تباينت وجهات النظر الفلسطينية تجاه الاتفاق بين الرفض والتأييد، وبين الصمت والانتظار، وبين تأييد المبدأ والاعتراض على الأسلوب، وغيرها من المواقف.
ولما كان العرب الفلسطينيون الذين يعيشون داخل "الخط الأخضر" أو داخل مناطق 1948، أو داخل إسرائيل – هم جزء من الشعب العربي الفلسطيني، فقد ارتأت "مجلة الدراسات الفلسطينية" ضرورة استطلاع مواقف هذا القطاع من الشعب الفلسطيني من الاتفاق.
إبراهيم صرصور: خطوة في الاتجاه الصحيح، إذا...
ينبثق موقف الحركة الإسلامية في إسرائيل من الاتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي (غزة – أريحا أولاً) من كون الحركة جزءاً من الشعب الفلسطيني، في مواقع وجوده كلها، ورافداً أصيلاً من روافده، وجزءاً لا يتجزأ من نضاله وكفاحه في سبيل الحصول على حقوقه المشروعة.
وبناء على ذلك، رأت الحركة الإسلامية في الاتفاق خطوة في الاتجاه الصحيح، إذا كانت ستؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بجانب إسرائيل.
لقد حملت الأقلية العربية في إسرائيل، وضمنها الحركة الإسلامية، لواء النضال ضد حكومات إسرائيل المتعاقبة من أجل تحقيق هدفين:
الأول: المساواة فيما يتعلق بالعلاقات بين العرب واليهود داخل إسرائيل؛
الثاني: السلام، وجوهره حل القضية الوطنية الفلسطينية.
وجاء الاتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي خطوة تبشر بالأمل في حل شامل للقضية الفلسطينية والنزاع العربي – الإسرائيلي.
المهم هنا أن يتمسك الجانب الفلسطيني بثوابته، مع الحفاظ على الدينامية في غير ذلك من الجوانب والقضايا، لأن ذلك هو صمّام الأمان الوحيد للحفاظ على مستقبل الشعب الفلسطيني واستقلاله.
وقد ركزت الحركة الإسلامية في بياناتها منذ توقيع الاتفاق على ضرورة الوحدة بين أبناء الشعب الفلسطيني بمختلف فصائله واجتهاداته، وعلى أن يكون الصراع والاختلاف بشأن الاتفاق بالطرق الديمقراطية التي لا تستثني أحداً، ذلك بأن المسّ بهذا المبدأ، مهما يكن نوعه، لن يزيد الشعب الفلسطيني إلاّ معاناة.
أما بالنسبة إلينا، كأقلية عربية داخل إسرائيل، فكلّنا أمل بأن تقوم الدولة الفلسطينية التي سيكون لها من دون شك التأثير الكبير في تغيير السياسات الإسرائيلية تجاهنا، على المستويات الداخلية والخارجية كافة.
زهير صباغ: ترتيب لعلاقات المنطقة الاقتصادية بالمركز الإمبريالي
أود الإشارة بداية إلى أن توقيع اتفاق "غزة أريحا"، وكذلك عَقْد مؤتمر مدريد، جريا من دون أي استفتاء ديمقراطي وشامل لقطاعات الشعب الفلسطيني كلها وفي جميع أماكن وجوده لأخذ رأيها بخصوص ما هو مطروح حلاًّ للقضية الفلسطينية. أما الاتفاق، فهو اتفاق مبادئ لا اتفاقية، وهو يحتوي على بنود مبهمة إذا اجتهد المرء فيها فيمكن أن يكون لها تأويلات كثيرة، وأحياناً متناقضة، لكنني أرى في الاتفاق "جزءاً متطوراً" من اتفاق كامب ديفيد، وبالتحديد في المجال الاقتصادي.
إن الشيء المزعج في الاتفاق هو أنه يحوي اعترافاً بإسرائيل وبالتوسعات الإقليمية التي قامت بها في فترة 1947 – 1951، وسيادتها عليها. فقد استولت إسرائيل على 25% من أراضي الدولة الفلسطينية التي كان من المفترض أن تقوم بموجب قرار التقسيم رقم 181. إضافة إلى ذلك، فقد تضمن الاتفاق اعترافاً باحتلال إسرائيل للقدس الغربية وبسيادتها عليها، في حين كان المفروض أيضاً أن يقوم عليها كيان منفصل تديره الأمم المتحدة وفق القرار نفسه.
كما أن الاتفاق ينص على إقامة حكم ذاتي، في جزء من أراضي الضفة الغربية وغزة المحتلة سنة 1967، أي ما يقارب 8% من مساحة هذه الأراضي.
ومن جهة ثالثة، يؤجل الاتفاق المطالبة بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ويحول ذلك الحق إلى فرضية تُطرح على بساط البحث في محادثات الفترة النهائية.
كما أنه يركز على القرارين رقمي 242 و338، ويتجاهل 119 قراراً اتخذتها الأمم المتحدة إدانة لتصرفات إسرائيل العدوانية وفي مصلحة الحقوق الوطنية الفلسطينية.
ويؤكد الاتفاق المعارضة الضمنية لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، التي أُلغيت أصلاً من خلال اتفاق عمّان سنة 1985، الذي يتحدث عن قيام اتحاد كونفيدرالي بين الأردن والمناطق المحتلة، بالإضافة إلى تأجيل، أو حتى إلغاء، حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وفي الجانب الاقتصادي، تشكل الأراضي المحتلة حالياً مستعمرة للبرجوازية الصهيونية، وسوقاً أسيرة لبضائعها، واحتياطاً من الأيدي العاملة الرئيسية. والجوانب الاقتصادية في الاتفاق ستحول المناطق المحتلة من مستعمرة إسرائيلية إلى منطقة مفتوحة أمام رؤوس الأموال العربية والأوروبية والأميركية واليابانية، الأمر الذي قد ينعكس بصورة أسوأ على مستقبل الأراضي المحتلة اقتصادياً وسياسياً. وبالإضافة إلى ذلك، ستعطي الطروحات والحلول الاقتصادية، التي ينص الاتفاق عليها، دوراً هامشياً للرأسمالية الفلسطينية، التي ستقوم بدور الوسيط الاقتصادي، وربما السياسي، للبرجوازية الصهيونية في منطقة الشرق الأوسط. وفي نظري، فإن مصالح البرجوازية الفلسطينية والصهيونية ليست متساوية أو متكافئة.
وفي الجانب العملي، بوشر في تنفيذ اتفاقية أوسلو (إعلان المبادئ) بصورة فعلية على جزء من قطاع غزة ومنطقة أريحا، وهو ما سيساعد في تثبيت نوع من السلطة في هاتين المنطقتين من دون إجراء أية انتخابات أو استفتاء قبل تطبيقه، الأمر الذي يجعل من هذه السلطة سلطة مفروضة على الشعب الفلسطيني.
إنني ارى في الاتفاق، وإن بدا للبعض أنه يخص القضية الفلسطينية فحسب، أنه في جوهره اتفاق يخص المنطقة الشرق الأوسطية، وقد جاء لترتيب المنطقة وعلاقاتها الاقتصادية بالمركز الإمبريالي. وسيعطي إسرائيل دوراً هامشياً، لكن مهماً، في منطقة الشرق الأوسط بأسرها. وهذا لن يغير من دورها كشرطي في خدمة المصالح الإمبريالية في هذه المنطقة، لكنه سيعطيها دوراً إضافياً في التسوية الاقتصادية السياسية في المنطقة.
أما فيما يتعلق بالسؤال الثاني، فإن أي اتفاق يتعلق بالحقوق الوطنية الفلسطينية انعكاسات على الشعب الفلسطيني بقطاعاته كافة، بما فيها فلسطينيو 1948. فإذا كان الاتفاق الذي تم التوصل إليه يعني إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة والقطاع، فإن ذلك ينعكس على فلسطينيي 1948، لأنه سيشكل دعماً وسنداً لمطالبهم بحقوقهم السياسية والاقتصادية والإنسانية، مع أنه لو تم ذلك فلن يلغي كلياً مظاهر التمييز العنصري المعمول بها ضد فلسطينيي 1948، لكن من الممكن أن يخفف من وطأتها. لكن بما أن إعلان المبادئ لم يذكر قط فلسطينيي 1948، ولا قضية اللاجئين، فإن انعكاساته، في نظري، سلبية، ويمكن تلخيصها بما يلي:
1- هناك ضرر بدأنا نشاهد ملامحه الأولى، وذلك بالنسبة إلى قضية الانتماء والهوية القومية الفلسطينية بين قطاعات عريضة من فلسطينيي 1948، وهو بروز ظاهرة "الأسرلة" لدى الأجيال الشابة. والمثال لذلك هو انضمام بعض الشباب إلى وحدة "حرس الحدود"، وتصريحهم بانتمائهم الإسرائيلي، في وقت لم نشاهد انحسار مظاهر التمييز العنصري ضد الفلسطينيين في مناطق 1948. وهذا في نظري ناتج من الصدمة والإحباط اللذين أحدثهما الاتفاق في هذه المناطق.
2- كان يوجد لدى فلسطينيي 1948 ظاهرة الشرذمة السياسية وفقدان بوصلة النضال، وحتى نضالية منخفضة قبل حدوث الاتفاق. لذلك فمن المتوقع أن يساهم إعلان المبادئ في توسيع ظاهرة الشرذمة السياسية وتعميقها، لا في القضاء عليها.
3- اقتصادياً، أرى أن انعكاساً سلبياً سيقع على أوضاع فلسطينيي 1948 الاقتصادية، إذ من المتوقع أن تتسع ظاهرة البطالة المتفشية بين الأيدي العاملة، والتي تتأتى من خلال إحلال أيد عاملة فلسطينية من مناطق 1967 محل الأيدي العاملة الفلسطينية في مناطق 1948. ويرجع ذلك إلى التفاوت في الأجور بين فلسطينيي 1948 وفلسطينيي 1967. كما أن فئة الرأسمالية الفلسطينية في مناطق 1948 تشترك في دور الوساطة المرسوم للرأسمالية الفلسطينية في مناطق 1967.
4- أخيراً، بما أن إعلان المبادئ يسعى لإيجاد تسوية جزئية لفلسطينيي 1967، ويستثني فلسطينيي 1948 والشتات، فلن يكون في وسع سلطة الحكم الذاتي أن تدافع، ولو سياسياً وإعلامياً، عن الحقوق المسلوبة لفلسطينيي 1948. وفي نظري، سيكون هناك التزام من هذه السلطة بعدم التدخل "في الشؤون الداخلية الإسرائيلية"، الأمر الذي قد يؤدي إلى استمرار الأوضاع المجحفة والتمييز العنصري المتبع ضد الفلسطينيين في مناطق 1948.
نظير مجلّي: مع الاتفاق، وهذه هي الأسباب
أؤيد الاتفاق، أولاً لكونه اتفاقاً بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وثانياً لكونه اتفاق إعلان مبادئ، وثالثاً لأني لا أجد أي بديل أفضل منه.
اما بالنسبة إلى السبب الأول، فنحن من موقعنا هنا في أرض الوطن، ومن معرفتنا البالغة للوضع داخل إسرائيل، واضطلاعنا بمفاتيح الخريطة السياسية فيها، ندرك، ربما أكثر من غيرنا من العرب والفلسطينيين، ما حدث من تغيرات في الموقف الإسرائيلي، خصوصاً لدى رابين، حتى وصل إلى تلك اللحظة التي يصافح فيها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. إننا نعرف أن الوصول إلى هذا الموقف لم ينجم عن تغيير جذري في السياسة الفلسطينية الرسمية، بل بالعكس؛ فالقيادة الفلسطينية الشرعية دعت الحكومة الإسرائيلية إلى التفاوض المباشر بشأن السلام بين الشعبين منذ أعوام طويلة. وفي سنة 1988، ومع وصول الانتفاضة المباركة إلى الأوج، خرج المجلس الوطني الفلسطيني بمبادرة سلام فلسطينية تقوم على أساس قراري مجلس الأمن رقمي 242 و338، وإحقاق الحقوق الوطنية الشرعية للشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، بما في ذلك القدس العربية. ودعا عرفات، يومها، الحكومة الإسرائيلية، إلى سلام الشجعان. وهكذا، فالجانب الفلسطيني لم يأت بجديد عندما التقى وفد الحكومة الإسرائيلية.
بيد أن الجانب الإسرائيلي كان طوال الوقت يرفض أي اعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وحاول استبعادها وتصفية قيادتها، وسعى لعزلها في العالم ولتشويه سمعتها، وزعم أنها تخرب على السلام، حتى بعد موافقتها على مؤتمر مدريد. وقام يتسحاق رابين، شخصياً، بتولي مهمة الهجوم على م. ت. ف. وقادتها. وقد فعل ذلك على الرغم من أن حكومته تضم وزراء، تؤيد أغلبيتهم (11 وزيراً من 21 وزيراً) التفاوض مع م. ت. ف. وتستند إلى قاعدة برلمانية تضم خمسة أعضاء كنيست يرون في م. ت. ف. ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني (هم 3 نواب للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة واثنان للحزب الديمقراطي العربي). وقد تراجع رابين فجأة عن موقفه وأعلن: لقد توصلت إلى إقناع تام بأن م. ت. ف. هي العنوان.
أما بالنسبة إلى السبب الثاني، فإن الحديث يجري عن اتفاق أوّلي لإعلان مبادئ، ستكون نتيجته الأولى انسحاباً إسرائيلياً من بعض المناطق (قطاع غزة ومنطقة أريحا) فتتسلم م. ت. ف. إدارته ثم تليه مفاوضات من أجل انسحاب من معظم المناطق الباقية. هذا مع الاتفاق على أن تبدأ مفاوضات بعد ثلاثة أعوام من أجل التسوية النهائية. طبعاً، لا يغيب عن بالنا، أن المفاوضات ستكون صعبة، وستتوقف كثيراً على تجربة الحلول المرحلية وقوة كل طرف في إثبات نفسه وحماية مصالحه. ولا نتجاهل حقيقة أن توازن القوى يميل إلى مصلحة الطرف الإسرائيلي. لكن الشعب الفلسطيني أيضاً يملك عناصر قوة، صلبها حقه الشرعي الذي اعتُرف به دولياً، واستحالة استمرار الوضع الحالي للشعبين. وفي إمكان الشعب الفلسطيني أن يقوي مركزه أكثر، إذا حظي بدعم عربي، وإذا تمتع بوحدة صف وبديمقراطية، وإذا قامت المعارضة الفلسطينية بدورها بذكاء وحكمة، بدلاً من التخريب على الاتفاق وتهديد مؤيديه، وراحت تكافح من أجل إبقائه في إطار الثوابت الفلسطينية، وكان كفاحها ديمقراطياً وإنسانياً وحضارياً.
وهنا ننتقل إلى السبب الثالث، وهو: إذا لم يؤيد شعبنا اتفاق المبادئ هذا، فما هو البديل المطروح أمامه؟
إنني أرى البديل مأساوياً، وأرة أن الذين يرفضونه لا يأخذون في الاعتبار أوضاع شعبنا الفلسطيني الحياتية ومعاناته اليومية. بل إن هناك قوى معارضة تبني برنامجها السياسي كله وتوسع حركتها على حساب يأس الناس ومعاناتهم. فكلما يئس الناس أكثر وعانوا أكثر، يلجأون إلى تلك القوى، وأقصد الأصولية المتعصبة. وهي تدفع خيرة شبابنا ومناضلينا إلى عمليات يائسة وانتحارية.
هناك من لا يزال يتحدث بعبارات ثورية عن النضال الشعبي المتواصل... تجدهم ما زالوا يتحدثون عن الانتفاضة وهم يعرفون أن الانتفاضة تأكلت في العامين الأخيرين؛ فقد كثر الزعماء فيها، ولم يعد الناس يعرفون أي أمر من الأوامر الفوقية ينفذون. وصار المرء يسمع تذمرات شديدة ويلمس تعباً واضحاً. ولذلك، لم نعد نرى الانتفاضة نضالاً جماهيرياً. إن الناس مستعدون للنضال إذا كان له هدف ممكن تحقيقه، وإذا كان قادته المباشرون ثقاة ومقْنعين ومسؤولين، يثبتون قيادتهم بالمنطق والعقل والعمل المخلص المستقيم، لا بقوة السلاح وببشاعة القتل.
وليس هذا فقط، فنحن نعيش أوضاعاً دولية قاسية؛ فلم يعد للشعوب سند مثل الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية، ولم يعد بين الزعماء العرب جمال عبد الناصر، والمصالح الذاتية تطغى على الجميع، والولايات المتحدة قائدة العالم، تفرض حرباً "عالمية" على بلد صغير كالعراق، فتجرّ وراءها أربعين دولة، بينها أكثر من عشر دول عربية. والشعب الفلسطيني تتعرض إرادته المستقلة لقمع، ولضغط شنيع بالمال وبالمضايقات والتهديدات.
في هذه الأوضاع التعيسة، يُعرض على شعبنا حل مرحلي جزئي يستطيع أن يخفف من المعاناة وأن يزيل الاحتلال (ولو جزئياً في هذه المرحلة) ويوقف إراقة الدماء.. فلماذا نرفض؟ وهل من بديل آخر سوى الاستمرار في القتل والاحتلال والاستيطان والنهب.. إلخ؟!
أما لجهة انعكاس الاتفاق على عرب 1948، فالاتفاق في حد ذاته ليس هو الذي سيؤثر في حياتهم، إنما الأثر سيكون في حال نجاح الاتفاق أو في حال فشله. فإذا نجح، فسيكون هذا بمثابة دفعة قوية لتغيير أوضاع جماهيرنا الفلسطينية داخل إسرائيل نحو الأفضل. وإذا فشل، فإن الفشل سيؤدي إلى زيادة معاناة هذه الجماهير. ذلك بأن عرب 1948 في معظمهم يرون أنفسهم جزءاً حياً لا يتجزأ من شعبهم الفلسطيني، ويريدون له كل خير وتقدم وحرية. ويعتبرون أنفسهم في الوقت ذاته جزءاً من دولة إسرائيل؛ فهم مواطنوها الذين يطالبون بإزالة سياسة التمييز العنصري ضدهم، ويطالبون بالمساواة الكاملة في حقوقهم، بما في ذلك المشاركة في إدارة شؤون الدولة. فهم جزء من هذا الوطن الذي ما برحوه، ولا وطن آخر لهم سواه.
إن النجاح في تطبيق الاتفاق سينعكس إيجاباً في هذه الموضوعات كافة. فللمواطنين العرب دور في إنجاح هذا الاتفاق لأنهم قاموا بدور في إسقاط حكومة الليكود (المعادية لأي اتفاق مع م. ت. ف.) وانتخاب حكومة العمل، وهم يطالبون، لقاء ذلك، بتحقيق كثير من المطالب المتعلقة بإزالة التمييز العنصري. ومما لا شك فيه هو أن نجاح الاتفاق سيعجل في التجاوب مع مطالب العرب، من الناحية المالية ومن الناحية المعنوية. فالسلام سيخفض مصروفات الحرب والعسكرة وسيزيد في ميزانيات التعليم والرفاه الاجتماعي والبناء والزراعة، وهذه كلها موضوعات طرح العرب مطالب بشأنها.
كذلك، فإن النجاح في الاتفاق سيزيل عدداً من الحواجز التي ما زالت تعيق إمكان مشاركة العرب في الحكم وفي الوظائف. وهناك من بدأ يتحدث عن وزارة واحدة وأكثر للعرب (كاتب هذه السطور يعارض دخول الحكومة، لأن سياستها وبرنامجها ما زالا بعيدين عن تحمل المواطن العربي. فهذه حكومة صهيونية لها أهداف عسكرية خطرة، وممارستها معادية للعرب في لبنان وفي المناطق المحتلة، ولا نظن عربياً واحداً يستطيع تحمل مسؤولية الشراكة في هذه الممارسات).
أما إذا فشل الاتفاق، فمن شأن ذلك أولاً أن يسقط حكومة رابين ويعيد الليكود إلى الحكم. وعندها سنواجه مجدداً تعميقاً لسياسة التمييز والقمع وإبعاد العرب عن أية مساواة. وسيسيطر اليمين الفاشي على الشارع والشرطة والنقابات، وسيحاصَر العرب تماماً.
طبعاً، إن عرب 1948 معتادون على النضال ضد سياسة الحكومة، مهما تكن قاسية ويمينية وفاشية. ولن يتغير وضعهم اليوم من هذه الناحية. لكنهم يفضلون وضعاً آخر، يتلاءم مع أجواء المرحلة. إنهم يفضلون التوصل إلى اتفاق السلام.
عبد السلام عبد الغني: الاتفاق يتجاهل ثلاث قضايا أساسية
بداية نحن لسنا مع الاتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي، اتفاق "غزة – أريحا أولاً"، لأن هذا الاتفاق يتجاهل ثلاث قضايا أساسية تهم الشعب الفلسطيني، وهي:
1) حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، إذ إن المطروح ضمن هذا الاتفاق هو حكم ذاتي لا غير.
2) يتجاهل وحدانية الشعب الفلسطيني، فهو يقسّم الفلسطينيين إلى فلسطينيي إسرائيل ("عرب إسرائيل") وفلسطينيي الأردن ولبنان وسوريا، ويتعامل مع الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة على أساس أنهم هم فقط الفلسطينيون.
3) مشكلة اللاجئين، وهذه هي مأساة الشعب الفلسطيني، والاتفاق لم يتطرق إليهم، وأجلّ البحث في قضيتهم خمسة أعوام، وأخيراً مسألة القدس، التي ستبقى موحدة في يد إسرائيل.
إن أكبر مشكلة في الاتفاق ككل هي عدم وجود مرجعية، فأي خلاف يثار بعد خمسة أعوام يبقى رهناً بحسن النيات الإسرائيلية. ونحن، الفلسطينيين الذين عشنا تحت الاحتلال منذ سنة 1947، نعرف سوء النيات الإسرائيلية. ولا يمكن لأي فلسطيني أن يراهن على الحركة الصهيونية.
وبالإضافة إلى ذلك كله، فإن الاتفاق عُقد في ظل أوضاع صعبة جداً بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني، وعلى مختلف المستويات العالمية والعربية والفلسطينية.
وبحسب الاتفاق، فلن تقوم دولة فلسطينية أبداً، في حين أن إقامة الدولة هي أبسط حقوق الشعب الفلسطيني. وفي أحسن الأحوال، ستقوم كونفيدرالية مع الأردن من دون استقلال ومن دون سلطة، حيث ستبقى السلطة العسكرية بيد قوات إسرائيلية أو أردنية، ولن يُسمح بتأسيس جيش فلسطيني.
أما كيف ينعكس تأثير هذا الاتفاق على فلسطينيي النكبة الأولى، فإننا نرى ونشعر بأن الاتفاق يستثني فلسطينيي الجليل والمثلث والنقب، وجميع اللاجئين الذين شُردوا من هذه المناطق.
ويساعد الاتفاق كذلك في دعم مشروع "الأسرلة" الذي يدعمه عملاء الحركة الصهيونية الذين يعتبرون أنفسهم إسرائيليين أكثر من الإسرائيليين أنفسهم.
ومن شأن هذا الاتفاق أن يساهم في زيادة معاناة الفلسطينيين في الداخل، والتي تتمثل في مصادرة الأراضي العربية، واضطهاد العرب، وحرمانهم من حقوقهم القومية والوطنية والاجتماعية. ومن هذا المنطلق نرى أنه من واجب الفلسطينيين في الداخل الوقوف يداً واحدة لمعارضة اتفاق "غزة – أريحا أولاً"، الذي هو في الحقيقة "غزة – أريحا آخراً".
اقتصادياً، ينعكس الاتفاق سلبياً بحيث تتردى الأوضاع الاقتصادية على المستوى الشعبي، ولن يستفيد من هذا إلاّ قلّة من الأشخاص الذين سيشكلون حلقة الوصل بين إسرائيل والعالم العربي بأكمله. كما أن المساعدات المالية الموعودة لن يستفيد منها إلاّ فئة قليلة من الناس، كما حدث في مصر مع سياسة الانفتاح.
إن السلطة الفلسطينية التي ستقام ستتجه بعلاقاتها إلى المؤيدين، الذين يعملون على اعتبار عرب الداخل جزءاً من إسرائيل. وستصبح المطالبة بأية حقوق قومية لفلسطينيي الداخل تطرفاً ومزاودة (مزايدة) على م. ت. ف.، في الوقت الذي لم يتغير الموقف قيد أنملة. ولو كان هناك إمكان أن تقوم دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة في الضفة الغربية والقطاع، لأيّدنا الاتفاق باعتباره حلاً جذرياً ولو لجزء من الشعب الفلسطيني، وهذا ما نادت جميع فصائل الثورة الفلسطينية به طوال مراحل نضالها الوطني.
عبد الوهاب دراوشه: خطوة مهمة نحو إقامة الدولة المستقلة
أَنطلق في تأييدي اتفاق "غزة – أريحا أولاً" من اعتبار أن هذا الاتفاق يشكل خطوة مهمة على طريق دفع مسيرة السلام في المنطقة إلى الأمام، وإحقاق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
هذا الاتفاق يتبعه اتفاقات لاحقة، ستؤدي إلى إنهاء الاحتلال وإلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
من خلال معرفتي الساحة السياسية الإسرائيلية، لم يكن أمام القيادة الفلسطينية خيار آخر إلاّ قبول هذا الاتفاق في ظل التغيير الذي حدث في الخريطة السياسية في إسرائيل. فإمكان الاتفاق مع حكومة عمالية برئاسة يتسحاق رابين، مدعومة من الأحزاب العربية في الكنيست، أفضل كثيراً من اتفاق مع حكومة برئاسة نتنياهو، زعيم الليكود، ومدعومة من الأحزاب اليمينية المتطرفة.
إني أتوقع تنفيذ الاتفاق على الرغم من الصعوبات، وفتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة بأسرها. وأتوقع أن يتبع هذا الاتفاق اتفاقات إضافية مع الأردن وسوريا ولبنان خلال العام المقبل.
وبصورة عامة، إن الجمهور الفلسطيني داخل إسرائيل يؤيد هذا الاتفاق، مع الإشارة إلى أن هذا الاتفاق لا يحقق للشعب الفلسطيني جميع آماله وطموحاته. لكن يبقى هذا هو البديل الأفضل في هذه المرحلة لأن الخيارات الأُخرى أكثر خطورة على مصير الشعب الفلسطيني، إذ إن غياب اتفاق في هذه المرحلة يؤدي إلى زيادة الاستيطان، وإلى استمرار ضياع الحقوق الوطنية الفلسطينية، وإلى إضعاف موقف م. ت. ف.، الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.
ومن خلال رؤية شاملة للصراع العربي – الإسرائيلي وقراءة مستفيضة للخريطة الدولية، يبرز ترحيب واسع للاتفاق بين الجماهير الفلسطينية في الداخل، وأمل كبير لدى هذه الجماهير بفتح صفحة جديدة من التعامل البنّاء والسلام العادل في هذه المنطقة، بحيث يعود ذلك بالنفع على شعبنا الفلسطيني خاصة، وعلى شعوب المنطقة عامة.
إن الفلسطينيين في إسرائيل يتوقعون التخفيف من سياسة التمييز العنصري، ومن حدّة أزمة الثقة القائمة بين اليهود والعرب في إسرائيل.
وفي النهاية، أتوقع أن يكون هناك مردود اقتصادي إيجابي على المنطقة بأسرها، وعلى الفلسطينيين في إسرائيل أيضاً، الذين بدورهم سيهتمون ويساهمون إيجابياً في بناء الدولة الفلسطينية العتيدة، التي يعتبر اتفاق "غزة – أريحا أولاً" الخطوة العملية الأولى في اتجاهها.