مدخل
تناول بعض الباحثين موضوع تهجير سكان قطاع غزة بعد سنة 1967، متطرقين إلى بعض الخطط التي وضعتها منظومة الاستعمار الاستيطاني لتهجيرهم بشكل قسري أو "طوعي". ويحاول البعض التمييز بين التهجير القسري، والطوعي القائم على الاختيار، إذ تعرّف الأمم المتحدة التهجير القسري بـ "دفع الأفراد والمجتمعات إلى الفرار أو مغادرة منازلهم أو أماكن إقامتهم المعتادة نتيجة أو من أجل تجنب آثار أحداث أو مواقف مثل النزاع المسلح، والعنف بشكل عام، وانتهاكات حقوق الإنسان، والكوارث الطبيعية أو من صنع الإنسان، و / أو مشاريع التنمية. ويشمل ذلك الحالات التي فرّ فيها الناس، وكذلك الحالات التي تم فيها إبعاد الناس قسراً من منازلهم أو إجلائهم أو نقلهم إلى مكان آخر لم يختاروه، سواء من قبل جهات حكومية أو غير حكومية. والعامل الحاسم هو غياب الإرادة أو الموافقة."[1]
يجب الأخذ بعين الاعتبار التمييز بين مفهومَي "اللاجئين" و "المهاجرين"، فإحدى السمات المميزة بين المفهومَين هي طبيعة الهجرة القسرية في مقابل الهجرة الطوعية. فاستناداً إلى تعريف اللاجئين في الاتفاقية المتعلقة بوضع اللاجئين، فإن المهاجرين مجبرون على الفرار من العنف المباشر أو الاضطهاد على أساس هويتهم العرقية أو الدينية أو السياسية، وهو ما يجعل فئة "الطوعية" واسعة جداً. وبالتالي، فإن العنف المباشر وغير المباشر يصبّان في الاتجاه نفسه، ذلك بأن التهجير لا يقتصر على الأفراد الذين يسعون للحصول على فرصة اقتصادية، بل يتعداه أيضاً إلى أولئك الذين قد يواجهون مخاطر وجودية في بلادهم الأصلية.[2]
في الحالة الفلسطينية عامة، وقطاع غزة خاصة، ربما يكون إطلاق وصف "طوعية" على عملية التهجير مخادعاً، كأن مَن هاجر كان لديه عدة خيارات متاحة، وأنه اختار الهجرة طوعاً لتحسين ظروف حياته مثلاً، الأمر الذي يعني إغفال وجود مخططات إسرائيلية لجعل قطاع غزة مكاناً غير قابل للحياة وطارداً للسكان، فلا يصبح أمام السكان خيار سوى الهجرة طلباً للحياة الكريمة. وبالتالي، انتفى في هذه الحالة الاختيار والطوعية، وبات هذا الشكل من التهجير قسرياً، وإن بدا كأن الأفراد اختاروا ذلك طواعية من دون إجبار أو تأثر بضغط الواقع الحياتي المتردي. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يجب أن نأخذ في الاعتبار وجود فجوة في استخدام مفهومَي الهجرة الطوعية والقسرية، وأن الحدود بين المفهومين غير واضحة في طبيعتها.[3]
تستعين هذه الدراسة بمفهوم الاستعمار الاستيطاني كأداة نظرية لتحليل الحالة الاستعمارية في فلسطين عامة، وقطاع غزة خاصة. يشير فايز الصايغ إلى أن الاستعمار الإسرائيلي يسعى لترحيل السكان الأصلانيين وتهجيرهم قسرياً، وعندما لم ينجح في ترحيلهم بشكل كامل (عقب سنة 1948)، عاد إلى عزلهم والتضييق عليهم من أجل دفعهم إلى الهجرة.[4] ويؤكد جورج جبور أن الهدف الرئيسي للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي كان دوماً السعي للاستيلاء على الأرض والتخلص من السكان الأصلانيين،[5] في حين يرى حسام حداد أن إسرائيل تلجأ إلى نصوص توراتية من أجل شرعنة التخلص التام من السكان الأصلانيين وإبادتهم،[6] بينما يجادل عبد الوهاب المسيري في أن النظرية الاستعمارية الصهيونية قائمة على ترحيل السكان الأصلانيين (population transfer).[7]
وبحسب باتريك وولف (Patrick Wolfe)، فإن الاستعمار الاستيطاني مبني على منطق المحو والإزالة (elimination)،[8] في حين يؤكد لورنزو فيراتشيني (Lorenzo Veracini) ضرورة فهم العلاقة الديالكتيكية بين الاستعمار والاستعمار الاستيطاني، إذ يقع التشابك بين الإصرار على استغلال "الآخرين" الأصلانيين مع السعي لإزاحتهم،[9] لكنه يميل إلى استخدام مصطلح الترحيل (transfer) (مثلما يفعل المسيري) بدلاً من الإزالة والمحو.[10]
يتناول الباحثون المنطق الحاكم لمنظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي وهو الإزالة والتهجير والتخلص من السكان الأصليين باستخدام العنف والتطهير العرقي،[11] لكن قلة من الباحثين تناولت موضوع التهجير "الطوعي" وأدواته ووسائله، وفي هذا السياق تحاجج رنا بركات في وجود شكل من أشكال المحو / الإزالة الديموغرافية المتدرجة، أو ما يمكن تسميته "التهجير الهادىء".[12]
من هنا نبع اهتمام هذه الدراسة بموضوع "التهجير الطوعي" وأدواته، وفي مقدّمها تشغيل الأيدي العاملة الفلسطينية وكيفية توظيفه كأداة للتهجير "الهادىء" الطوعي. صحيح أن بعض الباحثين (ومن أبرزهم ليلى فرسخ)[13] تناولوا هجرة الأيدي العاملة الفلسطينية إلى داخل الخط الأخضر، إلّا إن الدراسات السابقة[14] التي تناولت موضع الأيدي العاملة الفلسطينية لم تربط بين تشغيل الأيدي العاملة وتحقيق هدف التهجير الطوعي، وهذه هي الثغرة المعرفية التي تسعى هذه الورقة لسدّها، فضلاً عن محاولة استقصاء الأساليب الإسرائيلية من فرض الحصار على قطاع غزة من أجل التشجيع على الهجرة "الطوعية". وبالتالي، فإن السؤال الرئيسي الذي تسعى هذه الدراسة للإجابة عنه هو: كيف استخدمت منظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي موضوع تشغيل الأيدي العاملة والتضييق المعيشي، وكذلك الهجمات العسكرية الإسرائيلية وأعمال الإبادة الجماعية في قطاع غزة، كأدوات لتهجير الفلسطينيين من القطاع، وكيف كانت ردة فعل الفلسطينيين على ذلك؟ إذ سيتم تناول دور "الفاعلية الفلسطينية" والصمود الفلسطيني في إفشال مخططات التهجير "الطوعي" والقسري.
تشير المعطيات الأرشيفية إلى وجود علاقة بين تشغيل الأيدي العاملة بواسطة الاحتلال، والسعي لتهجير الفلسطينيين. وتستند هذه الدراسة إلى مادة أرشيفية كشف عنها الاحتلال مؤخراً، وهي عبارة عن محاضر "لجنة المديرين" المكونة من المدراء العامين للوزارات الإسرائيلية، وهي لجنة تشكلت بقرار من الحكومة الإسرائيلية بتاريخ 11 / 6 / 1967، في اليوم التالي لانتهاء الحرب، بهدف وضع السياسات والخطوط العريضة لإدارة السكان في مناطق 67. وتتضمن المادة الأرشيفية 210 جلسات بواقع 1270 صفحة باللغة العبرية للفترة 1967 - 1977، فضلاً عن مادة أرشيفية مكونة من أربعة ملفات بواقع 1447 صفحة، تحوي تأريخاً شفوياً بواسطة معهد ديفيس لوزير العمل يغآل ألون، علاوة على الاستناد إلى المقابلات الشخصية التي أجراها الباحث على هامش تحضيره لرسالة الدكتوراه، وإلى التقارير والإحصاءات الصادرة عن مراكز الإحصاء ومؤسسات حقوق الإنسان.
ولا تقتصر أهمية هذه الدراسة على الموضوع الذي تتناوله، بل تمتد أيضاً إلى الفرادة في استخدام المصادر الأرشيفية التي تستند إليها، والتي لم تكن متاحة للباحثين قبل رفع السرية عنها مؤخراً. وتأتي هذه الدراسة استكمالاً لما بدأه الباحث في أطروحته لنيل درجة الدكتوراه، والتي جادل نظرياً فيها بشأن المنطق الذي تحتكم إليه منظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، وفحص الفرضية القائلة إن هذه المنظومة عملية مستمرة متطورة، وذلك بواسطة فحص العلاقة بين تشغيل الأيدي العاملة وتهجيرها، وفاعلية الفلسطينيين في التعامل مع هذا المخطط. وتجادل الدراسة في أن ثمة مخططاً إسرائيلياً لتهجير الفلسطينيين بشكل "طوعي" من خلال استخدام عدة أدوات، وبينها تشغيل الأيدي العاملة والتضييق المعيشي، غير أن هذا المخطط فشل بسبب فاعلية الفلسطينيين.
تبدأ هذه الدراسة بمقدمة يتم فيها الإشارة إلى الثغرة المعرفية التي ستعالجها، وذلك بعد إجراء مراجعة للأدبيات المنشورة، وكذلك السؤال البحثي والمنهجية والمجادلة العامة. وفي المبحث الأول من الدراسة يتم تناول مخططات التهجير الحكومية بالرجوع إلى الأرشيف الإسرائيلي ومحاضر الاجتماعات، ثم ننتقل إلى المبحث الثاني المتعلق باستخدام العمل أداة للتهجير استناداً إلى محاضر اجتماعات لجنة المديرين، وفي المبحث الثالث نتعرض لمخطط "لجنة الأساتذة" للتهجير الطوعي. أمّا المبحث الرابع فيتناول كيفية استخدام التعليم المهني أداة للتشجيع على التهجير الطوعي، وذلك استناداً إلى التاريخ الشفوي والمقابلات المؤرشفة لوزير العمل (عقب حرب 1967) يغآل ألون، ومحاضر جلسات المديرين، لننتقل بعدها في المبحث الخامس إلى تناول حصار قطاع غزة والحملات العسكرية عليه في العقدين الأخيرين وتأثيرهما في الهجرة الطوعية والقسرية. ونتطرق في المبحث السادس إلى حرب الإبادة الإسرائيلية عقب 7 تشرين الأول / أكتوبر وانعكاسها على تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، يليه مبحث نتناول فيه الفاعلية الفلسطينية التي أفشلت مخطط التهجير الطوعي ارتكازاً على إحصاءات مؤرشفة لمكتب الإحصاء الإسرائيلي. وتنتهي الورقة بخاتمة تتضمن أهم الاستنتاجات.
