Fatah in 60 Years: Between “National Liberation” and “Statehood”
Full text: 

إذا كانت حركة "فتح" قد فاجأت الكثيرين في 1 كانون الثاني / يناير 1965، بأنها أطلقت ما سُمي الطلقة الأولى،[1] ثم بعد هذا بأعوام قليلة، وتحديداً بعد هزيمة حزيران / يونيو 1967، استلمت قيادة الشعب الفلسطيني ومنظماته، فإنها في 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، فوجئت كسائر العالم بالعملية الواسعة التي نفذتها حركة "حماس" في 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023.[2] غير أن ردّة فعل "فتح" لم تراوح هوامش محدودة، فعبّرت عن رفض العملية، وسعت لضبط أي سلاح فلسطيني غير سلاح السلطة في الضفة الغربية، مع تفادي المواجهة مع الجانب الإسرائيلي.

وقد جرت مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في قطاع غزة، بعيداً عن منظمة التحرير الفلسطينية التي تقودها "فتح"، وكان هذا إلى حد كبير قراراً ذاتياً من طرفها.

ولا تزال "فتح" على المستوى الدولي والرسمي وحتى الشعبي "رقماً صعباً"،[3] فهي "الرئيس" المعترَف بأنه الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني (منظمة التحرير)، لكنها لم تعد "الرقم الصعب" في تقرير الحدث الفلسطيني اليومي، فعدّة أحداث على الأرض تحدث وهي لا تقود الفعل، على عكس موقعها منذ نهاية ستينيات القرن الماضي حتى نهاية حياة قائدها المؤسس ياسر عرفات، أي حتى نحو سنة 2004.

ولفهم واقع هذه الحركة التي كثيراً ما لُقّبت بألقاب مثل العمود الفقري، أو الحركة الأم،[4] فإنه لا بد من فهم تحولاتها عبر الأعوام الستين الفائتة. وإذ لا يتسع المجال للتأريخ للحركة، على أهمية تقديم قراءة نقدية لهذا التاريخ، فإن البحث في هذه الدراسة سيتركز على التحولات في تفكيرها وبُنيتها التنظيمية وقاعدتها الاجتماعية. 

منهجية التحليل والبحث

كانت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية في الدول العربية (في منتصف القرن العشرين)، وهي مرحلة الاستقلال من الاستعمار المباشر، مرحلة صعود أربعة متغيرات موضوعية أساسية، هي الأيديولوجيا، والحزبية، والدولة القومية (القطرية)، والثروة النفطية الجديدة. وفلسطينياً، ومع التأثر بهذه المتغيرات العامة، كان هناك متغيرات خاصة هي واقع اللجوء، والتشتت، وافتقاد الدولة. هذا الواقع الفلسطيني كان له مجموعة من التبعات، أولها الافتقار إلى متطلبات الحياة الأساسية بما فيها الطعام والمسكن، والتراجع الكبير للبُنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والطبقية السابقة للاحتلال، إذ فَقَدَ كثيرون من العائلات والوجهاء والأعيان مقومات نفوذهم وسلطتهم، أكان ذلك فقدان المُلكية من عقارات وموارد ثروة، أم فقدان المؤسسة التي تشكل مورداً بحد ذاتها، كخسارة الحاج أمين الحسيني، رئيس المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، موقعه على رأس المؤسسة الدينية. بناء على ذلك، كان انطلاق التعليم فلسطينياً تعويضاً عن فقدان الموارد وفرص العمل السابقة للنكبة، وجزءاً من الملجأ الذي قدمته المؤسسات الدولية إلى اللاجئين بهدف الإغاثة، وعلى رأسها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، ومن سياسة تهدف ربما إلى أن يعتمد اللاجىء على نفسه بأسلوب متدرج، فيتخلّى عن صفة اللاجىء، وبالتالي تنتهي قضية اللاجئين بالتدريج.[5]

هذه السياقات الموضوعية (الإقليمية)، والذاتية (الفلسطينية)، هي التي أحاطت وشكّلت على نحو أو آخر، أو تفاعل معها، النخبة الشبابية المؤسسة لحركة "فتح"، والتي جاءت بالدرجة الأولى من أوساط الشباب اللاجىء العامل في دول الخليج بعد أن تجاوزوا متاعب حياة اللجوء عبر التعليم الجامعي، مشكّلين "طبقة" جديدة.

عطفاً على تحليل هذه السياقات الإقليمية والذاتية فإن التحليل في هذه الدراسة يقسّم التأريخ للحركة إلى ثلاث مراحل، هي: أولاً، مرحلة التأسيس؛ ثانياً، مرحلة منظمة التحرير الفلسطينية؛ ثالثاً، مرحلة السلطة الفلسطينية. وسيتتبع التحليل التفاعلات والتغيرات لهذه السياقات، وكيف تأثرت الحركة بها وتفاعلت معها، نظراً إلى هذه المعطيات السابقة، الإقليمية والفلسطينية. 

المرحلة الأولى: التأسيس والفكرة الحركية

ارتبطت الأنوية المؤسِّسة لحركة "فتح"، قبل عملية التأسيس، بجماعة الإخوان المسلمين أساساً، وخصوصاً في قطاع غزة وفي الجامعات المصرية، وكان حضور هذه الجماعة في القطاع سابقاً للنكبة. وعندما حدثت النكبة، كان هناك قيادات إخوانية مصرية بارزة استمر وجودها في القطاع، منها على سبيل المثال لا الحصر: مأمون الهضيبي، الشيخ محمد الغزالي، الضابط محمود لبيب.

وكان الجيش المصري الذي تمركز في قطاع غزة يضمّ في صفوفه ضباطاً ينتمون إلى الإخوان، ويرتبط اسم "ساحة الكتيبة"، وهي إحدى الساحات الشهيرة في قطاع غزة، باسم الكتيبة المصرية، وقد بدأ الأطفال والشبان يتوافدون إليها بعد النكبة للالتقاء بالضباط الذين نظموا نشاطاً مجتمعياً وعاماً. [6]

مرّت غزة بثلاثة أعوام صعبة، عانى جرّاءها أيضاً اللاجئون في الدول الأُخرى مثل سورية ولبنان والأردن، لكنها سُميت في غزة باسم "سنوات الجوع الثلاث"، إذ عانى الفلسطينيون نقصاً حاداً في الطعام.[7] وبدت بعض الجماعات، كجماعة الإخوان المسلمين بشكلها المجتمعي أملاً للشبان، سواء كقاطرة للتحرير أو العودة، ولا سيما أن الجماعة أكدت وأشارت إلى أنها سيّرت المتطوعين لـ "الجهاد" في فلسطين في حرب 1948. كما كان متوقعاً من الجماعة أن تساعد في حل المشكلات الحياتية بين اللاجئين.

إلّا إن الشبان في الجماعة سرعان ما اصطدموا بسلسلة من الحوادث والتطورات التي جعلت رهانهم على الجماعة متعذراً، ودفعتهم إلى أن يقرروا الاعتماد على ذواتهم حياتياً، عبر الخلاص الفردي من بوابة التعليم، وجماعياً عبر العمل على تنظيم سياسي من نوع جديد، وهو ما قادهم إلى الهجرة نحو منطقة الخليج العربية.

وفي بداية الخمسينيات، كان أبرز الشباب الذين برزوا لاحقاً كمؤسسين أو قادة لحركة "فتح"، والذين وُجدوا في قطاع غزة ضمن جماعة الإخوان المسلمين، خليل الوزير، وكمال عدوان، وسعيد المسحال، والشقيقين رياض وسليم الزعنون، ومعاذ عابد.

