Jerusalem: The Permanent Solution in a Study by the Jaffee Center
Keywords: 
القدس
الوضع الدولي
منظمة التحرير الفلسطينية
الأردن
إسرائيل
الوضع النهائي
الدين والسياسة
التطبيع
مسألة القدس
Full text: 

 نشرت "مجلة الدراسات الفلسطينية" في عددين سابقين (رقم 20 ورقم 21) دراستين صادرتين عن مركز يافي للدراسات الاستراتيجية، التابع لجامعة تل أبيب، في إطار سلسلة دراسات تعالج قضايا الحل الدائم بين الفلسطينيين وإسرائيل. وتعالج أُولى الدراستين مسألة الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعالج ثانيتهما مسألة اللاجئين الفلسطينيين. ونظراً إلى أهمية هذه الدراسات في توضيح المواقف الإسرائيلية من قضايا الحل الدائم ومناحي التفكير الإسرائيلي بشأن الحلول المطروحة لها، تنشر المجلة في هذا العدد ترجمة لدراسة ثالثة تتعلق بمسألة القدس.

[.......]

مواقف الأطراف الرئيسية من مسألة القدس

إن مسألة القدس في دبلوماسية الشرق الأوسط غالباً ما تناقَش بصورة مشوشة، وغالباً ما تختلط الأمور فيما يتعلق بالمدلولات الجغرافية والقضايا الفرعية التي تهتم جميع الأطراف. أولاً، إن كل طرف من أطراف النزاع العربي - الإسرائيلي لديه تاريخياً مفهوم جغرافي مختلف للقدس. وبالنسبة إلى أغلبية الإسرائيليين، فإن القدس تعني الحدود البلدية الحالية التي رسمت سنة 1967، وهذه تشمل القدس الغربية الإسرائيلية لما قبل سنة 1967، والقدس الشرقية التي كانت تحت سيطرة الأردن، وأجزاء من الضفة الغربية ضُمّت إلى القدس ولم تكن ضمن الحدود البلدية للقدس يوم كانت تحت السيطرة الأردنية.

أمّا الفلسطينيون العرب، فإنهم لا يعترفون بالتفسير الإسرائيلي للحدود البلدية للقدس. ومن وجهة نظرهم، فإن أحياء القدس التي بنيت على الخط الأخضر، مثل راموت وغيلو، ليست في الواقع جزءاً من القدس، بل مستوطنات في الضفة الغربية. وبينما يتحدث الفلسطينيون أحياناً عن الحفاظ على بلدية القدس الشرقية تعبيراً عن التحدي لضم إسرائيل لها، فإن الحدود البلدية الفعلية لما قبل سنة 1967، والتي رسمها الأردن، ليست مقدسة في نظرهم. وقد يسعى الفلسطينيون للتفاوض بشأن حدود جديدة تماماً من شأنها أن توسع مساحة البلدية التي عيّنها الأردن.

وهناك أيضاً تعريفات للقدس أوسع من ذلك كثيراً. لقد أوصى قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1947، بإنشاء كيان منفصل (Corpus Separtatum) تمتد مساحته إلى ما بعد أبو ديس شرقاً، وإلى موتسا غرباً، وإلى شعفاط شمالاً، ويشتمل على بيت لحم وبيت ساحور جنوباً.

أدرك المشرفون الإسرائيليون على التخطيط للمدينة منذ فترة بعيدة أنه قد نشأت منطقة قدس كبرى حاضرتها مدينة القدس (Metropolitan)، ممتدة فيما وراء الحدود البلدية للمدينة. وما يحدد هذه المنطقة الكبرى هو الاعتماد المتبادل الكثيف بين المناطق المحيطة بالقدس اجتماعياً واقتصادياً، وبين قلب المدينة: تسافر أعداد كبيرة من سكان هذه المناطق يومياً إلى القدس للعمل، وتوفر هذه المناطق أراضي احتياطية للنمو الصناعي أو السكاني لكل من السكان الإسرائيليين والفلسطينيين العرب.

كما يمكن أن تحدد المنطقة الكبرى أنماط حركة مرور المسافرين؛ فعلى بعد ثلاثين دقيقة من وسط القدس تقع بيت شيمش إلى الغرب، ومفترق طرق ألموغ إلى الشرق، وعوفرا إلى الشمال، وتكواع إلى الجنوب.[1] ويعتمد كل من الإسرائيليين والفلسطينيين العرب على طرق القدس للتنقل بين مختلف النقاط في المنطقة الكبرى. وفي المقابل، يستخدم سكان القدس الطرق المحيطة بالمنطقة الكبرى للوصول إلى المدينة. وفي الواقع، ينظر الفلسطينيون إلى القدس بوصفها عقدة المواصلات التي تربط بين نصفي الضفة الغربية الشمالي والجنوبي.

إذا تجاوزنا المسألة الجغرافية، فإن في الإمكان مناقشة موضوع القدس على ثلاثة مستويات مختلفة: هناك المستوى السياسي المتعلق بمسألة السيادة على المدينة، أو على مختلف أجزائها. وترتبط بالسيطرة السياسية المسألة الديموغرافية. فخلال العصور الوسطى، جرى تكراراً تقليص الوجود اليهودي في القدس أو إزالته كلياً على أيدي الحكام البيزنطيين والصليبيين، أو حدث ذلك نتيجة للحملات العسكرية. لكن حتى قبل نشوء الصهيونية الحديثة، عادت القدس إلى كونها مدينة ذات أغلبية سكانية يهودية في عهد الإمبراطورية العثمانية، في بدايات القرن التاسع عشر. وكان هناك أغلبية يهودية في القدس منذ سنة 1864 على الأقل، عندما كان إجمالي عدد السكان 15,000 نسمة، منهم 8000 يهودي، و4500 مسلم، و2500 مسيحي.[2]

عندما وحدت إسرائيل القدس سنة 1967، كان 74,2% من عدد السكان يهوداً، بينما كان 25,8% من غير اليهود (أغلبيتهم من الفلسطينيين العرب). وكان السكان العرب كلهم تقريباً يقطون في الأجزاء الشرقية من المدينة، بينما لم يكن هناك أي يهودي في المناطق التي كانت تحكم الحكم الأردني. وبصورة تقريبية، حافظت إسرائيل على التوازن العام بين الإسرائيليين والفلسطينيين العرب في المدينة ككل منذ سنة 1967 حتى الآن، على الرغم من أنه بحلول سنة 1993 انخفضت نسبة السكان اليهود إلى نحو 71,7%.[3] وفي أية حال، يشكل الإسرائيليون الآن الأغلبية في المناطق التي ضُمّت بعد سنة 1967. وهكذا، فإن السيطرة السياسية تتضمن السيطرة الديموغرافية، التي تقلص بدورها الخيارات السياسية الممكنة في النهاية في أية تسوية سلمية.

يمكن أيضاً مناقشة مسألة القدس على المستوى الديني المتعلق بإدارة الأماكن الدينية اليهودية والإسلامية والمسيحية، أو السيطرة عليها أو حمايتها. وأخيراً، هناك المستوى البلدي للحكومة المحلية في القدس، الذي لا يشكل نقطة مركزية بالنسبة إلى هذه الدراسة. هذه الفوارق مهمة. وعلى الأغلب، من المتوقع أن يعالج حل المسائل البلدية مع النضال من أجل السيادة الوطنية. وفي المقابل، فإن إيجاد حل لمسألة السيادة قد لا يجيب عن السؤال المتعلق بالأماكن المقدسة. وأخيراً، فإن التنازل في مستوى معين قد يتحول إلى تنازلات أشمل في مستوى آخر؛ ومن السهل تصور أن يأخذ الفلسطينيون تنازلاً إسرائيلياً في المستوى البلدي ويحولوه إلى تنازل في مستوى السيادة الوطنية.

وفي أية حال، فإنه من المهم تلخيص موقف الفرقاء من مختلف مستويات مسألة القدس قبل أن تُستنبط أية استراتيجيات دبلوماسية لإسرائيل.

البعد الديني

ظاهرياً، ليس هناك سبب يستدعي أن تحتاج الأماكن الدينية التي تقع تحت سيادة الدولة الوطنية إلى نظام دولي خاص من أي نوع. إن الأماكن المهمة بالنسبة إلى المسيحية الأرثوذكسية الشرقية في إستانبول ليست تحت الحماية الدولية. وفي الهند، تعرضت المؤسسات الإسلامية إلى هجوم المتطرفين الهندوس، ومع ذلك ليس هناك أية جهود منسقة لتقديم أية ضمانات عالمية خاصة بها.

كذلك لا توجد مطالبة دولية بوضع الأماكن الإسلامية الشيعية المقدس الموجودة في العراق، الذي يحكمه السُّنة، تحت حماية دولية. ولفترة قصيرة في الثلاثينات من هذا القرن، كان هناك تخوف في العالم الإسلامي من الحكم السعودي في مكة والمدينة، نظراً إلى انتماء السعوديين إلى طائفة الموحدين المتزمتة؛ وهكذا برزت اقتراحات بتدويل الحجاز.[4] ومن هنا، فإن المطالبة بوضع دولي خاص للأماكن المقدسة في القدس ليست نتاج مواثيق أو أعراف دولية. إنها في الواقع ناجمة عن وضع القدس الفريد، كمدينة مقدسة لعدة ديانات رئيسية، وتنتج من الأثر التراكمي لقرون من الصراع، بدءاً بالحملات الصليبية وانتهاء بقيام الدولة اليهودية. ولقد أنشأ ذلك الإرث علاقة مباشرة بين السيطرة السياسية وحرية الوصول إلى الأماكن الدينية.

قبل قيام دولة إسرائيل، كانت السيطرة السياسية تُستخدم في الغالب ضد وصول اليهود إلى الأماكن الدينية. وفي ظل الوضع القائم (status quo)، الذي أوجدته الإمبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر، سُمح لليهود بالصلاة عند الحائط الغربي (حائط المبكى)، لكن حُظر عليهم إحضار لفافات التوراة والكراسي والحواجز للفصل بين الجنسين. وكان التوتر بين المسلمين واليهود الناجم عن المحاولات اليهودية لاختراق هذه القيود الدينية أحد العوامل التي تسببت في اندلاع أحداث الشغب العربية في فلسطين سنة 1929، خلال فترة الانتداب البريطاني.

لكن في فترة 1948 - 1967، أدت السيطرة السياسية الأردنية إلى إنكار كامل لحق اليهود في الوصول إلى الأماكن الدينية اليهودية. وفي الواقع، لم يسمح لا لليهود ولا للمسلمين الإسرائيليين بزيارة أماكنهم المقدسة. كما أُنكر على اليهود من دول أُخرى الحق في زيارة الحائط الغربي. وبعد سقوط الحي اليهودي من القدس سنة 1948، دُمّر معظم الكنس اليهودية أو انتُهكت حرمته باستخدامه إسطبلات من قِبل الفلسطينيين العرب. وقد اختلف الأردن وإسرائيل بشأن مدلول المادة رقم 8 من اتفاقية الهدنة العامة بينهما الموقعة في 3 نيسان/أبريل 1949؛ إذ اعتقد الإسرائيليون أنها تعني لجنة خاصة لتطبيق حق الوصول إلى الأماكن الدينية، بينما اعتقد الأردن أن مدى صلاحية اللجنة يشتمل أيضاً على مفاوضات بشأن حق الوصول إلى الناصرة وأماكن أُخرى في إسرائيل.[5]

وقد قيدت السيطرة السياسية الأردنية أيضاً حق وصول المسيحيين إلى الأماكن الدينية، ولم يسمح للمسيحيين الإسرائيليين بزيارة القدس الشرقية إلا في أعياد الميلاد.[6] وقيد القانون الأردني حق المؤسسات المسيحية لجهة شراء الأراضي، وتدخل في استقلالية مؤسساتها التعليمية، وانخفض عدد السكان المسيحيين في القدس التابعة للأردن من 25,000 نسمة سنة 1949 إلى 11,000 نسمة سنة 1967. وخلال هذه الفترة كلها، لمتصدر الأمم المتحدة أية قرارات تتعلق بحقوق الأقليات الدينية في القدس التابعة للأردن. وفي الواقع، فإن الموقف الأردني المتشدد من حق الوصول إلى الأماكن الدينية اليهودية اتُّخذ في وقت كانت المملكة الأردنية ضعيفة نسبياً وواقعة تحت التوجيه السياسي البريطاني.

ولا تتطلب مسألة القدس التعرف إلى كيفية تأثير السيطرة السياسية في حق الوصول إلى الأماكن الدينية فحسب، بل أيضاً تحديد كيف تنظر كل ديانة إلى القدس من ناحية دينية. فبالنسبة إلى الديانة اليهودية، تشكل القدس مركزاً دينياً - سياسياً للشعب اليهودي. ولا عجب في أنها أصبحت جزءاً من التعريف الخاص بالصهيونية؛ فالكتاب الثاني من صموئيل (الإصحاح 5، الآية 7) يروي كيف أن الملك داود جعل من "حصن صهيون" عاصمته نحو سنة 1000 ق.م.

لقد أصبحت القدس مركزاً للتطلعات الدينية والقومية اليهودية بإنشاء بيت ها - ميكداش، أو الهيكل، على جبل مورياه. وفي فترة وجود الهيكل، كان يطلب من اليهود أن يقوموا برحلة إلى القدس ثلاث مرات في السنة لأداء الـ "حج" (وهي مشابهة لكلمة الحج العربية). وحتى بعد دمار الهيكل، بقيت القدس قبلة الصلاة اليهودية. كما اتبع التقويم اليهودية للصوم، حتى العصر الحديث، مراحل حصار وتدمير القدس على يد الإمبراطورية الرومانية.

وبحسب التعاليم اليهودية، فإن قدسية منطقة جبل الهيكل تظل قائمة على الرغم من تدمير الهيكل. وفعلاً، فقد أكد أول حاخام أكبر أشكنازي للييشوف، أ. ي. كوك، أن قدسية جبل الهيكل الأبدية لا تزال قائمة. وواصل حاخامو إسرائيل الكبار اللاحقون، مثل ا. ي. أونترمان وي. نسيم بعد سنة 1967، تحذير اليهود من دخول أي جزء من جبل الهيكل.[7] إن دخول المنطقة التي يوجد فيها "قدس الأقداس" محظور كلياً في الشريعة اليهودية اليوم.

ظلت القدس على مر العصور إحدى البؤر المركزية للوعي الديني اليهودي. وتظهر الإشارة إلى استعادة القدس في الصلاة الأساسية في الديانة اليهودية، شمونا إسراي، التي تتلى ثلاث مرات يومياً. وعلاوة على ذلك، فإن عبارة: "العام المقبل في القدس" تتمم أكثر الأعياد شعبية لدى الحركات الأرثوذكسية والمحافظة والإصلاحية في الديانة اليهودية: طقوس عيد الفصح والصلاة الختامية ليوم الغفران. وأخيراً، فإن العبارة الشهيرة من المزمور 137، "إن نسيتك يا أورشليم تنسى يميني" يتلوها الأب وقت ختان ابنه، كما أنها جزء من تلاوة الشكر بعد تناول الوجبات خلال أيام الأسبوع.

