يرجع تاريخ العلاقات الثورية بين إيران وفلسطين إلى زمن بعيد، إلى مائة عام تقريباً، كانت العلاقات خلالها بين الثوار من هذين البلدين قائمة على المستويات كافة. وفي العهد الملكي (البهلوي) كان كثيرون من الزعماء الثوريين من التيار الإسلامي والتيار الوطني على صلة بشعب فلسطين وثورة الفلسطينيين. وتتطلب الإحاطة بهذه العلاقات جهداً خاصاً ومفصلاً يفيض عن إمكانات هذا المقال. وما سنحاوله هنا هو كشف بعض جوانب هذه العلاقات في السنوات الثلاثين الأخيرة.
بعد معركة الكرامة سنة 1968 بين قوات الثورة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وبروز القوة العسكرية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، سعى بعض التنظيمات الإيرانية، وبينه منظمة مجاهدي الشعب الإيراني ومنظمة فدائيي الشعب الإيراني، للاتصال بحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية. وقد أقامت منظمة مجاهدي الشعب ارتباطات مع فتح، وعقدت منظمة فدائيي الشعب صلات مع الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية. وفي سنتي 1969 و1970، تدرّب بعض العناصر من مجاهدي الشعب في معسكرات فتح في العراق ولبنان والأردن، ونقل معه بعض الأسلحة لدى عودته إلى إيران.
لكن مجاهدي الشعب لم يستطيعوا الإفادة من هذه العناصر كلها، بسبب تركيبهم التنظيمي الخاص وموانع أمنية وعقائدية معينة، وبسبب الضربات القاسية التي وجهها جهاز الأمن الإيراني (سافاك) إليهم سنة 1971، والتي نجم عنها اعتقال 90% من عناصر التنظيم. وبعد سنة 1971، سعى بعض المجموعات والشخصيات الإيرانية المستقلة للاتصال بالثورة الفلسطينية. ومن الأشخاص الذين قاموا بدور مهم في العلاقات الإيرانية – الفلسطينية قبل انتصار الثورة في إيران وبعده، الشهيد محمد صالح الحسيني. ولا يزال دوره إلى الآن مجهولاً تقريباً في أوساط الرأي العام العربي والإيراني.
كان المرحوم محمد صالح مقيماً في العراق، وبعد أن حصل على شهادة ليسانس في الفيزياء من جامعة بغداد سافر إلى الأردن سنة 1969، حيث التقى مسؤولين في حركة فتح، بينهم الشهيد أبو جهاد والسيد فاروق القدومي.
وفي سنة 1970 التقى محمد صالح في بيروت السيد صادق طباطبائي، من كبار نشيطي الحركة الطالبية الإيرانية في أوروبا، وبحث معه في ضرورة حرب العصابات وضرورة الاتباط بفتح والثورة الفلسطينية. ووعده طباطبائي بالبحث في الأمر مع السيد صادق قطب زاده (وزير خارجية إيران لاحقاً وأُعدم قبل ثمانية أعوام) الذي كان آنذاك مندوباً لحركة التحرير الإيرانية في أوروبا. وقد حضر قطب زاده إلى بيروت بعد فترة قصيرة والتقى المرحوم محمد صالح الحسيني، وعن طريقه التقى السيد فاروق القدومي في عمان. واتفق الإثنان على بعض الخطوات المشتركة، ومنها تعيين مندوب دائم من طرف حركة التحرير الإيرانية لدى فتح. وعلى هذا الأساس، وصل السيد جلال الدين الفارسي (نائب في مجلس الشورى الإسلامي سابقاً، وعضو المجلس الأعلى للثورة الثقافية حالياً) إلى بيروت، وذلك بعد أحداث أيلول الأسود في عمان. وبعد فترة قصيرة من تعيينه مندوباً لحركة التحرير الإيرانية لدى فتح، اختلف السيد الفارسي مع الحركة، وانفصل عنها وواصل نشاطه مستقلاً عنها في بيروت. وحلّ محله الشهيد مصطفى جمران. وكان المرحوم جمران على اتصال بمجموعات طالبية في أوروبا وأميركا، وكانت للمرحوم محمد صالح صلات بأوساط ثورية إيرانية في العراق وسوريا والأردن.
