Settlements and Borders: Israeli Perceptions of a Durable Solution
Keywords: 
سياسة الاستيطان
الضفة الغربية
قطاع غزة
الحدود
ضم الأراضي
نهر الأردن
Full text: 

عن مركز يافي للدراسات الاستراتيجية، التابع لجامعة تل أبيب، بدأت بالصدور سلسلة من الدراسات القصيرة (باللغتين الإنكليزية والعبرية)، تعالج قضايا الحل الدائم بين الفلسطينيين وإسرائيل، التي من المفروض أن يبدأ التفاوض بشأنها في موعد أقصاه أيار/مايو 1996. وقد صدرت حتى الآن ثلاث دراسات، الأولى بعنوان: "ماذا لو فشلت التسوية؟ كيف ستعرف ذلك؟" بقلم مارك هيللر (بالإنكليزية)، والثانية بعنوان: "مشكلة اللاجئين الفلسطينيين"، بقلم شلومو غازيت (بالعبرية)، والثالثة بعنوان: "المستوطنات والحدود". بقلم جوزف ألفير، مدير المركز (بالإنكليزية). وهي دراسات مهمة، تلقي ضوءاً كاشفاً على المواقف الإسرائيلية حيال القضايا المذكورة، والاعتبارات التي تقف خلف هذه المواقف، ومناحي التفكير في شأن الحلول الممكنة والمرجحة. ويضفي أهمية إضافية عليها كون مؤلفيها على صلة حسنة بالقيادة السياسية/الأمنية الإسرائيلية، وفي مواقع تتيح لهم التعرف جيداً إلى مختلف وجهات النظر في الأوساط السياسية والأمنية.

وما يلي هو ترجمة للجزء الأخير من الدراسة الثالثة: "المستوطنات والحدود:، ويعالج ألفير فيه المتطلبات الحيوية الإسرائيلية فيما يتعلق بهاتين المسألتين، والحلول المطروحة والممكنة لهما، وما يعتقد أنه الحل الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل في إطار اتفاق بين الفلسطينيين وإسرائيل بشأن الحل النهائي. وينطوي هذا الحل، الذي يصفه ألفير بأنه حل وسط إقليمي معتدل (!)، على انسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة، وضم نحو 11% من أراضي الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل، بما في ذلك القدس ومنطقة واسعة محيطة بها، ونشر قوات إسرائيلية في محاذاة نهر الأردن (الخريطة رقم 10، أدناه). وتضم الأراضي المقترح ضمها إلى إسرائيل 70% تقريباً من مجموع المستوطنين الحاليين، وجميع المستوطنات الكبيرة والمستوطنات ذات الأهمية الاستراتيجية.

وتجدر الإشارة إلى أن ألفير يتطرق في الجزء المحذوف في الترجمة أدناه، بإيجاز وتركيز شديدين، إلى الأمور التالية: موقف الحكومة الإسرائيلية، أو بالأحرى موقف يتسحاق رابين، من مسألتي الحدود والمستوطنات؛ المفاهيم/التصورات الرئيسية المتداولة في الأوساط السياسية/الأمنية الإسرائيلية لمستقبل المستوطنات والأراضي الفلسطينية المحتلة؛ تاريخ الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، والمراحل التي مرّ بها؛ الوضع القانوني للمستوطنات من وجهة نظر القانون الدولي؛ آراء أطراف أُخرى بالنسبة إلى مستقبل المستوطنات والحدود (المستوطنون، الدول العربية، الفلسطينيون، الولايات المتحدة).

كما يجدر المرور بسرعة ببعض ما ورد في الجزء المحذوف. في حديثه عن موقف الحكومة الإسرائيلية، يكتب ألفير أن الحكومة ليس لديها حالياً موقف واضح حيال المستوطنات والحدود، وذلك لأسباب تكتية: الرغبة في عدم الكشف للفلسطينيين عن خطوط الانسحاب ومساحات المرونة قبل الدخول في المفاوضات معهم بشأن هذا الأمر، والرغبة في تجنب نقاش داخلي عاصف إلى أن تستدعي الحاجة ذلك. لكن، مع ذلك، توجد "سياسة شفهية" لرابين، يعبر عنها في تصريحاته، وخلاصتها أن الأجزاء الوحيدة المبرر استيطانها (وبالتالي، المرشحة ضمنياً للضم) هي "القدس الكبرى"، وغوش عتسيون، وأجزاء من الضفة الغربية في غربي قضاء نابلس. و"يُذكر نهر الأردن حداً أمنياً، من دون أن يكون واضحاًًً ما إذا كان قصد [رابين] من استخدام هذا التعبير بالضرورة تبرير النشاط الاستيطاني  في وادي الأردن أيضاً" (ص 2). ويلفت النظر التشابه الواضح بين هذه "السياسة الشفهية" و"خريطة" ألفير.

وفي حديثه عن المفاهيم أو التصورات الإسرائيلية بشأن مستقبل المستوطنات والأراضي الفلسطينية المحتلة، يشير ألفير إلى وجود توجهين رئيسيين: الأول يعرض تقسيم الأراضي المحتلة وتسليم جزء كبير منها إلى الفلسطينيين، والآخر يدعو إلى إقامة حكم مشترك إسرائيلي - فلسطيني (وربما أردني أيضاً) في الأراضي المحتلة. ويضيف [ألفير] أنه يوجد ضمن التوجه الرئيسي الأول "مدرستان فكريتان": الأولى تدعو إلى الانسحاب من أكبر جزء يمكن الانسحاب منه من الأراضي المحتلة (وتفكيك المستوطنات القائمة فيه) لإتاحة الفرصة للفلسطينيين لإنشاء كيان سياسي خاص بهم، والأُخرى تدعو إلى الانسحاب من نحو 50% من الأراضي المحتلة، وإبقاء سيطرة إسرائيل الاستراتيجية والتكتية على جزء كبير متواصل جغرافياً من الضفة الغربية وقطاع غزة، مع إبقاء كل أو أغلبية المستوطنات في مكانها وتحت الحكم الإسرائيلي، وحصر الفلسطينيين في جيوب منعزل بعضها عن بعضها الآخر جغرافياً.

كما يوجد ضمن التوجه الرئيسي الثاني "مدرستان" فرعيتان أيضاً: الأولى تعارض أي محاولة لتقسيم الأراضي المحتلة وتسليم جزء منها إلى حكم غير إسرائيلي، لكنها تعترف أيضاً بعدم جدوى أي محاولة للتوصل إلى إقرار السيادة الإسرائيلية عليها في اتفاق متفاوض بشأنه، فضلاً عن التأثير السلبي الناجم عن حكم شعب آخر، ولذلك تقترح حكماً مشتركاً لفترة طويلة، مع تأجيل حسم مسألة السيادة، والأُخرى تتوصل في نهاية الأمر إلى الحل نفسه، غير أنها تصل إليه انطلاقاً من استحالة التوصل في المفاوضات إلى تقسيم متفق عليه، على الرغم من الرغبة الصادقة في ذلك، وبالتالي تقترح تقسيماً وظيفياً للسلطة بين إسرائيل والفلسطينيين، في إطار نوع من "الحل الانتقالي الدائم" (مناحم بيغن).

وفي حديث ألفير عن تاريخ الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإنه يميز بين فترتين: فترة حكم المعراخ/ حزب العمل الممتدة بين سنتي 1967 و1977، وفترة حكم الليكود (بالتشارك أحياناً مع حزب العمل) الممتدة بين سنتي 1977 و1992. ويتابع ألفير أن حكومات المعراخ/ حزب العمل قاربت الاستيطان في الأساس من خلال منظور أمني، واعتمدت خطة ألون (الخريطة رقم 1، أدناه)، التي سعت لإنشاء منطقة عازلة استيطانية/أمنية بين فلسطين وجيرانها، مرتكزاً لجهودها الاستيطانية. وقد وجهت حكومات المعراخ هذه الجهود أساساً إلى وادي الأردن، والمنحدرات الشرقية للسلسلة الجبلية المواجهة للأردن في قضاء نابلس، والسلسلة الجبلية المواجهة للبحر الميت في قضاء الخليل، ونتوء رفح الفاصل بين قطاع غزة وسيناء، وغوش عتسيون، ومناطق متاخمة للقدس. كما وُضعت في تلك الفترة خطط لاستيطان غربي قضاء نابلس، في محاذاة خط الهدنة، كوسيلة لحماية مصادر المياه، وتوسيع "الخاصرة الضيقة" لإسرائيل، والسيطرة على محاور الحركة شرق - غرب وعلى الطرق المؤدية إلى مطار بن - غوريون الدولي. وقد تفادت حكومات المعراخ استيطان المناطق المزدحمة بالسكان العرب (باستثناء وسط مدينة الخليل وكريات أربع قرب الخليل وإيلون موريه قرب نابلس)، وذلك من منطلق فرضية أساسية فحواها أن يترك لهم نحو 60% من الضفة الغربية، من أجل حكم عربي مستقبلي، يُفضل أن يكون حكماً أردنياً. ويشير ألفير أيضاً إلى خطة وضعت في فترة حكومات المعراخ المذكورة أعلاه، دعيت خطة "العمود المزدوج" (الخريطة رقم 2، أدناه)، وكان الهدف منها اقتصادياً/أمنياً، وسعت لتوطين مليوني يهودي في وادي الأردن، على افتراض أنه منطقة ذات إمكانات اقتصادية كبيرة. ويضيف أن التجربة أثبتت خطأ هذا الافتراض. كما يشير إلى خطة استيطانية جديدة وضعت سنة 1994 من جانب مجموعة "الطريق الثالث" في حزب العمل، والتي هي بمثابة محاولة لإحياء خطة ألون، من أجل ضمان عدم تخلي الحكومة عن أي من المناطق التي سعت خطة ألون لضمها إلى إسرائيل.