قد يكون جبل الهيكل المكان الأكثر قداسة في القدس، إلا إن الارتباط اليهودي بالقدس هو بالمدينة ككل - لا بأماكنها المقدسة فقط. وعلى الرغم من تقلب المصائر السياسية اليهودية منذ الكومنولث اليهودي الأول، فقد اعتبر اليهود دائماً أن القدس هي عاصمتهم. وفي كل مرة جرت فيها محاولة لاستعادة السيادة اليهودية، سواء تحت لواء ثورة بار - كوخبا سنة 135 ميلادية أو بعد الغزو الفارسي ليهودا البيزنطية سنة 614 ميلادية، تضمنت هذه المحاولة جهداً لإعادة بناء القدس عاصمة دينية قومية.

للقدس دور مختلف في الإسلام؛ فذكْرها يرد في القرآن (سورة الإسراء) في الإشارة إلى "المسجد الأقصى"، الذي أُسري بـ [النبي] محمد [صلعم] إليه من المدينة ليلاً. وحتى لو لم تكن هذه إشارة واضحة، فإن المسلمين في معظمهم يتفقون على أن "المسجد الأقصى" يقع في القدس. وبحسب التراث الإسلامي، فإن القدس هي المكان الذي صعد منه محمد إلى السماء، حيث تلقى أمراً بأن يصلي المسلمون خمس مرات في اليوم. وعلى الرغم من أن للقدس دوراً محدوداً جداً في سيرة الوحي النبوي المحمدي، فإن المسلمين ما زالوا يعزون إلى القدس أهمية خاصة، لأنها مرتبطة بالرسل الآخرين من عصر ما قبل الإسلام، المذكورين في القرآن، أمثال داود وسليمان وعيسى [عليهم السلام].

إن اعتبار القدس ثالث أهم أماكن للحج الإسلامي مصدره الحديث، بحسب ما يعتقد السُّنة التقليديون. وقد كانت لفترة قصيرة قِبلة المصلين لدى المسلمين الأولين، واستبدلت فيما بعد بمكة. ويعزو التراث الإسلامي أهمية لمنطقة جبل الهيكل بأسرها، الحرم الشريف، لا لمنطقة المساجد وحدها. إلا إن القيود الصارمة للشريعة الإسلامية التي تطبق على ما يوصف بالحرم، مثل الأراضي الإسلامية المقدسة في الحجاز، لا تطبق في حالة القدس؛ فعلى سبيل المثال، يحظر على غير المسلمين زيارة مكة، بينما يُسمح لغير المسلمين بزيارة المساجد في القدس.

لقد أصبحت منطقة الحائط الغربي وقفاً إسلامياً دينياً في زمن صلاح الدين لخدمة المسلمين الذين هم من أصل مغربي، والمعروفين بالمغاربة. وفي الحقيقة إن لهذه المنطقة أهمية عند المسلمين. فهي في التراث المنطقة التي ربط فيها محمد فرسه المجنح، البراق، قبل أن يصعد إلى السماء. وهكذا، فإن منطقة حائط المبكى معروفة باسم البراق الشريف؛ وكانت حملات الدفاع عنه ضد التعديات اليهودية جزءاً من الصراع العربي - اليهودي في العشرينات من هذا القرن.

ومع أن الحج يعد من أركان الإسلام، فإن الأمر بأداء فريضة الحج ينطبق على مكة فقط، لا على القدس. والمصطلح الإسلامي للحضور إلى القدس لأغراض دينية هو زيارة، وهذا مصطلح يستخدمه الشيعة لوصف زياراتهم لأماكنهم الدينية في العراق. ولا تتضمن الصلوات اليومية عند المسلمين أية إشارة إلى القدس، ولا تُذكر القدس في الصلوات في المناسبات الدينية الخاصة.

إن التشديد على مركزية القدس في الإسلام قد صدر في الغالب عن المسلمين القاطنين قرب هذه المدينة. وهكذا، فإنه كان للخلافة الأُموية التي كان مقرها في دمشق مصلحة خاصة في القدس، نظراً إلى التنافس مع مكة. وقد أعلن معاوية بنفسه الخلافة الأُموية الأُولى في القدس سنة 660.[8]

لكن بعيداً عن قلب منطقة سورية - فلسطين، هناك مؤشرات على أن القدس لم تكن دائماً في قلب الوعي الإسلامي. فالخليفة العباسي العظيم هارون الرشيد، الذي كان يحج إلى مكة مرة كل عامين، لم يأت قط إلى القدس، على الرغم من أنه كان يتردد على سورية بسبب حروبه مع البيزنطيين. والشيء نفسه ينطبق على خلفه، المأمون، وكذلك على معظم الخلفاء العباسيين لاحقاً.[9]

إن سقوط القدس في أيدي الصليبيين سنة 1099 لم يُحدث ردة فعل أولية قوية عند الخلافة العباسية في فارس [كذا].[10]  والسلطان الكامل، الذي سار على درب أبيه الذي خلف صلاح الدين، وكان الحاكم الأيوبي لمصر، قام سنة 1229 بتسليم القدس طوعاً إلى الإمبراطور الروماني الأعظم فريدريك الثاني.[11]

وعلاوة على ذلك، فإن العلماء المسلمين، بمن فيهم العالم الحنبلي الكبير ابن تيمية الذي عاش في دمشق، عُرف عنهم أنهم انتقدوا التبجيل المبالغ فيه للقدس على أنه مأخوذ من اليهودية.[12] والمذهب الحنبلي في الشريعة الإسلامية منتشر في الجزيرة العربية، وعملياً في السعودية وقطر. وهكذا، فإن العلاقة بين الإسلام والقدس لم تكن متسقة دائماً، ولا سيما بين أولئك الذين كانوا يعيشون في مناطق أُخرى من العالم الإسلامي.

في التراث اليهودي، كانت القدس دائماً عاصمة سياسية وروحية. أمّا في التراث الإسلامي، فكانت القدس مركزاً روحياً لا مركزاً سياسياً.[13] وكانت الرملة، لا القدس، المركز الإداري لفلسطين بعد الفتح الإسلامي. ولاحقاً أصبحت القدس تابعة للإمبراطوريات الإسلامية التي كان مركزها دمشق أو بغداد، أو القاهرة، أو إستانبول، لكنها لم تكن عاصمة إسلامية بذاتها قط.

في الأصل كان الموقف المسيحي، الكاثوليكي الروماني والأرثوذكسي الشرقي على حد سواء، أكثر قسوة تجاه اليهود في القدس من التعامل الإسلامي معهم. فتحت الحكم البيزنطي، حُظر على اليهود صراحة العيش في القدس، وفقاً لميثاق الإمبراطور الروماني هادريان في القرن الثاني. وقد سمح البيزنطيون لليهود بالتجمع عند الحائط الغربي، مرة واحدة في التاسع من آب/أغسطس من كل عام للندب على تدمير الهيكل. وخلال الاحتلال الفارسي [والحكم] العربي للقدس في القرن السابع، سُمح بعودة اليهود إلى الاستيطان في القدس. لكن بعد الغزو المسيحي للقدس على أيدي الصليبيين سنة 1099، حُظر على اليهود دخول القدس مرة أُخرى. ولم تنتعش الجالية اليهودية إلا بعد أن استرد صلاح الدين القدس من أيدي الصليبيين. وبينما كانت القدس المكان الذي بشر المسيح فيه بتعاليمه وجرى صلبه فيه، كانت المسيحية (خلافاً للإسلام واليهودية) قد خضعت لعملية "تسام عن المكان" بمرور الوقت، بدأت بالقديس أوغسطين، لكنها استمرت في عهد لوثر وكالفين.[14]

من نواح كثيرة، تثير الصلة المسيحية بالقدس اليوم مصاعب أقل كثيراً من الصدام اليهودي مع العالم الإسلامي خلال العقود الماضية. ففي القرن العشرين طرأ على موقف الفاتيكان تطور هائل؛ إذ إنه عارض خلال الأربعينات السيطرة اليهودية على الأماكن المقدسة. وفي أثناء مناقشة خطة التقسيم، وحتى بعد حرب الاستقلال [حرب سنة 1948]، أيد فكرة تدويل المدينة. لكنه تخلى بعد سنة 1967 عن موقفه هذا وأيد تدويل البلدة القديمة فقط.

وفي نيسان/أبريل 1989، ألقى كبير الأساقفة ريناتو مارتينو، المراقب الدائم للفاتيكان في الأمم المتحدة، محاضرة في جامعة فوردهام اقترح فيها نظاماً خاصاً بالبلدة القديمة يضمن المساواة في الحقوق للأديان الرئيسية الثلاثة. وبدت مسألة السيادة آنذاك أقل أهمية. ومع حلول كانون الأول/ديسمبر 1993، أكد الفاتيكان ذاته وجهة النظر هذه: لقد عدل الفاتيكان موقفه الأصلي المطالب بالتدويل ورفض السيادة الإسرائيلية، وأصبح يطالب بالضمانات الدولية.

البعد السياسي

الوضع الحالي القائم والسياسة الإسرائيلية

على الرغم من ضم إسرائيل للقدس الشرقية في حزيران/يونيو 1967، أبقت الحكومة الإسرائيلية مهمة إدارة الشؤون الدينية في القدس الشرقية بيد موظفي الوقف الإسلامي التابعين للإدارة الأردنية. وهكذا، فإن وزارة الأوقاف الأردنية لا وزارة الشؤون الدينية الإسرائيلية هي التي أدارت شؤون وقف القدس الشرقية. وأُدير الوقف وفقاً للقانون الأردني، وكان الأردن هو من عيَّن المسؤولين عنه، الذين جاؤوا في الأساس من القطاعات المؤيدة للأردن بين السكان الفلسطينيين العرب. وسنتطرق أدناه إلى التوترات التي نشأت مؤخراً بين الأردن والفلسطينيين بهذا الشأن.

لقد وفر الأردن للوقف تمويلاً كبيراً. وفضلاً عن ذلك، شهد دور الأردن النسبي في ميزانية الوقف ارتقاء بمرور الوقت؛ ففي سنة 1977 على سبيل المثال، بلغت نفقات الوقف 951,356 ديناراً، منها 382,389 ديناراً من دخل [أملاك] الوقف، و568,967 ديناراً مساهمة من الأردن. وبحلول سنة 1982، عندما ارتفعت نفقات الوقف إلى 2,607,486 ديناراً، انخفضت المساهمة الآتية من مداخيل الوقف إلى 362,437 ديناراً، بينما زادت مساهمة الأردن لتبلغ 2,245,049 ديناراً.[15]

إن قرار الأردن الصادر في 31 تموز/يوليو 1988، والقاضي بفك الارتباط الإداري للمملكة الهاشمية بالضفة الغربية، لم يؤثر في روابط وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الأردنية بالوقف.[16] وقد ظلت هذه الروابط قائمة حتى سنة 1994. ومؤخراً، خصص الملك حسين نحو 8 ملايين دولار لترميم جوامع الحرم الشريف.

ومع ذلك، لم تتنازل إسرائيل عن سيادتها فيما يتعلق بالوقف. فإسرائيل كانت، بقرارها مصادرة المناطق المحيطة بالحائط الغربي والحي اليهودي، تؤكد سيادتها فيما يتعلق بأملاك الوقف. وفكرة تأميم أملاك الوقف والتعويض عنها طُبقت في بلاد عربية، مثل الأردن، أيضاً. لكن منذ أن استعادت إسرائيل الحائط الغربي والحي اليهودي، فإنها نادراً ما مارست حقوقها في السيادة فيما يتعلق بالوقف. وفي الواقع، نشأ وضع قائم جديد يتيح لإسرائيل نظرياً أن تتدخل بقوة، إلا إنها عملياً نادراً ما تدخلت.

وفي منطقة الحرم الشريف نفسها، يتولى الوقف عملية دخول الزوار والمصلين. ولا تتدخل إسرائيل في الشؤون الدينية للحرم الشريف، حتى عندما تلقى الخطب الملهبة للمشاعر. ففي 19 آذار/مارس 1993 مثلاً، قال مساعد مفتي القدس، الشيخ محمد جمال، في خطبة الجمعة: "إن الوجود اليهودي في فلسطين موقت ويجب أن نصلب أولئك الفلسطينيين المتعاونين مع إسرائيل."[17]

لقد أقامت إسرائيل نقطة للشرطة في ساحة الحرم الشريف بعد أن قام أصولي مسيحي أوسترالي بإضرام النار في المسجد الأقصى سنة 1969. ويتولى قيادة هذه الوحدة ضابط إسرائيلي مسلم تحت إمرته أفراد من الديانات الثلاث. وفي سنة 1969، ادعى قياديون فلسطينيون عرب أن "القوى المحتلة بصفتها هذه (مثل إسرائيل) لا تستطيع أن تتهرب من مسؤولياتها الأمنية" تجاه الحرم الشريف؛ وقالوا إن الوقف ليس من شأنه أن يؤدي هذا الدور. وقد انفجرت صدامات بين المتظاهرين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية في ساحة الحرم في 8 تشرين الأول/أكتوبر 1990، أوقعت في صفوف الفلسطينيين 20 قتيلاً و53 جريحاً.[18]

وضِعت سياسة إسرائيل الدبلوماسية تجاه القدس عندما ضمت حكومة إشكول القدس الشرقية في 27 حزيران/يونيو 1967. وقد أكد إشكول سيادة إسرائيل السياسية على المدينة كلها، إلا إنه أعلن أمام مجموعة من الزعماء الدينيين أن "في نيتنا أن نضع الإدارة والتنظيم الدوليين للأماكن المقدسة في أيدي الزعماء الدينيين المعنيين."[19] وكان للموقف الإسرائيلي بُعدان. فكما كتب وزير الخارجية أبا إيبن بعد عدة أسابيع من ذلك، في رسالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 10 تموز/يوليو: "من الواضح من خلال مناقشات الأمم المتحدة ووثائقها أن الاهتمام الدولي بالقدس كان دائماً ناجماً عن وجود الأماكن المقدسة."[20] وتابعت الرسالة لتعلن أن إسرائيل "ضمنت أن تتم إدارة (التشديد مضاف) الأماكن الدينية اليهودية والمسيحية والإسلامية تحت مسؤولية الديانات التي تعتبرها مقدسة." وكان إيبن قد كتب الرسالة بمساعدة من زميلين في الوزارة: مناحم بيغن (غاحل - حيروت) وزيراح فيرهافتيغ (مزراحي).[21] وواصلت رئيسة الحكومة غولدا مئير متابعة هذا الخط السياسي عندما أعلنت في تشرين الأول/أكتوبر 1971: "أن إسرائيل مستعدة لعقد اتفاقات مع السلطات الدينية للمسيحية والإسلام لضمان الوضع القائم الديني والوضع العالمي للأماكن التي تعتبر مقدسة في نظر مختلف الديانات."[22]

وهكذا، فإن إسرائيل كانت مستعدة للتوصل إلى ترتيبات متبادلة فيما يتعلق بهذه الأماكن المقدسة. وقد أشارت المصطلحات اللغوية لهذه الترتيبات إلى الإدارة، إلى السيادة. وبالنسبة إلى المدى الذي كانت إسرائيل على استعداد لأن تذهب إليه فيما يتعلق بتقديم تنازلات في القدس الشرقية، فإن هذه التنازلات كانت مقيدة جداً واقتصرت على مستوى العلاقات المتبادلة بين الديانات، ولم تشمل بأي شكل من الأشكال سيادة إسرائيل في المدينة.

