On the Phenomenon of Liquidating Collaborators of the Occupation Authorities
Keywords: 
الانتفاضة 1987
الجيش الإسرائيلي
Full text: 

أثارت ظاهرة تصفية الفلسطينيين المتعاونين مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي جدلًا واسعًا في الأوساط الفلسطينية في الأراضي المحتلَّة، وذلك على الرغم من كونها ظاهرة حدثت وتحدث في الحروب كافة، ولا سيما حروب التحرير. وبينما يعتبر قانونيون أنَّ القانون الدولي لا يمنع التصفية الجسدية أو عمليات القتل، إلَّا أنَّ اتساع هذه الظاهرة خلال العام الثاني للانتفاضة وبداية العام الثالث، والأساليب التي لجأ نشطاء الانتفاضة من الشبان إليها، جعلت أوساطًا عدة تدق ناقوس الخطر ولا سيما لتعارض هذه الأساليب مع قوانين حقوق الإنسان وللبعد الإعلامي السلبي الذي أضفته على الانتفاضة بعد أنْ استغلَّت إسرائيل الموضوع استغلالًا واسعًا. وجاءت الدعوة من القيادة السياسية، داخل الأراضي المحتلَّة وخارجها، إلى وقف عمليات قتل المتعاونين مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية. وعلى الرغم من الهبوط الملحوظ في عدد العملاء الذين قتلوا خلال النصف الأول من العام الثالث للانتفاضة، فإنَّ وقف هذه العمليات نهائيًا يتطلَّب، في رأي أخصائيين قانونيين وسياسيين، تربية سياسية طويلة.

تاريخيًا، أوجدت السلطات الإسرائيلية منذ بداية احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة، شبكة من المتعاونين معها كانت دائمًا بمثابة ذراعها في تنفيذ سياسة الحكم العسكري. واستفادت إسرائيل من هؤلاء "السماسرة"، ولا سيما في إبرام صفقات مزوَّرة لبيع أراض، ثم نظمتهم في وقت لاحق في ميليشيات مسلحة ضمن إطار "روابط القرى" الذي كانت تحاول بواسطته خلق تنظيم سياسي موال لها.

وفي حين فشلت سلطات الاحتلال في فرض هؤلاء المتعاونين معها كإطار سياسي، إلَّا أنَّها نجحت في تحويلهم إلى "طبقة" سياسية صار لها وزن بسبب علاقتها بالسلطات والحكم العسكري. وأصبحت تقوم بعمليات ابتزاز لأموال الفلسطينيين في مقابل تسوية معاملاتهم من رخص بناء وتصاريح سفر عندما يتعذر إنهاء هذه المعاملات بالأساليب الطبيعية. ولم يتوان هؤلاء "المتعاونون" عن فرض نظام إرهابي في مناطق سكناهم، ولا سيما أنَّ إسرائيل حرصت على تسليح عدد منهم.

وإضافة إلى هذا النوع من المتعاونين، أوجدت إسرائيل نوعًا آخر جندته في أجهزة مخابراتها وعمل إلى جانبها، سواء في توفير معلومات استخباراتية عن فلسطينيين نشطاء أو منظمين، أو في المشاركة في عمليات التحقيق مع المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، أو لدسهم في أوساط المعتقلين من أجل انتزاع اعترافاتهم بأساليب متعددة عنيفة أو لينة، وهم مَنْ أصبحوا يُعرفون بين الفلسطينيين باسم "العصافير".

ومع بداية الانتفاضة وإعلان العصيان على سلطة الحكم العسكري، دعت قيادة الانتفاضة، ومنذ البيانات الأولى التي أصدرتها، جميع العاملين في الإدارات التابعة للحكم العسكري إلى الاستقالة، بمن فيهم أفراد الشرطة من الفلسطينيين وأعضاء المجالس البلدية والقروية التي عيَّنتها إسرائيل. وفي الوقت الذي كانت أهداف الانتفاضة القصيرة المدى والطويلة غير واضحة تمامًا، بدأت الدعوات إلى استقالة هذه المجالس "تمهيدًا لإجراء انتخابات ديمقراطية في الوقت المناسب" كما حدد ذلك بيان القيادة الموحدة للانتفاضة الذي حمل الرقم "٦" وصدر في ٣ شباط / فبراير ١٩٨٨.

