مقدمة
يمثل تعامل إسرائيل مع المحاكم الدولية، في أعقاب حربها على غزة، جزءاً من سياسة أوسع نطاقاً تنتهجها الدولة، والتي تعتبر الجهود التي يبذلها الفلسطينيون لاستخدام القانون الدولي لتحقيق أهداف سياسية "حرباً قانونية". ففي سنة 2001، استخدم تشارلز دنلاب الذي كان آنذاك عقيداً في هيئة المحامي العام للقوات الجوية الأميركية، مصطلح "الحرب القانونية" لوصف الكيفية التي يمكن بها تسييس القانون لتحقيق أهداف سياسية لا يمكن تحقيقها بالوسائل العسكرية. وعرَّف دنلاب الحرب القانونية بأنها "استراتيجيا استخدام القانون - أو إساءة استخدامه - كبديل من الوسائل العسكرية التقليدية لتحقيق هدف حربي."[1]
استناداً إلى مفهوم "الحرب القانونية"، دأبت إسرائيل على تأطير التحرك الاستراتيجي للفلسطينيين ومناصريهم باللجوء إلى القانون الدولي والمؤسسات القانونية الدولية باعتباره تلاعباً وسلاح حرب. فعلى سبيل المثال، عندما أعلنت فلسطين أنها تنوي الانضمام إلى نظام روما الأساسي للقانون الجنائي الدولي (نظام روما الأساسي)، قال المدعي العام العسكري للجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت أفيخاي مندلبليت إن حكومة إسرائيل ستعتبر ملاحقة الفلسطينيين لإسرائيل من خلال المحكمة الجنائية الدولية بمثابة حرب.[2]
وتهدف هذه الدراسة التي تطرح موقفاً تحليلياً إلى عرض الاستراتيجيات المتنوعة التي تنتهجها إسرائيل لتقويض الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق المساءلة، مع التركيز بصورة خاصة على محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. ومن أجل فَهْم تعامل إسرائيل الحالي وموقفها تجاه المحاكم الدولية، فإن هذه الدراسة ستتطرق إلى التكتيكات التي استخدمتها إسرائيل قبل عدوانها الأخير على غزة للمساعدة في فهم كيف تخدم هذه التكتيكات تحركات إسرائيل الأخيرة رداً على ما تراه تهديداً استراتيجياً كبيراً.
التكتيكات الإسرائيلية السابقة في التعامل مع الأطر القانونية الدولية
نظر الإسرائيليون ومؤيدوهم إلى مسعى إقامة الدولة الفلسطينية باعتباره لحظة فاصلة في "الحرب القانونية" الفلسطينية ضد إسرائيل، لأنه فتح الباب أمام تقديم شكاوى ضدها في الأمم المتحدة وهيئات معاهدة حقوق الإنسان والمحاكم الدولية.[3] ومع اعتماد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ذي الرقم 19/67، والذي منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو، صار في إمكان السلطة الفلسطينية الانضمام إلى المعاهدات الدولية. ولذلك تعرضت السلطة الفلسطينية لضغوط من إسرائيل وحلفائها للامتناع من القيام بهذه الخطوة. وفي تموز / يوليو 2013، توسط وزير الخارجية الأميركي جون كيري في عقد صفقة وَعدت فيها إسرائيل بالإفراج عن 104 أسرى فلسطينيين في مقابل امتناع فلسطين من الانضمام إلى المنظمات والمعاهدات الدولية لمدة تسعة أشهر. [4]
وصورت إسرائيل "الحرب القانونية" الفلسطينية بمصطلحات واسعة وعلى نحو شامل لا يقتصر على انضمام فلسطين إلى المعاهدات الدولية والمؤسسات القانونية الدولية. ففي المسح الاستراتيجي لإسرائيل الذي نشره معهد دراسات الأمن القومي، سلط يهودا بن مئير وأوين ألترمان الضوء على دور المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني في جهود نزع الشرعية عن إسرائيل من خلال حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) وتكتيكات الحرب القانونية.[5] وعلى سبيل المثال، أشارا إلى تقرير غولدستون بشأن عملية "الرصاص المصبوب" في غزة (كانون الأول / ديسمبر 2008 / كانون الثاني / يناير 2009) الذي اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، وقال إنه يمكن تصنيف بعض الجرائم أنها جرائم ضد الإنسانية، وجادلا في أن المنظمات غير الحكومية اضطلعت بدور حاسم في صوغ تقرير غولدستون. أمّا بالنسبة إلى مفهوم الحرب القانونية، فذكرا أنه يشمل "نظر محكمة العدل الدولية في جدار الفصل في الضفة الغربية، واستخدام الولاية القضائية العالمية لملاحقة الجنود والمسؤولين الإسرائيليين، ومحاولة منح المحكمة الجنائية الدولية الاختصاص القضائي."[6]
منذ سنة 2009، أنشأت الحكومة الأمنية الإسرائيلية مكتباً خاصاً داخل وزارة العدل الإسرائيلية للتعامل مع جميع الإجراءات القانونية الدولية ضد إسرائيل والمسؤولين والجنود الإسرائيليين.[7] واضطلعت وزارة الشؤون الاستراتيجية بدور رئيسي في مواجهة ما يسمى الحرب القانونية الفلسطينية، بما في ذلك حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. وكانت وزارة الشؤون الاستراتيجية قد أُنشئت في سنة 2006، وترأسها أفيغدور ليبرمان بهدف تنسيق المبادرات الأمنية والاستخباراتية والدبلوماسية فيما يتعلق بالتهديدات الاستراتيجية التي تواجه إسرائيل، وخصوصاً إيران. ومع مرور الوقت، صار يُنظر إلى حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات بشكل متزايد على أنها تهديد، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو إلى أن يُعلن في سنة 2015 أن إيران وحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات تشكلان تهديداً استراتيجياً لإسرائيل.[8] وعيّن نتنياهو غلعاد أردان وزيراً لوزارة الشؤون الاستراتيجية لمحاربة "نزع الشرعية عن إسرائيل". وفور تعيينه، أعلن أردان أنه "سيتصدى للأنشطة المناهضة لإسرائيل في الساحة الدولية، مثل محاولات مهاجمتنا في المحكمة الجنائية الدولية، ومحاولات الفلسطينيين طردنا من الاتحاد الدولي لكرة القدم، وغير ذلك." وقال: "إنني أخطط للتعامل مع هذه القضية بكل قوة... فهذه قضايا ملحّة، ولن نبالغ في تأكيد أهميتها مهما نَقُل."[9] ويواجه عمل وزارة الشؤون الاستراتيجية اتهامات بالسرية والافتقار إلى الشفافية،[10] وحتى تجنّب القانون من طرف الموظفين الدبلوماسيين الإسرائيليين أنفسهم.[11] فالوزارة تعتمد على شبكة من المنظمات المحلية والدولية لتنفيذ سياساتها، وقد رفضت الكشف عن قائمة الكيانات التي تنتمي إلى هذه الشبكة.[12]
في سنة 2023، قبل الحرب على غزة، نشر العميد (في الاحتياط) أورين سولومون مقالة صنّف فيها الحرب القانونية الفلسطينية أنها تهديد للأمن القومي يتطلب استراتيجيا مركّبة من عدة مستويات للتعامل معها. واقترح أن تتضمن استجابة إسرائيل للتعامل معها أربعة محاور: أولاً، تطوير القدرات اللازمة للكشف المسبق عن نيات العمل ضد إسرائيل في المحافل القانونية الدولية؛ ثانياً، منع وإحباط محاولات تقديم الشكاوى ضد إسرائيل والإسرائيليين باستخدام مجموعة متنوعة من الأساليب والإجراءات (القانونية والاستخباراتية وما إلى ذلك)؛ ثالثاً، التخويف بفرض ثمن شخصي كبير على مَن هم في مواقع السلطة الذين يعملون ضد إسرائيل، وابتزاز الحكومة الفلسطينية، مع تأكيد أن "الرسالة يجب أن تصل: ليس من الممكن العمل ضدنا من دون دفع ثمن كبير"؛ رابعاً، تشكيل تحالفات مع دول أُخرى، مع التركيز على الولايات المتحدة.[13]