وكما ورد سابقاً، فإن "إعلان المبادئ" الموقع في 13 أيلول/سبتمبر 1993 مثّل تغييراً أساسياً في هذه السياسة السابقة؛ إذ إن استعداد إسرائيل للتفاوض بشأن مسألة القدس لم يُقيد على نحو ضيق كما كانت الحال عليه في ظل الحكومات الإسرائيلية السابقة. وبعد أكثر من شهر على ذلك، وفي رسالة بعث بها وزير الخارجية بيرس إلى [وزير الخارجية النرويجي] هولست (Holst) في تشرين الأول/أكتوبر 1993، تم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية طرفاً في المناقشات مع إسرائيل بشأن مصالح وظيفية فلسطينية في المدينة.

لقد نصت رسالة هولست على أن "جميع المؤسسات الفلسطينية (كذا) في القدس الشرقية، بما فيها المؤسسات الاقتصادية، والاجتماعية والتعليمية والثقافية، والأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية، تؤدي مهمة رئيسية للسكان الفلسطينيين (كذا)."[23] وتعهدت إسرائيل "ألا تعرقل نشاطها"، ونُقل هذا التأكيد إلى منظمة التحرير الفلسطينية. وباعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية طرفاً فيما يتعلق بالأماكن المقدسة الإسلامية، كانت الحكومة الإسرائيلية تناقض الوضع القائم الذي كان سائداً تجاه الأردن أعواماً كثيرة. كما أنها أوجدت مجالاً لإمكان تفاهمات وظيفية في القدس فيما يتعلق بالسكان الفلسطينيين، عوضاً عن التفاهمات المحددة والضيقة بين الديانات بشأن إدارة الأماكن المقدسة، والتي اقترحتها حكومة إشكول. وقد أدلى واحد، على الأقل، من أصحاب الأصوات البارزة في حكومة رابين بتصريحات تشير إلى إمكان إبداء مرونة فيما يختص بمسألة القدس. وهكذا، فقد صرح نائب وزير الخارجية يوسي بيلين: "أنا لا أقول إن إسرائيل مستعدة للمساومة على القدس الآن، لكن بما أننا مستعدون للمضي بعيداً مع الفلسطينيين في شؤون أُخرى كثيرة، فإننا نستطيع أن نحل مشكلة القدس أيضاً."[24]

إن توسيع جدول أعمال المفاوضات بشأن القدس، الذي ظهر في رسالة هولست، عدّل بعض الشيء في "إعلان واشنطن" الصادر عن رئيس الحكومة رابين والملك حسين في تموز/يوليو 1994. فقد نص البيان الإسرائيلي - الأردني على أن "إسرائيل تحترم الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس. وعند إجراء مفاوضات الوضع النهائي، ستولي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن. بالإضافة إلى ذلك، سيقوم الطرفان بالعمل معاً لتعزيز الحوار بين الأديان التوحيدية الثلاثة."[25]

إن الموقف الذي اتخذته إسرائيل ما زال على حاله، وهو يقضي بأن تبقى القدس الموحدة تحت السيادة الإسرائيلية. لكن فيما يتعلق بالفلسطينيين، جعلت إسرائيل من منظمة التحرير الفلسطينية طرفاً مفاوضاً فيما يتصل بمختلف القضايا التي تؤثر في السكان الفلسطينيين. أمّا فيما يختص بالأردن، فهو طرف مفاوض بشأن القدس فيما يتعلق بأماكن العبادة الإسلامية فقط. وهذه المقاربة الأخيرة أقرب إلى السياسة الإسرائيلية التقليدية التي قبلت أن تدير الديانات المختلفة الأماكن المقدسة، حتى لو ظلت القدس موحدة تحت السيادة الإسرائيلية. ومن المهم إضافة أن الكنيست، عندما وافق على "إعلان واشنطن" في 3 آب/أغسطس 1994، فإنه وافق أيضاً على بيان مقدم من حزب الليكود يكرر أن القدس الموحدة، تحت السيادة الإسرائيلية، ستبقى "عاصمة إسرائيل الأبدية، وعاصمتها وحدها." وقد ووفق على هذا البيان الإضافي بأغلبية 77 صوتاً في مقابل 9 أصوات، وأيده جميع الوزراء في حكومة رابين، بمن فيهم الوزراء من حزب ميرتس. ومن الواضح أن ذلك يحول دون طرح فكرة جعل القدس عاصمة ثنائية لكل من إسرائيل وكيان سياسي آخر.

ومع ذلك، هناك تناقض بين الالتزامات التي قدمتها إسرائيل لمنظمة التحرير الفلسطينية في رسالة هولست وبين "إعلان واشنطن". فقد سعت الأُولى للتأكيد لمنظمة التحرير الفلسطينية أن إسرائيل ستشجع استمرار، وحتى نمو، المصالح الفلسطينية في "الأماكن الإسلامية المقدسة"، بينما قدم "إعلان واشنطن" إلى الأردن تأكيدات بشأن دوره في الأماكن المقدسة ذاتها. ومن الواضح أن منظمة التحرير الفلسطينية فتحت الباب الذي أوجدته رسالة هولست، عندما أنشأت في 19 أيلول/سبتمبر 1994 وزارة الأوقاف التابعة للسلطة الفلسطينية في القدس برئاسة حسن طهبوب.

في الشهر التالي، وبعد أن توفي مفتي القدس سليمان الجعبري، اشتد التنافس بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية. وقام الأردن بتعيين الشيخ عبد القادر عابدين مفتياً جديداً، في حين عينت منظمة التحرير الفلسطينية مفتيها الخاص، الشيخ عكرمة صبري. ومن الواضح أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت بذلك تدخُل منطقة كانت في السابق تحت سلطة الأردن القانونية الخاصة. إلا إن الحكومة الإسرائيلية لم تتدخل في الجدل الدائر، مع أنها كانت تفضل الأردن على منظمة التحرير الفلسطينية مفاوضاً بشأن القدس.

منظمة التحرير الفلسطينية والسياسة الفلسطينية تجاه القدس

بصريح العبارة، إن سياسة منظمة التحرير الفلسطينية تجاه القدس تقضي بإنشاء عاصمة سياسية تابعة لدولة فلسطينية مستقبلية في الجزء الشرقي من المدينة. وهكذا، فإن منظمة التحرير الفلسطينية لديها مطلبان أساسيان: أولاً، استعادة أراضي القدس، وثانياً، إنشاء عاصمة وطنية على الأرض التي ستستعيدها. ومع ذلك، ثمة ظلال عديدة لهذه السياسة.

إن الأساس الذي تستند منظمة التحرير الفلسطينية إليه في إعلانها للدولة الفلسطينية يرجع إلى القرار رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد صرح عرفات بأن "هذا القرار يوفر شروطاً للشرعية الدولية لضمان حق الشعب الفلسطيني العربي في السيادة والاستقلال الوطني." وتابع عرفات تصريحه بإعلان أن "المجلس الوطني الفلسطيني يعلن، باسم الله وباسم الشعب الفلسطيني، إنشاء دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني، وعاصمتها القدس." وقبل بضعة شهور من ذلك، تحدث فيصل الحسيني أيضاً في وثيقته المتعلقة بالاستقلال الفلسطيني عن "القدس، عاصمة فلسطين".

إن الإشارات غير المحددة إلى القدس تثير السؤال حول ما إذا كانت مطالبة منظمة التحرير الفلسطينية تتعلق بالقدس الشرقية فقط، أم أنها تمتد لتشمل أجزاء من القدس الغربية أيضاً، وخصوصاً أن القرار رقم 181 لم يجعل النصف الغربي من المدينة من حصة إسرائيل، بل إنه سعى لإقامة كيان دولي منفصل للمدينة ككل.[26] علاوة على ذلك، فإن دبلوماسية منظمة التحرير الفلسطينية الدولية لم تسع دائماً لتمييز الجزء الشرقي من الجزء الغربي من المدينة. ومشاريع القرارات التي تقترحها منظمة التحرير الفلسطينية، سواء في مجلس الأمن، أو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو في هيئات الأمم المتحدة المتخصصة، تشير بجلاء إلى القدس كلها. وقد استنكرت قرارات رسمية الممارسات الإسرائيلية في "المناطق العربية المحتلة من قبل إسرائيل منذ سنة 1967، بما فيها القدس." مع ذلك، فإن هذ التحديد للمناطق بأنها المناطق التي احتلت منذ سنة 1967، لم يظهر دائماً في المسودات السابقة للقرارات. وعلى نحو غير علني، يعترف أكاديميون فلسطينيون ذوو صلة وثيقة [بمنظمة التحرير الفلسطينية] بأنه ما زالت لديهم مطالب في أجزاء من القسم الغربي من المدينة. وهم يشيرون إلى القرى العربية المهدمة في الجزء الغربي من المدينة. وما زال البعض يؤيد صراحة "التدويل الكامل للمدينة، بما فيها القدس الشرقية والغربية."[27]

وفي بعض المرات، حتى عرفات نفسه أنكر حق إسرائيل في اتخاذ القدس عاصمة لها؛ ففي خطابه الشهير الذي ألقاه في جوهانسبرغ في 10 أيار/مايو 1994، أكد: "أقول هذا لأعطي برهاناً على أن ما يقولونه (الإسرائيليون) معناه أن هذه عاصمتهم. كلا، إنها ليست عاصمتهم، إنها عاصمتنا..."[28] ولم يكن هذا هو التصريح الوحيد من نوعه؛ فبعد بضعة أشهر، في أوائل آب/أغسطس، صرح عرفات: "لقد كانت القدس وسوف تبقى عاصمة فلسطين، كلها فلسطينية."[29] وصرح فيصل الحسيني أخيراً بأن للفلسطينيين مطلب في الأرض والممتلكات في القدس الغربية، ولا سيما في أحياء القطمون والطالبية. وقد قدر أن 70% من الأراضي في القدس الغربية هي ملك للفلسطينيين، وأشار إلى مطالب فلسطينية في خط القرى بين لفتا ودير ياسين.[30]

إن محاولات إثارة مسألة النصف الغربي من المدينة واضحة في الاقتراحات التي قدمها رئيس تحرير "الفجر" المؤيد لـ "فتح"، حنا سنيورة:

لقد شعرنا بأنه باستخدام التقسيمات الواردة في خطة التقسيم لسنة 1947، يمكن أن تكون جميع المؤسسات التابعة للشعبين موجودة في منطقة القدس الكبرى. ستضم القدس الغربية الكنيست، مقر الحكومة الإسرائيلية وجميع مؤسسات الحكومة الإسرائيلية، وتضم القدس الشرقية المجلس الوطني الفلسطيني، مقر الحكومة الفلسطينية وجميع مؤسسات الحكومة الفلسطينية الأُخرى. إن خطتنا تدعو إلى الموافقة المتبادلة بين البلدين على تعليق مسألة السيادة على كل منطقة القدس الكبرى (الشرقية والغربية - د.غ.) أو المجلس البلدي الشامل للقدس الكبرى.[31]

ويأمل سنيورة بأن يسمح مخططه بتوسيع رقعة الوجود الفلسطيني في الجزء الغربي من المدينة. ويتصور "أحياء فلسطينية/مستوطنات في منطقة القدس الغربية الكبرى" وسيلة لتعويض الفلسطينيين عن الأحياء الإسرائيلية الضخمة، مثل راموت وغيلو، التي أُنشئت في الجانب الشرقي. ومع أن وليد الخالدي لا يمثل منظمة التحرير الفلسطينية رسمياً، فقد قدم مقترحات بشأن القدس تعكس اتجاهات في التفكير داخل المنظمة. ففي سنة 1988 اقترح الخالدي في مقال نشر في مجلة Foreign Affairs "تعيين القدس الغربية عاصمة لإسرائيل، والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين. يتم ضمان منح الأماكن اليهودية المقدسة مكانة منطقة خاضعة لسيادة خارجية (extra-territorial) وضمان حرية الوصول إليها، ويتم تأليف مجلس ديني أعلى لتمثيل الأديان التوحيدية الثلاثة (تكون رئاسته بالتناوب)، للإشراف على التآلف بين الأديان. ويتم التفاوض بشأن حق التنقل والإقامة المتبادلين بين العاصمتين ضمن حدود يتفق عليها."[32]

تدل مقترحات الخالدي على عنصرين مهمين في التفكير الفلسطيني. أولاً، ليس هناك أي حل وسط فيما يتعلق بالأراضي في القدس إلا على أساس العودة إلى حدود سنة 1967. لقد منح عرضه الأماكن اليهودية المقدسة مكانة منطقة خاضعة لسيادة خارجية يفترض أن البلدة القديمة ستعود إلى الحكم العربي. وتتكرر هذه النقطة على ألسنة فلسطينيين بارزين في اللقاءات العامة والخاصة. وأخيراً أكد أبو العلاء، الذي أدى مهمة رئيس مفاوضي منظمة التحرير الفلسطينية في أوسلو، ما يلي: "لن نقبل بسنتيمتر واحد من المصادرات التي تمت في القدس (من قِبل إسرائيل) منذ العام 1967."[33] ثانياً، يبحث الخالدي، مثل سنيورة، عن وسائل للحصول على تعويض في مقابل وجود السكان الإسرائيليين اليهود في الجانب الشرقي، بإرساء أساس لحق فلسطيني متبادل في الإقامة في الجانب الغربي من القدس.

باختصار، من المشكوك فيه أن الفلسطينيين يعتقدون فعلاً أنهم سيتمكنون من الحصول على تنازلات جغرافية في النصف الغربي من القدس. ومع ذلك، فمن المتوقع أن يتقدم مفاوضوهم بمطالب، حتى لو كانت للاستخدام كأوراق تفاوضية، تتعلق بالمنازل العربية الفلسطينية والأحياء التي خسروها في حرب سنة 1948. وقد يقنع الفلسطينيون بالتعويض عليهم في النهاية. وفي ندوة عقدت في الجمعية الأكاديمية الفلسطينية لدراسة الشؤون الدولية في حزيران/يونيو 1992، أكد رشيد الخالدي أن 40% من أراضي القدس الغربية كانت ملكاً للفلسطينيين؛ ومع ذلك يعترف بالقول: "يجب أن نطالب بحق التعويض عن الأملاك، بما فيها الأملاك العامة في القدس الغربية، وبعد التعويض، نعرض قبولنا بملكية إسرائيل لهذه الأملاك."[34]  وعلى الرغم من أن هذه المفاوضات قد تتطور نظرياً، فإن الفلسطينيين ما زالوا يضمرون مطالب في النصف الغربي من القدس. هذا يعني أنه حتى لو وافقت حكومة إسرائيلية مستقبلية على تقسيم القدس، فإن مثل هذه التسوية لن يلبي المطالب الفلسطينية البارزة المتعلقة بالمدينة.