وفي سنة 1973 التقى المرحوم محمد صالح الشهيد محمد منتظري، نجل آية الله منتظري، من كبار زعماء الدين الثوريين في إيران. وتعرف محمد منتظري عن طريق محمد صالح إلى الشهيد أبو جهاد وعدد من المسؤولين الفلسطينيين الكبار. وكانت سياسة المرحوم منتظري وقتئذ إتاحة التدريب العسكري لكل شخص إيراني يريد أن يتدرب ويحمل السلاح، بغض النظر عن انتمائه التنظيمي. وكان معروفاً في كل الأوساط السياسية الثورية الإيرانية، سواء في الجامعات أو في الحوزات العلمية.
وكانت الأكثرية في أول مجموعات تدربت في معسكرات فتح في العراق وسوريا ولبنان عن طريق منتظري، تتألف من رجال الدين الإيرانيين المقيمين في العراق، وبينهم: الدكتور هادي (نائب في مجلس الشورى سابقاً، وسفير إيران لدى دولة الإمارات العربية حالياً)، والسيد ابراهيمي (مسؤول مكتب آية الله منتظري سابقاً)، والسيد سراج الدين موسوي (عضو في مكتب الإمام سابقاً، ورئيس لجان الثورة حالياً)، والسيد دعائي (مدير صحيفة "إطلاعات" اليومية، ونائب في مجلس الشورى)، والسيد املائي الذي استشهد قبل عشرة أعوام في إيران، وآخرون غيرهم.
وفي سنة 1974، سافر السادة هادي وابراهيمي وسراج الدين موسوي إلى باكستان، حيث شكلوا مجموعة لترتيب العلاقات بالمناضلين داخل إيران. وكانت العناصر التي تريد التدرب في الخارج تغادر إيران عن طريق الحدود الإيرانية – الباكستانية، وتتصل بالمجموعة، وكانت هذه ترتب السفر إلى سوريا ولبنان. وكان المرحوم منتظري موجوداً في ذلك الوقت في سوريا ولبنان. وفي سنة 1975، بعد بعض التغييرات في منظمة مجاهدي الشعب وبعض التصفيات الداخلية، وصلت عناصر مرتبطة بالمجاهدين إلى خارج إيران، والتقت المرحوم منتظري وشكلت مجموعة في لبنان وسوريا، من طلاب الجامعة، سهلت ترتيب علاقات منتظري بالجامعات في إيران. وقد أصبحت هذه المجموعة لاحقاً من أنشط المجموعات الثورية الإيرانية في الخارج.
وفي سنة 1975 وصلت أول مجموعة من الطلاب الإيرانيين في ألمانيا، وكان مسؤولها السيد أبو شريف (عباس آغا زماني، وهو أول قائد لقوات الحرس الثوري بعد انتصار الثورة، وسفير إيران سابقاً). وقد تدربت هذه المجموعة في معسكر دوما بالقرب من دمشق، وسافرت بعد انتهاء الدورة التدريبية إلى لبنان، وشاركت في الحرب اللبنانية في جبهات مختلفة. وكانت مكونة من 6 أنفار، استشهد واحد منهم (اسمه الحركي أبو طالب) في الجنوب اللبناني في أثناء الهجوم الإسرائيلي على منطقة العباسية سنة 1975، ودفن هناك.