مخططات التهجير الحكومية
تدل محاضر اجتماعات الحكومة الإسرائيلية عقب حرب 1967 على تبنّيها مخططات لتهجير السكان الفلسطينيين، وبشكل رئيسي سكان قطاع غزة. فعلى أرض الواقع، وفي أثناء الحرب، لم ينفذ الجيش الإسرائيلي عملية تطهير عرقي واسعة مثلما حدث في أثناء تأسيس دولة إسرائيل في سنة 1948، وإنما نفذ عمليات تطهير عرقي على نطاق أضيق، وذلك بسبب وجود معارضة دولية وفاعلية فلسطينية رافضة للترحيل. فعلى سبيل المثال لا الحصر قام بترحيل الفلسطينيين من سكان الحي اليهودي في البلدة القديمة في القدس بتاريخ 18 / 6 / 1967،[15] إذ بلغ عدد مَن تم ترحيلهم من القدس إلى الأردن نحو 6000 فلسطيني، وذلك بعد محو حي المغاربة وهدمه بالكامل.[16]
وبحسب الإحصاءات الصادرة عن الأمم المتحدة، هجّرت إسرائيل نحو 180,000 فلسطيني في الأيام الأولى للاحتلال،[17] بينما يذكر الباحث نور الدين مصالحة أن إسرائيل هجّرت ما مجموعه 320,000 فلسطيني من الضفة الغربية وغزة في أثناء حرب 1967، أو بعدها بوقت قصير.[18] ووثّقت الأمم المتحدة خمس حالات للتهجير وهدم للبيوت في الضفة الغربية أبرزها الهدم الهائل للمنازل في قلقيلية (850 منزلاً من مجموع 2000) وتهجير أهلها، وكذلك ترحيل أكثر من نصف سكان طولكرم (إذ تُظهر الإحصاءات أن عدد سكانها في سنة 1961 كان أكثر من 30,000، وبعد التهجير القسري نتيجة حرب 1967 وصل العدد إلى نحو 15,000)،[19] علاوة على تهجير 50,000 شخ
ص تقريباً من أريحا، وتهجير سكان قريتين من قرى الخليل هما بيت عَوّا التي يبلغ عدد سكانها 2500 نسمة، وقرية بيت مرسم التي يبلغ عدد سكانها 500 نسمة.[20] وقبل ذلك هُجّر سكان قرى اللطرون الثلاث (يالو؛ عمواس؛ بيت نوبا) التابعة للقدس بعد تدمير منازلهم، وكان عددهم أكثر من 10,000 نسمة.[21]
يُظهر اجتماع الحكومة الإسرائيلية بتاريخ 19 / 6 / 1967 سعي رئيس الحكومة ليفي أشكول لترحيل الفلسطينيين إلى الدول العربية كي "تستوعبهم"، وذلك بواسطة إجراء "تبادل سكاني" مع الدول العربية.[22] وكان فحوى هذا الإجراء أن يُرحَّل الفلسطينيون إلى الدول العربية في مقابل إقرار الدول العربية بتهجير مواطنيها اليهود إلى إسرائيل، وبالتالي يتم تعويض الفلسطينيين عن أملاكهم وخسائرهم المادية الناتجة من التهجير، في مقابل تنازل إسرائيل عن تعويض اليهود عن أملاكهم في الدول العربية، قبل قدومهم لاستيطان فلسطين.
وقد اقترح يغآل ألون (نائب رئيس الحكومة) في جلسة للحكومة أن يُنقل اللاجئون الفلسطينيون إلى صحراء سيناء، وأن يُعمل على إقناع الفلسطينيين بالرحيل إلى الخارج، مصرّحاً بالقول: "نحن لا نعمل ما يكفي لتشجيع العرب على الهجرة." أمّا مناحم بيغن رئيس حزب حيروت (الليكود)، والوزير بلا حقيبة في حكومة الوحدة الوطنية عشية حرب 1967، فاقترح تقويض مخيمات اللاجئين وترحيل سكانها إلى صحراء سيناء.[23]
طُرحت عدة أفكار في مداولات الحكومة الإسرائيلية بشأن مستقبل قطاع غزة، وكانت الفكرة الأبرز هي "تشجيع" سكان القطاع على الهجرة إلى دول أُخرى، تمهيداً لضمّ القطاع إلى سيادة إسرائيل بعد تفريغه من سكانه. وفي هذا السياق، اقترح أشكول تجفيف المياه في القطاع لإحداث أزمة إنسانية، وكذلك تدمير ما تبقّى من قطاع الزراعة المحدود أصلاً، بهدف خلق ظروف قاسية ستدفع قسماً من السكان إلى الهجرة إلى دول أُخرى. أمّا موشيه دايان، وزير الدفاع آنذاك، فوضع هدفاً طموحاً لتقليص عدد سكان القطاع من 450,000 إلى 100,000، معتقداً أنه يمكن التعايش مع هذا العدد. وأكدت الحكومة أن تنفيذ هذه الخطة سيعتمد على تشجيع السكان في القطاع على الهجرة، مع تقديم المساعدة اللازمة لاستيعابهم في الدول الأُخرى التي سيهاجرون إليها، وحرصت على إبقاء هذه الخطة سرية لتجنّب ردات الفعل الدولية. وأعلن دايان أنه سينكر وجود هذه الخطة في حال تم الكشف عنها، وإذا ما عُقدت لجنة تحقيق بشأنها.[24]
ولتنفيذ مخطط التهجير "الطوعي" أنشأ أشكول بتاريخ 19 / 2 / 1968 وحدة سرية لتشجيع السكان على الهجرة من قطاع غزة، بحيث يُسمح بحرية الحركة والتدفق من قطاع غزة إلى الضفة الغربية، ثم يتم تهيئة الأمور لتهجيرهم إلى الخارج بواسطة التواصل مع وكالات السفر والحكومات الأجنبية من أجل استيعابهم.[25]
عُيّنت عيدا سارني مسؤولة عن "مشروع الهجرة" في إطار خطة إسرائيلية تهدف إلى تشجيع سكان قطاع غزة على الهجرة الطوعية إلى دول أُخرى، وكان الهدف الرئيسي من هذه الخطة هو تقليص عدد السكان الفلسطينيين في قطاع غزة بهدف تسهيل ضمها إلى سيادة إسرائيل. وضمن هذا المشروع، قُدّمت حوافز متنوعة إلى الفلسطينيين تشمل منحة مالية، ومساعدة لوجستية خلال عملية الهجرة، علاوة على دعم تكاليف السفر. وكانت الدول المستهدفة لاستقبال المهاجرين هي: الأردن، ودول الخليج العربي، وبعض الدول الأوروبية، لكن على الرغم من الموارد الكبيرة التي خصصتها حكومة الاحتلال لتنفيذ هذه الخطة، فإنها باءت بالفشل. فمع أن سارني استطاعت إيجاد عدد من الدول الأوروبية المستعدة لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين، إلّا إن المشكلة الأساسية كانت في رفض الفلسطينيين أنفسهم الهجرة، إذ تمسكت أغلبيتهم بأراضيها، ورفضت العرض الذي قُدم إليها، حتى إن الحوافز المالية لم تكن قادرة على إقناعهم بالهجرة.[26]
في نهاية المطاف، تمت عملية الهجرة بمقدار أقل كثيراً من الهدف الذي حددته إسرائيل، إذ أسفرت العملية عن هجرة نحو 20,000 لاجىء فقط، وهو ما يشير إلى فشل المشروع.[27] ومع ذلك، فإن مصر والأردن تقدمتا بشكوى ضد إسرائيل في الأمم المتحدة عقب انكشاف مخطط التهجير "الطوعي"، فتعرضت دولة الاحتلال لإدانات واسعة نتيجة اتهامها بتنفيذ عملية تهجير قسرية للفلسطينيين. وفي هذا السياق، سُمح بعودة جزء من الفلسطينيين الذين كانوا قد غادروا القطاع، فاسحاً في المجال لِلَمّ شمل العائلات. وبعد هذه الضغوط، قررت إسرائيل إنهاء مشروع الهجرة الطوعية، إذ تبيّن أن 97% من سكان قطاع غزة ظلوا في أراضيهم، وأن الخطة لم تحقق أي نتائج عملية.[28]
غير أن إنهاء المشروع لا يعني إنهاء الفكرة والتخلي عنها، وإنما تغيير الأسلوب والتكتيك للوصول إلى هدف التهجير الطوعي، ولهذا تم اللجوء إلى تشغيل الأيدي العاملة من أجل الوصول إلى الهجرة الطوعية وهذا ما سنتناوله فيما يلي.
العمل أداة للتهجير الطوعي
لجأت إسرائيل إلى تشغيل الأيدي العاملة كوسيلة لتنفيذ "الهجرة الطوعية". وبدأ ذلك بدعوة دايان في جلسة الحكومة المخصصة لبحث مستقبل مناطق 67 إلى تهجير فلسطينيي قطاع غزة إلى معسكرات في أريحا، تحت ستار توفير فرص عمل لهم وتشغيلهم،[29] وذلك كخطوة أولى من أجل تسهيل تهجيرهم إلى الأردن فيما بعد.