 السياسة الأردنية تجاه القدس

كما ورد سابقاً، لقد انتهت سيطرة الأردن السياسية على الأجزاء الشرقية من القدس سنة 1967، ومع ذلك، فقد استمر دوره الديني. إن أية مناقشة للسياسة الأردنية يجب أن تأخذ في الاعتبار أنه نظراً إلى انتساب الملك حسين إلى الأشراف، فإنه يعتبر سلسل النبي محمد. وقد مارست عائلته لفترة طويلة دوراً دينياً كوصي على مكة. كما أن جده الأكبر، الشريف حسين، الذي قاد الثورة العربية الكبرى خلال الحرب العالمية الأُولى، مدفون في القدس، في ساحة الحرم الشريف.

مرت سياسة الأردن المتعلقة بالقدس بتطورات مهمة نتيجة لـ "إعلان المبادئ". وقد أكد الملك حسين مجدداً مسؤولية مملكته عن الأماكن الإسلامية المقدسة في الأجزاء الشرقية من المدينة. وأشارت تصريحاته العلنية إلى استعداده للنظر إلى مسألة القدس بوصفها قضية دينية في المقام الأول: "فيما يتعلق بالأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، موقفنا لم يتغير... نحن لم، ولن، نعترف أبدأ بأية سيادة عليها سوى لله وحده، كما هو الحال بالنسبة للأماكن المقدسة لجميع المؤمنين بالله في هذه المدينة المقدسة."[35]  وبعد يوم واحد من توقيع اتفاق السلام الأردني - الإسرائيلي، في تشرين الأول/أكتوبر 1994، وجه إلى البرلمان الأردني خطاباً قال فيه: "لن نتخلى أبداً عن مسؤولياتنا تجاه الأماكن المقدسة تحت أي ظرف من الظروف."[36]

ومع انعقاد مؤتمر الدار البيضاء في تشرين الثاني/نوفمبر 1994، أضاف ولي العهد الأمير حسن عناصر جديدة إلى تعريف دور الأردن في القدس؛ فأوضح في 1 تشرين الثاني/نوفمبر أن الأردن مارس "سلطة مقدسة" أو "سلطة معنوية" على الأماكن المقدسة الواقعة داخل أسوار البلدة القديمة. ومع ذلك، فإن دور الأردن أصبح الآن مقيداً زمنياً: "في مفاوضات الحل النهائي، عندما تنقل السلطة (على البلدة القديمة) إلى الجانب الفلسطيني، فسوف تنقل هذه المسؤولية برمتها إلى المعنيين بالأمر."[37] وقال إن الترتيبات الحالية تسري على المرحلة الانتقالية فقط.

يُستدل من تصريح الأمير حسن أمران. الأول، في الوقت الذي عبَّر عن الاستعداد لتعديل الترتيبات الحالية الموقتة في الأماكن المقدسة، فإنه لم يقل سوى أن مسؤولية الأردن عن الأماكن المقدسة ستنقل إلى "المعنيين بالأمر"، ولم يشر بصراحة إلى سلطة فلسطينية. وما زال من الممكن أن يصنف الأردن ضمن فئة المعيين بالأمر. ثانياً، إن قوله إن الترتيبات الحالية ستعدل فقط إذا تم التوصل إلى تسوية بشأن الوضع النهائي للمناطق بين إسرائيل والفلسطينيين إنما يدل على أن لدى الأردن مصلحة في ألا يتم التوصل إلى حل نهائي أبداً.

ولقد تضمن هذين الإمكانين كليهما ما قاله رئيس الوزراء الأردني السابق، عبد السلام المجالي، لمحطة تلفزة الشرق الأوسط، في 30 تشرين الأول/أكتوبر 1994: "أمّا فيما يتعلق بماهية الحل النهائي، فسوف يكون للأردن دور في أية تسوية نهائية. بمعنى آخر، سوف نقدم وجهة نظرنا عندما تحل المسألة في المرحلة النهائية. ونيابة عن الأردن، أؤكد لكم أنه في اليوم الذي تنتهي فيه سيادة إسرائيل السياسية على القدس، ويستلم الإخوة الفلسطينيون السيادة عليها، فإننا سوف ندرس بجدية التخلي عن هذه الصلاحية."[38] وهكذا، فلا ولي العهد الأمير حسن ولا رئيس الوزراء المجالي يستبعدان استمرار الدور الديني الأردني في الوضع النهائي. لقد فتحا الاحتمال على إمكان دراسة مطالب الآخرين. ومع ذلك، فمن الممكن أن تتغير التصريحات الرسمية المتعلقة بهذا الشأن مع تقلبات العملية التفاوضية.

[.......]

حلول ممكنة

بعد تفحص مواقف الأطراف الرئيسية المعنية بقضية القدس من الناحيتين الدينية والسياسية، سنتفحص الآن الحلول الواقعية القابلة للتطبيق. وهذا سؤال فحواه في النهاية ما إذا كان في الإمكان التوفيق بين مواقف الأطراف الرئيسية. وعموماً، تندرج الحلول المتعلقة بالقدس في واحد من ثلاثة أصناف أساسية: الحل الجغرافي؛ الحل الديني؛ الحل البلدي. ونتفحص فيما يلي كلاً من هذه الخيارات.

الحل الجغرافي

إن الحل الجغرافي لمسألة القدس هو أقرب الحلول استجابة لأهداف منظمة التحرير الفلسطينية بعيدة المدى، وخصوصاً إذا أصبح الجزء الشرقي من المدينة عاصمة للدولة الفلسطينية. ومع أنه من الممكن أن يبدي الفلسطينيون بعض المرونة من الناحية الجغرافية فيما يتعلق بترتيبات المرحلة النهائية في مناطق أُخرى من الضفة الغربية (يمكن أن تؤثر في أحياء مثل راموت وغيلو)، فمن المستبعد جداً أن يُبدوا أي استعداد للمساومة على المناطق التي تشكل قلب القدس الشرقية، كما كانت ضمن حدودها البلدية عندما كانت تابعة للأردن.[39] وستشتد معارضتهم لقبول مساومة جغرافية في القدس إذا حدث أن وافقت حكومة إسرائيلية، بالإضافة إلى سابقة السادات في سيناء، على الانسحاب الكامل من مرتفعات الجولان قبل بداية محادثات الوضع النهائي مع الفلسطينيين.

وهكذا، فمن المرجح أن يكون الأساس الذي سيقوم مثل هذا الحل الجغرافي عليه هو تجزئة للسيادة تضع القدس الشرقية العربية السابقة، بما فيها البلدة القديمة، تحت الحكم العربي مرة أُخرى. وحتى لو تم السماح لليهود بحرية الوصول إلى حائط المبكى، فإن مثل هذا الترتيب سيكون أبعد ما يكون عن الإجماع الحالي للرأي العام الإسرائيلي؛ إذ يعارضه كلا الحزبين السياسيين الرئيسيين في إسرائيل. وسيكون ذلك بمثابة هزيمة دبلوماسية كبرى لدولة إسرائيل، لأنه ترتيب مناقض جوهرياً للتطلعات والسياسات بعيدة المدى لجميع الحكومات الإسرائيلية منذ سنة 1967.

علاوة على ذلك، فإنه بوجود الحائط الغربي تحت السيادة العربية، سيكون من الصعب بمكان الحؤول دون العودة إلى الممارسات السابقة التي حدّت الحرية الدينية اليهودية بدرجة كبيرة، باعتبار أن منطقة الحائط نفسها كانت جزءاً من وقف إسلامي قديم، هو البراق الشريف. ولا يمكن توقع أن يتلاشى ببساطة ادعاء [العرب ملكية الحائط]، القائم منذ سنة 1920. ففي وثائق قدمت إلى الأمين العام للأمم المتحدة في آب/أغسطس 1967، عاد رؤساء المؤسسة الدينية الإسلامية في القدس الشرقية وأكدوا، بناء على ما كان سائداً في الماضي، أن "حائط المبكى ملك إسلامي حصراً، يمارس المسلمون عليه حقاً قانونياً (in rem)، كونه يقع ضمن منطقة الحرم الشريف، الذي هو وقف إسلامي."[40] إن حقيقة أن المجتمع الدولي لم يفعل شيئاً تجاه سوء التعامل الأردني مع الأماكن اليهودية المقدسة من سنة 1949 حتى سنة 1967، ليست سابقة مشجعة على إقامة نظام دولي يهدف إلى حماية الحقوق اليهودية.

نظراً إلى قداسة وسط القدس ومركزيته بالنسبة إلى اليهود داخل إسرائيل وفي الشتات، فإن من شأن تطبيق مثل هذا الحل الجغرافي الجذري أن يحدث خضات اجتماعية داخلية لا سابقة لها في الجانب الإسرائيلي، ستترك آثاراً بعيدة المدى في المستقبل السياسي للدولة اليهودية. إن الانقسامات داخل إسرائيل، التي سيولدها حل جغرافي جذري في القدس، ستكون من مستوى لا يمكن مقارنته بما حدث في سيناء أو بما يمكن أن يحدث في حالة مرتفعات الجولان، أو حتى في الضفة الغربية.

وفعلاً، يوضح د. يهودا بن مئير هذه النقطة بقوة في دراسة صدرت حديثاً: "إن أية محاولة تقوم أية حكومة إسرائيلية بها لاقتراح تقسيم القدس، أو اقتراح أن تكون المدينة عاصمة لأي كيان آخر، سيتم رفضها بعنف من قبل الرأي العام الإسرائيلي، ومن قبل اليهود في جميع أنحاء العالم، وستسبب أزمة كبرى بين إسرائيل ويهود العالم. وفي الحقيقة، فإن أية حكومة تقترح تقسيم القدس أو التخلي عن السيادة الإسرائيلية على أي جزء منها، ستفقد شرعيتها في نظر الرأي العام اليهودي، في إسرائيل وفي الخارج."[41]

إن دعاة الحل بين الإسرائيليين يفكرون ربما في انسحاب جزئي فقط من القدس الشرقية، من منطقة فلسطينية في أطراف المدينة، حيث يمكن إقامة عاصمة فلسطينية مع احتفاظ إسرائيل بوسط المدينة، أي بالبلدة القديمة. وهم إذ يفتحون بذلك صندوق باندورا (Pandora) [لا يدركون أنه] من العسير أن يرضي مثل هذه المقترحات المطالب الفلسطينية.

أولاً، إن الفلسطينيين منقسمون حيال مرجعية الحل بالنسبة إلى مشكلة القدس؛ بعضهم يريد الرجوع إلى حل "الكيان المنفصل" (Corpus Separatum) الوارد في خطة التقسيم لسنة 1947، بينما يتطلع البعض الآخر بالتحديد إلى حدود البلدية كما كانت تحت الحكم الأردني. ومن المستبعد جداً أن يكتفي الفلسطينيون بمناطق شمال القدس التي كانت، في الحقيقة، أراضي تابعة للضفة الغربية ضمتها إسرائيل إلى المدينة سنة 1967.

ثانياً، لا يستطيع الموقف الفلسطيني أن يتجاهل العنصر الديني في مسألة القدس. فقلب القدس هو الحرم الشريف لا المنطقة الصناعية في وادي الجوز، أو بيت حنينا، أو أبو ديس. وأية قيادة فلسطينية تتنازل عن الحقوق العربية في الأماكن المقدسة للإسلام وتقبل تعريفاً بديلاً للقدس تتقوض شرعيتها إلى حد بعيد. ونظراً إلى أن أكبر تجمع سكاني للفلسطينيين في النصف الشرقي من القدس يقع ضمن جدران البلدة القديمة، فمن الطبيعي أن يكون المطلب الفلسطيني الأساسي هو إقامة سيادة عربية فلسطينية على البلدة القديمة والأماكن الدينية للإسلام. إن المتحدثين الفلسطينيين لم يظهروا اهتماماً بمجرد تخفيف السيادة الإسرائيلية، أو بإقامة نظام دولي للبلدة القديمة وحدها؛ بل هم يسعون لتأكيد السيادة العربية الفلسطينية على البلدة القديمة نفسها. وسيكون من الصعوبة بمكان أن توقع القيادة الفلسطينية اتفاقاً يلبي ما هو أقل من هذا المطلب.

وخلال حوار فلسطيني - إسرائيلي أدارته مجلة New Outlook، عبَّر أستاذ التاريخ العربي والإسلامي في مركز القدس لدراسات الشرق الأدنى، نافذ نزال، عن وجهة نظر إسلامية فلسطينية بدقة في هذا الشأن بقوله: "إن القبول بسيادة يهودية على القدس، وبمصادرة أملاك الوقف... يعد تنكراً للإسلام. لا يمكن أن يكون هناك حل وسط جغرافي مع إسرائيل، ولن يسود الهدوء ما لم تعد القدس، المدينة التي صعد منها محمد إلى السماء والتي حررها الخليفة عمر سنة 638 هجرية، مرة أُخرى إلى سيطرة المؤمنين (أي: حكم المسلمين)."[42] ومن خلال هذه الروحية، أكد أيضاً مفتي القدس الذي عيَّنته منظمة التحرير الفلسطينية، الشيخ عكرمة صبري: "نحن من جانبنا، نرفض أية محاولة لتحويل القدس إلى مدينة دولية أو يهودية."[43]

وعلى مستوى أشمل، فإن أي تحليل لعناصر حل وسط جغرافي فلسطيني - إسرائيلي يمكن بناؤه على فرضيات تفاؤلية أو تشاؤمية بخصوص سلوك الطرف الآخر. إن السيناريوهات المتفائلة مبنية في العادة على تفحص المصلحة الذاتية للأطراف في الحفاظ على التسوية المتفق عليها. أمّا المتشائمون فيعتمدون في تحليلهم على تفحص الأيديولوجيا والتصريحات السابقة لقادة الطرف الآخر. إن القدس تمثل حالة تبدو معها الفرضيات المتشائمة أقوى. ومن شأن المشاعر الدينية الأساسية المرتبطة بالموضوع أن تشجع على العودة إلى المقاربة الأيديولوجية للمسألة. ومن الصعب تقدير ما سيكون وضع الأصولية الإسلامية يعليه في العالم العربي ككل عندما تبدأ مفاوضات المرحلة النهائية. لكن إذا أخذنا في الاعتبار وجهة المسارين الديموغرافي والاقتصادي الحاليين، فإنه من المرجع أن ترافق الميولُ الإسلامية القوية في المنطقة الدبلوماسية العربية - الإسرائيلية خلال الأعوام الخمسة المقبلة.

إن التحدي الإسلامي المتطرف في المنطقة سيعزز المقاربة التقليدية الأيديولوجية لمشكلة القدس - إمّا من قِبل الأصوليين أنفسهم، وإمّا من قِبل منافسيهم القوميين. ومن المرجح أن تحيي السيطرة الفلسطينية على الأماكن المقدسة المواقف الإسلامية السابقة تجاه الوجود اليهودي في القدس. وقد يتمكن القوميون الفلسطينيون العلمانيون من التخلي عن فكرة أن الحائط الغربي كان وقفاً إسلامياً في وقت من الأوقات، لكنهم سيجدون صعوبة كبيرة في ذلك عندما يكونون داخلين في منافسة شديدة مع معارضيهم الأصوليين.