بعد الهجوم السوري على مواقع الفلسطينيين والحركة الوطنية اللبنانية، وسقوط مخيم تل الزعتر، أُغلق معسكر دوما، وأصبح الإيرانيون يتدربون في معسكر الزهراني قرب صيدا. وكان ترتيب التدريب سهلاً جداً. كان الأخ أبو جهاد، بحسب طلب محمد منتظري أو مندوب عنه، يكتب على ورقة عدد الأشخاص ومدة التدريب، وكان المسؤولون عن المعسكر يستقبلونهم ويدربونهم على مختلف أنواع الأسلحة. وقد تدرب في معسكر الزهران كثيرون من المسؤولين الحاليين في إيران، ومنهم وزراء ووكلاء وزراء وسفراء وقادة في الحرس الثوري، وتعرفوا إلى المقاتلين الفلسطينيين، وشاركوا في القتال ضد العدو الصهيوني في عدة جبهات. وكان من أبرز الشخصيات التي تدربت في معسكر الزهراني سنة 1976 الشهيد السيد بروجردي، قائد قوات الحرس الثوري في منطقة غرب إيران، الذي استشهد في معارك القتال مع العراق سنة 1984. وهو من المتحمسين جداً للقضية الفلسطينية.
ولم تقتصر العلاقات والتعاون الثوري بين الفلسطينيين والإيرانيين على التدريبات العسكرية، بل كان هناك روابط ثقافية وسياسية وعلاقات في مجالات أخرى. وهناك حادثة يجدر ذكرها، وهي سفر طالب إيراني كان يدرس الهندسة في جامعة طهران مع زوجته وطفله إلى لبنان، وتلقيه تدريباً في معسكر الزهراني، ثم سفرهم بعد ذلك إلى إسرائيل. بعد الدورة، أراد الطالب السفر إلى إسرائيل، وطرح المرحوم محمد منتظري الموضوع على الشهيد أبو جهاد. ورتب أبو جهاد جلسة مع الطالب، وحدد بعض النقاط لالتقاط صور لها، وعين شخصاً في تل أبيب للاتصال به وتسليمه بعض المعلومات، وطلب شراء بعض الخرائط غير المتوفرة لدى الفلسطينيين. وكانت العلاقات بين حكومة إيران وإسرائيل في ذلك الوقت طبيعية، والإيرانيون يسافرون إلى إسرائيل من دون تأشيرة ومن دون ختم دخول. وهكذا سافر الطالب وزوجته وطفله إلى إسرائيل، ورجعوا بعد أسبوعين ومعهم كل ما طلبه أبو جهاد.
وفي سنة 1977، بعد استشهاد المفكر الإسلامي الكبير الدكتور علي شريعتي، أقامت مجموعة محمد منتظري حفلاً تأبينياً بمناسبة مرور أربعين يوماً على استشهاد شريعتي في قاعة الجامعة العربية في منطقة صبرا في بيورت. ووزع بهذه المناسبة كثير من الكتب لشريعتي، وشارك الأخ أبو عمار وألقى كلمة بحضور عدد من الشخصيات السياسية والدينية من فلسطينيين ولبنانيين. وكان هذا أول برنامج علني بين مناضلين إيرانيين والثورة الفلسطينية.
خلال السنوات 1974 – 1979 سافر إلى لبنان نحو 150 شخصاً إيرانياً، تدربوا في معسكرات فتح، وشاركوا في جبهات الحرب الأهلية في لبنان أو في الجنوب ضد الاحتلال والحملات الإسرائيلية.
في سنة 1978، بدأت التظاهرات الشعبية في إيران. وبعد فترة، طلب آية الله الخميني من الجنود الإيرانيين عدم المشاركة (في قمع التظاهرات) وعدم الخروج من معسكرات الجيش. وكان هناك في الجنوب اللبناني وحدة من الجيش الإيراني مشاركة في قوات الأمم المتحدة. واتصل بعض الجنود بشبان من مجموعة محمد منتظري وأعلنوا ولاءهم للثورة ورغبتهم في خدمة أهداف ثورية. وبحث منتظري في إمكان الاستفادة من هؤلاء الجنود مع الشهيد أبو جهاد. وسلمهم عدة مرات أسلحة من أنواع مختلفة ومتفجرات لنقلها إلى داخل إسرائيل (كان الجنود يجتازون الحدود الإسرائيلية من دون تفتيش).