أمّا فترة حكومات الليكود (1977 - 1992)، فقد تميزت أساساً، كما يوضح ألفير، بجهد مركّز لزيادة عدد السكان اليهود في الضفة الغربية. وهنا يميز ألفير بين مفهومين رئيسيين وجّها الاستيطان في تلك الفترة، الأول مثلته حركة غوش إيمونيم، التي سعت، لاعتبارات دينية وتاريخية في الأساس، لاستيطان قلب المناطق الجبلية الآهلة بكثافة بالسكان العرب، يهدف إلى منع أي إمكان لتقسيم الأراضي المحتلة، ثم ضمها في نهاية المطاف إلى إسرائيل؛ والآخر مثّله أريئيل شارون، الذي سعى، لاعتبارات سياسية/استراتيجية أساساً، لاستيطان قلب المناطق الجبلية، لكن (باستثناء مدينة الخليل) خارج المناطق الآهلة بالسكان العرب بكثافة. وقد حاول شارون أن يقطع ويجزئ التواصل الجغرافي للسكان العرب في الضفة الغربية بزرع المستوطنات في محاذاة محاور الطرق شرق - غرب في مواقع مسيطرة طبوغرافياً على التجمعات السكانية العربية.

وفي ختام الفقرة عن تاريخ الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية وقطاع غزة، يلخص ألفير الدوافع والمبررات التي ساقها صانعو القرار في إسرائيل لتبرير الاستيطان، ويحدد الأماكن التي برز فيها هذا المبرر أو ذاك أكثر من غيره:

  • تراث ديني - تاريخي: مدينة الخليل وكريات أربع، قبر يوسف في نابلس، المستوطنات في السلسلة الجبلية في قضاء نابلس مثل إيلون موريه؛
  • تراث ما قبل 48 (مستوطنات أنشئت في أماكن كان فيها مستوطنات قبل حرب سنة 1948): مدينة الخليل، غوش عتسيون، كفار داروم (في قطاع غزة)، بيت هَعَرفا (في وادي عربة)؛
  • دفاع استراتيجي: المنحدرات الشرقية لسلسلة جبال نابلس، وادي الأردن، غوش قطيف (في قطاع غزة)؛
  • دفاع استراتيجي (أحزمة أمنية فرعية) ودفاعات محلية تكتية: منطقة القدس والممر المفضي إليها، اللطرون (مطار بن - غوريون)، غربي قضاء نابلس، وعزل/تفتيت التجمعات السكانية البلدية العربية؛
  • المياه: غربي قضاء نابلس، غربي قضاء الخليل، منطقة غلبواع؛
  • جعل "الخط الأخضر" (حدود الهدنة) مستقيماً، وخصوصاً في غربي قضاء نابلس؛
  • اعتبارات اقتصادية: وادي الأردن/البحر الميت.

ويبقى أن نشير أخيراً إلى أن يهودا والسامرة هما التسميتان الإسرائيليتان لقضاءي الخليل ونابلس، وقد أبقينا على استخدام المؤلف لهما حرصاً على الدقة في الترجمة. 

تحديد المتطلبات الإسرائيلية في اتفاق متفاوَض بشأنه 

من أجل وضع الأساس لعرض مشاريع لحل متَّفق عليه يتعلق بالحدود والمستوطنات، سنحاول أولاً أن نعرض المتطلبات الإسرائيلية، ثم المتطلبات الفلسطينية في اتفاق يتعلق بالوضع الدائم في المناطق [المحتلة].

وتوخياً للبساطة نقول منذ البداية: ليس لإسرائيل متطلبات حيوية في قطاع غزة، وفي جميع القطاعات الرئيسية - الأمن، المياه، الديموغرافيا، التراث، الاقتصادـ إن قطاع غزة بالنسبة إلى إسرائيل عبء لا ثروة؛ فالسلام مع مصر، الذي يتضمن تجريد شبه جزيرة سيناء من السلاح، يضمن المصلحة الإسرائيلية الاستراتيجية الأمنية في هذا القطاع؛ وباستثناء جمع المعلومات الاستخباراتية، فإن الإرهاب يمكن محاربته على نحو أفضل من خلال انتشار [قوات الجيش] خارج القطاع، من دون عبء حماية المستوطنين؛ وهؤلاء المستوطنون، البالغ عددهم نحو 4000 شخص فقط، لا يشكلون "كتلة حرجة" ديموغرافية من أي نوع، لجهة حسابات الانسحاب، بينما تحتل مستوطناتهم ثلث أراضي القطاع (أراض حيوية بالنسبة إلى أي حكم فلسطيني، لأغراض التطوير وإعادة توطين اللاجئين)؛ كما أن قطاع غزة لا يشتمل على أي أماكن يهودية دينية - تاريخية رئيسية، أو على أي مصادر مياه إسرائيلية حيوية. وفي الحقيقة، فإن الجمهور الإسرائيلي عموماً قد سلم بالتنازل عن قطاع غزة للفلسطينيين، ومعظم الساسة على جانبي المتراس السياسي يرى في غزة نواة لكيان سياسي أو لدولة فلسطينية في أي اتفاق في المستقبل. وبالتالي، فإن النقاش أدناه سيركز على يهودا والسامرة، اللتين تفوق مساحتهما مساحة غزة 16 ضعفاً، وتشتملان على ثروات استراتيجية وتراثية تتطلب أن تُدرس باحتراس أكبر كثيراً. 

الأمن

إننا في تحليلنا لمتطلبات إسرائيل الأمنية في يهودا والسامرة، سنتفادى مناقشة المسائل التي ليس لها انعكاسات مباشرة على الحدود والمستوطنات. إن السيطرة الإسرائيلية على أجواء الضفة الغربية، ووضع عدة مراكز إنذار مبكر إلكتروني في أعالي السلسلة الجبلية، وتجريد الأراضي الفلسطينية من السلاح تجريداً فعالاً فيما يتعلق بالأسلحة والتشكيلات المنطوية على إمكانات هجومية، كلها أمور قابلة لأن يُتفق بشأنها، ولأن يتم تطبيقها والتحقق من التزامها من دون أن تضم إسرائيل الأراضي ومن دون الاعتماد على المستوطنات (مع أنه يمكن تصوّر استخدام مستوطنات منعزلة قواعد لمراكز إنذار مبكر). لكن حتى مع افتراض أن الكيان الفلسطيني سيكون حقاً منزوع السلاح تماماً، فإنه ينبغي لنا أن نعالج مسألة متطلبات إسرائيل الدفاعية ضد تهديدات من الشرق الأبعد مدى: أي ترتيبات تحتاج إليها، وإلى أي حد يجب تدعيم هذه الترتيبات، ولأي مدة من الزمن. كما يجب أن نتفحص الارتباط بين المستوطنات، والحدود، والمشكلات الأمنية الراهنة، أي الوسائل لمنع الإرهاب الموجَّه ضد إسرائيل والنابع من داخل الكيان الفلسطيني.

أولاً، الأمن الاستراتيجي. حتى لو انطلقنا من الافتراض الأساسي القائل إنه لن يكون هناك حل دائم مع الفلسطينيين لا يواكبه سلام وأمن مع الأردن (قائمان على تطبيق ناجح لمعاهدة السلام الإسرائيلية - الأردنية الموقعة في تشرين الأول/أكتوبر 1994)، فإن أعواماً ستمر قبل أن تستطيع إسرائيل الركون إلى سلام شامل وحقيقي مع جميع جيرانها في جهة الشرق. إنه لصحيح أن النظام الأمني الآخذ في التشكل مع الأردن يتضمن تعهداً أردنياً بعدم السماح بدخول قوات أجنبية معادية إلى أراضيه، وأن هذا الترتيب يوسع كثيراً مجال الإنذار المبكر بالنسبة إلى إسرائيل ويزيد في عمقها الاستراتيجي الفعال. لكن بسبب التهديدات من جانب العراق وإيران، وربما سورية، فإن إسرائيل ستحتاج، لأعوام كثيرة مقبلة، إلى القدرة على تحريك قوات دفاعية إلى نهر الأردن فور بروز التهديدات، ومن دون أن تواجه عقبات مادية أو سياسية. وزيادة على ذلك، من الممكن (في حال حدوث تصعيد محلي داخل الأردن) أن تضطر إسرائيل إلى الاعتماد على قدرتها الذاتية لاعتراض هجمات إرهابية عبر نهر الأردن.

وتبدو هذه القدرات ممكنة التحقيق من خلال عدة طرق بديلة:

  • ضم وادي الأردن والمنحدرات الشرقية للسلسلة الجبلية، وإلحاق شمالها وجنوبها بإسرائيل، كما يقضي مشروع ألون بذلك. وفي هذا الخيار، تبقى مستوطنات وادي الأردن في مكانها (انظر الخريطة رقم 4).
  • ضم الأراضي الواقعة في أطراف وادي الأردن، ونشر قوات إسرائيلية بصورة دائمة في هذه المناطق، بما يتيح لها حرية الوصول السريع والخالي من العراقيل إلى مناطق التجمع، والاستعداد للقتال على امتداد نهر الأردن. والمناطق المقصودة هي موتسافي هَبيرخ جنوبي بيت شان [بيسان] مباشرة في شمال وادي الأردن، وفي الجنوب ـ شاطئ البحر الميت الشمالي الغربي (منطقة قمران) أو منطقة في شرقي معاليه أدوميم مشرفة على منطقة أريحا. وسيتيح ذلك المحافظة على عدد من المستوطنات في منطقة وادي الأردن/البحر الميت/معاليه أدوميم(12) (الخريطة رقم 5).
  • إبقاء وجود عسكري إسرائيلي - متحرك وثابت - على امتداد نهر الأردن والمنحدرات الشرقية للسلسلة الجبلية، ربما مع عمليات انتشار مركّزة للقوات في مواجهة معابر نهر الأردن، لفترة غير محدودة من الزمن، لكن من دون ضم أراض، ويتطلب ذلك إزالة مستوطنات وادي الأردن (الخريطة رقم 6).

من وجهة النظر الأمنية، يمثل ضم وادي الأردن والمنحدرات الجبلية إلى الغرب منه الحل الأفضل. لكن نتيجة هذا المطلب - الفصل المادي للكيان الفلسطيني عن الأردن والعالم العربي - بالإضافة إلى حجم المساحة المضمومة، سيحولان دون أي إمكان لقبول الفلسطينيين هذا الاقتراح. وفي المقابل، فإن من شأن نشر القوات الإسرائيلية في وادي الأردن والأراضي المطلة عليه من جهة الغرب، من دون الضم، أن يثير مشكلات صعبة بمرور الوقت، ولا سيما إذا سعى الفلسطينيون لاستيطان الوادي وتطويره. كما أن قوة إسرائيلية منتشرة في وادي الأردن، من دون اتصال بري مباشر بالحدود الإسرائيلية، ستكون عرضة، في حال حدوث طارئ، لأن تُعزل وتحاصَر، فتولِّد بذلك مشكلات عسكرية أكثر من المشكلات التي في وسعها حلها في مطلق الأحوال. وبالنسبة إلى فكرة نشر قوات جاهزة في شمال وجنوب (أو جنوب غرب) نقاط عبور نهر الأردن، فإن المخططين الأمنيين غير متفقين في الرأي بشأن نوعية "الغطاء" الذي يمكن أن يوفره ذلك في حال حدوث طارئ؛ وهي بالتأكيد لا تقدم حلاً لمشكلات الأمن الجاري (أي الإرهاب) على طول النهر، في حال نشوئها.