إن الفارق بين الفرضيات المتفائلة والفرضيات المتشائمة مهم، وخصوصاً فيما يتعلق بالأمن. فحتى لو وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على إعادة تقسيم السيادة، مع المحافظة على المدينة موحدة من دون جدار أو حدود، فإن من شأن مثل هذا الحل أن يتأكل وينهار بسرعة. فمع وجود الفلسطينيين تحت السلطة الأمنية لمنظمة التحرير الفلسطينية في القدس الشرقية، وعبورهم إلى القدس الغربية من دون أن يكونوا خاضعين للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، ستزداد الفرص للقيام بعمليات إرهابية - ولا سيما أن المؤسسات الإسرائيلية الوطنية، بحسب دعاة "العاصمة المزدوجة"، ستبقى في الجزء الغربي من المدينة، حيث ستشكل هدفاً جذاباً.

كما أن أنماطاً أُخرى من الحوافز للقيام بمزيد من العمليات الإرهابية ستظهر. إن التلميحات الصادرة عن الجانب الفلسطيني بشأن الحاجة إلى استعادة التوازن الديموغرافي في القدس تشير إلى أن حلاً جغرافياً في مصلحة الفلسطينيين في القدس الشرقية لن يشكل بالضرورة نهاية للصراع العربي - الإسرائيلي على المدينة، بل إنه قد يبدأ بدلاً من ذلك فصل جديد في جهود الجانب الفلسطيني لاستعادة "الطابع العربي" للمدينة. وقد يأخذ هذا الجهد شكلين: إمّا السعي لخلق واقع ديموغرافي جديد في الجانب الغربي من القدس، وإمّا السعي للتخلص من الوجود الإسرائيلي في الجانب الشرقي. وفي مثل هذه الحالة، ستكون للسلطة الفلسطينية مصلحة في مستوى منخفض من العنف من شأنه أن يشجع الإسرائيليين على ترك مناطق رئيسية في الجانب الشرقي، من دون أن يستدعي ردة فعل انتقامية إسرائيلية عنيفة أو تعليق اتفاقات تم التوصل إليها. وهكذا، سيكون من السهل أن تتحول القدس المعاد تقسيمها إلى مدينة مسلحة، مثل بيروت أو بلفاست، من خلال استخدام مستوى منخفض من العنف كأداة منتقاة لتحقيق غايات سياسية. وستكون إسرائيل مقيدة جداً في الرد على مثل هذه التحديات، نظراً إلى أن تجزئة السيادة، كما سبق أن ذكرنا، ستستلزم بالضرورة تجزئة السلطة فيما يتعلق بالأمن الداخلي.

إن الهوة بين مواقف الإسرائيليين ومواقف الفلسطينيين فيما يتعلق بالقدس غير قابلة للردم، على ما يبدو، في إطار تسوية جغرافية. وعلاوة على ذلك، فحتى لو عبّرت قيادة إسرائيلية أو فلسطينية مستقبلية عن استعدادها للقبول بحل وسط جغرافي في القدس، فإن سلطتها نفسها وشرعيتها ستتقوضان إلى حد كبير. إن مثل هذه الحلول قد يؤدي حتى إلى فتح صراعات الماضي، بدلاً من أن يضع حداً للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.

الحل الديني

إن الحل الديني، المتميز من الحل الجغرافي، هو الحل المفضل لجميع الحكومات الإسرائيلية منذ سنة 1967. ومع أن حماية الأماكن الدينية كانت في الأساس مشكلة يهودية، عندما كانت الأماكن المقدسة اليهودية تحت السيطرة السياسية العثمانية أو البريطانية أو الأردنية، فإن إسرائيل مستعدة لاتخاذ خطوات كفيلة بإعطاء المسلمين والمسيحيين ضمانات تتعلق بمصالحهم الدينية.

ففيما يتعلق بالأماكن الدينية المسيحية، فإن مهمة إسرائيل ليست صعبة؛ إذ في إمكانها أن توقّع ترتيبات مع مختلف الكنائس التي لها مصالح في القدس. أمّا في الجانب الإسلامي، فليس هناك هيئة مشابهة للفاتيكان أو للكنائس المختلفة. ولو أن الخلافة بقيت ككيان ديني مستقل إلى جانب نظام الدولة في الشرق الأوسط، لكان في إمكان إسرائيل أن تتعامل مع هيئة دينية إسلامية مشابهة للكنيسة. وبما أن هذا ليس هو الحال، فإنه يتوجب على إسرائيل أن تتفاوض مع هيئات تابعة لدول مختلفة تدعي أنها تمثل المصالح الإسلامية، حتى لو كانت تسعى لترتيبات إدارية لا تنطوي على مشاركة فعلية.

إن المجازفة السياسية الرئيسية التي ينطوي الحل الديني عليها ستكون في محاولة مجموعات مصممة على تحويل هذه المقاربة إلى حل جغرافي. في الماضي، جرى استخدام المؤسسات الدينية لتحقيق مصالح سياسية. ففي القدس الشرقية، استخدم تخصيص الأرض أو الممتلكات لغايات الوقف أداة لمنع بيع الممتلكات للإسرائيليين. ومنذ سنة 1967 حتى سنة 1990، جرى تخصيص 90 ملْكاً لغايات الوقف في مقابل 16 ملْكاً في فترة الحكم الأردني. وكان الوقف يعتبر بمثابة حصانة ضد تدخل الحكومة الإسرائيلية.[44]

وحتى في صراع الأردن ضد منظمة التحرير الفلسطينية، أصبح الوقف أداة مهمة للنفوذ السياسي. لقد ذكرنا أعلاه كيف أن الملك حسين، عندما أعلن فك الروابط الإدارية مع الضفة الغربية، احتفظ بالوقف حبلاً سرياً وحيداً يصله بالمناطق. لكن في إطار هذه الصلة الباقية، أدخل الأردنيون خدمات متنوعة لا علاقة لهاب الدين. وهكذا، أخذ الوقف على عاتقه وظائف أشمل من تلك المنصوص عليها في القانون الأردني، أي نشر القيم والتعليم الإسلاميين. وعلى سبيل المثال، تلقت قرابة 17 مدرسة أردنية غير دينية وكليتان تكنولوجيتان (تضم بمجموعها 12,000 طالب و500 مدرس) دعماً من خلال الوقف بعد سنة 1988.[45] كما أن الوقف قدم خدمات اجتماعية أُخرى.

وفي الفترة الأخيرة، فإن ظهور الأردن دولة مشاركة في الحوار بشأن الأماكن الإسلامية المقدسة فقط، يفتح المجال أمام إمكان التوصل إلى تفاهم رسمي بشأن المصالح الدينية الإسلامية، بغض النظر عن مسألة السيادة. ومع أنه من الصعب في الأوضاع الحالية تصور أن يوافق الأردن رسمياً على حل ديني بديلاً من حل جغرافي، فإنه قد يصبح طرفاً في تسوية دينية، مع الادعاء في الوقت نفسه أن مسألة السيادة هي من مسؤولية الفلسطينيين.

وهكذا، قد يصبح الحل الديني في مفاوضات الوضع النهائي أساساً لتفاهمات موقتة خاصة بشأن القدس، يمكن أن تتطور بدورها إلى نمط جديد من التعايش (modus vivendi). ولن يكون الأردن وحده بالضرورة في تأييده فكرة الإجراءات الموقتة. لقد صرح ملك المغرب الحسن أن السيادة على القدس يجب أن تكون للفلسطينيين، لكنه طرح إمكان التوصل إلى تفاهمات مقتصرة على الأماكن المقدسة فقط: "إن كان لأحد أن يحظى بالسيادة على القدس في يوم من الأيام، فإن الفلسطينيين هم الأولى بها. وليس من المقبول أن تطالب أي دولة أُخرى بالسيادة، سواء جزئياً أو كلياً. لكن يجب أن نكون واقعيين، إن كل ما يطالب به المسلمون هو أن تكون الأماكن المقدسة على الأقل ملكاً لنا (التشديد مضاف). لكن دعونا نبدأ بتمهيد الطريق، وبعد ذلك نتحدث عن القدس."[46]

وتعليقاً على الصراع بين منظمة التحرير الفلسطينية والأردن بشأن القدس، أعرب الملك الحسن أيضاً عن رأيه بأن الحل الإسلامي قد يكون أفضل من حل يتوجه إلى معالجة المطالب العربية فقط: "هذا الموضوع يرتبط بليون مسلم في العالم وليس فقط بالعرب الذين يتجادلون فيما بينهم."[47] ويروى أن الملك الحسن ذهب حتى إلى ما هو أبعد من ذلك في محادثاته مع وزير الخارجية شمعون بيرس بقوله: "إن مشكلة القدس يجب أن تتوقف عن كونها مشكلة عربية، ويجب النظر إليها كمشكلة دينية."[48]

إن الموقفين المغربي والأردني ليسا متباعدين من حيث المبدأ. فكلاهما يسعى إلى تعريف مسألة القدس بأنها قضية دينية، أكثر مما هي شأن جغرافي خالص. ومن الصحيح أن المغرب والأردن يتنافسان في هذا البحث عن الحل الديني؛ ففي كانون الأول/ديسمبر 1994، وفي إبان المؤتمر الإسلامي الذي عُقد في الدار البيضاء آنذاك، تحالف المغرب مع المملكة العربية السعودية، بينما دعمت دول الخليج الصغيرة الأردن. لكن الأردن في موقفه تجاه القدس لا يسعى لاحتكار التمثيل الإسلامي؛ إن أي حكم ديني قد ينشأ ينبغي أن يمثل مختلف المذاهب الدينية والمصالح الإسلامية المتنوعة. كما أن من شأن ضم أطراف إسلامية أُخرى أن يقوي الأردن في مواجهة المطالب الحصرية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وفي سعيها للتوصل إلى مثل هذه التفاهمات، ينبغي لإسرائيل أن تعامل الأردن كما تعامل الكنائس المسيحية - أي أن تتعامل مع قضايا تتعلق بالإدارة مع إبقاء مسألة السيادة مغلقة. لكن يجب أن تأخذ إسرائيل في الاعتبار أيضاً أنه من الممكن أن تقرر حكومة أردنية مستقبلية، أو نظام آخر قد يخلف النظام الحالي، توسيع أي تنازل إسرائيلي في موضوع الإدارة والاستناد إليه في محاولة للسيطرة الجغرافية تحت غطاء الوقف. وبالتالي، يجب صوغ الترتيبات على نحو يحول دون إقدام حكومة أردنية مستقبلية على التطلع إلى مثل هذا الخيار.

 الحل البلدي

لقد اقترح سياسيون إسرائيليون عديدون حلولاً بديلة وسيلةً للتعامل مع المطالب الفلسطينية في القدس. إن الضعف في النماذج البلدية للحل كامن في أنها إمّا لا تستجيب للمطالب الأساسية للفلسطينيين في السيادة، وإمّا أنها تفتح المجال أمام إمكان تطور الحكم الذاتي البلدي إلى انفصال دائم - أي إلى حل جغرافي.

إن رئيس بلدية القدس السابق تيدي كوليك هو من دعاة الحل البلدي. وقد اقترح إقامة شبكة مكونة من بلدات صغيرة/أحياء (boroughs) تتمتع بحكم ذاتي محلي، على غرار بلديات لندن (أكثر مما هي على غرار بلديات في نيويورك): كل بلدة/حي تتمتع بميزانية خاصة بها وبقدر كبير من الاستقلالية. ويهدف مفهوم البلدة/الحي إلى طمأنة الفلسطينيين العرب في القدس الشرقية إلى أن السيادة الإسرائيلية لن تهدد نمط حياتهم.[49] إن واحدة من المشكلات الرئيسية في التخطيط لنظام البلدة/الحي على أساس الانتماء الديني القومي تنبع من طبيعة التوزع الديموغرافي للجماعات السكانية في القدس: إن الفلسطينيين العرب لا يتركزون في قطاع واحد ضمن حدود بلدية القدس. صحيح أن أكبر تجمع للفلسطينيين موجود في البلدة القديمة، حيث يعيش نحو 25,000 عربي؛ إلا إن السكان العرب الباقين موزعون في عدة جيوب تفصل بينها أحياء يهودية.

ويجب التذكير أيضاً بأن المطلب الأساسي الذي سيسعى الفلسطينيون له في أي حل بلدي قد يكون السيطرة على تخطيط المناطق وتصاريح البناء. إن مثل هذه المسائل التي تبدو في ظاهرها شؤوناً بلدية/محلية ينطوي على مضامين سياسية متصلة بالتوازن السكاني بين العرب واليهود في القدس كلها. وقد يتفشى الصراع بين الجانبين داخل حدود بلدية القدس المستقبلية ليشمل المستوى القومي أيضاً.

وفي الحقيقة، قد يكون الانتقال من الحل البلدي إلى الحل الجغرافي إحدى الاستراتيجيات الأساسية التي قد يختارها الفلسطينيون في الأعوام المقبلة. وفي تلخيصها لفحوى مضمون ندوة عقدت مع ناشطين وأكاديميين فلسطينيين في القدس الشرقية في تشرين الثاني/نوفمبر 1990، كتبت سيسيليا ألبين (Cecilia Ablin) قائلة:

إن الخيار الرئيسي الذي نوقش في الندوة كان خطوة من جانب واحد من قبل الفلسطينيين (...) لإنشاء بلدية مستقلة في المدينة، في إطار الانتخابات البلدية التي سيستأنف إجراؤها في الضفة الغربية وغزة. وستساهم خطوة كهذه في تعزيز فكرة القدس كعاصمة ثنائية القومية من الناحية المفاهيمية، حيث سيرمز رئيس البلدية إلى الشرعية والتكافؤ فيما يتعلق بالمطالب الفلسطينية في المدينة، ومن ناحية التطورات على أرض الواقع، حيث سيدير الفلسطينيون شؤون حياتهم اليومية بأنفسهم. وفي سياق العملية، سيعزز الفلسطينيون مؤسساتهم ووجودهم ويبرزون بصورة أكثر وضوحاً في القدس، ويستقلون بالتدريج عن المؤسسات والخدمات الإسرائيلية.[50]

وقد أطلق أحد المشاركين الفلسطينيين على هذا المنحى من التفكير وصف استراتيجيا "السيادة الزاحفة".[51] ومن المرجح أن تضع منظمة التحرير الفلسطينية تشديداً متزايداً على الانفصال البلدي عن القدس الإسرائيلية، كخطوة أُولى لتأكيد السيادة المنفصلة. وفي مؤتمر للأمم المتحدة عقد في نيسان/أبريل 1993، اقترح الدكتور سامي مسلّم، الذي كان مديراً لمكتب رئيس اللجنة التنفيذية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، على وجه التخصيص: "قيام إسرائيل بإجراء واحد فعال لبناء الثقة، وذلك بإعادة إنشاء بلدية القدس العربية التي ألغتها بمرسوم في بداية احتلال المدينة سنة 1967."[52]

وخلال سنة 1994، أنجز فيصل الحسيني الخطوات النهائية لإنشاء "المجلس الوطني للقدس" ليكون بمثابة بلدية ظِل للسكان العرب الفلسطينيين في القدس الشرقية، بالإضافة إلى كونه مركزاً لتنسيق شؤون السلطة الفلسطينية.[53] وقد تم تأليف لجنة تحضيرية لمجلس القدس الوطني من قِبل "الجمعية العامة" للأعضاء المؤسسين في 4 تشرين الأول/أكتوبر 1993، في اجتماع عقد في "بيت الشرق" برئاسة الحسيني. وقد وضعت اللجنة التحضيرية استراتيجيا لمجلس القدس الوطني وللسلطة الوطنية الفلسطينية خلال المرحلة الانتقالية: "يجب أن تمتد سلطتها في النهاية من غزة ومنطقة أريحا إلى الضفة الغربية والقدس، حيث سيكون لها دور عام نشيط ونفوذ وحضور في القدس منذ اللحظة وطيلة الفترة الانتقالية. وعندما تبدأ المناقشات بعد سنتين، سيكون الإطار الضروري لمفاوضات المرحلة النهائية قد تم وضعه.[54]

حماية السيادة الإسرائيلية: سبل عمل ممكنة

من الصعب تصور حلول نهائية حاسمة لمسألة القدس تكفل تصفية جميع عناصر الصراع بين العرب واليهود على المدينة. فبعض الحلول، التي تصور على أنها حلول وسطية في المتناول، قد يتطور بسهولة إلى جولة جديدة من الصراع، بعد أن تكون نقطة انطلاق خصوم إسرائيل المحتملين، بكل بساطة، قد تحسنت. إن التحليل السابق يدل على أن الخلافات بين الإسرائيليين والفلسطينيين بشأن القدس لا يمكن التوفيق بينها. إن الحل الجغرافي يتناقض بصورة جذرية مع التطلعات الصهيونية، وحتى لو تم اختياره، فمن الممكن أن ينهار بسهولة إذا انتشر الإرهاب في مدينة مفتوحة وعاصمة مزدوجة لدولتين. وفي وسع إسرائيل أن تجد شركاء عرباً/مسلمين آخرين من أجل خيار الحل الديني المتعلق بالقدس، وخصوصاً في المرحلة الموقتة. وأية خطوات محتملة على المستوى البلدي لحل "قضية القدس" يمكن أن تتطور بسهولة إلى نتائج غير مرغوب فيها، تدفع الأمور باتجاه الحل الجغرافي.

