Explaining the U.S. Decision Making in the Gulf War. Between Vision and Reality: Explaining the U.S. Conduct in the Gulf War
Keywords: 
حرب الخليج 1991
السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
صنع القرار
النزاع العربي – الإسرائيلي
Full text: 

هيأ الاجتياح العراقي للكويت، وردّة الفعل الأميركية عليه، فرصة أخرى لتأكيد المقدمات النظرية المختلفة حيال السياسة الأميركية. أما المقتنعون بظاهر الإيضاحات الرسمية القائلة إن المبادىء الدولية وشرعة الأمم المتحدة هي القوى المحركة لتدخل الولايات المتحدة، فهم قلّة من الناس. وقد وجدت، تقريباً، كل مدرسة فكرية تهتم بالسياسة الأميركية الخارجية في تلك الأزمة، دليلاً على فرضياتها الخاصة. غير أن من غير الممكن، طبعاً، الأخذ بكل هذه النظريات، في آن.

في هذه المقالة سوف أتفحص التفسيرات التقليدية لقرارات الولايات المتحدة التي أعقبت الاجتياح العراقي للكويت، وصولاً إلى الهجوم العسكري على القوات العراقية. وأرى أن كل واحدة من هذه التفسيرات جديرة بالاعتبار، إلا أن أيّاً منها في النهاية لا يتفق مع الوقائع، وفضلاً عن ذلك أعتبر أن القرار الأميركي بنشر قوات أميركية في الخليج كان، في البداية، شبه آلي: كان القرار سيبقى ثابتاً بصرف النظر عن الشخصية المقيمة في البيت الأبيض، أو التي لها تأثير فيه. وأعتبر أيضاً أن السبب النهائي للقرار الأميركي بتصعيد الانتشار في تشرين الأول/أكتوبر 1990 الذي حتَّم وقوع الحرب، في حال عدم انسحاب القوات العراقية، كان التوتر الملازم للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط بين إطاريها الداخلي والخارجي، والذي تفاقم بفعل الأزمة الإسرائيلية ـ العربية التي تُعتبر الأهم خلال ذلك الشهر.

التفسير النفطي

إن إمكانية وجود دعم ما لكل حجة من الحجج هي التي تجعل تقويم الدوافع الأميركية صعباً. إذن، لنأخذ في الاعتبار الحجة القائلة إن النفط كان الدافع الرئيس للتدخل الأميركي، مما يدعم ـ كما يبدو ـ ترجمة للنظريات الإمبريالية التي تشدد على حاجة الرأسمالية للسيطرة على المواد الخام.(1)   ولسنا بحاجة لإثبات اعتماد الغرب على نفط الشرق الأوسط،(2)  إذ يعتقد الكثيرون أن الله لو مَنّ على هذه المنطقة بالقطن بديلاً من النفط، لما تدخلت الولايات المتحدة. وكان من غير المتوقع أن يعلن الزعماء الأميركيون عن هذا الدافع بشكل بارز، في وقت كانت فيه الولايات المتحدة تحشد الدعم الإقليمي والعالمي لجهودها. بيد أن الرسميين الأميركيين لم يحجموا عن ذكر أهمية النفط كدافع أميركي مهم. وقد ذكر جورج بوش أن التصدي للتهديد الذي يحيط باحتياطي نفط الشرق الأوسط(3)   يشكل هدفاً من بين أهدافه الأخرى. كما سلط وزير الدفاع ريتشارد تشيني الأضواء، في شهادته أمام الكونغرس، على أهمية الخليج العربي الاقتصادية.(4)  وثمة أشياء كثيرة تؤيد هذا التفسير منها: الأساس النظري في النظريات المتعلقة بالإمبريالية، والمصلحة القابلة للتحديد في ماهيتها وحجمها (اعتماد العرب على النفط)، وتهديد بادٍ يحف بهذه المصلحة (اجتياح العراق الكويت)، ووجود البرهان ـ في المفهوم الأميركي ـ على أن تلك المصلحة مهددة (في المناقشات الأميركية الداخلية). لكن ثغرات خطيرة تشوب هذا التفسير. ففي حين لا يمكن إنكار أهمية نفط الشرق الأوسط للغرب يبقى التأكيد على ضرورة سيطرة الولايات المتحدة السياسية والعسكرية لضمان تدفق النفط بأسعار معقولة أمراً يدعو إلى التساؤل.

وتشير الأدلة المتعلقة بنمط تجارة النفط الشرق الأوسطي إلى أن الدول في المنطقة تبيع النفط وتستورد السلع بمعزل عن التحالفات الإيديولوجية والسياسية ـ العسكرية. إن السوق الدولية هي المؤشر الأفضل لهذه الأنماط من التجارة.(5)

فيما يختص بالنفط، تمويناً وسعراً، ليس من الواضح أن استيلاء العراق على شبه الجزيرة العربية بكاملها ـ حتى لو شكل ذلك تهديداً خطيراً ـ كان من الممكن أن يكون له أثر كبير في السوق النفطية على المدى الطويل.

إن أحد الأسباب التي جعلت المملكة العربية السعودية تحتل موقع السيطرة في سوق النفط ليس تماماً لأنها تسيطر على موارد نفطية كبيرة، إنما يعود ذلك إلى النسبة العالية للموارد إلى السكان، مما يعني في معظم الأوقات أن طاقة الإنتاج في المملكة العربية السعودية تفيض عن حاجتها الاقتصادية. وقد أعطى هذا الفائض المملكة مجالاً واسعاً للتخلص من النفط أو للإمساك عن الإنتاج.

وفي حال طرأ استيلاء عراقي على النفط فإن انخفاض نسبة السكان إلى الموارد، سيضيق في هذا المجال.(6)  وكان الدليل على ذلك سلوك اليابان وبعض حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين الذين كانوا أكثر اعتماداً على نفط الشرق الأوسط من الولايات المتحدة. إن عدم رغبة الحلفاء الأوروبيين، باستثناء إنكلترا، في اتخاذ المبادرة العسكرية ضد العراق في البداية(7)  وتحفظاتهم اللاحقة عن الحاجة إلى استخدام القوة لإرغام العراق على الانسحاب، ولّد، ذلك كله، استياءً كبيراً في الولايات المتحدة.(8)  فلو أن المصالح النفطية هي التي أوجبت، منطقياً، التدخل الغربي، فكيف يمكن تفسير مثل هذا السلوك؟ فالقول إن المصلحة الغربية في النفط هي السبب الرئيسي للتدخل الأميركي مدعاة للتشكيك إذن. إلا إن هذا لا يعني استبعاد إمكانية القول ـ سواء أكان منطقياً أم لا ـ إن الرسميين الأميركيين تصوروا حاجة للتدخل بسبب النفط، مع أن من الصعب التمييز بين البيِّنة الناتجة عن هذا التَّصَوُّر وتلك الناتجة عن البراهين الذرائعية في مسار تنفيذ القرار. وعلى الرغم من هذا، فقد كان النفط أساسياً في نظرة الولايات المتحدة إلى الخليج العربي، لذا كان على دور النفط أن يتفق مع السلوك الأميركي.

سأعرض لهذه المسألة في ختام البحث المتعلق بالنماذج التي كانت سائدة قبل الأزمة والمتعلقة بالمصالح الأميركية في الخليج العربي.

الشرح الإسرائيلي

هناك شرح آخر سائد للتدخل الأميركي، وهو أن إسرائيل ومؤيديها في الولايات المتحدة كانوا السبب الأساسي في استخدام القوة ضد العراق. إن وجهة نظر المعلق باتريك بوكانان حول دور إسرائيل ومؤيديها في الولايات المتحدة كانت نموذجاً واحداً فقط لوجهة النظر هذه التي لاقت أنصاراً كثيرين لها في الشرق الأوسط، حتى بين الدول العربية التي انضمت إلى الحلف الذي قادته أميركا.(9)  إن أموراً كثيرة تدعم دعاة هذا الشرح منها: نظرية عامة حيال السياسة الأميركية في الشرق الأوسط؛ مصلحة إسرائيلية جوهرية في أن ترى الآلة العسكرية العراقية مدمرة؛ الموقف الواضح الذي أعلنه معظم مناصري السياسة الأميركية الخارجية الداعم لإسرائيل من أجل استخدام القوة ضد العراق. وكان كثير من دارسي السياسة الأميركية في الشرق الأوسط اقترح أنه لا يمكن، من الناحية النظرية، أن توضح الحسابات الاستراتيجية الميل القوي الداعم لإسرائيل الذي سيطر على السياسة الخارجية الأميركية منذ الستينات.(10)  وقد ركز الدارسون، في المقابل، على العنصر الداخلي في السياسة الخارجية الأميركية. ويقيم بعضهم الحجة على أن اللوبي الجيد التنظيم هو الذي يقود الميول الداعمة لإسرائيل.(11)  بينما يسلط آخرون الأضواء على أهمية القضايا الخاصة في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.(12)  ففي منظار هذه السياسة عندما تطرأ قرارات هامة ذات علاقة بإسرائيل، فالخيار الذي تعتمده الولايات المتحدة يلتقي عموماً مع المصالح الإسرائيلية.

إن مراجعة التصريحات الإسرائيلية وسياستها خلال الأشهر التي سبقت الغزو العراقي للكويت تُظهر أن إسرائيل سعت لتسليط الضوء على أن العراق يمثل تهديداً، خاصة بعد التبجح العراقي بقدراته العسكرية والأسلحة الكيماوية القادرة على أن تطال إسرائيل. وفضلاً عن ذلك أسرع مؤيدو إسرائيل في الكونغرس وفي الصحافة الأميركية إلى تركيز الانتباه على التهديدات العراقية الظاهرة. وفي خلال جلسات الكونغرس انتقد العضو توماس لانتوس (ديمقراطي من كاليفورنيا) وغيره العراق وزعماءه انتقاداً حاداً، وكذلك سياسة الإدارة الأميركية تجاهه.(13)  كما أن الصحافيين المؤيدين لإسرائيل أمثال وليام سافير و أ. م. روزنتال وشارل كراوْتهامَر كانوا من أوائل الذين هاجموا العراق.(14)  وأجمع مناصرو إسرائيل، تقريباً في توصياتهم خلال المناقشات الداخلية في الولايات المتحدة، على وجوب أن ترد الولايات المتحدة عسكرياً على الاجتياح العراقي للكويت، وذلك حتى قبل أن يتخذ معظم الأميركيين الآخرين موقفاً نهائياً.(15)  لقد كان موقف هذه الجماعة واضحاً ومطابقاً لمواقف الحكومة الإسرائيلية لدرجة دفعت بالمعلق المحافظ باتريك بوكانان إلى الإيحاء بأن تلك المواقف كانت مجرد انعكاس للمصالح الإسرائيلية.(16)

كان أكثر ما يهم إسرائيل هو أن ترى العراق مدمراً عسكرياً، والأسرع هو الأحسن.(17)  وبذل الإسرائيليون قصارى جهدهم لكي تتدخل الولايات المتحدة.(18)  وفضلاً عن ذلك، أوضح الارتباط الكبير بين الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل والتوصية بالتدخل العسكري، أن إسرائيل تشكل قضية في الحسابات؛ أفلا يثبت ذلك صحة الفرضيات القائلة إن إسرائيل كانت السبب الأول في تدخل الولايات المتحدة؟ غير أن هناك ثغرات خطيرة في هذا البرهان. فالارتباطات حتى القوية منها، لا توجب دائماً السببية. فالنظريات المتعلقة بتأثير اللوبي الإسرائيلي في السياسة الخارجية الأميركية، تُركِّز عادة على أن نفوذ اللوبي في الكونغرس أقوى مما هو عليه في البيت الأبيض، وأقوى في الحزب الديمقراطي مما هو عليه في الحزب الجمهوري. ولكن واقع الأمور في أزمة الكويت، هو أن رئيس الولايات المتحدة كان أول من اتخذ القرار في شأن استخدام القوة، في حين كان الكونغرس متردداً وغير راغب في ذلك. فالرئيس بوش ربما كان سعى، فعلاً، إلى قرار تتخذه الأمم المتحدة حيال هذه القضية كوسيلة ضغط، إلى حد ما، على الكونغرس لكي يدعمه. وكان الديمقراطيون، أيضاً، أكثر ميلاً من الجمهوريين لمعارضة استخدام القوة في هذه القضية. وخلال ولاية الرئيس ريغان، كان بالإمكان تجاهل هذه الوقائع والإشارة إلى ميول الرئيس القوية الداعمة لإسرائيل. إلا إن قليلين جداً من المحللين يعتقدون أن ميول الرئيس بوش كانت مماثلة، وأن موقفه من طلب إسرائيل عشرة مليارات دولار كقروض مضمونة يدل على ذلك الواقع. فالرسميون الإسرائيليون كانوا، حتى قبل أزمة الخليج، قد شكّوا من موقف واشنطن الجديد.(19)  وفي ربيع سنة 1992 كان العديدون في إسرائيل، ومن مؤيديها في الولايات المتحدة يتهمون الرئيس بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر بأنهما ضد إسرائيل. إذن، ليس من الممكن تجاهل هذه العيوب في النظرية القائلة(20)  إن إسرائيل كانت الدافع الأساسي للتدخل الأميركي.

شرح التدخل الأميركي من خلال نهاية الحرب الباردة

هناك شرح عام آخر للتدخل الأميركي له علاقة بنهاية الحرب الباردة يرى أن أزمة الخليج كانت الفرصة المثلى لإرساء عصر الهَيْمَنة الأميركية الدولية. حتى أن بعض ترجمات هذه النظرية أوحى بأن الولايات المتحدة قد تكون ضللت العراق ودفعته لاجتياح الكويت، فمدت له الحبل ليشنق به نفسه. ولهذه النظرية بعض الحسنات الظاهرة: فلو حدثت هذه الأزمة في أثناء ذروة الحرب الباردة لكانت الولايات المتحدة أقل ميلاً بكثير لمجابهة العراق الذي يدعمه الاتحاد السوفياتي كلياً. أضف إلى ذلك أن الائتلاف الدولي ما كان ليُصنع بمعزل عن الدعم السوفياتي، وأن دولاً كسوريا ما كان من المحتمل أن تنضم إلى الائتلاف لو وفر السوفيات بديلاً من الولايات المتحدة. لكن هذا الشرح يدل على أن نهاية الحرب الباردة وفرت للسياسة الخارجية الأميركية فرصاً جديدة فقط لا دوافع جديدة. ففي الماضي عرض الموالون للمدرسة التي تربط السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بالتوازن العالمي للقوى، وبالمنافسة السوفياتية ـ الأميركية، الشرحَ القائل إن ترجيح كفة الدعم الإسرائيلي في السياسة الأميركية منوط بمنفعة إسرائيل الاستراتيجية ضد الاتحاد السوفياتي. ويتبع ذلك أنه في حال زوال التهديد السوفياتي للمصالح الاستراتيجية الأميركية، فالتغيير هذا كان سيُضعِفُ الحاجة إلى التورط الأميركي، ويخفِّف من القلق حيال التهديدات الموجهة ضد إسرائيل.

كان "مذهب كارتر" (1980) المعلن عقب الغزو السوفياتي لأفغانستان، الذي وصف رسمياً الخليج كمنطقة ذات أهمية حيوية للولايات المتحدة، يرتكز على تَصَوُّر التهديد السوفياتي لتلك المنطقة. واتخذ العديد من أهم محبذي الواقعية في السياسة (النظريون منهم وصانعو السياسة) مواقف مناهضة للتدخل الأميركي.(21)  كما أن آخرين عرضوا الحجة القائلة إن نهاية الحرب الباردة تدعو إلى الانعزال لا إلى التورط في السياسة الخارجية الأميركية.(22)  كما أن آخرين واقعيين أيضاً، اقترحوا أن الخوف الحقيقي الوحيد الذي يمكن أن ينتاب الولايات المتحدة جراء الاجتياح العراقي للكويت، يكمن في التهديد المحتمل لإسرائيل،(23)  وبالتالي لا يمكن تكوين صلة ضرورية وكافية بين نهاية الحرب الباردة وسياسة الولايات المتحدة.

شروح أخرى

إن تفحصاً وجيزاً لنظريات أخرى متعلقة بالدوافع الأميركية، يُظهر أنها تحتوي هي الأخرى ثغرات. فالبرهان القائل إن المؤسسة العسكرية الأميركية وجدت في أزمة الخليج فرصة سانحة لصوغ دور جديد لها إثر زوال التهديد السوفياتي، يبدو معقولاً للغاية ويلقى بعض التأييد في الكتابة النظرية التي تناولت الربط بين المؤسسات العسكرية والإمبريالية.(24)  ولكن الوقائع لا تتفق مع هذه الافتراضات النظرية: إن عدداً كبيراً من بين ذوي أرفع الرتب من الجنرالات، بمن فيهم رئيس الأركان العامة كولين باول، هو الأكثر اعتراضاً على استخدام القوة.(25)  أمّا المنطق القائل إن شركات النفط الأميركية المفترض أنها ذات تأثير في رئيس من ولاية تكساس، كانت العامل الرئيس في القرار الأميركي، هو أيضاً موضع تساؤل، إذ متى كان احتمال ارتفاع أسعار النفط وانخفاض التموين يشكلان عامل تهديد لشركات النفط؟

إن تحويرات جديدة لأفكار قديمة حول سياسة القوة، كانت عرضت كتفسير لنهج الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال التبرير التالي: "لا بُدَّ أن إدارة بوش كانت تحاول من خلال تَدَخُّلها في الخليج تَعْزيز مَوْقِف الولايات المتحدة، واقتصادها في تدهور، بالمقارنة مع الاقتصاد المتصاعد للأسرة الأوروبية واليابان، وهي دولة منزوعة السلاح إلى حد كبير. إن انتصاراً أميركياً ـ مهما حمل من معنى ـ يؤمن للولايات المتحدة مكاناً رئيساً على طاولة المفاوضات العالمية إلى جانب القوى العظمى، مثل ألمانيا واليابان".(26)  

ولكن هذا التبرير هو أيضاً لا يماثل الوقائع: ففي حين أنه يمكن تحْديد بعض المنافع الأميركية الناشئة عن الحرب بالنسبة إلى أوروبا واليابان، فإنه لا يمكن هذه المنافع أن تكون السَّبب الرئيس للتدخل الأميركي، إذ إنه يعطي صانعي القرار في الولايات المتحدة اعتباراً مبالغاً فيه. فقبل الاجتياح العراقي للكويت، كانت الولايات المتحدة لم تزل تحتفل بالهزيمة التي منيت بها الشيوعية كي تلحظ بجدية التدهور الاقتصادي الأميركي.

كذلك عُرضت اعتبارات سياسية داخلية تشرح سياسة الإدارة: أَلم ترقَ شعبية بوش إلى 90 في المئة إبان نشوب الحرب مباشرة، وهي درجة لم يسبق لها مثيل؟ غير أن هبوط شعبية الرئيس إلى 39 في المئة فقط في آذار/مارس 1992 (وهزيمته الأخيرة في الانتخابات) لهو تذكير بتقلبات الرأي العام الأميركي وبتأثير الأزمة الدولية الموقتة فيه تأثيراً يمكن أن ترجحه دوماً المخاطر التي يجرّها قرار المضي في الحرب.(27)  كما أن الفكرة القائلة إن شخصية بوش هي التي تفسر سلوكه، هي فكرة أقل قبولاً وأن تلك كانت فرصة للقضاء على صورته "كشخصية ضعيفة".(28)  إنه لمن الغرابة أن نبرهن على أن صاحب الشخصية العاجزة لا يتصرف كعاجز، كونه عاجزاً!(29)

ما تنطوي عليه الشروح التقليدية

إن معظم الشروح التقليدية حول السلوك الأميركي في أزمة الخليج تنطوي على ثغرات خطيرة. ومع هذا، فمن الصعب الاعتقاد أن النفط لم يكن عاملاً وأن إسرائيل لم تكن قضية ذات شأن، أو أن المؤسسة العسكرية أيضاً لم تلعب دوراً مهماً في هذا المسار.

فكيف يمكن للمرء أن يسوّي هذه القضايا مع وقائع القرارات الأميركية؟ إنني أعرض في القسم التالي تفسيراً بديلاً من سلوك الولايات المتحدة يرتكز على بعض القوى المحركة المتوقعة والتي تأخذ في الاعتبار الدور المحتمل لهذه القضايا.

وتكمن قوة هذا الشرح النسبية في موضعين: إنها تقضي على بعض العيوب في الشروح الأخرى، والأهم، أنها تركز على افتراضات هي دون تلك التي وردت في الشروح الأخرى. فإذا جاء العرض على نحو مختلف، حتى بمعزل عن أي من الدوافع التي تعزوها الشروح التقليدية إلى إدارة بوش عن النهج الذي سلكته إزاء أزمة الخليج، فإن فرضيات أساسية قليلة تفسّر سلوك هذه الإدارة. أضف إلى ذلك، أن الدلائل المقدمة عن العواطف الإقليمية قبل الأزمة الخليجية وفي أثنائها تدعم هذه الفكرة وتتحدى بعض الافتراضات الواسعة القبول حول العلاقات العراقية ـ الأميركية.

القرارات الأميركية في أزمة الخليج

إنه لمن المفيد دراسة أسباب التوتر في العلاقات العراقية ـ الأميركية فالنهاية المفاجئة للحرب العراقية ـ الإيرانية خلفت العراق دولة منتصرة، والعلاقات العراقية ـ الأميركية على أفضل ما يرام منذ عشرات السنين. وكانت سياسة الإدارة الأميركية الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والسياسية مع العراق وتنميتها. إنما كان هناك دائماً منتقدون لهذه العلاقات داخل الكونغرس. لقد أسهمت الدعاية السلبية حول استخدام العراق الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد في هذا الانتقاد. وفضلاً عن ذلك، فإن مناصري نظرية "إسرائيل" في السياسة الخارجية الأميركية أشاروا، بحق، إلى أن مؤيدي "إسرائيل" داخل الجسم الإعلامي والكونغرس قادوا حملة الانتقاد هذه لعلاقات الولايات المتحدة مع العراق.(30)  ومع هذا، فإن معظم هذه الانتقادات لم تؤثر بشكل جدّي في العلاقات العراقية ـ الأميركية حتى بداية سنة 1990.

هناك سلسلة من التصريحات العراقية وردت على أعلى المستويات لفتت انتباه واشنطن وولّدت قلقاً جدّياً إزاء السياسة العراقية. ومما أثار حقاً القلق الكبير لدى الرسميين الأميركيين، الخطاب المهم الذي ألقاه الرئيس العراقي صدام حسين في مجلس التعاون العربي في عمان بالأردن في شباط/فبراير 1990.(31)  واحتوى هذا الخطاب الكثير من الكلام الذي من شأنه عادة أن يحرك مناصري إسرائيل. لكن أجزاء أخرى من هذا الخطاب رددتها تصريحات عراقية أخرى أثارت غضب الكثير من الرسميين الأميركيين بمن فيهم أولئك الذين لا يعتبرون إسرائيل قضية أساسية. فقد حذّر الرئيس العراقي زملاءه العرب مما ينتابه من مخاوف حيال الهيمنة الأميركية بعد ضعف الاتحاد السوفياتي، وتحدى وجود الأسطول الأميركي في الخليج العربي محذراً: "إذا لم تتدارك الشعوب الخليجية مع بقية العرب هذا الأمر فإن منطقة الخليج العربي ستحكمها إرادة الولايات المتحدة".(32)  واقترح نقل الاستثمارات العربية في الولايات المتحدة إلى أماكن أخرى: "تماماً كما تتحكم إسرائيل بمصالح لها تستخدمها للضغط على إدارة الولايات المتحدة، كذلك يمكن لمئات المليارات التي يوظفها العرب في الولايات المتحدة وفي الغرب أن تستخدم على نحو مماثل. وبالإمكان فعلاً، تحويل بعض هذه الاستثمارات إلى الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية".

[سواء أكانت] إسرائيل [مستهدفة] أم لا، أدت هذه التصريحات حتماً إلى رفع الرايات الحمر في واشنطن، وتسببت في إعادة النظر في العلاقات مع العراق. كما ظهرت طوال ربيع سنة 1990 تصريحات إضافية معادية للولايات المتحدة حتى خارج إطار قضية إسرائيل. فقد انصب الإعلام الشعبي خلال تلك الفترة على التصريحات العراقية المتعلقة بإسرائيل: تقارير عن قدرات العراق في الصواريخ الموجهة والأسلحة الكيماوية: تصريح لصدام حسين عن امتلاكه القدرة على "حرق نصف إسرائيل"؛ تقارير أخرى عن التجربة العراقية لإطلاق مركبة إلى الفضاء.

في الوقت الذي سعى فيه مؤيدو إسرائيل إلى إحداث معارضة شعبية ضد العراق في أثناء هذه الفترة، كان هناك قلق أميركي حقيقي من التهديدات العراقية المحتملة إزاء السياسة الأميركية الأعم في المنطقة والتي تتجاوز قضية إسرائيل. ففي ختام مؤتمر القمة في بغداد في نهاية أيار/مايو اتضح جلياً أن التصريحات العراقية التي صدرت في أوائل العام لم تكن مجرد انحرافات وهمية، إنما كانت إشارة إلى طموحات عراقية أوسع: "لا يمكن الفصل بين أي اعتداء إسرائيلي على الأمة العربية وبين الرغبة الإمبريالية الأميركية في هذا الصدد. إنني أستعمل كلمة إمبريالية هنا فقط. ففي الواقع لم أستخدم هذه الكلمة منذ فترة طويلة، لكن عندما اطّلعت على مذكرة تقدمت بها مجموعة تعمل في وزارة الخارجية الأميركية وتشير إلى أنه سينبغي علينا عدم استعمال كلمة إمبريالية، قررت أن أستعملها".(33)  في حين اعتقد البعض في الإدارة الأميركية أن العلاقات العراقية ـ الأميركية لم تصل بعد إلى حد يتعذر معه إصلاحها، واعتبر آخرون أن قسماً كبيراً من الأقوال العراقية العدائية نشأت من موقف الولايات المتحدة من الصراع العربي - الإسرائيلي، إلا إن معظمهم شعر بالقلق. في هذا الوقت وحتى قبل اجتياح العراقيين الكويت كانت انتقادات بعض أعضاء الكونغرس في تصاعد ضد سياسة الحكومة مشبهة صدام حسين بهتلر.(34)

وفي حين لم تسرع الإدارة إلى قطع الروابط بالعراق، إلا إن العلاقات لم تبق حميمة وطبيعية. وكان الإدراك العام في العراق وفي الدول العربية الأخرى في ربيع وصيف سنة 1990، أن الولايات المتحدة ليست في طور "استرضاء العراق"، إنما في طور التمهيد لحملة تدمير للعراق، مباشرة أو بواسطة إسرائيل. وقد شاطر هذا الرأي في بعض الدول العربية عدد كبير من أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة بما فيهم الكويت التي أوصت بسياسة أكثر تسامحاً إزاء العراق (بعض هذه الدول انضم لاحقاً إلى الائتلاف المناهض للعراق).(35)  وبالمقارنة مع الاتهام العام لسياسة الاسترضاء التي تنتهجها الولايات المتحدة نشرت الصحف العراقية في حزيران/يونيو 1990: "إن الولايات المتحدة في وارد إطلاق حملة غير عادلة ضد العراق الشامخ".(36)  إن إذاعة صوت فلسطين من بغداد التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية استنتجت أن واشنطن وتل أبيب تحضران لحرب جديدة.(37)  وأعلن عصمت عبد المجيد وزير الخارجية المصرية أن "مصر تثبت من جديد تأييدها الكامل للعراق وللرئيس صدام حسين ضد الحملة التعسفية وغير العادلة التي يتعرض لها العراق منذ سنة 1981".(38)

إن النظرية القائلة إن الولايات المتحدة أطالت الحبل الكافي للعراق كي يشنق به نفسه ليست مقبولة، حتى لو أخذنا بالمعنى الظاهري للمحادثات التي جرت بين صدام حسين وإبريل غلاسبي، سفيرة الولايات المتحدة إلى بغداد قبل بضعة أيام من اجتياح العراق الكويت. كما أن من غير المحتمل، خاصة إذا روعي المناخ السائد منذ أشهر عديدة، أن يكون القرار العراقي باجتياح الكويت توقف نوعاً ما على محادثات منفردة مع سفيرة الولايات المتحدة. ومن غير المحتمل أيضاً أن تكون فصول هذه العملية السياسية والعسكرية المعقدة، قد رتبت ارتجالاً. هناك دلائل كثيرة على أن العراق توقّع ردّاً أميركياً عنيفاً، ولأشهر مضت كان العراقيون يرددون أن نهاية الحرب الباردة سوف تمكّن الولايات المتحدة من التدخل في المنطقة بفاعلية أكبر، كما جاء على لسان الرئيس العراقي في شباط/فبراير 1990: "أصبح واضحاً للجميع أن الولايات المتحدة ارتفعت إلى موقع متفوق في السياسة الدولية"، مضيفاً: "إن الولايات المتحدة ستستمر في الخروج على الضوابط التي تحكم بقية دول العالم خلال السنوات الخمس المقبلة حتى تتكون قوى موازية جديدة. كما أن السلوك غير المنضبط واللامسؤول سيولد العداء والحقد فيما لو ركبت رأسها وقامت بحماقات مرفوضة".(39)  وختم صدام حسين محذراً زملاءه: "لا يوجد مكان بيننا لهؤلاء الذين يغفلون عن ملاحظة التطورات الحديثة التي زادت من قوة الولايات المتحدة، مما يشجعها على احتمال ارتكاب حماقات ضد مصالح العرب وأمنهم القومي".

إن سوء تقديرات العراق، عندما وقعت الحرب، لم يكن بصدد الرد الأميركي، إنما بصدد الرد العربي والسوفياتي. فقد قدّر العراقيون أنه في ضوء الشعور العدائي تجاه الأميركيين الذي عمّ المنطقة في ربيع وصيف 1990، لأسباب لها صلة بالصراع العربي - الإسرائيلي،(40)  فإن من غير المتوقع أن تسمح الحكومات العربية الضعيفة بالتعاون العربي مع حملة عسكرية أميركية ضد دولة عربية أخرى؛(41)  ومن دون مؤازرة العرب لن ينجح التدخل الأميركي.(42)  أضف إلى ذلك أن العراق، ومن قبيل الاحتمال كان مدركاً الشعور المناهض للأميركيين في العالم العربي كرادع لتدخل أميركي فاعل، وقد صمم استراتيجية تزيد هذا الشعور تفاقماً عشية غزو الكويت.(43)  وهناك أيضاً دليل واضح على سوء تقديرات العراق حيال ردة الفعل السوفياتية.(44) 

حتى لو طُرحت قضية إسرائيل جانباً، فالتوتر بين العراق والولايات المتحدة كان في تصاعد منذ مطلع صيف سنة 1990، وكانت الإدارة الأميركية في موقع الدفاع، بشكل متزايد، في الكونغرس وفي الإعلام، في شأن سياستها إزاء العراق. وهيأ هذا المناخ المجال لردة فعل أميركية بعد الاجتياح العراقي المفاجئ للكويت. 

ردة الفعل الأميركية على الاجتياح العراقي

كانت هناك ثلاث مراحل مختلفة في صنع القرار الأميركي خلال أزمة الخليج، ونشأ كل قرار منها عن مجموعات مختلفة من الاعتبارات. فقد تضمنت المرحلة الأولى القرارات الفورية التي اتخذت في إثر الاجتياح العراقي في 2 آب/أغسطس وتعلقت المرحلة الثانية بالقرارات التي اتُخذت في تشرين الأول/أكتوبر ـ تشرين الثاني/نوفمبر والتي أدت إلى زيادة كبيرة في الانتشار الأميركي؛ أما المرحلة الثالثة فاختصت بالقرار النهائي لاستخدام القوة. وفي مناقشتي لكل من هذه المراحل على حدة، سأقدم الدليل على وجود بعض الميول الأميركية المتوقعة: وقد سبق القرار، في كل وضع منها، ترابط كامل بين الأهداف، وأن كل قرار جعل من القرار اللاحق أمراً أكثر احتمالاً.

المرحلة الأولى

واجه البيت الأبيض مأزقاً عقب الاجتياح العراقي للكويت. وكان الرئيس في موقع الحذر من علاقاته مع العراق. فقد أخفق في التنبؤ بالاجتياح، وهو الآن يواجه احتمال تجاوز الهجوم العراقي إلى ما وراء الكويت، باتجاه منطقة كانت تعتبرها الولايات المتحدة ذات أهمية حيوية.

وكان على الرئيس أن يقوم بردّ حاسم. ويبقى السؤال: ما نوع الرد؟ ولما كانت المشكلة الفورية عسكرية، أي أهداف القوات العسكرية العراقية والتهديد الفوري لحلفاء أميركا الآخرين، فقد طُلب من المؤسسات العسكرية والاستخبارية تقديم تقويم فوري. وبالتالي وجب بحث هذا التقويم المحتمل لهاتين المؤسستين لفترة ما بعد 2 آب/أغسطس 1990.

وكان موقف المؤسستين العسكرية والاستخبارية حرجاً. لقد أخفقتا في توقع غزو الكويت والتحضير للمقاومة. حتى لو لم يكونا في موقع الدفاع داخل الكونغرس الذي كان يدعو إلى خفض كبير في ميزانيتيهما في إثر انهيار الاتحاد السوفياتي، فإنه ليس من الصعب التكهن بما قد يكون هذان التقويمان. وبصرف النظر عن الوقائع العسكرية، لم يسع الضباط العسكريون إلى الإخفاق في التكهن بإمكانية تجاوز العراقيين الكويت.(45)  

وعندما حذّر المستشارون العسكريون للرئيس من احتمال توغل العراق وراء الكويت، لم يعد في وسع الرئيس تجنب القرار في نشر القوات الأميركية. فلو فشل في توقع اعتداء عراقي آخر واتخاذ الخطوات لمقاومته، لأصبحت رئاسته في خطر. فقرار نشر القوات الأميركية جاء بالتالي شبه آلي وسبق الرؤية الواضحة للأهداف المحددة لهذا الانتشار الذي تطور بتطور الأزمة.(46)  ويبقى السؤال قائماً حول حجم الانتشار وشكله.

كانت طبيعة الانتشار العسكري للولايات المتحدة قررتها بسرعة قوى محرّكة إجرائية ومؤسساتية. فقد أخذت المؤسسة العسكرية عبرة من التجربة الفييتنامية حول تفادي التدخل التدريجي والحروب الطويلة الأمد. كما كانت استنتاجات إدارتي ريغان وبوش حيال التدخل العسكري أكثر حداثة بالنسبة إلى الرئيس وإلى بعض مستشاريه.

وبعد فشل القوات الأميركية في الانتشار في لبنان سنة 1982، اعتمدت حكومة ريغان مجموعة من المبادئ "لإرشاد أميركا في تطبيق مبدأ القوة في الخارج". وتضمنت هذه السياسة المبدأين التاليين:

1 ـ يترتب على الولايات المتحدة ألا تقحم قواتها في عمل عسكري وراء البحار إلا إذا كانت القضية حيوية لمصالحها.

2 ـ إذا اتُخذ قرار توريط قواتنا لتحارب في الخارج، فينبغي أن يحدث ذلك بنيّة ودعم واضحين للفوز. وينبغي ألاّ يشوب هذا الالتزام أي تردد أو حذر، وأن يكون له أهداف محددة بوضوح وواقعية.(47)

وحالما اتُّخذ القرار بالانتشار العسكري الواسع النطاق أصبحت المشكلة الفورية سياسية أكثر منها عسكرية. أولاً: مهما ساورت الإدارة الشكوك في خطط العراق الفعلية ونواياه، فعند اتخاذ القرار بالتدخل العسكري صارت المشكلة مسألة تنفيذ. وكي يجري تنفيذ قرار خطير وصعب كالذي واجهته الإدارة، فإن ذلك يتطلب جهوداً داخلية ودولية؛ ومهما كانت الوقائع غامضة، فإن تسويق قرار كهذا بشكل حاسم يستوجب إبراز التأكيدات وربما تضمينها مبالغات على الساحتين الداخلية والدولية.(48)  ثانياً: كانت إدارة بوش بحاجة إلى تأمين الشرعية الدولية والإقليمية لهذا الانتشار مع إدراكها عداء الرأي العام العربي لوجود قوات أجنبية على الأراضي العربية. فكانت الجهود المبذولة تتوقع الحصول على تأييد الدول العربية المرتبكة وأعضاء آخرين في الأمم المتحدة. وكان الإجماع الدولي الأول سهل التأليف نسبياً: إن اجتياح العراق الكويت كان انتهاكاً فاضحاً لشرعة الأمم المتحدة. إذ من غير المحتمل بتاتاً أن ترضى دول صغيرة أن يبتلع جار قوي دولة ضعيفة، وكانت لهذه الدول الدوافع لأن تتوافق مع الولايات المتحدة. وهذا ما يفسّر السرعة والإجماع في اتخاذ قرار الأمم المتحدة رقم 660 الذي شجب الاجتياح العراقي في اليوم نفسه الذي وقع فيه، ثم تبعه القرار 661 بتاريخ 6 آب/أغسطس بفرض عقوبات على العراق.

واجهت الدول العربية، كمصر والسعودية وسوريا، موقفاً حرجاً. ففي حال سمحت للعراق أن يسود، فهذا يعني اضطرارها إلى مواجهة عراق أشد قوة في المنطقة وتقليل الضوابط السياسية لاستخدام إسرائيل القوة وهي المهيمنة عسكرياً. أما في حال اتخذت موقفاً معارضاً للائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة وسادت الولايات المتحدة، فستكون في الجانب الخاسر، وبالتالي ستعاني العواقب مفتقرة إلى حماية دولية. وهكذا، وعلى الرغم من فحص مؤلم للضمير، وقلق من ردة فعل الرأي العام العربي، فقد كان لجهود الولايات المتحدة في المرحلة الأولى حظ كبير في النجاح.(49)

خواطر عن المرحلة الأولى

ما هي الاستنتاجات التحليلية التي يمكن التوصل إليها من القرارات الأميركية في المرحلة الأولى؟ ما هي المتغيرات المحسوبة على تلك القرارات؟ إن العرض الضمني في هذا الطرح القائل إنه كان على إدارة بوش الرد "القوي" على اجتياح العراق الكويت. يستند إلى فرضيتين: الأولى أن واشنطن والشعب الأميركي اعتبرا منطقة الخليج العربي ذات أهمية حيوية، والثانية أن واشنطن والشعب الأميركي نظرا إلى العراق كمصدر تهديد، حتى قبل اجتياحه الكويت.(50)  وشملت هاتان الفرضيتان بالفعل النفط وإسرائيل، لكن ليس بالطريقة المباشرة التي تصورها الكثيرون. فقد اعتبرت الولايات المتحدة منطقة الخليج العربي حيوية بسبب النفط. وعندما طرأت الأزمة تصرفت الولايات المتحدة كما تتصرف الحكومات في أوضاع مماثلة: لم تقم فجأة بإعادة تقويم هل أن المنطقة حيوية أم لا، بل تصرفت على افتراض أنها كذلك.

وكان النفط السبب الذي قاد إلى كيفية تحديد الولايات المتحدة مصالحها في المنطقة، وليس نتيجة حسابات عقلانية محددة متعلقة بأزمة آب/أغسطس 1990. وارتبط الانتشار العسكري باعتباره أداة لردة الفعل الأميركية بالسلوك العراقي الفعلي.

إن العراق بمفاجأته الأسرة الدولية، حال دون تفكير القيادتين العسكرية والسياسية الأميركية بغير الأسوأ حيال أهدافه المستقبلية. وهذا ما حتّم انتشاراً عسكرياً قوياً بالمقارنة مع المبادرات السياسية الصرف.

ويوحي هذا التحليل بأن ردة الفعل الأميركية الأولى تجاه الغزو العراقي للكويت كانت متوقعة نوعاً ما، من دون الإشارة إلى أهداف أخرى يمكن أن تكون بحوزة الولايات المتحدة. غير أن ذلك لم يَحُل دون تمكن صانعي القرار من استكشاف خيارات عدة منذ بداية الأزمة.(51) بيد أن هذا يستلزم التكهن فعلاً باحتمال انتشار أول للقوات الأميركية حتى بمعزل عن وجود أهداف إضافية.

المرحلة الثانية

إن انتشار القوات الأميركية في الخليج، في أثناء المرحلة الأولى، أزال الإمكانية الفورية لتوغل العراق وراء الكويت. ومع فرض عقوبات دولية إضافية على العراق لم يعد هناك حاجة ملحة لاستخدام القوة. وكان الشعور العام بأن الزمن يعمل ضد العراق: سوف تؤثر العقوبات اقتصادياً، وحتى إذا وجب شن حرب لاحقاً، فإن القوات العراقية ستضعف نتيجة للنقص في قطع الغيار. فلماذا إذن قررت الإدارة الأميركية في تشرين الأول/أكتوبر ـ تشرين الثاني/نوفمبر 1990 مضاعفة قواتها في المنطقة؟ إن الصراع الذي لم يكن يراد له أن "يرتبط" بأزمة الخليج، قد هيأ فعلاً الربط الذي أدّى إلى استخدام القوة.

فالمجابهة التي حصلت مع العراق خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الأزمة، كانت في الأساس سياسية. فالرأي العام، وهو السلاح الأقوى في المنطقة، كان إلى جانب الرئيس العراقي. والقضية الأكثر أهمية بين يديه كانت فلسطين، المصدر الرئيس للعداء العربي الشعبي حيال السياسة الخارجية الأميركية. فقد حاول الزعيم العراقي في الحال تركيز الاهتمام الإقليمي والدولي على هذه القضية، وسعى إلى تسليط الأضواء على اعتماد أميركا "سياسة الانحياز" في تطبيق مبادئ الأمم المتحدة فيما يتعلق بإسرائيل والدول العربية؛(52)  إذ إن أعضاء الائتلاف صمموا على حرمانه هذا "الربط" في جهودهم تلك حتى تشرين الأول/أكتوبر 1990.(53)

وفّرت أحداث الجبهة العربيةـ الإسرائيلية تحدياً خطيراً للتماسك الائتلافي وحولت الأنظار عن أزمة الخليج. فقد أسفرت الصدامات التي وقعت بين الشرطة الإسرائيلية والمصلّين الفلسطينيين في الحرم القدسي الشريف في 18 تشرين الأول/أكتوبر 1990، عن مقتل 17 فلسطينياً وجرح ما يزيد على المئة، وخلقت ترابطاً حتمياً بين أزمة الخليج والصراع العربي - الإسرائيلي، مما زوّد الزعيم العراقي بالسلاح الذي كان يسعى إليه، وهو تركيز الرأي العام على السياسة الأميركية إزاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي. فطوال تشرين الأول/أكتوبر احتلت أحداث القدس صدارة الأنباء بدلاً من أزمة الخليج، بينما رصد العرب سلوك أميركا بدقة.(54)     

شكل صدور قرار مجلس الأمن رقم 672 في 12 تشرين الأول/أكتوبر 1990 بموافقة الولايات المتحدة نصراً دبلوماسياً للولايات المتحدة، مع أن القرار استنكر "أعمال العنف التي ارتكبتها قوات الشرطة الإسرائيلية". وطلب من الأمين العام للأمم المتحدة رفع تقرير إلى مجلس الأمن قبل نهاية تشرين الأول/أكتوبر 1990، إلا إن القرار كان بعيداً جداً عن إدانة إسرائيل كما ورد في القرار الذي اقترحه سبعة أعضاء في مجلس الأمن في 9 تشرين الأول/أكتوبر 1990، والذي كان يحظى بتأييد الكثيرين من حلفاء الولايات المتحدة.

وربما ظن بعض الرسميين في الإدارة، لأنهم تحاشوا مواجهة خطيرة مع حلفائهم العرب، أن القضية الأسوأ، وهي "الربط" بين أزمة الخليج والصراع العربي ـ الإسرائيلي، قد أصبحت ماضياً. فحتى 20 تشرين الأول/أكتوبر كانت الولايات المتحدة تسعى إلى تمرير مشروع قرار في مجلس الأمن يعود إلى جمع الأدلة عن الجرائم التي اقترفها العراق، وهو تحرك "رأت واشنطن فيه وسيلة لنقل الاهتمام العالمي بعيداً عن الخلاف الذي نشب في هيئة الأمم حول إسرائيل".(55)  وهذا الأمر قد يفسر تراجع حماسة واشنطن خلال الأيام التالية: ففي 22 تشرين الأول/أكتوبر أبلغ الجنرال كولين باول إلى الجنرال شوارتزكوف أنه "منذ عشرة أيام كان (المناخ في واشنطن) يُؤَيّد الهجوم العسكري؛ وخلال الأربعة أو الخمسة أيام الماضية كان الناس يتحدثون عن إعطاء العقوبات مهلة كي تفعل فعلها."(56)

لكن الأزمة لم تكن لتتلاشى. إذ إن الحكومة الإسرائيلية رفضت قرار مجلس الأمن رقم 672. ولأن المهمة الخاصة بالعراق تتعلق بتطبيق قرارات الأمم المتحدة، فإن موقف إسرائيل خلق توتراً في الائتلاف واتهامات "بالسياسة المنحازة" من العالم العربي.(57)  وفي هذه الأثناء تواصلت الصدامات في القدس، وفي 24 تشرين الأول/أكتوبر أصدر مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار رقم 673 أسف فيه لـِ "رفض الحكومة الإسرائيلية استقبال موفد الأمين العام إلى المنطقة"، وطلب من الأمين العام رفع تقرير في موعد أقصاه 31 تشرين الأول/أكتوبر. فخلال أيام تحدّت إسرائيل بقوة قرارين لمجلس الأمن صدرا بالإجماع، على الرغم من نداء أصدره بوش شخصياً من أجل التعاون.(58)

وعلى الرغم من صعوبة التكهن بمسار الرأي العام حيال نتائج الأزمة الفلسطينية ـ الإسرائيلية في تشرين الأول/أكتوبر، فقد وقعت أحداث عديدة في العالم العربي كانت مقلقة للغاية من وجهة نظر الإدارة الأميركية. فقد اغتيل رفعت المحجوب رئيس البرلمان المصري في 12 تشرين الأول/أكتوبر، وهو اليوم ذاته الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 672.(59)  وربما كان أشدَّ قلقاً، التصريحُ الذي أدلى به في 22 تشرين الأول/أكتوبر وزير الدفاع السعودي، الأمير سلطان بن عبد العزيز، حيث اقترح إمكانية تسوية النزاع مع العراق عن طريق منحه جزيرتي وربة وبوبيان، وهو اقتراح يتناقض والسياسة الأميركية.(60)

وفي اليوم نفسه صرح الصحافيان رولاند إيفانز وروبرت نوفاك، في سياق مراقبتهما المتاعب الحاصلة في الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة والتي زادها تعقيداً الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أن "الاستخبارات الأميركية CIA بصدد دراسة تقارير موثوق فيها تشير إلى أن قرار الرئيس السوري حافظ الأسد إرسال قوات لتنضم إلى الائتلاف أخذ يثير مضاعفات سياسية خطيرة قد تُحدث تمرداً في قيادة الجيش". وخلص إيفانز ونوفاك إلى القول: "ذلك يوحي بأن الوقت قد لا يكون حليفاً كلما أحكمت العقوبات الخناق حول صدام". فيمكن لعامل الوقت أن يثبت نقيض ذلك في الوقت الذي تهدد الضغوطات داخل الائتلاف بتمزيقه".(61)  

فالمأزق الذي واجهته الإدارة الأميركية كان ما يلي: هناك الحاجة إلى صون الإجماع الدولي تجاه أزمة الخليج، وهي مهمة تبدو شاقة بالنظر إلى أمر واقع هو عدم اتفاق وجهات النظر بين الولايات المتحدة وأكثرية أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حيال المشاكل العربية - الإسرائيلية. فقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد أكثرية دولية في مناسبات عدة كي تحمي مصالح إسرائيل. وفي هذه المرة أيضاً كانت أكثرية أعضاء مجلس الأمن مستعدة لاتخاذ إجراءات صارمة ضد إسرائيل. فلا يمكن الولايات المتحدة أن تعارض الإجماع الدولي حيال هذه المسألة، وتحافظ في الوقت نفسه على الإجماع ضد العراق. ومع هذا، واجهت الإدارة مهمة داخلية شاقة في ضمان تأييد كونغرس غير راغب وشعب منقسم.(62)  وهذه المهمة الداخلية عملت ضد المهمة الدولية: إن معاقبة إسرائيل ستحظى بتأييد دولي لكنها ستولد متاعب داخل الكونغرس. وكان على الإدارة الأميركية في مواجهة هذه الأزمة غير المتوقعة أن تجند جميع قدراتها الدبلوماسية لتحافظ على التوازن الحساس بين الحلبتين الداخلية والدولية، وقد نجحت في تفادي الانهيار الفوري. غير أن قدرتها على معالجة أزمة متداخلة على الجبهة العربية - الإسرائيلية كانت قد قلَّت. وفضلاً عن ذلك، فالإرجاء فقط كان وراء تلافي المجابهة الفورية مع إسرائيل: ففي 31 تشرين الأول/أكتوبر، وكما هو مطلوب في القرار رقم 672، رفع الأمين العام للأمم المتحدة تقريره إلى مجلس الأمن دعا فيه إلى اجتماع لمؤتمر جنيف من أجل عرض مسألة معاملة إسرائيل المدنيين الفلسطينيين.

لم تكن هذه القضية على وشك الزوال. ففي اليوم ذاته اتصل الجنرال كولين باول بشوارتزكوف هاتفياً مبلغاً إياه النبأ التالي: اتخذ الرئيس قراراً. في نهاية الأسبوع المقبل سيحضر جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركية كي يطلب من الملك فهد وحلفائنا الآخرين الموافقة على عمليات الهجوم.(63)

أدت الأزمة الإسرائيلية ـ الفلسطينية في تشرين الأول/أكتوبر 1990 إلى استنتاج أميركي واضح: صار عامل الوقت ليس ضد العراق، والإجماع الدولي الذي كان يعتبر جوهرياً بالنسبة إلى استراتيجية فاعلة لإلزام العراق بالانسحاب قد لا يصمد أمام أزمة مماثلة أخرى. فعند الإدلاء بشهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، صرح ريتشارد تشيني وزير الدفاع لاحقاً: "من المستحسن جداً أن نعالج الآن [صدام] بينما وضع الائتلاف [الدولي ضد العراق] سليم؛ وتدعمنا الأمم المتحدة في حين ترابط قوات عسكرية تابعة لست وعشرين دولة أخرى في الخليج".(64)

ونتيجة لهذه الحسابات كان يجب الإسراع في برمجة الحسم مع العراق. ولو لم يُتخذ قرارٌ آنذاك باستخدام القوة لكان صحّ القول بضرورة زيادة انتشار القوات، إذ ينبغي حل الأزمة بسرعة سياسياً أو عسكرياً، وفي كلتا الحالتين يجب تكثيف الانتشار العسكري. فلو كانت هناك سانحة لأن ينسحب العراق سلمياً فإن عرضاً للقوة العسكرية سيقنعه بالقيام بذلك على وجه السرعة. وفي حال لم ينسحب العراق سلمياً سيكون للائتلاف القوة الكافية لإحراز نصر سريع. فالحكم بأن عامل الوقت هو لمصلحة العراق من جراء الضعف السياسي في الائتلاف قد رجّح كفة القرار الداعي إلى زيادة انتشار القوات.

إن قرار تصعيد الانتشار العسكري وبرمجة المجابهة مع العراق نشأ، بالتالي، جوهرياً من التوتر المتأصل في الموقف الأميركي إزاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والخاص بالاعتبارات الداخلية والدولية. فهذا يعني أن قضية إسرائيل كانت جوهرية في اتخاذ القرار بتسريع المجابهة، حتى لو كانت الولايات المتحدة تسعى جاهدة لتلافي أي ربط بين هذه القضية وأزمة الخليج. ولا يستثنى من هذا الاستنتاج التقلبات المستجدة التي دعت إلى التصعيد، كالاعتبارات العسكرية التكتيكية.(65)  وحيث كانت الدوائر الرسمية منقسمة فيما بينها حول استخدام القوة، فقد كان متوقعاً من أولئك الذين يفضلون الحل العسكري على التسوية السياسية أن يستخدموا أطروحات تكتيكية إضافية. وفي مطلق الأحوال، لم يكن في إمكان الإدارة الأميركية تجاهل التهديد الذي يحمله الصراع العربي ـ الإسرائيلي المتقلّب على الإجماع الدولي.

المرحلة الثالثة

بقطع النظر عن إمكانية حصول تسوية سياسية أو عسكرية، كانت هناك حاجة إلى دعم انتشار القوات بتفويض دولي وداخلي لاستخدام القوة من أجل إبراز وجود "تهديد حقيقي" من الناحية القانونية. فقد اعتبرت الإدارة أنها تملك الحق في استخدام القوة من دون قرارات إضافية من الأمم المتحدة. ومن وجهة النظر الأميركية، فالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تعطي هذا التفويض اللازم. واعتقدت الإدارة كذلك أن للرئيس الحق في استخدام القوة من دون تفويض من الكونغرس. ومع هذا، فالإدارة الأميركية كانت بحاجة إلى قرار جديد من مجلس الأمن يمنحها تفويضاً باستخدام القوة لأسباب سياسية. وقد أمِلت الإدارة في أن مثل هذا القرار سيُقنع أعضاء الكونغرس بدعم موقفها،(66)  كما سيقنع صدام حسين بأن التهديد حقيقي. وسيزود غطاءً دولياً شرعياً إذا ما تقرر استخدام القوة.

ضمنت الإدارة بجهودها الدبلوماسية الشرعية الدولية لاستخدام القوة في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1990 عند صدور قرار الأمم المتحدة رقم 678 الذي يفوض الدول الأعضاء التعاون مع الكويت لاستخدام جميع الوسائل المتوافرة إذا لم يطبق العراق القرار 660 حتى 15 كانون الثاني/يناير 1991. فهذا الإجماع الذين انضم إليه الاتحاد السوفياتي وفرنسا، ساعد في تكوين حجة مفادها موافقة الكونغرس التي كان قد تم الحصول عليها بأكثرية ضئيلة مترددة في 12 كانون الثاني/يناير. وعلى الرغم من مظاهر التأييد الدولي أكثر منه الداخلي لاستخدام القوة، فالدوافع في كلّ من الحالتين مختلفة. فالدول التي وجدت صعوبة في تأييد استخدام القوة ضد العراق برّرت تأييدها القرار 678 بأنها رأت فيه الوسيلة الوحيدة لإقناع العراق بأن الأسرة الدولية كانت جادة، وهذا ما يجعل الحل السياسي أكثر احتمالاً.(67)  لم يكن هناك شكوك في قدرة الولايات المتحدة على استخدام القوة على نحو ناجح. وأمِلت هذه الدول أن يشاطر العراق هذا التقويم. أما داخلياً فكانت الصورة مختلفة: فمعظم أولئك الذين عارضوا استخدام القوة هالتهم كلفة العملية العسكرية، واعتقدوا أن نتيجتها غير مضمونة. وبعد العملية العسكرية الناجحة أسرع عدد كبير من المعارضين لاستخدام القوة إلى التأكيد أنهم لو أدركوا مدى فاعلية الخيار العسكري لما ترددوا في الموافقة عليه.

من البديهي أن تكون بواعث الشك لدى الإدارة الأميركية مختلفة. فقد كانت الإدارة مطلعة على المعلومات التكتيكية والاستراتيجية العليا حول أوضاع القوى في الخليج، مما زاد في تفاؤلها بنتائج العمليات العسكرية. ففي تشرين الأول/أكتوبر صار برنت سكاوكروفت مستشار الأمن القومي وتشيني وزير الدفاع أكثر اقتناعاً بأن للعمليات العسكرية القدرة على طرد العراق من الكويت من دون كلفة كبيرة.(68)  وقد أكد رسميون في الإدارة خلال دفاعهم عن استخدام القوة أن حرباً في الخليج، بخلاف فييتام، ستكون سريعة وحاسمة. كما دافع تشيني مثلاً عن رأيه في أن نتيجة العقوبات غير مضمونة بينما نجاح الخيار العسكري مؤكد.(69)

في الوقت الذي ظهر الخيار العسكري أقلّ خطراً بالنسبة إلى الإدارة، قللت المخاطر السياسية الناجمة عن عقوبات طويلة الأمد والشك في النفوذ العراقي في المستقبل، حتى لو انسحب العراق من دون حرب، من الرغبة في هذا الخيار. وسواء قرر الرئيس ومستشاروه أم لم يقرروا أن الحرب كانت الخيار المفضّل قبل كانون الثاني/يناير، فإن الزخم اتجه فعلاً نحو الخيار العسكري في تشرين الثاني/نوفمبر بسبب الاستنتاج أن عامل الوقت يعمل لمصلحة العراق، وبسبب التقويمات حول الأخطار والشكوك.

لم يكن القرار الأميركي النهائي باستخدام القوة مستقلاً عن السلوك العراقي. فلو سحب العراق قواته من الكويت قبل 15 كانون الثاني/يناير 1991، لكانت حسابات الولايات المتحدة تغيرت. من الواضح أن العراقيين كانوا متأكدين من أن العقوبات الدولية والضغط الأميركي ربما لن تتوقف حتى لو انسحبوا. وأسهمت التقارير المتسربة والتي تحدثت على لسان رسميين في الإدارة في [تعزيز] الشكوك العراقية في أن العقوبات ستستمر حتى لو انسحب العراق(70)  وحتى لو كانت هذه التقارير دقيقة فإنها لم تشر، بالضرورة، إلى أن قراراً اتخذ باستخدام القوة.

بما أنه كان يوجد منذ البداية مجندون للخيار العسكري داخل الدوائر الرسمية، فربما تصرف هؤلاء الرسميون، غير المذكورة أسماؤهم، بصورة مستقلة. وفضلاً عن ذلك، ونظراً للتأكيدات حول النصر العسكري، فإن الخيار العسكري الوحيد الذي ترضى عنه الإدارة الأميركية كان ذاك الذي لا يمنح أي تنازلات للعراق. وهذا ما يفسّر صلابة موقف الإدارة في معارضة منح صدام حسين أي حل من شأنه "إنقاذ ماء الوجه" وفق الاقتراح الذي قدمه الموفد السوفياتي بريماكوف. فسواء صممت الإدارة على استخدام القوة أم لا، فإن الاستراتيجية السياسية كانت ستبقى هي نفسها: وكان يترتب على الحكومة العراقية أن تختار بين الإذلال السياسي والإذلال العسكري، لأنه لم يكن ليسع الإدارة القبول بأقل من ذلك. وسواء كانت التسريبات حول العقوبات المستقبلية متعمدة أم لا، فمن المرجح أن تكون الإدارة قد شعرت بالضرورة السياسية للاستمرار في الضغط باتجاه العقوبات مع المباركة الدولية، حتى لو انسحب العراق سلمياً. وحتى بعد تدمير الكثير من قدرات العراق العسكرية والصناعية، فضلاً عن تحرير الكويت، تواصل الضغط الداخلي لفرض عقوبات على العراق، كذلك تواصل التأييد الدولي لذلك. ولو بقيت قوات العراق العسكرية سليمة، لكانت الكلفة السياسية الداخلية للرئيس ستزيد، ولبقي نفوذ العراق في المنطقة تهديداً لسياسة الولايات المتحدة. وهكذا برز الخيار العسكري أقل خطراً من الخيارات الاقتصادية والسياسية.

خواطر ختامية

لم يكن في نيتي إفشاء "معلومات سرية" يمكن أن "تثبت" دوافع أميركية محددة للتدخل في الخليج. لا أعتقد بوجود مثل هذا البرهان. إن واحداً من الأمور المثيرة لشخص أمضى وقتاً ما في الحكومة هي مدى العقلنة لدى صانعي السياسة ومدى هيمنة إعادة بناء الواقع على نحو استنتاجي، مما يثير الشكوك حتى في أذهان المسؤولين أنفسهم حيال دوافعهم الأصلية الخاصة.(71)

إن مذكرات العاملين الفاعلين في أزمة الخليج سوف تلقي من غير شك الضوء على وقائع معينة، غير أنها على الأرجح لن تجيب عن التساؤلات عن الدوافع والمسببات.

إن أحد الأسباب الكامنة وراء إعادة بناء الواقع هي أن القرارات عندما تُتّخذ، من شأنها أن تخلق وقائع جديدة، وهذه الوقائع الجديدة تعيد بدورها خلق وقائع قديمة. فمهما كان رأي الرئيس المصري حسني مبارك بشخصية صدام حسين استناداً إلى سلوك صدام السابق، فقد أصبح صدام الشيطان في نظره، فقط عندما قرر مبارك الانضمام إلى الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة. وحالما أصبح صدام الشيطان أصبح سلوكه السابق شيطانياً أيضاً بصرف النظر عن مدى شكوك الإدارة الأميركية حيال مطامع العراق في ما وراء الكويت. فعندما اتخذ القرار بمجابهته، حجبت الحاجة إلى إبراز التأكيدات من أجل تجنيد الدعم، شكوك الإدارة نفسها، وقد أوشكت أن تعيد النظر فيه، إذ إنها بدأت تؤمن بما تبشر به. وعلى نحو مماثل، سواء أراد السعوديون أم لا تدمير قدرات العراق العسكرية في مستهل الاجتياح العراقي للكويت، فقد فضلوا لاحقاً حدوث هذه العاقبة فور اتخاذ قرارهم بتأييد انتشار القوات الأميركية على أرضهم. فالقرارات، متى اتخذت، تغيّر في كلا التصورين حيال الواقع السابق والأهداف التي كان من الممكن أن تنشئ هذه القرارات عينها.

إن بعض هذه التحولات في التصور والأهداف تحدث في داخل الفرد. فالواقع أنه قبل اتخاذ القرار كان يمكن أن تتقاذف ذهن الفرد اتجاهات مختلفة مما يجعل من العسير التعايش مع قرار لاختيار اتجاه واحد. إنني أتوقع أنه بقدر ما يشتد "التجاذب" قبل القرار بقدر ما يتضاعف مردود إعادة البناء بعد اتخاذ القرار. ومما زاد في تفاقم المعضلة الحاجة إلى "تسويق" هذا القرار لدى عالم خارجي منقسم على نفسه. فالتردد لا يجدي نفعاً لأنه يؤدي إلى المبالغة وفساد التصور اللازمين للتطبيق الناجح. وما يصح قوله عن الأفراد يصلح لأن يقال عن السياسة: مهما طرأ من انشقاق في الكونغرس ولدى الشعب الأميركي حيال مشكلة الذهاب إلى الحرب، فعندما اتخذ القرار بذلك التأمت الأكثرية الساحقة وراء هذا القرار.

كثيرون من صانعي السياسة يعلمون مدى وطأة القرارات على الآخرين. فقد كان من الواضح أنه مهما انتاب الزعماء العرب من تردد في ما يجب عمله، فحالما اتخذوا قراراً بالانضمام إلى ائتلاف مناهض للعراق لم يُظهروا أي تردد، على الرغم من معرفة مدى عداء الرأي العام العربي. فقد كان من الواضح أن الحرب والانتصار سيخلقان وقائع جديدة، ورؤى جديدة وتوقعات جديدة.

إن ما ينطوي عليه كل هذا من أجل "تفسير" السلوك الأميركي في أزمة الخليج، لا يمكن أن يعطي تحليلُ الدوافع والمسببات أجوبة شاملة عن طريق الاعتماد على المذكرات والأقوال الصادرة عن صانعي السياسة، مع أنه يجب أخذها في الاعتبار. نحن بحاجة دائمة إلى فرضيات تحليلية متينة، وكلما قلَّت الفرضيات كان ذلك أفضل. إن تفسيري للسلوك الأميركي يستند إلى بعض الفرضيات الضمنية. وقبل أن أحدد هذه النظريات وأناقشها، من المفيد تلخيص حججي حول سلوك الولايات المتحدة.

أولاً: لقد عرضتُ التقديرات المنطقية للمصالح الاقتصادية خلال الأزمة وتأثير اللوبي الإسرائيلي المباشر، ونهاية الحرب الباردة، كل ذلك لا يزودنا بشرح مرض حول السلوك الأميركي.

ثانياً: لقد عرضتُ أنه على الرغم من وجود مراحل ثلاث مهمة في أزمة الخليج، هناك قراران مهمّان رئيسان قبل اندلاع الحرب: القرار الأول نشر القوات الأميركية في الخليج والقرار الثاني مضاعفة تلك القوات في تشرين الأول/أكتوبر. لقد أشرت إلى أن القرار الأول جاء شبه "آلي" بصرف النظر عن الشخصية المقيمة في البيت الأبيض. ومهما كانت دوافع العراق النهائية، فإن الردّ الأميركي كان متوقعاً. أمّا فيما يختص بالقرار الثاني في تشرين الأول/أكتوبر 1990 فقد قلت إنه كان يستند إلى الاستنتاج أن عامل الوقت يعمل حالياً لمصلحة العراق. ومردّ هذا الاستنتاج الأزمة الفلسطينية ـ الإسرائيلية التي زادت حدة التوتر المتأصل بين الحلبتين الداخلية والخارجية في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

إن شرحي القرار الأول يرتكز على فرضيتين ضمنيتين؛ إنه يفترض أن منطقة الخليج تُعْتَبَر ذات أهمية حيوية بسبب نفطها، وأن عراقاً قوياً يُنظر إليه كتهديد محتمل. وكانت هذه الفرضيات جاهزة بحوزة صانعي القرار، ومشكلِّة في الواقع نقطة التئام "المصلحة الوطنية". لقد رأيت أن الخوف على الموارد النفطية قد يكون الآن مبالغاً فيه في ضوء زوال التهديد السوفياتي، لكنه أثر في القرارات المتّخذة بصرف النظر عما إذا عكس تقديرات موضوعية أم لا.(72)  إن هذا الاستنتاج في التعارض المحتمل بين المصلحة القومية العملانية وبين المصالح الموضوعية للدولة يعني وجوب حلول نقاش قبل نشوب الأزمة حول كيف يحدد صانعو السياسة المصلحة القومية. وهذه المناقشات ليست مجرد تمارين فكرية عند نشوب الأزمة التي يجب على صانعي السياسية التعامل معها بسرعة قبل أن تجر المناقشات الشاملة إلى تصورات جديدة حول المصلحة القومية.

والفرضية الضمنية الثانية في شرحي هي أن العراق كان يُنظر إليه كمصدر للتهديد. وكان يجب التساؤل: كيف يمكن الولايات المتحدة أن تتصرف فيما لو احتلت العربية السعودية الكويت؟ ما هو "المرتكز" النهائي لهذا التصور الأميركي؟ واقترح ستيفن فان إيفيرا أنه في نهاية المطاف استند الخوف من عراق قوي إلى تهديده المحتمل لإسرائيل. ومن المحتمل أن يكون هذا الخوف قد انبثق مع الزمن، بينما كانت الولايات المتحدة تحاول التوفيق بين التزاماتها تجاه إسرائيل وبين مصالحها الأخرى في الشرق الأوسط في الوقت الذي أخذت جماهير الدوائر الانتخابية الداخلية تسعى للدفاع عنه. وفي بداية اندلاع الأزمة كان الخوف منحسراً إلى الخلف. وقد اقترحتُ أن الخوف من التهديد العراقي كان يستند أيضاً إلى سلوك عراقي سابق في المنطقة وإلى تصريحات تنطوي على التهديد، لم يكن لها علاقة بإسرائيل، صادرة عن القيادة العراقية؛ وفي الأحوال جميعها كان هذا التصور للتهديد العراقي هو المفسر الأساسي.

كيف يمكننا التوفيق بين هذا التصور عن عراق مهدِّد وبين الحكمة التقليدية القائلة إن الولايات المتحدة واصلت "استرضاء" العراق حتى اجتياحه الكويت؟ لقد شرحتُ أن هذا الاتهام لا يتطابق والتصورات العراقية والعربية حيال السلوك الأميركي في ربيع وصيف 1990. فالعرب بمن فيهم الكويتيون والمصريون كانوا يعتقدون أن الولايات المتحدة لم تكن تسترضي العراق، إنما كانت تحاول جعله هدفاً لمصالح إسرائيل. هنا أيضاً، كان الصراع العربي ـ الإسرائيلي يصبغ تصورات وتوقعات كل من الولايات المتحدة والشرق الأوسط.

رأيتُ أيضاً أن الأزمة الفلسطينية ـ الإسرائيلية في تشرين الأول/أكتوبر 1990 تفسّر التصعيد المفاجئ للانتشار الأميركي. ويستند هذا الاستنتاج إلى فرضية ضمنية أخرى، وهي أن الصراع العربي ـ الإسرائيلي يزيد حدة التوتر الحاصل بين الساحتين الداخلية والدولية في سياسة أميركا الخارجية، وهذا غالباً ما كان يترجم توتراً بين الكونغرس والبيت الأبيض حيال قضايا لها صلة بالشرق الأوسط. فقد واجهت الولايات المتحدة صعوبات في التوفيق بين التزاماتها تجاه إسرائيل وبين مصالحها في العالم العربي. ومردّ هذه الصعوبات لا يكمن في التزاماتها تجاه إسرائيل، إنما في استمرار الصراع العربي - الإسرائيلي. إن تسوية هذا الصراع هو وحده الذي سيحسّن خيارات السياسة الأميركية وسيقلل حدة التوتر بين الساحتين الداخلية والدولية في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

إن شرحي قرارات تشرين الأول/أكتوبر تتعلق بصورة خاصة بمسالة التوقيت: ماذا يمكننا التوقع في حال لم يهدد الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي تماسك الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة؟ هل كان بالإمكان تحاشي وقوع الحرب؟ إن ما عرضته استناداً إلى فرضياتي الضمنية، يعني أن على الولايات المتحدة أن تنتصر، وأن ذلك يعني أنه يجب قهر العراق دبلوماسياً أو عسكرياً؟ وسواء أكانت الحرب حتمية أم لا، فهذا يعود إلى ما قرر العراق فعله. فالحرب بقيت "انتصاراً" مؤكداً للسيد بوش.

افترض هذا الاستنتاج الأخير أن الكلفة النسبية للحرب بقيت دائماً مقبولة. لقد رأيت أن تقويم الكلفة المحتملة هذا لم يكن مشكوكاً فيه البتة. ففي المناقشات العامة التي جرت في الولايات المتحدة، شعر الكثيرون هناك بالقلق حيال الكلفة. لكن يمكننا شرح هذا التعارض جزئياً عن طريق الخيار التكتيكي الذي كانت تواجهه الإدارة: فمن ناحية، كانت الإدارة بحاجة إلى تصوير صدام حسين وحشاً، فإذا لم يوقف عند حده، سيصبح هتلر الشرق الأوسط. ومن ناحية أخرى، كانت تريد طمأنة الأميركيين أن بالإمكان التغلب عليه بسرعة ومن دون كلفة باهظة. وفي النهاية، كان لا بد أن يؤمن بعض الأميركيين بزعم من دون الآخر.

 

(1) للاطّلاع على ملخص قيم حول نظريات "الإمبريالية الأميركية"، أنظر:

Thomas Weiskopf, “Capitalism, Socialism, and the Sources of Imperialism,” in Steven Rosen and James Kurth, eds., Testing Theories of Economic Imperialism (Lexington, Mass.: D. C. Heath, 1974).                                                                                                                                             

(2) للاطّلاع على عرض تاريخي شائق لأهمية النفط أنظر:

Daniel Yergin, The Prize: The Epic Quest for Oil, Money, and Power (New York: Simon and Schuster, 1991).    

(3) “A Collective Effort to Reverse Iraqi Aggression,” 22 and 30 August 1990, Current Policy 1296, United States Department of State, Bureau of Public Affairs, Washington, D.C., 1990.                                                              

(4) Senate Committee on Armed Services, Crisis in the Persian Gulf: U. S. Policy Options and Implications, September 11, 1990, pp. 8-22.

(5) أنظر:

Shibley Telhami, Power and Leadership in International Bargaining: The Path to the Camp David Accords (New York: Columbia University Press, 1990), pp.72-75.  

(6) للاطّلاع على ما تنطوي عليه سيطرة عراقية على الموارد النفطية السعودية، انظر:

Stephen Van Evra, “The United States and the third World: When to Intervene,” in Kenneth A. Oye, Robert J. Leiber, and Donald Rothchild, eds., Eagle in a New World: American Strategy in the Post-Cold War Era (New York: Harper Collins, 1992), p. 128.                                                                                                                                           

(7) سرعان ما بدا واضحاً، كما بيّن إدوارد ن. لوتواك، أن المستفيدين من الجهود الأميركية لتأمين إمدادهم بالنفط كألمانيا واليابان وغيرهما، كانوا ـ من المفترض ـ مقتنعين بأن سعر النفط سيبقى تابعاً للنفقات البديلة، وليس لمن يسيطر على نفط الخليج العربي، فرفضوا رفضاً قاطعاً الإسهام جدياً في الجهود.

(Luttwak, “Saddam and the Agencies of Disorder,” Times Literary Supplement, January 18, 1991, pp. 3-4).

(8) إن القلق الياباني من انتقادات الكونغرس دفع الحكومة اليابانية، كما يبدو، إلى أن تحذر شركات الأعمال لديها ألا تنشط في البحث عن إقامة عقود كويتية. أنظر:

Sam Jameson, “Japan Warns its Firms to Go Easy on Kuwait Bids,” Los Angeles Times, August 31, 1990.

(9) أنظر، مثلاً: مقالة: “How the Gulf Crisis is Rupturing the Right,” Tribune Media Services, August 25, 1990.

(10) أنظر مثلاً: Joe Stork, “Israel as a Strategic Asset,” in Naseer Aruri, Fouad Moughrabi, and Joe Stork, eds., Reagan and the Middle East (Belmont, Mass.: Association of Arab-American University Graduates, 1983).                   

(11) أنظر مثلاً: Eric M. Uslander, “One Nation, Many Voices: Interest Group in Foreign Policy making,” in Allan J. Cigler and Burdett A. Loomis, eds., Interest Group Politics (Washington, D. C.: Congressional Quarterly Press, 1986); and Hedrick Smith, The Power Game: How Washington Works (New York: Ballentine Books, 1988).                     

(12) أنظر مثلاً: Shibley Telhami, “Middle East Politics in the Post-Cold war Era” in George W. Breslauer, Harry Kreisler, and Benjamin Ward, ed., Beyond the Cold War: Conflict and Cooperation in the Third World (Berkeley, Calif.: Institute of International Studies, 1991), 293-314; and Jon Krosmick and Shibley Telhami, “Public Attitudes and American Policy Toward Israel” (unpublished paper, 1992).                                                                         

(13) مثلاً: صرح النائب لانتوس Lantos خلال جلسة عقدت في 4/4/1990، قاصداً بذلك صدام حسين ما يلي: "لقد بلغت من الكبر عتياً لأتذكر أن مجنوناً آخر في الحكم، في ألمانيا، كان يحكي عن تصفية مئات الآلاف والملايين من الأطفال والنساء بالغاز الخانق... وإني أتساءل، حقاً، هل يوجد في هذه القاعة إنسان عمره أكثر من عشر سنوات ويشك في أن صدام حسين لا يملك أدنى ذرة ضمير إذا هو أطلق حرباً كيماوية".

(Hearing before the Subcommittee on Europe and the Middle East of the Committee on Foreign Affairs, House of Representatives, April 4, 1990, p. 41).                                                                                                                                 

(14) انتقد سافير Safire في 4/5/1990 الإدارة لأنها حققت أعمالاً مع "الأمة التي تعرض شعبها الكردي فيها للغاز السام، والتي تطور القذائف من أجل تطوير رؤوس للغاز السام الانشطاري، وتحتجز الصحافي الذي تجرأ على التحقيق في انفجار سري". (New York Times, May 4, 1990, p. A35). وكتب شارل كراوتهامر في الواشنطن بوست في 27/7/1990: "ينبغي ألا نستعمل التشبيه بهتلر بخفة، إلا إن الوقت حان لنهنىء طاغية هو حقاً كابوس خارج من الثلاثينات: صدام حسين رئيس العراق (وقريباً مدى الحياة)". (Washington Post, July 27, 1990, p. A27). غير أنه ينبغي أن نلاحظ أن هؤلاء الصحافيين هم، عامة، مؤيدون لإسرائيل ويتخذون دائماً مواقف قاسية حيال السياسة الخارجية، وقد دعموا، بوجه عام، التدخلات العسكرية في الحالات التي لم تكن إسرائيل متورطة فيها (بنما مثلاً وغرانادا والبوسنة).

(15) أنظر مثلاً التعليقات التي كتبها روزنتال في New York Times, August 9, 1990؛ وتعليقات سافير في عدد 24/8/1990.

(16) أنظر مقال باتريك بوكانان Patrick Buchanan الذي ظهر في عدة صحف يوم 25/8/1990 بعنوان:  

“How the Gulf Crisis is Rupturing the Right”. 

(17) Van Evera (“The United States and the Third World,” 129).

يلاحظ أن إسرائيل ربما تكون غير قادرة على الدفاع عن نفسها في وجه نظام عربي واحد يسيطر في الوقت نفسه على ثروات النفط في الخليج العربي وعلى القدرة البشرية في دول الجبهة الشرقية.

(18)  في 3 كانون الأول/ديسمبر 1990 مثلاً، عندما بدا أن الولايات المتحدة كانت مستعدة لحل دبلوماسي لأزمة الخليج، أعرب عدد من الوزراء الإسرائيليين  "عن قلقهم العميق، الذي يشاطرهم فيه العديد من مواطنيهم، من استعداد الولايات المتحدة لإيجاد حل سلمي لأزمة الخليج من شأنه أن يبقي على قوة العراق العسكرية سالمة، (Joel Brinkley)، "يعرب أعيان إسرائيليون عن قلقهم العميق حيال التسوية الدبلوماسية في الخليج" (نيويورك تايمز ـ 4 كانون الأول/ديسمبر 1990، ص 13). وبعد يومين نشرت صحيفة "هآرتس" أن وزير خارجية إسرائيل ديفيد ليفي أعلم السفير الأميركي وليم براون "إذا كانت الولايات المتحدة تتجنب المجابهة العسكرية مع العراق، فربما تستطيع إسرائيل أن تهاجمه" (تحقيق قام به Chatrand Sabra في: “Israel Warns Against a Gulf Retreat,” New York Times, December 6, 1990, p. 18.) إن حلفاء الولايات المتحدة العرب بمن فيهم السعوديون المدركون مصالح إسرائيل والراغبون في ردع العراق كانوا يخافون من أن يضعف العراق كثيراً فيعجز عن صد إسرائيل. أنظر: Caryle Murphy, Washington Post, November 12, 1990, p. 1.

(19) أظهر موشيه أرينز وزير خارجية إسرائيل أوجه الخلاف بين سياسة إدارة بوش وسياسة إدارة ريغان كما يلي: "لقد عارضت إدارة ريغان المستوطنات، لكنها لم تجعل منها قضية كبرى ولم تظهر الاختلافات جلية في الرأي كما تفعل الإدارة الحالية".

FBIS-NES-90-091, May 10, 1990, p. 27.

(20) أنظر:

William Safir, “Humiliating Israel,” New York Times, March 2, 1992, p. A 15; and A. M. Rosenthal, “Mideast: Forgotten Realities,” New York Times, February 25, 1992, p. A 21.

في إسرائيل كان وصف إدارة بوش بالمناهضة لإسرائيل شيئاً عادياً حتى قبل الأزمة. فقد نقل راديو إسرائيل عن الوزير الإسرائيلي رحبعام زئيفي قوله: "إن بوش معاد لإسرائيل، وسياسته ذات رائحة معادية للسامية".

FBIS-NES-91-184, September 23, 1991, p. 46.

(21) كينيث ن. والتز، واحد من أبرز أتباع الواقعية النظرية (أنظر نظريته عن السياسة الدولية)، كان ضد التدخل العسكري في الخليج. راجع:

Waltz, “A Necessary War?” in Harry Kreisler, ed., Confrontation in the Gulf (Berkeley, Calif.: Institute of International Studies, University of California, Berkeley, 1992).

وشكك أتباع آخرون للواقعية في حكمة التدخل الأميركي، انظر:

Robert W. Tucker, “Imperial Temptation: The New World Order and America’s Purpose” (New York: council on Foreign Relations, 1992).

(22) أنظر: Ted Galen Carpenter, “Bush Jumped the Gun in the Gulf,” New York Times, August 18, 1992.

(23) Van Evera, “The United States and The Third World,” 127-31.

(24) مثال على الكتابات حول دور الجيش في السياسة الخارجية أنظر:

Paul Baran and Paul Sweezy, Monopoly Capital (New York: Monthly Review Press, 1966), and Michael Reich and David Finkelhor, “The Military Industrial Complex: No Way Out,” in Tom Christoffel, David Finkelhor, and Dan Gilbarg, ed., Up Against the American Myth (New York: holt, Rinehart and Winston, 1970).                                

(25) للاطلاع على رواية معارضة الجنرال باول استخدام القوة، أنظر: Bob Woodward, The Commanders (new York: Simon & Schuster, 1991) . وقد اعتبر الجنرال نورمان شوارتزكوف قائد عملية عاصفة الصحراء أن "جماعة الصقور في واشنطن" كانوا في غالبيتهم من المدنيين. إنم فتية شاهدوا جون واين في فيلم The Green Berets وشاهدوا رامبو وفيلم باتون فاستسهلوا ضربة على الطاولة وهم يقولون: "والله علينا أن نذهب إلى هناك ونرفس المؤخرات، بالتأكيد لم يكن أحد من هؤلاء ليذهب ويطلق عليه النار...":

Newsweek, September 28, 1992, p. 52.

(26) Marcy Darnovsky, L. A. Kauffman, and Billy Robinson, “Warring Stories: Reading and Contesting the New World Order,” Socialist Review, 21, No. 1 (1991).

نصوص في:

Micah L. Sifry and Christopher Cerf, ed., the Gulf War Reader (New York: Random House, 1991), pp. 480-86.

(27) أوضح جون مولر في سياق ملاحظته المخاطر التي يتحملها الرئيس في إقدامه على الحرب وما سينتج عنها، أنه خلال حربي كوريا وفييتنام، عندما ارتفع عدد الضحايا من 100 إلى 1000، هبط دعم الحرب 15 بالمئة، وهبط هذا الدعم 15 بالمئة عندما ارتفع عدد ضحايا الحرب من 1000 إلى 10 آلاف. استشهد جيمس بنيت بها في:

How They Missed That Story,” Washington Monthly, 22, No. 11 (December 1990), pp. 8-16.

(28) ذكرت اليزابيت درو أن بوش مثلاً كان يحاول أن يبرهن لنفسه وللعالم شيئاَ ما، مظهراً نفسه بمظهر الرجل القوي.

(Elizabeth Drew, New Yorker, Feb. 4, 1991).

وللاطلاع على السيكولوجيا السياسية في حرب الخليج أنظر:

Stanley Reshon, ed., The Political Psychology of the Gulf War: Leaders, Publics and the process of Conflict (Pittsburgh: University of Pittsburgh Press, 1992).

(29) لا أعترض هنا على فرضية أن طباع بوش لعبت دوراً في بعض القرارات حيال السياسة الخارجية؛ غير أني أرى، في هذه الحال، ان من الصعب تمييز عامل ضعف الشخصية في سلوكه وما ينطوي عليه هذا السلوك. وأعتقد في النهاية أن بوش كان ضعيف الشخصية، وقد تغير سلوكه وذلك بسبب عوامل غير قادر على أن يتعداها.

للاطلاع على حكاية شائقة حول الرابط بين أطباع بوش وحرب الخليج أنظر:

Jean Edward Smith, George Bush’s War (New York: Holt, 1992).

(30) قال النائب توم لانتوس في سياق انتقاده سياسة الإدارة حيال العراق ما يلي: "إن حكومتنا التي عاملت العراق ككيان مرضيّ عنه وأغدقت عليه الهبات وكل أنواع الاعتمادات والقروض داعمة بذلك وحشيته أسهمت إسهاماً كبيراً بإضفاء صفة "أليس في بلاد الأعاجيب".

(31) إن أهمية خطاب عمان أظهرها الحضور (رئيسا اليمن ومصر وملك الأردن)، وأيضاً إشارة الرئيس العراقي إليه في قمة بغداد في أيار/مايو. وبيّن حسين أن تحليله الذي قدمه في عمان يجب أن يشكل أساساً لمناقشات قمة بغداد: "سنجعل من دراسة الوضع الذي قدمناها في عمان أساساً لنقاش أخوي شامل...".

FBIS-NES-90-103, May 29, 1990.

(32) خطاب في مجلس التعاون العربي.

FBIS-NES-90-039, 27 Feb. 1990, p. 4.

(33) خطاب صدام حسين في القمة العربية في بغداد.

FBIS-NES-90-103, 29 May 1990m p. 5.

(34) أنظر: الملاحظة رقم 13.

(35) خلال زيارتي سوريا والعراق والأردن ومصر والضفة الغربية في أيار/مايو ـ حزيران/يونيو 1990، في عداد مساعدي رئيس اللجنة الفرعية لأوروبا والشرق الأوسط التابعة لمجلس النواب الأميركي، كان هذا التصور سائداً في كل مكان زرته.

(36) FBIS-NES-90-124, 27 June 1990, p. 22.

(37) FBIS-NES-90-118, 19 June 1990, p. 2.

(38) FBIS-NES-90-095, 16 May 1990, p. 4.

(39) خطاب في مجلس التعاون العربي.

FBIS-NES-90-039, 27 Feb. 1990, p. 2.

(40) استنتجت في تقرير بعد زيارة قمت بها إلى الشرق الأوسط في إثر قمة بغداد العربية في أواخر أيار/مايو أن مقاومة (الأمركة) على المستوى الشعبي كانت تقترب من مقاومة (البرطنة) في الخمسينات.. وكان العراق أصبح البلد العربي الأكثر نفوذاً، وكان نفوذ صدام حسين الشخصي تزايد بشكل كبير. وكان الشعور العربي السائد أن مسار السلام العربي - الإسرائيلي مات، وأن كلمة اليمين صارت راجحة في السياسة الخارجية. إن نقض الولايات المتحدة، بالفيتو، قراراً اتخذه مجلس الأمن لحماية الفلسطينيين، وصدور قرار عن الكونغرس يعلن أن القدس الموحدة هي عاصمة إسرائيل؛ وهجرة اليهود السوفيات إلى إسرائيل، هذا الشعور المسيطر لخّصه سفير مصري سابق في الولايات المتحدة كما يلي: "لقد سئم العرب حكوماتهم التي تستعطف بشكل مؤثر إسرائيل أن تلتزم وتعطيهم السلام" (مقابلة: القاهرة، حزيران/يونيو 1990). في نهاية حزيران/يونيو 1990، وعقب تعليق الحوار بين منظمة التحرير والولايات المتحدة، كانت الصحف الكويتية تدعو العرب "إلى تبني مواقف جدية وموضوعية ضد الولايات المتحدة التي تستمر في موقفها العدائي للقضية العربية"، (FBIS-NEB-90-122, 25 June 1990, p. 22). ونبه الرئيس المصري حسني مبارك أيضاً إلى "أن مواقف الولايات المتحدة ستجعل المنطقة بالتأكيد رهن الخيار العسكري".

(FBIS-NES-99-108, 5 June 1990, p. 10).

(41) استغرق خطاب الرئيس العراقي وقتاً طويلاً في القمة العربية المنعقدة في العراق، مذكّراً نظراءه العرب بما تريده "الجماهير العربية"، خاتماً أن "ليس من الممكن فصل المسائل الشعبية عن المسائل الرسمية والمادية...".

(FBIS-NES-90-103, 29 May 1990, p. 3).

وقد صرح حسين مشيراً إلى سلطة الرأي العام العربي، في خطابه في عمان، في شباط/فبراير 1990 "لسنا هنا لنستعدي أو نحرض الرأي العام ضد الولايات المتحدة... ومهما يكن الأمر ينبغي على أميركا أن تحترم العرب وحقوقهم...".

(FBIS-NES-90-039, 27 Feb. 1990).

من الواضح أنه في حزيران/يونيو 1990 كان هناك شعور بضعف داخلي في الدول العربية التي كانت على علاقة صداقة مع الولايات المتحدة. وقال الرئيس ياسر عرفات إنه يعتقد أن حتى الحكومة السعودية كانت تواجه بعض التحديات الداخلية (مقابلة" بغداد ـ العراق، حزيران/يونيو 1990).

(42) على الرغم من استخلاصه أن الولايات المتحدة برزت كقوة عالمية لا منازع لها، فقد لاحظ الرئيس حسين أيضاً "أن كل الرجال الأقوياء عندهم عرقوب أخيل". والخلاصة أن قدرة العرب على الوقوف في وجه ولايات متحدة جبارة منوطة بمدى الوحدة العربية. "لكننا أقوياء ما دمنا متحدين، وضعفاء ما دمنا منقسمين". خطاب في مجلس التعاون العربي.

(FBIS-NES-90-039, 27 Feb. 1990).

(43) كانت عواقب عملية أبو العباس في أيار/مايو 1990 إنهاء الحوار بين منظمة التحرير والولايات المتحدة، مما أدى إلى ازدياد الشعور بمقاومة الأمركة في الشرق الأوسط تفاقماً.

(44) في مقابلة مع الكاتب المصري ومستشار الرئيس [جمال عبد الناصر] سابقاً محمد حسنين هيكل، أخبرني أن وزير الخارجية العراقي طارق عزيز اتصل به هاتفياً خلال زيارته القاهرة مباشرة بعد الاجتياح العراقي. ووفقاً لما قاله هيكل كان ثمة شيء واحد في ذهن طارق عزيز: المفاجأة حيال ردة الفعل السوفياتية. فالمبعوث السوفياتي يفغيني بريماكوف نقل أن الرئيس العراقي فوجىء بردة الفعل السوفياتية. نقل الخبر:

Paris Europe Number One, 28 April as reported in FBIS-SOV-91-083, p. 11. 

(45) كتب الجنرال نورمان شوارتزكوف قائد عملية "عاصفة الصحراء" في روايته عن الأزمة ما يلي: لم نكن، حتى منتصف أيلول/سبتمبر، قد رأينا بوضوح إشارة تدل على أن العراق سيتخلى عن فكرة اجتياح العربية السعودية، وأنه اتخذ "موضع الدفاع".

(ورد في Newsweek, 28 Sept. 1992, p. 58).

(46) قال الرئيس في 8 آب/أغسطس: إن مهمة جيوش الولايات المتحدة كانت "دفاعية بكليتها".

(President Bush, “The Arabian Peninsula, U. S. Principles,” August 8, 1990)

وبدقة أكثر صرح وزير الدفاع ريتشارد تشيني أن المهمة العسكرية كانت تهدف إلى ردع الهجوم وتهيئة الدفاع.

(U. S. Senate, Committee on Armed Services, Crisis in the Persian Gulf Region: U. S. Policy Options and Implications, September 11, 1990).

وقد تغيرت هذه الأهداف في 2 تشرين الثاني/نوفمبر عندما بدأت الولايات المتحدة تتبع استراتيجية ضغط عسكرية رافقها تصريح للرئيس في 8 تشرين الثاني/نوفمبر يقول فيه: إن جيوشاً إضافية كان يحتاج إليها "لخيار هجومي عسكري كامل".

(47) استعمل رونالد ريغان لغة مشابهة. أنظر: An American Life (New York: Simon & Schuster, 1990), p. 466. ولاحظ "أن لا أحد يريد ميثاقاً آخر". وذكّر الجنرال شوراتزكوف الجنرال باول الذي أخبره في تشرين الأول/أكتوبر أنه "إذا ذهبنا إلى الحرب، فستكون حرب متوسطة، وسوف تعطيكم الولايات المتحدة الأميركية كل ما تحتاجون إليه لتقوموا بها على أتم وجه".

(Newsweek, September 28, 1992), p. 59.

(48) من هذا المنظار ليس من المفاجئ أن يعطي أعضاء الإدارة تبريرات متنوعة للتدخل الأميركي: "إبطال العدوان"، "النفط"، "النظام العالمي الجديد"، و"التعهد تجاه الأصدقاء" و"الواجب". وفضلاً عن ذلك، ونظراً إلى المهمة الدولية، فإن تطبيق السياسة الجدلية الفعلي يتطلب عدم تحمل تردد البيروقراطيين والتضارب في الآراء وانعكاسات التشكك.

(49) للاطلاع على التوقعات العربية خلال حرب الخليج أنظر:

Shibley Telhami, “Arab Public Opinion and the Gulf War,” in Renshon, ed., The Political Psychology of the Gulf War.

(50) أشار الجنرال شوارتزكوف إلى أن التوقعات العسكرية التي تفترض أن العراق دولة عدوانية كانت قد توسعت في صيف 1989: "فكرت بالعرب الكثر الذين قالوا بوجوب عدم اهتمامي بالعراق، وبالقلة التي نادت بالاهتمام به. فقررت أن الاهتمام بالعراق هو الطريق الحذر". فلعبة الحرب المؤسسة على هذا الاحتمال "تأملات ذاتية" لُعبت في تموز/يوليو 1990.

Newsweek, September 28, 1992, pp. 54-55.

ورُفعت أول ما رُفعت الرايات الحمر في الكونغرس ووزارة الخارجية. وكان ذلك بعد الخطاب الذي ألقاه صدام حسين في مجلس التعاون العربي في عمان بالأردن. وعلى الرغم من ذلك اتُّهمت الإدارة بالاستمرار في استرضاء العراق خلال ربيع 1990، ولم يكن هذا الشعور سائداً في المنطقة بالنسبة إلى العراق فقط، بل إلى مصر والكويت أيضاً. وللاطلاع على نماذج من رؤى العرب فيما يخص السياسة الأميركية تجاه العراق. أنظر الرقم 44.

(51) لاحظ وود ورد (Woodward) أن خيار إضعاف الطاقة العسكرية العراقية أُخذ في الاعتبار في وقت مبكر من الأزمة.

The Commanders, 290-96.

(52) عرض الرئيس العراقي في 12/8/1990 اقتراحاً بربط الانسحاب من الكويت بالانسحاب الإسرائيلي الفوري وغير المشروط من جميع الأراضي العربية المحتلة.

FBIS-NES-90-156, pp. 48-49.

(35) للاطّلاع على المناقشة حول تطور الرأي العام العربي في أثناء حرب الخليج، أنظر:

Shibley Telhami, “Arab Public Opinion and the Gulf War”.

(54) كتبت Christian Science Monitor أن المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية كانت اختباراً لمعرفة هل ستصبح أزمة الخليج أزمة إسرائيلية، ويورد المحرر أن سعودياً مقرباً من العائلة المالكة قال (بالاستناد إلى القرار رقم 672 الصادر عن مجلس الأمن): "فلو استعملت أميركا حق النقض ضد هذا القرار لكان هو شخصياً قطع علاقاته معها"؛ "القلق السعودي حيال مضاعفات الحرب ضد العراق".

 Christian Science Monitor, October 30, 1990, p. 1. 

(55) Paul Lewis, “UN to Weigh Iraq War Crimes Inquiry,” New York Times, October 21, 1990, p. 12.

(56) ورد في:

Newsweek, September 28, 1990, pp. 58-59.

(57) في 18 تشرين الأول/أكتوبر مثلاً، رجت الجامعة العربية الولايات المتحدة "كي تغير سياستها بهدف دعم حقوق الفلسطينيين والعرب الوطنية ووقف المساعدات لإسرائيل".

 New York Times, October 19, 1990, p 13.

إن قرار الجامعة العربية دعا إلى اتخاذ عقوبات ضد إسرائيل. وفي اليوم نفسه أعربت الولايات المتحدة عن خشيتها من أن أي قرار يتضمن عقوبات ضد إسرائيل مباشرة بعد القرار الصادر يوم الجمعة الماضي الذي كان يدين إسرائيل، قد يشجع الدول العربية ودولاً أخرى في العالم الثالث كي تضغط على مجلس الأمن ليتخذ قرارات مشابهة ضد إسرائيل؛

Paul Lewis, “Top 5 in UN Council Near Accord Over claims Against Iraq,” New York Times, October 19, 1990, p. 1.

(58) Jackson Diehl, New York Times, October 30, 1990. P. 16.

(59) New York Times, October 30, 1990.

(60) مقابلة مع الأمير سلطان بن عبد العزيز، "جريدة الرياض"، 22 تشرين الأول/أكتوبر 1990، ص 22 - 23.

(61) Robert Novak & Rowland Evans, “Coalitionitis in the Gulf,” New York Times, October 22, 1990, p. 17.

(62) يقال إن كولين باول أعلم الجنرال شوارتزكوف في 22 تشرين الأول/أكتوبر: "لست متأكداً أننا نستطيع إرسال المزيد من الجنود إلى الخليج من دون تفويض علني من الكونغرس والرأي العام الأميركي"، ورد في: Newsweek, September 28, 1992, p. 59.

(63) ورد في:

Newsweek, September 28, 1992, p. 59.

(64)     Washington Post, December 4, 1990.

(65) أشار وود ورد إلى أن الانتشار العسكري برمج القرارات التي نصت في تشرين الأول/أكتوبر الانتشارات المقبلة:

 The Commanders, 298-99.

(66) حتى لو شعرت الإدارة بأنها ليست بحاجة إلى تفويض شرعي من الكونغرس، فإن هناك شعوراً بأن الدعم الداخلي كان مطلوباً؛ فأحد مبادئ التدخل الذي أحكمت وضعه إدارة ريغان ـ بوش كان يقضي: "أي عمل نقوم به ينبغي أن يحظى بتأييد الشعب الأميركي والكونغرس". (إننا نشعر بأن حرب فييتنام تحولت إلى مأساة أليمة، لأن الأعمال العسكرية نفذت من دون تأكيدات كافية بأن الشعب الأميركي كان يدعمها).

Ronald Reagan, An American Life (New York: Simon and Schuster, 1990), p. 466.

(67) أنظر: تقارير حول الحسابات السوفياتية في:

FBIS-SOV-90-229, pp. 18-19.

(68) Woodward, The Commanders, pp. 303-307.

(69) أنظر: الشهادة أمام مجلس الشيوخ، لجنة القوات المسلحة، 3 كانون الأول/ديسمبر 1990.

(70) New York Times, December 4, 1990.

(71) في أثناء نقاش تأملي مع أحد أعضاء مساعدي الجنرال كولين باول خلال الأزمة، لاحظ كلانا بارتياح كيف نتفق على بعض تفسيرات الأحداث، لأن كل واحد منا بدأ يشك في معلوماته بسبب بروز حكمة تقليدية في الخارج.

(72) هذا الاستنتاج يشبه استنتاج Gelb و Betts حيال القرارات الأميركية للانتشار في فييتنام: "تفسيرات تقليدية وإجماعية حول المصلحة الوطنية تدعو إلى أنه يجب أن توقف الشيوعية في فييتنام، أكان هذا الموقف موضوعياً معقولاً أم لا. مبدئياً إن التعهد يحدد دائماً مقياس التعهد".

Leslie Gelb, Richard Betts, The Irony of Vietnam: The System Worked (Washington, D. C.: Brookings Institution, 1979), p. 353.

Author biography: 

شبلي تلحمي: أستاذ العلوم السياسية في جامعة كورنل، وكان عضواً في وفد الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة خلال أزمة الخليج.