Inside Fatah: Candid Talks with the Local Leadership
Keywords: 
فتح
الضفة الغربية
قطاع غزة
مروان البرغوثي
سفيان أبو زايدة
نبيل عمرو
مقابلات
Full text: 

تعيش حركة "فتح" في الضفة الغربية وقطاع غزة أزمة متعددة الجانب، أبرز عناوينها: غموض علاقة الحركة بالسلطة الوطنية؛ احتكار قيادات "فتح" الآتية من الخارج للسلطة، واستئثارها بالمناصب ومراكز القوة الرئيسية؛ شعور قيادة وأعضاء الداخل بالغبن وبتجاهل القيادة لأوضاعهم وحاجاتهم وماضيهم النضالي؛ غياب مرجعية حركية ذات شأن، وتفرد رئيس السلطة الوطنية السيد ياسر عرفات باتخاذ القرار؛ وضع تنظيمي متردّ وتعطيل للانتخابات الداخلية من جانب عرفات والقيادة الملتفة حوله؛ أزمة ثقة عميقة بين "الداخل" و"الخارج"، الذي ما زال في نظر "الداخل"، كما يبدو، "خارجاً" على الرغم من عودته إلى الوطن. وتعبّر هذه الأزمة عن نفسها بموجة واسعة من التذمر في أوساط تنظيم "فتح" في الضفة والقطاع، وبانتقادات عنيفة للسلطة وأدائها في الحكم وفي المفاوضات مع إسرائيل، وبالمطالبة بإجراء انتخابات داخلية في "فتح" وإنهاء احتكار القيادة الحالية للسلطة وسياسة التعيينات الفوقية، وقبل ذلك كله بالمطالبة بحصة أكبر لـ "الداخل" في التعيينات وفي قوة الشرطة الفلسطينية.

لكن على الرغم من الأزمة ومن الاستياء الواسع النطاق من تصرفات القيادة الآتية من "الخارج" لم يتردد تنظيم "فتح" في قطاع غزة في تعبئة أعضائه وأنصاره والنزول إلى الشارع في إثر الاشتباكات التي حدثت بين "حماس" وقوات الشرطة بتاريخ 18/11/1994، وإظهار تأييده لعرفات والسلطة، واستعداده لحمايتهما.

هذه هي صورة وضع "فتح" في المناطق المحتلة، كما يمكن استخلاصها من المقابلات المنشورة أدناه، والتي أجرتها وفاء عمرو مع ثلاثة من قادة "فتح"، اثنان منهم (مروان برغوثي وسفيان أبو زايدة) من القادة الميدانيين في "الداخل"، والثالث (نبيل عمرو) من العائدين إلى الوطن. وهي صورة تبعث على القلق، وتستدعي توجيه الأنظار إليها، على أمل بأن يساعد ذلك في إصلاح الحال. 

مروان البرغوثي:* الهيئات القيادية مغيبة و"الداخل" يشعر بالتهميش والقهر 

ما هو موقف "فتح" من اتفاق أوسلو؟

أولاً، "فتح" لم تصنع اتفاق أوسلو. اتفاق أوسلو هو من صنع معادلة دولية، ونتيجة أفرزتها حرب الخليج، إلخ. حركة "فتح" قبلت الاتفاق، وأخذ التصويت عليه مجراه القانوني والتنظيمي داخل حركة "فتح"، وبالذات في اللجنة المركزية لـ "فتح"، وفي المجلس الثوري لـ "فتح". وكانت الموافقة على الاتفاق مشوبة بالتردد؛ فقد كان هناك من تحفَّظ، وكان هناك جهات غير راضية، لكن الأغلبية أقرّت الاتفاق، وبناء على ذلك سارت الأمور.

التيار الرافض أو المتحفظ من الاتفاق التزم قرارات الأغلبية، وأعطى الفرصة ليرى ماذا سيحدث لهذا الاتفاق في التطبيق.

بالنسبة إلى مبادئ "فتح"، هل يعتبر اتفاق أوسلو خيانة؟

كلاّ. أولاً هو ليس معاهدة سلام، هو إعلان مبادئ. وبالتالي نحن لم نوقّع معاهدة سلام مع إسرائيل. وأعتقد أنه من غير الممكن توقيع معاهدة سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل قبل ان ينتهي الاحتلال، وتحل القضايا الرئيسية، لأن أياً من هذه القضايا لم يُحل حتى اللحظة. ما حدث باختصار هو أن القيادة أو بالأحرى جزءاً منها وياسر عرفات، عادا وأقاما بغزة. ليس هناك بعدُ سيادة حقيقية للفلسطينيين.

إذاً كيف يؤثر هذا في "فتح" وفي تاريخها النضالي؟

"فتح" ناضلت وقاتلت وأنجزت الكثير خلال 30 عاماً. هي المدرسة الكبرى للكفاح المسلح للشعب الفلسطيني، هي التي فتحت الباب. لم يكن أحد قبلها يعرف حرب الشوارع، ولا الكفاح المسلح. حركة "فتح" هي التي ألهبت نار الكفاح المسلح، وهذا شيء جوهري.

الآن جاءت مرحلة جديدة. هناك تناقض بين المبادئ التي قامت حركة "فتح" عليها وبين الأسس التي قام اتفاق أوسلو عليها، هذا صحيح، بل تناقض صارخ. لكن الحركات كلها تضع في مرحلة التكون مبادئ، ومع الزمن تنشأ فجوة واسعة، وهائلة، وغير متصلة بين ما وُضِع من أسس في زمن ما، وبين ما يُمارس في زمن آخر. وهذا ما حدث في حركة "فتح"، وفي الحركة الوطنية الفلسطينية كلها، وليست حركة "فتح" فقط هي التي تعاني هذا الأمر.

هل أدى ذلك إلى إضعاف حركة "فتح" في الشارع؟

من جهة أضعفها، ومن جهة أُخرى أفادها. فالشعب الفلسطيني ليس كله شعب كفاح مسلح. ففي الشعب الفلسطيني أيضاً شرائح واقعية، وفئات لها مصالح اقتصادية، وهناك من يرى في التفاوض طريقاً للخلاص من الاحتلال. هناك وجهات نظر مختلفة، وكل منها لها جمهورها. ويعرف الجميع أن اتفاق أوسلو حصل على تأييد جماهيري أكبر كثيراً من التأييد الذي حصل عليه في المؤسسات التابعة لمنظمة التحرير أو في مؤسسات "فتح". الشارع تجاوب مع الاتفاق، بمعزل عن نصوصه، لأنه اعتبره نهاية للاحتلال. وأغلبية الذين تظاهروا تأييداً للاتفاق لم تقرأ نصوصه، وبالتالي لم تر أن الاتفاق هو تخلٍ عن مبادئ أو خيانة.

ما زال جزء من القيادة الفلسطينية، وتحديداً مَن بقي من قيادات "فتح" التاريخية في المنفى، فما تأثير ذلك في وحدة "فتح" وتركيبتها؟

تاريخياً، وعملياً، القيادة الفلسطينية والمؤسسات الفلسطينية الرسمية كانت خارج الوطن طوال 30 عاماً تقريباً من عمر الثورة الفلسطينية. ودور "الداخل"، وقيادة "الداخل"، وكوادر "الداخل" في هذه المؤسسات كان دوراً شكلياً، ولا وزن له. الانتفاضة كانت العلامة المميزة والرئيسية للتوجه لإعطاء دور أكبر لـ "الداخل"، بعد أن أصبح الساحة النضالية والوحيدة في إثر سنة 1982، بعد خروج المنظمة من بيروت، والانتفاضة انتزعت ليس فقط اعترافاً دولياً، بل أيضاً مكانة للوطن ولقيادته، ولكادره في مؤسسات منظمة التحرير. ولا شك في أن مؤتمر مدريد وتشكيلة الوفد من "الداخل" أعطيا دفعة كبيرة ومهمة لدور "الداخل". والآن عاد جزء من القيادة، أو بالأحرى عادت القيادة إلى الوطن، لأن القيادة في الأساس هي ياسر عرفات، وحيثما يوجد ياسر عرفات توجد القيادة الفلسطينية، إذ إنه من الواضح، تاريخياً وفي الأعوام الأخيرة، أن قوة ياسر عرفات ونفوذه جعلاه القائد الوحيد وصاحب القرار الوحيد بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني، وأقول هذا من دون لف ودوران. تاريخياً كان هناك ثلاث حلقات قيادية مهمة بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني، وأدت دوراً مهماً في اتخاذ القرارات الرئيسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

الحلقة الأولى هي اللجنة المركزية لحركة "فتح"، وكانت قوية بوجود الكبار فيها مثل أبو جهاد وأبو إياد وغيرهما ممن هم تحت التراب الآن. ولا جدال في أن اللجنة المركزية ضعفت بعد غيابهم. مع ذلك، فإن وجود أبو مازن وأبو اللطف يعطي اللجنة المركزية دوراً ما. لكن اتخاذ القرارات المصيرية للشعب الفلسطيني منذ انطلاقة "فتح" حتى وقت قريب كان بيد اللجنة المركزية لـ"فتح"، وهذا أمر معروف.

بعد عودة القيادة إلى الوطن وإقامة السلطة الوطنية الفلسطينية، أصبحت اللجنة المركزية لـ"فتح" مغيّبة تماماً، ولم تعد هي صاحبة القرار، وهذا أحد أهم أسباب غياب الدور الفتحاوي في السلطة الوطنية. يوجد في السلطة أعضاء من اللجنة المركزية لـ "فتح"، لكن لا يوجد لجنة مركزية. وحتى لو كان في السلطة عشرون عضواً من اللجنة المركزية، فإن هذا لا يعني أنه توجد لجنة مركزية. والفارق كبير بسبب غياب الدور المحدد والبرنامج، وغير ذلك. إذاً، هذه الحلقة الرئيسية ضعفت في إثر اتفاق أوسلو إلى حد تكاد تغيب فيه، ونحن نتمنى أن يُعاد الدور إلى اللجنة المركزية، وفي الأساس أن يعود جميع أعضائها إلى أرض الوطن. فلا دور خارج أرض الوطن الآن.

أمّا الحلقة الثانية فهي اللجنة التنفيذية، وهذه أيضاً ضُربت. والحلقة الثالثة هي إطار القيادة الفلسطينية الأوسع، وهذا أيضاً ضُرب. إذاً، أين القيادة السياسية للشعب الفلسطيني الآن؟

لقد استُبدلت هذه الأطر كلها بمجلس السلطة الوطنية، وأنا أرى أنه ليس من حق هذا المجلس أن يمثل القيادة السياسية للشعب الفلسطيني. هذا مجلس وظيفي لا مجلس سياسي. لكن هذا المجلس يؤدي الدور السياسي الرئيسي الآن، وفي هذا الأمر خطر على الشعب الفلسطيني. وقد أصبحت المرجعية السياسية الوحيدة للشعب الفلسطيني متمثلة في ياسر عرفات فقط. صحيح أن ياسر عرفات هو زعيم "فتح" ورئيس منظمة التحرير، ورئيس السلطة الوطنية، ورئيس كل شيء، لكن ليس صحيحاً أن "فتح"، بأطرها وهيئاتها القيادية، هي التي تقود الشعب الفلسطيني حالياً. كما أنه ليس صحيحاً أن "فتح" هي التي تقود السلطة الوطنية. عرفات هو الذي يقودها. لذلك توجد داخل "فتح" اجتهادات وخلافات بشأن هذا الموضوع.

ونحن "فتح" الأرض المحتلة، كانت لنا اجتهادات فيما يختص بتنظيم السلطة. وأضيف أنه لا توجد خلافات سياسية جوهرية داخل "فتح"، والخلافات الموجودة مصدرها الأدوار، ومراكز القوى، والمراكز في السلطة الوطنية، والصلاحيات.

في طبيعة الحال، إن أكثر جهاز كان حريصاً على مصلحة الحركة ووحدتها، وعلى ألاّ يأخذ مواقع في السلطة، كان جهاز "الداخل". كان في استطاعتنا أن نشكل حالة ضغط هائلة على السلطة لشغل مناصب وزراء ووكلاء ومديرين، لكن سامحناهم بكل هذه السلطة، وبكل من عُيَّنوا فيها. وهؤلاء لا يمثلون حركة "فتح" بالضرورة. صحيح أن بعض مَن في السلطة أعضاء في "فتح"، لكن عدداً كبيراً منهم رموز عائلات، تعبير عن عشائر، وتعبير عن مراكز نفوذ اقتصادي، ومنهم أشخاص لا يحترمهم الشارع الفلسطيني، ومع ذلك مُنحوا مراكز في السلطة.

بغض النظر عن ذلك، نظرتنا في حركة "فتح"، وأنا أعبّر هنا عن رأي الحركة في "الداخل"، هي أن هذه السلطة الوطنية هي نواة للدولة الفلسطينية، ويجب صونها والدفاع عنها وإنجاحها. ونحن ننظر إليها باعتبارها كيان الوطن الذي سيمنح جواز السفر والهوية وشهادة الميلاد. "فتح" لا تمنح أحداً شهادة ميلاد، ولا جواز سفر، وكذلك "حماس" و"الشعبية" والفصائل الأُخرى. لذلك، نحن مع الكيان بغض النظر عن ملاحظاتنا بشأن سلوكيات وتركيبة السلطة.

أعتقد أن هناك طريقتين لإيجاد قيادة سياسية مرجعية للشعب الفلسطيني: أولاً، اختيار مجلس تأسيسي للسلطة يضم، مثلاً، خمسين شخصاً محترمين في أوساط الشعب الفلسطيني، وأظن أنه يوجد لدى الشعب الفلسطيني خمسون محترماً، بشرط ألاّ يكون لهؤلاء أي مواقع في السلطة، وألاّ يتلقوا رواتبهم من خزينة الدولة؛ وثانياً، الخيار الاستراتيجي، وهو إنشاء نظام سياسي فلسطيني جديد. فالنظام السياسي الموجود حالياً غير صالح، وقد يعيش عاماً واحداً أو عامين، لكن نحن بحاجة إلى بنية سياسية جديدة. كيف يمكن أن نحتج على تعيين شخص ما؟ هل نكتب مذكرة؟ نحن لا يمكن أن نقبل أن يكون هناك صدام، بمعنى استخدام العنف، لكن يمكن أن يكون لتراكم مثل هذه الأمور آثار سلبية. وبناء على ذلك، أرى أن الانتخابات العامة، والدفع قدماً في اتجاه الانتخابات، هما المخرج الوحيد والرئيسي للشعب الفلسطيني، ويجب ألاّ نتهرب من هذا الاستحقاق.

ألا تخافون، أو ألا يخاف البعض، من بروز وجوه جديدة في الانتخابات تطالب بتغيير المجرى السياسي الحالي؟

بالتأكيد. الانتخابات ستكون تعبيراً عن هيكلية جديدة للشعب الفلسطيني، وستفرز عناصر جديدة تمثل مصالح وجماعات مختلفة، وتقوم بدور في السياسة الفلسطينية المقبلة. لذلك قد تضر الانتخابات البعض، لكن هي الحل للجميع، فليس هنالك بديل من الانتخابات.

وأعتقد أن هذا يعزز قوة السلطة الوطنية ويمنحها شرعية أقوى، وأود أن أضيف أن الحركة الوطنية الفلسطينية، بفصائلها وقواها كافة، مدعوة إلى مراجعة أوضاعها، وبرامجها، وبنيتها، وقياداتها. كلها بحاجة إلى مراجعة شاملة، وفي مقدم هذه المراجعة إقرار الصيغة الديمقراطية في داخلها، وإلاّ سنشهد خلال الشهور القليلة المقبلة حالة من الانقسام اللامحدود، وانشقاقات، وتشرذماً، وستصبح الفصائل شظايا. ومن هنا أهمية الإسراع في صوغ الوضع الداخلي.

في "فتح"، مثلاً، حتى الآن لا يوجد تمثيل لـ"الداخل"، لا في اللجنة المركزية ولا في المجلس الثوري. أصبح هذا الأمر غير مقبول ولا يمكن أن يستمر.

إن بين كوادر "فتح" في "الداخل" شعوراً بالتهميش والقهر. ما هي قوة ردة الفعل التي تتوقعها إذا لم يتم تغيير الوضع الراهن؟

حتى الآن، الوحدة داخل "فتح" قوية، والسبب هو أن القضايا الأساسية التي قامت "فتح" من أجلها، مثل حق العودة وإنهاء الاحتلال، لم تُحل بعد. وبالتالي، فإن العوامل السياسية التي تدفع باتجاه وحدة الحركة ما زالت قائمة. هناك إجماع داخل "فتح" على قضايا القدس، واللاجئين، والمستوطنات، وإنهاء الاحتلال، والدولة الفلسطينية، وهذه الشعارات حيّة داخل "فتح"، وهناك تقاطع بين "فتح" وجميع الفصائل والشعب الفلسطيني بشأن هذه الشعارات.

لكن توجد داخل الفصائل جملة من الإشكالات، فالفصائل تعيش حالة من الاغتراب تشمل قياداتها وعناصرها. حالة اغتراب بين الشعار والمبادئ والنظم التي أُقرت في الستينات والسبعينات، وطورت إلى حد ما، وبين الواقع اليوم.

توجد هوة واضحة بين الماضي والحاضر، ونحن أمام عاصفة فكرية جديدة تهب على الشعب الفلسطيني. ولا يجوز لأحد أن يهرب من مواجهة الحقائق. نحن نعيش تغييراً سياسياً شاملاً، ولم نكن نتصور قط أن نوافق على دوريات عسكرية مشتركة مع إسرائيل للمحافظة على الأمن، طبعاً ليس أمننا، بل للمحافظة على أمن إسرائيل. هذا خارج السياق التاريخي للوعي الفتحاوي، وهذا صارخ في الوعي الفتحاوي، لكن هذا جزء من التغيير الذي يحدث في العالم. هل الدوريات المشتركة تحدث هزة أعنف من سقوط الاتحاد السوفياتي؟

أنا أرى أن الخلافات الموجودة داخل "فتح" موجودة أيضاً داخل الفصائل الأُخرى، بطريقة أو بأُخرى، لكنها تظهر في "فتح" أكثر لأنها حركة منفتحة.

لكن ما يوحّد "فتح" أكثر من الشعارات السياسية هو الحظر الخارجي عليها كتنظيم وشعور "القبيلة". مثلاً، عندما استعان عرفات بـ"فتح" لحماية السلطة يوم حوادث مسجد فلسطين في غزة، هبّت "فتح" للوقوف إلى جانبه على الرغم من خلافاتها معه، وتحفظاتها حيال استبعاد "فتح" عن صنع القرار في السلطة.

هذا صحيح، "فتح" عصبوية، فيها روح القبيلة، بل هي قبيلة، لكن الفصائل أيضاً ما هي إلاّ قبائل سياسية.

كيف أثّرت الخلافات الداخلية في "فتح" في علاقة الحركة بالفصائل الأُخرى؟

القضية معقّدة وشائكة. نحن في الضفة الغربية نقيم علاقات جيدة مع "حماس" والقوى الأُخرى كافة. أعتقد أننا أقرب إلى "حماس" في علاقتنا بها أكثر من أي وقت مضى.

لكن الصورة في غزة ليست هكذا. ما هي علاقة "فتح" بالسلطة في غزة؟

في غزة "فتح" ليست قريبة من السلطة. لقد بدأت تجربة الحكم الذاتي في غزة، ولذلك بدأت تُطرح هناك في وقت مبكر أسئلة مثل علاقة "فتح" بالسلطة. في أي حال، علاقة "فتح" بالسلطة ليست علاقة سوية، وفيها مد وجزر. لو افترضنا أن تنظيم "فتح" هو التنظيم القائد ويتحمل المسؤولية الرئيسية في قيادة السلطة، لكان يجب أن يُعبّر عن ذلك من خلال أطر وهيئات. لكن "فتح" تُـحمَّل مسؤولية ما يجري، من دون أن تكون المسؤولية بيدها فعلاً، وأمام الأخطاء، على "فتح" أن تحمي السلطة. هذه المعادلة يجب ألاّ تستمر.

ما هو تبرير أبي عمار لوضع "فتح" في مثل هذا المأزق؟

أبو عمار لا يعتقد أن "فتح" في مأزق. وأكرر أن الحل يكمن في الانتخابات. ولينتخب الشعب الفلسطيني من يشاء، نظام التعيينات لم يعد متبعاً في العالم، ولا أحد يقبله، لقد قبله الناس و"بلعوه" موقتاً، والآن يكفي.

هذه المرحلة الانتقالية، ماذا يمكن أن تفرز؟

هذا يعتمد على الوضع السياسي، وهي قابلة للاحتمالات كافة.

نحن في "فتح" نقوم بعملية تطوير داخلية باتجاه المأسسة وإشاعة الديمقراطية داخل الحركة، وإنشاء التنظيم على أسس جديدة عصرية. نحن نطرح شعار تجسير المسافة بين الأصالة والمعاصرة، نريد أن نحافظ على الأصالة، لكن في الوقت نفسه نريد معاصرة. لذلك نحن نعمل بجد باتجاه إجراء انتخابات داخلية، والأمر بحاجة إلى مزيد من الحوار والنقاش. ولدينا ورشة عمل لدراسة كيفية تجسيد وحدة "الداخل" و"الخارج". ليس وارداً أن يظل "الداخل" عناصر و"الخارج" قيادة. هذه ليست علاقة متكافئة، ولا هي سليمة. معظم كوادر الخارج عاد وأخذ مواقع في السلطة. ليس هناك واحد لم يأخذ منصب مدير عام أو وكيل، ومن لم يأخذ عاد إلى "الخارج"، بينما من هم في "الداخل" لا دور لهم بعد أعوام طويلة من النضال.

ما هي مطالب "الداخل"، إضافة إلى استحقاقات المناضلين بعد نضالهم الطويل؟

الشباب، الكادر، عندهم تجربة حقيقية مع الإسرائيليين، ومن الأسهل كثيراً على الإسرائيلي التفاوض مع العائدين من أعضاء المنظمة من أن يتفاوض مع شخص من "الداخل". أنا على سبيل المثال لا يمكن أن يخدعني الإسرائيلي لأنني أعرف تركيبته، وكيف يعمل، وما هي آليته الأمنية. لا يستطيع أن "يبيعني" كلاماً فارغاً. كان من الأفضل لو كان بين المفاوضين أشخاص من "الداخل". لذلك من جملة ما يشغل كادر "فتح" هو ما يجري في المفاوضات، وحالة الاستلاب القائمة. لماذا نوقِّع اتفاقاً، يليه اتفاق، وكل واحد أسوأ من الذي قبله؟

ومسألة المعتقلين: 60% من المعتقلين في السجون الإسرائيلية هم من حركة "فتح"، فما مبرر إبقائهم في السجون؟ لكن المفاوضات كلها سُلّمت لنبيل شعث. وبصراحة هناك انتقادات واسعة النطاق لطريقته في التفاوض. لذلك هناك نقاش داخلي بشأن ضرورة وجود مرجعية سياسية للمفاوضات. وفيما يتعلق بالاقتصاد، نسمع أيضاً تهماً بشأن توقيع صفقات مختلفة. الجمهور يجب أن يعرف ما يدور. وأيضاً هناك مسألة التوطين. ويجب ألاّ ننسى أن أبناء حركة "فتح"، وهم الأغلبية الساحقة في الشعب الفلسطيني، دفعوا ثمناً من عمرهم، ويريدون، باختصار، أن يأكلوا. هذا أهم استحقاق لهم. يريدون أن يُعطوا فرصة. لا أحد يهتم بهم، ويشعرون بأنهم أمضوا عشرين عاماً في السجون، ويتساءلون لحساب من، ولماذا؟ حتى يأتي فلان ليصبح وزيراً ويأخذ سيارة. غداً سيحرقون لهم سياراتهم إذا استمر الوضع على حاله. بعد 3 أو 4 شهور سيحرقون سيارات جميع الوزراء والوكلاء والمديرين. 

سفيان أبو زايدة:*"فتح" ليست هي السلطة، والأعضاء يريدون قيادة حركية منتخبة 

ما هو موقف "فتح" من اتفاق أوسلو؟

الموقف داخل "فتح" كان مع الاتفاق قبل أن تُعرف تفصيلاته. وربما كان هذا نابعاً من الأمل بالتخلص من الوضع الذي ساد بعد سبعة أعوام من الانتفاضة، ولم يكن هناك بديل للتخلص من هذا الوضع الذي أنهك شعبنا سوى الاتفاق. كان هناك اقتناع بأن الاتفاق سيؤدي، على الأقل، إلى انسحاب شبه كامل من قطاع غزة والضفة الغربية. والأهم من ذلك، كنا نعتقد أنه سيتم إطلاق جميع المعتقلين الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية. لذلك أعتقد أن وجهة النظر السائدة كانت مع الاتفاق بصورة عامة، ولم نلمس أي وجهة نظر معارضة لهذا الاتفاق.

ألم تبرز اجتهادات أو خلافات بشأن الاتفاق بعد معرفة تفصيلاته؟

لا أتصور أنه كان هناك موقفان داخل "فتح" في الأرض المحتلة. فقط فور إعلامنا من قِبل القيادة بالاتفاق وتفصيلاته، أرسلنا لهم أكثر من رسالة بشأن قضية المعتقلين، وشددنا على ضرورة أن يتم دمج قضية المعتقلين في الاتفاق بصورة واضحة.

مع مجيء القيادة أملت "فتح"، باعتبارها حزب السلطة، بأن تستحوذ على دور كبير في السلطة، غير أن هذا لم يحدث. كيف تعاملت "فتح" مع هذا الوضع؟

الحديث هنا هو عن حركة "فتح"، أي أبناء "فتح" داخل الأرض المحتلة، وبالتحديد في قطاع غزة. الحقيقة هي أننا فوجئنا منذ اللحظة الأولى بطريقة تعامل الطلائع الأولى لقادة القوات مع أبناء "فتح" داخل الأرض المحتلة، ولا سيما أننا خلال مفاوضات القاهرة كنا على اتصال مباشر وتنسيق تام مع القيادة والوفد المفاوض. بعد وصول طلائع قادة القوات وبدء تشكيل قوات للشرطة من داخل الأرض المحتلة، لمسنا تجاهلاً كاملاً من قِبل هؤلاء القادة لأبناء حركة "فتح" كتنظيم. تعاملوا مع أشخاص هنا وهناك، لكن التنظيم القائم داخل الأرض المحتلة وقطاع غزة، تم تجاهله. مثلاً، عندما وصلت القوات، كانت لدينا قوائم كاملة بأسماء الإخوة من "فتح" الذين من المفترض أن يتم إلحاقهم بالشرطة الفلسطينية كي نتجنّب دخول أشخاص مشبوه فيهم أو غير كفوئين. لكن الصفعة الأولى كانت تجاهل هذه القوائم، واختيار أسماء أُخرى، وهو ما فتح المجال أمام دخول كثير من الأشخاص الذين لا يستحقون أن يخدموا في الشرطة. كما تم تجاهل أشخاص ممن ناضلوا وقادوا الانتفاضة. لكن أخطر ما في الأمر كان عدم قيام تنسيق كامل بين إطار حركة "فتح" وبين قيادة القوات التي عادت إلى الوطن. 

كيف تفسر هذا التصرف؟

ليس لدي أي تفسير، نحن هنا في الداخل لم نتعامل مع هذه القيادة أو تلك، العسكرية أو السياسية، بصورة مختلفة. لقد تعاملنا مع القيادات كلها بالقدر نفسه من الاحترام والتقدير، وكنا نتوقع أن يتعامل الجميع مع حركة "فتح" بالقدر نفسه من الاحترام والتقدير. لم نكن نرغب في أن نكون جزءاً من الصراعات الداخلية بينهم، لم نكن نرغب في أن نكون طرفاً في تقوية أحد ضد أحد. كان هدفنا، بصدق، العمل على بناء المؤسسات الفلسطينية.

 أبناء "فتح" في الداخل، وحتى هذه اللحظة، أقوياء، وهم الذين يقودون الشارع عملياً. وربما كانت حوادث مسجد فلسطين في 18/11 أكبر دليل على ذلك. القيادات والقوات لا تستطيع حماية السلطة، ولا حماية الشارع. أبناء وكوادر "فتح" هم الذين قاموا بحماية السلطة والشارع.

لكن مع ذلك، لم تقم السلطة بتلبية مطالب "فتح"؟ هل تخاف السلطة من قوة "فتح" على الأرض؟

ربما كان هناك خلل في عملية التنسيق. لكني أعتقد أنه حدثت خطوات فعلية في اتجاه بناء المؤسسة التنظيمية لحركة "فتح". وهذه هي الخطوة الأولى التي يجب أن نقدم عليها، أي بناء حركة "فتح" وتفعيلها كمؤسسة. والأخ الرئيس أصدر، في الفترة الأخيرة، بعض التعليمات التي تعزز هذا الاتجاه، وفي مقدمها إجراء انتخابات داخلية.

ما هو الهدف المأمول من الانتخابات الفتحاوية؟

أنا شخصياً لا أؤمن بتعيين الأفراد. أؤمن بالانتخاب إيماناً مطلقاً. الانتخاب هو انتخاب قيادات الحركة في مختلف المناطق، ومن ثم اختيار قيادة الحركة في الإقليم. أبناء "فتح" يريدون أن يروا قيادة منتخبة من قِبلهم. هذه هي الخطوة الأولى على طريق بناء مؤسسات داخل الحركة.

العلنية بعد العمل السري، هل سببت مشكلات لحركة "فتح"؟

حركة "فتح" كانت تنشط قبل [مؤتمر] مدريد بصورة شبه علنية. لا أتصور أن هذا أوجد مشكلة محددة. بالعكس، "فتح" كانت تنشط سياسياً بصورة علنية منذ زمن طويل، في الجامعات، وفي المؤسسات، وفي المعاهد. والسرية كانت فقط في العمل العسكري، و"فتح" أعلنت توقفها عن العمل العسكري.

حتى "حماس" تنشط سياسياً على نحو علني. أنشطتها كلها، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، معروفة. السرية فقط في الجناح العسكري.

هل أدى تجميد أو وقف العمل العسكري إلى إشكالات داخل "فتح"؟

كلا. بعد توقيع الاتفاق، انتقل كل إنسان في "فتح" من مرحلة التضحية إلى مرحلة الاستحقاق؛ بمعنى أنه بعد أن كان في السابق يفكر في كيف يضحي، أصبح اليوم يفكر في كيف سيأخذ مستحقاته من هذه الحركة، أين يعمل، في أي دائرة. وهذا أنشأ مجالاً للتنافس والحساسيات والصراعات.

أعتقد أنه كان لا بد من أن نمر بهذه المرحلة.

إلى أي مدى أضعفت هذه الصراعات "فتح"، وهل من الممكن أن تتحول "فتح" إلى تنظيم آخر مختلف؟

لا أتصور حدوث ذلك. نحن في مرحلة انتقالية، ولم نفقد الأمل لدرجة أن نتصور أن "فتح" ستتعرض للتفتت أو التمزق. أستطيع القول إننا في مرحلة جزر الآن، لكن مرحلة الجزر هذه لن تطول، في تقديري. ليس هناك خيار في الأفق أمام حركة "فتح" سوى أن تطور نفسها وأداءها، وأن تتأقلم مع الوضع الجديد وتبني مؤسستها.

ما هو مصير مطارَدي "فتح". أين هم الآن؟

دخلوا مجال الأمن. لو كان لهم مجال آخر يعملون فيه لعملوا فيه. لو كان هناك مجال آخر للحصول على لقمة العيش، وللعمل في مؤسسات أُخرى غير مؤسسات السلطة، لاختلف الأمر. لكن المشكلة الأهم التي نواجهها كل ساعة وكل لحظة هي مشكلة آلاف الشبان الذين لم يحصلوا على عمل. المشكلة الأساسية هي أن يجد الشاب الذي ناضل وضحّى، والذي يُعتبر مصدر الرزق لعائلة كاملة، عملاً يرتزق منه. هناك آلاف يأتون يومياً إلى المراكز كلها، ولهم طلب واحد محدد: نريد عملاً. وعندما يشعر الإنسان بالجوع والفقر، لا يفكر في أي شي آخر. وشعبنا في أغلبيته مهدد بالفقر.

وبعد أن يجد الإنسان عملاً، ويؤمن مصدر رزق، تبدأ المشكلات المتعلقة بالرتبة والموقع وطبيعة العمل. وهذا أمر طبيعي جداً. والمشكلة الحقيقية التي نواجهها الآن هي الأشخاص الذين لا نستطيع توفير مكان عمل لهم، وليست تلك المشكلات الأُخرى.

ما هي العلاقة التي تربط "فتح" بالسلطة؟

هذه قضية معقّدة. أنا شخصياً لا أستطيع أن أفهم طبيعة العلاقة التي تربط "فتح" بالسلطة. "فتح" ليست السلطة، والسلطة ليست "فتح"، هذا شيء أكيد. "فتح" تكون السلطة في اللحظة التي تُتخذ فيها القرارات كافة داخل الحركة، ومن ثم تنفذها السلطة. ووجود أشخاص أو قيادات أو أعضاء من اللجنة المركزية لـ "فتح" داخل السلطة لا يعني أن "فتح" هي السلطة. وأنا أتحدث هنا عن "فتح" كمؤسسة. مثلاً، في اللحظة التي يكون فيها لـ "فتح" برنامج اقتصادي، أو مشروع اقتصادي، ويكون لديها القدرة على تنفيذه من خلال السلطة، نستطيع حينئذ أن نقول إن "فتح" هي السلطة. لكن لا نستطيع الآن أن نقول إن "فتح" هي السلطة في الوقت الذي ليس لـ "فتح"، كمؤسسة، أي تأثير في السلطة وقراراتها.

لكن أبا عمار هو رئيس السلطة وزعيم "فتح"؟

أبو عمار رئيس السلطة، ورئيس "فتح"، ورئيس منظمة التحرير. في السلطة يتصرف كرئيس للسلطة، وفي "فتح" يتصرف كرئيس لحركة "فتح". وفي م.ت.ف. يتصرف كرئيس لـ م.ت.ف.

ما هي ردة فعل "فتح" على تهميش دورها في المرحلة الحالية؟ هل يمثل أبو عمار "فتح" حقيقة؟

لا يستطيع أحد أن يقول إن أبا عمار لا يمثل "فتح"، لأن أبا عمار هو الرمز في المراحل كلها، ولديه قدرات غير طبيعية تفوق قدرات من حوله. لكن هناك أولويات، وما نسعى له هو أن تكون أولويات أبي عمار هي بناء حركة "فتح". ومن خلال الخطوات التي اتخذت في الفترة الأخيرة، ومن خلال الاجتماعات الأخيرة، نشعر بجدية هذا التوجه، أي بناء المؤسسة الحركية لـ "فتح".

قلت إن "فتح" هي التي قامت بحماية السلطة. هل يعني هذا أن ياسر عرفات لا يدرك، بما فيه الكفاية، أنه لا بد من تعزيز "فتح" وتقويتها؟

أبو عمار يدرك هذا الشيء. أبو عمار يدرك أن "فتح" هي التي تحمي السلطة، وهي التي حمت السلطة عندما تطلّب الأمر ذلك، وهي قادرة على حماية السلطة، والسلطة لا تستطيع أن تحمي نفسها من دون "فتح".

كيف يؤثر ذلك في علاقة "فتح" كتنظيم بالفصائل الفلسطينية الأُخرى المعارضة للسلطة؟

حتى الآن العلاقات جيدة. وعلى الرغم من حوادث مسجد فلسطين لا تزال الاتصالات بـ "حماس" مستمرة، كما أن العلاقات بين أفراد التنظيمين على الصعيد الشخصي جيدة. نحن في "فتح" نسعى ونتمنى أن تتعامل "حماس" و"الجهاد الإسلامي" مع هذه المرحلة بموضوعية، ونطالبهما دائماً بالنضال معنا لبناء مؤسسات هذا الوطن، ونحارب جميع مظاهر الفساد. لكن هناك اقتناعاً لدى حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" بأن السلطة هي "فتح"، كما أنهما تدركان أن "فتح" هي التي تحمي السلطة، وقد أثبتت الحوادث الأخيرة ذلك. بعد الحوادث لم تتغير علاقة "فتح" بـ "حماس" و"الجهاد الإسلامي".

لدى الشارع الفلسطيني ملاحظات على أداء السلطة، ويوجد تذمّر منها. وعلاقة "فتح" بالسلطة وضعتها في وضع المتهم على الرغم من عدم وضوح العلاقة بين "فتح" والسلطة.

في الحقيقة، مع أن "فتح" لا تؤثر في مجريات الأمور في السلطة، فإن الشارع يعتبرها مسؤولة كلياً عن السلطة. ومن حق الشارع أن يفكر بهذه الطريقة، لأن "فتح" هي التي جلبت السلطة، وهي القادرة على إضعافها، وهي القادرة على حمايتها، وبالتالي لا بد من تحميلها المسؤولية الأولى والأخيرة عما يجري، أكان إيجابياً أم سلبياً.

ما هي ملاحظات "فتح" بشأن الوضع السياسي الراهن؟ كيف تقوّمون المرحلة؟

في تقديري أن المأزق يكمن في الاتفاقات التي وقِّعت مع إسرائيل. الاتفاقات كان فيها ثغرتان أساسيتان أثّرتا في مجريات الأمور. الثغرة الأولى هي بقاء المستوطنات في مناطق الحكم الذاتي، وما تبع ذلك من دوريات مشتركة وصدامات. والثغرة الأُخرى كانت قضية المعتقلين وتأثيرها السلبي في الشارع الفلسطيني. كان في الإمكان إجبار إسرائيل على إخلاء المستوطنات في قطاع غزة، لأنه يوجد إجماع إسرائيلي يتقبل تفكيك المستوطنات وإخلاءها في قطاع غزة. وحتى الآن، أنا عاجز عن فهم كيف قبل الطرف الفلسطيني توقيع اتفاق أوسلو قبل اتفاق على إخلاء المستوطنات. أمّا قضية المعتقلين، فكان المفروض ألاّ يتم توقيع أي اتفاق قبل الحصول على ضمانات لإطلاق جميع المعتقلين قبل الاتفاق.

والسلطة، كيف تقوّمون أداءها؟

لا أعرف كيف يقوّم أهلنا في الضفة الغربية الأداء الفلسطيني. أما كيف نقوّم نحن هنا في غزة الأداء الفلسطيني فأمتنع من الحديث عنه.

متى ستجرون الانتخابات الداخلية في "فتح" في قطاع غزة؟

المفترض أن تبدأ في مطلع الشهر المقبل. الانتخابات هي من أجل اختيار قيادات جديدة. أعتقد أن هناك فارقاً بين الانتخابات التي جرت في رام الله وبين الانتخابات التي ستحدث في غزة. الانتخابات في رام الله لم يجر الإعداد لها جيداً، بينما هنا استعدينا جيداً، وآمل بأن تكون النتائج حسنة. المهم هو تثبيت فكرة الانتخابات، لا الأشخاص الذين سينتخبون. ونتائج الانتخابات ستعكس مزاج الشارع. وقد أثبتت الانتخابات في رام الله أن الشارع يريد أن يختار الناس الذين ناضلوا معه، والذين عرفهم في الميدان. وهذا حقه.

هل ستتحوّل "فتح" إلى حزب سياسي؟

لا أتصور أن حركة "فتح" ستتحول إلى حزب سياسي، مع أن جزءاً كبيراً من عملها هو عمل حزبي فعلاً. 

نبيل عمرو:*** الاعتقاد بوجود تناقض بين "فتح" والسلطة وهم، و"فتح" اليوم هي ميليشيا السلطة 

كيف تقوّم موقف "فتح" من اتفاق أوسلو؟

موقف "فتح" من الاتفاق هو امتداد لموقفها من العملية السلمية ككل؛ فقد تبنت مواقف مؤيدة، في وقت مبكر، وهو ما يعني أن الخط السياسي السلمي هو توجه الحركة، وكان أبو إياد أول من رفع شعار الأرض في مقابل السلام في إبان دورة المجلس الوطني الفلسطيني في عمّان. و"فتح" هي التي قادت المجلس الوطني الفلسطيني بكل مبادراته وقراراته السياسية السلمية، والتي تحوّلت نتيجة ذلك إلى ما يمكن تسميته حزبَ أو ميليشيا الموقف الرسمي لـ م.ت.ف.، على الرغم من التباينات في مواقف الحركة نفسها، التي لم تؤثر في التزامها وأدائها على الأرض.

واختلف الوضع بالنسبة إلى أوسلو اختلافاً كبيراً بسبب صيغة أوسلو نفسها. فأوسلو كانت ترتيباً سرياً، وبالتالي عرف الناس ما تم الاتفاق عليه بعد إنجازه. والجزء الأكبر من "فتح"، باستثناء عدد قليل جداً ممن كان لهم صلة بأوسلو، لم يكن على علم بما يجري في أوسلو. وقد أثّر ذلك في الموقف الداخلي، فظهرت التمايزات والاختلافات ومصطلحا "القراءة الإسرائيلية" و"القراءة الفلسطينية" للاتفاق. ولا يستطيع معارضو أوسلو طبعاً أن يفعلوا شيئاً جدياً حياله، لأنه عندما يكون أبو عمار، وهو صاحب الصلاحيات المطلقة في م.ت.ف. و"فتح"، ومحمود عباس، وهو من بقي من التاريخيين الآن، مع هذا الاتفاق وصنّاعه، يصبح من الصعب على الآخرين فعل أي شيء. ونلاحظ أن كل من اتخذ موقفاً معارضاً لم يستطع أن يحقق شيئاً جدياً، لا على صعيد زعزعة الوضع الداخلي في "فتح"، ولا على صعيد عدم الالتزام بأوسلو.

هناك مسألة أُخرى: بعد التوصل إلى اتفاق أوسلو، لا قبل ذلك، اجتمعت اللجنة المركزية والمجلس الثوري وأُطر م.ت.ف. وتمّ الحصول على الموافقة على الاتفاق بالتصويت، وكانت الموافقة نتيجة شعور المجتمعين بأن اتفاق أوسلو امتداد لمدريد. وبالتالي كان من الصعب اتخاذ مواقف رافضة. ومع ذلك، فقد كان هناك تحفظات، ولم يلتزم المتحفظون قرارات الأغلبية، وتحركوا لإقامة تحالفات خارج إطار حركة "فتح". وتبيّن بعد سبعة شهور من تطبيق اتفاق أوسلو أن هذه التحالفات أيضاً لم تكن جدية ولا فعّالة، وسبب ذلك هو أن أي تحالف معارض لسياسة ياسر عرفات يجب أن تكون له قاعدة عربية. وهذه القاعدة العربية مزعزعة. مثلاً سورية لا تستطيع أن تقوّي خصوم عرفات ومواقفهم ضد الاتفاق لأنها تتفاوض مع إسرائيل بشأن التوصل إلى اتفاق. وقد أصبح واضحاً تماماً أن هؤلاء غير قادرين على تشكيل معارضة جدية، نتيجة التذبذب وعدم الاستقرار في سياساتهم ومواقفهم. فقد كان البعض يُصرح بأنه يوافق بشروط، وفي اليوم التالي يعلن أنه رافض، وفي اليوم الذي يليه يعلن أن الاتفاق خيانة، وفي اليوم الرابع يصرح برأي آخر، ولذا لم يكونوا مقنعين، وفشلوا في بلورة معارضة جماهيرية أو تنظيمية داخل"فتح".

أمّا على صعيد المعسكر المؤيد للاتفاق، فقد نشأت خلافات هي الأصعب، لأنها كانت داخل المعسكر الفعّال لا المعسكر المحتج. وهذه الخلافات سببها فني لا سياسي؛ بمعنى مَنْ يملك هذه الصلاحيات أو تلك، ومن لا يملكها. هذه الخلافات غير الجوهرية، وغير السياسية، أضعفت قدرة "فتح" على الأداء السياسي بصورة جيدة، فأصبحت "فتح" مرتبكة تماماً، وبرزت ظاهرة أن صنّاع [اتفاق] أوسلو ليسوا هم منفذوه. وهذا أحدث ارتباكاً وفجوات كبيرة في العملية التفاوضية. وجرت محاولات لترتيب المرجعية التفاوضية، لكنها باءت بالفشل، وذلك بسبب التشتت الجغرافي. فأبو مازن موجود في تونس، وله تحفظات حيال العودة وممارسة العمل من هنا، الأمر الذي جعل من الصعب ترتيب المرجعية التفاوضية. كما أن إسرائيل نفسها ابتعدت كثيراً عن نص الاتفاق، ولم يعد اتفاق أوسلو هو المرجع. الآن إسرائيل وضعت مرجعية جديدة تماماً، وهي الفعل وردة الفعل، أي الإجراءات الأمنية، الأمر الذي يُربك المفاوض. ويضاف إلى ذلك الوضع العام القاسي الذي لا يساعد في تكريس صيغ مستقرة، مثل الإغلاق والصراعات الداخلية والوضع الاقتصادي. ومع ذلك لم تصل الأمور داخلياً إلى حد الخطر. وعلى الأرجح لن تصل، لأن الصراع الداخلي في "فتح" بالتحديد لن يوصل الأمور إلى حد الخطر، ولا سيما بعد الانشقاق الذي حدث سنة 1983، حيث أصبح الوضع داخل "فتح" غير قابل على الإطلاق لحدوث انشقاقات جدّية. من المحتمل أن يخرج شخص ما يتبنى اجتهاداً مغايراً من "فتح"، وقد يعود أو لا يعود، لكن الكتلة الأساسية التي يخشى منها خرجت وعرفت، وتشكل الجسم الحركي بعد ذلك ممن بقي، ومن بقي ليس لديه القدرة الكافية لإحداث انشقاق.

نأتي إلى موضوع الكفاح المسلح. لقد كان أداء "فتح" فيما يتعلق بالكفاح المسلح دائماً أداء سياسياً لا قتالياً. في الماضي، قبل توقيع اتفاق أوسلو، عندما كان الوضع يحتاج إلى تسخين كان يجري تسخين محدود ومسيطر عليه، وتم تنفيذ هذا المنهج داخل المناطق المحتلة، وتم تنفيذه على صعيد لبنان، وتم تنفيذه على صعيد العمليات الخاصة.

عندما يكون الأمر هكذا، لا يكون هناك بالتأكيد لدى "فتح" بنى عسكرية متكاملة ومتماسكة تشكل شريحة أو كتلة قادرة على فرض رأيها. لذلك مرّ قرار وقف الكفاح المسلح والالتزام به بسهولة. صدر بعض الاحتجاجات من جانب شبان متحمسين، وجرى استخدام شعار الكفاح المسلح من أجل تحقيق مصالح سياسية، رفعه أشخاص صائحين: الله أكبر" أين الكفاح المسلح؟"، وعندما انحلت مشكلتهم، اختفى الشعار.

لذلك، فإن المعارضة غير جدّية على هذا الصعيد. في تقديري، تتشكل الآن أوضاع داخل ومن حول حركة "فتح" تملي عودة اللحمة، لا لأن الجميع مقتنعون بضرورة ذلك، وإنما لأسباب موضوعية. مثلاً، من كان يراهن على أن دمشق أو عمان أو عاصمة ما أُخرى ستقدم له دعماً لمواصلة سياسة ضد عملية السلام، هو الآن مصاب بخيبة أمل، لأن الجميع يريدون مصالحة.

إضافة إلى ذلك، إن من بقي من "فتح" في الخارج سيفقدون مبرر وجودهم. وهذه مسألة نلمسها، ونشعر بأن من في الخارج باتوا يخجلون من وجودهم في المنفى، ويدركون أنه سيأتي وقت تقول فيه الدولة المضيفة لهم: إذا كان لديكم اجتهادات مغايرة ومعارضة، فعندكم الآن أرض، اذهبوا وغيّروا من الداخل، وبالتالي بدأ مبرر الوجود في الخارج يضعف. كما أن "فتح" الآن مشدودة إلى الاستقطاب الذي فرضته حركة "حماس" عليها، وهي مضطرة إلى التوحد في الشارع. لكن كل هذا لا يعني أن "فتح" ليست معرضة لتفاقم الصراعات الداخلية في منعطف ما، والسبب هو فقدان العناصر الرئيسية الثلاثة التي تضمن وحدة أي حركة سياسية: الفكر السياسي الموحّد؛ البناء التنظيمي القوي؛ الهدف السياسي المتفق عليه.

هذه العناصر الثلاثة غير موجودة حالياً في "فتح". والهدف السياسي المعلن توجد خلافات فيما يتعلق بتفسيره والتزامه وتنفيذه على الأرض.

"فتح" يوحدها دائماً الخطر الخارجي أو التحدي الخارجي، فعندما يبرز خطر ما تتوحد، وعندما تتخيل أنه زال، تعود الأمور إلى ما كانت عليه.

مشكلة "فتح" هي في احتكارها الحياة السياسية الفلسطينية، وهذا أمر له محاذيره ومزاياه. أبرز المزايا هو ضمانة أن تظل الحياة السياسية الفلسطينية فلسطينية فعلاً، وأبرز المحاذير هو الجمود السياسي وضآلة التطور.

لا يمكن الخروج من هذا المأزق إلاّ بتعددية ديمقراطية مفتوحة، أو أن يفرز المجتمع الفلسطيني نفسه منابر متعددة، كي لا تظل الحياة السياسية الفلسطينية أسيرة قطبين متشرذمين وضعيفين: القطب الإسلامي متشرذم وليس موحداً تماماً، لكن المعارضة تظهر دائماً بمظهر موحّد، و"فتح" متشرذمة، ولا حل لها إلاّ بتطويرها بصورة ديمقراطية.

ما هي علاقة "فتح" التنظيم بالسلطة الفلسطينية؟

علاقة "فتح" بالسلطة علاقة اندماجية. السلطة هي "فتح" و"فتح" هي السلطة، والآخرون موجودون فقط لتزيين الكعكة.

عند بدء تأسيس أي سلطة نجد أنفسنا أمام موقع غنائم، وأعني بذلك أنه يوجد دائماً أشخاص غير معبئين فكرياً وسياسياً بالقدر الكافي، ولا يدركون معنى اللحظة التاريخية. وهناك أشخاص من "فتح" بدأوا إبراز ماضيهم والمطالبة بحصتهم، وحتى الناس العاديون بدأوا يتصرفون هكذا، لأن الصمود لم يكن مقصوراً على "فتح". الصمود كان صموداً شعبياً وجماهيرياً. وأعتقد أن هذا التفكير مرفوض جملة وتفصيلاً، لكنه موجود. أبو عمار يحاول أن يحل هذا الإشكال بطريقته المألوفة، أي بطريقة الترضيات، وتوزيع الرتب والمناصب على بعض المناضلين. وهذه الطريقة ترضي شخصاً وتغضب مئة.

يجب أن نقف بقوة في وجه هذا المعيار في تحديد الوظائف، لأننا لا نريد أن نعيد هنا تجربة جبهة التحرير الجزائرية، أي أن نصبح عبارة عن مؤسسة خدمات للمناضلين. الجزائر ضربت، والجبهة ضربت من جراء ذلك. ويجب إلاّ نخلط بين تكريم المناضل وإعطائه حقه المعنوي وبين الأداء الوظيفي.

يوجد تذمر لدى قيادات "فتح" وكوادرها في الداخل من قيام "الخارج" بتهميش دورها. وأصبح الانفصام بين "الداخل" و"الخارج" أكثر بروزاً بعد عودة "الخارج"، فما هو تعليقك على ذلك؟

هذا موجود، لكن يجب أن تعود "فتح" إلى الانتخابات. والاستمرار في الحديث عن "فتح" "الخارج" و"فتح" "الداخل" يعمق الخلاف. يجب أن تحل هذه المعضلة بالانتخابات.

القيادات في التنظيمات المحافظة، و"فتح" من التنظيمات المحافظة، تتشبث بأساليب إدارتها للتنظيم وتخاف من التغييرات الراديكالية على مناصبها، وعلى مصالحها، وتخشى إذا جاءت مجموعة من الشبان الجدد نتيجة للانتخابات أن تسعى هذه المجموعة لهدم كل ما بناه أولئك الذين سبقوها. لذلك تحاول القيادة، وأبو عمار بالتحديد، تلافي حدوث تغيرات دراماتيكية داخل "فتح". وهو يعلن أنه ضد الانتخابات الفتحاوية، وأنه مع التعيينات ومع انتخابات تنفيسية جزئية. وأستطيع القول إن قاعدة "فتح" ارتكبت خطأً كبيراً عندما لم تواصل، رغم القيادة، عملية الانتخابات التي بدأت في رام الله.

تقول "فتح" أنها هي التي تقوم بحماية السلطة، وإن السلطة غير قادرة على حماية نفسها على الرغم من أن تشكيلة رجال الشرطة والأمن كلها من "فتح"، كيف تفسر هذا القول؟

الاعتقاد بوجود تناقض بين "فتح" والسلطة هو مجرد وهم، والحديث عن ذلك صادر عن أجهزة معينة أو عن جهة تنظيمية في "فتح" تحب أن ترى الأمور على هذا النحو، لأنها لا تستطيع أن تقول أنها أصبحت عبارة عن موظفي "دولة". "فتح" اليوم هي ميليشيا السلطة، ويبدو أن توزيع الغنائم يولد خطاباً غير منطقي.

هل تعتقد أنه يمكن أن تتحول حركة "فتح" إلى حزب سياسي؟

مستحيل. لكن يمكن أن ينبثق من "فتح" نفسها تشكيلات ديمقراطية وتظل تحمل اسم "فتح"، غير أنها تتضمن اجتهاداً مختلفاً.

هل تنتهي "فتح" إذا اختفى أبو عمار؟

لا، ليس إلى هذا الحد. لكن سيحدث خلل كبير، لا في "فتح" وحدها، وإنما في الحالة الفلسطينية ككل. ولا أحد يستطيع التنبؤ بما يمكن أن يحدث.

 

* عضو المجلس الثوري في حركة "فتح"، وأمين سر اللجنة الحركية العليا لحركة "فتح" في الضفة الغربية. وهو من القيادات الميدانية، وقد أُبعد في العام الماضي. ويعتبر نفسه أحد قادة الحركة في "الداخل"، ويتمتع بشعبية كبيرة.

** من قادة "فتح" في قطاع غزة، وأحد قادة الانتفاضة. يعمل حالياً في مؤسسة تابعة للسلطة الوطنية.

*** عضو في المجلس الثوري في حركة "فتح". كان سفير منظمة التحرير الفلسطينية في موسكو، وعاد إلى أرض الوطن في إثر اتفاق أوسلو، وأصدر صحيفة أسبوعية باسم "الحياة الجديدة".

Author biography: 

وفاء عمرو: مراسلة "مجلة الدراسات الفلسطينية"، وقد أجرت هذه الحوارات في أواسط شباط/فبراير 1995.