وفي حال عدم التوصل إلى حل رسمي بين إسرائيل والفلسطينيين، سيخلص الطرفان إلى نتيجة مؤداها أن ما سينشأ في المدينة لن يكون سوى نمط من تعايش موقت مفروض بحكم الأمر الواقع (de facto modus vivendi). وسيدفع ذلك كلاً من إسرائيل والفلسطينيين في اتجاه اتخاذ خطوات من طرف واحد لرسم ملامح النظام الذي سينشأ هناك. ولن يكون الحل المتعلق بالقدس في هذه الحالة معاهدة، بل عملية متواصلة. ومن بعض النواحي، فإن عملية "خلق الوقائع" من قِبل الطرفين مستمرة منذ فترة. وحتى تحمي إسرائيل مصالحها في هذه العملية، سيتوجب عليها أن تقدم على خطوات محددة جداً نلخصها فيما يلي:

الوضع النهائي: تجنب إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية

لا مجال للشك في أن شكل الوضع في التسوية النهائية سيؤثر في المطالب الجغرافية التي ستقدم إلى إسرائيل فيما يتعلق بالقدس. عندما كان الأردن يسيطر على الضفة الغربية، وفت عمّان بالغرض كعاصمة لقسمي المملكة الهاشمية. ومع أن الأمل ضئيل في عودة الخيار الأردني الكامل الذي طرح في السبعينات لتسوية مشكلة الضفة الغربية، فإنه كلما كانت الصبغة الأردنية أقوى في محصلة الوضع النهائي، قلَّ الضغط لإقامة عاصمة سياسية في القدس الشرقية.

وعلى نحو مشابه، إذا اقتصرت الدولة الفلسطينية على قطاع غزة، مع بروز ترتيبات لسيطرة مختلطة في الضفة الغربية، فقد تبرز مدينة غزة كعاصمة طبيعية لفلسطين. وفي إمكان الفلسطينيين عندئذ التحدث عن نقل عاصمتهم السياسية في النهاية إلى القدس، كما أمل الألمان الغربيون خلال الحرب الباردة بأن تحل برلين محل بون في المستقبل. لكن إذا أقام الفلسطينيون دولة في الضفة الغربية، فمن الطبيعي أن يسعوا لجعل أكبر مركز تجمع سكاني لهم، أي القدس الشرقية، عاصمتهم السياسية.

وعلاوة على ذلك، فإن سيطرة الفلسطينيين على القدس ستكون ضرورية من أجل ربط الجزأين الشمالي والجنوبي للدولة الفلسطينية في الضفة الغربية، التي تقع القدس في مركزها. وإذا ظهرت حلول أُخرى للضفة الغربية من نوع مختلف، مركزها الأردن أو غزة، فإنها بالتأكيد لن تضع حداً للمطالب الجغرافية فيما يختص بالقدس، إلا إنها قد تخفف من إلحاحية المطالب الفلسطينية في القدس.

منطقة القدس الأمنية

إن أهم عامل مؤثر في ما ستتمخض مسألة القدس عنه سيكون وضع السيادة في المنطقة المحيطة بحدود المدينة مباشرة. فإذا أصبحت المنطقة المحيطة بالقدس تحت السيادة الفلسطينية، فإن القيادة الفلسطينية ستستعى لإيجاد وسائل تستطيع بواسطتها، من جانب واحد، إيجاد تواصل جغرافي بين المراكز السكنية التابعة لها في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

وكما لاحظنا من قبل، فإن المسؤولين عن التخطيط للمدينة كانوا يعون التحدي الذي تواجهه إسرائيل في القدس بسبب وجود مراكز تجمعات سكنية فلسطينية كبيرة محيطة بالقدس. وبينما تم الحفاظ إجمالاً على أغلبية يهودية داخل حدود بلدية القدس منذ سنة 1967، فإن الوضع في منطقة القدس الكبرى المحيطة بالمدينة لا يدعو إلى الاطمئنان. فالتوازن السكاني في القدس الكبرى، ومن ضمنها رام الله وبيت لحم، متعادل تقريباً.[55]

ولا يمكن تجاهل التطورات التي حدثت في منطقة القدس الكبرى الواسعة هذه. فالقدس تتفاعل بشدة مع المحيط الذي تشكل حاضرته. ويتركز معظم ارتباطات الفلسطينيين العرب بالمدينة على محور شمالي - جنوبي، بينما يتركز السكان الإسرائيليون في الغالب على محور شرقي - غربي. وتوفر المناطق المحيطة بالقدس أراضي احتياطية للمباني السكنية والأغراض الصناعية بالنسبة إلى الإسرائيليين والفلسطينيين الآخذين في الازدياد. ويتطلع الطرفان إلى منطقة قلب القدس من أجل الخدمات الأساسية.

ماذا يحدث لو أن محيط القدس الكبرى في الضفة الغربية فُصل عن قلب المدينة، نتيجة تسوية سياسية؟ يجب التفكير في سيناريوهين. في السيناريو الأول، إذا كان الفصل بين القدس البلدية والمناطق التي تقع تحت السيطرة الفلسطينية محكماً، فإن الفلسطينيين سيواجهون وضعاً اقتصادياً صعباً للغاية، نتيجة فقدان فرص العمل وفقدان السوق الإسرائيلية للتجارة. أمّا إسرائيل، فإنها ستواجه نقصاً حاداً في الأيدي العاملة، بل ستواجه أيضاً نقصاً في الأراضي اللازمة لتطوير المدينة. وعلاوة على ذلك، إذا أحجم الإسرائيليون عن التنقل على الطرق الواقعة في مناطق يسيطر الفلسطينيون عليها، فإنه من المرجح أن تعود القدس إلى الوضع الذي كان قائماً قبل سنة 1967: بدلاً من أن تكون المدينة واقعة على محور رئيسي يربط ساحل البحر المتوسط بالبحر الميت والجنوب، فإنها ستكون واقعة في نهاية طريق رئيسي مسدود في أقصى ممر القدس.

لكن السيناريو السياسي المرجح هو أن تكون الحدود، في حال إقدام حكومة إسرائيلية مستقبلية على الانسحاب من محيط القدس الكبرى الواقع في الضفة الغربية، ملآنة بالثقوب. وستظل الأيدي العاملة العربية الفلسطينية تتوافد من القرى والمدن الواقعة حول القدس إلى المدينة للبحث عن عمل، إلا إنه سيحظر على الإسرائيليين الانتفاع من الأراضي الاحتياطية في الضفة الغربية من أجل الأغراض السكنية والصناعية، بما أنه سيتم تفكيك المستوطنات اليهودية، أو على الأقل سيحظر إنشاء مستوطنات جديدة. وفي هذه الحالة ستتطور الأمور في اتجاهين مختلفين: الأول، مع تضاؤل فرصة نمو حضري طبيعي، فمن الممكن توقع انخفاض عدد السكان اليهود بمرور الوقت نظراً إلى استحالة العثور على فرص عمل أو مساكن جديدة. إن الركود الحضري سيكون مرجحاً، وستنجذب الشرائح الاقتصادية الأكثر إنتاجية بين السكان الإسرائيليين إلى تل أبيب والسهل الساحلي. ثانياً، سيستمر سكان محيط القدس العرب في النمو. وإلى حد ما، قد تسعى العائلات الفلسطينية الغنية للخلاص من الازدحام في البلدة القديمة، وتتجه إلى السكن في منازل يتسع كل منها لعائلة واحدة في القرى المحيطة بالقدس. لكن بالنسبة إلى السواد الأعظم، فإن عملية انتقال المجتمع الفلسطيني إلى طور التمدن ستجتذب السكان من مناطق أُخرى في الضفة الغربية، وخصوصاً من الخليل، إلى وسط القدس ومحيطها. وفي الوقت الحالي، قد يكون هناك 25,000 عربي فلسطيني يعيشون في القدس، ولا يظهرون في السجلات الرسمية.[56]

ومع مرور الوقت، ستغير هاتان العمليتان التوازن الديموغرافي في القدس لمصلحة رجوح كفة السكان الفلسطينيين في منطقة القدس الكبرى، وفي النهاية في وسط المدينة أيضاً. وقد طرأ مثل هذه التغيرات في المدن الأُخرى المختلطة مثل بروكسل، وبدرجة أقل مونتريال.[57]  إن هذه التغيرات الجذرية في التوازن السكاني سيكون لها مع مرور الوقت تأثير في الأمن في القدس أيضاً، نظراً إلى أن كتلة أكبر من السكان الفلسطينيين قد لا تقبل الترتيبات التي تم اتخاذها عندما كان الفلسطينيون يشكلون ربع عدد السكان فقط.

ويمكن تجنب هذا الوضع فقط في حال قامت الحكومات الإسرائيلية بالتخطيط لتعزيز الوضع في محيط القدس من أجل تعديل كفة النمو المتواصل للسكان العرب الفلسطينيين. وكانت الحكومة الإسرائيلية قد ركزت في الماضي على القدس ضمن حدود البلدية بالذات. وقد حافظت تقريباً على النسبة نفسها القائمة بين السكان العرب والسكان اليهود من خلال مشاريع إسكان واسعة بتمويل حكومي، ويفضل تدفق المهاجرين الجدد من روسيا. ولو تُركت الأمور سائرة في مجراها الطبيعي، أي من دون تدخل من الحكومة، لكان من المشكوك فيه أن يتحقق النمو الفعلي السريع للسكان اليهود الذي تحقق من سنة 1967 حتى سنة 1994. وفي المستقبل القريب، سيكون معظم الأراضي المتاحة لسد حاجة النمو السكاني الإسرائيلي قد استُغل فعلاً. وبالتالي، يمكن توقع انخفاض مشاركة الحكومة في مشاريع إضافية لتغطية حاجات النمو السكاني الإسرائيلي.

لقد أعلنت حكومة رابين أنها ستظل ملتزمة فكرة القدس الكبرى، وأنها ستدعم عملية إقامة حزام إسرائيلي يبدأ بغوش عتسيون من الجنوب ويتجه شرقاً ليشمل معاليه أدوميم، ويصل إلى غِفعات زئيف في الشمال. وقد اقترح أريئيل شارون أن يصل هذا الحزام شمالاً حتى بيت إيل، فلا ينتهي عند حدود غِفعات زئيف. ومن وجهة نظر التخطيط الحضري، فإن القدس الكبرى تشتمل على أربع كتل استيطانية أساسية: بيتار - غوش عتسيون (بما فيها تكواع) في الجنوب (عدد السكان الإسرائيليين 16,713)؛ معاليه أدوميم - وميشور أدوميم - في الشرق (السكان 21,348)؛ بيت إيل/كوخاف هشامر في الشمال (السكان 7573)، وغفعون/بيت حورون في الغرب (السكان 17,644).[58] وهكذا، فإن 63,278 إسرائيلياً يعيشون حالياً في هذه المنطقة الحضرية في الضفة الغربية، خارج حدود القدس البلدية. وفي سنة 1995 اقترح وزير الإسكان في حكومة رابين، بنيامين بن أليعزر، توسيع هذا الحزام: 2280 وحدة سكنية في معاليه أدوميم؛ 1300 وحدة في غِفعات زئيف؛ 1466 وحدة في بيتار؛ 400 وحدة في كريات سيفر؛ 216 وحدة في إفرات، أي 5662 وحدة على الأقل في القدس الكبرى.[59] وقد تباطأت سرعة هذا التوسع بعد احتجاج وزراء من حزب ميرتس في بداية سنة 1995، إلا إن حركة البناء في القدس الكبرى لم تتوقف.

يمكن طرح مطالبة إسرائيل بهذه المناطق على أساس مطالبتها السياسية العامة بعدم الانسحاب الكامل إلى حدود سنة 1967، وذلك من أجل إقامة حدود يمكن الدفاع عنها. وفعلاً، فإن كثيراً من تشكيلات القوات العسكرية الأردنية في مواجهة القدس، قبل سنة 1967، كان متمركزاً في هذه المناطق. وإذا تجاوزنا اعتبارات الجغرافية الحضرية، فإن المنطقة الحضرية المحيطة بالقدس منطقة ذات أهمية حاسمة لأسباب تتعلق بالأمن القومي أيضاً. إن أية تغييرات داخلية في الأردن، أو استعادة العراق قوته العسكرية، يمكن أن تحييا إلى حد كبير التهديد الذي تواجهه إسرائيل من الشرق في المستقبل. إن القدس لا تتمتع بعمق استراتيجي لحمايتها؛ إذ إن المسافة بين نهر الأردن والسهل الساحلي تصل إلى 80 كلم، بينما لا تتعدى حتى القدس 28 كلم.

وبصفة خاصة، إذا فقدت إسرائيل سيطرتها العسكرية على أجزاء من صدع وادي الأردن حول أريحا، مثلاً، فإن احتفاظها بمدخل إلى الممرات المؤدية إلى المنحدرات الشرقية لسلسلة هضاب الضفة الغربية، بالقرب من متسبيه يريحو (نحو 15 كلم شرقاً) سيكون حيوياً للدفاع عن القدس؛ إذ ستواجه القوات المهاجمة من هذا الطريق، عندئذ، مرتفعات يبلغ علوها 600 متر، من شأنها أن تشكل عقبة رئيسية أمامها.