وفي المقابل، صدرت دعوة مماثلة إلى المتعاونين مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية إلى التوبة و"العودة إلى الصف الوطني"، وإلى تسليم أسلحتهم في الجوامع والكنائس ليتم إتلافها أو إعادتها إلى الحكم العسكري. وظهرت هذه الدعوة جليًا وتكررت في البيانين "١٠" و"١١" اللذين صدرا في ١٠ و١٩ آذار / مارس ١٩٨٨. وجاء في الأوَّل منهما أنَّ القيادة الوطنية الموحَّدة تدعو إلى "تشديد قبضة الجماهير ضد جيش الاحتلال ومستوطنيه وضد العملاء...". وفي الثاني حدَّدت القيادة الموحَّدة للانتفاضة يوم ٢٩ آذار / مارس  ١٩٨٨ "يومًا للتوبة حيث يعطى كافَّة الخارجين عن إرادة شعبهم فرصة للعودة والإقلاع عن معاداة شعبهم وليسلِّم هؤلاء أسلحتهم."

وتطورت هذه الدعوة إلى التهديد؛ إذ بصدور البيان رقم "١٦" بتاريخ ١٣ أيار / مايو ١٩٨٨، حذَّرت القيادة الوطنية الموحَّدة الذين لم يستقيلوا من أنَّ "جماهير الانتفاضة وفرقها الضاربة قادرة على معاقبة كل الخارجين عن إرادة االشعب وقرارات قيادته في الوقت المناسب." وأضافت إلى ذلك بندًا يدعو إلى "تعزيز الضربات ضد عناصر الشرطة والعملاء الذين خرجوا عن الإجماع الوطني بعدم استقالتهم من خدمة العدو وكذلك الأمر بخصوص اللجان البلدية المعينة."

وخلال الأشهر الأولى للانتفاضة، جرت عمليات تصفية جسدية لعدد من "العملاء" والذين عُرفوا لأعوام بتورُّطهم مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية. وكان أول هؤلاء شخصًا يدعى محمد عايد زكارنة (٤٢ عامًا)، وقد أعدمه سكان بلدة قباطية (شمال الضفة الغربية المحتلة) في ٢٤ شباط / فبراير ١٩٨٨ بعد أنْ أطلق النار من مسدسه الشخصي على المتظاهرين الذين طالبوه بالاستقالة، فقتل طفلًا في الرابعة من عمره وأصاب خمسة عشر آخرين بجروح.

وكان محمد عايد زكارنة عُرف في بلدة قباطية بصفته "جاسوسًا" للسلطات وعميلًا لأجهزة مخابراتها وللجيش الإسرائيلي منذ سنة ١٩٦٧. وفي حينه قال سكان قباطية إنَّه مسؤول عن الاعتقالات التي كانت تتم في صفوف أهالي القرية بعد أنْ كان يسلِّم أجهزة المخابرات معلومات عن شبَّان شاركوا في التظاهرات.

وبعد سابقة قباطية، تكرَّرت عمليات قتل متعاونين مع أجهزة المخابرات في عدَّة مناطق من الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنْ بشكل محدود جدًّا. وفي إثر ذلك، بدأت قضية العملاء تظهر في بيانات القيادة الموحدة للانتفاضة، فتطرق البيان "٢٥" الذي صدر بتاريخ ٦ أيلول / سبتمبر ١٩٨٨ إلى عملية القتل هذه، إذ جاء فيه أنَّ ق. و. م. "تشيد بالفرق الضاربة نواة الجيش الشعبي لملاحقتها العملاء في يطا والخليل وعلار ومخيم جنين وقباطية وبديا ومخيم الجلزون وجباليا ودير البلح، وتنفيذها حكم الانتفاضة والشعب ببعضهم. وتدعو الفرق الضاربة إلى مواصلة تنظيف الجبهة الداخلية من دنس أولئك الذين باعوا أنفسهم وشرفهم للاحتلال وخانوا شعبهم ووطنهم." وتحدث البيان "٢٦"، بتاريخ ٢٧ أيلول / سبتمبر ١٩٨٨، عن "أعمال بطولية" تمَّت ضد العملاء في غزة ونابلس وجنين.

وبانتهاء العام الأول للانتفاضة، كان عدد المتعاونين مع السلطات الذين قُتِلوا على يد نشطاء الانتفاضة قد وصل إلى عشرين على الأقل. لكن عملية تصفية العملاء هذه تطوَّرت تطوُّرًا ملحوظًا خلال العام الثاني للانتفاضة، في الوقت الذي كانت القيادة الوطنية الموحدة لا تزال تدعو إلى ملاحقتهم.