أخذت لجنة المديرين بمقترح دايان ووضعته في قيد التنفيذ، وهو ما تشير إليه جلسة لجنة المديرين المؤرخة بـ 28 / 9 / 1967، تحت عنوان: "نقل السكان من غزة إلى الضفة"، وذلك بواسطة إقامة مشاريع زراعية وتوفير فرص عمل تجذب سكان قطاع غزة (وبشكل أساسي مهجري سنة 1948) إلى الانتقال إلى الضفة الغربية، كمرحلة أولى من أجل تهجيرهم إلى الأردن.[30] ولتعزيز هذا التوجه شدد قائد الجيش في قطاع غزة مردخاي غور على ضرورة خلق "ظروف ضاغطة" كالتجويع، من أجل إجبار سكان القطاع على الرحيل، بقوله: "بحسب تقديري يجب إيجاد ظروف تجعل السكان يرغبون في الخروج من القطاع، لكن علينا التحكم في الضغط كي لا يقود إلى تمرد، بل يدفعهم إلى الخروج. وهذه الظروف يجب خلقها بين اللاجئين وبين السكان، ليشعروا بأن لا أمل لهم في القطاع من ناحية زراعية، وعندما ترسل القيادة ما يتم صرفه إلى (الأونروا)، يُبعث إليها بوجبات أقل للاجئين، الأمر الذي سيصعّب ظروف الغذاء. أمّا فيما يتعلق بـ (كير) [منظمة مساعدة إنسانية دولية]، فإن الضغط يجب أن يكون الغذاء في مقابل العمل. إن ردات الفعل الأمنية ستكون شديدة، لأن ظروفاً كهذه ستجعل الحياة صعبة هنالك، ولهذا أقترح تجميد خطط التطوير هناك."[31]
يؤكد الجنرال شلومو غازيت (ممثل وزارة الدفاع في اللجنة، والحاكم العسكري للضفة فيما بعد) أن الهدف من "نقل" السكان من غزة إلى الضفة هو تسهيل انتقالهم إلى الأردن، قائلاً: "هذه العملية يجب أن تشمل جميع السكان بالتدريج - هذا في القطاع - أمّا فيما يتعلق بالضفة، فإن الخبرة بالعرب في الماضي لا تُظهر أن الانتقال إلى الغور سيعقبه الانتقال شرقاً (الأردن)، ولهذا يجب خلق ظروف لانتقال السكان."[32] وقد علّق على كلامه نائب وزير المالية تسفي دنيشتاين بقوله: "سنحرك السكان من القطاع إلى أماكن أُخرى سيجدون فيها عملاً. لكن السؤال الأساسي هو: هل ثمة إمكان لتحريك السكان علناً؟"[33] فيجيب غور في الجلسة نفسها: "المشكلة هي في خلق الاستعداد عند اللاجئين للرحيل."[34]
في السياق ذاته يؤكد سكرتير لجنة المديرين وقتئذ دان حيرام ضرورة إحداث فجوة اقتصادية بين قطاع غزة والضفة الغربية، وكذلك خلق ظروف في الضفة تجذب السكان من القطاع، كخطوة أولى من أجل ترحيلهم.[35] كما تحضرت اللجنة لردة فعل المجتمع الدولي، فقد عرض أ. شلوش من وزارة الخارجية كيفية طرح الموضوع أمام الرأي العام العالمي بقوله: "علينا أن نعرض أمام العالم مشكلة اللاجئين [كالتالي]: 1) القطاع غير مهيأ لتشغيل السكان وليس فيه شروط ملائمة للعمل؛ 2) التأهيل المهني في كل مكان ممكن؛ 3) التشجيع على الهجرة إلى الدول التي تقبل باستيعابهم، وإقناعها بالعمل معنا لمصلحة تحسين وضع اللاجئين."[36] ويلخص عضو اللجنة دنيشتاين المطلوب بقوله: "على [قيادة] الضفة إعداد المشاريع، و[قيادة] القطاع إعداد طرق الإجلاء."[37]
بدأت لجنة المديرين بتاريخ 12 / 10 / 1967، تُشرف على تنفيذ مخطط التهجير في الجلسة رقم 30، بدعوى "تشجيع" السكان على الانتقال من قطاع غزة إلى الضفة الغربية، بواسطة إقرار تنفيذ مشروع طريق عين جدي - الفشخة (كمشروع لتشغيل اليد العاملة الغزاوية وإقناع الغزيين بالانتقال)، كما تضمنت الخطة تشغيل 500 عامل في قطاع الزراعة، ومن ضمن الخطة سيتم منح اللاجئين الذين ينتقلون مع عائلاتهم رعاية اجتماعية، تتمثل في منحهم وجبات طعام تساوي في قيمتها وجبات "الأونروا"، مع منحهم مبلغاً مالياً لترتيب أمورهم مقداره 35 ليرة إسرائيلية. وقررت اللجنة أيضاً أن تبحث في اجتماعها المقبل طريقة تقليص عدد الوجبات الغذائية الممنوحة للاجئين في القطاع والضفة بواسطة "الأونروا"، وعلى ضوء التقدير الخاص بالقادة العسكريين عن مسار "النقل" ووتيرته، فإنه سيتم في الجلسات المقبلة إقرار الحاجة إلى التشجيع على الانتقال شرقاً (الأردن).[38]
عمل الحكم العسكري الإسرائيلي على تهجير 50,000 من مخيم جباليا في قطاع غزة إلى الأردن في صيف سنة 1968، لكن الحكومة الأردنية تنبهت إلى هذا المخطط فوضعت قيوداً على دخول لاجئي قطاع غزة إلى الأردن، واشترطت أن يحصل لاجئو القطاع على تصريح مسبق لدخولهم الأردن (عن طريق رئيس البلدية رشاد الشوا)،[39] الأمر الذي تسبب بإفشال المخطط الإسرائيلي. وساهم في إفشال هذا المخطط الموقف الرافض الذي اتخذه رؤساء البلديات في الضفة الغربية، إذ رفضوا المساهمة في قبول لاجئي غزة، على الرغم من الإغراء المقدم لهم من إسرائيل بالاستثمار في المشاريع والصناعات المحلية.[40]
وعلى الرغم من الفشل الذي مُني به المخطط الإسرائيلي، فإن الجهود الإسرائيلية لم تتوقف لتشجيع السكان على الهجرة "الطوعية" عن طريق طلب العمل، إذ قام جهاز الموساد في أيار / مايو 1969 بعقد اتفاق مع حكومة باراغواي لاستيعاب 60,000 مهاجر فلسطيني من طالبي العمل، في مقابل تلقّي 33 دولاراً كرسوم عن كل مهاجر، وتعهُّد الحكومة الإسرائيلية بتغطية تكاليف سفرهم، وفي المقابل تمنحهم باراغواي تأشيرة عمل لمدة 4 أعوام، وهو ما يمهد لحصولهم على الجنسية، ذلك بأنه بحسب قانون باراغواي يمكن لأي شخص يحمل تأشيرة دخول ويعمل هنالك لمدة 5 أعوام، أن يحصل على الجنسية. وقد أمِلَت الحكومة الإسرائيلية بأن ينجح هذا المخطط، لكنه مُني بفشل ذريع بفضل الفاعلية الفلسطينية، إذ لم يهاجر عبر هذا البرنامج سوى العشرات من الفلسطينيين،[41] الأمر الذي ربما يفسر عدم تركيز إسرائيل على مثل هذا الأسلوب فيما بعد.
مخطط لجنة الأساتذة للتهجير "الطوعي"
انتهج الحكم العسكري الإسرائيلي سياسة "الجسور المفتوحة" القائمة على إبقاء حرية الحركة في اتجاه الأردن من خلال فتح الحدود، وذلك لتحقيق عدة أهداف، بينها التهجير "الطوعي" أو ما اصطُلح عليه بالتهجير الهادىء، وذلك بواسطة خلق "الظروف" التي تقود السكان إلى التفكير في الهجرة الطوعية، وهذا ما أكده الجنرال غازيت.[42] وفي معرض دفاع دايان عن فكرة "الجسور المفتوحة" التي لاقت معارضة من بعض أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، قال: "الحركة عبر جسر دامية لها سلبيات، لكنها كالإوزّة التي تبيض ذهباً، وتسهّل خروج الناس مع أملاكهم [....]علينا التسهيل لمَن يريد العبور إلى الشرق، وإذا نجحنا في أن يعبر 150,000، فهذا يعني أننا نكون قد حققنا إنجازاً."[43]
ارتبط "التهجير الهادىء" عبر الجسور المفتوحة بتوفير التعليم الجامعي والمهني للشباب الفلسطيني، وذلك استناداً إلى نتائج أبحاث "لجنة الأساتذة" (لجنة البروفسورات)، وهي لجنة مكونة من ثمانية أساتذة جامعيين تشكلت بناء على قرار من الحكومة في الشهر الأول من احتلال مناطق 67، وذلك بهدف وضع الخطوط الأساسية للسياسة الإسرائيلية تجاه السكان في تلك المناطق، ومن أجل تحقيق هدفين رئيسيين هما: جلب الهدوء (pacification) فيها والعودة إلى ممارسة الحياة الاعتيادية، والعمل على تحقيق التوازن الديموغرافي بين العرب واليهود من خلال التشجيع على الهجرة.[44]
استندت "لجنة الأساتذة" في دراساتها إلى نظرية التحديث لتفسير ديناميات التحول بين التقليدية والحداثة، فالمجتمع التقليدي يُعرَّف بأنه قروي، متدين، غير متعلم، وكبير السن، بينما المجتمع الحديث يتميز بالشباب، والعلمانية، والمدنية، والتعليم. ويقترح هذا النموذج أن المجتمعات التقليدية تتجه بالتدريج نحو الحداثة الغربية من خلال عملية شاملة تشمل التغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، غير أن معدل هذا التحول نحو الحداثة يتوقف على مدى الترابط مع الغرب المتقدم ووجود نخبة محلية متأثرة به.[45]