ومن خلال وزارة الشؤون الاستراتيجية وغيرها من الوكالات، استخدمت إسرائيل عدداً لا يُحصى من التكتيكات العلنية والسرية للتصدي لجهود المساءلة الفلسطينية على المستوى الدولي. وتشمل هذه الاستراتيجيات ما يلي:
الضغط الاقتصادي: إحدى الأدوات التي تستخدمها إسرائيل هي ممارسة الضغط الاقتصادي، إمّا بشكل مباشر، وإمّا من خلال حلفائها، على السلطة الفلسطينية أو غيرها من الأطراف والمؤسسات. فعلى سبيل المثال، عندما صادقت دولة فلسطين في سنة 2014، على 18 معاهدة دولية، بما في ذلك نظام روما الأساسي، ردت إسرائيل بحجب 127 مليون دولار من عائدات الضرائب الشهرية التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية. وقُدِّر أن عائدات الضرائب هذه توفر نحو 80% من ميزانية التشغيل الشهرية للسلطة الفلسطينية البالغة 160 مليون دولار.[14] وعندما أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أنها ستفتح تحقيقاً أولياً في قضية فلسطين، باشر وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان في حملة لإقناع الدول الرئيسية التي تموّل المحكمة الجنائية الدولية بخفض مساهماتها. ومن الجدير بالذكر أن أكثر من نصف الميزانية السنوية للمحكمة الجنائية الدولية تأتي من أكبر سبع دول مانحة هي اليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وكندا.[15] وحاولت الولايات المتحدة أيضاً بدورها ممارسة ضغط اقتصادي على وكالات الأمم المتحدة التي قبلت فلسطين كدولة عضو من خلال وقف تمويلها.[16]
استهداف جمعيات حقوق الإنسان الفلسطينية: الافتراض السائد في إسرائيل هو أن جمعيات حقوق الإنسان الفلسطينية تضطلع بدور رئيسي في توثيق الانتهاكات الصارخة التي ترتكبها إسرائيل في حقّ القانون الدولي، وأن العمل الذي تؤديه ضروري لرفع قضايا ضد إسرائيل أمام المحافل الدولية. وفي مقالة حديثة صدرت عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي كتبها آرثر لينك، سفير إسرائيل السابق في جنوب أفريقيا، ويناقش فيها قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، جادل المؤلف في أن "الأرجح أن الوثائق أعدّها فريق قانوني دولي يعمل مع إدارة شؤون المفاوضات الفلسطينية التي زوّدته بالعديد من الاقتباسات والتفصيلات والأرقام المستمدة من مصادر محلية، ولم يتم تحريرها إلّا على نحو طفيف مع لمسات جنوب أفريقية. فجنوب أفريقيا ليس لديها أي حضور محلي مهم، أو معرفة داخلية، يمكّنانها من إعداد مثل هذا الملف."[17] هذا الافتراض العملي يفسّر استهداف إسرائيل لجمعيات حقوق الإنسان الفلسطينية. فعلى سبيل المثال، نشرت وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية في سنة 2019 تقريراً عنوانه "إرهابيون في بدلات رسمية: العلاقات بين المنظمات غير الحكومية التي تروج لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها، وبين المنظمات الإرهابية".[18] وتضمّن التقرير ادعاءات لا أساس لها ومعلومات قديمة تهدف إلى ربط جمعيات حقوق الإنسان بأعمال العنف.
كما نشرت وزارة الشؤون الاستراتيجية تقريراً إضافياً بعنوان "مسار الأموال: تمويل الاتحاد الأوروبي للمنظمات التي تروج لمقاطعة دولة إسرائيل"،[19] وفيه تتهم الاتحاد الأوروبي بمنح المساعدات المالية للمنظمات التي تروج لحركة مقاطعة إسرائيل، والتي لها صلات بجماعات إرهابية. غير أن مكتب الاتحاد الأوروبي في إسرائيل وصف التقرير بأنه يحتوي على مزاعم "لا أساس لها من الصحة وغير مقبولة."[20]
في سنة 2021، صنفت إسرائيل 6 جمعيات فلسطينية تدافع عن حقوق الإنسان (مؤسسة الحقّ؛ مؤسسة الضمير؛ مركز بيسان للبحوث والتطوير؛ الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين؛ اتحاد لجان المرأة الفلسطينية؛ اتحاد لجان العمل الزراعي) على أنها منظمات إرهابية.[21]
ومع ذلك، ثبت أن هذه التكتيكات ذات تأثير محدود، إذ تعرضت خطوة إسرائيل لانتقادات شديدة في بيان مشترك أصدرته هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية،[22] وكذلك في بيان مشترك أصدره العديد من خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الذين وصفوا خطوة إسرائيل بأنها "هجوم مباشر على حركة حقوق الإنسان الفلسطينية، وعلى حقوق الإنسان في كل مكان."[23] وفي تموز / يوليو 2022، أصدرت 9 دول أوروبية بياناً مشتركاً أعلنت فيه أنها ستواصل العمل مع الجمعيات الفلسطينية الست التي حظرتها إسرائيل بسبب فشل إسرائيل في إثبات ادعائها بوجوب اعتبارها منظمات إرهابية.[24] وفي آب / أغسطس 2022، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالة كشفت فيها أن تقريراً سرياً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية يُظهر أن الوكالة لم تتمكن من العثور على أي دليل يدعم قرار إسرائيل بتصنيف 6 جمعيات غير حكومية فلسطينية بارزة أنها منظمات إرهابية.[25]
استهداف الأفراد: إلى جانب استهداف جمعيات حقوق الإنسان الفلسطينية، استهدفت إسرائيل الأفراد أيضاً، سواء في العلن أو في السر. وتشمل العمليات العلنية الحظر من السفر والتشهير والاتهامات الكاذبة بالإرهاب وإثارة الشكوك في نزاهة الفرد المستهدف المهنية. وبين أولئك المستهدفين على سبيل المثال، شعوان جبارين، المدير العام لـ "مؤسسة الحقّ" الذي تعرّض لمضايقات منهجية من طرف السلطات الإسرائيلية. ففي سنة 2019، نشرت منصة 4IL الإعلامية الرقمية التي تملكها الدولة الإسرائيلية، ولها صلات بوزارة الشؤون الاستراتيجية، مقالة تتهم جبارين "بالإرهاب"، الأمر الذي أدى إلى نشر تعليقات تشهِّر به وتهديدات بالقتل ضده على منصاتها العامة من دون شطب هذه التعليقات.[26] وقبل ذلك، كان قد فُرض عليه حظر السفر الذي منعه من المشاركة في فاعليات في الخارج.[27]
كما شنّت منظمات ذات علاقات وثيقة بجهاز الأمن الإسرائيلي هجمات علنية مستهدفة أفراداً. فعندما أعلنت المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا عن فتح تحقيق في الجرائم الدولية المتهَمة إسرائيل بارتكابها في غزة والضفة الغربية، نشر مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية مقالة تتهم بنسودا التي شغلت منصب وزيرة العدل في غامبيا، بدعم النظام الاستبدادي في بلدها، والمسؤول عن انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان. كما اتهمتها المقالة بانتهاك واجبها في التصرف "على نحو مهني وموضوعي وأخلاقي" من خلال تعاونها مع الفلسطينيين بشأن إجراءات تقديم طلب الانضمام إلى نظام روما، ورفع قضية ضد إسرائيل.[28]