وفي تلك الفترة، بسبب الوضع الداخلي في إيران وخروج آية الله الخميني من بغداد وسفره إلى فرنسا، خفت التدريبات العسكرية وزادت النشاطات السياسية. وكان الشهيد محمد صالح الحسيني على اتصال يومي، عن طريق شخصيات فلسطينية، بالجرائد والمجلات اللبنانية والعربية. وكانت مجموعة الشهيد محمد منتظري تستفيد من إمكانات فتح لنشر وتوزيع أخبار التظاهرات وخطابات الإمام الراحل. وفي النهاية، انتصرت الثورة الإيرانية. ورتب المرحوم محمد منتظري والسيد جلال الدين الفارسي سفر الأخ أبو عمار إلى طهران. وكان السيد عرفات أول شخصية ثورية تصل إلى إيران وتقابل الإمام الخميني، وبدأت في اليوم نفسه المؤامرات لتخريب العلاقة.
بعد انتصار الثورة، قُطعت العلاقات الدبلوماسية بين إيران وإسرائيل، وسُلمت سفارة إسرائيل في طهران إلى منظمة التحرير الفلسطينية. وكان السيد هاني الحسن أول سفير لفلسطين في إيران.
في ذلك الوقت، وبسبب الوضع الخاص في إيران وتوقع هجوم على مواقع الثورة، وصل إلى إيران بعد سبعة أيام من سفر أبو عمار إلى طهران، أول وفد عسكري فلسطيني لتدريب الشبان الإيرانيين، وكان مؤلفاً من خمسين شخصاً من قيادات قوات العاصفة. وقد عملوا في عدة معسكرات في إيران، ودربوا الشبان على مختلف أنواع الأسلحة. وغادر الوفد إيران عائداً إلى لبنان بعد ستة أشهر. وقد حاول بعد الفئات والتنظيمات الإيرانية اكتساب لون ثوري عن طريق الاتصال بسفارة فلسطين، ولم تكن الحكومة الإيرانية آنذاك راضية عن الموضوع. لكن سفارة فلسطين، نظراً إلى تجاربها، كانت واعية للمشكلة ولم تتدخل في شؤون إيران الداخلية. وكان السيد هاني الحسن، بعد تدشين سفارة فلسطين في طهران، من أنشط السفراء في إيران، وكان يقابل باحترام كامل في كل مكان.
وفي الاحتفالات بمناسبة مرور عام على انتصار الثورة، كان السيد ياسر عرفات بين المدعوين، ووقف إلى جانب السيد بني صدر (أول رئيس للجمهورية في إيران). وأراد بعض الإيرانيين التقاء أبو عمار ومصافحته، وهجموا على المنصة واستشهد عدد منهم تحت جنازير الدبابات المشاركة في الاحتفالات. وبعد نحو ثلاثة أشهر سافر الأخ أبو عمار مرة أخرى إلى إيران، وألقى كلمة في مدينة الأهواز في جنوب إيران. وبسبب تزاحم الناس، استشهد أيضاً هذه المرة عدد من الأشخاص.
فصل جديد
في سنة 1980، بدأت الحرب الإيرانية – العراقية. ومن المؤكد أن منظمة التحرير الفلسطينية والقضية الفلسطينية كانتا من أكبر الخاسرين في هذه الحرب. إن كثيرين من الشبان الإيرانيين والعراقيين كانوا يودون لو قاتلوا ضد الاحتلال الصهيوني ومن أجل تحرير فلسطين، لكنهم بدلاً من ذلك استشهدوا على جبهات هذه الحرب. وفي الأيام الأولى لاندلاع الحرب كان أبو عمار في موسكو، وغادرها إلى إيران بدعوة من السيد بني صدر، ووصل عن طريق بري وبعد مشكلات كثيرة. وللأسف الشديد لم تكن لدى طهران وبغداد نية لوقف الحرب.