ففي ٩ كانون الثاني / يناير ١٩٨٩ صدر البيان "٣٢"، وفيه تكرار للدعوة إلى "ضرورة الاستقالة الشاملة من كافة أجهزة الإدارة المدنية (...) وتحذر ق. و. م. القيمين على محاولات تشكيل لجان بلدية وقروية معينة وتؤكد لهم بأنَّ تحركاتهم المشبوهة مكشوفة للعيون الساهرة ولنْ يتأخر حكم الشعب عليهم."

وتلا ذلك في ١١ شباط / فبراير ١٩٨٩ البيان رقم "٣٤"، وفيه أنَّ "ق. و. م. تهيب بأبطال المجموعات الضاربة للانتفاضة بتصعيد حملاتهم ومهاجمتهم للعملاء والخونة والسماسرة."

وفي ٢٩ آذار / مارس ١٩٨٩، وفي الوقت الذي أشار البيان "٣٧" إلى ضرورة "تطهير صفوفنا من العملاء الساقطين بفضحهم ومحاصرتهم ومقاطعتهم اجتماعيًا وبضربهم حتى يعلنوا توبتهم ويرجعوا عن غيهم"، إلَّا أنَّه أرفق بدعوة إلى "استباحة أملاك من لم يستقل من العاملين في أجهزة الإدارة المدنية وتكليف القوى الضاربة بمتابعتهم." وأضاف البيان إلى ذلك: "فقد اعذر من انذر."

وفي نيسان / إبريل ١٩٨٩، ظهر نوع من "التسيب"، إذ قُتِل في غضون أسبوعين ما لا يقل عن عشر "متعاونين" في الضفة الغربية وقطاع غزة ومعتقل أنصار – ٣ في صحراء النقب. وفي الوقت ذاته، بدأت إسرائيل حملتها الإعلامية لنشر دعاية "الإرهاب الفلسطيني" الذي يمارس ضد الفلسطينيين. ووصف رجل الدبلوماسية الإسرائيلية موشيه آرنس عمليات القتل هذه في إحدى زياراته لخارج إسرائيل، بأنَّها عمليات تصفية لفلسطينيين "معتدلين" سياسيًا على يد "المتشددين" في منظمة التحرير الفلسطينية والقيادة الموحَّدة للانتفاضة، بسبب رغبة هؤلاء "المعتدلين" في الدخول في مفاوضات مع إسرائيل.

وظهرت لهجة جديدة في بيانات القيادة الموحَّدة للانتفاضة التي تنبَّهت لـ"الفخ" الذي تحاول إسرائيل إيقاع الانتفاضة فيه. ولأوَّل مرة، حدَّد البيان رقم "٤٠" الذي صدر بتاريخ ٢٢ أيار / مايو ١٩٨٩ مبررات قتل المتعاونين مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية؛ إذ في الوقت الذي دعا إلى "مواصلة ملاحقة العملاء وأعوان الاحتلال كي يكونوا عبرة لكل من يخون شعبه وقضيته"، أكَّدت القيادة الموحَّدة أنَّ "ملاحقة العملاء لا تتم باعتبارهم خصومًا سياسيين لهم وجهات نظر متميزة ولكنْ باعتبارهم أدوات قمع للاحتلال مزوَّدة بالأسلحة التي تستخدمها لقتل جماهيرنا وإرهابها."

وشهدت الفترة التالية، أي النصف الثاني من سنة ١٩٨٩ والأشهر الأولى من سنة ١٩٩٠، تسارعًا في عمليات تصفية العملاء، حتَّى تجاوز عددهم منذ بداية الانتفاضة إلى بداية عامها الثالث ١٥٠ قتيلًا. غير أنَّ مراقبين لأحداث الانتفاضة، وبينهم أستاذ الفلسفة في جامعة بير زيت، د. سري نسيبة، يعزون هذا التزايد في عمليات تصفية العملاء إلى خطة إسرائيلية بدأ تنفيذها منتصف سنة ١٩٨٩، وأخفق الفلسطينيون في تلمس أهدافها في وقت مبكر.

ويرى نسبية أنَّ استعادة نشاط العملاء في مختلف المناطق فجأة عن طريق فرض الإرهاب، وبعد أنْ كان كثيرون منهم أعلنوا توبتهم في الجوامع والكنائس في بداية الانتفاضة أو انسحبوا من مجتمعاتهم، لم تكن عفوية وإنَّما جاءت نتيجة قرار اتَّخذته السلطات بإعادة تفعيلهم.