أمّا العمليات السرية فتشمل مراقبة المدافعين الفلسطينيين عن حقوق الإنسان باستخدام برامج التجسس. ففي تشرين الثاني / نوفمبر 2021، كشفت منظمة فرونت لاين ديفندرز أنها أجرت تحقيقاً فنياً أكد أن هواتف ستة من المدافعين الفلسطينيين عن حقوق الإنسان مخترقة ببرنامج "بيغاسوس"، وهو برنامج تجسس تبيعه مجموعة إن. إس. أو. (NSO) الإسرائيلية. وتمت مشاركة النتائج والبيانات التي جُمعت من الهواتف المستهدفة مع مركز "سيتزن لاب" (Citizen Lab) البحثي الكندي ومختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية من أجل مراجعتها والتحقق منها على نحو مستقل. وقد أيد كلاهما الاستنتاج أن الهواتف تعرضت للاختراق باستخدام برنامج "بيغاسوس".[29]
في أيار / مايو 2024، كشفت صحيفة "الغارديان" أن تحقيقاً مشتركاً أجرته مع المجلتين الإسرائيليتين +972 وLocal Call خلص إلى أن إسرائيل نظمت حرباً سرية استمرت نحو عقد من الزمن ضد المحكمة الجنائية الدولية. وشملت العملية وكالات استخباراتية تولت مراقبة كبار موظفي المحكمة الجنائية الدولية واختراق حساباتهم والضغط عليهم وتشويه سمعتهم وتهديدهم، بمَن فيهم بنسودا التي اتصل بها مباشرة رئيس الموساد السابق يوسي كوهين.[30]
التكتيكات القانونية: استخدمت إسرائيل ثلاثة أنواع من التكتيكات القانونية للتصدي لجهود المساءلة على المستوى الدولي. وتشمل هذه التكتيكات: التعامل المحدود مع المحاكم الدولية من خلال التركيز على قضايا الاختصاص القضائي؛ تجنيد الحلفاء للتدخل نيابة عنها أمام المحاكم الدولية في محاولة لإقناعها بالامتناع من ممارسة الولاية القضائية على إسرائيل؛ اتخاذ إجراءات تشير إلى أن إسرائيل تعمل على تعزيز جهاز التحقيق لديها.
استُخدم النوع الأول من التكتيكات القانونية في المرة الأولى التي أُحيلت فيها قضية الاستيطان الإسرائيلي لفلسطين على محكمة دولية عندما طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 2003 رأياً استشارياً من محكمة العدل الدولية بشأن العواقب القانونية المترتبة على بناء جدار الفصل العنصري. حينها قدمت إسرائيل بياناً مكتوباً يتضمن بالتفصيل أوجه اعتراضها على اختصاص المحكمة،[31] لكنها رفضت المشاركة في الجلسة. وعلى نحو مماثل، عندما أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية نيته فتح تحقيق بشأن الوضع في فلسطين، وطلب من الدائرة التمهيدية أن تبتّ في الاختصاص القضائي للمحكمة، لم تشارك إسرائيل بشكل مباشر، وإنما نشرت بدلاً من ذلك، رأياً صاغه النائب العام في سنة 2019 يعرض الموقف القانوني لإسرائيل. وجادلت إسرائيل في هذا المنشور في أن المحكمة الجنائية الدولية تفتقر إلى الاختصاص القضائي فيما يتصل بالوضع في فلسطين. ومع أن هذا الرأي لم يُقدم رسمياً إلى المحكمة الجنائية الدولية، إلّا إن إسرائيل استخدمته للترويج لموقفها في محافل أُخرى.[32]
وفيما يتعلق بتجنيد الحلفاء، فقد جندت إسرائيل دولاً ومنظمات للتدخل في إجراءات المحاكم الدولية في محاولة لإحباط جهود المساءلة. فعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بالرأي الاستشاري لسنة 2004 بشأن الجدار الفاصل، تدخلت الولايات المتحدة وجادلت في أن محكمة العدل الدولية ليس لها اختصاص لتبدي رأياً. وفي حالة المحكمة الجنائية الدولية، عندما أعلنت المدعية العامة بنسودا في 20 كانون الأول / ديسمبر 2019 أنها ستطلب من الدائرة التمهيدية إصدار حكم بشأن الاختصاص القضائي للمحكمة في فلسطين، وأرسلت الطلب بتاريخ 22 كانون الثاني / يناير 2020، دافع العديد من حلفاء إسرائيل، بمَن في ذلك دول ومنظمات وأفراد، عن تل أبيب باعتبارهم ليسوا أطرافاً في القضية عبر تقديم آراء جادلوا فيها أن المحكمة الجنائية الدولية ليس لها اختصاص في قضية تتعلق بفلسطين. وبين هؤلاء (على سبيل المثال لا الحصر) أستراليا والنمسا والبرازيل وجمهورية التشيك والمجر وألمانيا وأوغندا والمركز الأوروبي للقانون والعدالة ونقابة المحامين في إسرائيل و"لوفير بروجكت" (The Lawfare Project) [وهي منظمة أميركية تُعنى بالحقوق المدنية والإنسانية لليهود] وآخرون. كما شارك في إبداء الرأي محامون بريطانيون من أجل إسرائيل، والمنتدى القانوني الدولي، ومبادرة القدس، ومركز سيمون فيزنتال، والسفير الأميركي السابق دينيس روس، والأستاذ مالكولم ن. شو.[33]
أمّا النوع الثالث، فيتمثل في إحباط عملية الملاحقة أمام المحكمة الجنائية الدولية، والتي يمكن وقفها استناداً إلى مبدأ التكامل الذي يعترف بأولوية المحاكم المحلية في التحقيق في الجرائم التي تندرج ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. وقد حاولت إسرائيل إدخال بعض التغييرات البُنيوية التي من شأنها أن توحي بأن سلطاتها قادرة على التحقيق، على نحو احترافي، في مزاعم انتهاك قواعد القانون الجنائي الدولي. فعلى سبيل المثال زعم أفيخاي مندلبليت، المدعي العام العسكري السابق، في أحد منشورات معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أن الجيش الإسرائيلي أنشأ نظاماً داخل وحدة المدعي العسكري للاستشارات القانونية لأغراض عملانية، وأن الهدف من ذلك هو تقديم المشورة القانونية العملانية إلى القادة، وصولاً إلى مستوى الفرقة، بشأن كيفية تنفيذ عملياتهم بطريقة تتفق مع القانون الدولي. وبعد انتهاء العمليات العسكرية، زعم مندلبليت أن الجيش يحقق في الحوادث التي تتضمن ادعاءات ذات صدقية بشأن انتهاك قوانين الحرب.[34] وجادل آخرون في أنه من أجل تجنّب وقوع القضية ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، فإن من المهم لإسرائيل أن تتعاون، سواء علنياً أو خلف الكواليس، مع هيئات التحقيق التابعة للأمم المتحدة، وأن تستخدم أيضاً الأدوات القانونية الواردة في نظام روما، مثل مبادىء التكامل (التأكد من أن التحقيقات جارية على المستوى الوطني)، والوزن (وهو تحديد ما إذا كانت الجريمة تستحق التحقيق الجنائي الدولي) لوقف التحقيقات ضدها.[35]
التعامل مع المحاكم الدولية بعد غزة
أدت حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل على غزة إلى بدء إجراءات قانونية متنوعة ضد إسرائيل وغيرها من الدول في المحاكم الدولية، بما في ذلك القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة انتهاك التزامات أساسية بموجب اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية (اتفاقية الإبادة الجماعية)، وإصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير دفاعه آنذاك يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. كما كان لحرب الإبادة الجماعية على غزة تأثير غير مباشر في سير الإجراءات المتعلقة بالرأي الاستشاري بشأن "التبعات القانونية الناشئة عن سياسات إسرائيل وممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية"، مع أن الرأي الاستشاري طُلب قبل الحرب.
