After the Completion of the First Phase... Life-Time Prisoners and Hope for an Exchange Deal
Date: 
March 28 2025
blog Series: 

إن السجن "المؤبد" هو الحكم الأعلى والأشد قسوة بين الأحكام التعسفية التي تفرضها المحاكم الإسرائيلية بحق الأسرى والمعتقَلين الفلسطينيين الذين تصنفهم دولة الاحتلال الإسرائيلي أسرى أمنيين؛ إذ يَصْدُرُ حكم "المؤبد" بحق كل مَن شارك أو أعطى الأوامر أو قدّم المساعدة مع سبق الإصرار في القيام بعمل ما، بدوافع نضالية وقومية، بهدف القتل، أو تسبب في مقتل أحد الإسرائيليين أو الفلسطينيين الذين تتهمهم الفصائل الفلسطينية بالخيانة والتخابر مع الاحتلال (العملاء). تلك هي القاعدة، بينما هناك حالات صدرت فيها أحكام بالسجن "المؤبد" بحق أسرى فلسطينيين نفذوا أعمالاً ضد المحتل ولم توقِع عملياتهم قتلى.

 ولم تكتفِ المحاكم الإسرائيلية بأن يكون "المؤبد" لمرة واحدة فقط، بل أيضاً أصدرت حكم "المؤبد" لأكثر من مرة بحق الشخص الواحد وبـ "التهمة" ذاتها، معتمدة "المؤبد" في مقابل كل قتيل، في العمل الواحد أو في مجموع الأعمال التي كان الأسير مشاركاً فيها أو كانت له علاقة بها، وبذا، من الممكن أن يرتفع حكم المؤبد إلى مرتين أو ثلاث وربما يصل إلى عشر أو عشرين مرة وأكثر بحق الشخص الواحد، وكُثر هم الأسرى الفلسطينيون الذين صدر بحقهم حكماً بالسجن المؤبد عدة مرات، يتقدمهم الأسير الفلسطيني عبد الله البرغوثي الذي صدر بحقه حكماً بالسجن المؤبد 67 مرة، وهو الأعلى حكماً بين أسرى المؤبدات القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، كما يتصدر أيضاً مجموع أحكام المؤبدات الصادرة بحق الأسرى الفلسطينيين والعرب على مدار التاريخ، والتي تُقدّر بنحو 2000 قرار حكم بالمؤبد.

 وفي مرات عديدة أضافت المحاكم الإسرائيلية المؤبد، مرة وأكثر، بحق أسرى معتقلين لديها في الأساس بتهمة التواصل مع الخارج وإعطاء الأوامر من داخل سجنهم لتنفيذ أعمال ضد المحتل وأعوانه، والتي أدت إلى قتل شخص أو أكثر. ولا تكتفي إدارة السجون الإسرائيلية بحكم المؤبد فحسب، بل أيضاً تعمل على التضييق عليهم والتنكيل بهم، وتتفنّن في تعذيبهم بوسائل شتى، وتعزلهم في زنازين انفرادية لفترات طويلة وتحرمهم من أبسط مقومات الحياة، وغير ذلك من التضييقات والإجراءات التعسفية.

ماذا يعني حكم المؤبد؟

السجن المؤبد، في قانون العقوبات الإسرائيلي، يعني مدى الحياة، وبالعبرية (מַאֲסָר עוֹלָם)، ويعني أن يمضي الأسير ما تبقّى من حياته في السجن، أي أن أسرى المؤبدات في سجن مفتوح غير محدد بسنوات، ومن غير المعلوم تاريخ الإفراج، بعكس الأسرى الآخرين الذين صدرت بحقهم أحكام عالية، إذ إن كل أسير من هؤلاء يعرف عدد السنوات التي سيمضيها في السجن وتاريخ الإفراج عنه، وخرج كثير منهم من السجن بعد إمضاء مدة محكوميته البالغة 20 عاماً، وما يزيد بعامين وخمسة أو 30 عاماً وأكثر، من دون أن يحرره أحد، ليترك وراءه أسرى المؤبدات ينتظرون مَن يحررهم.