كوضع مثالي، يتوجب على إسرائيل أن تسعى لتواصل جغرافي بين منطقة القدس الأمنية وشمال البحر الميت. وكان هذا هو الاقتراح الأصلي الذي قدمه يغآل ألون إلى حكومة إشكول في 26 تموز/يوليو 1967، بحسب ما جاء في خطة ألون.[60] إن من شأن ذلك أن يعزز محيط القدس الدفاعي، فضلاً عن أن القدس ستصبح النقطة الرئيسية على الطريق الذي سيصل وسط إسرائيل بالمملكة الأردنية الهاشمية، وهو ما سيساعد في تقوية وضع المدينة الاقتصادي في المستقبل.

كما أن منطقة القدس الأمنية ستؤثر في جوانب أُخرى تتعلق بالدفاع عن إسرائيل. فكما أوضح وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه دايان، تحظى مواقع إسرائيل على قمة سلسلة هضاب الضفة الغربية في منطقتي بيت إيل وباعل حتسور بأهمية خاصة، لأن منشآت الإنذار المبكر الإسرائيلي الرئيسية موجودة هناك.[61] وإلى الجنوب من هذه المنطقة، على امتداد طريق ألون، توجد منشآت عسكرية إسرائيلية مهمة أُخرى. وباختصار، فإن منطقة القدس الأمنية لن تؤثر في الدفاع عن القدس فحسب، بل إنها أيضاً ستخدم المصالح الأمنية القومية لإسرائيل ككل.

وفي حال حرمان إسرائيل من حق الوصول إلى مناطق كثيرة في الضفة الغربية نتيجة ترتيبات متعلقة بالوضع الموقت أو النهائي، فإن مثل هذا الحزام سيوفر لإسرائيل منطقة سيطرة أمنية ضد التسلل، في حال تدهور الوضع الأمني في المناطق التي يسيطر الفلسطينيون عليها. إن المناطق الأمنية التي يتراوح عمقها بين 12 كلم و15 كلم قد أُنشئت في الجنوب اللبناني من أجل هذا الغرض، بينما اقترحت خطة ألون إنشاء منطقة أمنية يبلغ عرضها 10 كلم ضد التسلل من الأردن.

وهكذا، فإن إنشاء مثل هذه المنطقة الأمنية لن يعزز وضع إسرائيل في القدس فحسب، بل سيوفر أيضاً سياجاً واقياً من تدهور أمني داخلي ممكن في المناطق التابعة للحكم الذاتي الفلسطيني والقريبة من عاصمة إسرائيل. إن المنطقة الأمنية لن تحول دون تطبيق الحكم الذاتي في رام الله وبيت لحم؛ إلا إنها تتطلب الحفاظ بصورة كاملة على حرية عمل الجيش الإسرائيلي في هاتين المدينتين، نظراً إلى قربهما من قلب القدس وكثافة تفاعلهما معه.

وأخيراً، ستصعّب المنطقة الأمنية على الفلسطينيين أن يحولوا الحل الديني أو الحل البلدي إلى حل جغرافي غير مرغوب فيه. إن تأكيد مثل هذه السيطرة الجغرافية سينجم عنه مجرد قطاع عربي في القدس الشرقية، معزول عن باقي الضفة الغربية، ولا يمكن أن يتحول إلى عاصمة وطنية.

شريك إسرائيل الإسلامي: الأردن

سيتوجب على إسرائيل أن تدرس بعناية مسألة من تفضله محاوراً في الجانب العربي فيما يتعلق بمسألة القدس. كما ذكرنا أعلاه، يمثل الأردن المطلب الديني الإسلامي في الأماكن المقدسة، بينما يمثل الفلسطينيون المطلب العربي في النزاع الجغرافي. ومن الواضح أنه من الأفضل التوصل إلى ترتيبات مع الأردن، وخصوصاً إذا أدى الحل الديني إلى تحسن في جانب واحد على الأقل من مسألة القدس، حتى لو لم ينجم عنه حل كامل.

لقد كان الأردن حريصاً جداً على تجنب صراع علني مع منظمة التحرير الفلسطينية بشأن القدس. فكما ذكرنا سابقاً، بدلاً من أن يقوم الملك حسين بتأكيد السيادة الأردنية على القدس، أو بدلاً من أن يقبل بالسيادة الإسرائيلية أو الفلسطينية عليها، قال إن السيادة لله وحده. ومؤخراً، عبَّر الأردن عن استعداده لتسليم المسؤولية عن الأماكن الإسلامية المقدسة إلى "من يعنيه الأمر"، ويمكن الافتراض أن المقصود بذلك الجانب الفلسطيني، حالما يتم التوصل إلى حل للوضع النهائي لمسألة القدس. وهكذا، فإن الأردن يمثل شريكاً محتملاً للتوصل إلى حل ديني للقدس، حتى لو اتضح أنه من المستحيل التوصل إلى اتفاقات بشأن الوضع النهائي مع الفلسطينيين.

صحيح أن إسرائيل تستطيع أن تقترح إنشاء لجنة إسلامية للقدس تضم جميع المطالبين بحقوق فيها: الأردن، المملكة العربية السعودية، المغرب، ومنظمة التحرير الفلسطينية. وبمعنى ما، على المستوى الرمزي، يمكن أن تمثل ترتيبات متفق عليها بشأن الأماكن المقدسة مع مجموعة دولية فضفاضة من الدول الإسلامية خرقاً أصغر للسيادة من ذلك الذي ستشكله ترتيبات مع دولة عربية واحدة. إلا إن من شأن زج دول عربية عديدة في مسألة القدس أن يؤدي إلى استمرار ارتباطها بالقضية عندما تنشأ خلافات في المستقبل. ولا مصلحة لإسرائيل في أن ترى منظمة التحرير الفلسطينية تستخدم قوة النفط السعودي في كل صراع مهما يصغر بشأن القدس في المستقبل. وبهذا المعنى، فإن جعل الأردن الشريك الأول لإسرائيل في إدارة الأماكن المقدسة أفضل من أن يكون الشريك تجمعاً للدول العربية. طبعاً، إن أولوية الأردن لا تمنع تأليف هيئة إسلامية، يستطيع الأردن تشجيعها، وتكون مستعدة لأن تبدي اهتماماً بحل ديني يرعى المصالح الإسلامية في القدس، بدلاً من حل جغرافي خالص.

تسريع وتيرة تطبيع العلاقات مع الدول العربية والإسلامية

إن قدرة منظمة التحرير الفلسطينية على تعبئة الرأي العربي والإسلامي في مصلحة مطالبها ستعتمد على عدد الدول التي ترفض الاعتراف بإسرائيل عندما تبدأ محادثات الوضع النهائي. إن تطوير علاقات إيجابية مع مزيد من الدول الإسلامية، خلال المرحلة الانتقالية التي بدأت فعلاً، سيقلل من عدد الدول التي تستطيع منظمة التحرير الفلسطينية أن تشركها في صراعها من أجل القدس. صحيح أن عدداً من الدول سيستمر في التعبير عن دعمه للمطالب الفلسطينية؛ على سبيل المثال، فإن زيارة رئيسة الوزراء التركية في تشرين الأول/أكتوبر 1994 إلى "بيت الشرق" أظهرت بوضوح أنه حتى بالنسبة إلى دولة تسعى لإقامة علاقات اقتصادية وأمنية وثيقة بإسرائيل، فإنها قد تكون مستعدة لإبداء خلافات قوية بشأن قضية القدس. إلا إنه من المشكوك فيه أن تكون مثل هذه الدول مستعدة للتضحية بمصالحها الحيوية الخاصة وقطع علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل دعماً للمصالح الفلسطينية في القدس.

كما أن في إمكان الدول العربية والإسلامية الأبعد أن تتبنى مواقف واقعية فيما يختص بقضية القدس، بينما يصعب على الجانب الفلسطيني فعل ذلك. وقد لخص الملك المغربي الحسن هذا النمط من الواقعية في تشرين الثاني/نوفمبر 1994 في مقابلة قال فيها: "أعتقد أنه من الوهم استعادة القدس كلها والسيطرة عليها سياسياً في إطار سيادة جديدة. هذه هي الحقيقة... وسيكون من الأفضل للجميع أن نكون واقعيين في الوقت الحاضر... [وأن يتم إعداد] ملف يأخذ في الاعتبار الحد الأدنى المقبول عربياً وإسلامياً."[62]

تفاهمات مع الولايات المتحدة الأميركية

ينبغي لإسرائيل أن تقنع العالم العربي في نهاية المطاف بحجتها فيما يتعلق بالاحتفاظ بالسيادة الإسرائيلية على القدس. إلا إن موقف الولايات المتحدة عامل حاسم في تطور مواقف الأطراف من مسألة القدس. وقد لا تتوفر للولايات المتحدة الموارد التي كانت لديها في السابق من أجل دعم اتفاقات السلام العربية - الإسرائيلية. إلا إنها بوصفها الدولة العظمى الوحيدة الباقية، فإنه من الممكن أن يكون لموقفها تأثير هائل في كل أولئك الذين هم في صدد رسم سياساتهم تجاه مستقبل القدس. إن واشنطن لا تستطيع أن تملي على أحد ما يجب أن يكون عليه موقفه، إلا إن الولايات المتحدة تستطيع أن تعين حدوداً واقعية لأي طرف يعمل على وضع استراتيجيا دبلوماسية.

لقد ذكرنا أعلاه أن الولايات المتحدة قامت بدور الراعي لاتفاقين لهما تأثير في القدس: اتفاق "إعلان المبادئ" بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، و"إعلان واشنطن" بين إسرائيل والأردن. وبينما جعل الاتفاق الأول القدس، من الناحية الإجرائية، بنداً في جدول أعمال محادثات الوضع النهائي، فإن الاتفاق الآخر دعم، من ناحية الجوهر، دور الأردن الديني الخاص في الأماكن الإسلامية المقدسة في البلدة القديمة. بمعنى آخر، إن الولايات المتحدة خطت بذلك ضمناً خطوة باتجاه السعي لإيجاد حل ديني، بدلاً من التركيز حصراً على الحل الجغرافي. ويجب تشجيع هذا التطور في سياسة الولايات المتحدة.

إن لدى الولايات المتحدة دوراً حيوياً آخر تلعبه، يتمثل في ضمان ألا تُستخدم القدس من قبل منظمة التحرير الفلسطينية أو أطراف أُخرى كأداة لتقويض عملية السلام ككل. إن الإخفاق في إحراز حل بشأن القدس يتفق الإسرائيليون والفلسطينيون عليه يعرض عملية السلام برمتها للخطر. وإذا توصلت إسرائيل والولايات المتحدة إلى تفاهم مبكر بشأن هذه المسألة، فإنه سيكون من المرجح أن ينشأ نمط من التعايش في ظل تسوية موقتة غير رسمية، بدلاً من اتفاق إسرائيلي - فلسطيني رسمي بشأن مسألة القدس.

أخيراً، إن نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى الجزء الغربي من القدس سيحسن وضع إسرائيل التفاوضي بشأن مسألة القدس، ولا سيما إذا تحقق الاعتراف الأميركي بمكانة إسرائيل في القسم الغربي من المدينة بمعزل عن مسألة القدس الشرقية. ومن دون نقل سفارة الولايات المتحدة، سيسعى الفلسطينيون لربط الاعتراف الأميركي بمكانة إسرائيل في القدس الغربية باعتراف الولايات المتحدة بالعاصمة الفلسطينية في القدس الشرقية. وما دامت الولايات المتحدة لم تعرض على الفلسطينيين تعويضاً دبلوماسياً من أي نوع في القدس في مقابل نقل السفارة، فإن خطوة الولايات المتحدة ستكون في مصلحة إسرائيل.

استنتاجات

لقد أظهر هذا التحليل أنه من المستبعد جداً إيجاد حل لمسألة القدس مقبول من جميع الأطراف في الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل والفلسطينيون. إن حلولاً أُخرى، مثل الحل الديني، لديها نصيب أكبر من النجاح، حتى لو لم تكن مقبولة كحل للوضع النهائي من قبل كثير من الأطراف العربية، وخصوصاً من قبل الفلسطينيين.

ماذا ستكون إذاً النتائج المترتبة على عدم حل قضية القدس بصورة ترضي جميع الأطراف المعنية؟ طبعاً، إن تاريخ النظام الدولي حافل بقضايا حساسة كثيرة تركت من دون حل ولم تسبب نزاعاً مسلحاً. فمن سنة 1870 حتى سنة 1929، ترك وضع الفاتيكان من دون اتخاذ قرار بشأنه. فمن ناحية، لم تتمكن إيطاليا والبابوية من التوصل إلى شروط يتفق الطرفان عليها بشأن وضع المدينة، بينما لم تبد، من ناحية أُخرى، أي من الدول الكاثوليكية التقليدية، ثمل فرنسا، استعدادها للتدخل عسكرياً في إيطاليا في مصلحة البابا.

إن حالة القدس مختلفة لأن اهتمام إسرائيل مركّز على الصراع مع الفلسطينيين، لا بالضرورة على غزو الدول العربية [لإسرائيل] باسم القدس. لقد أبدى كيسنجر ذات مرة ملاحظة مفادها أن صراعات مثل الصراع بين العرب والإسرائيليين "تنتج عادة حالة جمود تقطعها بين الحين والآخر سلسلة من الحروب حتى يفرز الإنهاك توازناً لم تتمكن الحكمة من التوصل إلى إدراكه."[63] ويعتقد كيسنجر أن الصراع السوفياتي - الأميركي منع ذلك التوازن من التحقق في الحالة العربية - الإسرائيلية.

هل من الممكن أن يتحقق مثل هذا التوازن فيما يتعلق بقضية القدس؟ من الصعب إعطاء جواب حاسم. في معظم الحالات، ينجم الاستقرار في تسوية دولية عن مزيج من عوامل نابعة من توازن القوى والإحساس بأن الحد الأدنى من العدالة تحقق للطرفين. وإذا توصلت إسرائيل إلى تفاهم بشأن القدس مع الولايات المتحدة وممثلين إقليميين آخرين، من ناحية، واهتمت بالحاجات الدينية للعالم الإسلامي من ناحية أُخرى، فإنها تستطيع أن تحسن، لا أن تحل بالضرورة، كثيراً من مخاوف الدول المحيطة بها فيما يختص بالموضوع.

لكن إذا قبلت إسرائيل بتنازلات جغرافية صعبة في القدس - تنازلات ستتطلب، بالمناسبة، تنازلات فلسطينية أيضاً - فإنه سينشأ مركب أكثر خطورة، لأننا يجب ألا ننسى أنه من المرجح أن يؤدي الحل الجغرافي إلى تفسيخ نسيج المجتمع الإسرائيلي وبروز تساؤلات جدية عن شرعية إسرائيل كدولة يهودية. إن مثل هذا الحل قد لا يرضي الفلسطينيين، وسيجعل وضع إسرائيل أضعف كثيراً في التوازن الإقليمي للقوى، وهو ما يستدعي مزيداً من التحديات الخارجية.