مع منتصف الخمسينيات، كانت التطورات السياسية قد دفعت هؤلاء الشباب إلى تبنّي عدد من المواقف السياسية من الواقع الراهن آنذاك:

1) رفض التحول إلى جزء من صراع الإخوان المسلمين مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر، أو جزء من صراعات الأحزاب والأنظمة العربية بشأن السلطة والسيطرة.[8]

2) رفض التحزب الأيديولوجي الذي يحدّ من العمل المشترك، ورفض اعتبار الاختلافات الفكرية سبباً لعدم العمل المشترك، ومن ذلك رفض تعليمات من داخل جماعة الإخوان بعدم التعاون، أو حتى مدّ خيوط الصداقة الشخصية مع سائر الجماعات السياسية. وقد انكسرت مثل هذه التعليمات بحكم الأمر الواقع والظروف الميدانية، فعلى سبيل المثال نسّق القيادي الشاب في جماعة الإخوان المسلمين مع القيادي الشاعر معين بسيسو في عدة مناسبات منها تأسيس نقابة للمعلمين، ومواجهة مشروع توطين اللاجئين في سيناء لسنة 1955، والأهم العمل المشترك بين شباب الإخوان والبعثيين والقوميين في إبّان احتلال قطاع غزة ما بين تشرين الأول / أكتوبر 1956 وآذار / مارس 1957.[9]

3) سعى هؤلاء الشباب للبدء أو التخطيط لعمل عسكري مسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما لم يلقَ تأييد قيادات القوى الحزبية التي انتموا إليها، وخصوصاً جماعة الإخوان.[10]

4) الشعور بخيبة أمل من موقف الأحزاب والأنظمة فيما يتعلق بالجهد الإغاثي والحياتي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لام هؤلاء الشباب قيادة الإخوان في غزة، لأنهم يحولون أموال التبرعات الخاصة باللاجئين من أجل إقامة مراكز إسلامية ومنشآت للجماعة في القطاع.[11]

نتيجة هذه المواقف، تبلورت فكرة تأسيس تنظيم عابر للأيديولوجيا، غير حزبي، يمارس الكفاح المسلّح، ولا يتدخل في شؤون الدول العربية، ولا يسمح للدول أو الأحزاب العربية بالتدخل في الشأن الفلسطيني. ويُعتقد أن اجتماعاً عُقد في بيت بعض الطلبة الذين كانوا يدرسون في القاهرة في سنة 1956، وجمع نحو 20 شاباً، من الطلاب أو الخريجين الجدد، ووُضع بيان حُدد فيه معالم هذا التنظيم، لكن لم يتم متابعة هذا الجهد، مع أن أفراداً ممّن شاركوا في الاجتماع استمروا في محاولاتهم.[12]

ومن دون الدخول في تفصيلات تطور المجموعات الفلسطينية التي عادت والتقت من أجل تأسيس حركة "فتح"، يمكن الإشارة إلى أن المهاجرين إلى كل من دول الخليج العربية وأوروبا قاموا بتأسيسها، ولعل أبرز هذه المجموعات: مجموعة الكويت بقيادة ياسر عرفات وخليل الوزير وكلاهما من غزة، ومعهم عادل عبد الكريم، ولاحقاً خالد الحسن من لاجئي سورية؛ مجموعة السعودية وفيها عبد الفتاح حمود، وسعيد المسحال، وكمال عدوان (الذي كان في أواخر الخمسينيات لا يزال على مقاعد الدراسة في القاهرة، لكنه كان مواظباً على السفر)، ومحمد الأعرج؛ مجموعة قطر وضمّت محمود عباس (من لاجئي سورية)، وسليمان الشرفا وأبو يوسف النجار (من لاجئي غزة)؛ مجموعة ألمانيا وكان فيها هاني الحسن (من لاجئي سورية)، وهايل عبد الحميد.[13]

هناك ملاحظات أساسية لتفسير معنى هذه الحاضنة الخليجية – الأوروبية وأثرها في تركيبة حركة "فتح". فمن جهة كان الخليج، وتحديداً الدول التي نشطت فيها "فتح"، تخلو من الصراع الحزبي، وثانياً، كان الشبان المؤسسون للحركة من العاملين، في معظمهم، في القطاع الحكومي الخليجي، أو قطاع البترول، وكان قسم أساسي منهم في مناصب عليا مكّنتهم من التواصل مع المسؤولين السياسيين والأمنيين في تلك الدول، وبالتالي الحصول على مباركتهم، بل دعمهم للحركة الناشئة. وكان هناك نوع من العقد الضمني بين المؤسسين وهذه الدول هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية لها، ولذلك جرى التسامح مع النشاط الفلسطيني الفتحاوي، بينما تشير مصادر إلى أن محاولة الفلسطينيين النشاط في أطر أُخرى لم يتم التسامح معه، كانضمام الإخوان إلى حركة القوميين العرب، أو إلى أحزاب قومية ناشطة في تلك الدول.[14]

بناء على هذا، انطلقت "فتح" وجنّدت عناصرها في الخليج وغزة والأردن وأوروبا وسائر العالم، وتداول أعضاؤها مجموعة من الكتيّبات صارت تُعرف داخل الحركة باسم "الأدبيات"، وأهمها مجلة "فلسطيننا" الصادرة في لبنان (1959 - 1964)، وبيان "نداء حركتنا"، و"هيكل البناء الثوري". وبقراءة هذه الأدبيات، يمكن الإشارة إلى أن الأفكار التأسيسية للحركة كانت:

1) رفض إعطاء الدول العربية القرار الوطني الفلسطيني، ورفض تأجيل القضية الفلسطينية إلى حين إنجاز الوحدة العربية، أو الدولة الإسلامية. فمثلاً في "نداء حركتنا"، جاء ما يلي: "وحينما انتزعت الدول العربية زمام المبادرة من الشعب الفلسطيني، بأمر المستعمرين، فتحوا المنافذ للاستعمار والصهيونية، فحولوا شعب فلسطين إلى قطيع من اللاجئين البائسين. وبعدها منعت الدول العربية جميعها بأمر من الاستعمار والصهيونية أيضاً، شعب فلسطين العربي من التجمع والتكتل للاستعداد لاستعادة وطنهم."[15]

2) رفضت الحركة الانتماء الحزبي، وقالت: "لقد دفع الزخم الثوري الذي يملأ جوانح شعبنا إلى اندماج شبابنا في مختلف التكتلات الحزبية محاولاً دفع هذه التكتلات الحزبية للعمل من أجل فلسطين." وورد في "هيكل البناء الثوري" أيضاً: "لقد دفعت هذه الأحزاب أفراد شعبنا إلى خلافات جانبية فبددت قابلية الثورة عند الكثير منهم."[16]

3) الابتعاد عن الأيديولوجيا، إذ جاء في "هيكل البناء الثوري": "هذه الحركة لا تحمل أيديولوجية حزبية، بل إنها إعداد لعمل ثوري بناء".[17]

4) العمل كطليعة لعمل عربي أوسع، إذ جاء في "هيكل البناء الثوري" أن الحركة ستعمل على "تعبئة قوى وسائر إمكانيات وجهود شعبنا أينما كان، تعبئة ثورية شاملة، وحشدها طليعة للنضال العربي من أجل تحرير الأرض السليبة"، وورد أيضاً: "كذلك تعبئة القوى والجهود والإمكانيات العربية والصديقة لتسند[18] كفاحنا في معركة المصير."[19]

بعد أعوام من الإعداد والتأسيس، بدأت الحركة في مطلع سنة 1965، بالكفاح المسلح عبر عملية عيلبون السالفة الذكر، الأمر الذي أعطاها زخماً وجدية أكبر، وإن بقيت محدودة الانتشار نسبياً، وتثور بشأنها تساؤلات كثيرة عن هويتها وانحيازها، لكن هذا تغير بعد هزيمة حزيران / يونيو 1967، واحتلال إسرائيل سائر فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، وسيناء في مصر، والجولان في سورية. 

المرحلة الثانية: الكفاح المسلح وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية

سرعان ما بدأت حركة "فتح" بممارسة الكفاح المسلح داخل فلسطين، باندفاعة شديدة شملت نزول قيادات الحركة، وأبرزهم ياسر عرفات وممدوح صيدم إلى الأراضي المحتلة لبناء قواعد ارتكاز داخل فلسطين، وذلك قبل أن تمضي أسابيع قليلة على نكسة حزيران / يونيو.[20]

ومع تشكيل قواعد ارتكاز ووحدات مقاومة في الضفة الشرقية من نهر الأردن (في الأردن)، واتساع شعبية الحركة، وخصوصاً بعد معركة الكرامة في سنة 1968، فإن الحركة واجهت مجموعة من الأسئلة والتحديات، مثلما توفر لها عدد من الفرص. وفيما يلي أهم قضايا هذه المرحلة وتطوراتها: 

1) تثبيت نهج العمل الفصائلي والابتعاد عن الحل الجزائري

تكاثر عدد الفصائل الفلسطينية التي تعتمد التنظيم الشعبي والعمل المسلح باستقلالية فلسطينية حقيقية أو نسبية. فحتى الأحزاب العربية، وتحديداً حزبَي البعث في سورية والعراق، انبثق منها فصائل فلسطينية تمارس العمل العسكري، وترتبط بأنظمة البعث سياسياً وتمويلياً (وهو ما يمكن تسميته استقلالية نسبية)، وقد انضوت هذه الفصائل مع "فتح" تحت إطار منظمة التحرير الفلسطينية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، بينما كانت المجالس الوطنية المبكرة لمنظمة التحرير (خلال الفترة 1964 - 1967) تضم مئات الأعضاء (أكثر من 400 عضو) قسم كبير منهم من الوجهاء والأعيان السياسيين، جاء المجلس الوطني الرابع للمنظمة في تموز / يوليو 1968، مكوناً من 100 عضو فقط، يمثلون جيش التحرير الفلسطيني، و8 فصائل فلسطينية، فضلاً عن ممثلين لثلاثة اتحادات هي: اتحاد العمال؛ الطلاب؛ المرأة.[21]

شكل هذا الأمر نجاحاً حمل في طياته تحدّياً، ذلك بأن ازدياد عدد الفصائل رافقه تضارب في السياسات، وازدحام في عدد الجهات التي قد تتحكم في قرارات المقاومة وممارساتها، ربما يشكلان مدخلاً للتدخل في القرار الفلسطيني، وعودة إلى الحالة التي رفضها مؤسسو "فتح"، وهي أن يصبحوا جزءاً من معارك الأنظمة والأحزاب السياسية. وزادت أهمية هذا الأمر في تولّي "فتح" ممثلة في ياسر عرفات، رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بدءاً من شباط / فبراير 1969.