وخلصت أبحاث "لجنة الأساتذة" إلى أن معظم المجتمع الفلسطيني يتميز بطابع تقليدي، الأمر الذي يجعله يميل إلى التهدئة، كما استنتجت اللجنة أن عملية "تحديث" المجتمع الفلسطيني قد تساهم في نشوء طبقة وسطى تضم المهنيين والمتعلمين، إلّا إن هذه العملية تحمل تناقضات، إذ يمكن أن تؤدي من جهة إلى فقدان الاحتلال السيطرة على هذه الطبقة الناشئة، لكنها من جهة أُخرى ربما تخلق في الوقت ذاته فئة حداثية تحمل مواقف إيجابية تجاه الاحتلال. وبناء على ذلك، رأت اللجنة أن سياسات التنمية قد تدعم التهدئة. ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته اللجنة على عيّنة من الفلسطينيين، أفاد 97% منهم بعدم رغبتهم في استمرار السيطرة الإسرائيلية على حياتهم، وهو ما قاد الباحثين إلى استنتاج أن "التحديث" وحده لا يضمن تحقيق الهدوء. وحذّر أحد الأساتذة من أن التحديث بين مجتمعين عدوّين قد يثير "الغيرة" لدى الفلسطينيين عند احتكاكهم بالمجتمع الإسرائيلي، الأمر الذي ربما يعزز عدم رغبتهم في التعاون مع الحكم العسكري.[46]
يمكن القول إن هذا الاستنتاج يرتكز على تبنّي نظرية "الحرمان النسبي" (relative deprivation)، وهي نظرية تُستخدم في العلوم الاجتماعية لوصف مشاعر أو مستويات الحرمان الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي لدى مقارنة الأفراد أو المجتمعات أنفسهم بغيرهم، فيشعرون بالحرمان من بعض الموارد أو الفرص. واعتبر بعض علماء الاجتماع أن "الحرمان النسبي" يُعدّ عاملاً رئيسياً في نشوء الحركات الاجتماعية والاحتجاجات السياسية.[47]
ركزت "لجنة الأساتذة" على التشجيع على الهجرة من خلال وضع تصور يربط البحث عن فرص العمل بالهجرة من فلسطين إلى الدول العربية. وكشفت أبحاث اللجنة عن ميل كبير لدى الشباب المتعلمين نحو الهجرة، وإن كان هذا الميل مقترناً بارتباطهم القوي بالوطن، إذ أظهر البحث أن 90% من المستطلعين لا يرغبون في الهجرة بسبب تمسكهم بالأرض، الأمر الذي أدى إلى استنتاج ضعف احتمال حدوث هجرة جماعية طوعية في المناطق المحتلة. كما بيّن البحث أن معظم حالات الهجرة كان بدافع البحث عن فرص عمل، مع وجود دافع آخر هو الخوف من سلطات الاحتلال. ومع ذلك، عبّر 85% من المستطلعين عن نيتهم في العودة، وهو ما دفع الباحثين إلى استنتاج أن الهجرة بغرض العمل تعزز "التهجير الهادىء".[48]
استناداً إلى نتائج البحث، أوصت "لجنة الأساتذة" بتبنّي الحكم العسكري الإسرائيلي برنامجاً تعليمياً مهنياً لتلبية حاجات الدول العربية المجاورة من الأيدي العاملة، وذلك بهدف تشجيع الشباب على الهجرة من أجل العمل، وهو ما قد يشجع عائلاتهم على اللحاق بهم بالتدريج، ليتحول بذلك نمط الهجرة الموقتة إلى هجرة دائمة بعد استقرارهم في الدول المجاورة. وخلصت اللجنة إلى أن احتمال عودة هؤلاء المهاجرين بعد تأقلمهم ستكون ضعيفة، الأمر الذي ربما يؤدي إلى انخفاض عدد الفلسطينيين بنحو 1% سنوياً، وهو ما اعتبرته اللجنة إنجازاً استراتيجياً. كما أظهرت الأبحاث أن المتعلمين هم الأكثر ميلاً إلى الهجرة سعياً للعمل، وهو ما يفسر موافقة الحكم العسكري على إنشاء الجامعات الوطنية في مناطق 67، ذلك بأن هجرتهم تساهم في تهدئة الأوضاع، كونهم يمثلون قوة تغييرية ربما تهدد الوضع التقليدي القائم الذي يميل إلى التهدئة بزعامة "المخاتير". ومع ذلك، حذرت اللجنة من أن المتعلمين قد يشكلون سيفاً ذا حدين، إذ ربما يتحولون إلى عناصر محفّزة على المقاومة ضد الاحتلال إذا ما بقوا في البلد. وعقب صدور توصيات "لجنة الأساتذة"، عُقد اجتماع في بداية سنة 1968 بين قادة الحكم العسكري الإسرائيلي وحكام المناطق وأعضاء اللجنة لمناقشة نتائج الأبحاث وتحديد كيفية تطبيقها على أرض الواقع.[49]
ولتنفيذ توصيات اللجنة، اقترح موشيه دايان على اللجنة الوزارية للمناطق في 24 نيسان / أبريل 1969 السماح للطلاب الفلسطينيين بالسفر من أجل الدراسة في الجامعات المصرية، متوقّعاً أن هؤلاء الطلاب، في أغلبيتهم، لن يعودوا بعد أن يعتادوا على الاستقرار المادي والأمني في الدول العربية، الأمر الذي ربما يؤدي إلى "التخلص" من الآلاف منهم. ولضمان نجاح هذا المخطط، أوصى بالسماح للطلاب الفلسطينيين بتقديم امتحان الثانوية العامة وفقاً للمنهاج المصري، وهو ما جرى فعلاً،[50] غير أن النتائج على الأرض جاءت مغايرة لتوقعات دايان، وهذا ما سيتم عرضه في مبحث عن الفاعلية الفلسطينية.
التعليم المهني وسيلة للتهجير الطوعي
يُظهر الأرشيف الإسرائيلي وجود مخطط للتشجيع على الهجرة بدافع البحث عن العمل عبر توفير تعليم مهني للفلسطينيين، إذ استخدمت إسرائيل التعليم المهني أداة لتعزيز الهجرة الطوعية. وعمل الحكم العسكري الإسرائيلي على تدريب الأيدي العاملة من خلال إنشاء برامج تعليمية مهنية، ولذلك أصدرت "لجنة المديرين" توجيهات في منتصف تشرين الثاني / نوفمبر 1967 لإقامة دورات تعليمية مهنية.[51] ولاحقاً، تقدمت مؤسسات دولية بطلب للمشاركة في تنفيذ هذه البرامج المهنية، وقد وافق الحكم العسكري على هذا الطلب، الأمر الذي زاد في فاعلية هذه المبادرات في تأهيل الكوادر للعمل خارج البلد.[52]
خصص الحكم العسكري الإسرائيلي ميزانيات لتشجيع التعليم المهني، ولهذا اعتاد على استقطاع مبالغ من أجور العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، تُودع في صندوق يُفترض أنه يُغطي الجوانب الاجتماعية لسكان مناطق 67. ففي قطاع غزة وشمال سيناء، بلغ الدخل السنوي للصندوق نحو 10 ملايين ليرة إسرائيلية، خُصص منها 3,8 ملايين فقط للأنشطة الاجتماعية، وُزعت كالتالي: مليون للتدريب المهني؛ 0,6 مليون للصحة؛ 0,4 مليون للمدارس؛ 1,8 مليون لتطوير شبكة الكهرباء.[53] ويلاحظ أن أكبر حصة من الميزانية خُصصت للتدريب المهني، الأمر الذي يشير إلى أن هذا المجال كان يُعتبر أولوية في المخطط الإسرائيلي لتعزيز الهجرة المهنية عبر تأهيل الأيدي العاملة.
وفي هذا الإطار، وضمن مساعي التشجيع على الانتساب إلى مساقات التدريب المهني، خصص الحكم العسكري منحاً مالية للطلاب الملتحقين بمراكز التدريب، إذ تقرر منح 2,5 إلى 3 ليرات إسرائيلية يومياً للملتحقين بمهنة البناء، و1,75 إلى 2,25 ليرة للمهن الأُخرى.[54] ويعكس هذا الأمر الاهتمام الواضح بالتعليم المهني باعتباره وسيلة للتشجيع على التهجير، مع الأخذ في الاعتبار أن أحد أهداف التعليم المهني كان أيضاً تأهيل أيدٍ عاملة للعمل داخل الخط الأخضر.
تُظهر الوثائق الأرشيفية الإسرائيلية وجود مخطط يهدف إلى التشجيع على الهجرة بدافع البحث عن العمل عبر توفير تعليم مهني للفلسطينيين. فقد أكد وزير العمل يغآل ألون العلاقة بين التعليم المهني والتهجير في معرض شرحه لكيفية تشجيعه على الهجرة الهادئة، قائلاً: "اقترحتُ التعليم المهني في مدارس يهودا والسامرة وغزة، وكان الافتراض أن الدول العربية بحاجة إلى عمال مهنيين مهرة، بينما كانت الدول النفطية تفتقر إليهم. وبالتالي، فإن تشغيلهم بأجور جيدة يجذبهم، لكنهم أبقوا عائلاتهم في البلد وسافروا من أجل العمل، وكسبوا المال وأرسلوا جزءاً منه إلى أُسرهم، غير أنهم لم يمكثوا فترات طويلة، بل اندمجوا في العمل في البلد."[55] وعلى أرض الواقع، تحول التعليم المهني بفضل الفاعلية الفلسطينية من أداة تشجيع على الهجرة الطوعية إلى أداة للصمود على الأرض، إذ توجه الفلسطينيون إلى العمل في السوق الإسرائيلية بدلاً من التوجه إلى الدول العربية، وكان هذا التحول أداة لتثبيت السكان في الأرض، بغضّ النظر عن المواقف السياسية والاقتصادية المتعلقة بالعمل داخل السوق الإسرائيلية.
يمكننا تصنيف استخدام التعليم المهني وسيلة للتهجير الطوعي كشكل من أشكال العنف الاستعماري غير المباشر، كما نستطيع القول إن الفشل في تحقيق هدف التهجير من خلال استخدام هذا الأسلوب دفع المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية إلى اللجوء إلى العنف المباشر، من خلال الحصار والحملات العسكرية والإبادة التي سنتطرق إليها فيما يلي.
الحصار والحملات العسكرية
فرضت إسرائيل حصاراً على قطاع غزة بعد فوز حركة "حماس" في انتخابات 2006، وازدادت حدّته في إثر سيطرة الحركة عسكرياً على القطاع في سنة 2007، إذ أُعلن القطاع "كياناً معادياً"، وتم تشديد القيود على إدخال الوقود والبضائع وحركة الأفراد من غزة وإليها. ومع مرور الوقت، سعت إسرائيل لعزل القطاع عن الضفة الغربية والقدس الشرقية، وتحكمت في نوعية وكميات البضائع الموردة، الأمر الذي أدى إلى ركود اقتصادي، وزيادة نسب الفقر والبطالة. كما أثّر الحصار بشدة في القطاع الصحي الذي عانى جرّاء نقص الأدوية والمستلزمات الأساسية، بحيث إن كثيرين من المرضى اضطروا إلى الانتظار طويلاً للحصول على العلاج. وخلال الحصار، شنّت إسرائيل خمس هجمات عسكرية واسعة (في السنوات 2008 / 2009؛ 2012؛ 2014؛ 2021؛ 2022)، مع حدوث هجمات جوية وبرية متفرقة بين إسرائيل والقطاع تسببت بمقتل آلاف المدنيين، وبدمار شامل في المنازل والبُنى التحتية.[56]
عملت إسرائيل على جعل الحياة في القطاع طاردة للسكان من خلال تشديد الحصار، فنتيجته الحصار بات عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي يتراوح ما بين 12 إلى 16 ساعة، كما أصبحت 5 من كل 10 عائلات تعاني جرّاء انعدام الأمن الغذائي. أمّا صحياً فبلغت نسبة العجز في الأدوية على مستوى قطاع غزة 40%، ونسبة العجز في المستهلكات الطبية 32%، ونسبة العجز في لوازم المختبرات وبنوك الدم 60%، بينما بلغت 64% نسبة الرفض الإسرائيلي للطلبات التي تقدم بها المرضى للحصول على تصريح للدخول إلى مناطق 48 من أجل العلاج.[57]
أدى الحصار الإسرائيلي إلى ركود اقتصادي شامل في قطاع غزة جرّاء إغلاق المعابر التجارية بشكل شبه تام، ونتيجة فرض قيود صارمة على حركة التجار ورجال الأعمال. وتفاقمت الأزمة مع الحملات العسكرية الإسرائيلية الكبرى الخمس، التي شلّت الأنشطة الاقتصادية، وخلّفت دماراً طال المصانع والشركات، وتسببت بفقدان كبير للوظائف استمر حتى بعد وقف إطلاق النار. وعلى صعيد الاقتصاد الكلي، انخفضت مساهمة قطاع غزة في الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني إلى أقل من 18% مع نهاية سنة 2020. وأفاد تقرير "الأونكتاد" الصادر في 25 تشرين الثاني / نوفمبر 2020 بأن التكلفة الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة خلال العقد الماضي بلغت نحو 16,7 مليار دولار، وهو ما يعادل خسارة تُقدَّر بنحو 9000 دولار للفرد الواحد، نتيجة الحصار المستمر والعمليات العسكرية المتكررة التي شهدها القطاع.[58]
تسبب الحصار والتضييق على سكان القطاع بتوجه شريحة من السكان نحو الهجرة "الطوعية"، فبحسب مسح أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في سنة 2010، فإن 12,4% من المستطلعة آراؤهم يفكرون في الهجرة من قطاع غزة.[59] ومع تشديد الحصار تفاقمت ظاهرة الهجرة، لكن لا يوجد إحصاءات رسمية ترصد الأعداد؛ غير أن بعض التقارير الصحافية يُقدّر عدد المهاجرين خلال 15 عاماً من الحصار ما بين 185,000 إلى 205,000، أي نحو 10% من سكان القطاع،[60] الأمر الذي يتوافق مع نتائج استطلاع للرأي أُجري في حزيران / يونيو 2023 يُظهر أن 10% من المستطلعة آراؤهم يؤكدون نيتهم في الهجرة. واللافت للنظر في هذا الاستطلاع أن النسبة نفسها (10%) نجدها في الضفة الغربية،[61] وهو ما يؤشر إلى أن الحصار في قطاع غزة هو أحد العوامل المؤثرة في التشجيع على الهجرة، لكنه ليس العامل الحاسم، إذ ربما يكون السبب الرئيسي هو وجود الاحتلال، أكان هنالك حصار أم لا، أو ربما يكون السبب غياب اليقين من المستقبل في الضفة الغربية وقطاع غزة، الأمر الذي يحتاج إلى مقالة مستقلة للبحث فيه.
حرب الإبادة
ساهم الحصار الإسرائيلي المشدد على قطاع غزة منذ سنة 2006، وكذلك أسباب أُخرى، في أن تنفذ حركة "حماس"، بالاشتراك مع فصائل المقاومة، هجوماً على المعسكرات والمستعمرات الإسرائيلية في 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، عُرف باسم "طوفان الأقصى". وقد تسبب الطوفان بقتل نحو 1200 إسرائيلي، فردت إسرائيل عليه بشنّ حرب إبادة على قطاع غزة تجاوزت فيها جميع الأعراف والقوانين الدولية، إذ قتلت حتى تاريخ 2/2/2025 نحو 44,835 شهيداً، وجرحت 111,588 معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، فضلاً عن ضحايا لا يزالون تحت الركام وفي الطرقات ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم، ويُقدّر عددهم بنحو 10,000.[62] كما دمرت إسرائيل نحو 80% من المباني السكنية والمؤسسات العامة بما فيها الجامعات والمستشفيات والمدارس ورياض الأطفال وغيرها من الأعيان المدنية، وفرضت ظروفاً معيشية تؤدي إلى إهلاك الناس، من تجويع وتهجير قسري، ومنع لإدخال المواد الغذائية والمساعدات،[63] بل حتى استهداف مراكز الإيواء، فعلى سبيل المثال لا الحصر، استهدفت إسرائيل مراكز الإيواء 39 مرة خلال أقل من شهر.[64]
تسببت حرب الإبادة الإسرائيلية بتشريد 2,1 مليون فلسطيني يمثلون 91% من سكان قطاع غزة، وتركز التهجير القسري على مناطق شمال القطاع؛ فبعدما أصدر الجيش الإسرائيلي في 13 تشرين الأول / أكتوبر أمراً بإخلاء محافظتَي غزة وشمال غزة، تقلص عدد السكان في المحافظتين من 1,1 مليون إلى نحو 400,000، وتم حشر معظم سكان القطاع في رفح ودير البلح.[65]
تعمدت إسرائيل تهجير السكان قسرياً كجزء من مخطط إسرائيلي للتخلص من معضلة قطاع غزة، فقد أصدرت وزارة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ورقة تناقش فيها سبل التعامل مع السكان المدنيين في قطاع غزة، وتطرح خيارات تحقق تغييراً جذرياً في القطاع وتدعم أهداف الحرب. وتكمن خطورة الورقة في توصيتها بـ "الحل الأمثل" عبر إجلاء المدنيين من غزة إلى سيناء، وهو مقترح يتردد صداه في عدة تصريحات لمسؤولين إسرائيليين، أبرزهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.[66] وتجسد هذا المخطط مؤخراً على أرض الواقع، ضمن ما عُرف إعلامياً بخطة "الجنرالات" التي تهدف إلى السيطرة على شمال قطاع غزة عبر تهجير سكان المنطقة نحو الجنوب، ثم فرض حصار محكم على الشمال يشمل منع إدخال الإمدادات الغذائية والماء والوقود، واستخدام التجويع أداة للضغط لدفع السكان نحو التهجير.[67]
الفاعلية الفلسطينية في مواجهة التهجير
يمكن الادعاء أن التهجير القسري للسكان في أثناء حرب 1967 فشل جزئياً لعدة أسباب، بينها الفاعلية الفلسطينية. وكمؤشر إلى ذلك يمكن الاستشهاد بما حدث في قلقيلية التي هُجّر جميع سكانها بعد هدم وحرق بيوتهم، إلّا إن صمودهم ساهم في إفشال مخطط تهجيرهم، إذ رفضوا الهجرة إلى الأردن ومكثوا في العراء تحت الأشجار، وسكنوا الكهوف بالقرب من قلقيلية أسابيع طويلة في انتظار العودة، وفعلاً بعد 23 يوماً من النزوح، عاد 9446 من أصل 15,000.[68] وبحسب شلومو غازيت، فإن سبب تراجع دايان عن تهجير أهل قلقيلية هو صمودهم، فـ "بعد أن اتضح له أن [أفراد] هذه المجموعة [من سكان قلقيلية] لم يختفوا، وأن كل ما حدث هو أنهم هربوا لمسافة 3 كيلومترات وناموا تحت الأشجار، وتسببوا بظهور مشكلة إنسانية ستجعل مصوري التلفاز يأتون في اليوم التالي كي يصوروهم، عندها قال: لم ننجح، إذاً لِنُعِدهم."[69] وساهم أيضاً في عودة مهجري قلقيلية ما فعله رئيس بلدية قلقيلية حسين صبري ورئيس بلدية نابلس حمدي كنعان، فبعد هدم وحرق بيوت قلقيلية والتهجير القسري للسكان توجه صبري مع كنعان إلى مخاطبة قناصل وسفراء الدول الغربية، وبينهم السفير الأميركي في قنصلية القدس، وقد أثمرت هذه الجهود، مع صمود الأهالي، بعودة دايان عن قراره بتهجير الناس، والسماح لهم بالعودة.[70]
أفشلت الفاعلية الفلسطينية مخطط "التهجير الهادىء"، إذ نجح الفلسطينيون في تحويل عملية "التحديث" وتشجيع التعليم المهني من أدوات للهجرة الطوعية إلى وسائل لتعزيز الصمود على الأرض. وبدلاً من الهجرة الدائمة إلى الدول العربية، تحولت الرواتب المرتفعة في دول النفط إلى أداة لتعزيز البقاء في البلد وعدم الهجرة، وذلك من خلال إرسال الأموال إلى الأُسر في المناطق المحتلة، مع الحرص على العودة والاستقرار والزواج داخل أراضي 67. بل إن جزءاً من الأيدي العاملة استفاد من التأهيل المهني للبقاء في البلد، من خلال العمل داخل الخط الأخضر، الأمر الذي ساهم في تقوية ارتباطهم بالأرض، وفي صمودهم في مواجهة المخططات الإسرائيلية.
فشلت "لجنة الأساتذة" في تحقيق هدفها المتمثل في تقليل عدد الفلسطينيين بنسبة 1%، ويمكننا استناداً إلى جدول عدد السكان (الملحق رقم 1) الادعاء بذلك، إذ ثمة ارتفاع في عدد سكان الضفة الغربية وقطاع غزة من 985,6 ألف نسمة في سنة 1967 إلى 1,145,100 نسمة في سنة 1981. ووفقاً للتفسير الإسرائيلي، فإن هذه الزيادة سببها انخفاض معدلات وفيات الأطفال وارتفاع معدل الأعمار. وفي إطار بحثنا في سياسة التهجير، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن الهجرة كانت سمة بارزة قبل سنة 1967 (وأيضاً في فترة الحكم العثماني)،[71] وخصوصاً بالنسبة إلى العمال المؤهلين. غير أن هذه الظاهرة اختلفت بعد سنة 1967، إذ انعكست اتجاهات الهجرة، وإن كانت استُؤنفت مجدداً في سنة 1975 بعد زيادة فرص العمل في دول الخليج، إلى جانب الانخفاض النسبي في النمو الاقتصادي الإسرائيلي.[72]
يجب أن نلفت هنا إلى أنه نتيجة فصل حدود قطاع غزة وشمال سيناء عن مصر في سنة 1967، كان هناك عائلات تحتفظ بعدد من أفرادها في مصر. وقد تم عقد اتفاق لتبادل السكان في إطار هذا التغيير، إذ عاد إلى قطاع غزة حتى نهاية سنة 1968 نحو 2200 شخص. وتقلص العدد في سنة 1969 ليصل إلى 720 شخصاً، كما عاد إلى القطاع 150 شخصاً في إطار سياسة لمّ الشمل. علاوة على ذلك، سُمح لسكان قطاع غزة وسيناء بالخروج لأغراض الزيارة والتجارة والعمل والتعليم في الدول العربية فغادر نحو 45,000 شخص خلال سنة 1968. ومع مرور الوقت، تنبهت الأردن إلى خطورة هذا الوضع، فقررت في آب / أغسطس 1968 منع عبور سكان الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أراضيها إذا لم يكن لديهم بطاقة شخصية أردنية، وهو ما أدى إلى انخفاض عدد المسافرين عبر الأردن في سنة 1969 ليصل إلى 9000 شخص فقط.[73]
يمكننا الادعاء، استناداً إلى الإحصاءات المنشورة من طرف الإحصاء الإسرائيلي، أن سياسة "التهجير الهادىء" فشلت بشكل عام، ولم تنجح إلّا جزئياً خلال أول عامَين من الاحتلال. فقد كانت الخطة تهدف إلى تقليل عدد الفلسطينيين بنسبة 1% سنوياً، لكن مثلما يظهر في الملحق رقم 1، انخفض عدد الفلسطينيين في سنة 1967 بنسبة 1,7% في الضفة الغربية، و2,5% في قطاع غزة وشمال سيناء نتيجة تنفيذ سياسة "التهجير الهادىء". وفي سنة 1968، انخفض العدد بنسبة 0,2% في الضفة، و5,8% في قطاع غزة وشمال سيناء، ويرجع ذلك جزئياً إلى اتفاق التبادل السكاني مع مصر. لكن خلال الفترة 1969 - 1981، تحولت الأمور بشكل ملحوظ، إذ بدأت نسبة السكان السنوية تزداد، وذلك نتيجة تراجع عدد المهاجرين.
يَظهر من خلال الملحق رقم 2 الذي يغطي الفترة الزمنية من سنة 1968 إلى سنة 1977، تراجع في عدد المهاجرين من الضفة الغربية وقطاع غزة، بل إن المنطقة شهدت في سنة 1973 هجرة عكسية، وعودة لألف فلسطيني، ويُحتمل أن يكون ذلك نتيجة حرب 1973 التي تسببت بهذه الظاهرة. ومع أن مجموع المهاجرين خلال هذه السنوات العشر (1968 - 1977) وصل إلى نحو 129,600، إلّا إنه عند مقارنة البيانات من الجدولين (الملحق رقم 1، والملحق رقم 2)، وبتحليل عدد المهاجرين في كل عام على حدة بالنسبة إلى عدد السكان، نجد أن نسبة المهاجرين كانت أقل من المعدل العالمي.[74] ومن خلال هذه المقارنة، نلاحظ أن نسبة المهاجرين إلى عدد السكان وصلت إلى أعلى مستوياتها في سنة 1968 بنسبة 5%، ثم بدأت تتناقص لتصل إلى أدنى مستوى لها في سنة 1973 مع الهجرة العكسية، وتلتها سنة 1974 بنسبة 0,4%. وفي سنتَي 1975 و1976 ارتفعت النسبة لتصل إلى 1,7% نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة بعد حرب 1973. ومع استثناء نسبة الهجرة في سنة 1968، تُظهر هذه الأرقام أن نسبة المهاجرين كانت أقل من المتوسط العالمي للهجرة في حينه.[75] هذه النتائج تدفعنا إلى الاستنتاج أن خطة "التهجير الهادىء" لم تنجح إلّا في سنتَي 1967 و1968، وذلك بسبب الوضع الأمني غير المستقر وتبادل السكان مع مصر، بينما فشلت في الأعوام اللاحقة في تحقيق الهدف المتمثل في تقليل نسبة السكان بنسبة 1%، ولم تنجح حتى في تجاوز نسبة المهاجرين مقارنة بالنسب العالمية.
يَعتبر الاحتلال الإسرائيلي في تقرير صادر عنه أن من أسباب تناقص عدد المهاجرين هو توفر فرص العمل الكثيرة داخل الخط الأخضر، فضلاً عن ارتفاع مستوى المعيشة والهدوء الأمني الذي ساد.[76] ومع أن هذا التفسير يركز أساساً على العوامل المادية ويغفل عن دور المشاعر الوطنية والدينية التي تدفع الفلسطينيين إلى الصمود والتمسك بالأرض وعدم الهجرة، إلّا إنه يشير إلى أن توفير فرص العمل، والرخاء الاقتصادي، كانا سلاحاً ذا حدين. فمن جهة، ساهمت هذه العوامل في توفير "هدوء" أمني، لكنها من جهة أُخرى، أدت إلى تقليص الهجرة وزيادة فرص بقاء السكان في الأراضي المحتلة.
تسبب الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة بهجرة العديد من الشباب، فبحسب التقديرات وصل عدد المهاجرين خلال 15 عاماً من الحصار إلى نحو 200,000، لكن في المقابل، وبحسب إحصاءات الجهاز المركزي، وصل عدد العائدين إلى قطاع غزة في الفترة 2007 – 2017، إلى 78,267 شخصاً، مع الأخذ في الاعتبار أن الزيادة السكانية في الفترة نفسها شهدت ارتفاعاً بنسبة 28% في عدد السكان، بنمو سنوي مقداره 2,5%، وهو ما يجعل مناطق 67 الأكثر نمواً في عدد السكان على مستوى الشرق الأوسط،[77] الأمر الذي ربما يفسر سبب محافظة قطاع غزة على تعداده على الرغم من الحصار والظروف المعيشية القاسية والهجرة.
أمّا بعد حرب الإبادة على قطاع غزة، والتي بدأت عقب 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، فلا يمكن الجزم بعد بتأثيرها في الهجرة خارج قطاع غزة، ذلك بأنه لا يزال من السابق لأوانه تقييم نتائج تلك الحرب، وهل ستقود إلى "هجرة طوعية" خارج قطاع غزة على ضوء ما صنعته إسرائيل من تحويل القطاع إلى مكان غير قابل للسكن والحياة. وفي هذا السياق يمكننا الاستشهاد بسفر نحو 100,000 فلسطيني من قطاع غزة منذ بداية الحرب، حتى 25 / 4 / 2024 عندما كان معبر رفح مفتوحاً،[78] مع الأخذ في الاعتبار عدم قدرتنا على تحديد توجهات هؤلاء المسافرين، وهل هم بصدد السفر حتى انتهاء الحرب ثم العودة، أم الهجرة من دون عودة.
وفي المقابل يمكن الاستشهاد بما حدث في شمال قطاع غزة كمؤشر إلى الفاعلية الفلسطينية ومآلات الحرب (التي لم تنتهِ بعد)، إذ على الرغم من خطة الجنرالات والتجويع الممنهج والقصف والإبادة وانعدام شروط الحياة الكريمة، فإنه بقي في محافظتَي الشمال 400,000 من أصل 1,1 مليون، كما أنه عندما أُجبر سكان جباليا وبيت لاهيا على إخلاء بيوتهم والتوجه نحو الجنوب، فإنهم، في معظمهم، رفضوا ذلك وبقوا في الشمال وتوجهوا نحو مدينة غزة.[79] وحتى بعد بدء العمليات العسكرية في 5 تشرين الأول / أكتوبر 2024، كان يعيش في محافظة شمال القطاع نحو 200,000 فلسطيني، تم إجبار نحو 130,000 منهم على النزوح، بينما بقي 70,000 في شمال القطاع، على الرغم من القصف المكثف والإبادة الجماعية.[80]
إن فشل مخطط التهجير من القطاع في أثناء الحرب يعود إلى عدة أسباب في مقدمها الفاعلية الفلسطينية، وذلك بالتقاطع مع عدة أسباب بينها الموقف المصري الرافض للهجرة من قطاع غزة إلى سيناء، وكذلك الموقف الدولي الرافض والمتمثل في رفض الأوروبيين التعاون مع الإسرائيليين والاستجابة لمطالبهم باستقبال المهجرين من القطاع، وكذلك موقف إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن "العلني" الرافض للتهجير.
خاتمة واستنتاجات
سعت الحكومة الإسرائيلية للتخلص من السكان في مناطق 67 عبر خطة "التبادل السكاني"، بحيث يتم تبادل اليهود من أصول عربية وأملاكهم في الدول العربية مع الفلسطينيين المهجّرين قسرياً إلى الدول العربية، والذين استولت إسرائيل على أملاكهم. غير أن هذه الخطة فشلت لرفضها عربياً ودولياً وفلسطينياً.
وقد ربطت منظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي بين تشغيل الأيدي العاملة الفلسطينية وتهجيرها، إذ عملت على تهجير سكان قطاع غزة على مرحلتين: أولاً بنقلهم إلى الضفة الغربية، وخصوصاً الأغوار، للعمل، ثم بتشجيعهم على الهجرة عبر الأردن. واعتمدت المنظومة عدة أدوات لتهجير الفلسطينيين، مستندة إلى توصيات "لجنة الأساتذة"، وأبرزها تعزيز التعليم لتأهيل أيدٍ عاملة تبحث عن فرص خارج فلسطين، محققة بذلك "التهجير الهادىء" أو "التهجير الطوعي". كما عملت على تهيئة ظروف مشجعة على الهجرة، عبر التجويع والتضييق الأمني والمعيشي، وتعزيز التعليم لخلق فرص عمل خارج فلسطين، وباستخدام الحوافز المادية.
وفرضت إسرائيل حصاراً خانقاً على قطاع غزة منذ سنة 2007، تسبب بشلل الحياة وضيقها على جميع المستويات، وبارتفاع في نسبة البطالة، ونقص في الغذاء والدواء والكهرباء والوقود والمواد الأساسية، الأمر الذي دفع قسماً كبيراً من الشباب إلى التفكير في الهجرة بحثاً عن فرص للعمل وحياة أفضل. لكن على الرغم من هجرة قسم من الشباب إلى خارج قطاع غزة، فإننا شهدنا عودة بعض الفلسطينيين إلى القطاع.
غير أن هذا الحصار قاد إلى تمرد الفلسطينيين وشنّهم عملية طوفان الأقصى لتحقيق عدة أهداف، منها كسر الحصار المفروض عليهم، فكان الرد الانتقامي من منظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي بحرب إبادة تسببت بسقوط عشرات الآلاف ما بين شهيد وجريح، علاوة على تدمير الحجر والشجر، وجعل قطاع غزة منطقة غير قابلة للسكن، طمعاً في هجرة الفلسطينيين خارج قطاع غزة.
إلّا إن الفاعلية الفلسطينية (وكذلك فاعلية اللاعبين الإقليميين والدوليين) أدت دوراً مركزياً في إفشال مخططات التهجير الإسرائيلية، وإبطال مفاعيل العنف الاستعماري المباشر وغير المباشر، ذلك بأن التمسك الفلسطيني بالأرض، وعدم الهجرة، أفشلا مخططات التهجير الإسرائيلي، أكان قسرياً أم طوعياً، على الرغم من المغريات التي هدفت إلى تحقيق "التهجير الهادىء". ويؤكد هذا أن الاستعمار الاستيطاني عملية مستمرة تتأثر بفاعلية السكان، وهو ما يفرض تغييرات على توجهاته وسياساته للتكيف وفق مقاومة الفلسطينيين.
يمكننا القول إن احتلال قطاع غزة في سنة 1967، رافقته مساعٍ لتهجير السكان قسرياً وطوعياً، وذلك مع غياب أي مقاومة فلسطينية آنذاك، أو حتى "طوفان أقصى"، إذ تكمن مشكلة منظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي الأساسية في الوجود الفلسطيني بحدّ ذاته، أكان مسالماً أم مقاوماً، الأمر الذي ينسجم مع طبيعة المشروع الصهيوني الاستعماري الساعي للسيطرة على الأرض بأقل عدد من سكانها.
الملحق رقم 1: جدول عدد السكان بالآلاف في الضفة الغربية، وقطاع غزة وشمال سيناء في الفترة 1967 - 1981:[81]
الملحق رقم 2: جدول حركة السكان (الهجرة) في الضفة وغزة (1968-1977):[82]
السنة |
النمو السكاني |
الزيادة الطبيعية |
الهجرة |
1968 |
29,000- |
19,100 |
48,100 |
1969 |
15,800 |
21,500 |
5,700 |
1970 |
14,200 |
22,500 |
8,300 |
1971 |
21,600 |
26,500 |
4,900 |
1972 |
19,300 |
28,300 |
9,000 |
1973 |
30,900 |
29,000 |
1000- |
1974 |
26,700 |
31,300 |
4,600 |
1975 |
13,500 |
32,400 |
18,900 |
1976 |
16,300 |
35,100 |
18,800 |
1977 |
22,600 |
35,800 |
13,200 |
مجموع الهجرة |
|
|
129,600 |
المصادر:
[1] UNHCR, “Forced and Unlawful Displacement”, 2024, https://2u.pw/fUyynUwM
[2] Mila Dragojević, “Revisiting the Concepts of Forced and Voluntary Migration”, Paper Presented at the 2019 ASN World Convention, Columbia University, 2-4 May 2019, p. 2,
[3] Oliver Bakewell, “Unsettling the Boundaries between Forced and Voluntary Migration”, in: Emma Carmel, Katharina Lenner & Regine Paul, eds., Handbook on the Politics and Governance of Migration (Northampton, United Kingdom: Edward Elgar Publishing Ltd, 2021), pp. 124-136.
[4] فايز الصايغ، "الاستعمار الصهيوني في فلسطين" (بيروت: منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث الفلسطيني، 1965)، ص 32.
[5] George Jabbour, Settler Colonialism in Southern Africa and the Middle East (Beirut: Palestine Liberation Organization, Research Center, 1970).
[6] Hassan Haddad, “The Biblical Bases of Zionist Colonialism”, in: Ibrahim Abu-Lughod and Baha Abu-Laban, eds., Settler Regimes in Africa and the Arab World: The Illusion of Endurance (Wilmette, Illinois: The Median University Press International, 1974), p. 14.
[7] Abdelwahab Elmessiri, The Land of Promise (New Brunswick, New Jersey: North American Inc., 1977), p. 102.
[8] Patrick Wolfe, Settler Colonialism and the Transformation of Anthropology (London and New York: Cassell, 1999), p. 2.
[9] Lorenzo Veracini, The Settler Colonial Present (New York: Palgrave Macmillan, 2015), p. 26.
[10] Lorenzo Veracini, Settler Colonialism: A Theoretical Overview (London: Palgrave Macmillan, 2010).
[11] يُنظر:
إيلان بابِهْ، "التطهير العرقي في فلسطين"، ترجمة أحمد خليفة (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2007)؛ محمود محارب، "الصهيونية: الترانسفير والأبارتهايد"، موقع "عرب 48"، 2005، في الرابط الإلكتروني التالي: https://2u.pw/7oPKocox
ويُنظر أيضاً:
إيليا زريق، "الديموغرافيا والترانسفير: طريق إسرائيل إلى اللامكان"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، المجلد 14، العدد 55 (صيف 2003)؛ نور الدين مصالحة، "أرض أكثر وعرب أقل: سياسة (الترانسفير) الإسرائيلية في التطبيق 1949 – 1996" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2002)؛ نور الدين مصالحة، "طرد الفلسطينيين: مفهوم (الترانسفير) في الفكر والتخطيط الصهيونيين 1882 – 1948" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1992).
[12] Rana Barakat, “Writing/righting Palestine Studies: Settler Colonialism, Indigenous Sovereignty and Resisting the Ghost(s) of History”, Settler Colonial Studies, vol. 8, no. 3 (2018), pp. 283-297.
[13] يُنظر:
Leila Farsakh, Palestinian Labour Migration to Israel: Labour, Land and Occupation (New York: Routledge, 2005).
[14] يُنظر:
سعيد حمود، "الضغوط الاقتصادية الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة"، مجلة "شؤون فلسطينية"، العدد 3 (1971)؛ شيلا ريان، "بناء إمبريالية جديدة: إسرائيل والضفة الغربية"، مجلة "شؤون فلسطينية"، العدد 18 (1973)؛ لاري لوك وود، "الإمبريالية والاقتصاد الإسرائيلي"، مجلة "شؤون فلسطينية"، العدد 20 (1973)؛ عبد الحفيظ محارب، "سياسة العمل العبري بين الأمس واليوم"، مجلة "شؤون فلسطينية"، العدد 24 (1973)؛ محمد فريد البستاني، "القوة العاملة والاستخدام في الأراضي المحتلة بعد حرب حزيران 1967"، مجلة "شؤون فلسطينية"، العدد 30 (1974)؛ جميل هلال، "الضفة الغربية: التركيب الاجتماعي والاقتصادي (1948 - 1974)، (بيروت: منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث الفلسطيني، 1974)؛ هشام الدجاني، "التحولات الاقتصادية والاجتماعية في المناطق المحتلة في ظل الاحتلال الإسرائيلي"، مجلة "شؤون فلسطينية"، العدد 104 (1980)؛ روز مصلح، "الزراعة في الضفة الغربية: 1967 - 1979"، مجلة "شؤون فلسطينية"، العدد 107 (1980)؛ ليلى فرسخ، "العمالة الفلسطينية في إسرائيل ومشروع الدولة الفلسطينية 1967 – 2007"، ترجمة سام برنر (رام الله وبيروت: المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية / مواطن، ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2010).
وأيضاً:
Brian Van Arkadie, “The Impact of the Israeli Occupation on the Economies of the West Bank and Gaza”, Journal of Palestine Studies, vol. 6, no. 2 (Winter 1977), pp. 103-129; Michael Adam, “Israel's Treatment of the Arabs in the Occupied Territories”, Journal of Palestine Studies, vol. 6, no. 2 (Winter 1977), pp. 19-40; Don Peretz, “Palestinian Social Stratification: The Political Implications”, Journal of Palestine Studies, vol. 7, no. 1 (Autumn 1977), pp. 48-74; Emile Sahliyeh, “West Bank Industrial and Agricultural Development: The Basic Problems”, Journal of Palestine Studies, vol. 11, no. 2 (Winter 1982), pp. 55-69; Susan Rockwell, “Palestinian Women Workers in the Israeli-Occupied Gaza Strip”, Journal of Palestine Studies, vol. 14, no. 2 (Winter 1985), pp. 114-136; Hisham Awartani, "Agricultural Development and Policies in the West Bank and Gaza”, in: The Palestinian Economy: Studies in Development under Prolonged Occupation, edited by George T. Abed (London: Routledge, 1988), pp. 139-165; Zeev Rosenhek, “The Political Dynamics of a Segmented Labour Market”, Acta Sociologica, vol. 46, no. 3 (September 2003), pp. 231-249 ; Leila Farsakh, The Political Economy of Agrarian Change in West Bank and Gaza Strip (San Domenico di Fiesole, Italy: European University Institute, 2004); Nabil Khattab and Sami Miaari, eds., Palestinians in the Israeli Labor Market (New York: Palgrave Macmillan, 2013); Adel Samara, “The Political Economy of the West Bank 1967-1987: From Peripheralisation to Development”, “Libcom.org”, 2014, https://bit.ly/3k2Pcln
[15] Ilan Pappe, The Biggest Prison on Earth: A History of the Occupied Territories (London: Oneworld Publications, 2017), p. 112.
[16] Ibid., p. 82.
[17] Ibid., p. 127.
[18] "نور مصالحة: مسؤولية إسرائيل الأخلاقية نحو اللاجئين الفلسطينيين"، دولة فلسطين: دائرة شؤون المفاوضات، 12 / 11 / 2015، في الرابط الإلكتروني التالي:
[19] "طولكرم.. تاريخ عريق وعقود من الاجتياحات الإسرائيلية"، "الجزيرة نت"، 1 / 9 / 2024، في الرابط الإلكتروني التالي:
[20] Pappe, op. cit., p. 116.
[21] Ibid., p. 119.
[22] "أرشيف دولة إسرائيل"، "جلسات الحكومة 67"، رقم الملف ISA-PMO-GovernmentMeeting-0002ees، ص 45. (بالعبرية)
[23] نور الدين مصالحة، "التصور الصهيوني لـ (الترحيل): نظرة تاريخية عامة"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 7 (صيف 1991)، ص 39.