كانت علاقات منظمة التحرير بإيران والعراق في أفضل مستوى. وكانت المعادلات العربية تمنع منظمة التحرير من اتخاذ موقف في مصلحة إيران. ومع ذلك، أعلن أبو عمار عدم موافقته على احتلال أراض. واستمر في محاولات لإنهاء الحرب، وسافر مرتين إلى إيران مع وفد من الدول الإسلامية، وقابل الإمام الخميني ورئيس الجمهورية وعدداً من المسؤولين الإيرانيين. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 1980، وصل السيد موسى كلانتري، وزير المواصلات الإيراني آنذاك، إلى بيروت. وكان أول مسؤول إيراني يزور بيروت بعد تأليف حكومة الشهيد محمد علي رجائي. واستقبله في المطار وفد من منظمة التحرير، وقابل السيد ياسر عرفات. وكانت جلسة طويلة ومتعبة جداً. ونقل السيد كلانتري إلى أبو عمار رسالة شفوية من السيد رجائي، رئيس الحكومة الإيرانية، طلب فيها منه الاتصال بزعماء الخليج والطلب إليهم عدم القيام بأعمال وتحركات ضد إيران. ورد أبو عمار قائلاً إنه كان في إمكانهم أن يطلبوا ذلك منه بالهاتف، وأضاف أن قلبه مع شعب إيران وثورة إيران، ووعد بمتابعة الموضوع.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 1980 وصل إلى بيروت السيد هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس الشورى، على رأس وفد إيراني والتقى كبار المسؤولين في منظمة التحرير. وعقدت جلستان مع الأخ أبو عمار، وبحضور الشهيدين أبو جهاد وأبو الوليد، والسيدين هاني الحسن وفاروق القدومي، وعدد آخر من المستشارين الفلسطينيين. وكان الموضوع الأساسي هو الحرب الإيرانية – العراقية، وكانت آراء الطرفين متباعدة جداً.
وعلى الرغم من الخلافات الموجودة بين الطرفين، فقد حاول كلاهما تطوير العلاقات. وفي شباط/فبراير 1980، وجهت مؤسسة "بنياد شهيد" في إيران الدعوة إلى ثمانين من أبناء شهداء فلسطين للمشاركة في احتفالات الثورة في إيران. وكانت الأخت فاطمة برناوي هي المسؤولة عن الوفد الفلسطيني. وعلى الرغم من المشكلات والتعقيدات سافر الوفد إلى إيران والتقى الإمام الخميني. وفي تلك الفترة، اغتالت الجماعات المتضررة من العلاقات الإيرانية – الفلسطينية الأخ الشهيد محمد صالح الحسيني في بيروت، وهو من أبرز الشخصيات السياسية والثورية هناك. وكانت علاقاته بإيران ومنظمة التحرير جيدة، وكان استشهاده خسارة للطرفين.
وفي أواخر سنة 1981، عين السيد علي أكبر محتشمي سفيراً لإيران في دمشق. وهو من الذين كانوا وما زالوا يعارضون النهج السياسي لمنظمة التحرير، وله مواقف علنية ضد المنظمة. وطبعاً، قلّت كثيراً الزيارات بين الطرفين.
وفي سنة 1982، هاجم الجيش الإسرائيلي الأراضي اللبنانية ومواقع القوات الفلسطينية. وكانت هذه أفضل فرصة لإيران ومنظمة التحرير لتحسين العلاقات بينهما. وبعثت إيران بسرعة مجموعات من المتطوعين من قوات الحرس الثوري للمشاركة في القتال ضد إسرائيل. وللأسف الشديد، بسبب مؤامرات من جهات مختلفة، لم يصل هؤلاء المتطوعون إلى لبنان. وفي اعتقادنا أن لدى السيد محتشمي معلومات كثيرة عن هذا الموضوع، ونأمل بأن يكشف الحقائق عنه في يوم من الأيام، حتى تعرف الشعوب العربية والإسلامية كيف جرى التآمر عليها. وفي هذه الفترة، اختطف السيد أحمد متوسليان، قائد قوات الحرس الثوري، في الطريق إلى بيروت، وما زال إلى الآن مخطوفاً.