وساد نقاش واسع فحواه: هل يجدر بحركة "فتح" محاربة ظاهرة الفصائل الجديدة، وفرض ما سُمي الحل الجزائري، أي انتهاج ما قامت به جبهة التحرير الجزائرية من منع فصائل وتنظيمات صغيرة من أن تصبح جزءاً من الثورة الجزائرية، طالبة منها الاندماج ضمن تنظيم أوسع؟ أخيراً قررت "فتح" القبول بتعددية البنادق، وأن تكون منظمة التحرير، بقيادتها، هي الإطار الجامع، لكن هذا الأمر أدى إلى أن تؤثر الفصائل الأُخرى فعلاً، في إيقاع العمل الفلسطيني وقراراته. فمثلاً، يُعتقد أن الصدام بين المقاومة والنظام في الأردن تأثر إلى حد كبير بقرارات الفصائل اليسارية ومواقفها، إذ جرت خلال الحرب الأهلية في الأردن في سنة 1970 / 1971، سجالات بين قيادات في "فتح" وهذه الفصائل.[22] لكن بصورة عامة، حافظت "فتح" وحرصت على عدم الوصول إلى مرحلة الصدام الداخلي بين الفصائل، بل أضحت قدرة منظمة التحرير على احتواء جميع الفصائل واحداً من أسباب قوة حركة "فتح" ومصادرها. وبالتدريج، وخصوصاً بعد خروج المقاومة الفلسطينية إلى لبنان، ثبّتت "فتح" موقعها باعتبارها الفصيل القائد. وكان قد جرى في سنة 1968، تعديل نص الميثاق القومي الفلسطيني في المجلس الوطني الفلسطيني ليصبح اسمه الميثاق الوطني الفلسطيني، ومن ضمن النصوص التي أُدخلت عليه، ورد في المادة الثامنة أن "التناقضات بين القوى الوطنية الفلسطينية هي من نوع التناقضات الثانوية التي يجب أن تتوقف لصالح التناقض الأساسي."[23] 

2) الحاضنة العربية.. علاقة إشكالية

بعد أن استفاد مؤسسو حركة "فتح"، شخصياً وفردياً، من وجودهم في دول الخليج العربية، لإعادة بناء ذواتهم وتوفير موارد للانطلاق في خطتهم الوطنية، من مواردهم وموارد الفلسطينيين الذاتية الفردية، أدت الهزيمة العربية إلى أن تصبح المقاومة وفصائلها ومنظمة التحرير الفلسطينية نوعاً من إنقاذ ماء الوجه للأنظمة العربية، وهي البديل من حالة العجز عن الدخول في مواجهة مفتوحة وعاجلة بين هذه الأنظمة وإسرائيل، أو الركون والاستسلام. وقد أدى هذا الأمر من جهة إلى دعم مادي وسياسي كبيرَين، ومن جهة أُخرى إلى دعم رسمي وشعبي عربي للمقاومة وفصائلها. وبطبيعة الحال استفادت "فتح" مجدداً، من كونها بعيدة عن الأيديولوجيا، وترفع شعار عدم التدخل في شؤون الدول العربية الداخلية، للحصول على دعم مالي خليجي، وكذلك من موقعها كأكبر فصيل فلسطيني، للحصول على دعم دول أساسية في مقدمها مصر، لأن الحركة راعت عدم الصدام، بل إعطاء مكان ودور لفصائل تابعة لأنظمة عربية حزبية، وتحديداً الفصائل القريبة من العراق وسورية. غير أن هذا بدوره أدى إلى تغير طبيعة علاقات قيادة "فتح" فيما يتعلق بالأنظمة، إذ زادت أهمية إرضائها (ربما باستثناء الصدام مع الأردن في مطلع السبعينيات)، وبالتالي بدأت صبغة السياسات وحسابات السياسة الواقعية للعلاقات الدولية تتسع في عقل قيادة "فتح".

هذه الحاضنة العربية كانت تتوقف عند حدود السماح للفصائل والمنظمة بالعمل في أراضي هذه الدول، وخصوصاً العمل المستقل، وهو ما يتعلق بالوجود المسلح بصورة خاصة، كما في حالتَي الأردن ولبنان، الأمر الذي أدى إلى صدام مع النظام في الأردن (1969 - 1971)، ثم وُجدت المنظمة وفصائلها والفلسطينيون في لبنان في سياق الحرب الأهلية، وفي تعارض مع الدور السوري المسلح هناك، بدءاً من منتصف السبعينيات.

وقد بدأ الاحتضان العربي يهتز بالتدريج أو يتحول إلى احتضان مشروط، فانتصار مصر الجزئي في حرب تشرين الأول / أكتوبر 1973، أزال الحاجة إلى اعتبار دعم المقاومة الفلسطينية بديلاً من غياب الحرب. وعلى العكس من ذلك بدأ الحديث عن عملية سياسية إقليمية، فضلاً عن مخلفات الصراع في الأردن، والتوتر مع النظام السوري وفي لبنان،[24] إلّا إن الدعم المالي الخليجي ومن العراق استمر يشكل دعامة مهمة. غير أن هذا كله لا يلغي ما بدا واضحاً بالتدريج، وهو أن العمل من الخارج وتمركز القيادة الفلسطينية في الخارج، لهما ضريبة باهظة، حتى إن الأمر تفاقم مع حرب الخليج 1990 / 1991، إذ وجدت المنظمة بقيادة "فتح" نفسها بعيدة جغرافياً عن فلسطين، ومحاصرة في مواردها.[25] 

3) مراجعة الأدوات والوسائل

لم تكن فكرة قيام كيانية ما في الضفة الغربية وقطاع غزة بعيدة في يوم من الأيام عن تفكير مؤسسي "فتح"، لكن سببين أساسيين أديا في مرحلة السبعينيات، إلى تكريس هذه الفكرة: أولاً، بدء عمليات سياسية لحل الصراع، فبعد حرب 1973، وجدت القيادة الفلسطينية نفسها أمام خيارين، إمّا أن تجد نفسها خارج العملية السياسية المرتقبة، وإمّا أن يستثنيها حل إقليمي، ويحاول أن يعيد الوضع إلى ما قبل سنة 1967، من دون كيان فلسطيني، وبلا رؤية إلى حل مختلف قضايا الصراع، بما فيها قضية اللاجئين. من هنا بدأت الحركة بمراجعة فكرة اعتماد الكفاح المسلح كاستراتيجيا وحيدة، للمزاوجة بين العملَين العسكري والسياسي، وهذا ما تجسد فيما عُرف باسم البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقبول فكرة دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة.[26]

وهكذا، بدأ تبنّي وسائل مقاومة متعددة، وكان هذا يسير في اتجاهين متناقضين: ففي لبنان كان هناك اتجاه متزايد نحو العسكرة النظامية، وترتيب قوات الثورة إلى كتائب وسرايا على غرار الجيوش التقليدية، وكان هذا في السبعينيات، لكن في داخل فلسطين كان الميل أكثر، مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، إلى المقاومة الشعبية السلمية، والانتشار في المؤسسات المجتمعية، من جامعات ونقابات وجمعيات. 

4) ما بين المؤسساتية والريعية الثورية

لعل فكرة الكيانية الفلسطينية، أي بناء كيان يمثّل الفلسطينيين ويجمع طاقاتهم، كان في صلب النظرية التحررية لحركة "فتح"، وأيضاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، لذلك جاء تأسيس المنظمة على شكل مؤسسات أقرب إلى الدولاتية، من حيث وجود قوات عسكرية، ودوائر ثقافية، وسياسية، وتعليمية، إلخ.

وإذا كانت منظمة التحرير بدأت بهذا الشكل، فإن التجربة العملية لحركة "فتح" أوضحت الحاجة إلى إيلاء الحاجات الاجتماعية والإنسانية اهتماماً. وقد استمرت الحركة بعد قيادتها المنظمة في العمل على بناء مؤسسات متنوعة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، "مركز التخطيط الفلسطيني" الذي أُسس في سنة 1968، وبات له دور كبير في العمل الفلسطيني،[27] ومؤسسة "صامد" التي ظهرت في الذكرى الخامسة لانطلاقة "فتح"،[28] واسمها الرسمي الكامل هو "جمعية معامل أبناء شهداء فلسطين"، وكان المقصود تأمين فرص عمل لأبناء الشهداء وأبناء المخيمات. وانتقلت الجمعية إلى لبنان، ليتطور عملها بالتدريج، وأصبحت المؤسسة تعلن في وثائقها أنها تهدف إلى "رسم الخطوط المدنية لخلق الاقتصاد الفلسطيني الثوري المتكامل"، و"المشاركة في بناء القطاع العام الفلسطيني". وقد أنشأت المؤسسة العديد من المشاغل لإنتاج الملابس والحرف اليدوية (في سنة 1975 مثلاً، كان هناك 12 مشغلاً)، ثم صارت تنتج دوريات ودراسات اقتصادية.[29] ومنذ سنة 1966، أنشأت "فتح" لجنة لرعاية أُسر الشهداء والأسرى والجرحى، وتم تسمية انتصار الوزير (أم جهاد) رئيسة للجنة. وبحسب الوزير فإن "فتح" في السنة ذاتها اتخذت قراراً بإعادة تأسيس "جمعية الهلال الأحمر"، وأوكلت رئاستها إلى فتحي عرفات (شقيق ياسر عرفات)،[30] وأُلحقت المؤسستان لاحقاً بمنظمة التحرير الفلسطينية كمؤسسات وطنية.[31] وحتى في المجال الثقافي والإعلامي، أنشأت منظمة التحرير مؤسسات كانت تبدو إلى حد كبير، معبّرة عن حركة "فتح"، مثل مجلة "فلسطين الثورة"، وفرق فنيّة مثل "فرقة العاشقين".

لكن هذا كله لا يلغي تطور ما يمكن تسميته الريعية الفلسطينية، أو تسميته مجازاً الريعية الثورية. والريعية في الاقتصاد تُعرّف عادة باعتماد الدولة على ريع الأرض أو ثروة طبيعية تباع في الخارج وتستلمها الهيئة الحاكمة وتتولى توزيعها، وقد نشأت النظرية أساساً لبحث حالة الدول النفطية. ويضيف الباحثون إلى الدول الريعية تلك التي تتلقّى مساعدات كبيرة من الخارج تتولى الهيئة الحاكمة توزيعها وإدارة وصولها إلى المواطنين، أو مثلما يسميها عمر الرزاز "شبه الريعية"، وهي التي "تعتمد على المساعدات الخارجية وحوالات العاملين في الخارج."[32] ومن هنا، فإن هذا التعريف يساعد على فهم الحالة الفلسطينية، وخصوصاً في زمن منظمة التحرير الفلسطينية تحت قيادة "فتح"، حتى قيام السلطة الفلسطينية في سنة 1994.[33]

وساهم الدعم الذي قدمته "فتح" مباشرة، أو عبر منظمة التحرير، في بناء مؤسسات فلسطينية مهمة جداً، ولا سيما داخل الأراضي المحتلة، في ثمانينيات القرن العشرين، أي بعد الخروج من بيروت وقبل حرب الخليج (1990 / 1991)، عندما توقف الدعم المادي الآتي من الخليج والدول العربية. غير أن هذا أنتج مع الوقت، نوعاً من الريعية والأبوية يتحكّم القائد فيه شخصياً، في الموارد المالية الآتية من الخارج، ويقوم بتوزيعها.

ومن هنا، فإن المرحلة الثانية لـ "فتح"، من نهاية الستينيات حتى مطلع التسعينيات، اتسمت بسِمات معينة، وعاشت تطورات أهمها تحول "فتح" إلى قيادة الشعب الفلسطيني، متمتعة بشرعية ثورية ناتجة من ممارسة الكفاح المسلح، وقيادة منظمة التحرير في انتزاع قبول عربي وعالمي بالكيانية الفلسطينية السياسية، عبر دخول الأمم المتحدة كحركة تحرر. غير أن التشكيل الدولاتي بدأ يطغى على سياسات الحركة، بمعنى تحديد بناء الدولة، حتى لو على جزء من فلسطين، هدفاً لحركة التحرير الفلسطيني، وبُنيت قوات عسكرية شبه نظامية في لبنان، ومؤسسات أقرب إلى مؤسسات الدولة في منظمة التحرير. واستتبع هذا أيضاً التفكير في حسابات السياسة الدولية الواقعية، وتوازنات القوة الدولية، وبالتالي بدء التفكير كدولة لها علاقاتها وتحالفاتها، الأمر الذي بدأ يؤثر في برنامجها السياسي، وصولاً إلى سنة 1988 عندما أعلن المجلس الوطني في الجزائر قبول قرارَي الأمم المتحدة 242 و338 اللذين فتحا الباب للاعتراف ببقاء إسرائيل، وقبول تقسيم فلسطين، وأيضاً التعهد بنبذ الإرهاب، وهو ما اعتُبر تراجعاً غير صريح عن الكفاح المسلح، وبالتالي التصرف كدولة، والذي تطور في عدة مجالات تلاها تنازلات في سبيل تجسيد الدولة.

إلى ذلك، فإن الدعم المالي من دول الخليج العربية، والدول الغنية بالنفط مثل العراق وليبيا، شكّل رافعة لتقوية الحركة وقدرتها على دعم الصمود وتطوير المؤسسات الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها، لكنه أنتج أيضاً نظاماً ريعياً أبوياً يقوم على قوة الشخص القائد المتحكم في المال، وربط الحركة الفلسطينية بهذا التمويل الذي تعرّض لاختبار كبير بعد حرب الخليج (1990 / 1991) وتوقّف المساعدات. 

ثالثاً: "فتح" في مرحلة السلطة

في سياق متغيرات وعوامل كثيرة، وقّعَت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقيات السلام الانتقالية الموقتة، خلال سنتَي 1993 و1994، والمعروفة باسم "اتفاقيات أوسلو". وأهم هذه العوامل هي: الافتقار إلى الحاضنة والدعم العربيين بعد المقاطعة التي واجهتها المنظمة بعد حرب الخليج؛ تحولات الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي؛ هزيمة العراق الحليف الاستراتيجي؛ دخول الانتفاضة الفلسطينية التي بدأت في سنة 1987 في مرحلة من الفتور. وفي المحصلة، وُقّعت الاتفاقيات ودخلت "فتح" على رأس القوات والأجهزة العائدة من الخارج، وأُنشئت السلطة الوطنية الفلسطينية، الأمر الذي أوجد واقعاً جديداً من أهم معالمه، ما يلي: 

1) معضلة الجمع بين السلطة والتحرير

كان انطلاق السلطة الفلسطينية يبدو واعداً في البداية، باعتباره عملية بناءٍ للدولة الفلسطينية، والتطور الطبيعي والمنتظر لحركة التحرر إلى كيان سياسي دولاتي مستقل. غير أن هذه العملية سرعان ما اصطدمت بمجموعة عقبات من أهمها: التراجع الإسرائيلي الذي اتّخذ شكل التوسع في المشروع الاستيطاني؛ المعارضة اليمينية، إذ جرى اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية يتسحاق رابين الذي وقّع "اتفاقيات أوسلو"؛ صعود بنيامين نتنياهو إلى السلطة، وهو الرافض لعملية أوسلو جملة وتفصيلاً.

لكن السلطة الفلسطينية سرعان ما اصطدمت بواقع تعثّر العملية السلمية، ذلك بأن العملية بُنيت على أساس أن هناك انتقالاً من سلطة حكم ذاتي موقتة إلى دولة، وبالتالي أيضاً انتقال بُنى الثورة من منظمة إلى دولة، وأن يحدث تحول داخل حركة "فتح" لتصبح تنظيماً علنياً يعمل بأسلوب أقرب إلى الحزب الحاكم. ومن هنا جاء مثلاً إيجاد هيكل جديد سُمّي "اللجنة الحركية العليا"، لقيادة العمل التنظيمي على الأرض.[34]

ومع تعثّر العملية السلمية، لم تطوّر "فتح" وضع برنامج نضالي جديد يأخذ بعين الاعتبار الواقع الراهن، وكيف يمكن المزاوجة بين "التحرر" و"السلطة"، في آنٍ واحد، ولا يوجد أي وثائق تبنّتها الحركة لتلائم المرحلة الجديدة. ومن هنا، غلب على أداء الحركة نوع من الارتجال، والاعتماد على إرثها النضالي، فانخرط أفرادها والأجهزة الأمنية خلال أعوام رئاسة ياسر عرفات للسلطة الفلسطينية، في أكثر من مواجهة مع الاحتلال، ولا سيما في سنة 1996 في أثناء ما يُسمّى انتفاضة النفق احتجاجاً على فتح نفق تحت المسجد الأقصى،[35] وخلال الفترة 2000 - 2004 ضمن انتفاضة الأقصى. كما بادر أفراد ومجموعات إلى الاتجاه نحو العمل المسلح، وتشكلت مجموعات "كتائب شهداء الأقصى" لتكون جناحاً عسكرياً للحركة، لكن هذه السياسات لم يتم تبنّيها من مجمل القيادة الفلسطينية، أو ضمن الأطر القيادية لها، وإنما كان هناك خلاف حولها. وليس سراً أن محمود عباس، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي شغل في سنة 2003 منصب رئيس الحكومة الفلسطينية، ولم يستمر في المنصب سوى أقل من ستة أشهر (19 آذار / مارس- 6 أيلول / سبتمبر 2003)، استقال بعدها نتيجة خلافات في شأن إدارة المرحلة.

غير أن تشكيل "كتائب شهداء الأقصى" في أثناء انتفاضة 2000 - 2004، تلاه نهوض في المقاومة الشعبية في الأعوام التالية، وخصوصاً ضد جدار الفصل العنصري الذي بدأت إسرائيل ببنائه، وضد الاستيطان، وهذان الأمران كانا من أبرز مؤشرات السعي للجمع بين عمليات بناء السلطة والمقاومة. 

2) السلطة ومنظمة التحرير

ترافق مع تأسيس السلطة الفلسطينية تراجع كبير في مكانة منظمة التحرير الفلسطينية، وليس أدل على ذلك من توقف انتخابات وفاعليات الاتحادات المهنية والشعبية، قبيل تأسيس السلطة، أو بعد ذلك بأعوام، مثل تجميد "الاتحاد العام لطلبة فلسطين" الذي عَقد آخر مؤتمر عام له، وأجرى آخر انتخابات في سنة 1990.[36] ولعل وتيرة عقد المجلس الوطني الفلسطيني أوضح مؤشر إلى تراجع مكانة منظمة التحرير، فقد عَقد المجلس ثلاث دورات فقط على مدى أكثر من 30 عاماً، بعد إنشاء السلطة الفلسطينية، وهذا خلال السنوات: 1996، و2009، و2018. وخُصصت دورة 1996 لمناقشة تغيير الميثاق الوطني الفلسطيني، إذ تقرر "تكليف اللجنة القانونية بإعادة صياغة الميثاق على هذا الأساس ليتم عرض الصياغة الجديدة على المجلس المركزي الذي ينوب عن المجلس الوطني، في أول اجتماع له"، وهو ما لم يحدث، بل إن مصادر المجلس الوطني ذاتها تشكك في أن هذا الانعقاد كان دورة حقيقية. كما قفز عدد أعضاء المجلس عبر إضافة المئات له، بحيث وصل الآن إلى نحو 730 عضواً، من دون آلية واضحة أو رسمية لهذه الزيادة.[37] 

3) السلطة والحركة والزبائنية

استوعبت السلطة الفلسطينية أغلبية كوادر حركة "فتح"، كموظفين وأعضاء في أجهزتها الأمنية والإدارية، واختفت أو تراجعت إلى حد كبير، أذرع الحركة الإعلامية، وبرز في السياق الفلسطيني مصطلح الزبائنية لمناقشة الواقع الفلسطيني. وتُعرّف الباحثة سوسن الشيخ أحمد، في معرض دراستها لنمط القيادة الفلسطينية، الزبائنية بأنها "منح الامتيازات والخدمات السياسية، والمواقع الحكومية والرسمية في النظام السياسي لفئة معينه، بعيداً عن الكفاءة والمنافسة، وإنما ارتكازاً على علاقات عائلية أو فصائلية حزبية بهدف ضمان الولاء."[38] وتخلص الباحثة إلى القول: "اتسمت القيادات الفلسطينية بإدارتها للمشروع التحرري بمستوى عالٍ من الشخصانية، والزبائنية، والريعية، سواء في إدارة منظمة التحرير الفلسطينية، أو في إدارة السلطة الفلسطينية ومؤسساتها."[39] وهذه النتيجة هي نفسها تقريباً التي وصلت إليها دراسات أُخرى مثل دراسة أنس اقطيط وأشرف بدر اللذين يخلصان إلى توصيف الحالة السياسية الفلسطينية في زمن السلطة بأنها "نيوبتريمونيالية" (neopatrimonial)، أو "أبوية جديدة" مثلما يقول أشرف بدر، والتي تقوم على أن "مؤسسات الدولة الرسمية يتم دمجها بسياسات خاصة غير رسمية للحكم." ومن ناحية نظرية، كما تخلص مراجعات بدر، تسعى الأنظمة الأبوية الجديدة لبناء نظام زبائني يقوم على "علاقة بين راعي ورعيته"، بحيث يصبح توزيع الموارد المالية، والخدمات، والوظائف، والعطايا، والمناصب، موجهاً إلى فئة معينة كنوع من طرق كسب الولاء. ويرصد بدر قائلاً: "ضمن هذا الإطار تم استحداث أكثر من 80 مؤسسة غير وزارية في السلطة الفلسطينية، رواتب رؤسائها تعادل رواتب الوزراء، [و] معظم هذه الهيئات تحمل مسمى وظيفي يمكن أن تقوم به الوزارات كـ 'هيئة حوادث الطرق'."[40]

ومن المهم الإشارة إلى أن هذا الواقع مهيمن على أداء القيادة الفلسطينية، في زمن الرئيس محمود عباس، إذ لا يوجد مجلس تشريعي، والمجلس الوطني الفلسطيني لا يجتمع، بل تتباعد اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولا تُتخذ القرارات داخل حركة "فتح". ويميل الرئيس الفلسطيني، إلى استبعاد "فتح" من كثير من مواقع القيادة الرئيسية، فمثلاً، من بين أربع رؤساء حكومة تسلموا قيادة حكومة السلطة منذ سنة 2007، واحد منهم فقط كان من "فتح"، كما أن الرئيس يعتمد على مستشارين ومساعدين من خارج الحركة، ومن أبرزهم محمود الهباش، وزياد أبو عمرو، وأحمد مجدلاني،[41] أمّا الأشخاص الذين يعتمد عليهم من داخلها، فتتعدد المناصب التي يوكلها إلى الشخص الواحد منهم. ومن تجليات الأزمة القيادية في حركة "فتح"، عدا عدم استشارة اللجنة المركزية في كثير من القرارات، وتباعد اجتماعات اللجنة، أن عضوين منها فُصلا، وهما محمد دحلان (2011)[42]، وناصر القدوة[43]، ونزول ثلاث قوائم رئيسية على الأقل باسم الحركة في الانتخابات التشريعية الملغاة في سنة 2021.[44]

ولعل أمرين أساسيين لهما تداعيات عميقة هما واحد من أهم الفوارق بين "أبوية" "فتح" وياسر عرفات في مرحلة ما قبل أوسلو، و"الزبائنية" في مرحلة ما بعد أوسلو: الأمر الأول أن مصدر التمويل الذي كانت تقدمه المنظمة، كان يأتي من دول عربية داعمة، بينما بعد مرحلة السلطة أصبح الاعتماد على أموال المقاصة (عائدات الجمارك التي تجمعها إسرائيل على الحدود عن البضائع الفلسطينية المستوردة، وتقدمها إلى السلطة الفلسطينية بعد اقتطاع نسبة معينة كمصاريف إدارية)، وعلى المساعدات الأميركية والأوروبية، وهو ما سمح للإسرائيليين والأميركيين والأوروبيين بوضع كثير من الاشتراطات والقيود على الأداء الفلسطيني بفضل التحكم في هذا التمويل.[45] ويمكن أن يعزى تراجع التمويل العربي إلى عدة عوامل منها تعمّق فكرة الدولة القُطرية العربية، وتراجع فكرة التضامن العربي، (ترسخ الدولاتية العربية على حساب الشعور بالرابطة العربية) وكذلك عدم قدرة القيادة الفلسطينية على استعادة تحالفات أو علاقات عمل مشترك عميقة مع الدول العربية، وهو ما جعلها تركز على المانح الغربي.

الاختلاف الثاني بين زبائنية السلطة وأبوية المنظمة، أن المصادر في الزمن الأول (قبل أوسلو) كانت توجَّه إلى مؤسسات وهيئات، أمّا في عهد السلطة الفلسطينية، فصارت توجَّه إلى أفراد على شكل وظائف وامتيازات. 

4) "فتح" لم تعد تقود القرار الفلسطيني

تقوم فكرة "الرقم الصعب"، مثلما مر معنا، على أن يكون الشعب الفلسطيني هو صاحب الكلمة الفصل في الشأن الفلسطيني وفي أي تسويات إقليمية. وكانت "فتح" هي الصانع الأساسي للقرار الفلسطيني، فمنذ نهاية الستينيات حتى سنة 2007، كانت قرارات المواجهة والتهدئة (أو ما قد يمكن تسميته مجازاً قرار الحرب والسلام) بيد الحركة.

ومع أنه كان هناك فصائل تجعل امتلاك "فتح" حرية مطلقة في القرار الفلسطيني أمراً معقداً، بدءاً بفصائل مثل "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، في الستينيات والسبعينيات، ثم اتّباع حركة "حماس" نهج العمليات الاستشهادية في منتصف التسعينيات، إلّا إنه حتى سنة 2007، كانت "فتح" هي صاحبة القرار النهائي. لكن مع الانقسام في تلك السنة فقدت "فتح" وقيادتها هذه الصفة إلى حد كبير، أي لم تعد الحركة تشكل ما يمكن تسميته الرقم الصعب، وإن كانت بحكم قيادتها السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، ووجود تشكيل تنظيمي واسع، تشكل رقماً صعباً ومؤثراً، وخصوصاً على المستوى السياسي الرسمي.

لقد بات قرار المواجهة مع الاحتلال في كثير من الحالات بيد أطراف أُخرى، كما أن المفاوضات لوقف المواجهة (إطلاق النار) لم تعد باسم الحركة التي أمست غير قادرة على التأثير الحاسم في مختلف قضايا الصراع. فمنذ سنة 2008، أضحت حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة هما مَن تبدآن وتُنهيان حالة المواجهة مع الجانب الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، بعد عملية حركة المقاومة الإسلامية ("حماس") في 7 تشرين الأول / أكتوبر (عملية طوفان الأقصى لمهاجمة المستعمرات والمواقع الإسرائيلية في محيط قطاع غزة)، وما تبعها من عدوان إسرائيلي، وإبادة، ومقاومة في قطاع غزة، جرت مفاوضات وقف الحرب وتبادل الأسرى من دون حضور حركة "فتح".

الملاحظ أن الحركة لم تحاول قيادة أي تحرك مؤثر كي تشارك أو تقود صنع القرار، فعلى مستوى الفعل الميداني، غابت عن التشكيلات المقاومة العسكرية، وتوقفت عن التفكير كفصيل أو حركة تحرر، كما أنها لم تحاول أن تصل إلى تفاهم مع الحركات الأُخرى التي تتولى المبادرة العسكرية، لتكون جزءاً من قرار موحد، أو أن تقود هي مباشرة أو عبر منظمة التحرير الفلسطينية الحديث باسم القوى الفلسطينية، وبالتالي تكون قد تراجعت أيضاً عن اعتبار نفسها الفصيل القائد. وفي الواقع، فإن الحركة فقدت جزءاً كبيراً من دورها التقليدي لمصلحة جهتين: الأولى، هي فصائل المقاومة المسلحة في قطاع غزة، والثانية، لمصلحة الرئيس الفلسطيني والأجهزة الأمنية للسلطة والحكومة. ففي الضفة الغربية، ومع ظهور مجموعات مقاومة مسلحة في عدد من المخيمات والمدن، منذ سنة 2022 على الأقل، فإن الأجهزة الأمنية قررت في نهاية سنة 2024، إطلاق حملة باسم "حماية وطن" قال الإعلام الرسمي الفلسطيني بشأنها، إن هذه الحملة جاءت "كاستجابة ضرورية بعد سنوات من الفوضى التي طالت مختلف جوانب الحياة في جنين، وهدفت إلى إعادة الأمن والاستقرار وإنقاذ حياة المواطنين من الفلتان الأمني المتزايد."[46] غير أن الأجهزة الأمنية لم تُكمل حملتها التي تم تبريرها باعتبار أن هذه المجموعات ليست مقاومة، وإنما "خارجة عن القانون"، لأنه بعد عملية استمرت 47 يوماً، وأسفرت عن مقتل 15 فلسطينياً، بينهم 6 من عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية، شنّ الاحتلال الإسرائيلي عملية ضد المخيم ذاته، فقررت الأجهزة الأمنية الانسحاب من محيط المخيم.[47] وبغضّ النظر عن تفصيلات مثل هذه العمليات للأجهزة الأمنية، والتي ربما تحتاج إلى بحث مختلف، فإن سلوك الأمن الفلسطيني الذي أصبح فعلياً التعبير المسلح المرتبط بحركة "فتح"، صار هو الوظيفة الأمنية الداخلية التي لا تحمل رداً واضحاً بشأن آليات الوقوف في وجه البندقية الإسرائيلية.[48]

وإذا كان قد غاب أي جهد منظم وواسع للمقاومة الشعبية بقيادة "فتح"، على الأقل منذ نهاية سنة 2023، وعلى الرغم من العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية، فإن الحركة لم تحاول أن تقود، أو تستدعي منظمة التحرير الفلسطينية كإطار عمل، إذ حتى كتابة هذه السطور في منتصف شباط / فبراير 2025، لم يُدعَ المجلس الوطني، أو المجلس المركزي الفلسطيني، إلى اجتماع، بل حتى اجتماعات اللجنة التنفيذية تباعدت على نحو كبير، وباتت شكلية، فضلاً عن عدم جدية أي محاولة لتوحيد النطاق السياسي الفلسطيني، والتفاهم مع حركتَي "حماس" والجهاد الإسلامي.[49] وبالتالي، بدت الحركة بعيدة، أو حتى غير راغبة في استعادة مكانة القيادة والرقم الصعب، أو بتعبير أدق، القيام بالخطوات اللازمة لذلك، كتجديد النظام السياسي الفلسطيني، كما أن التفكير الأمني طغى فيما يتعلق بالشقّ الداخلي، وما يُسمّى نزع الذرائع (المتمثلة في المقاومة) التي قد تبرر الاعتداءات الإسرائيلية.

وهنا، يبدو تفكير الأجهزة الأمنية متطابقاً مع تفكير الأمن التقليدي في الدول (والتي هي في هذه الحالة الفلسطينية سلطوية تفتقد مؤسسات ديمقراطية منتخبة وتشريعية منتظمة)، لكن الحلقة المفقودة هي أن هذا يجري تحت الاحتلال، وليس في دولة مستقلة. 

خاتمة

بعد 60 عاماً، ترسخت فكرة حركة "فتح" الأساسية عند انطلاقتها في الستينيات، بشأن أولوية الشأن الفلسطيني، وتبنّت الفصائل هذه الأولوية بشكل واسع، بل إن الحركة استطاعت فعلاً القيام بالدور القيادي في ترسيخ الهوية الوطنية الفلسطينية، وفكرة الكيانية الفلسطينية.

لكن على الأرض بدأت الحركة تفقد طبيعتها الحركية الجامعة التي تتجاوز التناقضات الداخلية لمصلحة التناقض الخارجي، كما فقدت قدرتها على أن تكون القاطرة لوحدة وطنية فلسطينية جامعة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالي أن تكون هي "الرقم الصعب" الذي يقود القرار الفلسطيني. وقد فقدت الحركة هذا لمصلحة أكثر من جهة: أولاً، حركات مقاومة أُخرى لم تنضوِ تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، وبغضّ النظر عن سبب عدم الانضواء، فالأمر الواقع هو أن هذه الحركات ("حماس" والجهاد) باتت تتحكم كثيراً في إيقاع الفعل الفلسطيني؛ ثانياً، مجموعات كثيرة من الشبان في الضفة الغربية اتخذت المبادرة إلى القيام بالعمل المقاوم من دون ارتباط بحركة "فتح"؛ ثالثاً، تشكيلات السلطة الفلسطينية ممثلة في الرئيس الفلسطيني الذي على الرغم من أنه هو ذاته رئيس الحركة، فإنه يعتمد في إداراته للحدث اليومي على أجهزة أمنية تعمل وفق منطق الأمن التقليدي، ومن دون وضوح في دور هذا الأمن في مواجهة الاستيطان والاحتلال، بل بتجنّب معلن للمواجهة مع الاحتلال، فضلاً عن استمرار التنسيق الأمني معه. كما يعتمد الرئيس على حكومات لا تشكلها الحركة. ومن هنا يبدو أنه مع نهاية العقد السادس للحركة، باتت "فتح" تفتقر إلى كثير من مقومات صعودها، والتي كانت ترتكز على فكرة وعقيدة مقاومة واضحة، وبُنية جماهيرية فاعلة تتبنّى المقاومة والمبادرات القاعدية للعمل، لمصلحة تبنّي مقولات الأمن، والحفاظ على السلطة باعتبارها هي الاستراتيجيا الوطنية. بل بات صعباً حتى الحديث عن الحركة باعتبارها "حزباً حاكماً"، لأنها لم تعد تشكل الحكومات الفلسطينية، وتحوّل الدور المناط بها، إلى تنظيم داعم لقرارات الرئيس الفلسطيني، وإلى تولّي قيادة الأجهزة الأمنية، في سياق ليس فيه انتخابات أو مؤسسات تشريعية، ولا توجد فيه سيادة أو سلطة فعلية للفلسطينيين في ظل احتلال يتوسع يومياً من خلال الاستيطان والتطهير العرقي، ورفض (إسرائيلي) لأي سلطة أو كيانية فلسطينية، وفي مقدمها سلطة تقودها حركة "فتح"، حتى لو كانت سلطة غير مقاومة، بالمعنى التقليدي للمقاومة.

 

المصادر:

[1] كانت عملية عيلبون أول عمليات حركة "فتح"، ومع أن العملية تضمنت محاولة تفجير منشأة مياه، رداً على مشروع إسرائيلي لتحويل سدّ مياه نهر اليرموك، إلّا إنها مجازاً صارت تُعرف بالانطلاقة، وبالطلقة الأولى. ولتفصيلات العملية، مثلما روتها "فتح"، يُنظر: "عملية عيلبون"، منظمة التحرير الفلسطينية، 28 – 31 / 12 / 1964، في الرابط الإلكتروني.

[2] المقصود هنا قيام حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بهجوم على المستعمرات والقواعد الإسرائيلية في محيط قطاع غزة وأخذ مئات الأسرى.

[3] كان ياسر عرفات يستخدم هذه المفردة باستمرار للإشارة إلى أنه لا يمكن تجاوز قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في شؤون التسويات الإقليمية، لكنه ضمناً كان يشير إلى دوره كقائد للشعب الفلسطيني، وتُستخدم هذه المفردة في هذا البحث بمعنى مدى القدرة على التأثير في الحدث اليومي. يُنظر على سبيل المثال:

"حديث صحافي لياسر عرفات لوكالة الأنباء الفلسطينية ("وفا")، [1974 / 10 / 7]"، مؤسسة ياسر عرفات، 2015 / 12 / 07، في الرابط الإلكتروني.

[4] يُنظر: "فصائل وقوى: انطلاقة فتح مثّلت تحوّلاً بالصراع مع الاحتلال باعتبارها العمود الفقري للمشروع الوطني"، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية ("وفا")، 31 / 12 / 2022، في الرابط الإلكتروني.

[5] من الأمثلة لموافقة الأونروا دعم الشباب الفلسطيني للحصول على تكاليف السفر إلى دول الخليج العربية في مقابل شطب اسم الشخص من سجلات الوكالة. يُنظر: نبيل الرملاوي، "أيامي وأوراق دبلوماسية" (عمّان: دار الشروق، 2016)، ص 49.

[6] زياد أبو عمرو، "أصول الحركات السياسية في قطاع غزة 1948 - 1967" (عكا: دار الأسوار، 1987)، ص 63؛ كامل الشريف، "الإخوان المسلمون في حرب فلسطين" (الزرقاء: مكتبة المنار، ط 3، 1984) ص 31؛ سعيد المسحال (أحد مؤسسي حركة "فتح")، مقابلة شخصية، عمّان، 16 / 11 / 2017.

[7] عن سنوات الجوع الثلاث، يُنظر: كمال عدوان، "فتح الميلاد والمسيرة" (بيروت: منظمة التحرير الفلسطينية، الإعلام الموحد، والاتحاد العام للكتّاب والصحافيين الفلسطينيين، 1974)؛ حسين أبو النمل، "قطاع غزة، 1948 – 1967: تطورات اقتصادية وسياسية واجتماعية وعسكرية" (بيروت: منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث، 1979)، ص 13، 47. ولتفصيلات عن الجوع في مخيمات وأماكن اللجوء في سورية والأردن، يُنظر: أحمد جميل عزم، "سفر الجوع الفلسطيني: عندما تشكل قصص الأمعاء الخاوية ذاكرة شعب"، في: أحمد عزم وآخرون، "نجمة كنعان: المقاومة المدنية والثقافية الفلسطينية، معركة الهوية" (عمّان: دار فضاءات، 2011).

[8] عبد الله أبو عزة، "مع الحركة الإسلامية في الدول العربية" (الكويت: دار القلم للنشر والتوزيع، 1986)، ص 24.

[9] سليم الزعنون، "السيرة والمسيرة: مذكرات سليم الزعنون (أبو الأديب)" (عمّان: الدار الأهلية للنشر والتوزيع، 2013)، ص 59 - 61.

[10] يزيد صايغ، "الكفاح المسلح والبحث عن الدولة: الحركة الوطنية الفلسطينية، 1949-1993"، ترجمة باسم سرحان (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2002)، ص 147.

[11] سعيد المسحال، "بين الثورة والنفط وأعمدة الشر السبعة" (عمّان: دار أزمنة للنشر والتوزيع، 2013)، ص 58 - 59.

[12] لمعلومات بشأن الاجتماع، يُنظر: المصدر نفسه، ص 62 - 67؛ الزعنون، مصدر سبق ذكره، ص 63.

[13] بشأن هذه الأنوية، يُنظر: أحمد جميل عزم، "كمال عدوان رجل في ثورة وثورة في رجل" (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2024) ص 162 - 180.

[14] بشأن تمييز الكويت مثلاً، بين مَن ينتمي إلى القوميين العرب (التي انبثقت منها لاحقاً الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، وحركة "فتح"، وقبولها نشاط الأخيرة، يًنظر: أحمد الخطيب، "الكويت من الدولة إلى الإمارة: ذكريات العمل الوطني والقومي" (بيروت: المركز الثقافي العربي، 2009)، ج 2، ص 344 - 345.

[15] حركة التحرير الوطني الفلسطيني، "بيان حركتنا" (د. م.: د. ت.)، ص 4، في الرابط الإلكتروني.

[16]  المصدر نفسه، ص 15- 16.

[17] المصدر نفسه، ص 16.

[18] يُنظر: "هيكل البناء الثوري" (د. م.: د. ن.، د. ت.)، إذ جاء في النص مفردة "لتسدد"، لكن الأرجح أنها خطأ مطبعي.

[19] المصدر نفسه، ص 10.

[20] صايغ، مصدر سبق ذكره، ص 244، 246، 265، 267؛ وليم نصار، "تغريبة بني فتح: أربعون عاماً في متاهة فتحاوية" (عمّان؛ رام الله: دار الشروق، 2005)، ص 114.

[21] راشد حميد، "منظمة التحرير الفلسطينية في عشر سنوات"، "مجلة شؤون فلسطينية"، العددان 41 - 42 (كانون الثاني / يناير – شباط / فبراير 1975)، ص 520.

[22] عن الجدل داخل "فتح"، بشأن العلاقة مع منظمة التحرير والفصائل الأُخرى في سنة 1968، يُنظر: صايغ، مصدر سبق ذكره، ص 330 - 332.

[23] "الميثاق الوطني الفلسطيني".

[24] معين الطاهر، "تبغ وزيتون: حكايات وصور من زمن مقاوم" (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017)، ص 50 - 54.

[25] نبيل عمرو، "ياسر عرفات، وجنون الجغرافيا" (القاهرة: دار الشروق، 2013)، ص 212 – 215.

[26] الطاهر، مصدر سبق ذكره، ص 50 – 54.

[27] "مكتبة 'التخطيط الفلسطيني': تدمير صهيوني للمرة الثانية"، "العربي الجديد"، 4 آذار / مارس 2024.