ونتيجة ذلك، وجدت إسرائيل نفسها في مواجهة واقع جديد مليء بالتحديات على الساحة الدولية لثلاثة أسباب رئيسية: أولاً، على عكس الآراء الاستشارية غير المُلزمة قانوناً، فإن قرار محكمة العدل الدولية في قضية بين دولتين، مثل تلك التي رفعتها جنوب أفريقيا، ملزم قانوناً، كما أن إصدار أوامر الاعتقال من طرف المحكمة الجنائية الدولية مُلزم قانوناً أيضاً؛ ثانياً، إن الضرر الذي يلحق بسمعة إسرائيل جرّاء قضية الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية أكبر كثيراً مقارنة بالرأي الاستشاري، وربما يؤدي إلى فرض قيود على مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، أو يفتح الباب أمام قضايا جنائية ومدنية تُرفع في محاكم أجنبية ضد أفراد آخرين، استناداً إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية. كما يمكن أن يعزز ذلك من حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات؛ ثالثاً، إن هذه الإجراءات القانونية الجديدة بادرَتْ إليها أو دعمتها دول لا جمعيات لحقوق الإنسان. والتكتيكات المستخدمة ضد جمعيات حقوق الإنسان التي أثبتت بالفعل نجاحها المحدود أقل فائدة في حالة الدول لأن من شأنها أن تورط إسرائيل في انتهاك المبادىء الأساسية لميثاق الأمم المتحدة.
ورداً على هذه التحديات الجديدة، دعت مراكز الفكر اليمينية إلى اتباع استراتيجيا أقوى. فعلى سبيل المثال، جادل رافائيل بيتون، من "معهد مسغاف لبحوث الأمن القومي والاستراتيجيا الصهيونية" في أن "تهديد القانون الدولي يهدف إلى تقييد وتقليص حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس، من دون تفويض أو مبرر. وعلى هذا النحو، وفي ضوء تداعياته، فإن هذا التهديد لا يختلف عن محاولة تخريب الإمدادات العسكرية أو المناورات، ويجب النظر إليه باعتباره تهديداً دبلوماسياً أمنياً وليس قانونياً... [التحرك ضد هذا التهديد] يجب أن تتولاه قيادة الأمن القومي، وليس المستويات القانونية."[36] لذلك، يتعيّن على إسرائيل إعادة تحديد أهدافها وإقناع الدول الأُخرى بالانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، والعمل في الوقت نفسه على نزع الشرعية عن كل من محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وثني الدول عن التعاون معهما. وإلى جانب ذلك، يتوجب على إسرائيل صوغ تفسير قانوني بديل مع دول، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، لجعل اتخاذ المحاكم الدولية موقفاً ضد إسرائيل أمراً أكثر صعوبة.[37]
وعلى النقيض من ذلك، فإن المؤسسات التي تتخذ موقفاً وسطياً، مثل معهد الديمقراطية الإسرائيلي، ثبّطت عزيمة إسرائيل عن شنّ هجوم كبير على المحكمة الجنائية الدولية وقضاتها لأن هذا من شأنه أن يعوق قدرة الدول الغربية التي تقيم الاعتبار للمحكمة الجنائية الدولية على مساعدة إسرائيل. وبدلاً من ذلك، شجع معهد الديمقراطية الإسرائيلي إسرائيل على استخدام جميع الأدوات القانونية المتاحة لها، وخصوصاً الاعتماد على مبدأ التكامل من خلال إنشاء لجنة تحقيق يمكنها أن تبدأ بملاحقات جنائية أو تحقيقات جنائية مباشرة. وأخيراً، أصر معهد الديمقراطية الإسرائيلي على أهمية تجنيد الدول الحليفة لمعركة إسرائيل القانونية.[38]
إن إقحام إسرائيل في قضية قضائية أمام محكمة العدل الدولية، والتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية للادعاء على ممارسات الحرب، أجبرا إسرائيل على تكييف استراتيجياتها. ففي الوقت الذي ما زالت إسرائيل تعتمد على الاستراتيجيات السابقة للاستجابة مع ما يجري، إلّا إنها هذه المرة اضطرت إلى التخلي عن سياسة المشاركة المحدودة، على الأقل فيما يتصل بالإجراءات القانونية الملزمة.