وثمة وسيلة أُخرى لتعزيز الدفاع عن الجزء الأوسط من إسرائيل ضد هجوم من الشرق، وهي توفير حزام أمني أكثر قرباً من مناطق القدس الآهلة ومن الساحل. وضم المناطق المتاخمة للخط الأخضر في هذه القطاعات يمكن أن يخدم أيضاً في حماية السكان من الأعمال الإرهابية النابعة من المناطق. لقد ذكرنا سابقاً أن معيارين من المعايير التي استخدمت لتحديد مواقع المستوطنات في السامرة الغربية كانا ضمان السيطرة الطبوغرافية قبالة المدن الساحلية ومطار بن - غوريون، وحماية الامتداد الغربي لمحاور الطرق الجانبية التي تخترق السامرة من الشرق إلى الغرب. وعلى نحو مشابه، يمكن النظر إلى المستوطنات الواقعة في شمال ممر القدس وجنوبه باعتبارها تكثف دفاعات الطريق المؤدي إلى القدس من جهة الساحل، تماماً مثلما تشكل معاليه أدوميم حزاماً أمنياً إلى الشرق من القدس، يحمي الطريق المؤدي إليها من جهة نهر الأردن (الخريطة رقم 7).

ومن الواضح أن أهمية هذه الأحزمة الأمنية تزداد بمقدار ما تتعهد إسرائيل تخفيف وجودها الأمني على امتداد الخط الأمامي، أي وادي الأردن، والعكس بالعكس. ومما لا شك فيه أن الحزام الأمني الأمامي على امتداد نهر الأردن، من وجهة نظر عسكرية - استراتيجية، أفعل وأهم كثيراً من مستوطنات السامرة الغربية وممر القدس. وبالتالي، ونظراً إلى جسامة الخطر المحتمل من جهة الشرق (العراق، إيران، سورية)، فإنه يبدو من المنطقي التفكير - على الأقل بالنسبة إلى المستقبل المنظور أو إلى حين تحقيق سلام مستقر مع جميع الدول العربية وإيران - في تدعيم هذه الأحزمة: إنشاء حزام أمني مزدوج، يستند إلى وادي الأردن حداً أمنياً لإسرائيل، مع تكثيف الخط الأخضر في النقاط الحساسة جداً.

وبالنسبة إلى الأمن الجاري، فإن فرضيتنا الأساسية هي أن اختلاط السكان - الإسرائيليين والفلسطينيين - هو العامل المفرد الذي يتسبب بأكبر قدر من التعطيل للمحاولات المبذولة (من الجانبين) لتحقيق الأمن. ويرجع ذلك إلى أن مطلب المستوطنين الأساسي والطبيعي - فرض السيادة الإسرائيلية على الأراضي - يمثل النقيض الكامل لمطالبة الفلسطينيين بالسيادة، مع امتيازاتها كافة. وهذا، باختصار، خلاصة خلفية الصراع العنيف بشأن المناطق. ويبدو أن تجربة الشهور الأولى للحكم الذاتي في قطاع غزة، حيث تم الفصل بين المجموعتين السكانيتين وحيث انخفض الإرهاب، تؤكد هذه الفرضية. ومن هنا، فإن أي حل يبقي مستوطنات إسرائيلية في قلب الأراضي الفلسطينية من شأنه أن يشكل مصدراً للاحتكاك وعبئااً على الأمن الجاري. وتفرض الاعتبارات الأمنية مقاربة قائمة على الفصل، وعلى تجاور جغرافي منطقي، وضمان حرية الحركة بالنسبة إلى الطرفين. 

المياه

منذ فترة طويلة قبل تأسيس دولة إسرائيل سنة 1948، استغل الييشوف اليهودي الخزانات الجوفية (aquifers) الواقعة تحت الضفة الغربية. ويعترف القانون الدولي - اتفاق هلسنكي المعقود سنة 1966 - بمثل هذه الحقوق التاريخية في استخدام المياه. وبالتالي، من ناحية المبدأ، يوجد أساس سليم لمطالبة إسرائيلية بأن تأخذ الحدود الدائمة بعين الاعتبار الحقوق الإسرائيلية في المحافظة على حرية الوصول إلى مصادر المياه هذه. لكن القانون الدولي يعترف أيضاً بحقوق سكان الأراضي الواقعة فوق الخزانات الجوفية - في حالتنا هذه، سكان المناطق العرب. وعلى هذه الخلفية، يوجه الفلسطينيون سلسلة من التُّهم الخطرة جداً المتعلقة بالتمييز الذي تمارسه إسرائيل في توزيع المياه والحقوق المائية منذ سنة 1967، أي منذ أن احتلت الضفة الغربية وغزة. 

إن تخلي إسرائيل تخلياً واسع النطاق عن سيطرتها على مصادر المياه في الضفة الغربية يمكن أن يلحق باقتصاد البلد وزراعته وبيئته كوارث؛ إذ إن إسرائيل تعتمد على هذه المصادر في تأمين نسبة كبيرة من المياه التي تستهلكها. واستغلال فلسطيني غير مراقب لها يمكن أن يحرم إسرائيل جزءاً كبيراً من استهلاكها الحالي، كما أن تطويراً وتصنيعاً يفتقران إلى المسؤولية يمكن أن يؤديا إلى تلويث ما يبقى. وبالتالي، فإن الوضع النهائي يجب أن يضمن إمّا سيطرة إسرائيلية طويلة المدى على هذه الخزانات الجوفية، وإمّا، على الأقل، إشرافاً وتطويراً مشتركين ومعقولين.

إن ترتيبات إشراف ومراقبة ملائمين ممكنة من دون الضم - من خلال إنشاء نظام مائي مشترك تُضمن فيه حقوق إسرائيل في استعمال المياه على نحو راسخ. وبهذا المعنى، إذاً، فإن مسألة المياه ليست بالضرورة حجة حاسمة بالنسبة إلى الضم. وفي الوقت نفسه، بمقدار ما تُـجمَع مسألة المياه جغرافياً مع قضايا حيوية، مثل الأمن والديموغرافيا، يمكن النظر إليها عاملاً إضافياً يعزز الحل الداعي إلى الضم. ذلك بأن مما لا شك فيه هو أن السيطرة المادية الحصرية على مصادر المياه أضمن لإسرائيل من نظام مشترك لتقاسم المياه - حتى لو كان على إسرائيل حتماً ضمان أن يتمتع الفلسطينيون، أيضاً، بحرية ملائمة لأن يستخدموا مصادر مياه عذبة. وتصف الخريطة رقم 8 خطوطاً ممكنة لانسحاب إسرائيلي في الضفة الغربية يبقي في يدها السيطرة على الخزانات الجوفية.(13)   ويلاحظ أن المناطق الرئيسية المرشحة للضم تقع في السامرة الغربية ومنطقة القدس، وهي مناطق استوطنتها إسرائيل بكثافة نسبياً منذ سنة 1967، وكان الدافع إلى استيطانها أهميتها من ناحية اعتباري الأمن والمياه المشار إليهما أعلاه.

الديموغرافيا والسياسة

ذكرنا أن المستوطنين الإسرائيليين في المناطق لا يشكلون سوى جزء بسيط - أقل من 7% - من مجموع سكان المناطق، وأقل من 3% من جميع الإسرائيليين. فهل يستطيع هؤلاء الأشخاص، البالغ عددهم 120.000 شخص (مضافاً إليهم، في بعض السيناريوهات، نحو 180.000 إسرائيلي قاطنين في الأجزاء المضمومة من القدس) أن يشكلوا "كتلة حرجة" ديموغرافية - سياسية قادرة على منع التوصل إلى اتفاق متفاوَض بشأنه مع الفلسطينيين من خلال أفعال مثل مناشدة الجمهور الإسرائيلي وتنظيم احتجاجات؟ وحتى لو افترضنا (وهو افتراض غير ممكن، في ضوء تاريخ الأعوام الأخيرة) أن الحكومة الإسرائيلية كانت تتمتع بأغلبية واضحة، لنقُل 60% من أجل سياسة تنطوي على حل وسط إقليمي واسع النطاق، وإزالة معظم المستوطنات، والعودة إلى حدود سنة 1967 تقريباً، فإن الندوب التي سيخلفها الاحتجاج المادي والعاطفي للـ 40% الآخرين يجب أن تدعو إلى وقفة تفكير. إذ إن هذا الأمر يمكن أن يصبح مصدر أقسى صدمة داخلية في تاريخ إسرائيل الحديث.

ولذا، فإن هناك مجالاً مشروعاً، في الحسابات الإسرائيلية المتعلقة بالتوصل إلى اتفاق متفاوض بشأنه مع الفلسطينيين، للاعتبارات الديموغرافية. وتوضح الخريطة رقم 9 تصوراً للضم مبنياً على الاعتبارات الديموغرافية وحدها، وفقاً للقاعدة الأساسية التالية: ضم أكبر عدد من السكان اليهود، على أقل مساحة من الأرض في المناطق، مع تأثر أقل عدد من السكان العرب بالأمر. وتصف الخريطة ضم 70% من المستوطنين (80.000 تقريباً) ونحو 50.000 عربي.(14)   وتجدر الإشارة إلى أن هذا التصور يضم في الأساس المستوطنين "الاقتصاديين" أكثر مما يضم المستوطنين "التراثيين"، الذين يستوطنون وسط الجبل. ومع ذلك، فإن الأخيرين هم المعارضون الرئيسيون المحتملون لمثل هذا الحل الوسط. وبالتالي، من الممكن توقع أن يؤدي هذا النمط من الحل الديموغرافي إلى نقصان كمي في "الكتلة الحرجة" للاحتجاج المتوقع، لكنه سيكون أقل فعالية في التأثير في البعد النوعي، الديني - الأيديولوجي.