والمفارقة أن حرّية أسرى المؤبدات كانت في مراحل عديدة قاب قوسين وأدنى، وفي محطات معينة تحرروا قبل أن يمضي ذوو الأحكام سنوات حكمهم، وقد تكرر المشهد مراراً، وحدث مع كل صفقة تبادل ومراحل معينة ضمن المسار السياسي، إذ إنه لا يوجد خروج طبيعي لأسرى المؤبدات من السجن سوى في إطار صفقات استثنائية.

المؤبد في القانون الإسرائيلي العام وإمكان تخفيضه

يحق للأسير الذي يمضي حكماً بالسجن المؤبد لمرة واحدة أن يتوجه بطلب إلى اللجنة المختصة من أجل تخفيض المؤبد وتحديده بسنوات شرط أن يكون الأسير قد أمضى في السجن 7 أعوام، وفي حال كان يمضي حكماً بالسجن المؤبد لأكثر من مرة، فإنه يُشترط به أن يكون قد أمضى 15 عاماً على الأقل.[1]

 هذا ما ينص عليه القانون الإسرائيلي العام، وحين يتعلق الأمر بالأسرى الفلسطينيين المصنَفين إسرائيلياً بالأسرى الأمنيين، تختفي النصوص وتتبخر الحقوق وتغدو الكلمات مجرد حبر على ورق، فلا فرصة فعلية لهم، إذ إن الرفض هو الرد الثابت على الطلبات القانونية التي لجأ إليها عدد من الأسرى بعد الإفراجات السياسية التي أعقبت اتفاق أوسلو سنة 1993، وهنا ليس في ذاكرتي سوى مجموعة محددة من أسرى المناطق المحتلة سنة 1948، حاملي الجنسية الإسرائيلية، الذين تمت الموافقة على طلباتهم في بدايات الألفية الثالثة، في إثر جهود سياسية وقانونية، وَهًم:

- كريم وماهر يونس: تم تخفيض المؤبد لكل منهما وتحديده بالسجن 40 عاماً، وأُفرج عن كليهما في كانون الثاني/يناير 2023، بعد أن أمضى كل واحد منهما أربعة عقود في السجن.[2]

- سمير السرساوي ومحمود عثمان جبارين: تم تخفيض المؤبد لكل منهما وتحديده بالسجن 30 عاماً، وأُفرج عنهما سنة 2018 بعد تمضية المدة كاملة.

- رشدي أبو مخ: تم تخفيض المؤبد وتحديده بالسجن 35 عاماً، أمضاها كاملة وأُفرج عنه سنة 2021.

- بشير الخطيب: تم تخفيض المؤبد وتحديده بالسجن 35 عاماً، أمضاها كاملة وأُفرج عنه سنة 2023، وتوفي بعد خروجه بأشْهر قليلة.

- وليد دقة: تم تخفيص المؤبد وتحديده بالسجن 37 عاماً، لكن سلطات الاحتلال رفضت الإفراج عنه بعد تمضية المدة، وفرضت عليه السجن لسنتين إضافيتين كعقوبة جديدة، من دون مراعاة وضعه الصحي المتدهور، فاستشهد داخل السجن الإسرائيلي سنة 2024 بعد تمضية 38 عاماً، ولا تزال تحتجز جثمانه وترفض الإفراج عنه.[3]

- سامي يونس: تم تخفيض المؤبد إلى 40 عاماً، وبعد تمضية 28 عاماً، تحرر ضمن صفقة شاليط سنة 2011، وتوفي سنة 2015.

- مخلص برغال ومحمد منصور زيادة وعلي عمرية: تم تخفيض المؤبد إلى 40 عاماً، وتحرر ثلاثتهم ضمن صفقة شاليط سنة 2011 بعد أن أمضى كل منهم 24 عاماً في السجن.