ويبدو أن تكتيكات المراقبة والترهيب استُخدمت على الأقل في قضية المحكمة الجنائية الدولية. ففي 20 أيار / مايو 2024، عندما أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أنه سيسعى لإصدار مذكرات اعتقال ضد نتنياهو وغالانت، قال إن "جميع المحاولات الرامية إلى عرقلة (عمل) مسؤولي هذه المحكمة أو ترهيبهم أو التأثير فيهم بصورة غير لائقة، يجب أن تتوقف على الفور، ومكتبي لن يتردد في التصرف وفقاً للمادة 70 [الجرائم في حقّ إدارة العدالة] من نظام روما الأساسي إذا استمر هذا السلوك."[39] وبعد أيام قليلة، نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرها عن التحقيق المشترك مع +972 وLocal Call في الحرب السرية التي تشنّها إسرائيل ضد المحكمة الجنائية الدولية. وفي تقريرها، قالت الصحيفة إن المحكمة الجنائية الدولية عززت تدابيرها الأمنية ضد العمليات السيبرانية، بما في ذلك إجراء عمليات تفتيش منتظمة لمكاتب المدعي العام، والتحقق الأمني من الأجهزة، والمناطق الخالية من الهواتف، وتقييم التهديدات بوتيرة أسبوعية.[40]
لقد أثارت قضية المحكمة الجنائية الدولية مقاومة واعتراضات أكثر كثيراً مقارنة بالإجراءات القانونية الأُخرى. فعلى سبيل المثال، اعتمدت إسرائيل على حلفائها داخل الولايات المتحدة لفرض عقوبات ضد المحكمة الجنائية الدولية، وضد أولئك الذين يتعاونون معها. وفي حزيران / يونيو 2024، قدم النائب الجمهوري تشيب روي مشروع قانون بعنوان "قانون مكافحة المحكمة غير الشرعية" (ICCA).[41] وهدف مشروع هذا القانون إلى فرض عقوبات مُلزمة، وقيود على إصدار التأشيرات على أي شخص أجنبي مصمم على المساعدة أو تقديم المساعدة المادية أو الدعم المالي للجهود التي تبذلها المحكمة الجنائية الدولية من أجل التحقيق في قضايا ذات صلة بإسرائيل. ويجعل قانون مكافحة المحكمة غير الشرعية فرض العقوبات المذكورة إلزامياً على موظفي المحكمة والقضاة والشهود والدول أو المنظمات التي تقدم حتى الدعم المحدود للمحكمة الجنائية الدولية. وهذا الأمر دفع إدارة بايدن إلى معارضة مشروع القانون، معتقدة أنه قد يضر بمصالح الولايات المتحدة وعلاقتها بحلفائها.[42] لكن مع تغيُّر الإدارة، فإن ترامب دعم فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، ووقّع أمراً تنفيذياً في شباط / فبراير 2025، أعلن فيه أن "الولايات المتحدة ستفرض عواقب ملموسة وخطرة على تجاوزات المسؤولين في محكمة الجنايات الدولية"، مثلما فعل في ولايته الأولى عندما وقّع الأمر التنفيذي رقم 13928 بشأن "حظر ممتلكات بعض الأشخاص المرتبطين بالمحكمة الجنائية الدولية" الذي ألغته إدارة بايدن.[43]
أمّا فيما يتعلق باستراتيجياتها القانونية، فقد استخدمت إسرائيل فيما يتصل بالرأي الاستشاري، الاستراتيجيا نفسها التي اتّبعتها حيال الرأي الاستشاري بشأن جدار الفصل العنصري، من خلال نشر بيان ركز على حجة الاختصاص القضائي مع الامتناع من المشاركة في الإجراءات الشفوية التي جرت في شباط / فبراير 2024 بعد أن شنّت إسرائيل حرب الإبادة الجماعية على غزة. وتميزت هذه الإجراءات بمثول عدد كبير بشكل ملحوظ من الدول أمام المحكمة، والتي دعمت الأغلبية العظمى منها الموقف الفلسطيني القائل إن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني.[44] واعتمدت إسرائيل أيضاً على دعم حلفائها، ولا سيما الولايات المتحدة وألمانيا، لتبنّي وجهة نظرها بأن محكمة العدل الدولية يجب أن تمتنع من إصدار رأي.
وفيما يتصل بقضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا، وبعيداً عن التداعيات القانونية للقضية، فإنها تحمل معنى رمزياً قوياً لسببين: أولاً، إن اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية من شأنه أن يقوّض الاستثناء الذي تحظى به إسرائيل، والذي بموجبه لا يمكنها، باعتبارها دولة الناجين من الهولوكوست، أن ترتكب فظائع جماعية؛ ثانياً، إن القضية رفعتها دولة لها إرث في محاربة نظام عنصري سيىء السمعة، الأمر الذي يعطيها في حد ذاته ثقلاً أخلاقياً كبيراً. وليس من المستغرب إذاً، أن تعتمد إسرائيل على مجموعة من كبار القضاة، بما في ذلك أستاذ القانون الدولي مالكولم شو للدفاع عن نفسها. كما عيّنت إسرائيل رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية السابق أهارون براك، القاضي الأكثر شهرة دولياً والناجي من الهولوكوست، في هيئة القضاة الذين نظروا في القضية. وينظر العديد من الأوساط الأكاديمية والقضائية الغربية إلى براك باعتباره قاضياً ليبرالياً وبطلاً للديمقراطية تصدى لمحاولات نتنياهو تقويض مكانة المحكمة العليا، وهذا على الرغم من دوره في "إضفاء الشرعية على معظم جرائم إسرائيل، وفي الوقت نفسه الدفاع عن واجهة 'الديمقراطية الإسرائيلية'"، مثلما تقول أورلي نوي.[45] وبقبول القاضي براك ترشيح نتنياهو له على الرغم من التاريخ المضطرب بين الاثنين، فإن هذا يعني أنه الختم النهائي المطلوب لإضفاء الشرعية على موقف إسرائيل، لكنه استقال في حزيران / يونيو 2024 متعللاً بأسباب شخصية. وشارك الفريق القانوني الإسرائيلي في جلسة الاستماع العامة التي عُقدت في كانون الثاني / يناير 2024 لاتخاذ قرار بشأن طلب الإشارة إلى التدابير الموقتة الواردة في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا. وركزت مداخلة إسرائيل على مسألتَي الاختصاص القضائي والموضوعية أو جوهر القضية، مدعية في المقام الأول أن إسرائيل كانت تدافع عن نفسها.[46] وقد واصلت إسرائيل التعامل مع المحكمة، بما في ذلك تقديم ملاحظات على طلب جنوب أفريقيا للإشارة إلى تدابير موقتة إضافية، وتعديل التدابير الموقتة السابقة للمحكمة في شباط / فبراير[47] وآذار / مارس 2024.[48]
كما شاركت إسرائيل بنشاط في إجراءات المحكمة الجنائية الدولية المتعلقة بإصدار مذكرات اعتقال ضد نتنياهو وغالانت، لكنها على عكس الإجراءات التي اتّبعتها سابقاً مع المحكمة الجنائية الدولية بشأن الاختصاص القضائي للمحكمة، قررت حذف هذه المرة تقديم مذكرتين إلى المحكمة: ركزت المذكرة الأولى على مسائل الاختصاص القضائي، وفيها جادلت إسرائيل في أن "السيادة على الضفة الغربية وقطاع غزة لا تزال معلّقة، ولا توجد 'أراضي' دولة (ضمن ما ينصّ عليه نظام روما) يمكن للمحكمة أن تمارس عليها اختصاصها."[49] كما زعمت أن المحكمة الجنائية الدولية لا يمكنها ممارسة الاختصاص إلّا إذا "فوضت" الدولة الطرف على تلك الأراضي أو "نقلت" اختصاصها إلى المحكمة. وجادلت إسرائيل كذلك في أن اتفاق أوسلو ينص بوضوح على أن السلطة الفلسطينية ليس لديها ولاية جنائية على المنطقة المصنفة "ج" والقدس والمواطنين الإسرائيليين، وبالتالي، لا يمكنها تفويض مثل هذه الولاية إلى المحكمة.[50]
وفي المذكرة الثانية، ركزت إسرائيل على مبدأ التكامل، وزعمت أن المدعي العام خالف هذا المبدأ من خلال فشله في تقديم إشعار محدد بما فيه الكفاية بشأن تحقيقه وفشله في إتاحة الفرصة لإسرائيل لممارسة حقها في التحقيق بنفسها في الادعاءات التي صاغها.[51]
وجنّدت إسرائيل حلفاءها أيضاً للتدخل في إجراءات المحكمة الجنائية الدولية، والدولة الأولى التي فعلت ذلك هي المملكة المتحدة في ظل الحكومة المحافظة السابقة، والتي طلبت من المحكمة منحها الإذن بتقديم ملاحظات. ومنحت غرفة ما قبل المحاكمة الإذن في 27 حزيران / يونيو 2024، مشترطة أن تقتصر المذكرات المقدمة على عشر صفحات.[52] وفي النهاية، لم تقدم المملكة المتحدة ملاحظات إلى المحكمة، إلّا إن الولايات المتحدة[53] وألمانيا[54] والأرجنتين[55] والمجر[56] وجمهورية التشيك[57] وجمهورية الكونغو الديمقراطية[58] قدمت مذكرات تتبنّى حجة مماثلة لتلك التي أثارتها إسرائيل، وفعل الشيء نفسه أفراد أو مجموعات أُخرى، مثل محامي المملكة المتحدة من أجل إسرائيل، ومنظمة بناي بريث التي مقرها في المملكة المتحدة، والمنتدى القانوني الدولي، ومبادرة المقدسيين، ومركز سيمون فيزنتال.[59]
واستمر حلفاء إسرائيل في إرسال إشارات بعدم الرغبة في التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية بعد صدور مذكرات الاعتقال. فعلى سبيل المثال، أدلى مسؤولون فرنسيون وإيطاليون وألمان بتصريحات علنية تشير إلى أنهم قد لا يتعاونون مع المحكمة الجنائية الدولية.[60] كما أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بياناً قالت فيه إنه "لا يمكن إلزام دولة بالتصرف بشكل يتعارض مع التزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بحصانات الدول غير الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية."[61] وصرّح وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بأن "اعتقال نتنياهو غير ممكن، على الأقل ما دام هو رئيس حكومة"،[62] بينما أدلى المسؤولون الألمان بتصريحات متناقضة بشأن هذه المسألة، وسلط متحدث باسم الحكومة الألمانية الضوء على "صعوبة تصور" احتجاز ألمانيا لنتنياهو على أراضيها.[63]
وفي كانون الأول / ديسمبر 2024، قدمت إسرائيل استئنافين ضد قرار المحكمة برفض الحجتين اللتين قدمتهما لتقويض اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.[64]
وأخيراً، هناك ضغوط متزايدة في إسرائيل لتعيين لجنة تحقيق رسمية[65] يمكن استغلالها للقول إن إسرائيل تحقق في مزاعم انتهاك القانون الإنساني الدولي بهدف قطع الطريق على التحقيقات التي تجريها المحكمة الجنائية الدولية على أساس مبدأ التكامل.