البعد التراثي

في مواصلة مباشرة لهذا الاتجاه، نتفحص الجهة الرئيسية لمستوطني المرتفعات الجبلية: إن الخليل، شيلواح، بيت إيل، إيلون موريه، ونابلس هي قلب وروح أرض إسرائيل التوراتية. إن أكثر من مئة عام من الكفاح الصهيوني لن يكون قد حقق أهدافهم كلها - وسيقول البعض: هدفهم الرئيسي - إذا تخلى الإسرائيليون عن هذه الأجزاء من أرض الوطن التي هي أساسية لتراثهم وأساسية للمنطق الصهيوني الأساسي.

ومع ذلك، فإن أي محاولة لدمج مستوطنات السلسلة الجبلية في خريطة حل وسط إقليمي متفق عليه ستنتهك المتطلبات الفلسطينية الأكثر جوهرية لكيان قابل للحياة. إنها تتطلب رسم خطوط تقسيم تجزئ المنطقة قطعاً قطعاً وتمنع أي إمكان لتواصل إقليمي فلسطيني، وتضم إلى إسرائيل جزءاً كبيراً من الضفة الغربية (نحو 50%) بحيث يبقى ما يكفي الفلسطينيين. وبالتالي، فإن تكلفة إصرار إسرائيلي على الاحتفاظ بمستوطنات السلسلة الجبلية هي، بوضوح وجلاء، استحالة أي تقسيم جغرافي متفق عليه (مع الاعتراف بأن مثل هذا التقسيم قد تحول دونه عوامل أُخرى، مثل خلاف مستعص بشأن القدس). وفي مثل هذه الحال، فإن الشكل البديل الوحيد الممكن لاتفاق بشأن الوضع النهائي هو نوع من أنواع الحكم المشترك.

البعد التاريخي

إن مختلف المستوطنات التي أنشئت قبل سنة 1948 ذُكرت سابقاً. ويبدو أن المستوطنات الوحيدة التي خلَّف إحياؤها وقعاً مؤثراً لدى اليهود والعرب على حد سواء هي مستوطنات غوش [كتلة] عتسيون. ومن الواضح أن ذلك يرجع إلى حجم الاستيطان في منطقة غوش عتسيون قبل سنة 1948 (الذي كان، في أي حال، متواضعاً أكثر كثيراً من الاستيطان الحالي هناك)، والقرار بعدم إخلاء هذه المستوطنات مع اقتراب حرب 1948 (خلافاً للجلاء القسري عن بيت هَعَرفا وكفار داروم سنة 1948، وعن الخليل سنة 1929) والأسطورة التي انبثقت من سقوط كتلة المستوطنات هذه في معركة بطولية. وسيكون من الطيش التقليل من أهمية مثل هذه الرموز في حياة الشعوب والدول؛ ومن الأرجح أن إخلاء مستوطنات غوش عتسيون سيكون أقسى ضربة بالنسبة إلى قطاعات كبيرة من الجمهور، في حال حدوث انسحاب واسع النطاق.

وتشكل غوش عتسيون أيضاً، بما فيها بيتار وإفرات، نموذجاً لضم مناطقي ممكن يوفر لإسرائيل مزايا من زاوية معظم القضايا التي تم النظر إليها أعلاه: إنها تضم سكاناً يهوداً أكثر من العرب (15.000 في مقابل 6000)، وتعزز أمن ممر القدس، وتجاور الخط الأخضر. وسيكون من المرغوب فيه ضم القريتين العربيتين بَتّير وحوسان، لضمان أن يصبح نظام الأنفاق الجديد الذي يصل غوش إيمونيم بالقدس (غيلو) داخل إسرائيل.

الخليل

إن مدينة الخليل، مع كريات أربع، تقدمان نموذجاً يجمع بين الحجتين "التراثية" والتاريخية. وكونهما كذلك، فإنهما مختلفتان عن مستوطنات مثل إيلون موريه وغوش عتسيون. فهنا نجد أكبر تجمع يهودي مفرد (أكثر من 4000) في السلسلة الجبلية، وواحداً من أقدم أمكنة الاستيطان اليهودي المتواصل (تقريباً) في أرض إسرائيل، وثاني أقدس مكان بالنسبة إلى اليهود، بعد القدس.

ومثلما هي الحال بالنسبة إلى مستوطنات السلسلة الجبلية، فإنه من المستحيل تماماً رسم خريطة تصل الخليل بالخط الأخضر من دون إنشاء عقبات من المؤكد أنها ستقضي على فرص التوصل إلى أي اتفاق متفاوض بشأنه. وحتى إزالة الجيب الاستيطاني اليهودي الصغير القائم في وسط المدينة، الذي يشكل استفزازاً مستمراً لمحيطه العربي، لن تحل المشكلتين الرئيسيتين: وضع كريات أربع، وحرية الوصول اليهودية إلى مغارة الآباء القدامى [الحرم الإبراهيمي] (المدفن الأسطوري لإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب). وبالتالي، من الممكن أن تشكل الخليل/كريات أربع، بطريقة أو بأُخرى (مثلاً، وضع استقلال ذاتي يهودي للمغارة)، الاستثناء الرئيسي، بل حتى الوحيد لقاعدة التواصل الإقليمي في الحل النهائي.

العرب الإسرائيليون وخطر النزعة التحريرية التوحيدية

يتفق الخبراء بشؤون المجتمع العربي في إسرائيل على التقدير القائل إنه في إثر اتفاق بشأن الحل النهائي، ستواجه إسرائيل خطر تنامي مشاعر تحريرية توحيدية (irredentist) بين العرب الإسرائيليين والمواطنين العرب في الكيان/الدولة الفلسطينية. ويعتقد بعض الخبراء أن الهوية الذاتية للأقلية العربية الفلسطينية الكبيرة في إسرائيل (18%) ستصبح في عهد السلام، أكبر مشكلة محلية إسرائيلية.

وهذه مشكلة لها انعكاسات كثيرة  على اتفاق للحل النهائي. ويبدو من الملائم في إطار هذه الدراسة،  الإشارة إلى أن أي حل لمشكلة المستوطنات والحدود يجب أن يسعى لتفادي إضافة أعداد أُخرى من الفلسطينيين العرب إلى سجل مواطني إسرائيل، أو حتى إدخالهم في نطاق سلطتها القانونية. وينطبق ذلك على القدس والضفة الغربية سواء بسواء. 

البعد الاقتصادي

إن الأجزاء الوحيدة من المناطق التي أُفردت للاستيطان على أساس أهميتها الاقتصادية المزعومة هي وادي الأردن والشاطئ الشمالي الغربي للبحر الميت. وقد أشرنا أعلاه إلى فشل محاولة تطوير بنية تحتية استيطانية زراعية سليمة في وادي الأردن؛ كما أن شاطئ البحر الميت (المجلس الإقليمي لميغيلوت) فشل أيضاً في اجتذاب أعداد كبيرة من المستوطنين، بسبب المناخ القاسي والأوضاع الاقتصادية. ويبلغ مجموع السكان اليهود في هذا القطاع بأكمله، بعد 27 عاماً من جهود استيطانية منسقة لاقت دعماً من اليمين واليسار السياسيين معاً، نحو 3500 نسمة فقط، بينما تزايد عدد سكان الوادي العرب، خارج أريحا، بنسب أكبر خلال هذه الفترة.

وتُعتبر بَرقان، في السامرة الغربية، واحدة من المناطق التي تطورت وأصبحت ثروة اقتصادية لا بأس فيها. فهناك أنشئت أكبر منطقة صناعية مفردة في البلد، بمساعدة حوافز سخية من الحكومة (انظر الخريطة رقم 7).

وهناك مسألة اقتصادية أُخرى يجب معالجتها، وهي تكلفة إزالة المستوطنات، حيث إنه إذا انسحبت إسرائيل من أراض في الضفة الغربية وغزة، فسيكون من شبه المؤكد أنه سيتعين عليها أن تجد مصادر تمويل في إطار اتفاق الوضع النهائي نفسه (مثلاً، تعويض أميركي). إن حساباً تقريبياً للعبء المالي لنقل جميع المستوطنين (لنقُل، 20.000 عائلة) وإعادة توطينهم بتكلفة 300.000 دولار للعائلة الواحدة (إعادة توطين + تعويض)، يشير إلى إنفاق مقداره ستة مليارات دولار؛ وبالتالي، فإن نقل وإعادة توطين ما يربو على ثلث المستوطنين - 8000 عائلة تقريباًـ- سيكلفان 2.4 مليار دولار. 

العامل الجغرافي: جعل خط الحدود مستقيماً

رُسم خط الهدنة بين إسرائيل والضفة الغربية سنة 1948. وقد جمد خطوط المعركة، وشطر هنا وهناك قرى عربية وفصل مزارعين عن أراضيهم. ومن وجهة نظر طبوغرافية أيضاً، فإن الخط الأخضر يمكن تحسينه وجعله أكثر ملاءمة لكلا الطرفين. وهكذا، عندما يبدأ المسّاحون تثبيت حد نهائي بين إسرائيل والكيان الفلسطيني، فسيكون للطرفين مصلحة مشتركة في جعل الخط مستقيماً.

المتطلبات الفلسطينية في اتفاق متفاوض بشأنه

قبل محاولة تقديم ومناقشة حلول ممكنة متفق عليها، يبدو من الملائم أن نوازن التحليل الوارد أعلاه للمتطلبات الإسرائيلية بإعادة مختصرة للمتطلبات الفلسطينية، كما تبرز من تقديرنا للموقف الفلسطيني:

  • السيطرة على السكان الفلسطينيين العرب جميعاً، وعلى كامل مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة (والقدس الشرقية أيضاً).
  • تواصل جغرافي مع العالم العربي، أي مصر والأردن.
  • اتصال بري حصري ومعوَّل عليه بين قطاع غزة ويهودا.
  • وصول غير معرقل إلى الموانئ الجوية والبحرية.
  • مجال للنمو: أراض لتطوير المدن والقرى العربية الحالية، التي كبحت إسرائيل نموها منذ سنة 1967، بالإضافة إلى أراض خالية من أجل التطوير، إعادة توطين اللاجئين، إلخ.
  • سيطرة على الموارد المائية والطبيعية.
  • أمن للسكان الفلسطينيين ضد اعتداءات من جانب إسرائيليين - مستوطنين وغيرهم - سيحاولون إحباط الاتفاق، والانتقام للانسحاب من مستوطنات، إلخ (أي، تجليات النزعة الإسرائيلية لتحرير وتوحيد مناطق يعتبرونها جزءاً من وطنهم).