- محمد أحمد جبارين، تم تخفيض المؤبد إلى 30 عاماً، وتحرر ضمن صفقة شاليط بعد تمضية 23 عاماً.

- إبراهيم أبو مخ: تم تخفيض المؤبد إلى 40 عاماً، مضى منها 39 عاماً ولا يزال أسيراً.

- إبراهيم بيادسة: تم تخفيض المؤبد إلى 45 عاماً مضى منها 39 عاماً ولا يزال أسيراً.

ما الذي تُريده إسرائيل من حكم المؤبد؟

يُعتبر حكم المؤبد أو السجن مدى الحياة بديلاً لحكم الإعدام، وهو أشبه بالقتل البطيء، يُراد منه إسرائيلياً الانتقام من الأسير وكبح إرادته وإضعاف معنوياته والنيل من عزيمته، والسعي لمعاقبته وذويه وتعذيبهم معاً، فبقدر ما يبقى الأسير حياً وراء القضبان، يكون قد رُدع عن طريقه المحيط العائلي وبث الرعب والخوف في أوساط المجتمع الفلسطيني ولدى كل مَن يفكر في القيام بعمل مقاوم للاحتلال ربما يسبب القتل، ولسان حالهم يردد دائماً: إمّا الموت، قنصاً أو اغتيالاً، وإمّا الاعتقال والسجن المؤبد وتمضية ما تبقّى من العمر في السجن والموت بين جدرانه. وكثير من الفلسطينيين سقطوا شهداء بفعل ذلك، أو تسبب هذا الإجراء لهم بأمراض مزمنة وعاهات وإعاقات مستدامة.

وعلى الرغم مما يمكن أن تُلحقه أوضاع السجن القاسية وسنوات الأسر الطويلة من أذى وضرر بصحة الأسير، فإنك تجد المقاومين غير مبالين، ولا يأبهون بأحكام المؤبد الصادرة بحقهم، وتراهم في المحاكم الإسرائيلية يقفون منتصبي القامة، ومرفوعي الهامة، ومعنوياتهم عالية، رافعين إشارة النصر أمام القضاة الإسرائيليين، وتجدهم يبتسمون حين ينطق القاضي الإسرائيلي بحكم المؤبد، فيغيظون أعداءهم ويتفاخرون فيما بينهم بعدد مرات المؤبد التي تدلل على حجم مشاركتهم في مقاومة مُحتل أرضهم، ومن أجل حقوق شعبهم، في إطار المقاومة التي أجازتها العدالة الدولية وكفلها القانون الدولي. وعلى الجانب الآخر، فهم يتسلحون بالأمل وقوة الإرادة والعزيمة، ويوقنون أن شعبهم لن ينساهم وقادر على تحريرهم.

لماذا صفقات تبادل الأسرى؟

 يُعتبر تحرير الأسرى الفلسطينيين والعرب من سجون الاحتلال الإسرائيلي من الواجبات الرئيسية، الوطنية والدينية والأخلاقية للثورة الفلسطينية المعاصرة، وفاءً لهم وتقديراً لنضالاتهم وتضحياتهم، وليس هذا فحسب، بل أيضاً لأن تحريرهم هو ضرورة حيوية وجوهرية، من أجل ترسيخ الإرادة الفلسطينية وتعزيز روح المقاومة ورفع معنويات الشعب الفلسطيني.

 وانطلاقاً من ذلك، تبنت الثورة الفلسطينية المعاصرة، منذ انطلاقتها سنة 1965، ثقافة أسر واحتجاز الإسرائيليين بهدف مبادلتهم بأسرى فلسطينيين وعرب، ثم أصبحت جزءاً أساسياً من فلسفة الفصائل الفلسطينية وأدبياتها، في ظل استمرار الاعتقالات الإسرائيلية والأحكام العالية وسوء المعاملة. وقد حاولت الفصائل الفلسطينية كثيراً ونجحت مراراً، وكان أولها سنة 1968،[4] وتلاها العديد من الصفقات، حتى بات سجل الثورة الفلسطينية المعاصرة حافلاً بصفقات التبادل وتحرر بموجبها آلاف الأسرى والمعتقلين من سجون الاحتلال الإسرائيلي، بينهم المئات من أسرى المؤبدات.

وفي سياق متصل بالإفراجات، وفي إثر التوقيع على اتفاق أوسلو في 13 أيلول/سبتمبر1993، وما تلاه من اتفاقات وتفاهمات سياسية، تم الإفراج عن مئات آخرين من أسرى المؤبدات والأحكام العالية، من الفلسطينيين والعرب، لكن الطريقة والآليات الإسرائيلية المجحفة في التعامل مع الأسرى، بعد أوسلو، ومعاييرها الظالمة واستحداث مصطلح "الأيادي الملطخة بالدماء" هي التي أقامت الدليل لدى الكثيرين من أسرى المؤبدات والأحكام العالية على أن إسرائيل لن تُخرجهم جميعاً ضمن المسار السياسي، وهو ما دعاهم إلى مطالبة الفصائل الفلسطينية بالبحث عن خيار بديل، الأمر الذي دفع بعضها إلى اللجوء إلى خيار القوة بهدف إجراء صفقات التبادل، والتي نجحت في إجبار إسرائيل على التخلي عن معاييرها المجحفة وتصنيفاتها الظالمة، وإطلاق سراح أسرى لطالما رفضت الإفراج عنهم في إطار الإفراجات السياسية، وما صفقة شاليط ببعيدة؛ التي تحرر بموجبها نحو 284 من أسرى المؤبدات، إذ شملت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة الإفراج عن 302 من أسرى المؤبدات، يشكلون نصف إجمالي أسرى المؤبدات، وهو ما يُعتبر إنجازاً، ويعطي بارقة أمل جديدة إلى المتبقين منهم وراء القضبان، الذين يعلقون آمالاً كبيرة بأن تشملهم إفراجات المراحل القادمة من الاتفاق.

وعلى الرغم مما تحقق، فإن هذه الصفقة مختلفة عن الصفقات السابقة على مدار الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها، كونها جاءت بموازين تختلف عن غيرها وبأوضاع غاية في القسوة والألم، الأمر الذي جعل منها نقطة توقف وتقييم لدى الكثير من المختصين والمتابعين، لكن من غير المناسب الآن التطرق إليها أو الخوض فيها، على الرغم من أن بعض تلك الآراء تستحق القراءة والتأمل في وقت لاحق.

ويبقى للحرّية مذاق آخر، وللأسرى المحرومين من الحرّية حلم يراودهم، وأمل لا يموت، فمنه يستمدون قوة صبرهم وصمودهم، وبه يواجهون ظلم سجانيهم وقسوة أوضاع اعتقالهم، ومعه يزدادون تفاؤلاً بغدٍ مُشرق وحرّية قريبة. وتبقى صفقات تبادل الأسرى هي كلمة السر لأسرى المؤبدات في عناقهم للحرّية، ما لم تغير إسرائيل طريقة تعاملها معهم.

 

[1] "تخفيض مدة عقوبة السجن المؤبد وتخفيف العقوبة من قبل رئيس الدولة"، موقع كل الحق"كل زخوت" (بالعبرية)، 2/3/2025.

[2] عبد الناصر فراونة، "كريم يونس: أربعة عقود في السجن من دون أن يحرّره أحد"، "مدونة فلسطين الميدان، مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، 30/11/2022.

[3] عبد الناصر فراونة، "من هو الأسير وليد دقة؟"، "مدونة فلسطين الميدان، مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، 20/4/2023.

[4] عبدالناصر فراونة، "صفقات تبادل الأسرى على مر السنين"، "مدونة فلسطين الميدان، مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، 17/4/2020.

Read more