقه، ولا مبرر لقصف أي مركز للقوات الدولية.

ورداً على سؤوال حول ما يقود إليه كلام غوكسيل بعد صدور تقرير الأمم المتحدة أجاب: لست أدري وليس عندي أي تفسير لما حصل ولا أجد أي تفسير نهائياً، فالفنيون يقولون إن ما حصل ليس خطأ تقنياً أبداً وما لا يعرفونه حتى الآن هو سبب القرار التقني الإسرائيلي المتخذ (قصف المقر) ولذلك يستمر التحقيق مفتوحاً، ولذلك يستمر الفنيون الدوليون بالقول إن ماحصل ليس خطأ تقنياً ولا مبرر للخطأ التقني.

 [.  .  .  .  .  .  .]

رد وزارة الخارجية الإسرائيلية على تقرير الأمم المتحدة بشأن مجزرة قانا القدس، 9/5/1996.[7]

 

  • إن إسرائيل ترفض رفضاً قاطعاً نتائج تقرير الأمم المتحدة المتعلق بحادث قانا.
  • إن إسرائيل، التي تأسف شديد الأسف للخسائر البشرية في قانا، أجرت تحقيقاً معمقاً في هذا الحادث المأساوي الذي تسبب به، قبل أي شيء آخر، إقدام حزب الله على إطلاق صواريخ كاتيوشا وقذائف هاون من نقطة قريبة جداً من موقع الأمم المتحدة.

إننا نؤكد مرة أُخرى أن الجيش الإسرائيلي لم يكن في نيته أبداً إطلاق النار على موقع الأمم المتحدة في قانا. ولقد أظهر تحقيقنا الخاص أن موقع الأمم المتحدة أُصيب بالقصف المدفعي بسبب تهديف غير دقيق عائد إلى معطيات خاطئة.

إن طائرة الاستطلاع من دون طيار التي ظهرت في شريط الفيديو لم تصل إلى فوق الموقع قبل بدء القصف ولم تكن عنصراً عملانياً مساعداً للمدفعية الإسرائيلية.

  • من الصعب إدراك سبب عدم إدانة التقرير لحزب الله، وهو أمر مؤسف له بشدة لأن حزب الله استخدم المدنيين باستهتار دروعاً لمقاتليه. كما أن التقرير لا يحتوي على إدانة لاستخدام حزب الله مناطق ملاصقة لمواقع الأمم المتحدة أو قريبة جداً منها لشن هجماته على إسرائيل.
  • إن التقرير غير الدقيق والمنحاز هو تقرير مضلل. وهو يتناقض مع رغبة الأمم المتحدة في الاضطلاع بدور أكثر فاعلية في عملية السلام في الشرق الأوسط ويقوض فرصها للقيام بذلك.

إن إسرائيل تأمل في أن تؤدي الترتيبات التي اتفق عليها كل الأطراف إلى إحلال الهدوء والاستقرار الضروريين لدخول الأطراف المعنيين مفاوضات السلام التي هي السبيل الوحيد لإقامة السلام والاستقرار بين إسرائيل ولبنان.

 

[1] أنظر أدناه صفحة 196.

[2] Robert Fisk, The Independent, May 19, 1996.

[3] Robert Fisk, The Independent, May 7, 1996.

[4] النص الأصلى بالإنكليزية، وقد حصلنا عليه من محفوظات وكالة "رويتر" للأنباء - بيروت

[5] الأمم المتحدة، مجلس الأمن S/1996/337، 7 أيار/مايو 1996.

[6] "السفير" (بيروت)، 9/5/1996.

[7] "النهار" (بيروت)، 10/5/1996.