 ثلاثة حلول ممكنة

في ضوء تحليلنا للاعتبارات المختلفة والمتناقضة أحياناً للجهات المعنية بمصير المستوطنات ورسم الحدود، نتفحص الآن ثلاثة حلول ممكنة:

الخطة أـ- الانسحاب من جميع المناطق

إن أقل ما يتمتع هذا الحل به هو ميزة البساطة: تنسحب إسرائيل من جميع المناطق وتعود إلى خطوط سنة 1967، باستثناء القدس. ويستطيع الجانبان أن يناقشا حداً أدنى من المبادلات الإقليمية بهدف "جعل الخط مستقيماً"، وبذلك يسهلا ضم عدد بسيط من المستوطنات، على سبيل المثال في اللطرون ومنطقة غوش عتسيون، ربما في مقابل أن تُنقل إلى السلطة الفلسطينية قرى عربية في منطقتي المثلث أو وادي عارة، أو أراض غير آهلة جنوبي الخط الأخضر في جنوب يهودا. وبهذه الطريقة تسد إسرائيل معظم الحاجات الفلسطينية الحيوية جداً (السيطرة على السكان، الأرض والمياه، التواصل الإقليمي مع العالم العربي، إلخ) وسيكون من السهل نسبياً التعامل مع مشكلات الأمن الجاري في ضوء الفصل الواضح بين المجموعتين السكانيتين.

وضمن السياق الملائم لمفاوضات متكاملة، سيصبح موقف إسرائيل أقوى إزاء قضايا حيوية مثل القدس. وعلى الرغم (أو بالأحرى بسبب) من موافقة إسرائيل على الانسحاب من جميع المناطق، فإن من الممكن أن تكون في وضع أفضل لإنجاز حلول معقولة ظاهرياً وعملية لضمان حقوقها في المياه (من خلال إنشاء سلطة مشتركة تتمتع إسرائيل فيها بحق الفيتو أو بأغلبية الأصوات، كما يليق بمكانة المستعمل الرئيسي)، وللمحافظة على الأمن على امتداد نهر الأردن (بنشر قوات داخل الأراضي الفلسطينية مدة غير محدودة من الزمن). وفي هذا السيناريو، يمكن أن يوافق الفلسطينيون على إعطاء مكانة خاصة لقبر الآباء القدامى [الحرم الإبراهيمي] في الخليل، وضمان حرية الوصول الإسرائيلي إليه.

لكن في هذه الخطة عيوباً أيضاً، في ثلاث نواح. أولاً، القطاع الإسرائيلي الداخلي: حتى لو افترضنا أن إسرائيل نجحت في ضمان مكانة القدس الموحدة بجميع سكانها الإسرائيليين، فإن إزالة جميع المستوطنات من الضفة الغربية وقطاع غزة ستضع الحكومة في مواجهة مباشرة مع الجزء الأكبر من الـ 120.000 مستوطن (بعضهم سيوافق من دون شك على قبول تعويض والمغادرة بهدوء) ومؤيديهم السياسيين داخل إسرائيل. وفي ضوء تهديد قيادة المستوطنين بـ "وقف دورة الحياة في البلد"، فإن على المرء أن يأخذ في الاعتبار فرص بقاء سياسي لأي حكومة إسرائيلية تحاول أن تنفذ نقلاً شاملاً لجميع المستوطنين من يهودا والسامرة. كما أنه من غير الواضح، في المناسبة، كيف ستمول الحكومة تكلفة مثل هذا الإجلاء البالغة ستة مليارات دولار.

ثانياً، يجب التشكك في قابلية استمرار ترتيبات المياه والأمن وخطط ضمان حرية الوصول إلى أماكن مقدسة مثل الخليل، لا تستند إلى نوع ما من السيادة، أو على الأقل إلى وجود طويل المدى في المناطق. وبموجب هذه الخطة، لن يكون أمام إسرائيل في نهاية المطاف في حال حدوث انتهاك خطر، وبعد أن تكون قد استنفدت جميع العقوبات التي يجيزها الاتفاق لها، سوى الخيار الوحيد المتمثل في اللجوء إلى العقوبة القصوى: إعادة احتلال المناطق.

ثالثاً، يجب الإشارة إلى أن حلاً تخْلي إسرائيل بموجبه جميع المناطق لا يعكس ميزان القوى الحقيقي بين إسرائيل والفلسطينيين في تفاوضهما بشأن تسوية نهائية، أو بكلمات أُخرى، تستطيع إسرائيل، من خلال اعتماد مدروس على ميزاتها وحججها التكتية والاستراتيجية، أن تحصل على صفقة أفضل. وسنتطرق إلى هذه الميزات أدناه، في سياق الخطة ب.

الخطة ب - حل وسط إقليمي معتدل

ناقشنا في تحليلنا السابق عدداً من الخطط الإسرائيلية لحل وسط إقليمي - من اقتراحات شارون/بيلي بضم نحو 50% من المناطق وترك الفلسطينيين في جيوب بلدية، مروراً بـ "خطة العمود المزدوج" الداعية إلى ضم وادي الأردن والمنحدرات الجبلية القريبة منه، وصولاً إلى مبادرات محلية (ضم غوش عتسيون) واقتراحات بتوسيع الخط الأخضر في منطقتي السامرة والقدس.

ويبدو أن اثنين من هذه التصورات (خطة شارون وخطة العمود المزدوج) يصطدمان مباشرة بمتطلبات فلسطينية حيوية لا يستطيع الفلسطينيون التنازل عنها: السيطرة على الجزء الأكبر من المناطق، والتواصل الجغرافي مع العالم العربي. وفي الحقيقة، من المشكوك فيه أن يكون واضعو هاتين الخطتين معنيين بقدرة الطرف الآخر على قبولهما. وبالإضافة إلى ذلك، فإن خطة العمود المزدوج تستند إلى رؤية اقتصادية جرى اختبارها خلال الأعوام الـ 27 الماضية من الاستيطان في وادي الأردن، وفشلت بما لا يدع مجالاً للشك.

يبقى، إذاً، تفحص ملاءمة خطة تستند إلى حل وسط إقليمي أكثر اعتدالاً، يقتصر على ضم نحو 11% من جميع المناطق (يهودا، والسامرة، وقطاع غزة، والقدس الشرقية). ما هي المقدمات التي يستطيع المرء على أساسها أن يرسي فرضية أن م.ت.ف. يمكن أن توافق في نهاية المطاف على تنازلات إقليمية بهذا الحجم في الضفة الغربية؟ استطراداً للحجج المذكورة أعلاه، في وسع إسرائيل افتراضاً أن تشير إلى المبررات التالية:

  • حاجة الفلسطينيين إلى ممر بري خارج الأراضي الفلسطينية يصل بين قطاع غزة ويهودا. وتستطيع إسرائيل أيضاً أن تقدم للفلسطينيين امتيازات إضافية، وخصوصاً في موانئها الجوية والبرية. ولن يعزز مثل هذه الترتيبات التفاعل الاقتصادي بين الفلسطينيين والإسرائيليين فحسب، بل سيمثل أيضاً تنازلاً إسرائيلياً عن سيادة؛ تنازلاً يتطلب مقابلاً، ينطوي افتراضاً، على أراض.
  • قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي يرتكز إطار المفاوضات عليه، يسمح بتعديلات في الحدود، ويعترف بحق إسرائيل في حدود آمنة. وتؤيد الولايات المتحدة هذا التفسير، كما تؤيد الإدارة الحالية فهماً واسعاً إلى حد ما لعنصر التنازل الإقليمي الكامن في القرار رقم 242. وبالإضافة إلى ذلك، إذا افترضنا أن المحادثات الإسرائيليةـ- الفلسطينية بشأن الوضع النهائي ستبدأ بعد أن تكون إسرائيل وسورية توصلتا إلى اتفاق يقوم على انسحاب إسرائيلي إلى الحدود الدولية، وأن إسرائيل لن تتقدم بمطالب لضم أراض من قطاع غزة، فإن الحدود الوحيدة الباقية التي يمكن تطبيق الحل الوسط الإقليمي المتضمن في القرار رقم 242 عليها هي الحدود القائمة بين إسرائيل والضفة الغربية. طبعاً، إن تفسير الفلسطينيين (والعرب عموماً) للقرار رقم 242 مختلف؛ إنهم يصرون على أنه يدعو إلى انسحاب كلي، بما في ذلك من القدس الشرقية. وبالتالي، فإن أي محاولة إسرائيلية للاستناد إلى القرار رقم 242 لتبرير تغييرات في الحدود ستثير في البداية جدلاً بشأن النية الحقيقية لواضعي القرار رقم 242.
  • تستطيع إسرائيل أن تدافع بقوة عن حقها في الاستمرار في استغلال مصادر المياه التقليدية، ولا سيما في السامرة الغربية، وفي منع تلوثها بفعل النفايات الصناعية والزراعية. وهذه الحقوق يمكن أن يُستشهد بها مبرراً جزئياً لمطلب إسرائيلي على الأقل بضم بعض الأراضي الواقعة فوق الخزانات الجوفية.
  • تستطيع إسرائيل أن تشير إلى الميزان الديموغرافي في السامرة الغربية، وعلى طول ممر القدس، وحول القدس، وتجادل قائلة إن الأغلبية اليهودية التي نشأت بفعل المستوطنات في هذه المناطق يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. وفي الحقيقة، تستطيع أي حكومة إسرائيلية أن تدعي أن نقل المستوطنين مستحيل، في أي حال، من الزاوية السياسية المحلية. وتماماً مثلما تطلب م.ت.ف. باستمرار أن تبدي إسرائيل تفهماً لمشكلاتها السياسية الداخلية، فإن إسرائيل أيضاً يمكن أن تشير إلى القيود الداخلية. وفي الوقت نفسه، فإن هناك خطراً في الاستناد إلى الأغلبية اليهودية أساساً منطقياً للضم؛ إذ يمكن للفلسطينيين أن يشيروا إلى أغلبيات عربية في أمكنة معينة داخل إسرائيل (مثلاً، وادي عارة)، وأن يطالبوا بأن يكونوا هم أيضاً موضوعاً للتفاوض.
  • إن فكرة تبادل الأراضي تنطوي على إشكالات في هذا السياق. فمن ناحية، أوجدت معاهدة السلام مع الأردن سابقة إيجابية وأضفت شرعية على الفكرة. ومن ناحية أُخرى يمكن أن يثير التشكيك في "قداسة" حدود 1948 إشكالات فيما يتعلق بسكان إسرائيل العرب: إذ يمكن أن يشجع ذلك لدى البعض النزعة التحريرية التوحيدية (irredentism)، لكن يمكن أن يثير احتجاجاً لدى آخرين، بمقدار ما هو غير مؤكد أن العرب الإسرائيليين سيرغبون في إلحاقهم بالكيان الفلسطيني، وخصوصاً إذا لم يُستشاروا. وأحد الخيارات الممكنة البديلة هو نقل أراض غير آهلة، مثل جنوب الخط الأخضر في يهودا [إلى السيادة الفلسطينية]. ويمكن بالتأكيد أن يُنظر إلى عرض "تعويض" م.ت.ف.، في هيئة منطقة صحراوية، أو أجزاء من المثلث أو وادي عارة أو أراض متاخمة لقطاع غزة، باعتباره وسيلة سياسية مهمة لإنقاذ ماء الوجه وموازنة التنازلات الإقليمية الواسعة في الضفة الغربية، وبالذات لأنها على أراض من فلسطين ما قبل 1948.
  • وأخيراً، من شبه المؤكد أن معظم أوراق المساومة في مفاوضات الوضع النهائي سيكون في يد إسرائيل. وسيكون الفلسطينيون عرضة لضغط شديد - من الدول العربية، معزز من الولايات المتحدة - لـِ "إنهاء مسألتهم" وفسح المجال أمام العالم العربي للمضي في التطبيع مع إسرائيل. ومن شأن انسحاب م.ت.ف. من المفاوضات "بسبب بضعة كيلومترات مربعة" أن يثير احتجاجات عربية. وقد سبق أن أشرنا إلى أن بعض الأوساط الفلسطينية أصبح يعي حقاً الطبيعة المُشكلة لمطالبتهم بكامل الضفة الغربية وقطاع غزة.