ماذا سيحدث إذاً إذا لم يقبل الفلسطينيون بتعايش في ظل تسوية موقتة (modus vivendi) بشأن القدس تبقى المدينة موحدة تحت السيادة الإسرائيلية؟ ماذا سيحدث إذا هدَّد الفلسطينيون باستئناف الانتفاضة، حتى بصورة أعنف من الماضي؟ إن الأوضاع في التسعينات ستكون مختلفة عما كانت عليه سنة 1987. إن الانتفاضة التي انفجرت وقتئذ كانت انتفاضة عامة لمراكز السكان الفلسطينيين الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية، وخصوصاً في قطاع غزة. لقد تلاشت الإرادة الوطنية الإسرائيلية في الحفاظ على غزة أمام الإرادة الوطنية للفلسطينيين في التخلص من الحكم الإسرائيلي. أمّا الانتفاضة من أجل القدس فستكون، خلافاً لغزة، صراعاً ينطوي على قيمة مركزية للحركة الصهيونية ولليهودية.

هل يمكن أن تدمر مسألة القدس باقي العملية السلمية؟ منذ اتفاق كامب ديفيد، بل منذ اتفاقات سيناء التي سبقته، تقدمت العملية السلمية في القناة الدبلوماسية حيثما وجدت الفرصة الأكبر للتقدم. فما كان يمكن الاتفاق بشأنه كان يوضع في الاتفاقات، بينما تركت مساحات الخلاف لجهود دبلوماسية عتيدة. وهكذا، وبناء على سوابق الماضي، فإن الإخفاق في حل مسألة القدس لن يعوق بالضرورة تفاهمات عربية - إسرائيلية.

في أية حال، إن اتفاقات السلام ليست غايات في حد ذاتها. إن الاتفاقات ضرورية من أجل ضمان حماية المصالح القومية من خلال الأداة الدبلوماسية؛ والاتفاقات الراسخة هي تقنين لتوازن سياسي جديد. أمّا الاتفاقات التي تفشل في ضمان القيم التي يقوم المجتمع عليها، فإنهالا تستحق السعي لها أصلاً. وفي نهاية المطاف، فإن هذا التمييز هو ما يفصل بين سلام يحظى بإجماع قومي وبين سلام يجري السعي له مهما يكن ثمنه.

 

[1] Israel Kimchi, Shalom Reichman, and Joseph Schweid, The Metropolitan Area of Jerusalem (Jerusalem: The Jerusalem Institute for Israel Studies, 1984), pp. 8-9.

تقديرات القنصل البريطاني، نويل مُور، سنة 1864، أنظر:

Martin Gilbert, Jerusalem: Illustrated History Atlas (Jerusalem: Steimatsky Publishers, 1994), p. 47 [2]

[3] Jerusalem Post, November 1, 1994.

[4] Martin Kramer, Islam Assembled: The Advent of Muslim Congresses (New York: Columbia University Press, 1986), pp. 106-112.

[5] Tawfik al-Khalil, Jerusalem From 1947 to 1967 (Amman: Economic Press, n.d.), pp. 90-92.

[6] Uzi Benziman, "Israeli Policy in East Jerusalem after Reunification," in Joel Kraemer (ed.), Jerusalem: Problems and Prospects (New York: Praeger Books, 1980), p. 112.

[7]( Document 100, "The Report of the Commission of Investigation into the Events on the Temple Mount," in Ruth Lapidoth and Moshe Hirsch (eds.), The Jerusalem Question and its Resolution: Selected Documents (Dordrecht: Martinis Nijhoff Publishers, 1994), p. 455.

[8] W. Montgomery Watt, Islamic Political Thought (Edinburgh: Edinburgh University Press, 1968), p. 37.

 [9] S.D. Goitein, "Al-Kuds," in Bosworth, Van Donzel, Lewis and Pellat (eds.), The Encyclopedia of Islam (new edition) (Leiden: E.J. Brill, 1980), Vol. V, p. 326.

 [10] Emanuel Sivan, "The Sanctity of Jerusalem in Islam in the Period of the Crusades," in Yehoshua Praver and Hagai Ben-Shamai (eds.), Sefer Yerushalayim 1099-1250 (Jerusalem: Yad Yitzhak Ben-Zvi, 1991), pp. 287-288.

 [11] Carl Brockelman, History of the Islamic Peoples (New York: Capricorn Books, 1960), pp. 231-232.

 [12] Kraemer, op. cit., p. 34.

[13] أوضح موشيه ساسون، سفير إسرائيل في مصر سابقاً، نقطة أن الدول العربية لم تجعل المدن المقدسة عواصم سياسية لها. فعاصمة المملكة العربية السعودية هي الرياض، لا مكة؛ والمدينتان المقدستان لدى الشيعة، النجف وكربلاء، لم تُجعلا عاصمة للعراق. لكن الاستثناء الوحيد لفرضية ساسون هي مكة، التي كانت لفترة قصيرة عاصمة للحجاز، تحت الحكم الهاشمي، قبل الغزوات السعودية. "معاريف"، 7/7/1994.

 [14] Zwi Weblowsky, The Meaning of Jerusalem to Jews, Christians, and Muslims (Jerusalem: Intratypset, 1977); Mordecai Chertoff, "Jerusalem in Song and Psalm," in Alice L. Eckardt (ed.), Jerusalem: City of Ages (New York: University Press of America, 1987).

 [15] Yitzhak Reiter, Ha-waqf Be-yerushalayim (Jerusalem: The Jerusalem Institute for Israel Studies, 1991), p. 60.

[16] Asher Susser, In Through the Out Door: Jordan’s Disengagement and the Middle East Peace Process, The Washington Institute-Policy Papers, Number Nineteen (Washington: The Washington Institute for Near East Policy, 1990), pp. 24-25.

 [17]  "صوت إسرائيل"، 19/3/1993.

[18]  "The Report of the Commission of Investigation into the Events on the Temple Mount," in Lapidoth and Hirsch, op. cit., pp. 468-470.

 [19] Yehuda Blum, The Juridical Status of Jerusalem (Jerusalem: Leonard Davis Institute, 1974), p. 31.

 [20] Ibid

[21] Abba Eban, An Autobiography (New York: Random House, 1977), p. 442.

 [22] تصريح أدلت به رئيسة الحكومة الإسرائيلية غولدا مئير في الكنيست رداً على قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقدس، 26 تشرين الأول/أكتوبر، 1971، في:

            Lapidoth and Hirsch, op. cit., p. 285

[23] Peres/Holst Letter Regarding Jerusalem, Israel Information Service Gopher, Ministry of Foreign Affairs, Jerusalem.

 [24] Marshall J. Berger, "The New Battle for Jerusalem," In Middle East Quarterly, Vol. I, No. 4, December 1994, pp. 29-30.

 [25]( The Washington Declaration, Israel-Jordan, The United States, July 25, 1994; Israel Information Service Gopher, Ministry of Foreign Affairs, Jerusalem.

 [26]  يعتقد البعض أن لدى الفلسطينيين طموحات محدودة، محصورة إلى حد كبير في القدس الشرقية: "بينما تطالب إسرائيل بالمدينة بأسرها (ضمن الحدود البلدية الموسعة)، وقد أعلنت أنها عاصمتها الأبدية، فإن الفلسطينيين الذين يسعون لتسوية ينظرون إجمالاً إلى القدس الشرقية فقط باعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية." أنظر:

.Mark A. Heller and Sari Nusseibeh, No Trumpets, No Drums: A Two-State Settlement of the Israeli-Palestinian Conflict (New York: Hill and Wang, 1991), p. 116

[27] Khaled A. Khatib, The Conservation of Jerusalem (Jerusalem: PASSIA, June 1993), p. 117.

      ومن جهة أُخرى، وكبديل، هناك إشارات إلى تخفيف السيادة الإسرائيلية في القدس الغربية، مع أن المطالبة العلنية تقتصر على النصف الشرقي فقط؛ وهكذا، فإن حيدر عبد الشافي قد أعلن في افتتاح مؤتمر مدريد للسلام: "إن وطننا لم يكف عن الوجود في عقولنا وقلوبنا، ولكنه يجب أن يوجد كدولة في جميع المناطق التي احتلها إسرائيل في حرب عام 1967، مع القدس العربية عاصمة لها في إطار الوضع الخاص لهذه المدينة وطابعها الذي يستبعد احتكارها [من جانب طرف واحد]." أنظر:

.Document A. 5 in The Palestinian-Israeli Peace Agreement, A Documentary Record (Washington D.C.: Institute for Palestine Studies, 1994), p. 20

[28] Jerusalem Post, May 18, 1994.

 [29] "يديعوت أحرونوت"، 3/8/1994، وقد استشهدت بها.

Peace Watch, "The Standing of Israel and the Palestinians in their Commitments in the Matter of Jerusalem" (In Hebrew).

[30] "هآرتس"، 29/5/1995.

 [31] Hanna Siniora, "The Siniora-Amirav Model," in Jerusalem: Perspectives Towards a Political Settlement (Tel-Aviv: New Outlook/United States Institute for Peace, 1993), pp. 30-31.

 [32] Walid Khalidi, "Toward Peace in the Holy Land," in Foreign Affairs, Spring 1988, pp. 771-789.

 [33]  "معاريف"، 19/5/1995.

[34] PASSIA Annual Report, 1992 (Jerusalem: PASSIA, !993), p. 37.

[35] Jordan Television Network, Amman, October 12, 1993, In Foreign Broadcast Information Service, October 14, 1993.

[36] Jerusalem Post, October 23, 1994.

[37]  "Jordanian Crown Prince on Regional Development, Jerusalem and Other Issues," Hashemite Kingdom of Jordan Radio, Amman November 1, 1994, BBC-Summary of World Broadcasts (ME), November 3, 1994.

[38]  "Prime Minister Majali Responds to Criticisms of Treaty with Israel," MBC TV, October 30, 1994, BBC-Summary of World Broadcasts (ME), November 2, 1994.

 [39] على سبيل المثال، اقترح أنطون شماس تقسيماً للقدس يجعل البلدة القديمة عاصمة لدولة فلسطينية، بينما يستمر باقي القدس الكبرى في كونه عاصمة إسرائيل. أنظر:

.Naomi Chazan, Negotiating the Non-Negotiable: Jerusalem in the Framework of an Israeli-Palestinian Settlement (Cambridge: American Academy of Arts and Sciences, 1991), p. 23

[40] وثيقة مؤرخة بتاريخ 22 آب/أغسطس 1967، سلّمها الشيخ عبد الحميد السائح و28 شخصية أُخرى إلى الأمين العام للأمم المتحدة:

[41] Yehuda Ben Meir, Israeli Public Opinion, Final Status Issues: Israel-Palestinians, Study No. 6 (Tel-Aviv: Jaffee Center for Strategic Studies, 1995), pp. 21-22.

 

[42] Nafez Nazzal, "The Significance of Jerusalem for Moslems," in Jerusalem: Perspectives Towards a Political Settlement, op. cit.

 [43]  مقابلة مع الشيخ صبري في "لواء الإسلام" (القاهرة)، مقتبسة في "عيتون يروشلايم"، 11/11/1994، ص 14.

 [44] ([44])   Reiter, op. cit., pp. 39-43.

[45] ([45])   Ibid., p. 74.

[46]  مقابلة مع الملك حسن في The Independent, November 1, 1994.

 

[47] "معاريف"، 28/10/1994، في مقابلة مع الملك الحسن منقولة عن صحيفة "الحياة".

[48] ([48])   "معاريف"، 30/10/1994.

 [49] Teddy Kollek, "Jerusalem," in Foreign Affairs, July 1977, p. 710.

 [50] Cecilia Albin, The Conflict Over Jerusalem: Some Palestinian Responses to Concepts of Dispute Resolution (Jerusalem: PASSIA, July 1992), Second Edition, pp. 32-33.

[51] Ibid.

[52] Proceedings of the United Nations Department of Public Information’s Encounter for Greek Journalists on the Question of Palestine, Jerusalem: Vision of Reconciliation (New York: United Nations Department of Public Information, 1993), p. 86.

[53] Jerusalem Post, January 25, 1994.

[54] PASSIA Annual Report, 1993 (Jerusalem: PASSIA, 1994), p. 42.

 [55]  في منتصف الثمانينات، شملت مساحة القدس الكبرى، بحسب أحد التقديرات، 1,5 مليون دونم، واشتملت على أغلبية يهودية ضئيلة مقدارها 55% في مقابل أقلية عربية مقدارها 45%. أنظر:

.Shmaryahu Cohen, "The Expansion of the Areas of the United City and the Establishment of the New Neighborhoods," in Eli Shiler (ed.), Jerusalem (Jerusalem: Ariel Publishers, 1986), p. 44

[56]  Israel Kimchi, "Lines in the Development of Jerusalem 1988-1993," in Urban Geography in Jerusalem 1967-1992, Special Publications on Jerusalem (Jerusalem: The Jerusalem Institute for Israel Studies, 1992), p. 22.

[57] Emanuel Gutmann and Claude Klein, "The Institutional Structure of Heterogeneous Cities: Brussels, Montreal, and Belfast," in Kraemer, op. cit., pp. 179-180.

[58] كان عدد سكان المستوطنات هذه، في تشرين الأول/أكتوبر 1994، تقريباً كما يلي:

  1 - بيتار - غوش عتسيون: المجموع 16,713: إفرات (4599)، ألون شفوت (1706)، إليعزر (402)، أسبور (322)، هار - غيلو (347)، كفار عتسيون (497)، كرمي تسور (225)، ميغدال عوز (224)، معاليه عموس (367)، نِفِه دانييل (454)، نوكديم (223)، كيدار (190)، روش تسوريم (271)، تكواع (715)، بات عاين (275)، بيتار (5900)؛

  2 - معاليه أدوميم: المجموع 21,348: معاليه أدوميم (20,000)، كفار أدميم (681)، مِتْسبيه يريحو (667)؛

  3 - بيت إيل: المجموع 7573: أبير يعقوب (300)، أدام (314)، كوخاف يعقوب (262)، بِساغوت (699)، بيت إيل (أ وب) (2859)، عوفرا (1150)، كوخاف هشاحر (760)، ريمونيم (403)، معاليه ميخماش (462)؛

  4 - غِفعات زئيف/بيت حورون: المجموع 17,644: غِفعات زئيف (7500)، بيت حورون (526)، دوليف (440)، تالمون (451)، حشمونائيم (1430)، متتياهو (2753)، مِفُوحورون (462)، هار أدار (1329)، كريات سيفر/متتياهو (2753).

  المصدر: "المجالس البلدية والإقليمية".

[59]  "هآرتس"، 22/1/1995.

[60] Yigal Allon, In Search of Peace (Tel-Aviv: Hakibbutz Hameuchad, 1989), p. 21.

[61] Natan Yanai (ed.),Moshe Dayan on the Peace Process and Israel’s Future (Tel-Aviv: Ministry of Defense Publishers, 1988), p. 173.

[62] Reuters, November 9, 1994.

[63] Henry Kissinger, White House Years (Boston: Little Brown and Company, 1979), p. 346.

 

Author biography: 

دوري غولد: مدير مشروع "السياسة الأميركية الخارجية والدفاعية" في مركز يافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب. خلال فترة 1991 - 1992 كان مستشاراً في الوفد الإسرائيلي إلى مؤتمر مدريد ومحادثات واشنطن.