ماذا نتوقع بعد ذلك؟
لا شك في أن إسرائيل ستواصل استخدام التكتيكات التي تم تفصيلها أعلاه لوقف جهود المساءلة على المستوى الدولي، ومع ذلك، فإن نجاحها أو فشلها يعتمدان أيضاً على نجاح القيادة الفلسطينية والمجتمع المدني في فلسطين والخارج في حشد الجهات الفاعلة الأُخرى. ففي حزيران / يونيو 2024، أصدرت 93 دولة هي أطراف في نظام روما بياناً يدعم المحكمة الجنائية الدولية ويؤكد "أن المحكمة ومسؤوليها وموظفيها سيؤدون واجباتهم المهنية كموظفين مدنيين دوليين من دون ترهيب."[66] وقدم العديد من الدول فعلاً مذكرات إلى المحكمة الجنائية الدولية إمّا بشكل فردي، وإمّا بصورة مشتركة، لدعم اختصاص المحكمة، بما في ذلك: إسبانيا[67] وإيرلندا[68] والنرويج[69] والبرازيل[70] وكولومبيا[71] وجنوب أفريقيا وبنغلادش وبوليفيا وجزر القمر وجيبوتي[72] وشيلي والمكسيك.[73] كما دعمت منظمة التعاون الإسلامي[74] وجامعة الدول العربية[75] اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وبادرت جمعيات حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات وخبراء حقوق الإنسان إلى دعم اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك لجنة الحقوقيين الدولية،[76] والمقررون الخاصون للأمم المتحدة المكلفون بولايات الإجراءات الخاصة لدى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.[77]
وبادرت ريبيكا إنغبر إلى جمع وتحليل البيانات الرسمية الصادرة عن الدول رداً على قرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال ضد نتنياهو وغالانت، وصنفتها إلى 7 فئات. ووفقاً لتحليلها، أعربت 17 دولة عن دعمها السياسي واستعدادها للامتثال لقرار المحكمة الجنائية الدولية؛ و18 دولة عن استعدادها للامتثال؛ ودولة واحدة عن دعمها السياسي وحده؛ و6 دول عن موقف غير ملزم؛ و4 دول عن موقف نقدي لتدخّل المحكمة لأسباب سياسية؛ ودولة واحدة عن موقف نقدي لأسباب قانونية و / أو اقتراح بعدم الامتثال؛ و4 دول عن انتقادها لأسباب سياسية وقانونية و / أو اقتراح بعدم الامتثال.[78] وهذا الأمر يشير إلى أن مواقف الأغلبية العظمى من الدول كانت مؤيدة لجهود المساءلة في القانون الدولي. ومن المهم أيضاً أن نتذكر أنه يمكن الطعن بنجاح في السياسة الرسمية بعدم احترام مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية في المحاكم الوطنية، ولذلك، يتعين على أولئك الذين يعملون على تعزيز جهود المساءلة على المستوى الدولي أن يكونوا مستعدين للمضي قدماً بهذه الخطوة عند الضرورة.
أمّا لجهة الضغوط الاقتصادية، فقد أعلنت إسبانيا مؤخراً عن زيادة تمويل المحكمة الجنائية الدولية بمقدار 1,6 مليون يورو،[79] بينما أعلنت بلجيكا في تشرين الثاني / نوفمر 2023 أنها ستقدم 5 ملايين يورو لتعزيز جهود المحكمة الجنائية الدولية في التحقيق فيما يتصل بالحرب في غزة.[80] وينبغي للقيادة الفلسطينية وحلفائها أن يقوموا مع الدول الأُخرى الأعضاء في نظام روما بالشيء نفسه.
وأخيرا، فإن نجاح إسرائيل (أو فشلها) في استغلال مبدأ التكامل يعتمد على نجاح الاطراف الأُخرى في دحض الحجة القائلة إن إسرائيل قادرة حقاً على التحقيق في مزاعم الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي التي ارتكبها رؤساء دولها وكبار قادتها العسكريين وجنودها العاديون.
باختصار، هذه لحظة حاسمة لجهود المساءلة وللقانون الدولي نفسه، كما أن تسخير جميع إمكانات هذه اللحظة التاريخية أم لا يعتمد على الإجراءات اللاحقة التي ستتخذها الجهات الفاعلة التي أبدت مؤشرات إلى استعدادها لدعم جهود المساءلة، ويتعين على حلفاء الشعب الفلسطيني وقدرته حشد الجهات الفاعلة الدولية وتحريكها.
* عنوان الدراسة بالإنجليزية:
“Israel Strategies in Dealing with Accountability Efforts in International Fora after Gaza”.
ترجمتها إلى العربية: صفاء كنج.
المصادر:
[1]Charles J. Dunlap, Jr., “Lawfare Today: A Perspective”, Yale Journal of International Affairs, vol. 3, no. 1 (Winter 2008), pp. 146 – 154.
[2] Colum Lynch, “Should Israel Fear ICC War Crimes Prosecutions if Palestine Becomes a State?” Foreign Policy, 12 September 2011,
[3] Orde F. Kittrie, Lawfare: Law as a Weapon of War (Oxford: Oxford University Press, 2015).
[4] Ibid.
[5] Yehuda Ben Meir and Owen Alterman, “The Delegitimization Threat: Roots, Manifestations, and Containment”, in Strategic Survey for Israel, edited by Shlomo Brom (Tel Aviv: Institute for National Security Studies/INSS, 2011), pp. 121-137.