وهكذا، نستطيع أن نقدر باحتراس أن هناك إمكاناً لأن يقبل الفلسطينيون حلاً وسطاً إقليمياً معتدلاً؛ ـحلاً يضم إلى إسرائيل أراضي في أماكن تُعتبر حيوية، ويعالج متطلبات إسرائيل المهمة من خلال وسائل بديلة حيث أمكن، ويقصر الضم على نحو 11% [من مساحة الضفة الغربية]. وتمثل الخريطة رقم 10 خطة كهذه؛ والخطوط مرسومة على أساس تقريبي، من دون أي محاولة للتعامل مع الأمر على مستوى التفصيلات. والأوجه الرئيسية لهذه الخطة هي:

  • ضم أجزاء من السامرة الغربية تقطن فيها أعداد كبيرة من الإسرائيليين، مع نقل الحدود شرقاً بما يتراوح بين 5 كم و 8 كم على امتداد معظم الخط. ويُبذل مجهود لتفادي ضم مراكز تجمعات سكانية عربية كثيفة، وبصورة خاصة طولكرم وقلقيلية، اللتين يبلغ عدد سكانهما معاً 50.000 نسمة تقريباً. وقد تم هذا في الخريطة رقم 10 باستبعاد هاتين البلدتين وربما مع القرى العربية المجاورة، من الضم، وإبقائهما [خارج خريطة إسرائيل] في الطرف الأقصى لممرين بريين؛ أو كبديل، موصى به بدرجة أقل، يمكن جعل خط الحدود "مستقيماً" من جهة الشرق، مع بقاء هاتين البلدتين العربيتين جيبين فلسطينيين محاطين من جميع الجهات [بأراض إسرائيلية].
  • ضم نتوء اللطرون، ومنطقة غفعات زئيف شمالي ممر القدس، وغوش عتسيون الواقعة إلى الجنوب منه.
  • ضم منطقة معاليه أدوميم، من الأفضل كجزء من القدس (وكجزء من حل شامل للقدس، نحجم عن مناقشته هنا)، لكن إذا كان ذلك غير ممكن، كجزء من رسم حدود جديدة بين إسرائيل والكيان الفلسطيني. وتكون منطقة معاليه أدوميم منطقة انتشار لقوات تدخل سريع هدفها إغلاق معابر نهر الأردن والدفاع عن الحد الأمني على امتداد نهر الأردن في أوقات الطوارئ.
  • ضم منطقة صغيرة (موتسافي هَبيرغ) جنوبي بيت شان [بيسان]. ويمكن نشر قوة تدخل سريع ثانية هنا.
  • بالإضافة إلى ترتيبات أمنية يراد بها ضمان جمع معلومات استخباراتية كافية (محطات إنذار مبكر في أعالي السلسلة الجبلية) وسيطرة إسرائيلية على أجواء الضفة الغربية، يتم نشر قوة عسكرية إسرائيلية - متحركة و/أو ثابتة في طبيعتها - في وادي الأردن وعلى المنحدرات الشرقية للسلسلة الجبلية، في الأراضي الفلسطينية. وستكمل هذه القوة الترتيبات الأمنية على امتداد نهر الأردن. وسيتفق الفلسطينيون وإسرائيل سلفاً على مدة هذا الترتيب (15 عاماً على الأقل). وسيكون الشرط المسبق لإنهائه بروز سلم إقليمي مستقر وأوضاع أمنية أفضل كثيراً من الأوضاع الحالية.
  • ستتمتع مغارة الآباء القدامى [الحرم الإبراهيمي] في الخليل بمكانة خاصة تضمن للإسرائيليين والفلسطينيين حرية دخولها واستخدامها. وستُزال المستوطنتان اليهوديتان في الخليل وكريات أربع.
  • تُسلم جميع الأراضي الباقية في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الكيان الفلسطيني. أمّا المستوطنون الراغبون في البقاء، فسيكونون خاضعين للسلطة الفلسطينية.

وبوضع هذه الترتيبات موضع التنفيذ، ستحقق إسرائيل عدداً من المزايا: قدرات دفاعية معززة حيال ناحية الشرق، في كل من وادي الأردن والسامرة الغربية؛ تعزيز الدفاعات عن القدس وسبل الوصول إليها؛ سيطرة جزئية على مصدر المياه الرئيسي في المناطق، الخزان الجوفي اليركون [العوجا] - تنينيم؛ ضمان حد أدنى (في إحدى الحالتين ضم، وفي الحالة الأُخرى، حرية وصول) بالنسبة إلى موقعين "تراثيين" رئيسيين: غوش عتسيون والخليل؛ إدخال نحو 70% من المستوطنين ضمن حدود إسرائيل السيادية، وبذلك ينخفض بدرجة كبيرة التهديد ضد الاستقرار السياسي الداخلي خلال نقلهم، وينخفض العبء الاقتصادي للإخلاء. إن جميع الأراضي المقترح ضمها مجاورة للخط الأخضر مباشرة. وسيكون عدد الفلسطينيين العرب الذين سيشمل الضم قراهم قليلاً؛ بضع عشرات من الآلاف. ومن الأرجح أن تؤيد أغلبية كبيرة من الإسرائيليين اتفاقاً متفاوضاً بشأنه كهذا.

وبالنسبة إلى الفلسطينيين، فإنهم سيحتفظون بجميع المناطق تقريباً. وسيتمتعون بحرية وصول غير معرقلة إلى الأردن ومصر، وبشاطئ على البحر الميت، وبسيطرة كافية على مصادر المياه المتقاسمة (الخزانات الجوفية في مناطق القدس، ويهودا، وغلبواع) لضمان قبولهم هم وإسرائيل بسلطة مياه مشتركة وبتوزيع للمياه توزيعاً منصفاً. وسيستمرون أيضاً في استخدام الممر بين غزة ويهودا، وفي الاحتفاظ بحرية الوصول إلى الموانئ الإسرائيلية.

ولا شك في أن هذه الخطة تشكو عيوباً جدية، أولها وأبرزها، هو أنه لا توجد ضمانة بأن الفلسطينيين سيقبلون بها حتى بعد مفاوضات طويلة وشاقة. كما أن تنفيذ الخطة سينطوي على زيادة المجتمع العربي الإسرائيلي بعدة عشرات آلاف من الفلسطينيين على الأقل؛ والحل بالنسبة إلى الخليل من المحتمل أن يولد احتكاكات جدية؛ ومن شأن إصرار إسرائيل على ضم مناطق من الضفة الغربية أن يجعل الفلسطينيين يتشددون في موقفهم حيال القدس. وبالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن تتناقض قرارات تُتخذ في الشهور المقبلة بتسليم السلطة على أراض في الضفة الغربية إلى الحكم الفلسطيني، مهما تكن محدودة، مع الخريطة المقترنة بهذه الخطة، وأن تصطدم المطالب الإقليمية الإسرائيلية، عندما تبدأ المفاوضات بشأن الوضع النهائي، مباشرة بـ "حقائق جاهزة" أوجدها الحكم الذاتي الفلسطيني. 

الخطة ج - إقليم ذو وضع خاص

وهكذا، فإنه ممكن أن تُرفض خطة الحل الوسط الإقليمي المعتدل من أحد الطرفين. أو، حتى لو اتفق الطرفان على حل وسط في يهودا والسامرة وغزة، فإنهما قد يصلان إلى طريق مسدود بشأن القدس أو بشأن قضية حيوية أُخرى، مثل مصير اللاجئين الفلسطينيين أو الوضع السياسي النهائي للكيان الفلسطيني حيال الأردن. وأكثر من ذلك، من الممكن أن ترفض حكومة إسرائيلية بديلة، بقيادة الليكود، حتى مناقشة التخلي عن مطالبة إسرائيل بالسيادة على المناطق أو الاعتراف بمطالب الفلسطينيين (ربما باستثناء غزة). إن حكومة ليكودية ستقول [....] إن الحل الوحيد الممكن يجب أن ينبثق بالذات من المأزق السياسي الناجم عن مطالب الطرفين المتماثلة بشأن السيادة.