ومن المهم أن يعرف الشعب الفلسطيني أن الشعب الإيراني كان وما زال معه، ويدافع عن قضيته، وسيكون معه حتى النصر.
بعد خروج القوات الفلسطينية من لبنان واستمرار الحرب الإيرانية - العراقية، وبسبب العلاقات بين سوريا ومنظمة التحرير، قلّت أكثر فأكثر علاقات إيران بالمنظمات وتبودلت أحياناً حملات إعلامية من جانب كلا الطرفين. وفي المقابل، فتح العراقيون كل الخطوط مع المنظمة، وطبعاً كانت إيران، وما زالت ضد هذا الموضوع.
بعد انتقال مكاتب منظمة التحرير من بيروت إلى تونس زادت المشكلات. وقام بعض الشخصيات الفلسطينية بواجبه (لتحسين العلاقات)، ومنه السيد نزار عمار، الذي كان من أصدقاء الشهيد محمد صالح الحسيني، وله علاقات شخصية جيدة ببعض المسؤولين في إيران. وقد سافر عدة مرات إلى طهران، والتقى السيد محسن رفيق دوست (وزير الحربية سابقاًَ)، ومسؤولين في الخارجية. ونذكر أيضاً محاولات السيد أبو خالد، مستشار أبو عمار في شؤون إيران، الذي سافر عدة مرات إلى طهران، ونقل رسائل من وإلى المسؤولين الإيرانيين والفلسطينيين. كما نذكر أن سفارة فلسطين في طهران ما زالت موجودة، وأن السفير الفلسطيني صلاح زواوي يحاول تحسين العلاقات بحسب الإمكانات والأوضاع.
لقد أثبت الإيرانيون والفلسطينيون في السنوات العشر الماضية حسن نياتهم. وفي سنة 1983، من خلال لقاءات مختلفة ورسائل متعددة، طلب الأخ أبو عمار إلى السيد هاشمي رفسنجاني والمسؤولين الإيرانيين وقف الحرب وعدم دخول إيران الأراضي العراقية. وأعلن أبو عمار السيد رفسنجاني ومحسن رفيق دوست بالمخططات الجديدة للقوى العظمى في المنطقة، وبمالطا جديدة.... والآن بعد وقف إطلاق النار بين إيران والعراق، والتغييرات في أوروبا الشرقية وهجرة اليهود السوفيات إلى فلسطين، ثبتت صحة هذه النظرية.
ومن جهة ثانية، خلال الهجوم الإسرائيلي على لبنان ومجزرة صبرا وشاتيلا، قام الإيرانيون بتظاهرات عديدة ضد الهجوم والاحتلال الإسرائيليين.
وخلال حرب المخيمات كانت مشاعر الإيرانيين مع شعب فلسطين، وحاولت إيران عدة مرات وقف الحرب المجنونة ونجحت في ذلك. وقد عين السيد طباطبائي، وهو من رجال الدين الإيرانيين المقيمين في بيروت، من طرف إيران للتوسط بين حركة أمل والقوات الفلسطينية من أجل وقف القتال ووقف حرب المخيمات، وتحمل متاعب كثيرة. وخلال الحصار على مخيم الرشيدية قرب مدينة صور صمد 60 يوماً مع الفلسطينيين داخل المخيم.
والآن، وبعد انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية، وإعلان دولة فلسطين، واستمرار الانتفاضة، نأمل بتحسين العلاقات بين إيران وفلسطين مجدداً، ونؤكد مرة أخرى ضرورة هذه العلاقات ووقوف إيران جنباً إلى جنب مع الشعب الفلسطيني.