ويعزو هذا القرار إلى اقتناع السلطات بأنَّ من الصعب الاستمرار في محاولة اقتحام حصن القرية الفلسطينية من خلال الجيش؛ ذلك بأنَّ هذه السياسة المتبعة تجعل من القرية الفلسطينية أكثر قوة وتماسكًا وتوحدًا، ويتبلور هذا بإعادة إعلانها قرية محرَّرة لحظة خروج الجيش منها. ويرى أنَّ الهدف من وراء تفعيل نشاط العملاء، وبالتالي تفعيل خلافات عائلية أو عشائرية أو فصائلية، عن طريق هذا النوع من العملاء أو غيرهم، كان محاولة إيجاد ثغرة للوصول إلى داخل هذا الحصن الفلسطيني "كطابور خامس" ومحاولة تفكيكه من الداخل.

وإذ يعتبر نسيبة أنَّ هذه السياسة التي بدأت في أيار / مايو ١٩٨٩ هي "أول مبادرة هجومية إسرائيلية حقيقية" ضد الانتفاضة، يرى أنَّ رد فعل الفلسطينيين على "إرهاب" العملاء، والذي هو أصلًا ظاهرة طبيعية، أوقع الفلسطينيين في "الفخ" الذي نصبته إسرائيل عن طريق الانجرار وراء قتل العملاء "حتى أصبح عدد العملاء الذين يُقْتَلون يفوق عدد الشهداء على يد جنود الاحتلال."

إضافة إلى ذلك يعترف نسيبة، كما تعترف القيادة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلَّة، بأنَّ هناك "تجاوزات" حدثت في قضية قتل العملاء، وأخطاء ارتكبت، ونوع من "الانفلات" لا يمكن تبريره بوجود ضرورة "لقتل هذا العدد الهائل منهم لا سيما وأنَّ هناك تفاوتًا في (درجة العمالة) وكان بالإمكان إعادة اجتذاب بعضهم إلى داخل المجتمع الفلسطيني."

غير أنَّ القيادة الفلسطينية، في الداخل كما في الخارج، تنبهت في رأي نسيبة لـ"الفخ" الإسرائيلي الذي بدأ ينعكس سلبًا على "متانة الحصن الفلسطيني" من جهة، وعلى آثار الانتفاضة الإعلامية من جهة أخرى، فبذلت جهودًا لـ"تطويق الثغرة" عن طريق البيانات والنداءات التي صدرت من الداخل والخارج معًا، وذلك "في وقت مبكر نسبيًا".

ولوحظ أنَّه بعد البيان رقم "٤٠" للقيادة الوطنية الموحَّدة للانتفاضة، الذي برَّر الأسباب وراء تصفية العملاء، طلب البيان "٤١" الذي صدر بتاريخ ١٣ حزيران / يونيو ١٩٨٩، "مزيدًا من الضرب على أيدي العملاء ومحاسبتهم وطنيًا"، لكنْ على أنْ "يتم التركيز على أولئك الذين تتوفَّر الأدلَّة ضدهم ويتوفَّر الإجماع الوطني في الموقع على إدانتهم والتمييز بينهم من حيث مستوى العقوبة وفقًا لحجم جرائمهم ضد الشعب ومدى استعدادهم للتوبة الصادقة."

وتطورت اليقظة في التعامل مع موضوع تصفية العملاء إلى حد عكسه البيان رقم "٤٣" بتاريخ ٢٥ تموز / يوليو ١٩٨٩، الذي أهاب "بالقوى الضاربة واللجان الشعبية التروي في إصدار أحكامها وعدم اللجوء إلى الإعدام إلَّا في حالات التعامل الصارخ وبعد التحقق التام من ثبوت تهمة الخيانة وبمصادقة المراجع العليا."

وتوالت النداءات التي دعت إلى الحد من التصفيات الجسدية للعملاء؛ إذ ناشدت ق. و. م. الفلسطينيين في البيان رقم "٤٤" الصادر بتاريخ ١٥ آب / أغسطس ١٩٨٩، "عدم القيام بتصفية أي عميل دون قرار مركزي من القيادة العليا أو لا يتوفر حوله إجماع وطني وقبل أنْ يتم تحذيره مسبقًا وإعطاؤه فرصة للتوبة." وفي البيان "٤٥" بتاريخ ٥ أيلول / سبتمبر ١٩٨٩، جرى "إعادة التأكيد على كافة كوادر القوى الضاربة واللجان الشعبية على ضرورة الانضباط خوفًا من التسيب الذي يتيح للعدو استغلال هذه الظاهرة ميدانيًا وإعلاميًا."