هذه الاحتمالات كلها تقودنا إلى حل إضافي للضفة الغربية؛ ترتيب قائم على التقسيم الوظيفي لأوجه السلطة في المناطق كافة، من دون أي تقسيم جغرافي نهائي (مع أنه سينشأ تقسيم واقعي).

هناك شكلان رئيسيان للتقسيم الوظيفي: سيادة مشتركة (Condominium)، يكون الإقليم كله بموجبها تابعاً لملكية أو سيادة مشتركة - أو أن يتفق الطرفان على أن يكون طرف ثالث، أو فيما يتعلق بهذا الشأن لا يكون أي طرف، هو صاحب السيادة الدائمة - ويترتب على جميع السكان التزام متماثل حيال حكم محلي؛ إقليم ذو وضع خاص، يحتفظ كل من الشعبين فيه بارتباطاته السياسية وغيرها، وتكون الأرض خاضعة لسيادة أحد الطرفين، أو تبقى مسألة السيادة بلا حل، مع نية الطرفين حلها في المستقبل.

إن أقاليم السيادة المشتركة والوضع الخاص نادرة في العالم؛ والمحاولات لتطويرها كانت تفشل عادة بعد مرور عدة أعوام.(15)    ومهما تكن صحة ذلك، فإن عدداً من صناع السياسة الإسرائيليين في أوساط اليمين واليسار يفكر في ترتيب تبقى فيه [مسألة] السيادة على الضفة الغربية غير محلولة (في الحقيقة، إن عدم القدرة على حل مسألة السيادة هو العامل المبلور لهذا الحل)ـ- وبكلمات أُخرى، إقليم ذي وضع خاص (في الماضي كان بعض الساسة الإسرائيليين يفضل سيادة مشتركة مع الأردن في المناطق، من دون وضع سياسي خاص للفلسطينيين، لكن يبدو أن الجميع يدركون أن هذا ليس خياراً قائماً الآن).

وبموجب هذا المفهوم، تتفق إسرائيل والفلسطينيون على أن يجمدا، لفترة طويلة من الوقت، الوضع الراهن فيما يتعلق بقضايا الخلاف الرئيسية بالنسبة إلى الضفة الغربية. وفي هذه الأثناء، تبرز دولة فلسطينية في غزة - ويمكن تصور تعزيزها بأراض من النقب و/أو من سيناء. ويبقى المستوطنون الإسرائيليون في يهودا والسامرة، ويحتفظون بمكانتهم مواطنين إسرائيليين، تحت حماية قوات الأمن الإسرائيلية. ويكون الفلسطينيون في الضفة الغربية قادرين على اختيار المواطنية الفلسطينية (بحسب صيغة بديلة، في إمكانهم الاختيار بين الجنسية الفلسطينية والجنسية الأردنية). وتكون لهم مؤسسات إدارية وأمنية في إطار حكم ذاتي واسع، يتطور انطلاقاً من مرحلة الحكم الذاتي الانتقالي الذي كان التفاوض بشأنه جارياً في خريف سنة 1994 (يقترح أحد نماذج هذه الخطة أن تعترف إسرائيل بجيوب الحكم الذاتي الفلسطيني التي ستبرز في الضفة الغربية كجزء من الدولة الفلسطينية في غزة). وتُـجمد قضايا الحقوق المتعلقة بالأرض والمياه والنسب الديموغرافية: إذا كان المستوطنون الإسرائيليون يشكلون 7% من مجموع السكان ويشكل الفلسطينيون العرب 93%، يتفق الطرفان على آلية للمحافظة على هاتين النسبتين، بالسماح لأحد الطرفين بزيادة السكان لتعديل أي اختلال بينهما (باستيعاب مستوطنين إسرائيليين جدد أو لاجئين فلسطينيين). وتُنظَّم آلية مشابهة لاستعمال أراضي الدولة ومصادر المياه، وتكون مكانة القدس أيضاً خاضعة للتجميد. وتُعلَّق جميع المطالبات المتعلقة بالسيادة والقضايا الأُخرى طوال مدة الاتفاق. إن تجميداً يستمر، مثلاً، 20 عاماً - 25 عاماً، سيكتسب في نواح كثيرة خصائص اتفاق وضع دائم.

إن خطة من هذا النوع تشكو من عدد من العيوب الواضحة. إنها لا تعالج متطلبات الفلسطينيين الملحة فيما يتعلق بإعادة توطين اللاجئين. ومن غير الممكن أن يُعتبر الاعتراف بسيادة الدولة الفلسطينية في غزة إنجازاً سياسياً كافياً. وحتى لو قبلت م.ت.ف. الخطة بدافع اليأس، فإنه من شبه المؤكد أن الوضع المنبثق منها سيحمل بذور انتفاضة متجددة، ويكون نذيراً بمحاولة لعرقلة عملية السلام بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، ومن هذه الدول، سيكون الأردن بصورة خاصة عرضة لأن ينظر إلى الخطة باعتبارها مناقضة لهدف تخلصه من الفائض السكاني الفلسطيني - أي من اللاجئين والمرحلين عن وطنهم، الذين يرغب الأردن في رؤيتهم عائدين للتوطن في فلسطين، والذين لن يكون في وسعهم الهجرة إليها - وباعتبارها ستشجع في نهاية المطاف على فلسطنة المملكة الهاشمية.

لكن أخطر عيوب الخطة هو قصورها عن إرضاء النزعة التحريرية التوحيدية لدى الطرفين؛ فتجميد وضع سيادي ملتبس في الضفة الغربية، مع تجميد النسب الديموغرافية، لن يخففا هذه الضغوط. ليس هذا فحسب، بل في الحقيقة من الممكن أيضاً أن يحرض مجدداً المعسكرَيْن المتطرفَيْن لدى الجانبين. وعندئذ سيسعيان لتجديد نضال مجتمعيهما، أحدهما ضد الآخر، وسيلحقان الضرر بالسلم والأمن المحليين والإقليميين.

وفي المقابل، فإن الميزة البارزة للخطة هي أنها تشكل بديلاً، مهما يكن صعباً، من انهيار المفاوضات بسبب التقسيم الجغرافي. فالفلسطينيون سيجدون عزاء في تحقيقهم دولة، في غزة وربما في أجزاء (جيوب) من الضفة الغربية. ويمكن تصور أن يؤدي كون غزة عاصمة فلسطينية لفترة طويلة، مع مرور الوقت، إلى تخفيف الضغوط الهادفة إلى جعل القدس العاصمة الفلسطينية. وإسرائيل، من ناحيتها، تستطيع التعايش مع "وضع انتقالي دائم" في الضفة الغربية، ما دام السلام والهدوء سائدين. وبهذا المعنى، من الممكن أن تقبل أغلبية الجمهور الإسرائيلي هذه الخطة، ويقل بالتالي خطر انقسام داخلي خطر. ويمكن تصور أن يساهم نجاح إجراءات حكم ذاتي انتقالي في الضفة الغربية، وربما بداية حوار بين المستوطنين أنفسهم و م.ت.ف. في إحلال الهدوء.

ومن المهم إدراك أنه من الأرجح أن يتخذ الشكل الجغرافي لهذه الخطة - على افتراض طرحها بعد أن يكون الحكم الذاتي لمراكز التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية قد تحقق - خريطة ليست مخالفة لخطة شارون (الخريطة رقم 3) وخطة غوش إيمونيم، مع عدم حل مسألة السيادة لمصلحة إسرائيل كما تطالب بذلك هاتان الخطتان، ومع حصول الجيوب الفلسطينية على حكم ذاتي واسع النطاق، إن لم يكن سيادة فعلية. في الحقيقة، فإن المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية، يوئيل زينغر، أحد مهندسي "إعلان المبادئ" المنبثق من أوسلو، يصف الحكم الذاتي المتصور في "إعلان المبادئ" بأنه تجربة فريدة ومثيرة جداً للاهتمام، تنطوي على نوع من السيادة المشتركة."(16)   إن الانتقال من هذا الحكم الذاتي إلى الخطة ليس معقداً من ناحية عملية. لكن هذا التقويم الإيجابي لا ينطبق على مسألة إمكان قبول الفلسطينيين الخطة.

وأخيراً، إن فكرة إقليم ذي وضع خاص قابلة، على الأقل نظرياً، للتطبيق على أساس جغرافي جزئي. وإذا بدا أن المفاوضات بشأن خطة تقسيم ستؤول إلى الفشل بسبب خلافات حادة تتعلق بمنطقة معينة - مثلاً، السامرة الغربية أو القدس - فيمكن للطرفين عندئذ أن يفكرا في إيجاد وضع مشترك ينطوي على تعريف للسيادة غامض عمداً، ولا ينطبق إلاّ على تلك المنطقة، ضمن الإطار الشامل للخطة ب. وعلاوة على ذلك، يمكن تصور أن الطرفين سيعودان، بعد فترة من التعايش بموجب الخطة ج، إلى التفاوض في شأن خطة تقسيم قائمة على الخطتين أ و ب. 

استنتاج

لقد عرضنا ثلاثة نماذج أو ثلاث خطط لاتفاق من أجل وضع دائم بين إسرائيل والفلسطينيين. ومن الواضح أن المرء يستطيع أن يدخل على هذه الخطط عدداً لا حصر له تقريباً من التحسينات أو التنويعات. وبصورة خاصة، يستطيع المرء أن "يلعب" بضم هذا الموقع أو ذاك، أو هذه المنطقة أو تلك داخل المسافة المفاهيمية - الجغرافية التي تفصل الخطة أ عن الخطة ب.