[24] أور لافي، "الهجرة الطوعية 'من غزة؟': إسرائيل قد جربتها بالفعل" (بالعبرية)، موقع "زمن إسرائيل"، 13 / 1 / 2024، في الرابط الإلكتروني التالي:
https://www.zman.co.il/455513/
[25] عمري شابر ربيب، "مكان يجب إخلاؤه من السكان: تشجيع الهجرة الفلسطينية من قطاع غزة (1967-1969)"، مجلة "قضايا إسرائيلية"، العدد 92 (شتاء 2023)، ص 32.
[26] لافي، مصدر سبق ذكره.
[27] المصدر نفسه.
[28] المصدر نفسه.
[29] "أرشيف دولة إسرائيل"، "جلسات الحكومة 67"، رقم الملف ISA-PMO-GovernmentMeeting-0002ees، ص 47. (بالعبرية)
[30] "أرشيف دولة إسرائيل"، "معهد عكيفوت، لجنة المدراء: البروتوكولات 1967 - 1977"، "الجلسة 27"، 28 / 9 / 1967، ص 188، في الرابط الإلكتروني التالي:
[31] المصدر نفسه.
[32] المصدر نفسه.
[33] المصدر نفسه.
[34] المصدر نفسه، ص 189.
[35] المصدر نفسه.
[36] المصدر نفسه.
[37] المصدر نفسه.
[38] "أرشيف دولة إسرائيل"، "الجلسة 30"، "البند رقم 1"، 12 / 10 / 1967، ص 200.
[39] “Reporton Palestinian Emigration and Israeli Land Expropriation in the Occupied Territories”, Journal of Palestine Studies, vol. 3, no. 1 (Autumn 1973), p. 107.
[40] Ronald Ranta, The Wasted Decade Israel’s Policies towards the Occupied Territories 1967-1977 (London: University College London, 2009), p. 102.
https://discovery.ucl.ac.uk/id/eprint/19038/1/19038.pdf
[41] ربيب، مصدر سبق ذكره، ص 36.
[42] شلومو غازيت، "العصا والجزرة: الحكم الإسرائيلي في يهودا وشمرون" (موديعين: زمورة بيتن، 1986)، ص 232. (بالعبرية)
[43] "أرشيف دولة إسرائيل"، "جلسة لجنة الخارجية والأمن في الكنيست بشأن توحيد القدس والسياسات"، 26 / 9 / 1967، الملف א-8/ 8161، رقم الجلسة 84، ص 9 - 12. (بالعبرية)
[44] Omri Shafer Raviv, “Studying an Occupied Society: Social Research, Modernization Theory and the Early Israeli Occupation, 1967–1968”, Journal of Contemporary History, vol. 55, no. 1 (2020), p. 9.
[45] Ibid., p. 5.
[46] Ibid., p. 13-15.
[47] Walter Garrison Runciman, Relative Deprivation and Social Justice: A Study of Attitudes to Social Inequality in Twentieth-Century England )Berkeley, California: University of California Press, 1966).
[48] Raviv, op. cit., pp. 13-15.
[49] Ibid., pp. 16-18.
[50] ربيب، مصدر سبق ذكره، ص 35.
[51] "أرشيف دولة إسرائيل"، "الجلسة 35"، "البند رقم 3"، 13 / 11 / 1967، ص 219.
[52] "أرشيف دولة إسرائيل"، "الجلسة 77"، "البند رقم 6"، 5 / 8 / 1968، ص 386.
[53] "ثلاث سنوات حكم عسكري: معطيات عن النشاطات المدنية في يهودا وشمرون وقطاع غزة وشمال سيناء، 1967-1970"، "وحدة تنسيق النشاطات في الأراضي"، "وزارة الدفاع"، 1970، ص 130. (بالعبرية)
[54] "أرشيف دولة إسرائيل"، "الجلسة 148"، "البند رقم 10"، 4 / 3 / 1971، ص 685.
[55] "أرشيف دولة إسرائيل"، "معهد ديفيس: مقابلات مع أشخاص"، الملف א- 19/ 5001، "مقابلة ألون الرابعة، 28 / 8 / 1979"، الجامعة العبرية، ص 28 (بالعبرية).
[56] "خنق وعزلة: 17 سنة من الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة"، "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان"، 2024، في الرابط الإلكتروني التالي:
https://euromedmonitor.org/ar/gaza
[57] المصدر نفسه.
[58] المصدر نفسه.
[59] "مسح الهجرة في الأراضي الفلسطينية 2010"، "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني"، رام الله، 2011، ص 31، في الرابط الإلكتروني التالي:
https://www.pcbs.gov.ps/Downloads/book1734.pdf
[60] "معسكر اعتقال في ظل الحصار.. أرقام 'مفزعة' لهجرة الشباب من قطاع غزة"، "التلفزيون العربي"، 11 / 9 / 2022، في الرابط الإلكتروني التالي:
[61] "نتائج استطلاع الرأي العام رقم (88)"، "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية"، 14 / 6 / 2023، ص 12، في الرابط الإلكتروني التالي:
[62] "التقرير اليومي عن آثار العدوان الإسرائيلي على فلسطين"، "موقع وزارة الصحة الفلسطينية"، 12 / 12 / 2024، في الرابط الإلكتروني التالي:
[63] "محو غزة: عام من الإبادة الجماعية وانهيار النظام العالمي"، "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان"، تشرين الأول / أكتوبر 2024، ص 5، في الرابط الإلكتروني التالي:
[64] "لتهجير الفلسطينيين وإفراغ غزة.. الجيش الإسرائيلي استهدف مراكز الإيواء 39 مرة خلال أقل من شهر"، "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان"، 28 / 10 / 2024، في الرابط الإلكتروني التالي:
[65] "محو غزة..."، مصدر سبق ذكره، ص 74.
[66] "ورقة وزارة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: الحل الأمثل هو إجلاء سكان غزة إلى سيناء"، "مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، 31 / 10 / 2023، في الرابط الإلكتروني التالي:
[67] "خطة الجنرالات استراتيجية لتحويل شمال غزة إلى منطقة عسكرية"، "الجزيرة نت"، 17 / 10 / 2024، في الرابط الإلكتروني التالي:
[68] "قلقيلية.. حين غيرت نكسة 1967 وجه المدينة"، "إذاعة صوت فلسطين"، 5 / 6 / 2018.
[69] "أرشيف دولة إسرائيل"، "مقابلات مع أشخاص"، الملف א-13/5002، 26 / 4 / 1985، ص 21. (بالعبرية).
[70] ازدهار رابي، "قلقيلية وحرب حزيران 1967"، رسالة ماجستير في جامعة النجاح، 2001، ص 91 (ملاحظة: أكد هذه المعلومة عبد الرحيم الحنبلي في أثناء المقابلة معه).
[71] بحسب التعداد الإسرائيلي في أيلول / سبتمبر 1967، كان عدد السكان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية 970,000 في الإحصاء الأردني لسنة 1961، وبوجود هجرة عمل أصبح العدد عشية حرب 1967 ما يقارب 838,000، وهُجّر 173,000 شخص عقب الحرب (المصدر: "منسق العمليات الحكومية في يهودا والسامرة ومنطقة غزة"، وزارة الدفاع: تقرير الستة عشر عاماً (1967 - 1983)، 1984، ص 3). أمّا في قطاع غزة فكان العدد 356,300، في حين شمال سيناء 433,400، والمجموع 390,000 شخص، بينما في الإحصاء المصري لسنة 1966 كان العدد في قطاع غزة لوحدها 455,000 (أي هُجّر 100,000)، (المصدر: يعكوف ليفشيتس، "التطورات الاقتصادية في الأراضي المستحوذ عليها، 1967 – 1969"، وزارة الدفاع، وحدة تنسيق الأعمال في الأراضي المستحوذ عليها: منشورات النور، 1970، ص 179). (بالعبرية)
[72] "منسق العمليات الحكومية في يهودا والسامرة ومنطقة غزة"، مصدر سبق ذكره، ص 3.
[73] "ثلاث سنوات حكم عسكري: معطيات..."، مصدر سبق ذكره، ص 87.
[74] نقوم بقسمة عدد المهاجرين على مجموع عدد سكان الضفة وقطاع غزة.
[75] يصعب التنبؤ أو تقدير نسبة المهاجرين على مستوى العالم، لأن الهجرة ترتبط بالأحداث العامة كالأزمات الاقتصادية أو الحروب، لكن المعدل العام للهجرة يصل إلى 2,6% من السكان.
المصدر:
“World Migration Report 2020”, International Organization for Migration, 2019, Geneva, p. 2.
[76] "ثلاث سنوات حكم عسكري: معطيات..."، مصدر سبق ذكره، ص 1.
[77] "أطلس الهجرة 2020"، "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني"، رام الله، كانون الثاني / يناير 2021، ص 93، في الرابط الإلكتروني التالي:
https://www.pcbs.gov.ps/Downloads/book2559.pdf
[78] "نحو 100 ألف فلسطيني من غزة وصلوا مصر منذ بدء الحرب"، "الشرق الأوسط"، 25 / 4 / 2024، في الرابط الإلكتروني التالي:
[79] "هل ينجح سيناريو خطة الجنرالات بتهجير أهالي شمال قطاع غزة؟"، "شبكة فلسطين للأنباء"، 16 / 10 / 2024، في الرابط الإلكتروني التالي:
https://www.shfanews.net/post/186161
[80] "تقرير الأونروا رقم 151 حول الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية التي تشمل القدس الشرقية"، "الأونروا"، 12 / 12 / 2024، في الرابط الإلكتروني التالي:
[81] الجدول من إعداد المؤلف، والفترة 1967 - 1974 مصدرها: مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي (1976)؛ كتاب الإحصاء السنوي لسنة 1975، العدد 26. ص 684. أمّا الفترة 1975 - 1981 فمصدرها: مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي (1983)؛ كتاب الإحصاء السنوي لسنة 1982، العدد 33. ص 733.
[82] 96th Congress 2d Session, Foreign Affairs and National Defense Division Congressional Research Service Library of Congress, Report Prepared for the Subcomittee on Europe and the Middle East, The West Bank-Gaza Economy: Problems and Prospects (Washington: Government Printing Office, 1980), p. 18.