[28] الملاحظ أنه اعتُمد تاريخ 1 / 1 من كل عام تاريخاً للاحتفال بانطلاق الثورة الفلسطينية، وهو تاريخ عملية "فتح" الأولى في سنة 1965، ولم يكن مثلاً تاريخ تأسيس منظمة التحرير هو تاريخ الاحتفال بالثورة ككل.

[29] فريال عبد الرحمن، "مؤسسة صامد: محاولة لبناء مؤسسة إنتاجية"، "مجلة شؤون فلسطينية"، العددان 53 - 54، (كانون الثاني / يناير – شباط / فبراير 1976)، ص 203 - 209.

[30] انتصار الوزير، "رفقة عمر، مذكرات انتصار الوزير (أم جهاد)" (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2022)، ص 117.

[31] يُنظر موقع الهلال الأحمر الفلسطيني، "من نحن"، في الرابط الإلكتروني.

[32] عمر الرزاز، "من الريع إلى الإنتاج: الطريق الصعبة إلى عقد اجتماعي عربي جديد"، في: مجموعة من المؤلفين، "النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في الدول العربية: الأبعاد الاقتصادية" (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013)، ص 170.

[33] يتبنّى أنس اقطيط مصطلح الريعية لتحليل اقتصاد السلطة الوطنية الفلسطينية، على اعتبار أنها "سلطة ريعية"، ويحاول إثبات هذا من حيث طبيعة موارد السلطة المادية. وبغضّ النظر عن تفصيلات هذا النقاش، فإن الريعية في حالة منظمة التحرير وحركة "فتح" قبل السلطة أكثر وضوحاً. يُنظر: أنس اقطيط، "السلطة الفلسطينية والدولة الريعية"، "سياسات عربية"، العدد 26 (أيار / مايو 2017)، ص 63، في الرابط الإلكتروني.

[34] بشأن تحولات حركة "فتح" بعد بناء السلطة، وتأسيس اللجنة الحركية العليا، يُنظر: إلياس خوري وعبدالرحيم الشيخ، "من جنين إلى زرعين: مقابلة شخصية مع جمال حويل"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 136 (خريف 2023)، ص 49 - 89.

[35] " 'هبّة النفق'.. انتفاضة للفلسطينيين دفاعاً عن الأقصى"، "الجزيرة نت"، 8 تشرين الثاني / نوفمبر 2024، في الرابط الإلكتروني.

[36] يُنظر: "حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)"، الاتحاد العام لطلبة فلسطين، مفوضية الإعلام والثقافة والتعبئة الفكرية، 3 كانون الأول / ديسمبر 2017، في الرابط الإلكتروني.

[37] بشأن تفصيلات هذه الجلسات، يُنظر الموقع الإلكتروني للمجلس الوطني الفلسطيني.

[38] سوسن الشيخ أحمد، "أنماط القيادة الفلسطينية وأزمة المشروع التحرري الفلسطيني"، أطروحة ماجستير، (نابلس: جامعة النجاح، 2017)، ص 32، في الرابط الإلكتروني.

[39] المصدر نفسه، ص 148.

[40] أشرف بدر، "النظام الأبوي في السلطة الفلسطينية" (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2021)، ص 20، في الرابط الإلكتروني.

[41] على سبيل المثال، يتولى أحمد مجدلاني موقع عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتباره الأمين العام لفصيل هو جبهة النضال الشعبي، فضلاً عن تولّيه منصب وزير عدة مرات بالتزامن مع هذين المنصبين، ويتولى هيئات ومؤسسات أُخرى، منها مؤسسة تمكين التي أُسست في سنة 2019، باعتبارها تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، بحكم القانون، ويرأسها الوزير، وتُعنى بتقديم مساعدات اجتماعية ومنح صغيرة للتمويل. وما إن خرج مجدلاني من موقع الوزير حتى فُصلت المؤسسة عن الوزارة وأصبح مجدلاني رئيساً لها بصفة شخصية، وأوكل إلى المؤسسة لاحقاً مهمات مخصصات الأسرى المالية، بعد إلغاء قوانين الأسرى. يُنظر: سعيد أبو معلا، "ما هي مؤسسة 'تمكين' التي أُحيل إليها دعم الأسرى والشهداء؟!"، "القدس العربي"، 11 شباط / فبراير 2025. ومن الأمثلة الأُخرى حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، والذي يشغل موقع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومنصب رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية، المسؤولة عن التنسيق مع الجانب الإسرائيلي في الشؤون المدنية، برتبة وزير. أمّا روحي فتوح، عضو اللجنة المركزية في "فتح"، فيشغل منصب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، ومفوض العلاقات الخارجية في الحركة.

[42] ضياء الكحلوت، "فَصْل دحلان من فتح وإحالته للقضاء"، "الجزيرة نت"، 12 / 6 / 2011، في الرابط الإلكتروني.

 "فتح: قرار فَصْل دحلان لا رجعة فيه"، "الجزيرة نت"، 17 / 11 / 2015، في الرابط الإلكتروني.

[43] نائلة خليل، "فتح تفصل ناصر القدوة من عضوية الحركة ولجنتها المركزية"، "العربي الجديد"، 11 آذار / مارس 2021، في الرابط الإلكتروني.

[44] خالد الحروب، "تحولات فتح بعد أوسلو: استنزاف الرمزية التاريخية واهتراء العصا من الوسط"، في: "دراسات في تحولات المجتمع الفلسطيني ما بعد أوسلو (1): الفواعل والمؤسسات"، تحرير أحمد عطاونة وحسن عبيد (إستانبول: مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية، ومركز رؤية للتنمية السياسية، 2023)، ص 28.

[45] من الأمثلة الحديثة لأثر هذا التمويل إلغاء الرئيس الفلسطيني قوانين دعم الأسرى، وتحويل شأن الدعم المالي إليهم من مؤسسة مستقلة تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، لاعتبارهم وأُسرهم حالات اجتماعية تتلقى مساعدات. يُنظر:

"مرسوم رئاسي بإلغاء المواد المتعلقة بمخصصات الأسرى والشهداء ونقل برنامج المساعدات إلى المؤسسة الوطنية للتمكين الاقتصادي"، وكالة "معاً" الإخبارية، 11 شباط / فبراير 2025، في الرابط الإلكتروني.

[46] "حملة 'حماية وطن' في جنين: معالجة سنوات من الفوضى وضمان أمن المواطنين"، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية ("وفا"). 16 / 12 / 2024، في الرابط الإلكتروني.

[47] محمود السعدي ونايف زيداني، "10 شهداء و40 مصاباً في إطلاق الاحتلال عدوان 'السور الحديدي' على جنين"، "العربي الجديد"، "تقارير عربية"، 21 كانون الثاني / يناير 2025، في الرابط الإلكتروني.

[48] الملاحَظ أنه بينما ينتمي قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية إلى حركة "فتح"، ويتبعون الرئيس الفلسطيني مباشرة، فإن الحكومة وأعضاءها غالباً ما باتوا من خارج الحركة.

[49] ذهبت "فتح" بعد تردد إلى حوارات دعت إليها دول وسيطة، مع حركة "حماس" وسائر الفصائل في كل من موسكو (آذار / مارس 2024)، وبكين (تموز / يوليو 2024). وقد استبق محمد اشتية لقاءات موسكو بتقديم استقالته لإتاحة المجال لتأليف حكومة توافقية جديدة، لكن عباس سارع إلى تأليف حكومة من دون التشاور مع أي من مكونات القوى السياسية الفلسطينية، أو حتى مع قادة حركة "فتح" ذاتها. أمّا اتفاق بكين فنَشرت تقارير عن رفض الرئيس عباس الالتزام به، ولم يقرّ توقيع وفد "فتح" له، ولم يُجرِ أي متابعة لهذه الاتفاقيات. يُنظر: "الفصائل الفلسطينية المجتمعة في موسكو تتفق على استمرار الحوار بجولات حوارية قادمة للوصول إلى الوحدة الوطنية، وتذليل العقبات في سبيل تحقيقها"، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية ("وفا")، 1 / 3 / 2024، في الرابط الإلكتروني.

ويُنظر أيضاً:

"بدعوة من الصين: الفصائل تتفق على توحيد الموقف الفلسطيني في إطار منظمة التحرير، وإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة"، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية ("وفا"). 23 / 7 / 2024، في الرابط الإلكتروني.

Author biography: 

أحمد جميل عزم: أستاذ مشارك في دائرة الشؤون الدولية في جامعة قطر.