[6] Ibid., p. 130.
[7] Kittrie, op. cit.
[8] “Netanyahu Tells Jpost Conference: Iran, BDS Emerging as Threats to Israel on World Stage”, The Jerusalem Post, 7 June 2015,
[9] “Israel's Answer to the BDS Movement-Gilad Erdan”, The Jerusalem Post, 25 May 2015,
[10] Uri Blau, “Inside the Clandestine World of Israel's ‘BDS-busting’ Ministry”, Haaretz, 26 March 2017,
[11] Ian Cobain, Ewen MacAskill and Peter Beaumont, “Israeli Diplomats Cautioned Against ‘operating’ British Jewish Organization”, The Guardian, 9 January9, 2017,
[12] Itamar Benzaquen and The Seventh Eye, “Israeli Ministry Paying for Anti-BDS Propaganda in Major News Outlets”, +972 Magazine (January 14, 2020),
https://www.972mag.com/anti-bdspropaganda--ministry-media/
[13] أورن سولومون، "يجب علينا تغيير الاستراتيجيا: دفاع المحكمة العليا ضد محكمة لاهاي ضعيف"، "ماكور ريشون" (بالعبرية)، 22 / 3 / 2023، في الرابط الإلكتروني التالي:
https://www.makorrishon.co.il/opinion/594943/
[14] Kittrie, op. cit.
[15] Ibid.
[16] Ibid.
[17] Arthur Lenk, “South Africa and the Claim Israel Is Committing Genocide in Gaza”, Institute for National Security Studies/INSS, January 2020,
https://www.inss.org.il/strategic_assessment/south-africa/
[18] “Special Report: The Ties between NGOs Promoting BDS and Terror Organizations”, [Israeli] Prime Minister's Office, 1 August 2019,
https://www.gov.il/en/pages/terrorists_in_suits
[19] “The Money Trail: European Union Financing of Organizations Promoting Boycotts against the State of Israel”, “Ministry of Strategic Affairs and Public Affair”, 2nd Edition, January 2019,
https://www.gov.il/BlobFolder/generalpage/money_trail/en/strategic_affairs_money_en.pdf
[20] European Union Delegation to the State of Israel, “Tweet on Tweeter”, 23 January 2019
https://twitter.com/EUinIsrael/status/1087995069616046080
[21] “The Minister of Defense Designated Six Organizations of the ‘Popular Front for the Liberation of Palestine’ as Terror Organizations”, National Bureau for Counter Terror Financing,
https://nbctf.mod.gov.il/en/Pages/211021EN.aspx
[22] “Israel/Palestine: Designation of Palestinian Rights Groups as Terrorists”, Human Rights Watch, 4 October 2021,
[23] “UN Experts Condemn Israel’s Designation of Palestinian Human Rights Defenders as Terrorist Organizations”, 25 October 2021,
[24] 'Hagar Shezaf and Haaretz,” ‘Insufficient Evidence’: Nine EU Nations to Keep Ties With Palestinian NGOs Israel Blacklisted as Terrorist Groups”, 12 July 2022,
[25] Isaac Scher, “CIA Unable to Corroborate Israel’s ‘Terror’ Label for Palestinian Rights Groups”, The Guardian, 22 August 2022,
https://www.theguardian.com/world/2022/aug/22/cia-report-israel-palestinian-rights-groups
[26]“Israel/OPT: Smear Campaign Against Al-Haq & Shawan Jabarin”, International Federation for Human Rights (FIDH), 26 July 2019,
[27]“Israel: Revoke Rights Defender’s Travel Ban”, Human Rights Watch, 2 March 2012,
https://www.hrw.org/news/2012/03/02/israel-revoke-rights-defenders-travel-ban
[28] Eytan Gilboa, “The ICC’s Decision to Investigate Israel is Baseless but Dangerous”, “The Begin-Sadat Center for Strategic Studies/BESA”, 9 February 2021,
https://besacenter.org/the-iccs-decision-to-investigate-israel-is-baseless-but-dangerous/
[29]“Six Palestinian Human Rights Defenders Hacked with NSO Group’s Pegasus Spyware”, Front Line Defenders, 8 November 2021,
https://www.frontlinedefenders.org/en/statement-report/statement-targeting-palestinian-hrds-pegasus
[30]“Revealed: Israeli Spy Chief ‘Threatened’ ICC Prosecutor over War Crimes Inquiry”, The Guardian, 28 May 2024,
[31] رسالة مؤرخة 29 كانون الثاني / يناير 2004 من نائب المدير العام والمستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية، مصحوبة بالبيان المكتوب الصادر عن حكومة إسرائيل (26 كانون الثاني / يناير 2004)، في الرابط الإلكتروني التالي:
https://www.icj-cij.org/sites/default/files/case-related/131/1579.pdf
[32] "التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي"، موقع وزارة العدل الإسرائيلية الإلكتروني (بالعبرية)، 6 / 12 / 2021، في الرابط التالي:
https://www.gov.il/he/pages/international-criminal-court
[33] يُنظر القرار بشأن "طلب الادعاء بموجب المادة 19 (3) لإصدار حكم بشأن الاختصاص الإقليمي للمحكمة في فلسطين" رقم ICC-01/18، 5 شباط / فبراير 2021، في الرابط الإلكتروني التالي:
https://www.icc-cpi.int/sites/default/files/CourtRecords/CR2021_01165.PDF
[34] Avihai Mandelblit, “Lawfare: The Legal Front of the IDF”, Institute for national Security Studies/INSS, 1 April 2015,
https://www.inss.org.il/publication/lawfare-the-legal-front-of-the-idf/
[35] Bary Levy and Shir Rozenzweig, “Israel and the Criminal Court: A Legal Battlefield”, The Institute for National Security Studies/INSS, July 2016,
[36] Raphael Bitton, “The International Courts: Not a Legal Problem, but a Strategic Diplomatic-Security Challenge”, Misgav Institute for National Security & Zionist Strategy, 28 January 2024,
[37] Ibid.