إن مقابلة مدروسة بين مزايا وعيوب الخطط الثلاث، مع تأكيد خاص لمدى ملاءمتها للطرفين، يقودان إلى الاستنتاج أن الخطة ب، أي الحل الوسط الإقليمي المعتدل، لديها الحظ الأفضل في القبول بها وتنفيذها، وهي الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل. أمّا الخطة أ، بتنازلها عن جميع المناطق ونقلها جميع المستوطنين، فإنها ليست حسنة بالنسبة إلى إسرائيل؛ وفي أي حال لا يمكن للجمهور الإسرائيلي أن يهضمها. والخطة ج، أي الحكم المشترك، قابلة لأن تعيد إسرائيل والفلسطينيين إلى حالة حرب شرسة بين المجتمعين، ولأن تثقل بشدة على العملية السلمية الشاملة. وفي أي حال، فإنه يمكن النظر إلى الخطة أ والخطة ج باعتبارهما خيارين بديلين أو مساعدين في حال ثبوت أنه من المستحيل الاتفاق على الحل الوسط الإقليمي المتصور في الخطة ب.

إن الصعوبة في تطبيق الخطة ب تكمن في إقناع الفلسطينيين، من جهة، بأن عملية تعقلنهم سياسياً يجب أن تجتاز طوراً إضافياً واحداً - إدراك استحالة استرداد كل الضفة الغربية السابقة لسنة 1967 والقدس الشرقية، مع أنهم يمكن أن يحققوا وضعاً سيادياً في جميع المناطق تقريباً؛ وإقناع الجناح اليميني في إسرائيل، من جهة أُخرى، بأن يتخلى عن هدفه (وهو هدف صهيوني مشروع، لكن يعرض علاقات إسرائيل بالعالم العربي، وخصوصاً الفلسطينيين، للخطر) المتمثل في أرض إسرائيل الكبرى، من أجل أن يتيح فرصة معقولة لتحقيق أهداف صهيونية أُخرى لا تقل سمواً: دولة يهودية؛ دولة ديمقراطية؛ دولة تعيش في سلام مع جيرانها.

وبالنسبة إلى مسألة إزالة مستوطنات، يجب أن يشار إلى بديل مهم من الخطة أ والخطة ج، يُعطى المستوطنون بموجبه فرصة البقاء في المستوطنات الواقعة في أراض ستسلم إلى الفلسطينيين، تحت حماية قوات أمن إسرائيلية. ويستمر هذا الوضع عدة أعوام، يتعين على المستوطنين أن يقرروا خلالها ما إذا كانوا يريدون البقاء جزءاً من الكيان الفلسطيني، أو المغادرة مع الحصول على تعويضات. ويرى أنصار هذه الفكرة في فكرتهم وسيلة لتخفيف ردة فعل المستوطنين حيال التقسيم، ويفترضون أن أغلبيتهم ستغادر [الكيان] مع مرور الوقت، بهدوء. ويرى خصومها فيها دعوة المتطرفين لدى كل من الجانبين إلى مواصلة استفزازاتهم، ومقدمة لاحتكاك خطر. وفي أي حال، من الأرجح أن يرفض الفلسطينيون هذه الفكرة.

إن إسرائيل ملزمة بالتأكيد بأن توضح تماماً للفلسطينيين حجم الانشقاق الداخلي الذي ستسببه أي محاولة لإجلاء عدد كبير من المستوطنين [من المناطق]. كما أنها يجب أن "تبيع" في المفاوضات بشأن الوضع النهائي تنازلاتها بثمن تفاوضي عال؛ تنازلها الأيديولوجي عن جزء من أرض إسرائيل، وألم إجلاء المستوطنين. وبالإضافة إلى ذلك، وعلى افتراض أن الأعوام المقبلة ستشهد إجلاء بعض المستوطنين على الأقل من الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن على السلطات المختصة في إسرائيل أن تبدأ بنوع من الاستعداد: تنظيم الترتيب الزمني للإجلاء (مثلاً، المستوطنات الصغيرة أولاً)؛ المدة؛ خيارات أمكنة إعادة التوطين بالنسبة إلى الذين سيتم إجلاؤهم (مثلاً، في أجزاء من يهودا والسامرة ضُمت إلى إسرائيل)؛ حجم التعويض الذي سيقدم إلى الذين سيتم إجلاؤهم؛ مصادر التمويل، وما شابه ذلك.

لقد تجنبت هذه الدراسة البحث في ترتيبات للقدس في الوضع النهائي، وذلك بناء على افتراض أن هذه المسألة فريدة وخطرة الشأن بحيث يجب درسها على حدة. لكن عدداً من الانعكاسات والاستنتاجات الموقتة يبرز من خلال دراستنا هذه. أولاً، إن مطلباً إسرائيلياً بضم أجزاء من الضفة الغربية سيقترن في الذهن الفلسطيني بمطالب إسرائيل الإقليمية فيما يتعلق بالقدس. وبالتالي، فإن تنازلات فلسطينية بالنسبة إلى القدس من الأرجح أن تؤدي إلى تشدد في الموقف الفلسطيني من الضفة الغربية، والعكس بالعكس. ومن هنا، فإنه ينبغي لإسرائيل أن تدمج الجوانب المتعددة لمسألة القدس في الصورة الشاملة لأولوياتها الإقليمية في الوضع الدائم. وينبغي لإسرائيل في هذا السياق أن تدرس الإطار الأنسب لمناقشة مصير البلدات الدائرة في فلك القدس، مثل معاليه أدوميم وغفعات زئيف: في إطار المفاوضات بشأن الضفة الغربية، أو المفاوضات بشأن القدس. وأخيراً، تستطيع إسرائيل، في صوغها لموقفها من المكانة اليهودية لمغارة الآباء القدامى [الحرم الإبراهيمي] في الخليل، أن تدرس إيجاد صلة موازية للمكانة (الإسلامية) لجبل الهيكل [المسجد الأقصى] وللمكانة (المسيحية) لكنيسة القبر المقدس، فيما يتعلق بحقوق الصلاة، والأمن، إلخ.

لقد كان ترك اتفاق أوسلو ("إعلان المبادئ") لجميع قضايا الحل الدائم "مفتوحة" نقطة الانطلاق لهذه الدراسة. ومع ذلك، فإن تحليلنا يشير إلى ارتباط كامن وثيق جداً بين تقلبات المراحل الانتقالية للحكم الذاتي فيما يتعلق بالمستوطنات والحدود، وبين طبيعة الوضع النهائي. وقد ذكرنا، على سبيل المثال، كيف أن قطاع غزة، بعد شهور قليلة من الحكم الذاتي، أصبح ينظر إليه باتزان شديد من جانب معظم الإسرائيليين باعتباره نواة لدولة فلسطينية. وبالتالي، وعلى افتراض أن هناك فرصة لأن يقبل الجمهور الإسرائيلي شكلاً من الخطة ب، فإنه يبدو من الفطنة تفصيل الوضع الانتقالي في يهودا والسامرة بحيث يتناغم بصورة عامة [مع سائر العناصر] في هذا التصور. إن تسليم أراض ستضم إلى إسرائيل في الوضع النهائي (مثلاً، السامرة الغربية) إلى قوات الأمن والإدارة التابعة للسلطة الفلسطينية الانتقالية من شأنه أن يجعل ضمها في النهاية أصعب كثيراً. وحتى لو خُوّل الفلسطينيون سلطة محدودة "فقط لا غير" في منطقة كهذه خلال الفترة الانتقالية، فإن موقفهم من هذه المنطقة سيتطور بسرعة، على نحو يمكن فهمه بسهولة، إلى موقف مفاده أن "هذه أرض محررة، لا يمكن أبداً التخلي عنها مرة أُخرى". كما أن الخطة ج، التي تعالج ظاهرياً التقاسم الوظيفي للسلطة، ستتأثر بشدة، من الناحية الإقليمية، بالتطورات في ظل الحكم الذاتي.

وأخيراً، إن أي اتفاق بشأن الوضع الدائم بين إسرائيل والفلسطينيين يجب أن يُرسى على أساس التزام إنهاء النزاع بين الشعبين. ويجب أن يشتمل هذا الالتزام على اعتراف مشترك بأن الحدود الدائمة المتفق بشأنها بين إسرائيل والفلسطينيين، أينما تكن في نهاية المطاف، هي حدود نهائية وملزمة، وبأنها تلغي وتحل محل حدود سابقة، سواء تلك التي قررتها الأمم المتحدة (قرار التقسيم الصادر سنة 1947)، أو تلك التي نجمت عن الحرب (خطوط الهدنة 1948 - 1967). إن التزاماً كهذا، مع بيان مشترك يعترف بالحقوق القومية لكلا الشعبين وينبذ ويحظر التحريض على تحرير باقي أجزاء الوطن لديهما، سيعززان فرص نجاح اتفاق إسرائيلي - فلسطيني بشأن الوضع الدائم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

* المصدر:

.Joseph Alpher, Settlements and Borders, Final Status Issues: Israel-Palestinians, Study no. 3 (Tel Aviv: Tel Aviv University, Jaffee Center for Strategic Studies, 1994), pp. 24-50

 

المصادر:

(12) من أجل عرض مفصل لهذه الخطة، انظر مثلاً:

Zeev Schiff, Security for Peace: Israel’s Minimal Security Requirements in Negotiations with the Palestinians (Washington D.C.: The Washington Institute for Near East Policy, 1989).                                                       

(13) يهوشوا شفارتس وأهارون زوهار، "مشكلة المياه في إطار الاتفاقات الإسرائيلية - العربية" (بالعبرية)، تقرير مشترك لسلطة تخطيط المياه الإسرائيلية ومركز يافي للدراسات الاستراتيجية، 1991، توزيع محدود، لخصه زئيف شيف في "هآرتس"، 8/10/1993.

(14) Jon Immanuel, The Jerusalem Post, October 22, 1991. افترض إيمانويل أن عدد السكان اليهود في المناطق سنة 1991 هو 100.000، لكن حساباته المتعلقة بالنسبة المئوية للمستوطنين الذين سيعيشون في المناطق المضمومة تبدو قابلة للتطبيق على مجموع أكبر لأعداد المستوطنين، أي 120.000.

(15) حوارات مع الدكتور كارين غولر - كالفو، الجامعة العبرية، تموز/يوليو - أيلول/سبتمبر 1994.

يشير غولر - كالفو إلى تريستا، ودانزيغ، وجنوب التيرول، كمناطق أُسس فيها وضع إقليم خاص في هذا القرن؛ المنطقة الوحيدة في العالم الخاضعة لسيادة ثنائية حالياً هي جزيرة المؤتمر (Conference Island)، التي تحكمها فرنسا وإسبانيا.

(16) "هآرتس"، 26/8/1994.

Author biography: 

جوزف ألفير: مدير مركز يافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب.