Shiftan and Others, Israel, the Palestinians, and the Road to Peace
Reviewed Book
Full text: 

                       هذا الكتاب – الكراسة حصيلة يوم دراسي نظّمه "معهد يسرائيل غاليلي لأبحاث القوة الدفاعية"، في 29 حزيران/ يونيو 1988، وذلك فيما عنى الموضوع عنوان الكتاب. وبحسب زئيف تسور الذي أدار نقاش هذا اليوم الدراسي، فإن هذا الموضوع محطّ خلاف بين الإسرائيليين، هو الأول من نوعه منذ بداية الاستيطان الصهيوني لفلسطين، في ضوء غياب الإجماع السياسي والأمني بين الإسرائيليين. (ص 5)

              إذاً، نحن إزاء نقاش دار بعد بضعة أشهر فقط من انطلاقة الانتفاضة/ الثورة، وقبل أكثر من عامين ممّا أصبح يسمى أزمة الخليج، بكل ما لها من انعكاسات على المنطقة العربية عامة، وعلى فلسطين خاصة. ومع ذلك كله، يظل هذا النقاش راهناً، وخصوصاً بعد استمرار الانتفاضة بزخم ما قبل الحرب في الخليج، وخصوصاً في ضوء ما تمخضت الحرب عنه من توجه لتصفية القضية الفلسطينية، باسم إيجاد "تسوية سلمية" لهذه القضية.

              أول المتحدثين، دان شيفتان، عَنْوَن محاضرته بـ"هل يوجد خيار أردني؟" وهو يرى، من "منظور تاريخي":

إن الصعوبة الرئيسية التي اعترضت محاولة التوصل إلى تسوية بين إسرائيل والطرف الوطني الفلسطيني هي أن الحركة الوطنية الفلسطينية توصلت، في مراحلها الأولى، إلى استنتاج مفاده... أن شرطاً ضرورياً لتحقيق ما يسمى اليوم "الحقوق المشروعة" للشعب الفلسطيني هو إقامة البنية الفلسطينية على أنقاض البنية الصهيونية. (ص 6)

ويعود سبب ذلك، في رأيه، إلى أن الحركة الصهيونية وضعت أمام الفلسطينيين تحدياً أقسى كثيراً من التحديات التي واجهتها حركات وطنية في أماكن أخرى عامة، وفي الشرق الأوسط خاصة. إذ إن الوجود الصهيوني، خلافاً للوجود الاستعماري الغربي، لم يكن موقتاً ينتهي باستقلال السكان الأصليين. كما أن الاستعمار البريطاني جلب معه إلى فلسطين "سكاناً... بديلين". فنحن، إذاً، إزاء "تحدٍّ وجودي"، ولا مجال لحل وسط. ومن هنا، يتمسك الفلسطينيون بما يعتبره شيفتان "مفهوماً مطلقاً، على الرغم من أن من الواضح أنه غير قابل للتحقيق." (ص 7)

ثم يبرز شيفتان ما يسميه "فلسطنة شرق الأردن"، عبر مسار متدرج من انتقال الفلسطينيين إلى شرقي النهر، منذ العشرينات، وبزخم أكبر منذ الأربعينات والخمسينات. وما دام كلٌ من منظمة التحرير الفلسطينية والأردن توصل إلى استنتاج أنه لا يمكن الفصل بين فلسطين والأردن (هكذا يستمر خط تفكير شيفتان)، فإن السؤال يطرح نفسه: هل تعود الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية، أم العكس؟ ويضيف أنه على الرغم من وحدة المصير الظاهرية بين الطرفين، فإن هناك عداء وجودياً بين قيادتين بديلتين للفلسطينيين: منظمة التحرير، و"قيادة المؤسسة الأردنية – الفلسطينية" في عمان.

في ضوء قناعة شيفتان بأن لا مجال للتعايش بين المملكة الأردنية ودولة فلسطينية تسيطر منظمة التحرير عليها، وبأن لإسرائيل دوراً في حسم الصراع، فإنه يعرض خياراً أردنياً، لا "هاشمياً"، يتمثل في "خيار مؤسسة أردنية – فلسطينية تحكم في عمان بالتعاون مع قيادة فلسطينية من المناطق، في مواجهة خيار م. ت. ف." (ص 12)

أما ثاني المتحدثين، فكان مناحم ميلسون، الذي كان تولى رئاسة "الإدارة المدنية" الإسرائيلية للضفة الغربية خلال فترة وجيزة أوائل الثمانينات. وقد بدأ حديثه بأربعة "موضوعات رئيسية" تتبناها المجموعة التي ينتمي إليها وتسمى "الطريق إلى السلام":

              1)  ضرورة التخلي عن "المقاربة القدرية" لمشكلات الصراع العربي – الإسرائيلي؛ وهي مقاربة ناجمة عن اتساع الفجوة بين الحد الأدنى الصهيوني والحد الأدنى الفلسطيني، لأن مقاربة الطرف الفلسطيني "مطلقة". وهو، لذلك، يرفض "طريقين سياسيين وفكريين" لدى الإسرائيليين: "طريق الاستسلام والتنازل أمام الرفض العربي للاعتراف بنا" (يقصد "اليسار")، وطريق "فقط، بالسيف نحيا" (يقصد اليمين). (ص 15)

         2)  "الفلسطينيون هم عنصر حيوي في أي تقدم نحو تسوية سياسية." (ص 16)

              3)  "للفلسطينيين في المناطق دور رئيسي في الطريق إلى تسوية مع الطرف الفلسطيني"؛ فهم هنا، "ولا خيار أمامهم سوى التحادث معنا. وثمة لدينا ما نعرضه عليهم أو نحرمهم إياه." (ص 16)

              4)  يعرض رجال "الطريق إلى السلام" خطوتين حيويتين: الأولى، "إعلان نيات" باستعداد لحل إقليمي وسط. "طبعاً، ليست تنازلات فعلية... وإنما تقديم إطار فكري يشجع فعلاً العناصر المعتدلة، ويلجم فعلاً العناصر الراديكالية.". (التشديد في الأصل). أما الخطوة الثانية، فهي لجم القوى الراديكالية داخل الجمهور الفلسطيني، من أجل تمكين البراغماتيين من الوجود والتعبير عن أنفسهم. ويمكن لهؤلاء، في أوضاع معينة، الاندماج في المؤسسة الهاشمية. (ص 16 – 17)

ثم يدعم ميلسون هذه الموضوعات الأربعة بأربع فرضيات لا يختلف معه فيها "أي خبير أكاديمي أو استخباري"، هي (ص 18 – 19):

1-  لن يتراجع العرب عن قرار قمة الرباط المتعلق باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الوحيد لـ"الشأن" الفلسطيني".

2- لن تتراجع منظمة التحرير عن مواقفها الأساسية بصورة "جلية ومعلنة" (مثلاً الاعتراف بإسرائيل "علناً وبصورة قاطعة").

3- لن يدخل الأردن عملية التسوية السياسية مع إسرائيل من دون اشتراك عناصر فلسطينية ذات وزن.

4-  لن توافق الحكومة الإسرائيلية – أياً يكن رئيسها – على الانسحاب من جانب واحد إلى خطوط حزيران/ يونيو 1967.

         ويعود ميلسون فيؤكد ضرورة "بدء محاولة عملية لإقامة الأساس لحوار سياسي مع الجمهور الفلسطيني في المناطق. وأنا أؤكد بوضوح: مع الجمهور الفلسطيني، لا مع من لديهم شعبية بالذات" (مثلاً، لا مع حنا سنيورة أو محمد ملحم).

              بعد مناحم ميلسون، تحدث الناطق بلسان "الإدارة المدنية" في عهده، احييه يتسحاقي، الذي تكلم كـ"فيلسوف" لا كمستشرق – شأن سابقيه. لكنه، في الحقيقة، لم يفعل أكثر من إعادة صوغ أفكار زميليه المستشرقين، وخصوصاً رئيسه السابق ميلسون. فهو يلخص مفهومه للسلام مع الفلسطينيين على النحو التالي:

... إن حركة "الطريق إلى السلام" تعرض سياسة تقوم على مبدأين: الأول لجم قدرة إرهاب م. ت. ف. الداخلي على العمل بحرّية ضد العناصر الفلسطينية التي تدين أسلوبها؛ والثاني تقديم الدعم والتشجيع والعون لكل العناصر الفلسطينية التي لا ترى في [أنور] السادات خائناً، وإنما سياسياً معتدلاً وجريئاً، رسم طريق التحادث والسلام." (ص 31)

وفي رأي يتسحاقي، كان لليمين الإسرائيلي دور في ضرب سياسة "الطريق إلى السلام" هذه (ومن هنا، عنوان حديثه: "اليمين الإسرائيلي يرعى م. ت. ف.")، كما أخطأ اليسار إزاءها باعتباره منظمة التحرير ممثل الفلسطينيين. وهكذا، في رأيه أيضاً، "نشأ ائتلاف مأساوي للغاية" بين اليمين الإسرائيلي ومنظمة التحرير وجزء كبير من  اليسار الإسرائيلي، في مواجهة سياسة "الطريق إلى السلام" والمعتدلين الفلسطينيين. (ص 28)

إلى جانب جماعة "الطريق إلى السلام"، تقدم الوزير العمالي (آنذاك) يعقوب تسور بمداخلة قصيرة (صفحة ونصف الصفحة، 38 – 39)، أكد فيها ضرورة المضي في طريقين، في آن واحد: الأولى، الاستمرار في بذل المستطاع من أجل التوصل إلى مفاوضات مع الأردن والفلسطينيين، من دون تحديد تصورات نهائية؛ والثاني، التحادث مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، مع التمييز القطعي "بين الفلسطينيين في المناطق وقيادة م. ت. ف. في تونس." وإذا لم يتوصل المسار السياسي إلى نتيجة، "نسير في طريق وسطي". هكذا أنهى تسور مداخلته، من دون أن يوضح تلك الطرق الوسطى – علماً بأن هذه المداخلة حملت عنوان: "التمييز بين الثابت والمتغير".

والآن، يمكن – من المداخلات الأربع التي ضمتها دفتا هذا الكتاب، ومن المناقشات التي عقبتها – استخلاص ملامح اتجاه إسرائيلي آخر فيما عنى التسوية السياسية، متمثلاً في مجموعة "الطريق إلى السلام"؛ إنها مقاربة تضع نفسها بين "اليمين" و"اليسار"، وتنتقدهما كليهما. لكنها بمقدار ما تحاول تمييز نفسها منهما، تندرج في إطارهما معاً، وتكشف ما بينهما من اتساع مساحة الائتلاف ومن ضيق شقة الاختلاف. وهي بذلك تغدو القاسم المشترك، الذي يوحّد الإسرائيليين، ويصنع إجماعهم القومي، ويحدد عناصر المقاربة الإسرائيلية العام من التسوية السياسية، ويمكن إيجاز هذه العناصر فيما يلي:

أ – ليس لدى الإسرائيليين سعي لـ"السلام" ولتسوية حقيقية، بل لديهم سعي لتسوية مرحلية في أحسن الأحوال، تكون بمثابة "الإطار الفكري" الذي تحدث ميلسون عنه، وتهدف إلى استباق المبادرات الخارجية، وتقديم الحل للمشكلة الفلسطينية، بوصفها مشكلة إسرائيلية أولاً وأخيراً. ومن هنا تعدُّد مبادرات "السلام" الإسرائيلية، واختلاف أشكالها مع اختلاف الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية.

ب – نفي وجود الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يترتب عليه منطقياً رفض منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً له. وليس من قبيل المصادفة، أن ميلسون لم يأت مرة واحدة في حديثه إلى ذكر "الشعب" الفلسطيني؛ فالحديث في الأغلب الأعم هو عن "فلسطينيي المناطق"، الذين يجب -  على هذا النحو أو ذاك – اصطناع قيادة لهم تمثلهم في "التحادث" مع الإسرائيليين.

ج – رفض المؤتمر الدولي رفضاً أصيلاً، كشكل من أشكال "التحادث"، واختزاله إلى مظلة (بحسب صيغة حزب العمل)، وحتى إلى حفلة "كوكتيل" بحسب تعبير شيفتان (ص 40). وبديلاً من هذا المؤتمر، يعرض الإسرائيليين المفاوضات الثنائية المباشرة مع الدول العربية، ومع "فلسطينيي المناطق".

وبمثل هذه العناصر، تكون "الطريق إلى السلام" وصفة للطريق إلى حرب أخرى، وخصوصاً في ضوء استمرار الانتفاضة، وتدفق المهاجرين اليهود، ونتائج حرب الخليج الأخيرة.