إلَّا أنَّ قضية قتل العملاء وما تبعها من سلبيات أثارا قلقًا من نوع آخر، هو قلق رجال القانون ودعاة حقوق الإنسان والذين يؤمنون، وبينهم رجل القانون الفلسطيني جوناثان كُتَّاب، بأنَّ حقوق الإنسان "لا تتجزَّأ"، والتزام مبادئها وتطبيقها يجب أنْ يكونا "في كل زمان ومكان ومع الأعداء والأصدقاء على حد سواء."

وأشد ما يثير قلق كُتَّاب هو ما تردد عن محاكمات تجرى للعملاء قبل اتخاذ قرار بتصفيتهم جسديًا. وهو يرى أنَّه "يجب أنْ تكون هناك قواعد لكيفية التعامل مع العملاء وضمان حقوق إنسانية لهم."

ويرى كُتَّاب أنَّ "الظروف التي نعيشها هي ظروف ميدانية والمحاكم الميدانية تكون دائمًا أقل احترامًا لحقوق المتهم من المحاكم النظامية العادية." وهو يشير بذلك إلى عمليات الضرب والتعذيب التي تمارس ضد العملاء والتي يعزوها إلى أنَّ "بعض المناضلين تشبعوا أساليب المخابرات الإسرائيلية التي استخدمتها معهم في التحقيق وحاولوا تطبيقها في التحقيق مع العملاء."

ويضيف كُتَّاب "أنَّ أخطر ما يمكن أنْ يحدث هو أنْ نصبح بمثل فاشية الصهاينة وبذلك فحتَّى لو كسبنا حرب التحرير نكون قد خسرنا الحرب الحقيقية." وبالتالي، فإنَّ "المحاكمات التي تبنى على اعتراف أُخذ بالقوة هي صورية وليست حقيقية والأحكام التي تصدر عنها هي أحكام جائرة ولا يستطيع أي رجل قانون أنْ يحتجَّ على المحاكم العسكرية الإسرائيلية بأنَّها جائرة وظالمة ويجيز لنفسه أو لحركته  الوطنية أو مناضليه من أجل استقلال وطني أنْ يقوموا بذات المخالفات." ويخلص إلى قاعدة هي أنَّه "يجب أنْ نكون أرقى أخلاقيًا من العدو الذي نواجهه."

ويرى كُتَّاب أنَّ "حركات تحرير مختلفة في أنحاء العالم تمكَّنت كما تمكَّنت المحاكم الفلسطينية في مواقع معينة ومراحل معينة من إعطاء المتهمين فرصًا كافية للدفاع عن أنفسهم وإحضار بياناتهم ودحض الأدلَّة ضدهم ومن ثم تثبت إدانتهم أو براءتهم وبالتالي من الممكن التخلِّي عن المحاكم الصورية في سبيل محاكم عادلة... وإذا ثبت أمام محكمة عادلة بما لا يقبل الشك أنَّ العميل قام بالفعل بأعمال عمالة واضحة أدَّت إلى خسائر فادحة أو إلى مقتل شبان نشطاء فإنَّ القانون الدولي على الأقل لا يمنع إيقاع العقاب بهؤلاء."

وعلى الرغم من عدم إيمان دعاة المقاومة اللاعنفية بعقوبة الإعدام، فإنَّ كُتَّاب يرى أنَّ في أوضاع الاحتلال الحالية يمكن تفهُّم ذلك؛ إذ لا تملك قيادة الانتفاضة أيَّة سجون لِإيداع العملاء. كما أنَّه بعد لجوء قيادة الانتفاضة إلى أساليب عدَّة لردع العميل، ومنها نبذه ومقاطعته وإخراجه من مجتمع القرية أو المخيم وإحراق وتخريب ممتلكاته، وحتَّى فرض الإقامة الجبرية عليه داخل منزله (كما فعلت في عائلة تتكون من ٨ أفراد تعيش في نابلس والتي وضعت في قيد الإقامة الجبرية في منزلها ستة أشهر باستثناء رب العائلة حتَّى فك أسرها عبر مكبرات الصوت في ٨ تشرين الثاني / نوفمبر ١٩٨٩، باستثناء أحد الشبان الذي أُخضع لستة أشهر إضافية وأعيد دمجهم في مجتمع نابلس). وإذا ما أصر بعد ذلك على الاستمرار في عمالته فلا شيء يمنع إنزال عقوبات أشد به.

ويعتبر كُتَّاب أنَّ في الحالة الأخيرة لا يمكن الاستمرار في اعتبار الشخص عميلًا لسلطات الاحتلال، وإنَّما يتحوَّل إلى "جندي" في صفوف جيشه عدا عن كونه خائنًا لشعبه وقضيته، ويضيف: "في هذه الظروف الموضوعية التي يقوم بها بعض  العملاء بحمل السلاح وبإطلاق النار على أبرياء ليس هناك مبدأ قانوني يمنع الدفاع عن النفس وإذا كانت القيادة الفلسطينية اتَّخذت قرارًا حكيمًا بعدم استخدام الأسلحة النارية ضد جنود الاحتلال خلال الانتفاضة فليس لأنَّنا محرومون من حق الكفاح المسلح ولكنْ لأنَّنا ولاعتبارات تاريخية وموضوعية اخترنا استخدام وسائل أخرى ذات طابع يغلب عليه اللاعنف."

ويعتبر كُتَّاب أنَّه كما استطاعت القيادة الفلسطينية التوصل إلى قرار حكيم بعدم اللجوء إلى الكفاح المسلح الذي هو "ظاهرة طبيعية جدًا وشرعية" خلال فترة محددة وفي أوضاع تاريخية محددة، فإنَّ في إمكان الفلسطينيين أيضًا الامتناع من ظواهر طبيعية أخرى مثل قتل العملاء.

وفي الوقت الذي تلجأ أجهزة المخابرات الإسرائيلية إلى استخدام وسائل متعددة للإيقاع بشبان من أجل التعامل معها، وبينها ممارسة الضغوط والتعذيب ومحاولة إيهامهم بأنَّ لا رجعة عن طريق بدأوه ولا خيار سوى التعامل معها بشكل رسمي، وذلك بعد أنْ تنجح في حمل أحدهم على أنْ يشي بأحد زملائه، يرى كُتَّاب أنَّ دور القيادة الحكيمة يكمن في قطع الطريق على أجهزة المخابرات باتباع أسلوب التوبة.

ويتَّفق كُتَّاب مع نسيبة في أنَّ التثقيف المكثَّف والتوعية السياسية من شأنهما ضبط حماسة النشطاء واندفاعهم، وتوجيه طاقاتهم في اتجاه ممارسة دور الإصلاح والتوجيه على حساب دور العقاب. وكان البيانان "٤٥" و"٤٦" من بيانات القيادة الموحَّدة للانتفاضة (سبق ذكرهما) أشارا إلى ضرورة "إعطاء الفرصة للتوبة واتِّباع أسلوب الإصلاح والمراقبة كخيار أوَّلي وقبل البدء في إنزال العقوبات"، وكذلك إلى "وقف نشاط العملاء التخريبي بواسطة الإجراءات التدريجية."

ومن الممكن اعتبار أنَّ الوعي القيادي الفلسطيني وصل إلى مرحلة متقدِّمة جدًّا عندما تمَّ، في البيان رقم "٥٥" بتاريخ ١٩ نيسان / إبريل ١٩٩٠، إعلان "ميثاق وطني وعهدة تاريخية مقدسة، وهي: عدم إهدار الدم الفلسطيني على أيد فلسطينية." وبعد الاعتراف بأنَّ "العدو استطاع أنْ يستفيد من ظاهرة إعدام العملاء والتمثيل في جثثهم"، تؤكِّد ق. و. م. "أنَّ أحكام الإعدام لا تنفذ إلَّا في حالة إصدار الأمر بذلك من الجهات العليا"، وفي الوقت ذاته "تستمر القوى الضاربة  في رصد تحركات هؤلاء العملاء وملاحقتهم وتنظيم المقاطعة الاجتماعية إزاءهم وتحديد العقوبات التي تتلاءم ودرجة انحرافهم"، وبشرط أنْ تستمر الجماهير وعناصر القوى الضاربة في التمكن في حالات الدفاع عن النفس الاضطرارية من اللجوء لقتل المعتدين."