[38] Eran Shamir-Borer and Amichai Cohen, “The International Criminal Court Issues Arrest Warrants Against Prime Minister Netanyahu and Former Defense Minister Yoav Gallant”, The Israeli Democratic Institute, 28 November 2024,
https://en.idi.org.il/articles/57328
[39] “Statement of ICC Prosecutor Karim A.A. Khan KC: Applications for Arrest Warrants in the Situation in the State of Palestine”, International Criminal Court/ICC, 20 May 2024,
[40]Harry Davies, Bethan McKernan and Yuval Abraham, “Spying, Hacking and Intimidation: Israel’s Nine-Year ‘War’ on the ICC Exposed”, The Guardian, May 28, 2024,
[41] 118th Congress, 2nd Session/ H.R. 8282, An Act “To Impose Sanctions with Respect to the International Criminal Court Engaged in Any Effort to Investigate, Arrest, Detain, or Prosecute Any Protected Person of the United States and its Allies”, 7 May 2024,
https://www.congress.gov/118/bills/hr8282/BILLS-118hr8282ih.htm
[42]“Statement of Administration Policy/H.R. 8282–The Illegitimate Court Counteraction Act”, 3 June 2024,
https://www.whitehouse.gov/wp-content/uploads/2024/06/SAP-HR8282.pdf
[43] “Ending Sanctions and Visa Restrictions Against Personnel of the International Criminal Court”, US Department of State, 2 April 2021,
[44] “The ICJ Advisory Opinion on Israel’s Occupation of the OPT/Summary of Hearings”, Diakonia International Humanitarian Law Center, 22 April 2024,
https://www.diakonia.se/ihl/news/icj-advisory-opinion-israel-occupation-opt-hearings-summary/
[45] Orly Noy, “At the Hague, Aharon Barak will Play Dr. Jekyll to Israel’s Mr. Hyde”, +972 Magazine (10 January 2024),
https://www.972mag.com/aharon-barak-the-hague-israel-genocide/
[46] “President Donoghue Presiding in the Case Concerning Application of the Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide in the Gaza Strip (South Africa v. Israel)”, “Verbatim Record”, International Court of Justice in The Hague, 12 January 2024,
https://www.icj-cij.org/sites/default/files/case-related/192/192-20240112-ora-01-00-bi.pdf
[47] “Observations of the State of Israel on the Republic of South Africa’s ‘Urgent Request for Additional Measures under Article 75(1) of the Rules of Court’ ”, International Court of Justice in The Hague, 12 February 2024,
https://www.icj-cij.org/sites/default/files/case-related/192/192-20240215-wri-01-00-en-1.pdf
[48] “Observations of the State of Israel on the Request Filed by the Republic of South Africa on 6 March 2024 for the Indication of Additional Provisional Measures and/or the Modification of Measures Previously Indicated”, International Court of Justice in The Hague, 15 March 2024
https://www.icj-cij.org/sites/default/files/case-related/192/192-20240315-wri-01-00-en.pdf
[49] “Public Redacted Version of Israel’s Challenge to the Jurisdiction of the Court Pursuant to Article 19(2) of the Rome Statute”, International Criminal Court, 23 September 2024,
https://www.icc-cpi.int/sites/default/files/RelatedRecords/0902ebd180994066.pdf
[50] Ibid.
[51] “Abridged Request for an Order Requiring an Article 18(1) Notice, and Staying Proceedings Pending Such a Notice”, International Criminal Court, 23 September 2024,
https://www.icc-cpi.int/sites/default/files/RelatedRecords/0902ebd180994069.pdf
[52] “Public Redacted Version of ‘Order Deciding on the United Kingdom’s Request to Provide Observations Pursuant to Rule 103(1) of the Rules of Procedure and Evidence, and Setting Deadlines for any Other Requests for Leave to file amicus curiae Observations’ ”, International Criminal Court, 27 June 2024,
https://www.icc-cpi.int/sites/default/files/CourtRecords/0902ebd1808bb469.pdf
[53] ملاحظات مكتوبة من الولايات المتحدة الأميركية وفقاً للقاعدة 103 (6 / 8 / 2024)، في الرابط الإلكتروني التالي:
https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-300
[54] “Observations Pursuant to Rule 103(1) of the Rules of Procedure and Evidence”, “ICC-01/18-307-Corr”, International Criminal Court, 7 October 2024,
https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-307-corr
[55] “Written Amicus Curiae Observations by the Argentine Republic (Pursuant to Rule 103), “ICC-01/18-269”, International Criminal Court, 2 August 2024,
https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-269
[56] “Amicus Curiae Observations of Hungary Pursuant to Rule 103”, “ICC-01/18-296”, International Criminal Court, 6 August 2024,"
https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-296
[57] “Written Observations as Amicus Curiae under Rule 103-Czech Republic”,
“ICC-01/18-294”, International Criminal Court, 6 August 2024, https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-294
[58] “Observations écrites de la République démocratique du Congo en vertu de l'ordonnance du 27 juin 2024 fixant les délais pour les demandes d'autorisation de déposer des observations écrites”, “ICC-01/18-326”, International Criminal Court, 12 August 2024,
https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-326
[59] “Observations on (1) Jurisdiction and Complementarity and (2) Inaccuracies and Omissions in the Prosecutor’s Applications for Arrest Warrants Pursuant to Rule 103(1) of the Rules of Procedure on Behalf of the Non-Governmental Organisations UK Lawyers for I”, “ICC-01/18-272”, International Criminal Court, 5 August 2024,
https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-272
[60] Mared Gwyn Jones, “Fact check: Where do EU Countries Stand on ICC’s Arrest Warrant for Netanyahu?” “Euro News”, 3 December 2024,
[61] Ibid.
[62] Ibid.
[63] Ibid.
[64]Jeremy Sharon, “Appealing ICC Arrest Warrants, Israel Says Court Violated its Own Charter and Rulings”, Times of Israel, 15 December 2024,
[65]“The Majority of the Israeli Public Supports Establishing a State Commission of Inquiry into the Events of October 7”, The Israeli Democracy Institute, 29 August 2024,
https://en.idi.org.il/articles/55785
[66] “Joint Statement in Support of the International Criminal Court”, “Government of Canada/ Global Affairs”, 17 June 2024,
[67] “Amicus Curiae Observations of the Kingdom of Spain Pursuant to Rule 103 of the Rules of Procedure and Evidence”, “ICC-01/18-318”, International Criminal Court, 6 August 2024,
https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-318
[68] “Written Observations of Ireland Pursuant to Rule 103”, “ICC-01/18-306”, International Criminal Court, 6 August 2024,
https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-306
[69]“Written Observations by Norway Pursuant to Rule 103 of the Rules of Procedure and Evidence”, “ICC-01/18-264”, International Criminal Court, 5 August 2024,
https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-264
[70] “Written Observations by Brazil Pursuant to Rule 103 ICC-01/18-316”, International Criminal Court, August 6, 2024,
https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-316-0
[71] “Written Observations by Colombia Pursuant to Rule 103”, “ICC-01/18-299”, International Criminal Court, 6 August 2024,
https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-299
[72]“Written Observations by South Africa, Bangladesh, Bolivia, Comoros, and Djibouti Pursuant to Rule 103”, “ICC-01/18-309”, International Criminal Court, 6 August 2024,
https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-309
[73] “Written Observations of Chile and Mexico Pursuant to Rule 103(1) of the Rules of Procedure and Evidence”, “ICC-01/18-284”, International Criminal Court, 6 August 2024,
https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-284
[74] “Observations by the Organization of Islamic Cooperation to Pre-Trial Chamber I Pursuant to Rule 103 of the Rules of Procedure and Evidence”, “ICC-01/18-268”, International Criminal Court, 5 August 2024,
https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-268
[75] “League of Arab States-Written Observations Pursuant to Rule 103”, “ICC-01/18-282”, International Criminal Court, 6 August 2024,
https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-282
[76] “Amicus Curiae Observations by the International Commission of Jurists (Pursuant to Rule 103 of the Rules)” “ICC-01/18-311”, International Criminal Court, 6 August 2024,
https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-311
[77] “Amicus Curiae Submission by the United Nations Mandate Holders of the Human Rights Council”, “ICC-01/18-320”, International Criminal Court, 6 August 2024,
https://www.icc-cpi.int/court-record/icc-01/18-320
[78] Rebecca Ingber, “Mapping State Reactions to the ICC Arrest Warrants for Netanyahu and Gallant”, “Just Security”, 10 December 2024, https://www.justsecurity.org/105064/mapping-state-reactions-icc/
[79] “Madrid Boosts Funding for ICC and UNRWA”, “JNS”, 1 December 2024,
https://www.jns.org/madrid-boosts-funding-for-icc-and-unrwa/
[80] “Belgium Provides 5m Funding to Investigate War Crimes in Israel and Palestine”, “Belga News Agency”, 8 December 2023,